قاعدة
لا ضرر و لا ضرار
محاضرات آية الله العظمى
السيد علي الحسيني السيستاني
دام ظله العالي
(5 )
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
بين يديك - أيها القاريء العزيز - مجموعة من محاضرات
سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله ، التي ألقاها
قبل سنين في مهد العلم والمعرفة جامعة . النجف الأشرف ، حول
القاعدة الفقهية المعروفة - لا ضرر ولا ضرار - .
وإننا بعد مراجعتها واسئذان سماحته في طبعها نقدمها لأرباب
الفضيلة وأساتذة الحوزة العلمية منهلاً زاخراً بالعطاء الفكري على
صعيد علم الفقه والأصول والحديث والرجال .
نسال الله تعالى أن يوفق الجميع للعلم والعمل الصالحين إنه
جواد كريم .
مكتب
سماحة اية الله العظمى
السيد السيستاني دام ظله
- قم المقدسة - 20 رجب
14هـ
(6 )
(7 )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء
والمرسلين محمد وعلى آله الهداة المهديين الغر الميامين .
وبعد:
هذه بحوث حول قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) حررتها من محاضرات
سيدي الاستاذ الوالد مد ظله الوارف .
أسال الله العلي القدير أن ينفعني بها ويوفقني لما يحب ويرضى إنه
حسبنا ونعم الوكيل .
(8 )
(9 )
(قاعدة لا ضرر ولا ضرار)
تمهيد:
من القواعد المعروفة بين فقهاء المسلمين قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)
وعلى المسلك المشهور في تفسيرها من أن مفادها نفي الحكم الضرري
تترتب عليها آثار مهمة في الكثير من الفروع الفقهية، حتى ادعى بعض
العامة
(1) ان الفقه يدور على خمسة احاديث احدها حديث لا ضرر ولا
ضرا ر .
وقد أصبحت هذه القاعدة موردأ لاهتمام علمائنا لا سيما في العصر
الاخير حيث عني بها الشيخ الاعظم الانصاري قدس سره عناية خاصة،
وتطرق الى البحث عنها في رسائله فانتظمت بذلك في سلك علم الأصول ،
وأشبع البحث فيها لدى المتأخرين .
وحديثنا عن هذه القاعدة يقع في ضمن فصول ثلاثة :
الفصل الأول : في تحقيق موارد ذكر حديث لا ضرر ولا ضرار في
الروايات وتشخيص متنه .
الفصل الثاني : في تحقيق مفاده .
الفصل الثالث : في أمور شاع التعرض لها بعنوان تنبيهات القاعدة،
وهي اما مكملة للبحث عنها أومتضمنة لبعض تطبيقاتها.
ويلاحظ انا قد تركنا البحث عن سند اصل الحديث لأنه لا اشكال في
____________
(1) نقله السيوطي في تنوير الحوالك 2|122 عن أبي الفتوح الطائي في الأربعين عن أبي
د اود .
(10 )
وروده بطريق معتبر
(1)، عن طريق زرارة كما سيأتي .
كما أن اسانيده ومصادره من كتب العامة والخاصة تظهر مما سنذكره
في الفصل الاول ان شاء الله تعالى .
____________
(1) حكى الشيخ الانصاري عن فخر المحققين (قدهما) انه ادعى تواتر حديث نفي الضرر في
باب الرهن من الايضاح ، ويظهرمن الشيخ (ره ) قبوله لذلك ، ولكنه غيرواضح لأنه لم يرد
هذا الحديث من طرق الخاصة مسنداً إلا عن راوين في الطبقة الأولى وهما زرارة وعقبة ،
وفي ساثر الطبقات ربما يكون عدد الرواة ثلاثة أو أ ربعة، وهذا المقدار لا يكفي في عدّ
الحديث مستفيضاً فضلاً عن أن يعد متواتراً ، وربما يظن ان دعوى التواتر تستند الى الاطلاع
على اخبار اخرى لم تصل الينا لفقد اكثر كتب الحديث في عصرنا ولكنه ضعيف ، ولعل
الأوجه ان يقال :إن نظره (قده ) الى مجموع أخبار الخاصة والعامة فان العامة كما سيأتي في
الفصل الاول قد رووا هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، فيمكن عدّ الحديث متواترأ
بلحاظ ذلك وهو محل تأمل أيضاً .
(11 )
الفصل الأول
وفيه بحثان :
البحث الأول : في ذكر قضايا (لا ضرر) وتحقيقها .
وهي قضايا اشتملت على ذكر حديث (لا ضرر ولا ضرار) تطبيقاً له
- ولو على بعض الاقوال والاحتمالات - على مواردها ، ولهذا البحث أهمية
كبرى ،لأن ملاحظة هذه الموارد والتعرف على مبنى تطبيق الحديث عليها
يسلط بعض الضوء على معنى الحديث نفسه ، ويبطل بعض الوجوه التي
ذكرت في تفسيره كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالى في الفصل الثاني .
والقضايا التي تضمنت ذكر حديث (لا ضرر ولا ضرار) تبلغ ثماني
قضايا ، وردت في مجموع كتب الفريقين : منها ثلاث قضايا وردت في كتب
الامامية ، وواحدة وردت في دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري
الاسماعيلي ، واربع قضايا وردت في كتب العامة ، ونحن نبحث عن الجميع
مفصلاً.
1- قضية سمرة بن جندب مع رجل من الانصار.
وهي أشهر القضايا، ولا ينبغي الاشكال في ثبوت هذه الجملة - أي
لا ضررولا ضرار- في موردها
(1) إلا أنه قد يبالغ فيعد ذلك مستفيضاً بل فوق
____________
(1) لكن قديستشكل في ثبوتهامن وجهين :
الأول : إن قاعدة لا ضرر ولا ضرار لا يمكن تطبيقها على مورد قضية سمرة، مما يثير
الشكوك في اشتمالها على جملة (لا ضرر ولا ضرار)،لا سيما أنها نقلت مجردة عنها أيضا
كما سيأتي ، وهذا الوجه سوف يجيء الكلام في تقريبه ودفعه في الفصل الثالث .
