2 ـ المذهب الحنفي : نسبة الى ابي حنيفة ، وقد اخذ ابو حنيفة عن الامام جعفر ثم انفرد بمذهب خاص .
3 ـ المذهب المالكي : نسبة الى مالك ، وقد اخذ عن ابي حنيفه وانفرد بمذهبه ايضا .
4 ـ المذهب الشافعي : نسبة الى الشافعي ، وقد اخذ عن مالك وانفرد بمذهبه كذلك .
5 ـ المذهب الحنبلي : نسبة الى احمد ، وقد اخذ عن الشافعي وانفرد بمذهبه .
وانت تلاحظ ان الامام جعفر الصادق هو استاذ اصحاب المذاهب الاربعة ، وهم يفخرون بذلك . بينما يعتبر العوام ان اتباع المذهب الجعفري على الضلال ، وان العوام على الصواب .
جذور مطاردة اهل البيت
تمت مطاردة اهل البيت الطاهرين طوال التاريخ السياسي الاسلامي لغايات :
1 ـ اصرار المطاردين ـ بكسر حرف الراء ـ على اجبار اهل البيت للتخلي عن خصوصيتهم التي خصهم الله بها من دون المسلمين .
2 ـ وبنفس الوقت تأويل هذه الخصوصية واخراجها عن معانيها ووظائفها .
3 ـ ايجاد خصوصيات وضعية منافسة للخصوصية الالهية لسلب معاني ووظائف خصوصية اهل البيت .
4 ـ نظرية عدالة كل الصحابة جاءت كخصوصية وضعية اريد منها ان تقوم بسلب خصوصية اهل البيت الكرام .
5 ـ ولو ان اهل البيت الكرام عطلوا خصوصيتهم وقبلوا الامر الواقع فانهم لن يتركوا وهم بحالة مطاردة مستمرة . لماذا ؟
6 ـ لان السلطة فاتنة جميلة تزوجها الحكام بالاكراه وسلبوها من زوجها الشرعي ، فملكوا الجسد ، اما قلب الزوجة وروحها ، فمع زوجها الشرعي تحلم بهذا الزوج علناً وهي بقبضة الحكام ، فشبت في قلوب الحكام طوال التاريخ غيرة مجنونة ، وقادتهم هذه الغيرة الى افاعيل مخزية .
( 122 )
خصوصية القرابة الطاهرة
البطن الهاشمي خير بطون الناس عامة ، وخير بطون العرب خاصة بالنص الشرعي . وبيت عبد المطلب هو ايضا خير بيوت الناس عامة ، وخير بيوت العرب خاصة ، وبالنص الشرعي ايضا (1) وهو هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب (2) .
وآل محمد هم افضل الآل ، وقد افترض الله مودتهم بالكتاب ، وجعل الصلاة عليهم ركناً من اركان الصلاة ، وهذا معنى قول الشافعي :
يا أهل بيت نبي الله حبكم * فرض من الله في القرآن انزله
كفاكم من عظيم الفخر انكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (2)
واهل بيت محمد هم دسمة هذه الامة ، وهم الشجرة التي يتداوى بها ، وهم العترة ( وعترة الرجل هم نسله ورهطه الاقربون ) (4) .
وقد طهر الله اهل بيت نبيه واذهب عنهم الرجس ، وآية التطهير لا تخفى على اي مسلم ، وبفضله تعالى وجهادهم في سبيل الله تقدموا على ما سواهم ، فهم المرجعية الشرعية للمسلمين وللدين ، ومنهم القيادة السياسية ، وهذا مجد لا يضاهيه مجد ، وشرف يقصر عنه كل شرف ، وخصوصية لآل محمد .
ما هي الغاية من هذه الخصوصية ؟
الغاية الشرعية من خصوصية القرابة حقيقة انها تشريف ، ولكنها بجوهرها تكليف لها معنى ولها وظائف .
____________
(1) راجع الطبقات لابن سعد ، وراجع السيرة الحلبية ، وراجع كنز العمال ، وقد نقل عن الحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه وعن الطبراني وعن ابن عساكر .
(2) راجع الطبقات لابن سعد ج 1 ص 75 ، وراجع السيرة الحلبية .
(3) راجع ابن حجر في تفسير آية : ( ان الله وملائكته يصلون على النبي ) في صواعقه المحرقة ص 88 ، وراجع النبهاني ص 99 من الشرف المؤيد وهي مرسلة عن الشافعي ، ارسال المسلمات كما يقول الامام شرف الدين .
(4) راجع مختارات الصحاح ص 31 و 185 و 70 وص 410 وراجع المعجم الوسيط ص 21 ج 1 ص 588 ج 2 .
( 123 )
فمعناها : انها نقطة ارتكاز للمسلمين ، فبهم تكتمل الدائرة ويتحدد مركزها ، فيستقطبون الامة كلما تفرقت ، فتقدم لهم الحل بالتأثير على نقطة الارتكاز الالهية فلا يذهب المسلمون لا للشرق ولا للغرب ، ولا للشمال ولا للجنوب ، انما يذهبون للقرابة الطاهرة ، ويتجمعون حولها فتجمعهم ، وهي بنفس الوقت مرجعية للدين ، ومرجعية للمسلمين ، فتبين الدين للمسلمين ولغير المسلمين ، وتسمع من المسلمين ثم تقدم الفهم الامثل لهذا الدين والموافق تماما للمقصود الالهي .
وظائف القرابة الطاهرة
1 ـ نقطة ارتكاز واستقطاب .
2 ـ مرجعية للدين لبيانه للناس عامة وللمسلمين خاصة .
3 ـ ثقل اصغر ، والقرآن هو الثقل الاكبر ، والعترة هم الثقل الاصغر ، والهداية لا تدرك الا بالثقلين ، والضلالة لا يمكن تجنبها الا بالتمسك بهذين الثقلين معا . فلو تمسكت الامة بالقرآن الكريم وحده وتركت العترة الطاهرة فستضل حتما . لماذا ؟ لان القرآن هو الدواء ، والعترة هي الطبيب ، والطب عملية اختصاصية (1) .
4 ـ قيادة سياسية للامة . فعندما تكون القيادة السياسية بعترة محمد تطيب نفوسهم جميعا بها لانها الحل الجذري الذي يقطع دابر الخلاف ، ويجلب الاستقرار ، ويميت الطمع والتنافس عليها . وقد تكفل الشرع الحنيف ببيان لمن منهم تكون هذه القيادة ، وكيف تنتقل .
لماذا اعطيت القرابة الطاهرة هذه الخصوصية ؟
لماذا اختار الله محمداً للرسالة ولم يختر ابا سفيان ؟ هذا فضل الله يؤتيه من يشاء . لماذا فضل الله بعض النبيين على بعض ؟ هذا فضل الله . لماذا اختار محمداً من بني هاشم
____________
(1) راجع ج 1 ص 44 من كنز العمال ، وقد نقله عن النسائي والترمذي عن جابر عن رسول الله واخرجه الترمذي عن زيد بن ارقم ، واخرجه الامام احمد من حديث زيد بطريقين صحيحين في اول ص 182 وفي اخر ص 189 ج 5 من مسنده ، واخرجه ايضا عن ابن ابي شيبة وابو يعلي ، وابن سعد عن ابي سعيد ، وراجع الحديث 945 ج 1 ص 47 ، من كنز العمال ، واخرجه الحاكم في مستدركه ج 3 ص 148 وقال : هذا حديث صحيح الاسناد على طريق الشيخين ، ولم يخرجاه واخرجه الذهبي معترفاً بصحته على شرط الشيخين ، راجع تلخيص المستدرك للذهبي .
( 124 )
ولم يختره من بني عدي او بني تيم أو بني امية ؟ هو الذي بيده الفضل يؤتي فضله من يشاء . ولكن باستقرائنا العميق لتاريخ الاسلام يمكن ان نجد بعض التعليلات لهذا الاختيار .
تعليلات
1 ـ لقد بين الله سبحانه وتعالى ان قرابة محمد هم خير الناس وافضلهم ، ومن مصلحة العباد ان يقودهم الافضل والاحسن . وقد وثقنا هذه الناحية قبل قليل .
2 ـ الانذار الصادر عن بني هاشم والموجه لبطون قريش كلها عندما همت بقتل محمد ، اذ انذرهم ابو طالب قائلا ( والله لو قتلتموه ما ابقيت منكم احداً حتى نتفاني واياكم ) واثبت لهم انه قد هم بقتل زعماء قريش عندما اشيع بأن محمداً قد قتل .
3 ـ ان كل بطون قريش قررت مقاطعة بني هاشم ، وكتبوا كتاباً بأن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم . وتم حصر الهاشميين في شعاب ابي طالب ثلاث سنوات ، وانحاز بنو عبد المطلب بن عبد مناف الى ابي طالب في شعبه . وقطعت عنهم قريش الميرة والمادة ، فكانوا لا يخرجون الا من موسم الى موسم ، وسمعت اصوات صبيانهم من وراء الشعب ، ولقريش مطلب واحد وهو ان يسلم الهاشميون محمداً لقريش لقتله ، او يخلي الهاشميون بين قريش وبين محمد . ولكن الهاشميين ابوا ذلك ، ودافعوا عن محمد بأرواحهم وأموالهم واولادهم واستقرارهم .
4 ـ لما فشل الحصار ، وخوفاً من القرابة الطاهرة اضطرت قبائل قريش ان تختار من كل قبيلة رجلاً تعبيراً عن اشتراكها بقتل محمد يضيع دمه بين القبائل ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه ، وتحرك مندوبوا القبائل فعلا ليقتلوا النبي ، ولكن الله نجاه .
5 ـ والقرابة الطاهرة في الجاهلية هي ناصية قريش ولا تقطع الامور دون مشورتهم .
6 ـ وهم وسيلة النجاة بالنص الشرعي ، وهم الامان بالنص الشرعي ، لهذه الاسباب مجتمعة ومنفردة بالاضافه الى الفضل الالهي اعطيت القرابة الطاهرة هذه الخصوصية بالاضافة الى الاعداد الرباني لعمدائهم من الناحية العملية والتربوية .
( 125 )
تحولت هذه الخصوصية الى حجة سياسية طوال التاريخ
قال ابو بكر الصديق مخاطبا الانصار ( الناس تبع لنا ، ونحن عشيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) .
وقال عمر الفاروق مخاطبا الانصار ( انه والله لا ترضى العرب ان تؤمركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا ينبغي ان تولى هذا الامر الا من كانت النبوة فيهم .. لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين ، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن اولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل او متجانف لاثم او متورط في هلكة ) (2) .
قال بشير بن سعد مخاطباً الانصار ومعقبا على قول الفاروق والصديق ( ان محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل من قريش ، وقومه احق بميراثه وتولي سلطانه ، وايم الله لا يراني الله انازعهم هذا الامر ابداً ، فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم ) (3) .
فسلم الانصار وقالوا : لا نبايع الا عليا ، وعلي غائب مشغول واهل البيت بمصابهم . وبايعت الاكثرية الحاضرة في سقيفة بني ساعدة ابا بكر الصديق وخرج كخليفة ، وخرج عمر كنائب للخليفة ، وخرج ابو عبيدة كنائب ثان للخليفة ، وخرج الذين بايعوه كجيش للخليفة (4) .
فوجيء الإمام عليّ بما جرى ، وطلب منه نائب الخليفة وولي عهده عمر بن الخطاب ان يبايع ابا بكر كخليفة للمسلمين ، فقال علي مخاطبا ابا بكر وعمر ( انا احق بهذا الامر منكم ، لا ابايعكم وانتم اولى بالبيعة لي ، اخذتم هذا الامر من الانصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي ، وتأخذونه منا اهل البيت غصبا ؟ الستم زعتم للانصار انكم اولى بهذا الامر منهم لما كان محمد منكم ، فاعطوكم المقادة وسلموا اليكم الامارة . وانا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار . نحن اولى برسول الله حياً وميتاً ، فأنصفونا ان كنتم تؤمنون والا فبوءوا بالظلم وانتم تعلمون ) .
____________
(1و 2) راجع الامامة والسياسة لابن قتيبة ص 84 .
(3) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 197 ـ 198 .
(4) راجع كتابنا النظام السياسي في الاسلام ص 120 وما فوق .
( 126 )
فقال له عمر : انك لست متروكاً حتى تبايع . فقال له علي ( احلب حلبا له شطره ، واشدد له اليوم امره يردده عليك غدا .. الله الله يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته الى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا اهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن احق الناس به ، لانا اهل البيت ونحن احق بهذا الامر ما كان فينا القارىء لكتاب الله الفقيه في دين الله ، العالم بسننن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الامور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية . والله انه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعداً ) . فقال بشير بن سعد الانصاري : ( لو كان هذا الكلام سمعته الانصار منك يا علي قبل بيعتها لابي بكر ما اختلف عليك اثنان ) (1) .
ولما ماتت فاطمة عليها السلام ارسل علي الى ابي بكر ان اقبل الينا ، فاقبل ابو بكر حتى دخل على علي وعنده بنو هاشم . فحمد الله واثنى عليه ثم قال ( اما بعد يا ابا بكر ، فانه لم يمنعنا ان نبايعك انكاراً لفضيلتك ولا نفاسة عليك ، ولكنا كنا نرى ان لنا في هذا الامر حقاً ، فاستبددت به علينا ، ثم ذكر قرابته من رسول الله ، فلم يزل بذكر حتى بكى ابو بكر ) فقال ابو بكر ( لقرابة رسول الله احب الي من قرابتي ) (2) .
اتى المغيرة بن شعبة فقال ( الرأي يا ابا بكر ان تلقوا العباس فتجعلوا له في هذه الامرة نصيبا ، وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم ) فانطلق ابو بكر وعمر وابو عبيدة والمغيرة الى العباس . ومما قاله ابو بكر للعباس ( ... وقد جئناك ونحن نريد ان نجعل لك في هذا الامر نصيباً ... ) الى ان قال ( على رسلكم يا بني عبد المطلب ، فان رسول الله منا ومنكم ) فأجابه العباس على كل النقاط التي اثارها الى ان قال ( واما قولك ان رسول الله منا ومنكم ، فانه قد كان من شجرة نحن اغصانها وانتم جيرانها ) (3) .
وقد آلت الامور الى الفاروق ، لان ابا بكر اوصى به ، ولانه من قريش عشيرة النبي ، ثم آلت الى عثمان لنفس الاسباب ، فقد اوصى له عمر عملياً ، ولانه ايضا من قريش . وآلت الامور الى علي لانه الولي ، ولان الناس بايعوه ، كذلك الحسن عليه السلام ، وعندما غصب معاوية الامر بالقوة كان من مبررات حكمه انه من قريش ومن اقارب
____________
(1) راجع الامامة والسياسة ص 11 ـ 12 .
(2 ـ 3) راجع الامامة والسياسة ص 14 ـ 16 .
( 127 )
النبي ، فهاشم وعبد شمس اخوة ، فسنده الظاهري القربى والغصب ، وهكذا سند الحكم الاموي كله ، وجاء بنو العباس وقد تسلحوا بالقرابة ، وضربوا على وتر الآلام التي لحقت بأهل البيت كمقتل الائمة علي والحسن والحسين والذرية الطاهرة ، ثم تسلموا بالقوة فغلبوا وحكموا .
فالحكم من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحتى سقوط آخر خلفاء بني العباس قام في جانب منه على قاعدة ان الائمة من قريش ، وقريش هي قرابة النبي ، وانت تلاحظ ان القرابة من النبي يحرم منها اهل البيت ، ويستفيد منها الابعدون .
معاملة الحكام للقرابة الطاهرة من الناحية السياسية
مشى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في جماعة واخرجوا علياً غير عادي غير عابئين ببكاء فاطمة الزهراء وجاء به الى ابي بكر فقالوا له ( بايع ) فقال علي ( ان لم افعل فمه ؟ ) قالوا ( اذاً نضرب عنقك ) قال علي ( تقتلون عبد الله واخا رسوله ؟ ) فقال عمر للخليفة ابي بكر ( الا تأمر فيه بأمرك ؟ ) فقال ابو بكر ( لا اكرهه على شيء ما كانت فاطمة الى جانبه ) فلحق بقبر رسول الله يصيح ويبكي وينادي ( يا ابن ام ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) ونادت فاطمة بأعلى صوتها ( يا ابت ، يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من الخطاب وابن ابي قحافة ) .
وتخلف قوم عن بيعة ابي بكر ، وكانوا في بيت علي ، فبعث ابو بكر اليهم عمر فناداهم وهم في دار علي فأبوا ان يخرجوا ، فدعا بالخطب وقال ( والذي نفس عمر بيده لتخرجن او لاحرقن الدار على من فيها ) فقيل ( يا ابا حفص ان فيها فاطمة ) فقال ( وان ) (1) وخرجوا ولم يحرق الفاروق بيت فاطمة ، وماتت فاطمة ودفنت ليلاً ، لانها اوصت ان لا يصلي عليها ابو بكر . وبعد موتها بايع علي ابا بكر واوصى ابو بكر لعمر ، وخلال حياتهما كانا يقدمان اهل البيت عند توزيع العطايا . فقد بدأ عمر بمحمد وآله ، ثم
____________
(1) راجع الامامة والسياسة لابن قتيبة ص 12 ، والعقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج 4 ص 259 و 260 ، وشرح النهج لعلامة المعتزلة ابن ابي الحديد ج 1 ص 134 وج 2 ص 19 ، وراجع تاريخ الطبري ج 3 ص 202 ، وراجع انساب الاشراف للبلاذري ج 1 ص 586 ، وملحق المراجعات تحقيق حسين راضي ص 261 .
( 128 )
ابو بكر وآله ، ثم عمر وآله ، كما يروى البلاذري في فتوح البلدان ، وكانا يستشيران الإمام علي ويرجعان اليه (1) وعصر ابي بكر وعمر في جانب من جوانبه عصر ذهبي لاهل البيت .
وجاء الامويون فحاربوا علياً ، وسموا الحسن ، وقتلوا الحسين ، وابادوا ابادة كاملة من حضر معه من اهل البيت ، ومنعوهم من ان يشربوا من ماء الفرات ، وتاريخ الاشراف للبلاذري يروي هذه المحنة ، وصبوا كل غضبهم على من يحب اهل بيت محمد ، وبعد ان استولى معاوية على الحكم كتب الى جميع عماله في جميع الآفاق بأن يلعنوا علياً في صلواتهم وعلى منابرهم كما يقول العقاد في ميزانه ص 16 .
ولم يقف الامر عند ذلك ، بل كانت مجالس الوعاظ في الشام تختم بشتم علي ، كما يروي ابن عساكر ( ج 3 ص 407 ) وبالتالي ، فلم يجيزوا لاحد من شيعته واهل بيته شهادة ، ومحوا من الديوان كل من يظهر حبه لعلي واولاده ، وان يسقطوا عطاءه ورزقه (2) .
وجاء بعدهم العباسيون . يقول ابو بكر الخوارزمي ( والجملة ان هارون مات وقد حصد شجرة النبوة واقتلع غرس الامامة ) (3) .
ثم ها هو المنصور في ثورة غضبه يقول وقد عزم على قتل الامام جعفر الصادق : ( قتلت من ذرية فاطمة الفا او يزيدون ، وتركت سيدهم ومولاهم جعفر بن محمد ) (4) ثم قال مشافهة للامام الصادق ( لاقتلنك ولاقتلن اهلك حتى لا ابقي على الارض منك قامة سيف ، ولاضربن المدينة حتى لا اترك فيها جداراً قائماً ) (5)
____________
(1) راجع الاستيعاب بهامش الاصابة ج 3 ص 39 . وذخائر العقبي ص 81 و 82 ، وتذكرة الخواص للجوزي الحنفي ص 144 ـ 148 ، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 192 ، والمناقب للخوارزمي ص 38 .. الخ .
(2) راجع معاوية بن ابي سفيان في الميزان لعباس العقاد ص 16 ، وراجع شيخ المضيرة للشيخ محمود ابو رية ص 180 .
(3) راجع معاوية بن ابي سفيان في الميزان لعباس العقاد ص 16 ، وراجع شيخ المضيرة للشيخ محمود ابو رية ص 180 .
(4) رسائل ابي بكر الخوارزمي ص 178 .
(5) الحياة السياسية للامام الرضا ص 87 .
( 129 )
ويقول الطبري في تاريخه ( ان المنصور هذا ترك خزانة رؤوس ميراثاً لولده المهدي كلها من العلويين ، وقد علق بكل رأس ورقة كتب فيها ما يستدل به على صاحبه ، ومن بينها رؤوس شيوخ وشبان واطفال ) (1) والمنصور هو الذي كان يضع العلويين في الاسطوانات ويسمرهم في الحيطان ، كما ذكر اليعقوبي في تاريخه ، ويتركهم يموتون في المطبق جوعاً ، وتقتلهم الروائح الكريهة ، حتى لم يكن لهم مكان يخرجون اليه لازالة الضرورة . وكان يموت احدهم ويترك حتى يبلى من غير دفن ثم يهدم المطبق على من تبقى منهم احياء وهم في اغلالهم (2) .
واما الرشيد فقد اقسم على استئصالهم وكل من تشيع لهم ، واشتهر عنه قوله ( حتام اصبر على آل بني طالب والله لاقتلنهم ولاقتلن شيعتهم ولأملقن ولأملغن ) (3) وكان شديد الوطأة على العلويين يتبع خطواتهم ويقتلهم (4) .
كتب المنصور يوماً الى الامام الصادق عليه السلام ( لم لا تغشاني كما تغشاني الناس ؟ ) فأجابه الصادق ( ليس لنا ما نخافك من اجله ، ولا عندك من امر الآخرة ما نرجوك له ، ولا انت في نعمة فنهنيك ، ولا تراها نقمة فنعزيك ، فما نصنع عندك ؟ ) فكتب المنصور اليه ، ( تصحبنا لتنصحنا ) فأجابه الامام ( من اراد الدنيا لا ينصحك ، ومن اراد الآخرة لا يصحبك ) (5) .
نوعا القرابة
1 ـ القرابة القريبة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم فاطمة وعلي وحسن وحسين ونسلهم لاحقتهم خصوصية القرابة ، جرت عليه كل الويلات والمآسي ، وتلك مكافأة على موقف ابي طالب نحو الاسلام ونبي الاسلام ، وعلى موقف علي في حروب الاسلام مع اعدائه ، فعليهم الغرم كله والغنم لسواهم .
____________
(1) راجع مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 357 ، والبحار ج 47 ص 178 .
(2) راجع تاريخ الطبري ج 10 ص 446 وراجع النزاع والتخاصم للمقريزي ص 52 .
(3) الحياة السياسية للامام الرضا ص 88 .
(4) الاغاني للاصفهاني ج 5 ص 225 .
(5) العقد الفريد ج 2 ص 80 وراجع كشف الغمة في اموال الصادق لابن حمدون ج 2 ص 208 وراجع المحاضرة التي القاها الشيخ محمد باقر بمناسبة مولد الامام الصادق في المؤتمر الدولي المنعقد في دمشق بتاريخ 26 / 9 / 91 ـ 28 / 9 / 91 وقد نشرت البحوث في كتاب يقع على صفحة 494 .
( 130 )
2 ـ القرابة البعيدة من رسول الله ، فقد حكموا لانهم من عائلة النبي ( قريش ) فأخذوا الغنم كله ، وخصوا القرابة القريبة بالغرم كله .
عزل العترة الطاهرة
النتيجة المنطقية ان عزل الامام بعد وفاة فاطمة ، وتجلت رغبة عزل الامام عن بني هاشم بمحاولة اجتذاب العباس الى السلطه واغرائه ببعض الامر له ولعقبه . لكن العباس رفض ذلك رفضا قاطعا ، ورد رداً حاسماً على السلطة الراشدة . ومع الايام عزلت القرابة القريبة الطاهرة عن بني هاشم وعن آل البيت وعن الناس لانه وبالمعيار الموضوعي ، فاذا قدر للشخص العادي ان يختار بين السلطة وبين خصومها ، فانه سيختار جانب السلطة لانها هي الجانب القوي المالك لزمام الامور . فكانت اغلبية الامة مع الحكام . واقليتها مع اهل البيت ، او كما عبر الشاعر ( القلوب مع اهل البيت والسيوف عليهم ومع اعدائهم ) . فعمرو بن سعد بن ابي وقاص الذي قاد جيش الخليفة ضد الحسين واهل البيت في كربلاء صلى الصبح وقال ( اللهم صل على محمد وآل محمد ) وبعد ان انهى الصلاة قام بقتل الموجودين من اهل بيت محمد ، ولم يكتف بقتلهم بل قطع رؤوسهم كلهم ، كما يجمع على ذلك ثقات المؤرخين ، وسلبوا اهل البيت حتى لباسهم وهم اموات . وتحركت الخيول فوطئت جثة الحسين وجثة من معه من اهل البيت تقرباً الى ابن زياد والى يزيد بن معاوية . ولله في خلقه شؤون . وتلك ثمرة من ثمرات المقولة ( لا ينبغي ان يجمع الهاشميون النبوة مع الملك ) .
تأويل الخصوصية
ما ثبته الله لن يهزه البشر ، وما وضعه الخالق لن يغيره المخلوق ، ادرك الحكام ان خصوصية اهل البيت لن تتغير مهما فعلوا بهم . فالصلاة عليهم مفروضة وطهارتهم واردة في القرآن الكريم ، وولايتهم على الامة ثابتة ، والنصوص بفضلهم آخذة بالاعناق . وحتى لو تم ابادة اهل البيت ابادة تامة فان هذه الخصوصية ستبقى شبحا يلاحق الحكام ليلاً نهاراً . ومن هنا لا بديل عن تأويل هذه الخصوصية .
**
( 131 )
الذين اخترعوا هذه النظرية علقوا عليها الآمال التالية :
1 ـ تأويل خصوصية اهل بيت النبوة تأويلاً يفرغها من مضمونها ووظيفتها .
2 ـ ايجاد خصوصية بديلة تنافس خصوصية اهل البيت ، وتقوم بالتعاون مع الحكام بوظائف اهل البيت .
3 ـ خلق الشبهات وايجاد حالة من الحيرة والشك لتفريق المحكومين واشغالهم عن الحكام بخلافات جانبية وتغذية هذه الخلافات لتتحول الى خلافات عميقة ودائمة .
التقابل بالصفات
أهل البيت الكرام اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . ومن اهل البيت ـ بكل الموازين ـ فاطمة وعلي وحسن وحسين على الاقل . لقد طهر الله هؤلاء وبشرهم في الجنة قبل ان يبشر المبشرين في الجنة ، وهم سادات اهل الجنة بالنص (1) وغني عن البيان انهم عدول ، لان من ملك الاكثر ملك الاقل ، ومن حاز الدائرة حاز ما في ضمنها .
اجلاء الصحابة الذين اخلصوا لله قوم مكرمون عدلهم الله ، ولكن الذين حكموا ليسوا من اجلاء الصحابة ، بل هم في غالبهم طلقاء اسلموا بعد ان احيط بهم . انه
____________
(1) يمكنك الرجوع الى ج 12 ص 93 وما فوق من كنز العمال فقد روى عن اكثر اهل الحديث .
( 132 )
لايوجد طريقة في الدنيا يمكن ان تجعلهم في مرتبة اهل البيت الا نظرية عدالة كل الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي . فهي تساوي بين من اسلم من قبل الفتح وقاتل ، وبين من اسلم بعد الفتح . تساوي بين القاتل والمقتول ، والمحاصَر والمحاصِر ، وبين المهاجر والطليق ، وبين المؤمن والمنافق ، وتعطيهم جميعا نفس الصفة ( العدالة ) . فعلي بن ابي طالب من اهل البيت وصحابي ، ومعاوية بن ابي سفيان صحابي . هذا عادل وهذا عادل ، هذا مجتهد وهذا مجتهد ، هذا في الجنة وهذا في الجنة ، وكلاهما منزه عن الكذب . علي اول من اسلم ، وولي الله بالنص ، وحامل لواء النبي في كل معاركه ، وبطل الإسلام في كل مواقعه ، هو تماماً كمعاوية الذي حارب وابوه الاسلام في كل المواقع ، واسلما بعد ما احيط بهما !!!
العدالة الوضعية ترفض هذا التكييف ، ومن باب اولى ان ترفضه عدالة السماء ، الله فرق بين الاثنين ، ونبيه فرق بين الاثنين ، والاعمال فرقت بين الاثنين ، فمن امرنا بمساواتهما ؟ وما هو الدليل على ذلك غير نظرية عدالة الصحابة ؟
تلك النظرية التي وجدت اصلا للقضاء على الفوارق بين المتقدمين والمتأخرين ، بين المجاهدين والقاعدين ، بين الاولين والآخرين .
فما وجدت نظرية عدالة كل الصحابة وما خلصت صفة العدالة على الجميع الا لغايات منافسة العدالة للطهارة التي اختص الله بها اهل بيت نبيه .
مثال من الواقع
علي عميد اهل البيت بالنص ، وولي الامة بالنص ، واول من اسلم بالنص ، ومجاراة للذين يكرهون ان يكون الاول هو ثاني من اسلم بالنص ، والحق معه يدور حيث دار بالنص ، وموالاته موالاة لله بالنص ، ومعاداته معاداة لله بالنص ، وهو صحابي باعتراف كل الذين اسسوا نظرية عدالة الصحابة ، وهو مبشر بالجنة . فاذا كان علي صحابياً ، فماذا فرضتم لعنه فوق كل المنابر وفي كل الامصار الاسلامية ؟ ولماذا لعنتموه وشتمتموه فعلا ؟ الستم انتم الذين حددتم عقوبة من يشتم الصحابي فقلتم : انه زنديق ، لا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلى عليه ؟ ام ان عدالة كل الصحابة تعمل لصالح الجميع الا لصالح علي واهل بيته ؟ حيث تتعطل عندهم ولا تعمل ولا تخلع عليهم صفة العدالة ؟
( 133 )
مثال آخر من الواقع
الحسن بن علي والحسين بن علي سيدا شباب اهل الجنة في الجنة ، وريحانتا النبي من هذه الامة ، وهما ابنا رسول الله بالنص ، فقد جعل الله ذرية كل نبي من صلبه ، وجعل ذرية النبي من صلب علي ، وهما صحابيان ومن العدول لانهما صحابيان ، ومن غير الجائز الانتقاص من صحابي او شتمه او طعنه ، ومن يفعل ذلك فهو زنديق لا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلى عليه ... الخ .
فما لكم بمن سموا الصحابي الحسن بن علي ؟ وما هو حكمكم بمن قتل الحسين وحرم عليه وعلى اهل بيته ان يشربوا من ماء الفرات وهو حلال للوحش والطير والحيوان وحتى للكلاب ؟ الا يعتبر القتل انتقاصاً ؟ ما رأيكم بمن يقتل ذرية محمد كلها ويسلبها متاعها وهي ميتة ويسبي النساء وذرية محمد من الصحابة ونساء الذرية من الصحابة ؟ !
توضيح الصورة
الذين سموا الحسن صحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي ، والذين قتلوا علياً صحابة ، والذين قتلوا الحسين صحابة ، والذين ابادوا ذرية النبي في كربلاء صحابة ، والذين لعنوا علياً وشتموه ومن والاه صحابة ، والذين لم يقبلوا شهادة من يحب عليا صحابة .
تسأول واستغراب
الحسن بن علي المسموم من العدول ، لانه من الصحابة ، والذين سموه عدول ، لانهم من الصحابة ، والحسين بن علي من العدول لانه صحابي ، والذين قتلوه من العدول ، لانهم من الصحابة ، وذرية محمد التي قتلت في كربلاء عدول ، لانهم صحابة ، والذين قتلوهم عدول ، لانهم صحابة .
السام ( الذي ارتكب جريمة القتل بالسم ) وهو الجاني ، والمسموم وهو الضحية في الجنة ، لانهم صحابة ، ولانهم عدول ، والقاتل والمقتول في الجنة ، فكلاهما صحابي ومن العدول ، والسالب والمسلوب في الجنة ، وكلاهما صحابي ، وكلاهما من العدول .
( 134 )
هذه المساواة تشكل استهتاراً بالعقل البشري ومظهراً من مظاهر العبودية المخجلة للتقليد .
أدت الرسالة
ونظرية عدالة الصحابة ادت الرسالة تماما . فعلي كمعاوية ، فكلاهما صحابي ، وهما من العدول ، وكلاهما في الجنة ، وكلاهما على الحق ، والمنتصر هو ولي الأمة ، والعام الذي انتصر احدهما على الآخر هو عام الجماعة .
التقابل بالحماية
من آذى اهل البيت فقد آذى النبي ، ويقابلها : من آذى صحابيا فقد آذى النبي ، ومن ابغض اهل بيت محمد فهو في النار ، ومن ابغض صحابياً على الاطلاق فهو في النار . وزيادة على الحماية المخصصة لاهل البيت ، فان من انتقص صحابيا فهو زنديق ، ويجب ان يعزل فلا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلى عليه ، انما ينبذ كجيفة ميتة . فنظرية عدالة الصحابة اعطت الصحابة الحماية المقررة لاهل البيت وزيادة .
في مجال البيان
القرآن هو الثقل الاكبر ، واهل بيت محمد هم الثقل الاصغر ، والهداية لا تدرك الا بالتمسك بالثقلين . والضلالة لايمكن تجنبها الا بالتمسك بهما . هذا بالنص الشرعي القاطع (1) واهل البيت هم سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق بالنص الشرعي القاطع وهم باب حطة ، من دخله غفر له بالنص الشرعي القاطع . وهم امان لهذه الامة .
النجوم امان لاهل الارض ، واهل بيته امان لامة محمد من الاختلاف ، بالنص الشرعي القاطع ، والامة بدونهم كالحمار اذا كسر صلبه ، وعميدهم يبين للناس ما اختلفوا فيه من بعد وفاة النبي بالنص الشرعي (2) .
____________
(1 و 2) في باب المرجعية والقيادة السياسية سأوثق كل كلمة قلتها .
( 135 )
أمثلة ما تعطيه نظرية عدالة كل الصحابة للصحابة
( مثل اصحابي في امتي كالملح في الطعام فلا يصلح الطعام الا بالملح ) ورد هذا الحديث في الاستيعاب على هامش الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ( ج 1 ص 7 ) وانظر الى الحديث رقم 33792 ( ج 12 ص 22 ) من كنز العمال حيث جاء فيه بالحرف ( قريش صلاح الناس ، ولايصلح الناس الا بهم ، ولا يعطى الا عليهم ، كما ان الطعام لا يصلح الا بالملح ... ) نقله عن ابن عدي في الكامل عن عائشة . وانظر الحديث 33807 ( ج 12 ص 25 ) ( امان لاهل الارض من الغرق القريش ، وامان الارض من الاختلاف الموالاة لقريش ، قريش اهل الله ، فاذا خالفتها قبيلة من قبائل العرب صاروا حزب ابليس ) . وقد نقله عن الطبراني في الكبير ، وعن الحاكم في مستدركه .
وقد روى الترمذي وابن حيان كما ذكر ابن حجر في الاصابة ( ص 19 ) ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد قال ( الله الله في اصحابي لا تتخذوهم عرضاً ، فمن احبهم فبحبي احبهم ، ومن ابغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك ان يأخذه ) (1)
نصوص للتدبر
1 ـ قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا علي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك فقد فارقني ) (2) .
وقال ( من آذى عليا فقد آذاني ) (3) .
وقال ( من احب علياً فقد احبني ، ومن ابغض علياً فقد ابغضني ) (4) .
وقال لعلي مرة ( حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن ابغضك بعدي ) (5) .
وقال ( طوبى لمن احبك وصدق فيك ، وويل لمن ابغضك وكذب فيك ) (6) .
____________
(1) راجع الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ص 19 .
(2) اخرجه الحاكم في مستدركه ص 124 ج 3 وصحيحه على طريق الشيخين .
(3 و 4) اخرجه الحاكم في ج 3 ص 130 من المستدرك .
(5) اخرجه الحاكم ج 3 ص 135 .
(6) اخرجه الطبراني في الكبير وهو الحديث 2571 ج 3 ص 154 من الكنز ، واخرجه ابن عساكر .
( 136 )
وقال ( اوصى من آمن بي وصدقني بولاية علي بن ابي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني ، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن احبه احبني ومن احبني فقد احب الله ، ومن ابغضه ابغضني ، ومن ابغضني فقد ابغض الله ) (1) .
ب ـ قال صلى الله عليه وآله وسلم ( النجوم امان لاهل الارض من الغرق ، واهل بيتي امان لامتي من الاختلاف ، فاذا خالفتها قبيلة من قبائل العرب ، واختلفوا فصاروا حزب ابليس ) (2) وانظر الى قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( النجوم امان لاهل السماء واهل بيتي امان لامتي ) (3) .
تساؤلات
ماذا يكون الموقف لو ان صحابيا ابغض علياً او آذاه ، او ان عليا ابغض صحابيا أو آذاه فمن نتبع ؟ ومن هو المحق ومن هو المبطل ؟ ماذا يكون الموقف لو ان قريشا قالت : نحن امان لهذه الامة ، وقال اهل البيت : نحن امان لهذه الامة ؟ فمن نصدق ؟ ماذا يكون الموقف لو ان قسما من الامة اتبعوا قريشا ، وقسما اخر اتبعوا اهل البيت ؟ وكل فريق زعم انه على الحق ، فمن هو الذي على الحق في الحق والحقيقة ؟
انظر الى الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ( اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) .
هذا حديث مكذوب . يقول ابن تيمية على الصفحة 551 من كتاب المنتقى للذهبي ( وحديث اصحابي كالنجوم ، ضعفه ائمة الحديث فلا حجة فيه ) . فلو ان مجموعا من الصحابة وقفوا مع علي ، ومجموعة اخرى وقفوا مع معاوية ، ومجموعة ثالثة اعتزلت الفريقين ، ومجموعة رابعة تربصت لترى من يغلب فتقف معه ، فهل يعقل شرعاً وعقلاً ان من يتبع اي مجموعة من هذه المجموعات الاربعة هو محق ؟ فمن يكون المبطل اذاً ؟ !!
ماذا يكون الموقف لو ان صحابياً قال : ان الحق عندي هنا في الشرق . وبنفس الوقت قال صحابي آخر : ان الحق عندي في الغرب ، ثم قال ثالث : ان الحق عندي
____________
(1) راجع الحديث 2576 ص 155 ج 6 من الكنز ، واخرجه الطبراني .
( 2 و 3 ) سأوثق ذلك في باب القيادة السياسية .
( 137 )
هنا في الشمال ، وقال رابع : ان الحق عندي هنا في الجنوب ، وقال خامس : ان الحق عندي هنا في زاوية 45 شمال ... الخ ، وانقسمت الامة 73 فرقة كما اخبرنا النبي ، وبيد كل فرقة ذريعة ، فهل يعقل بالشرع والعقل ان يكونوا كلهم على الحق ؟ انه لا يوجد الا حق واحد !! ان الفرقة جريمة ، وان الوحدة قربة من الله ، فهل يعقل ان يفرق النبي امته ؟
تلقين الحجة بالواسطة
قال النبي لعلي ( انت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي ) (1) .
مع ان ابا حنيفة كان متحمسا للعباس ، فقد كان يقدم رأي الصحابي عليه اذا تعارضا في مورد من الموارد (2) وجاء عنه انه كان يقول ( ان لم اجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله اخذت بقول اصحابه ، فاذا اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة اخذت بقول من شئت وادع من شئت ، ولا اخرج من قولهم الى قول غيرهم من التابعين ) (3) .
وجاء في اعلام الموقعين لابن القيم ( ان اصول الاحكام عند الامام احمد خمسة : الاول : النص ، والثاني : فتوى الصحابة ، وان الاحناف والحنابلة قد ذهبوا الى تخصيص الكتاب بعمل الصحابي ، لان الصحابي العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب الا لدليل ، فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب دليلاً على التخصيص ، وقوله بمنزلة عمله ) (4) .
ونذكر بالمناسبة بأن سنة الرسول تعني : القول والفعل والتقرير . ولاحظ ( وقوله عن الصحابي بمنزلة عمله ) . فقول الصحابي على الاطلاق بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي يخصص عموم القرآن ويقيد مطلقاته ، كأن قول الصحابي وحي من
____________
(1) راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن ابي الحديد ، واورده ابو نعيم في حلية الاولياء .
(2) المستصفى للغزالي ص 35 ـ 136 وآراء علماء المسلمين في التقية ، والصحابة للسيد الرضوي .
(3) راجع ابا حنيفة لابي زهرة ص 304 .
(4) راجع المدخل الى علم اصول الفقه لمعروف الدواليبي .
( 138 )
السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمشكلة اي صحابي بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي . ان نظرية عدالة الصحابة اعطت الصحابة ما لم يعطه الشرع لائمة اهل البيت .
قال ابن خلدون ( ان الصحابة كلهم لم يكونوا اهل فتيا ، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ، وانما كان مختصا بالحاملين للقرآن ، العارفين بناسخه ومنسخوخه ، ومتشابهة ومحكمه ، وسائر ادلته بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم او ممن سمعه منهم ومن عليتهم ، وكانوا يسمون لذلك القراء اي الذين يقرؤون الكتاب ، لان العرب كانوا امة امية ، فاختص من كان قارئا للكتاب بهذا الاسم لقرابته يؤمئذ ، وبقي الامر كذلك صدر الملة ) .
وعن محمد بن ابي سهل بن ابي خيثمة عن ابيه قال ( كان الذين يفتون على عهد رسول الله ثلاثة نفر من المهاجرين وثلاثة نفر من الانصار : عمر وعثمان وعلي ، وابي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ) .
وعن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ( ان ابا بكر الصديق كان اذا نزل به امر يريد مشاورة اهل الرأي دعا رجالاً من المهاجرين والانصار . دعا عمر وعثمان وعلياً وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وابي بن كعب وزيد بن ثابت ، وكل هؤلاء كان يفتي في خلافة ابي بكر ، وانما تصير فتوى الناس الى هؤلاء ، فمضى ابو بكر على ذلك ، ثم ولى عمر فكان يدعو هؤلاء النفر ) (1) .
التوسعة في التفقه
انت تلاحظ ان نظرية عدالة كل الصحابة نسفت كل الاعراف التي اعتمدت زمن ابي بكر وعمر وخرجت عن كل المفاهيم المألوفة في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ، واعطت الفرصة لكل صحابي على الاطلاق وبالمعنيين اللغوي والاصطلاحي ليدلي بدلوه في كل مسألة من المسائل . ومن حق المجتهد والباحث عن الجواب للسؤال المطروح ان يأخذ برأي اي واحد من هؤلاء الصحابة . كيف لا وكلهم عدول ،
____________
(1) راجع طبقات ابن سعد ج 4 ص 168 ، وراجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم ص 50 وما فوق .
( 139 )
وكلهم من اهل الجنة ، ولا يجوز عليهم الكذب ، فاختلطت الامور ، فالمتقدم كالمتأخر ، والطليق كالمهاجر ، فكلهم ينعم بصفة العدالة ، ولا تثريب عليه ، ولا معقب لقوله حسب الاطار العام لنظرية عدالة كل الصحابة وما يروي عنهم . وتثبت صحة نسبته اليهم ، فهو الحق الذي لا يأتيه الباطل ، لانه قد صدر عن عدول بامكانهم ان يخصصوا العام من القرآن ، وان يقيدوا المطلق منه . ومن هنا فقد كانت الجهود منصبة بالدرجة الاولى على درس حياة اولئك الذين ينقلون هذه الاحاديث والتحقق من حسن سيرتهم ، وصدق ايمانهم ، وصدق اقوالهم . فاذا توافرت هذه الصفات بالراوي ، وتحققت نسبة النص الى الصحابي ، فهذا النص حق لانه صادر عن صحابي من العدول .
قيد على الرواة من حيث المبدأ
يمكن لاحد الرواة ان يتشيع لابي بكر او لعمر او لعثمان او لسعد او لاي صحابي على الاطلاق ، فهذا لا يخدش بصدقه وامانته ، ولا يكون محلاً للشبهة ، انما الشبهة تقع على من يوالي علياً واهل البيت ويتشيع لهم ، فمن المحال ان يكون ثقة وتقبل روايته ، واذا اجتمع عدة رواة كلهم ثقات وبينهم رجل يحب اهل البيت ، ويتشيع لهم فيترك الحديث كله ، لانهم لا يقبلون الا رواية الثقة ، والثقة والتشيع لاهل بيت محمد لا يجتمعان .
قال ابو عمرو بن عبد البر ( روينا عن محمد بن وضاح قال : سألت يحيى بن معين عن الشافعي ( محمد بن ادريس الشافعي ) فقال : ليس بثقة ) ويحيى بن معين هذا من كبار ائمة الجرح والتعديل الذين جعلوا قولهم في الرجال حجة قاطعة . فتصور ان الشافعي صاحب المذهب ليس بثقة بنظر ابن معين ، لان فيه بعض التشيع لاهل البيت . وقد ادرك الذهبي ان هذا غير معقول فقال : وكلام ابن معين في الشافعي انما كان من فلتات اللسان بالهوى والعصبية .
والامام جعفر بن محمد الصادق استاذ اصحاب المذاهب الاربعة ، وصاحب مدرسة تخرج منها اربعة الاف فقيه ومحدث ، وهو صاحب مذهب اهل البيت الكرام ، وعلم شامخ من اعلام النبوة ، وثقه ابو حاتم والنسائي ، الا ان البخاري لم يحتج به كأنه ليس ثقة ، مع ان البخاري روى لمروان بن الحكم !
( 140 )
قال يحيى بن معين : وقيل له في سعيد بن خالد البجلي حين وثقه ( شيعي ) قال : وشيعي ثقة ؟ انه يستغرب ان يتشيع رجل لاهل البيت ويكون ثقة .
ومن لا يواليهم ولا يشايعهم فهو ثقة . قال العجلي في عمر بن سعد بن ابي وقاص قائد الجيش الذي قتل الحسين واهل البيت في كربلاء : هو تابعي ثقة روى عنه الناس . وقال العجلي كذلك في عمران بن حطان : ثقة ، وعمران هذا مدح ابن ملجم لعنه الله ، وابن ملجم هو قاتل الامام علي . يقول عمران في مدح ابن ملجم :
يا ضربة من تقي ما أراد بها * الا ليبلغ عند الله رضواناً
* *