الى

من وصايا السيّد السيستانيّ للمجاهدين: فمَنْ ظّن غريباً أنصحَ له من أهله وعشيرته وأهل بلده ووالاه من دونهم فقد توهّم..

وصايا المرجع الدينيّ الأعلى سماحة السيد عليّ السيستانيّ(دام ظلّه الوارف) بخصوص آداب الجهاد أكّدت على ضرورة الالتزام والتأدّب الجهاديّ والالتزام بالأخلاق التي التَزَم بها أصحابُ النبيّ والإمامُ عليّ والأئمةُ الأطهار(عليهم السلام) أبّان الجهاد وما ورد عنهم من أحاديث وتعاليم أخذت وأجمعت عليها الأمّة وجعلتها حجّةً بينها وبين ربّها، لأنّ كلّ عملٍ يجب أن يؤطّر بأُطُرٍ شرعيةٍ مستمَدَّةٍ من تعاليم الدين الإسلاميّ ونهج النبيّ وأهل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
وهذه التوصياتُ التي أصبحت دستوراً ومنهجاً قويماً لكلّ الأحرار في العالم وليس للعراقيّين وحدهم طالبت المجاهدين المؤمنين بالتأسّي بهذا المنهج المقدّس وخاصة فيما يتعلّق بعدم البخل والضنّ بالنصح لبعضنا البعض والصفح والتجاوز عن الأخطاء أو الخطايا وإن كانت جليلة، كي تبقى تعاليمُ الدين الإسلاميّ هي المعيار الأساس في الجهاد المقدّس، مثلما أوصى الله تعالى نبيّه الكريم في قوله تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ..) وقد أشاد القرآن الكريم بهذا الخلق من النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
فالأخلاق الحسنة كثيرة وينبغي لنا التمسّك بها وتجذيرها في كافة أعمالنا ومنها الجهاد، لأنَّ لكلٍّ منها أثره وثماره، وعدم الاهتمام بها سيؤدّي إلى الحرمان من فوائدها، ومن تلك الأخلاق إبداء النصيحة فهي من أهمّ ما يمكن أن يهديه الإنسانُ لأخيه المؤمن، ولذا ورد في الحديث: (ناصحك مشفقٌ عليك، محسنٌ إليك، ناظرٌ في عواقبك، مستدركٌ فوارطك، ففي طاعته رشادُك، وفي مخالفته فسادُك)، ومن فوائد النصيحة هي إحراز عدم وقوع الإنسان في الخطأ والاعتبار بمن سبقه من الناس إلى تجربة تلك الطرق، وبهذا يأمن من الوقوع في الضرر، وما أجمل وألطف أن تكون هذه النصيحة من الأقربين أو من بني جلدتنا، فإنّها سيكون لها الوقع الأكثر في النفس وسينعكس بالإيجاب على الحياة العملية ومنها ما يقوم به المجاهدون في تدبير أمورهم.
ومن تلك الأخلاق الصفحُ وتركُ المؤاخذة الذي يعمل على تصفية القلب ظاهراً وباطناً، وهذا ما دعا اللهُ جلّ وعلا إليه عباده المؤمنين ووعدهم بالرحمة والمغفرة إن هم فعلوا ذلك كما أكّد عليه أئمّتنا(سلام الله عليهم)، فقال سبحانه وتعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) والصفحُ -كما هو معلوم- أبلغُ من العفو لذلك جاء في موضعٍ آخر قولُه تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فالعفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف بل هو قمَّةُ الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى، فالصفح من أخلاق المؤمنين وقال الحسنُ بنُ علي(عليه السلام): (لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى، لقبِلتُ عذرَه)، وقد فصَّل المعصومون(عليهم السلام) الحديث عن حسن الخلق، فقد سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) ما هو حدُّ حسن الخلق؟ فقال(عليه السلام): (تليّن جانبك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببِشْرٍ حَسَنٍ).
وورد في وصيّة المرجع الكبير(دام ظلّه) مدّ العون للمجاهدين والحثّ على إعانة عوائلهم، فمن خلال ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في قوله: (من جهّز غازياً بسلكٍ أو إبرةٍ غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر) نعلم أنّ هذه رحمةٌ من الله تعالى، لأنّ مَنْ لا يستطيع الجهاد بالسلاح فإنّه يستطيع أن يجاهد بالمال وإعانة عائلة المجاهد، وبهذا يكون له مثل أجر مَنْ يقاتل من المجاهدين. وهو ما يجعل الجميع غير محرومين من هذه النعمة الكبيرة وهذا الواجب العظيم.
فكان ممّا أوصى به سماحةُ المرجع الدينيّ الأعلى السيد علي الحسينيّ السيستاني(دام ظلّه الوارف) في الوصيّة التاسعة عشر:
((هذا وينبغي لمن قَبِلكم من الناس ممّن يتترّس بهم عدوّكم أن يكونوا ناصحين لحماتهم يقدّرون تضحياتهم ويبعدون الأذى عنهم ولا يثيرون الظنّة بأنفسهم، فإنّ الله سبحانه لم يجعل لأحدٍ على آخر حقّاً إلاّ وجعل لذاك عليه حقّاً مثله، فلكلٍّ مثلُ ما عليه بالمعروف.
واعلموا أنّكم لا تجدون أنصح من بعضكم لبعض إذا تصافيتم واجتمعتم فيما بينكم بالمعروف حتى وإن اقتضى الصفحُ والتجاوزُ عن بعض الأخطاء بل الخطايا وإن كانت جليلة، فمن ظّن غريباً أنصحَ له من أهله وعشيرته وأهل بلده ووالاه من دونهم فقد توهّم، ومن جرّب من الأمور ما جُرّبت من قبل أوجبت له الندامة.
وليعلم أنّ البادئ بالصفح له من الأجر مع أجر صفحه أجرَ كلّ ما يتبعه من صفحٍ وخيرٍ وسداد، ولن يضيع ذلك عند الله سبحانه، بل يوفّيه إيّاه عند الحاجة إليه في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة.
ومن أعان حامياً من حماة المسلمين أو خلفه في أهله وأعانه على أمر عائلته كان له من الأجر مثلُ أجر من جاهد)).
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: