الغدير ـ الجزء السادس ::: 271 ـ 280
(271)
الله ولا أعم ضرا من جهل إمام وخرقه ؟ (1).
    وكيف يشغل منصة القضاء قبل أن يتفقه في دين الله وهو القائل : تفقهوا قبل أن تسودوا ؟ (2).
85
إجتهاد عمر في تشطير أموال عماله
وهو أول من قاسم العمال وشاطرهم أموالهم (3)
    1 ـ عن أبي هريرة قال : استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفا فلما عزلني وقدمت على عمر قال لي : يا عدو الله وعدو المسلمين ـ أو قال وعدو كتابه ـ سرقت مال الله ؟ قال : قلت : لست بعدو الله ولا للمسلمين ـ أو قال لكتابه ـ ولكني عدو من عاداهما ولكن خيلا تناتجت وسهاما اجتمعت.
    قال : فأخذ مني اثنا عشر ألفا فلما صليت الغداة قلت : أللهم اغفر لعمر.
    حتى إذا كان بعد ذلك.
    قال : ألا تعمل يا أبا هريرة ؟ قلت : لا.
    قال : ولم ؟ قد عمل من هو خير منك يوسف ، قال : إجعلني على خزائن الأرض ؟ فقلت : يوسف نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة ابن أميمة وأخاف منكم ثلاثا واثنين قال : فهلا قلت خمسا ؟ قلت : أخشى أن تضربوا ظهري ، وتشتموا عرضي ، وتأخذوا مالي ، وأكره أن أقول بغير حلم ، وأحكم بغير علم.
    دعا عمر أبا هريرة فقال له : علمت أني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار ؟ قال : كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت.
    قال : قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده.
    قال : ليس لك.
    قال : بلى والله أرجع ظهرك.
    ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال : إئت بها.
    قال : إحتسبتها عند الله.
    قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين ؟ وما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر. ـ وأميمة أم أبي هريرة ـ.
    2 ـ كان سعد بن أبي وقاص يقال له : المستجاب. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إتقوا دعوة
1 ـ سيرة عمر لابن الجوزي ص 100 ، 102 ، 161.
2 ـ صحيح البخاري باب الاغتباط في العلم 1 ص 38.
3 ـ شرح ابن أبي الحديد 3 ص 113.


(272)
سعد فلما شاطره عمر قال له سعد : لقد هممت. قال له عمر : بأن تدعو علي ؟ قال : نعم. قال إذا لا تجدني بدعاء ربي شقيا.
    وأخرج البلاذري في فتوح البلدان ص 286 عن ابن إسحاق قال : إتخذ سعد بن أبي وقاص بابا مبوبا من خشب وخص على قصره خصا من قصب فبعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة الأنصاري حتى أحرق الباب والخص وأقام سعدا في مساجد الكوفة فلم يقل فيه إلا خيرا.
    وقال السيوطي : أمر عمر عماله فكتبوا أموالهم منهم سعد بن أبي وقاص فأخذ نصف مالهم.
    3 ـ لما عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة شاطره عماله.
    4 ـ كتب عمر بن الخطاب إلى عمر وبن العاصي وكان عامله على مصر : من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمر وبن العاصي : سلام عليك فإنه بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد ، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك فاكتب إلي من أين أصل هذا المال ؟ ولا تكتمه.
    فكتب إليه عمرو بن العاصي : إلى عبد الله أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإنه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وإنه يعرفني قبل ذلك لا مال لي وإني أعلم أمير المؤمنين أني في أرض السعر فيه رخيص ، وإني أعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله ، وفي رزق أمير المؤمنين سعة ، والله لو رأيت خيانتك حلالا ما خنتك ، فاقصر أيها الرجل فإن لنا أحسابا هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها ، ولعمري إن عندك من تذم معيشته ولا تذم له ، فأنى كان ذلك ولم يفتح قفلك ولم نشركك في عملك.
    فكتب إليه عمر : أما بعد : فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر ، ونسقك الكلام في غير مرجع لا يغني عنك أن تزكي نفسك ، وقد بعثت إليك محمد بن سلمة فشاطره مالك ، فإنكم أيها الأمراء جلستم على عيون المال لم يزعكم عذر تجمعون لأبنائكم ، وتمهدون لأنفسكم ، أما إنكم تجمعون العار ، وتورثون النار ، والسلام.