الثاني : إن هذه القضية -كما اشرنا - قد نقلت على نحوين مقرونة بهذه الجملة ومجردة
عنها فيدور الأمر بين الزيادة والنقيصة ،ولا ترجيح لأصالة عدم الغفلة فى جانب الزيادة على=
(12 )
حد الاستفاضة، بادعاء ان هذه القضية مذكورة في كتب الفريقين بطرق
متعددة
(1) .
ولكن الصحيح : ان قضية سمرة وإن ذكرت في كتب الفريقين بطرق
متعددة، إلا إنها لم تذكر مقرونة بهذه الجملة في جميع طرقها، بل ذكرت
مقرونة بها تارة ومجردة عنها اخرى :
فاما النحو الأول : فلم يرد في شيء من كتب العامة واحاديثهم ، وانما
ورد في كتبنا، وقد انفرد بنقله في الطبقة الاولى من السند زرارة بن أعين ناقلأ
____________
= اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة كما سياتي تحقيقه في البحث الثاني من هذا الفصل ،
فالنتيجة أنه لا يمكن اثبات اشتمال قضية سمرة على هذه الجملة.
ويرد عليه (اولاً) ان الروايات التي نقلت القضية مجردة عن هذه الجملة لم تصح بطريق
معتبر، فلا معارض لمعتبرة ابن بكير المشتملة عليها.
و(ثانيأ) : إن مورد دوران الامر بين الزيادة والنقيصة هو ما إذا لم تكن الزيادة المحتملة جملة
مستقلة بحيث لا يكون حذفها مؤثراً على معنى الرواية لكنه مؤثر على عموم المعنى وشموله كما
في حذف العلة وبقاء المعلل نحو لا تأكل الرمان لأنه حامض . معنى الرواية- وإلأ فما يتضمن
الزيادة حجة على ثبوتها بلا معارض، ومقامنا من هذا القبيل فان جملة (لا ضرر ولا ضرار) جملة
مستقلة وبمثابة العلة للحكم المذكور في القضية فلا يكون حذفها مؤلرأ على معنى بقية الرواية ،
لكنه مؤثر على عموم المععنى المعلل بها. ومما تقدم يظهر النظر فيما افاده العلامة شيخ الشريعة
قدس سره في رسالة لا ضرر: 6 : حيث بنى ثبوت الجملة المذكورة في قضية سمرة رغم خلو
بعض رواياتها عنها على قاعدة الترجيح لاصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة عند دوران الامر
بين الزيادة والنقيصة ، قال قده (ومن جهة هذه القاعدة المطردة حكم الكل بوجود لا ضرر ولا
ضرار في قضية سمرة مع أن رواية الفقيه بسنده الذي هو صحيح أو كالصحيح عن الصيقل
عن الحذاء خالية عن نقل هذين اللفظين بالمرة كما عرفت .
ووجه النظر فيما أفاده أن ثبوت جملة - لا ضرر- في المقام ليس من باب ترجيح أصالة
عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة، فاننا لا نقول بها بل من باب أن ما تضمن الزيادة
حجة في نفسه بلامعارض .
(1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 193 .
(13 )
ذلك عن أبي جعفر عليه السلام ، ونقله عنه اثنان من الرواة هما : عبدالله بن
بكير وعبدالله بن مسكان .
و( رواية ابن بكير ) عن زرارة نقلت بصورتين :
الصورة الأولى : ما نقله الكليني في باب الضرار من كتاب المعيشة
عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه ، عن عبدالله
ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : إن سمرة بن جندب
كان له عذق في حائط لرجل من الانصار - وكان منزل الانصاري بباب
البستان - وكان يمّر به الى نخلته ولا يستأذن ، فكلمه الانصاري أن يستأذن
إذا جاء، فأبى سمرة، فلمّا تأبى جاء الانصاري الى رسول الله صلى الله
عليه وآله فشكا إليه وخبره الخبر، فأرسل رسول الله صلىالله عليه وآله
وخبّره بقول الانصاري وما شكا، وقال : إن أردت الدخول فاستأذن ، فأبى .
فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع ، فقال صلى
الله عليه واله : لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبى أن يقبل ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله للانصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر
ولا ضرار
(1) .
وهذه الرواية معتبرة سنداً ، وقد اوردها الشيخ في التهذيب
(2)مبتدئاً فيها
باسم (أحمد بن محمد بن خالد)، والظاهر انه قد أخذها عن الكافي - فلا
يمكن عده مصدراً مستقلاً لها-، وذلك لما اوضحناه في شرح مشيخة
التهذيبين من أن دأب الشيخ (قدس سره ) على الابتداء باسم البرقي بعنوان
(أحمد بن أبي عبدالله ) حينما ينقل الرواية عن كتاب البرقي نفسه والابتداء
باسمه بعنوان (أحمد بن محمد بن خالد) حينما ينقل الرواية عن الكافي دون
____________
(1) الكافي 5| 292 .
(2) التهذبب 7 | 146 - 47 1 خ 651 .
(14 )
كتابه
(1).
____________
(1) توضيحاً لما اشار اليه مد ظله لا بأس بذكر امرين مستفادين مما ذكره دام ظله في شرح
مشيخة التهذيبين :
الأول : انه ربما يتصور- ولعله هو التصور السائد - إن جميع من يكون للشيخ طرق إليهم
في المشيخة إنما يروى الاحاديث المبدوءة باسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة،
- ولعل الاصل في هذا التصور هو عبارة الشيخ نفسه في مقدمة المشيخة -ولكن هذا غير
صحيح ، بل التحقيق ان رجال المشيخة على ثلائة اقسام :
الاول : من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة، وهم اكثر رجال
المشيخة كمحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن الحسن الوليد، وعلي بن الحسن بن
فضال وغيرهم .
الثاني : من اخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة، وهو بعض مشايخ
الكليني ومشايخ مشايخه كالحسين بن محمد الاشعري ، وسهل بن زياد، فهؤلاء إنما ينقل
الشيخ رواياتهم بواسطة الكافي .
الثالث : من أخذ الشيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة وبعضه الاخرمن كتابه
مع الواسطة، وهم جماعة منهم خمسة ذكرهم الشيخ تارة مستقلاً بصيغة (وما ذكرته عن
فلان . . .) ، وأخرى تبعاً في ذيل ذكر اسانيده الى آخرين بصيغة (ومن جملة ما ذكرته عن
فلان . . .) وهؤلاء هم الحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد، واحمد بن محمد بن
عيسى ، والفضل بن شاذان ، واحمد بن محمد بن خالد البرقي ، فإن هؤلاء وإن نقل الشيخ
من كتبهم بلا واسطة ولكن نقل عنها أيضاً بتوسط غيرهم ممن ذكرهم بعد ايراد اسانيده
اليهم ، فالبرقي - مثلاً - قد ذكره الشيخ مرتين : تارة بعد ذكر اسانيده الى الكليني بقوله (ومن
جملة ما ذكرته عن احمد بن محمد بن خالد ما رويته بهذه الاسانيد، عن محمد بن
يعقوب ، عن عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمد بن خالد . . . ) وذكره مرة أخرى مستقلاً
بقوله (وأمّا ما ذكرته عن احمد بن أبي عبدالله البرقي فقد اخبرني. . . ) فهذا يقتضي أنه (قده )
قد اعتمد في نقل روايات البرقي على كتابه تارة -واليه ينتهي سنده الاخير- وعلى الكافي
تارة اخرى - واليه ينتهي سنده الاول - .
وعلى هذا فلا يمكن لنا بمجرد ابتداء الشيخ باسم البرقي واضرابه استكشاف ان الحديث
مأخوذ من كتبهم مباشرة .
الثاني : ان في القسم الثالث حيث ينقل الشيخ روايات الشخص من كتبه على نحوين :
مباشرة تارة ومع الواسطة اخرى، هل يمكن تمييزاحد النحوين عن الآخر أم لا؟ ذكر مد ظله
إن ذلك ممكن في بعض هؤلاء ومنهم البرقي فإنه متى ابتدأ به بعنوان (احمد بن محمد بن=
(15 )
الصورة الثانية : ما نقله الصدوق في الفقيه
(1) قال : روى ابن بكير عن
زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق في
حائط رجل من الأنصار، وكان منزل الانصاري فيه الطريق إلى الحائط فكان
يأتيه فيدخل عليه ولا يستأذن ، فقال : إنك تجيء وتدخل ونحن في حال نكره
أن ترانا عليه ، فإذا جئت فاستأذن حتى نتحرز ثم نـأذن لك وتدخل قال لا أفعل
هو مالي أدخل عليه ولا أستأذن ، فأتى الانصاري رسول الله صلى الله عليه
وآله فشكا إليه وأخبره فبعث إلى سمرة فجاء فقال استأذن عليه فأبى وقال له
مثل ما قال الانصاري ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وآله أن يشتري
منه بالثمن فأبى عليه وجعل يزيده فيأبى أن يبيع ، فلما رأى رسول الله صلى
الله عليه وآله قال له : لك عذق في الجنة فأبى أن يقبل ذلك فأمررسول الله
صلى الله عليه وآله الانصاري أن يقلع النخلة فيلقيها إليه وقال : لا ضررولا
ضرار.
____________
= خالد) فالحديث مأخوذ من الكافي ، ومتى ابتدأ به بعنوان احمد بن أبي عبدالله فالحديث
مأخوذ من كتبه مباشرة، وهذا مضافاً الى أنه مقتضى ظاهر عبارة المشيخة حيث فرق بين
القسمين في التعبيركما تقدم فهومقرون ببعض الشواهد الخارجية منها إن الملاحظ أن كل
رواية في التهذيبين ابتدأ فيها الشيخ بعنوان احمد بن محمد بن خالد موجود في الكافي - كما
تحققته بالتتبع - لاحظ ج 3 ح910 وج 6 ح 2 35، 358، 366، 369، 372، 8 0 6،
697، 0 85، 886، 1158. وج 7 ح 28، 35، 36، 4 4، 5 4، 56، 1 65، 9 0 7. وج 9 ح 383،
13 4، 5 1 4، 465، 467، 0 47 . وج10 ح67، 5 1 1 ، 8 0 2، 2 26، 2 45 ، 3 80، 5 0 8،
872، 1 0 9، 3 0 9، 931، 937، وليس كذلك ما ابتدء فيه بعنوان احمد بن أبي عبدالله فانه
قد يوجد في الكافي وقد لايوجد فيه كما في ج1 ح 56 0 1، 1144 . وج 2 ح415 .
وج 3 ح 295، 486، 1 71. وج 6 ح 258، 329،
878 ، 1060 .
وبهذا يتجلى صحة ما ذكرناه من اته كلما ابتدأ الشيخ بعنوان (أحمد بن محمد بن خالد)
فإنه يكون قد اخذ الحديث من كتاب الكافي فلا يمكن عده مصدراً مستقلاً في مقابله .
(1) من لا يحضره الفقيه 3 | 147 ، 684 .
(16 )
ويلاحظ أن هذه الصورة أكثر تفصيلأ من الصورة الأولى لاشتمالها
على بعض الخصوصيات التي لم تذكر في تلك ، وكيف كان فهذه الرواية
معتبرة أيضاً - لصحة طريق الصدوق إلى عبدالله بن بكير في المشيخة - بل
يمكن عدها أقوى سنداً من رواية الكليني لأن في سند الكليني محمد بن
خالد البرقي وقد قال النجاشي (إنه ضعيف في الحديث وإن كان المعتمد
وثاقته )
(1).
نعم يلاحظ أن مصدر الصدوق في نقل هذه الرواية غير معلوم عندنا
وما قيل من انه يبتدئ باسم من أخذ الحديث من كتابه أمر لا قرينة عليه ، بل
القرائن الواضحة تدل على خلافه كما ذكرناها في شرح مشيخة الفقيه .
هذا عن رواية ابن بكير عن زرارة .
وأما (رواية ابن مسكان ) عنه فقد أوردها الكليني (2) أيضاً في باب
الضرار من كتاب المعيشة عن علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي
عبدالله ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن عبدالله بن مسكان ، عن زرارة ،
عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق ، وكان
طريقه إليه في جوف منزل رجل من الانصار فكان يجيء ويدخل إلى عذقه
بغير إذن من الانصاري .
فقال له الانصاري : يا سمرة لا تزال تفاجئنا على
حال لا نحب ان تفاجئنا عليها، فاذا دخلت فاستأذن .
فقال : لا أستأذن في
طريقي وهو طريقي الى عذقي ، قال فشكا الانصاري الى رسول الله صلى
الله عليه وآله فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فاتاه فقال له إن فلاناً
قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه ، فاستأذن عليه إذا أردت
____________
(1)رجال النجاشي : 335|رقم 898 .
(2)الكافي 5 : 4 29 |8 .
(17 )
أن تدخل ، فقال : يا رسول الله استأذن في طريقي الى عذقي ؟ فقال له رسول
الله صلى الله عليه وآله خل عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا فقال
لا، قال : فلك اثنان ، قال لا أريد، فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق
فقال لا، قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبى، فقال خل عنه ولك مكانه
عذق في الجنة، قال لا أريد، فقال له رسول الد صلى الله عليه وآله : انك
رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ، قال ثم أمر بها رسول الله صلى
الله عليه وآله فقلعت ، ثم رمى بها إليه وقال له رسول الله صلى الله عليه واله
انطلق فاغرسها حيث شئت .
وهذه الرواية ضعيفة بالارسال ، ولا سيما ان مرسلها هومحمد بن خالد
البرقي الذي طعن عليه بالرواية عن الضعفاء كثيراً كما ذكر ذلك ابن
الغضائري
(1)، وربما يناقش في سندها ايضاً بعدم ثبوت وثاقة (علي بن
محمد بن بندار) ولكنه في غير محله ، لأنه - كما احتمل ذلك الوحيد
البهبهاني (قده )
(2)- هو علي بن محمد بن أبي القاسم الذي وثقه
النجاشي
(3) ، فإن بندار لقب أبي القاسم جده كما صرح بذلك النجاشي في
ترجمة محمد بن أبي القاسم
(4).
هذا كل ما ورد في نقل قضية سمرة مقرونة بجملة (لا ضرر ولا ضرار) .
وأما النحو الثاني : في نقل قضية سمرة مجردة عن جملة ( لا ضرر ولا ضرار) فقد ورد في
جملة من كتبنا وكتب العامة .
اما في (كتبنا) فقد ورد في الفقيه
(5) قال : روى الحسن الصيقل عن
____________
(1) مجمع الرجال 5 | 205 .
(2) تنفيح المقال 2 | 303 .
(3) رجال النجاشي : 268 | 700.
(4) رجال النجاشي : .
(5) من لا يحضره الفقيه 3 : 59 | 208 .
(18 )
أبي عبيدة الحذاء قال قال أبوجعفرعليه السلام : كان لسمرة بن جندب نخلة
في حائط بني فلان فكان إذا جاء الى نخلته نظر الى شيء من أهل الرجل
يكرهه الرجل ، قال فذهب الرجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكاه ،
فقال : يا رسول الله إن سمرة يدخل علي بغير إذني ، فلو أرسلت اليه فأمرته
أن يستاذن حتى تاخذ أهلي حذرها منه ، فأرسل اليه رسول الله صلى الله
عليه وآله فدعاه فقال : يا سمرة استأذن انت إذا دخلت ، ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وآله يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك ؟ قال : لا،
قال لك ثلاثة قال : لا ، قال :ما أراك يا سمرة إلآ مضاراً ، اذهب يا فلان فاقطعها
واضرب بها وجهه .
وسند الصدوق في المشيخة الى الحسن الصيقل هو: محمد بن
موسى المتوكل ، عن علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن ابي
عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن ،عن الحسن بن زياد
الصيقل .
ويمكن أن يناقش في اعتبار هذه الرواية تارة من جهة الحسن الصيقل
وأخرى من جهة سند الصدوق اليه .
أما الجهة الأولى : فلأن الحسن الصيقل لم يوثق وان استظهر
المحدث النوري وثاقته من وجهين ذكرهما في خاتمة المستدرك
(1) وفصلهما
العلامة شيخ الشريعة (قده ) في رسالته
(2) وهما:
1 - رواية خمسة من أصحاب الاجماع عنه وهم : عبدالله بن مسكان
وحماد بن عثمان وابان بن عثمان من الستة الوسطى،ويونس بن عبد الرحس
____________
(1) مستدرك الوسائل 3 | 588 .
(2) رسالة لا ضرر ولا ضرار: 55 - 56 .
(19 )
وفضالة بن أيوب من الستة الأخيرة على تردد في عد فضالة منهم
(1).
ويرد عليه إن استكشاف وثاقة الراوي من رواية هؤلاء عنه يبتني على
احد أمرين :
الاول : ان يفسر ما قاله الكشي في حق هؤلاء من الاجماع على
تصحيح ما يصح عنهم بصحة ما رووه من الروايات ، ليكون ذلك في قوة
توثيق رواتها، ولكن هذا التفسير غير صحيح فإن المقصود بما ذكره -كما
اوضحناه في محله -هو الاجماع على صحة نقل هؤلاء والثقة بهم في ذلك
لا صحة الحديث الذي رووه ، مضافا الى ان تصحيح أحاديثهم أعم من
الحكم بوثاقة رواتها كما لا يخفى .
الثاني : ان بناء اجلآء الاصحاب وأعاظمهم - كهؤلاء - على عدم
الرواية عن الضعفاء، ولكن هذا ايضا لم يثبت كقاعدة كلية، نعم ثبت على
المختار في حق ثلاثة منهم وهم محمد بن أبي عميروصفوان بن يحيى
ومحمد بن أبي نصر البزنطي .
2 - رواية جعفر بن بشير عنه
(2)،وقد قال النجاشي في ترجمته (روى عن
الثقات ورووا عنه )
(3) وهو يقتضي وثاقة من يروي عنهم.
ويرد عليه انه لا وجه لاستظهار الحصر من العبارة المذكورة لان اثبات
روايته عن الثقات لا ينفي روايته عن غيرهم .
(لا يقال ) إن الامر وإن كان كذلك إلا أن هذه العبارة لما كانت مسوقة
في مقام المدح فلا محيص من ارادة الحصر منها،لان أصل رواية الشخص
عن الثقات ورواية الثقات عنه امر لا يستوجب المدح ولا تميز لجعفربن بشير
____________
(1)لاحظ رجال الكشي : 556| رقم 1050 .
(2) رسالة لا ضرر ولا ضرار: 56 .
(3) رجال النجاشي : 119 | 304 .
(20 )
عن غيره في ذلك ، بل هوثابت في حق كثيرمن الرواة حتى الضعفاء منهم.
(فإنه يقال ) المقصود بالعبارة المذكورة اكثاره الرواية عن الثقات وإكثار
الثقات الرواية عنه ، ولا شك ان هذا أمر ممدوح وصفة عالية في الشخص
في مقابل ما يذكر في شأن بعض الرواة كمحمد بن خالد البرقي من انه يروي
عن الضعفاء والمجاهيل ، فإنه يعد نوعاً من القدح والذم في حقه .
وبالجملة لا يستفاد من العبارة المذكورة انحصار رواية جعفر بن بشير
بما يرويه عن الثقات مضافاً الى أن هذه الاستفادة لا تخلومن غرابة في ناحية
الرواة عنه فإنا لم نجد أحدأ مهما بلغ من الجلالة والعظمة لا يروي عنه إلاّ
الثقات حتى أن الائمة المعصومين عليهم السلام كثيراً ما روى عنهم
ا لوضّاعون والكذّابون .
ويشهد لما ذكرناه ما قاله الشيخ في التهذيب فإنه بعد أن أورد روايتين
لجعفر بن بشير،الأولى : عمن رواه عن أبي عبدالله والثانية عن عبدالله بن
سنان أوغيره عنه عليه السلام
(1) .
قال بصدد النقاش في الخبر المحكي بهما
(أول ما فيه أنه خبرمرسل منقطع الاسناد لأن جعفر بن بشير في الرواية الأولى
قال عمن رواه ، وهذا مجهول يجب اطراحه ، وفي الرواية الثانية قال عن
عبدالله بن سنان أو غيره ، فأورده وهو شاك فيه وما يجري هذا المجرى لا
يجب العمل به ) .
فيلاحظ انه قدس سره لم يبأ في إسقاط الرواية بالارسال
بكون المرسل هو جعفر بن بشير، وهذا لا وجه له لو كان جميع مشايخه ومن
يروي عنهم من الثقات فتأمل
(2).
____________
(1) التهذيب 1 |196 | 567 و 568 .
(2) وجهه أن الاستشهاد بكلام الشيخ قدس سره مدفوع نقضا وحلا (أما النقض ) فان الشيخ قد
ناقش في موضع من التهذيبين في بعض مراسيل ابن أبي عمير وردها بالارسال (التهذيب ج 8
ح 932) مع أننا نرى حجية مراسيله اعتمادا على كلام الشيخ نفسه في العدة من انه لا يروى =
(21 )
وأما الجهة الثانية : فلاشتمال السند على علي بن الحسين
السعدآبادي ومحمد بن موسى بن المتوكل .
فأما علي بن الحسين السعدابادي فهو ممن لم يوثق وإن بنى جمع
على وثاقته استنادا الى بعض الوجوه الضعيفة : (منها) كونه من مشايخ ابن
قولويه في كتاب كامل الزيارات بناء ا على استفادة توثيق جميع رواة هذا
الكتاب أو خصوص مشايخ مؤلفه من الكلام المذكور في مقدمته
(1).
ولكن الصحيح ان العبارة المذكورة في المقدمة لا تدل على هذا
المعنى بل مفادها انه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين ، لذا
لم يكن قد اخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم ، المعبر
عنهم بنقاد الاحاديث كمحمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبدالله
واضرابهما وأما لو كان قد اخرجها بعض هؤلاء سواءا كانوا من مشايخه أو
مشايخ مشايخه فهو يعتمدها ويوردها في كتابه ، فكأنّه قدس سره يكتفي في
الاعتماد على روايات الشذاذ من الرجال - على حد تعبيره - بايرادها من قبل
بعض هؤلاء الاعاظم من نقاد الاحاديث.
وهذا المعنى مضافا الى كونه ظاهرعبارته المشار اليها - كما يتبين عند
التأمل - مقرون ببعض الشواهد الخارجية المذكورة في محلها .
____________
= ولا يرسل إلا عن ثقة .
(وأقا الحل ) فإن الشيخ قد تكفل في التهذيبين لحل ظاهرة التعارض
بين الاخبار وذلك مما الجأه احيانا الى اتباع الاسلوب الاقناعي في البحث المتمثل في حمل
جملة من الروايات على بعض المحامل البعيدة، أو المناقثة في حجيتها ببعض الوجوه
التي لا تنسجم مع مبانيه الرجالية والاصولية المذكورة في سائر كتبه .
وهذا ظاهر لمن تتبع
طريقته قدس سره في الكتابين ، ولتوضيحه وذكر الشواهد عليه مجال آخر، وعلى هذا فلا
يمكن الاستناد الى ما ذكره في التهذيبين خلافا لما صرح به هوفي كتاب العدة أو ذكره غيره
من اعلام الرجاليين .
(1) كامل الزيارات : 4 .
(22 )
فليس مراده وثاقة جميع من وقع في أسانيد رواياته فإن منهم من لا
شائبة في ضعفه وليس د مراده وثاقة عامة مشايخه فإن منهم من لا تنطبق عليهم
الصفة التي وصفهم بها قدس سره وهي كونهم مشهورين بالحديث والعلم .
و(منها) كونه - أي السعدآبادي - من شيوخ الاجازات الذين لا حاجة
الى التنصيص على وثاقتهم بل لا يضر ضعفهم بعد تواتر الكتاب الذي
اجازوا روايته ، ويرد عليه أنه لم يثبت اقتصار الاصحاب على الاستجازة من
الثقات فقط بل ثبت خلاف ذلك -كما يعلم بمراجعة كتب الرجال.- وأيضاً
لم يعرف الكتاب الذي اخرج منه الصدوق رواية الصيقل ليقال إنه متواتر فلا
يقدح عدم وثاقة السعدابادي في جواز الاعتماد على روايته .
و(منها) كونه أحد العدة الذين يروي الكليني بواسطتهم عن البرقي وقد
روى عنه أيضا علي بن إبراهيم وعلي بن الحسين والد الصدوق وأبو غالب
الزراري وغيرهم من الاجلاء ففي ذلك دلالة على وثاقته . وفيه إنه لم يثبت
اقتصارهؤلاء على ا لرواية عن ا لثقات كماسبقت الإشارة إليه .
هذا وقد حاول العلامة شيخ الشريعة قدس سره تصحيح سند الصدوق
الى الحسن الصيقل حتى على تقدير عدم ثبوت وثاقة السعدآبادي بدعوى
أن للصدوق طريقا آخر الى البرقي وهو صحيح بالاتفاق فإنه يروي عنه ايضا
بتوسط أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبدالله عن البرقي وهذا
السند صحيح اتفاقا
(1). ويرد عليه أن هذا الطريق يختص بما يرويه الصدوق
في الفقيه مبتدئا باسم البرقي لا الى جميع الروايات التي وقع البرقي في
طرقها وهذا واضح ، نعم يمكن تعميم الطريق المذكور لما نحن فيه ونظائره
فيما إذا ثبت أمران :
____________
(1) رسالة (لا ضرر ولا ضرار) : 54 - 55 .
(23 )
الأول : إن الصدوق قد أخذ رواية الصيقل من كتاب البرقي بالرغم من
انه لم يبتدأ باسمه .
الثاني : إن السند المذكور الى البرقي في المشيخة مسند الى كتبه لا
الى خصوص رواياته المبدوءة باسمه في الفقيه ،ولكن لا يمكن اثبات شيء
من الأمرين ؛ أما الأول : فواضح . وأما الثاني ، فلما أوضحناه في محله من أن سند
الصدوق الى شخص في المشيخه إنما هو سنده الى الروايات المبدوءة باسم
ذلك الشخص في الفقيه ، ولا يمكن تعميمه الى كتبه إلا بدليل يوجب ذلك
كأن يصرح الصدوق نفسه بذلك كما صرح به عند ذكر طريقه الى علي بن
جعفر حيث قال : (وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر فقد رويته بهذا
الاسناد) وكذلك صرح به عند ذكر طريقه الى الكليني فقال :(وكذلك جميع
كتاب الكافي فقد رويته عنهم عنه عن رجاله ).
والحاصل ان طريق الصدوق الى الحسن الصيقل ضعيف بعلي بن
الحسين السعدآبادي ولا يمكن تصحيحه بشيء من الوجوه المذكورة .
وأما الخدشة فيه من ناحية محمد بن موسى بن المتوكل ؛ الذي لم يوثق
في كلمات الاعلام المتقدمين كالشيخ والنجاشي وإنما وثقه بعض
المتأخرين كابن طاووس والعلامة ؛ في غير محلها ، إذ يرد عليها مضافا الى
ضعف التفريق بين توثيقات المتقدمين والمتأخرين أمثال ابن طاووس
والعلامة - كما اوضحناه في محله
(1)- إنه قد وقع في اسناد رواية ادعى ابن
طاووس في فلاح السائل الاجماع على وثاقة رواتها مما يكشف عن توثيق
بعض المتقدمين له على أقل تقدير.
فتحصل مما ذكرناه ان رواية الحسن الصيقل ضعيفة سندا وإن حاول
____________
(1) باعتبار أنه لا فرق بينهما في احتمال الحدس ولا فرق بينهما في دعوى الحس .
(24 )
بعض الأعاظم تصحيحها .
هذا ما في كتبنا من نقل قضية سمرة من دون جملة (لا ضرر) .
وأما ما في (كتب العامة) فقد نقلت في جملة منها-مع اختلاف في
كيفية طرح الشكوى والمخاصمة - ونشير الى بعضها :
(منها) ما في سنن أبي داود، فقد روى باسناده عن واصل مولى عيينة
قال سمعت أبا جعفرمحمد بن علي يحدث عن سمرة بن جندب ، انه كانت
له عضد من نخل في حائط رجل من الانصار قال ومع الرجل أهله قال فكان
سمرة يدخل الى نخله فيتاذى به ويشق عليه فطلب اليه أن يناقله فأبى فأتى
النبي صلى الله عليه واله ، فذكر ذلك له فطلب اليه النبي صلى الله عليه
واله أن يبيعه فأبى فطلب اليه أن يناقله فأبى ، قال فهبه له ولك كذا وكذا - مرارا
رغبة فيه - فأبى فقال أنت مضار، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
للانصاري : اذهب فاقلع نخله
(1).
و(منها) ما في مصابيح السنة للبغوي
(2).
و(منها) ما في الفائق للزمخشري
(3)، والمروي فيهما لا يختلف عما
في سنن أبي داود إلا يسيرا .
و(منها) ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال روى واصل
مولى ابن عيينة، عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام ، عن آبائه قال
كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الانصار فكان يؤذيه ، فشكا
الانصاري ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وآله فبعث الى سمرة فدعاه
____________
(1) سنن ابي داود 3 : 315 | 3636 .
(2) مصابيح السنة 2 | 372 | 2220 .
(3) الفائق في غريب الحديث 2 |442 .
(25 )
فقال له بع نخلك من هذا وخذ ثمنه قال : لا أفعل ، قال : فخذ نخلاً مكان نخلك
قال لا أفعل .
قال : فاشتر منه بستانه قال لا افعل قال فاترك لي هذا النخل ولك
الجنة قال :لا افعل فقال صلى الله عليه وآله للانصاري : اذهب فاقطع نخله
فإنه لاحق له فيه
(1).
فظهرمن مجموع ما تقدم ان قضية سمرة وإن نقلت في كتب الفريقين
بطرق متعددة،إلأ انها لم تذكر مقرونة بجملة (لا ضرر ولا ضرار) إلا في كتبنا
وبطريق واحد فقط ، فلا ينبغي الخلط بين ثبوت هذه القضية في نفسها وبين
ثبوتها مقرونة بهذه الجملة ، فإنه إن صحت دعوى استفاضة أصل القضية فلا
تصح دعوى استفاضتها مقرونة بهذه الجملة كما يظهر من المحكي عن
المحقق النائيني قدس سره .
هذا بعض ما يتعلق بقضية سمرة واقترانها بجملة (لا ضرر ولا ضرار)
وللكلام في ذلك تتمة يأتي في البحث الثاني ان شاء الله تعالى .
2 - حديث الشفعة .
وقد رواه المشايخ الثلاثة :
1 ـ رواه الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن
محمد بن عبدالله بن حلال ، عن عقبة بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : قض رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة بين الشركاء في الارضين
والمساكن وقال :لا ضرر ولاضرار، وقال :إذا رفت الارف وحدّت الحدود فلا
شفعة
(2).
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 4 |78 .
(2) الكافي 5| 280 | 4 .
(26 )
2 - ورواه الشيخ في التهذيب (1) باسناده عن محمد بن يحيى ، والظاهر
انه أخرجه عن الكافي لما أوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من انه كلما
ابتدأ الشيخ باسم بعض مشايخ الكليني كمحمد بن يحيى وعلي بن إبراهيم
ونظرائها ، فإنه قد أخذ الحديث من الكافي لا من كتبهم
(2) إلا مع التصريح
بخلاف ذلك . وإن كان ظاهر كلامه في أول المشيخة يوهم انه لم يبتدأ ، إلا
باسم من أخذ الحديث من كتابه أو اصله ، ولكن هذا وإن كان هو الغالب
على أحاديث التهذيبين إلا أنه لا كلية له كما تدل عليه القرائن الكثيرة ، وعلى
هذا فلا يمكن عد التهذيب في المقام مصدرا مستقلا لهذا الحديث .
3 - ورواه الصدوق (3) باسناده عن عقبة بن خالد كما نقله الكليني
ولكنه اسند الجملة الثالثة من الحديث الى الامام الصادق عليه السلام قال :
(وقال الصادق عليه السلام :إذا رفت الأرف ) ، قال صاحب الوسائل بعد نقل
الحديث عن الكافي والتهذيب : ورواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد
وزاد( ولا شفعة إلا لشريك غير مقاسم )
(4)ولكن الظاهر ان هذه الجملة من كلام
الصدوق نفسه وليست زيادة في الرواية على نقله ولذا لم ينقلها في الوافي
(5)
____________
(1) التهذيب 7 | 4 6 1 | 727 .
(2) اقام مد ظله قرائن عديدة على هذا المدعى من نفس المشيخة وخارجها ومما يختص منها
بالمقام أن المراجع لرجال الشيخ وفهرسته ، يجد انه قدس سره لم يذكر محمد بن يحيى
العطار في الفهرست وإتما ذكره في الرجال قائلا (روى الكليني عنه قمي كثير الرواية)،
ولكن النجاشي عنونه وقال (له كتب منها كتاب مقتل الحسين وكتاب النوادر) فيستظهر من
ذلك ان كتب محمد بن يحيى لم تصل الى الشيخ قدس سره لينقل منها مباشرة وإلاّ فكيف
لم يذكرها في الفهرست مع ان غايته فيه الاستيفاء قدر الإمكان كما يعلم من مقدمته .
(3) الفقيه 3| 45 | 154 .
(4)الوسائل 5 2 : 400 | 32218 .
(5) الوافي مجلد 3 جزء 10|103 .
(27 )
عن الفقيه ، ومن راحع الفقيه يحد أن دأب الصدوق (قدس سره) على تعقيب
بعض الروايات بكلام لنفسه من دون فصل مشعر بالتغاير - كما ان الامر
كذلك في التهذيب -ومن هنا قد يشتبه الامر على الناظر فيعد كلامه جزا من
ا لروا ية.
وكيف كان فتحقيق الكلام في هذه الرواية يقع في ضمن جهات :
(الجهة الأولى) في سندها، وهو ضعيف لأن رواية الكليني والشيخ
مخدوشة بـ (محمد بن عبدالله بن هلال ) و(عقبة بن خالد) فإن الأول لم يوثق
بل لم يذكره القدماء من أعلام الرجاليين ، وربما يوثق : لوقوعه في اسانيد كامل
الزيارات أو لأنه من شيوخ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الذي هومن
أجلاء الطبقة السابعة، ولرواية جماعة أخرى من الاجلاء عنه ولكن قد تقدم
ضعف هذه الوجوه ، وأما الثاني فهو وإن ذكره النجاشي والشيخ إلا أنهما لم
يوثقاه ، نعم وثقه صاحب الوسائل (قده ) لرواية الكشي مدحه ودعاء الصادق
له ورواية الكليني في الجنائز مدحأ له ،ولأن له كتابأ ذكره الشيخ والنجاشي
وربما يوثق لكونه من رجال الكامل وجميع ذلك ضعيف ايضأ .
وبما تقدم يظهر ضعف رواية الصدوق أيضأ ؛لأنها تنتهي الى عقبة بن
خالد نفسه ، مضافا الى أنها مرسلة حيث ان الصدوق (قده ) لم يذكر طريقه
الى عقبة في المشيخة، وأما دفع الارسال عنها بان للشيخ (قده ) طريقا معتبرا
في الفهرست الى كتاب عقبة وقد توسطه الصدوق فيعلم بذلك سنده اليه
فتخرج الروايات التي ابتدأ فيها باسمه في الفقيه عن الارسال (فمخدوش ) إذ
لم يثبت ان الصدوق التزم في الفقيه أن لايبتدئ إلا باسم من أخذ الحديث
من كتابه ، بل ثبت خلافه في جملة من الموارد كما سبقت الاشارة الى ذلك ،
وعلى ضوء ذلك فمن أين يعلم انه أخذ حديث عقبة هذا من كتابه مباشرة لا
من كتب مشايخه أومشايخ مشايخه مثلا كي يجدي استكشاف طريقه الى
(28 )
كتاب عقبة في اخراج رواياته في الفقيه عن الارسال فتأمل .
والذي يهون الامر ان مورد الاشكال في سند الكليني والشيخ الى عقبة
إنما هو محمد بن عبدالله بن هلال - كما تقدم - وهو مذكور ايضا في السند
المذكور في الفهرست الى كتاب عقبة،فإن أمكن تصحيح طريق الكليني
والشيخ بوجه فلا حاجة الى دفع شبهة الارسال عن رواية الصدوق بما ذكر.
الجهة الثانية : في انجبار ضعف سندها بعمل الأصحاب وعدمه .
قد يقال إن رواية عقبة هذه وإن كانت ضعيفة سندا إلا انها منجبرة
بعمل الاصحاب فقد أوردها المشايخ الثلاثة في كتبهم من غير رد ظاهر وكذا
من بعدهم من المتأخرين فيستظهر من ذلك عملهم بها واعتمادهم عليها .
وفي مقابل ذلك قد يدعى وهنها باعراض الاصحاب عنها فيلزم طرحها
حتى وان امكن تصحيح سندها ببعض الوجوه المتقدمة، وتقريب دعوى
الاعراض أن يقال إن مقتضى استخدام الجمع لا المثنى في قوله عليه السلام
(قضى رسول الله صلى الله عليه واله بالشفعة بين الشركاء) ثبوت الشفعة
لازيد من شريك واحد، وهذا خلاف المشهور، فإن المشهور بينهم شهرة
عظيمة كادت أن تكون اجماعأ عدم ثبوت حق الشفعة إلا مع وحدة الشريك ،
فالشفعة مجعولة عندهم لازالة الشيوع في الأموال لالتقليله ، ولم يخالف في
ذلك غير ابن الجنيد حيث حكم بثبوتها للشركاء مطلقا، وغير الصدوق حيث
قال بثبوتها للشركاء في خصوص العقاركما نقله عنهما السيد المرتضى في
الانتصار
(1) ورد عليهما قائلا : (إن اجماع الامامية تقدم الرجلين فلا اعتبار
بخلافهما) ونقل أيضأ : متن رواية عقبة هذه وعدها من اخبار الاحاد التي لا
توجب علما وذكروجهين في تأويلها.
____________
(1) الا نتصار : 217 - 218 .
(29 )
وقال الشيخ في الخلاف
(1) بعد اختيار المسلك المشهور : دليلنا على المسألة الاولى
إنه إذا كان الشريك واجدا فلا خلاف في ثبوت الشفعة وإذا كانوا أكثر من ذلك فلا دليل على ثبوت الشفعة
لهم ، واخبار اصحابنا التي يعتمدونها ذكرناها في الكتاب الكبير فنصرة القول الآخر
اخبار رويت في هذا المعنى والاقوى عندي الاول .
هذا ولكن يمكن أن يقال إنه لا يظهر من الرواية ما يخالف المسلك المشهور ولذا لم يعتبرها الشيخ في
التهذيبين من الاخبار المخالفة في الباب ، ففي التهذيب
(2)
نقلها على انها من الاخبار الموافقة ولم يعلق عليها بشئ ،كما فعل ذلك بالنسبة الى بعض الاخبار الاخر ،
وفي الاستبصار
(3) نقل عدة اخبار تدل على ثبوت الشفعة في اكثر من شريكين
وردها ولم يذكر هذه الرواية في ضمنها رغم انه أوردها في التهذيب .
والوجه في ذلك ان استخدام صيغة الجمع في الرواية انما هو باعتبار ذكر لفظتي (الارضين ) (والمساكن )
فيها ، فهو من مقابلة الجمع بالجمع وظاهره الانحلال ، فلا دلالة في الرواية على
ثبوت الشفعة للشركاء بلحاظ مورد واحد من ارض أومسكن لتقتضي خلاف ما هو المشهور
في المسألة حتى يدعى وهنا باعراض الاصحاب
عنها . هذا بالسبة لدعوى وهنها باعراض الاصحاب .
واما دعوى انجبارها بعمل الاصحاب فهي في غير محلها ايضا ، لان كبرى الانجبار غير مسلمة على اطلاقها بل للانجبار مواضع خاصة
ليس المقام منها وتوضيح ذلك موكول الى محله .
____________
(1) الخلاف 3 : 435 ـ 436 مسألة11.
(2) التهذيب 7 | 164 | 727 .
(3) الاستبصار 3 | 116 ـ 117| 416 ـ 418 .