(273)
    فلما قدم عليه محمد بن سلمة صنع له عمر وطعاما كثيرا فأبى محمد بن سلمة أن يأكل منه شيئا فقال له عمرو : أتحرموا طعامنا ؟ فقال : لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته ولكنه قدمت إلي طعاما هو تقدمة شر والله لا أشرب عندك ماء فاكتب لي كل شيئ هو لك ولا تكفه ، فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأخرى ، فغضب عمرو ابن العاصي فقال : يا محمد بن سلمة قبح الله زمانا عمرو بن العاصي لعمر بن الخطاب فيه عامل ، والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب ، وعلى ابنه مثلها ، وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه ، والله ما كان العاصي بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزررا بالذهب.
    قال له محمد : اسكت والله عمر خير منك وأما أبوك وأبوه ففي النار ، والله لولا الزمان الذي سبقته فيه لا ألفيت معقل شاة يسرك غزرها ويسرك بكرها. فقال عمرو : هي عندك بأمانة الله فلم يخبر بها عمر.
    5 ـ زار أبو سفيان معاوية فلما رجع من عنده دخل على عمر فقال : أجزنا أبا سفيان قال : ما أصبنا شيئا فنجيزك به.
    فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول : قل لها يقول لك أبو سفيان انظري الخرجين اللذين جئت بهما فاحضريهما فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم فطرحهما عمر في بيت المال ، فلما ولي عثمان ردهما عليه فقال أبو سفيان : ما كنت لآخذ مالا عابه علي عمر.
    6 ـ لما ولى عمر بن الخطاب عتبة بن أبي سفيان الطائف وصدقاتها ثم عزله تلقاه في بعض الطريق فوجد معه ثلاثين ألفا فقال : أنى لك هذا ؟ قال : والله ما هو لك ولا للمسلمين ولكنه مال خرجت به لضيعة اشتريها.
    فقال عمر : عاملنا وجدنا معه مالا ما سبيله إلا بيت المال ، ورفعه فلما ولي عثمان قال لأبي سفيان : هل لك في هذا المال ؟ فإني لم أر لأخذ ابن الخطاب فيه وجها ، قال : والله إن بنا إليه حاجة ولكن لا ترد فعل من قبلك فيرد عليك من بعدك.
    7 ـ مر عمر يوما ببناء يبني بحجارة وجص فقال : لمن هذا ؟ فقالوا لعامل من عمالك بالبحرين فقاسمه ماله وكان يقول : لي على كل خائن أمينان : الماء.
    والطين.
    8 ـ أرسل عمر إلى أبي عبيدة : إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فهو معزول فانتزع عمامته وقاسمه نصفين. فلم يكذب نفسه


(274)
فقاسمه أبو عبيدة ماله حتى أخذ إحدى نعليه وترك له الأخرى وخالد يقول : سمعا وطاعة لأمير المؤمنين.
    بلغ عمر أن خالدا أعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه فأرسل لأبي عبيدة أن يصعد المنبر ويوقف خالدا بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيده بعمامته لأن العشرة آلاف إن كان دفعها من ماله فهو سرف ، وإن كان من مال المسلمين فهي خيانة ، فلما قدم خالد رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه قال له : من أين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف ؟ فقال : من الأنفال والسهمان.
    قال : ما زاد على التسعين ألفا فهو لك ثم قوم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفا ثم قال له : والله إنك علي لكريم وإنك لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم على شيئ.
    وكتب رضي الله عنه إلى الأمصار : إني لم أعزل خالد عن مبخلة (1) ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع.
    قال الحلبي في السيرة 3 ص 220 : وأصل العداوة بين خالد وسيدنا عمر رضي الله عنهما على ما حكاه الشعبي إنهما وهما غلامان تصارعا وكان خالد إبن خال عمر فكسر ساق عمر فعولجت وجبرت ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة أول شيئ بدأ به عزل خالد وقال : لا يلي لي عملا أبدا ، ومن ثم أرسل إلى أبي عبيدة إن أكذب خالد .. إلخ. وذكره ابن كثير في تاريخه 7 ص 115.
    وأخرج الطبري في تاريخه عن سليمان بن يسار قال : كان عمر كلما مر بخالد قال : يا خالد ! أخرج مال الله من تحت إستك.
    فيقول : والله ما عندي من مال ، فلما أكثر عليه عمر قال له خالد : يا أمير المؤمنين ما قيمة ما أصبت في سلطانكم أربعين ألف درهم ؟ فقال عمر : قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم.
    قال : هو لك ، قال : قد أخذته ولم يكن لخالد مال إلا عدة ورقيق فحسب ذلك فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه عمر ذلك فأعطاه أربعين ألف وأخذ المال فقيل له : يا أمير المؤمنين ! لو رددت على خالد ماله ؟ فقال : إنما أنا تاجر للمسلمين والله لا أرده عليه أبدا فكان عمر يرى إنه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك.
    وفي تاريخ ابن كثير 7 ص 117 : إن عمر قال لعلي ـ بعد موت خالد ـ : ندمت على
1 ـ في تاريخ الطبري : عن سخطة.

(275)
ما كان مني. وقال عمر : رحم الله أبا سليمان لقد كنا نظن به أمورا ما كانت.
    م ـ وذكر ابن كثير في تاريخه 7 ص 115 عن محمد بن سيرين قال : دخل خالد على عمر وعليه قميص حرير فقال عمر : ما هذا يا خالد ؟ فقال : وما بأس يا أمير المؤمنين ؟ أليس قد لبسه عبد الرحمن بن عوف ؟ فقال : وأنت مثل ابن عوف ؟ ولك مثل ما لابن عوف ؟ عزمت على من بالبيت إلا أخذ كل واحد منهم بطائفة مما يليه.
    قال : فمزقوه حتى لم يبق منه شيئ ).
    وذكر البلاذري جمعا من عمال شاطرهم عمر بن الخطاب أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا وهم :
    9 ـ أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي.
    10 ـ نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي أخو أبي بكرة.
    11 ـ الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات.
    12 ـ جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق.
    13 ـ بشر بن المحتفز كان على جندي سابور.
    14 ـ ابن غلاب خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال باصبهان.
    15 ـ عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذز.
    16 ـ سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز.
    17 ـ النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة.
    18 ـ مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها.
    19 ـ شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم.
    20 ـ أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رام هرمز.
    وهؤلاء ذكرهم أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد في شعر قدمه إلى عمر بن الخطاب قال :
أبلغ أمير المؤمنين رسالة وأنت أمين الله فيـنا ومن يكن فلا تدعن أهل الرساتيق والقـرى فأنت أمين الله في النهي والأمر أمينا لرب العرش يسلم له صدري يسيغون مال الله في الأدم والوفر


(276)
فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه ولا تنسين النافعين كليهما وما عاصم منها بصفر عيابه وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه وشبلا فسله المال وابن محرش فقاسمهم أهلي فداؤك إنـهم ولا تدعوني للشهادة إنني نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا إذا التاجر الداري جاء بفارة وأرسل إلى جـزء وأرسل إلى بشر ولا ابن غلاب من سراة بني نصر وذاك الذي في السوق مولى بني بدر وصهر بني غزوان إني لذو خبر فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر أغيب ولكني أرى عجب الدهر فأني لهم وفر ولسنا أولي وفر من المسك راحت في مفارقهم تجري
    م ـ فقاسم عمر هؤلاء القوم فأخذ شطر أموالهم نعلا بنعل ، وكان فيهم أبو بكرة فقال إني لم آل لك شيئا فقال : أخوك على بيت المال وعشور الإبلة فهو يعطيك المال تتجربه فأخذ منه عشرة آلاف ويقال : قاسمه فأخذ شطر ماله ).
    21 ـ وصادر الحرث بن وهب أحد بني ليث بكر بن كنانة وقال له : ما قلاص وأعبد بعتها بمائة دينار ؟ قال : خرجت بنفقة لي فاتجرت فيها. قال : وإنا والله ما بعثناك للتجارة ، أدها. قال : أما والله لا أعمل لك بعدها. قال : أنا والله لا أستعملك بعدها.
    راجع فتوح البلدان للبلاذري ص 90 ، 226 ، 392 ، تاريخ الطبري 4 ص 56 ، 205 ، العقد الفريد 1 ص 18 ـ 21 ، معجم البلدان 2 ص 75 ، صبح الأعشى 6 ص 386 ، 477 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 ص 58 ، ج 3 ص 104 ، سيرة عمر لابن الجوزي ص 44 ، تاريخ ابن كثير 7 ص 18 ، 115 ، و ج 8 ص 113 ، السيرة الحلبية 3 ص 220 ، الإصابة 3 ص 384 ، 676 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 96 ، الفتوحات الإسلامية 2 ص 480.
    قال الأميني : أنا لا أدري إن قامت البينة عند الخليفة على أن تلك الأموال مختلسة من بيت مال المسلمين ، فلم لم يصادر كلها ، وإن كان يحسى أن هناك أموالا مملوكة لهم فهل من المعقول أن يقدر ذلك في الجميع بنصف ما بأيديهم حتى النعل والنعل ؟ وقد عد ذلك سيرتا له ، قال سعيد بن عبد العزيز : كان عمر يقاسم عماله نصف ما أصابوا (1) وإن لم
1 ـ الإصابة 2 ص 410.

(277)
تقم البينة على ذلك فكيف رفع أيدي القوم عما كان في حيازتهم ورفض دعاويهم بأنها من ربح تجارة ، أو نتاج خيل ، أو منافع زرع ، أو ثمن ضيعة ؟ ولم لم يحاكمهم في الأمر بإحضار الشهود والتدقيق في القضية وغرم قبل ذلك بمجرد الظنة والتهمة ؟ ويد المسلم من إمارات الملك ودعواه له بلا معارض مسموع منه وإلا لما قام للمسلمين سوق.
    على أن ظاهر حال هؤلاء الصحابة المغرمين بمقتضى فقه الخليفة إنهم لصوص بأقبح التلصص لأن السارق في الغالب لا يسرق إلا من واحد أو اثنين أو أكثر يعدون بالأنامل لكن هؤلاء بحكم تلك المشاطرة سراق من مال المسلمين جميعا ، وكان قد ائتمنهم قبل ذلك وبعده على نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم وأحكامهم باستعمالهم على البلاد ، والعباد ، غير أنه كان فيهم من تنصل عن العمل بعد التغريم ، أصحيح إنهم كانوا هكذا ؟ أنا لا أدري. أصحيح أنهم كلهم عدول ؟ أيضا لا أدري.
86
الخليفة في شراء الإبل
    عن أنس بن مالك قال : إن أعرابيا جاء بإبل له يبيعها فأتاه عمر يساومه بها فجعل عمر ينخس بعيرا بعيرا يضربه برجله ليبعث البعير لينظر كيف قواده فجعل الأعرابي يقول : خل إبلي لا أبا لك.
    فجعل عمر لا ينهاه قول الأعرابي أن يفعل ذلك ببعير بعير ، فقال الأعرابي لعمر : إني لأضنك رجل سوء.
    فلما فرغ منها اشتراها فقال : سقها وخذ أثمانها فقال الأعرابي : حتى أضع عنها أحلاسها وأقتابها فقال عمر : إشتريتها وهي عليها فهي لي كما اشتريتها فقال الأعرابي : أشهد إنك رجل سوء فبينما هما يتنازعان إذ أقبل علي فقال عمر : ترضى بهذا الرجل بيني وبينك ؟ قال الأعرابي : نعم.
    فقصا على علي قصتهما فقال علي : يا أمير المؤمنين إن كنت اشترطت عليه أحلاسها وأقتابها ؟ فهي لك كما اشترطت ، وإلا فإن الرجل يزين سلعته بأكثر من ثمنها.
    فوضع عنها أحلاسها وأقتابها فساقها الأعرابي فدفع إليه عمر الثمن.
    كنز العمال 2 ص 221 ، منتخب الكنز هامش مسند أحمد 2 ص 231.
    جزى الله أمير المؤمنين عليا عليه السلام عن الأعرابي خيرا يوم حفظ له الأحلاس والأقتاب عن أن تؤخذ منه بغير ثمن ، وأما حل مشكلة عمل الخليفة وفقهه في المقام فنكله إلى نظرة التنقيب للباحث الحر.


(278)
87
رأي الخليفة في بيت المقدس
    عن سعيد بن المسيب قال : استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت المقدس فقال له : إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني فلما تجهز جاءه فقال له عمر : إجعلها عمرة.
    قال : ومر به رجلان وهو يعرض إبل الصدقة فقال لهما : من أين جئتما ؟ قالا : من بيت المقدس ، فعلا هما بالدرة وقال : أحج كحج البيت ؟ قالا : إنا كنا مجتازين (1).
    قال الأميني : إن بيت المقدس أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وتقصد بالزيارة والصلاة فيها لكن الخليفة عزبت عنه تلكم المأثورات النبوية فلم يسمعها منه صلى الله عليه وآله وسلم أولم يعها أو نسيها فمنع الرجل المتأهب لزيارته عنها وعلا بالدرة من حسب إنه زاره فتترسا عنها بإبداء أنهما مرا به مجتازين ، وإليك نصوص أحاديث الباب فاقرأها واعجب.
    1 ـ عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى.
    أخرجه أحمد في مسنده 2 ، ص 238 ، 278 ، والبخاري في صحيحه كما في السنن الكبرى 5 ص 44 ، ومسلم في صحيحه 1 ص 392 ، والدارمي في سننه 1 ص 330 ، وأبو داود في سننه 1 ص 318 ، وابن ماجة في سننه ص 430 ، والنسائي في سننه 2 ص 37 ، والبيهقي في سننه 5 ص 244 ، والبغوي في مصابيحه 1 ص 47 ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4 ص 3 : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات أثبات.
    لفظ آخر لأبي هريرة : إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة. ومسجدي. ومسجد إيليا.
    أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 392 ، والبيهقي في سننه 5 ص 244.
    قال الأميني : إيلياء اسم مدينة بيت المقدس ، قيل : معناه بيت الله. قال أبو علي : و سمي البيت المقدس إيلياء بقول الفرزدق :
1 ـ أخرجه الأزرقي كما في كنز العمال 7 ص 157.

(279)
وبيتان بيت الله نحن ولاته وقصر بأعلى إيلياء مشرف
    2 ـ عن علي أمير المؤمنين بلفظ أبي هريرة الأول.
    أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد 4 ص 3.
    3 ـ عن عبد الله بن عمر بلفظ أبي هريرة الأول.
    أخرجه البزار وقال الهيثمي في المجمع 4 ص 4 : رجاله رجال الصحيح.
    وفي لفظ آخر له : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام. ومسجد المدينة. ومسجد بيت المقدس.
    أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط. وقال الهيثمي في المجمع : رجاله ثقات.
    4 ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : إن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة : سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه. فأوتيه.
    وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه.
    وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه. أخرجه ابن ماجة في سننه 1 ص 430 ، والنسائي في سننه 2 ص 34.
    5 ـ عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير مسجد الحرام. والمسجد الأقصى. ومسجدي هذا.
    أخرجه أحمد في مسنده 3 ص 64 ، وبلفظ أبي هريرة الأول في ج 3 ص 7 ، 4 ، 3 51 ، 77 ، 78 ، وفي صحيفة 45 بدل المسجد الأقصى مسجد بيت المقدس ، وبلفظ أبي هريرة أخرجه عن أبي سعيد البخاري في صحيحه 3 ص 224 في باب الصوم يوم النحر ، والترمذي في صحيحه 1 ص 67 ، وابن ماجة في سننه 1 ص 430 ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ص 60.
    6 ـ عن أبي الجعد الضميري مرفوعا : لا تشد الرحال .. إلخ ، بلفظ أبي هريرة الأول رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط ، ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد 4 ص 4.


(280)
    8 ـ عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري مرفوعا : لا يعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام ، وإلى مسجدي هذا ، وإلى مسجد إيلياء. أو : بيت المقدس. يشك أيهما قال. بغية الوعاة ص 444 ).
    م 7 ـ عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت : يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس.
    قال : أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فان صلاة فيه كألف صلاة في غيره.
    قلت : أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه ؟ قال : فتهدي له زيتا يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه.
    أخرجه ابن ماجة في سننه 1 ص 429 ، والبيهقي في سننه 2 ص 441.
    هذه جملة مما ورد في بيت المقدس وقصده للصلاة ، وقد أسرى المولى سبحانه عبده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وكانت الصحابة تقصدها للصلاة في مسجدها كم في مجمع الزوائد 4 ص 4 ، وأفرد الحافظ ابن عساكر كتابا فيه وأسماه ( المستقصى في فضائل المسجد الأقصى ).
    وإذا غضضنا الطرف عن هذه الأحاديث فإن شد الرحال إلى أي من المساجد يكون من المباحات الأولية التي لم يرد عنها نهي ، فما معنى الارهاب بالدرة في مثلها ؟ مع أن من يمم مسجدا للصلاة فيه يحاسب في أجره ممشاه بالخطوات وقرب سيره وبعده كما في صحاح أخرجها الترمذي في صحيحه 1 ص 184. نعم.
    كأن الخليفة كان يرى إتيان تلكم المساجد إحياء لآثار الأنبياء وله فيها رأيه الشاذ كما أسلفناه صفحة 148 من هذا الجزء.
88
رأي الخليفة في المجوس
    أخرج يحيى بن سعيد بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال : ما أدري ما أصنع بالمجوس وليسوا أهل الكتاب ؟ ـ وفي لفظ : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ؟ ـ فقال عبد الرحمن بن عوف : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
    وعن بجالة قال : كنت كاتبا لجزء بن معاوية على مناذر (1) فجاءنا كتاب عمر :
1 ـ كورة من كور الأهواز.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس