ولكننا لا نوافق على هذا الاعراض لوجوه :
أ ـ إن البحث في صدق المشتق على الموضوع واشتراطه بفعلية التلبس أو
عدم اشتراطه لا يبتني على مسلك السكاكي في المجاز، فيمكن لنا القول
بمسلك السكاكي ومع ذلك نرى ان مسألة المشتق مرتبطة بالظهور الفردي
للكلمة لا بالاسناد .
بيان ذلك : أننا لو اخترنا أن المجاز في الاسناد لا في الكلمة كما قال به
السكاكي فيمكن لنا مع ذلك اختيار المذهب المشهور في البحث حول المشتق ،
وهو البحث حول مفهومه الافرادي وهل أنه واسع يشمل المنقضي عنه المبدأ أم
ضيق خاص بالمتلبس ، ولا تنافي بين البحث عن المفهوم الافرادي للمشتق
واختيار كون المجاز في الاسناد لا في الكلمة .
كما أنه يمكن اختيار كون المجاز مرتبطاً بالكلمة لا بالاسناد كما عليه
المسلك المشهور ومع ذلك يصح البحث في اسناد المشتق وصدقه ، فيقال : بان
الحقيقة والمجاز من أوصاف الكلمة نفسها ولكن المفروض المفروغية عن مدلول
وصف المشتق وأن المراد به معلوم وهو الواجد للمبدأ في زمن من الأزمنة،
فالبحث حينئذٍ ليس عن مدلوله لوضوحه وإنما البحث عن مرحلة الصدق
والاسناد وانه هل يصح إسناده للمنقضي عنه المبدأ على نحو الحقيقة أم لا .
إذن فلا تلازم بين مسلك السكاكي في بحث المجاز وبين تعلق البحث
في المشتق بمرحلة الصدق والاسناد، كما لا تلازم بين مسلك المشهور في بحث
المجاز وبين تعلق البحث في المشتق بمفهومه الأفرادي .
ب - إن ما ذكره من عدم تصور المجاز في الاسناد في القضايا الحقيقية
لعدم اشتمالها على جهة التطبيق والنظر للأفراد غير تام ، وذلك لأن القضايا
الحقيقية لا تخلو عن جهة التطبيق .
بيان ذلك : ان الحمل على نوعين :
( 229 )
1 ـ حمل صريح. 2 ـ حمل ضمني .
ومقصودنا بالحمل الصريح ما كان هو المقصود الأساسي من الاسناد،
والحمل الضمني ما كان مستبطناً في الحمل الصريح ، سواءاً ذكر الطرفان
للحمل الضمني المستبطن أم لم يذكرا، فمثلاً إذا قلنا زيد عالم فهذا حمل
صريح ، وإذا قلنا زيد العالم جاءني فالحمل الصريح هو حمل المجيء على زيد
إذ هو المقصود الأساسي في الجملة والحمل الضمني هو حمل العلم عليه لرجوع
الأوصاف للأخبار كرجوع الأخبار للأوصاف ، وكذلك إذا قلنا جاءني العالم
فيوجد هنا حمل ضمني وهو حمل العالم على الفرد المعهود.
وإذا اتضح ذلك فنقول بان القضايا الحقيقية لا تشتمل على جهة
التطبيق بلحاظ الحمل الصريح فيها ولكنها تشتمل على جهة التطبيق بلحاظ
الحمل الضمني .
فمثلاً إذا قلنا كل مستطيع يجب عليه الحج فهنا إذا لاحظنا الحمل
الصريح في الجملة وهو حمل الوجوب على المستطيع لا نرى نظراً لعالم التطبيق
بل عالم التطبيق مفروغ عنه عند إرادة الحمل الصريح ، ومفاد الجملة حينئذٍ ما
فرض مستطيعاً وجب عليه الحج بدون النظر للأفراد بل المنظور هو طبيعي
العنوان المفروض صدقه وانطباقه على الأفراد، بينما إذ لاحظنا الحمل الضمني
وهو حمل المستطيع على الموضوع الواقعي فهو حينئذٍ مشتمل على جهة التطبيق ،
إذ المنظور هنا هو تطبيق عنوان المستطيع على الموضوع الواقعي فيمكن أن
يكون هذا التطبيق حقيقياً ويمكن أن يكون مجازياً .
ومما يدل على اشتمال القضايا الحقيقية على جهة التطبيق قول المناطقة بأن
الحمل في القضايا يرجع لعقدين ، عقد الوضع وعقد الحمل ، وأن عقد الوضع
عبارة عن قضية حملية مستبطنة في القضية الأساسية . وقد اختلف الفارابي
والشيخ الرئيس فيه ، فقال الفارابي برجوع عقد الوضع للقضية الممكنة، فإذا قلت
( 230)
كل ج ب بالامكان - مثلاً - فالمراد بعقد الوضع كل ما هو ج بالامكان فهو ب
بالامكان ، لأن الامكان هو أعم الجهات فهو القدر المتيقن من الاسناد فترجع
القضية في عقد الوضع إليه
(1) .وقال الشيخ الرئيس برجوعها للقضية الفعلية
(2) ،
اي كل ما هو ج بالفعل فهو ب بالامكان ، لأن الفهم العقلائي العام لباب
القضايا مرتكز على الفعلية والاطلاق العام .
فهذا التحليل لموضوع القضية الحقيقية دليل على وجود حمل ضمني
مشتمل على جهة التطبيق ، بل المحقق النائيني نفسه كثيراً ما يقول بان القضايا
الحقيقية راجعة لقضايا شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول
(3)
له ، ومعلوم أن القضية الشرطية تنحل لقضيتين حمليتين تربطهما أداة الشرط ،
فرجع الموضوع في القضايا الحقيقية إلى قضية حملية ناقصة، وهذا معنى
الاشتمال على جهة التطبيق .
ج - بعد أن اتضح لنا اشتمال عقد الوضع في القضايا الحقيقية على جهة
التطبيق فلا فرق بينها وبين القضايا الخارجية في ورود المجاز فيها، سواءاً رجع
للمجاز في الكلمة أم رجع للمجاز في الاسناد ، فإن العنوان المذكور في الموضوع
ان كان هو المراد بالارادة الجدية كما هو مراد بالارادة الاستعمالية فالاطلاق
حقيقي ، وان لم يكن مراداً بالارادة الجدية مع كونه مراداً بالارادة الاستعمالية
فالاطلاق مجازي .
مثلاً اذا قلنا كل أسد تحترم أقواله في الحرب فهنا يصح القول بان لفظ
الأسد اما مستعمل في غير ما وضع له وهو الرجل الشجاع وهذا يعني رجوع
المجاز للكلمة، وإما مطبق على الرجل الشجاع مع استعماله في مفهومه الحقيقي
____________
(1) فوائد الاصول 1 : 92 ، الكفاية : 53 .
(2) فوائد الاصول 1 : 92 ، الكفاية : 53..
(3) فوائد الاصول 1 : 177 ـ 178 .
( 231 )
وهو الحيوان المفترس وهذا هو المجاز في الاسناد، وعلى كلا المسلكين فالمجاز
متصور في القضايا الحقيقية كالقضايا الخارجية .
د - بالنسبة للقضايا الخارجية اذا قلنا زيد اسد فهنا لا يوجد توسعة في
الموضوع لأنه تكلف لا حاجة له ، كذلك لا يوجد توسعة في المحمول بأن أريد
به ما يشمل الرجل الشجاع وهو المسمى بالمجاز في الكلمة، باعتبار أننا لا
نتصور هذا المعنى عند الإضراب أو النفي .
مثلاً إذا قلنا زيد شجاع بل أسد لوكان المراد بالأسد هنا الرجل الشجاع
على نحو التوسعة في مدلول اللفظ لم يكن هناك وجه للترقي والاضراب أصلا،
وكذلك إذا قلنا ما زيد شجاع لكنه أسد فلا نرى معنى للنفي والاثبات لو كان
المراد بالأسد هو الرجل الشجاع .
فهذه الشواهد ونحوها - كما طرحناها في بحث المجاز - تدل على عدم
رجوع المجاز لمدلول الكلمة، فتعين كون المجاز في الاسناد بعد استعمال كلا
اللفظين المعبرين عن الموضوع والمحمول في معناهما الحقيقي .
وأما ما ذكره المحقق النائيني (قده) بان لازم ذلك هو حمل المباين على
المباين بعد احتفاظ كل منهما بمعناه الحقيقي المباين للاخر فهذا الحمل مجازفة
وقضية كاذبة
(1)، ففيه : إن الحمل ليس حملاً حقيقياً حتى يعد كذباً ومجازفة بل
هو حمل مجازي راجع لاعطاء حد شيء لشيء اخر بهدف نقل التاثيرالاحساسي
من المشبه به للمشبه كما ذكرناه غير مرة .
فلا يوجد كذب ولا مجازفة أصلاً بل هو المناسب للبلاغة والتفنن الكلامي .
الاعتراض الثالث : وهو بعض الملاحظات التي نسجلها على مبنى
المحقق الطهراني (قده) :
____________
(1) اجود التقريرات 1 : 60 .
( 232 )
الأولى : ان البحث عن حمل المشتق وأنه مندرج في حل المواطاة أو مندرج
في حمل الاشتقاق متأخر رتبة عن البحث في نفس مدلول المشتق ، إذ لا يصح
الانتقال لعملية الحمل الا بعد معرفة طرفيه ، واذا كان البحث في مدلول
المحمول وهو المشتق يغنى عن البحث حولى الحمل ونوعيته فلا مبرر للطفرة
بالانتقال لما هو متأخر رتبة والبحث فيه ، مع أن البحث فيما هو متقدم رتبة مغني
عنه .
بيان ذلك : ان النزاع في حمل المشتق على المنتفي عنه المبدأ إنما يصح بعد
الفراغ عن معرفة مدلول المشتق نفسه .
ودعوى أن مدلوله واضح وهو الواجدية غير تامة، لأن الواجدية غير
واضحة سعة وضيقاً فهل المراد بها الواجدية الواسعة أم الواجدية الفعلية ، إذن
فمفهومه غير واضح سعة وضيقا فهل المراد به خصوص المتلبس أم الأعم ،
ومع عدم تحديد مفهومه لا يصح الانتقال لمرحلة الحمل المتأخرة رتبة عن تحديد
المفهوم .
وبعد تحديد المفهوم سعة أو ضيقا يكون البحث حول الحمل لغواً،
وذلك لأنه لو اخترنا أن مدلول المشتق يعني خصوص المتلبس فلا محالة يكون
حمله على المنقضي عنه المبدأ مجازاً ، إما بنحو المجاز فى الكلمة كما يراه المشهور
وإما بنحو المجاز في الاسناد كما هو مسلك السكاكي ، ولو اخترنا أن مدلوله
الأعم فيصح حمله حقيقة على المنقضي عنه المبدأ بلا حاجة للبحث في نوعية
الحمل وكونه مواطاة أو اشتقاقاً ، فالبحث اللغوي في مفهوم المشتق يغني عن
البحث الفلسفي في كيفية الحمل .
الثانية : إننا نلاحظ أن اختلاف الحمل من كونه حمل مواطاة أو اشتقاق
متفرع على تحديد مفهوم المشتق أيضاً ، وذلك لأن مفهوم المشتق إذا كان عبارة
عن عنوان انتزاعي والعنوان الانتزاعي لا وجود له بدون المبدأ المنتزع منه
( 233 )
فحينئذٍ لا محالة يكون حمله على الذات حمل مواطاة فتعتبر فيه فعلية التلبس .
وإذا كان مفهوم المشتق عبارة عن المبدأ المنتسب فهو يقوم بنفس الدور
الذي تقوم به لفظة ذو فيكون حمله على الذات حينئذٍ حمل الاشتقاق الذي
يكفي فيه مجرد الانتساب ولو في زمان سابق فلا تعتبر فيه فعلية التلبس ، إذن
النزاع في كيفية الحمل راجع في الواقع للنزاع في مفهوم المحمول ، إذ لو كان
مفهومه المبدأ المنتسب لم يصح حمله على الذات حمل المواطاة إذ لا معنى
للهوهوية التي هي مناط حمل المواطاة بين المبدأ والذات ، ولو كان مفهومه
العنوان الانتزاعي لم يصح حمله على الذات حمل الاشتقاق لأن العنوان
الانتزاعي متحد مع الذات وجوداً فبينهما هوهوية مصداقية فكيف لا يحمل على
الذات حمل المواطاة ؟!
إذن فالبحث الفلسفي حول نوعية الحمل راجع للبحث اللغوي في
مفهوم المحمول ، فلا موضوعية له مقابل البحث اللغوي .
الثالثة : إننا لو سلمنا جدلاً عدم ورود الملاحظة الأولى لعدم تقدم
البحث حول مفهوم المشتق رتبة على البحث في كيفية حمله ، وسلمنا أيضاً عدم
ورود الملاحظة الثانية لأن البحث في الحمل لا يتوقف على تحديد مفهوم
المشتق ، فمع ذلك نرى بأن البحث حول الحمل لا يلغي البحث اللغوي حول
مفهوم المشتق ولايغني عنه .
وذلك لأننا لو اخترنا أن حمل المشتق على الذات هو حمل المواطاة لاتحادهما
وجوداً وأن عنوان المشتق عنوان انتزاعي فإن هذا لا يرفع النزاع في سعة
المدلول ، باعتبار أن العنوان الانتزاعي له منشأ انتزاع ومصحح انتزاع ، فالاول
ما يحمل عليه العنوان حملاً هوهوياً وهو الذات في المقام ، والثاني ما كان له
مدخلية في تحقق العنوان وصياغته وهو المبدأ . ومصحح الانتزاع على قسمين :
1 - ما يكفي حدوثه في الانتزاع فلا يدور المنتزع مداره حدوثاً وبقاءاً
( 234 )
كعنوان الأم ، فإن مصححه إما انعقاد النطفة في الرحم وإما الولادة على
الخلاف الفقهي في بحث أم الولد، فإن عنوان الأم باق حتى بعد زوال
مصححه .
2 - ما يدور مداره العنوان الانتزاعي حدوثاً وبقاءاً كالممتلئ ، فإن
مصححه عنوان الامتلاء ومع زواله لا بقاء للعنوان الانتزاعي .
وإذا اتضح لنا اختلاف انحاء المصحح الانتزاعي صح لنا البحث في
المشتق حتى بعد زوال مبدئه في أنه وإن كان محمولاً على الذات حمل المواطاة
ولكن هل يدور صدقه الحقيقي مدار مصحح انتزاعه حدوثاً وبقاءاً أم لا .
وهذا بحث لغوي حول سعة المفهوم وضيقه وإن كان محمولاً حمل
المواطاة على منشأ انتزاعه وهي الذات التي لا يصح انتزاعه بدونها ، لأن علاقة
العنوان الانتزاعي بمنشأ انتزاعه كعلاقة المعلول بعلته بخلاف علاقته مع
مصحح الانتزاع ، فلا وجه للخلط بين منشأ الانتزاع ومصححه والقول بان
العنوان الانتزاعى لا يصح اطلاقه بعد زوال مبدئه ، فإن ذلك غير تام لأن المبدأ
مصحح انتزاع وليس منشأ له فلا يدور العنوان الانتزاعي مداره دائماً وجوداً
وعدماً . هذا اذا اخترنا أن حمل المشتق على الذات حمل المواطاة .
أما لو اخترنا أن حمله على الذات حمل الاشتقاق الذي يعني مجرد انتساب
المبدأ للذات لا الهوهوية بينهما كما في حمل المواطاة فمع ذلك لا يرتفع النزاع
حول مفهوم المشتق نفسه ، فمثلاً اذا قلنا زيد ذو دار فلا ريب أن هذا الحمل
حمل اشتقاق يعني مجرد انتساب الدار له ، ولكن ذلك لا يلغي البحث حول
مفهوم - ذو - وأنه شامل حتى لما بعد انتقال الدارعن ملكه الى ملك غيره أم لا .
وكذلك لو غيرنا كلمة ذو إلى ما يرادفها من المشتقات فقلنا زيد مالك دار
وكان الحمل حمل الاشتقاق فيصح النزاع حينئذ حول سعة مفهوم مالك وأنه
شامل لمرحلة ما بعد انتقال الدار عنه أم لا، ويصح اختيار عدم ذلك وأنه
( 235 )
موضوع للأخص لا للأعم .
إذن فتعيين نوع الحمل من مواطاة أو اشتقاق لا يلغي البحث اللغوي
في مفهوم المشتق ومدلوله.
فالصحيح أن البحث في المشتق بحث لغوي حول سعة المفهوم وضيقه
لا بحث فلسفي حول الحمل ونوعه .
وبناء على ذلك يتضح المراد من لفظ الحال وأن المراد بها حال التلبس ،
لأن النظر نظر لغوي لمدلول المشتق في حد ذاته وإن لم يكن هناك أي اسناد ولا
جملة، وليس المراد بالحال حال الجري والنسبة الذي يتوقف على وجود جملة
إسنادية، فإن هذا التفسير للحال لا يتناسب الا مع كون البحث في المشتق
بحثاً فلسفياً متعلقاً بمرحلة الصدق والنسبة، مع أن البحث في المشتق في
مرحلة أسبق من ذلك وهي البحث حول مفهوم المشتق نفسه .
المقدمة الخامسة : في دخول اسم الزمان في محور البحث .
إن مورد البحث في المشتق إنما هو في صورة انقضاء المبدأ المصحح
لانتزاع المشتق مع بقاء الذات ، حيث يبحث في أن اطلاق المشتق على الذات
بعد انقضاء المبدأ عنها إطلاق حقيقي أم لا ، وأما إذا كان انقضاء المبدأ ملازماً لزوال
الذات فلا يعقل البحث المذكور حينئذٍ ، ولذلك قال بعض علماء الأصول
بخروج اسم الزمان عن محل النزاع
(1) ، كلفظ مقتل - مثلاً - الذي يطلق على زمن
قتل الحسين (ع) وغيره ، بلحاظ أن مدلوله وهو الزمان لا يعقل فيه البقاء مع
زوال المبدأ الواقع فيه .
وقد طرح عين هذا الاشكال في باب الاستصحاب في مسألة
استصحاب الزمان وأنه كيف يصح استصحابه مع عدم بقائه .
____________
(1) فوائد الاصول 1 : 89 ، الفصول الغروية : 60 .
( 236 )
وقد اجاب الأعلام على هذا الاشكال بهدف إدخال اسم الزمان في محل
البحث بعدة أجوبة :
الجواب الأول : ما طرحه المحقق الاصفهاني واختاره الاستاذ السيد
الخوئي (قدهما) بأن هذا الاشكال يرد في صورة وجود صيغة خاصة باسم
الزمان ، حيث يلاحظ عليها بأن مدلولها لا يعقل فيه البقاء بعد انقضاء المبدأ،
وأما إذا كان هناك صيغة مشتركة بين اسم الزمان وغيره فلا يرد الاشكال المذكور
والأمر كذلك واقعاً .
فصيغة مفعل هيئة مشتركة بين إسم الزمان وإسم المكان لا على نحو
الاشتراك اللفظي ، والا لعاد الاشكال مرة اخرى بالنسبة لوضعها لخصوص
الزمان ، بل على نحو الاشتراك المعنوي وذلك بوضعها للجامع بينهما وهو جامع
الوعائية والظرفية، وحينئذٍ فعدم معقولية النزاع في بعض مصاديق الوعاء وهو
المصداق الزماني لا يعني عدم معقولية النزاع في الجامع نفسه وهو مفهوم الوعاء ،
ولو بلحاظ بعض أفراده وهو الفرد المكاني الذي يتصور فيه بقاء الذات بعد
انقضاء المبدأ
(1) .
وقد سجل بعض الأعاظم على هذا الجواب ملاحظتين :
الأولى : هي الملاحظة التي سجلها بعض الأعاظم (قده)،
وملخصها : إن الثابت في الفلسفة أن علاقة الزمان بالفعل وعلاقة المكان
بالفعل أيضاً علاقة المقارنة لا علاقة الوعائية والاحتواء، فالعمل والزمان
والمكان موجودات ممتدة في أوعيتها ولا يوجد احتواء ولا اشتمال من الزمان
والمكان على العمل ، وحينئذٍ فلا وجه لفرض جامع الوعائية والظرفية بين
الفردين الزماني والمكاني حتى توضع له هيئة مفعل ويكون النزاع في المدلول
____________
(1) محاضرات في اصول الفقه 1 : 233 ـ 234 ، نهاية الدراية 1 : 71.
( 237 )
العام لهذه الهيئة، إذ لا وعائية في الزمان
(1) .
ولكننا لا نوافق على هذه الملاحظة المذكورة في تهذيب الأصول ، والسبب
في ذلك أن النظرة الفلسفية للزمان والمكان في اعتبارهما مقارنين للعمل لا
وعائين له لا دليل على واقعيتها في مقابل الرؤية العقلائية العامة للزمان
والمكان ، وهي رؤية الوعائية والظرفية كما تدل عليه اللغات البشرية المعروفة في
تعبيرها عن الزمان والمكان بادوات الاحتواء والاشتمال.
وعلى فرض صحة النظرية الفلسفية فإن الألفاظ في مقام وضعها لم
تلاحظ مداليلها الفلسفيه وإنما وضعت للمفاهيم العرفية العقلائية .
ولا ريب أن العقلاء يرون علاقة المكان والعمل هي علاقة الوعائية
والاشتمال ، وبما أن المكان وعاء فالزمان وعاء أيضاً ، وذلك لأن المجتمع
العقلائي إنما تصور الزمان وقام برسمه وانتزاعه من خلال زاوية المكان ، فإنه لما
احس بطلوع نور الشمس على الأرض رسم مفهوم النهار وعندما حل الظلام
على الأرض رسم مفهوم الليل ، وعندما نظر لمسيرة القمر وتأمل فيها انتزع
مفهوم الشهر، كما اننا نرى العرف يقولون الآن ليل باعتبار الظلمة المكانية بينما
هذا الآن نفسه في النصف الآخر للكرة الأرضية هو نهار.
فهذه شواهد على اندماج الزمان في المكان وارتباطه به ، ولذلك عبر
بعض الفلاسفة المعاصرين عن هذه الرؤية بـ (زمكان ) مشيراً لعلاقة الاندماج
بين الزمان والمكان بحيث أن المجتمع البشري لم ينطلق لتصور الزمان الا من
نافذة المكان ، وبما أن المكان يستبطن الوعائية والظرفية فكذلك الزمان المنتزع
منه ، وحينئذٍ فيصح جعل هيئة مفعل - مثلاً - للجامع الوعائي بين الزمان
____________
(1) تهذيب الاصول 1 : 104 .
( 238 )
والمكان ، ويتم النزاع في مفهومها
(1) .
الملاحظة الثانية : وهي التي سجلها شيخنا الشيخ الحلي (قده)،
وخلاصتها أمران :
أ - إنه لا جامع بين الزمان والمكان ، باعتبار أن الزمان يعني مقولة المتى
والمكان يعني مقولة الأين كما في المنظومة
(2):
هيئة كون الشيء في المكان * أين متى الهيئة في الزمان
والمقولات أجناس عالية متباينة بتمام الذات فلا يوجد لها جامع حتى
يكون اللفظ موضوعاً بإزائه .
ب - على فرض وجود الجامع بين المقولتين فهو جامع انتزاعي لا وجود له
في مقام الاستعمال أصلاً ، فإن هيئة مفعل لا تستعمل الا في خصوص الزمان
أو خصوص المكان ولم نجد من استعملها في الجامع بينهما، فإذا كان الجامع غير
ملحوظ للمستعمل ولا متبادراً في مقام التخاطب فوضع اللفظ له لغو . وعلى
هذا فلا يبعد كون الهيئة مشتركاً لفظياً يحتاج للقرينة المعينة كبقية المشتركات .
وجوابنا على هذه الملاحظة من وجوه :
أولا : إن كون مقولة المتى ومقولة الأين مقولتين مستقلتين لا جامع ذاتي
بينهما وإن كان هو المشهور ولكنه غير مسلم ، وذلك لذهاب بعض الفلاسفة إلى
كون جميع الأعراض النسبية عرضاً واحداً وهو العرض النسبي ، ولكن ينتزع
منه عناوين متعددة بلحاظ تفنن الذهن في ابداع انحاء النسبة وألوانها والمعنون
الخارجي واحد وهو العرض النسبي .
بل ذهب بعضهم إلى كون جميع الأعراض النسبية وغيرها ألواناً للتطور
____________
(1) شرح المنظومة 2 : 490 .
( 239 )
الوجودي الجوهري بدون وجود محمولي بإزائها في الخارج ، فعلى هذين المسلكين
لا ترد ملاحظة الشيخ الحلي (قده) وهي عدم وجود جامع ذاتي بين المقولات
العرضية.
وثانياً : ما ذكر في الاعتراض من لغوية وضع هيئة مفعل - مثلاً - للجامع
الوعائي مع عدم استعمالها فيه ولا تبادره عن التخاطب والمحاورة مدفوع بانه
يمكن أن يقال : بان المستعمل فيه دائماً هو الجامع الوعائي واستفادة خصوصية
الزمان أو المكان من القرينة من باب تعدد الدال والمدلول لا من باب اشارة
القرينة للمراد الاستعمالي من اللفظ ، فمثلاً إذا قلنا : (اليوم العاشر مقتل
الحسين (ع)) فالمستعمل فيه لفظ المقتل هو مطلق الوعاء وخصوصية الوعاء
الزماني مستفادة من دال لفظي آخر، فكلمة اليوم العاشر دالة على خصوصية
الوعاء الزماني لا أنها مشيرة لمدلول كلمة مقتل وأن المراد به هو الوعاء الزماني كما
يدعى ذلك في قرينة المشترك اللفظي .
والحاصل ان قولنا : (اليوم مقتل الحسين (ع)) يحتمل فيه وجهان :
1 -كون لفظة مقتل مشتركاً لفظياً يتعين المراد منه بالقرينة، وهي كلمة
اليوم العاشر التي يكون دورها الاشارة للمدلول اللفظي لكلمة مقتل ، وهذا
هو مدعى الشيخ الحلي (قده) .
2 - كون اللفظة مشتركاً معنوياً مستعملاً في الجامع الوعائي ، وكلمة
اليوم دال آخر على مدلول آخر وهو خصوصية الوعاء الزماني .
والاحتمال الثاني أقرب ، لأننا نرى استعمال اللفظ في الجامع عرفاً بدون
عناية ولا تجوز كما اذا كتب المؤلف على صفحة غلاف كتابه - مقتل الحسين (ع) -
فإن مراده مطلق الوعاء كما هو ظاهر، وكما لو قال لك شخص اشرح لي مقتل ،
الحسين (ع) فإن مراده هو الجامع الوعائي مع خصوصياته الزمائية والمكانية
وغيرها.
( 240 )
وهنا سؤالان قد يردان على هذا التقرير:
أ - لعل الكاتب عندما يكتب على غلاف كتابه - مقتل الحسين (ع) -
يريد به استعمال اللفظ المشترك في معانيه المتعددة وكذلك قول من يقول - اشرح
لي مقتل الحسين (ع) - يريد به استعمال اللفظ في عدة معاني ، وهو أمر جائز
وواقع كما سبق بيانه ، لا أن المستعمل فيه في الموردين هو الجامع الوعائي حتى
يستشهد بذلك على وقوع استعمال اللفظ في الجامع .
والجواب عن ذلك : إن استعمال اللفظ في عدة معاني وان كان جائزاً
وواقعاً ولكن يحتاج لقرينة مفقودة، ولذلك ذكرنا سابقاً أن المتبادر في مقام
الاستعمال هو قيد الوحدة والتعدد خلاف المتفاهم العرفي فيحتاج للقرينة
اللفظية أو المقامية .
ب - لو استقر بنا استعمال اللفظ في الجامع الوعائي ووقوعه في المحاورات
العرفية لكن لا دليل على كونه استعمالاً حقيقياً فلعله استعمال مجازي مصححه
علاقة الكل والجزء، باعتبار أنه موضوع لخصوص الوعاء الزماني أو المكاني
فاستعماله في مطلق الوعاء مجاز منوط بعلاقة الكل والجز .
والجواب أولاً : إن علاقة الوعاء الزماني والمكاني بمطلق الوعاء علاقة
الجزئي بالكلي لا علاقة الجزء بالكل حتى تكون هذه العلاقة مصححة
للاستعمال المجازي .
وثانياً : ان المجاز إما في الاسناد وأما في الكلمة، فإن كان التجوز في
الاسناد كما هو مسلكنا فالمجاز الاسنادي هو اعطاء حد لشيء لشيء آخر لداعي
نقل التأثير الاحساسي من الأصل للفرع وأي تأثير احساسي في المقام للجزء
حتى يكون نقله للكل مصححاً للتجوز الاسنادي .
وإن كان التجوز في الكلمة فاما ان تلاحظ علاقة الجزء والكل بين
احدى الخصوصيتين الزمانية والمكانية بعينها وبين مطلق الوعاء وهذا ترجيح بلا
( 241 )
مرجح ، واما أن تلاحظ العلاقة بين احدى الخصوصيتين لا بعينها وبين الكل
وهذا لا يكون مصححاً للتجوز، لأن المصحح له هو ملاحظة العلاقة بين
المعنى الحقيقي والمجازي واحدى الخصوصيتين لا بعينها ليست هي المعنى
الحقيقي ، لأن ما وضع له اللفظ كما هو المدعى كل خصوصية بعينها لا احداهما
لا بعينها.
ونتيجة ذلك كله : ان المستعمل فيه في هذه الموارد العرفية هو الجامع
الوعائي واستفادة الخصوصية الزمانية والمكانية من باب تعدد الدال والمدلول
فهذا هو المتبادر بلا عناية وتجوز، وحينئذٍ فوضع لفظ اسم الزمان لهذا الجامع
لا يكون لغواً ما دام هذا المعنى مستعملاً ومتبادراً في المحاورات العرفية .
فالصحيح هو تمامية الجواب الأول الذي طرحه المحقق الاصفهاني
والاستاذ السيد الخوئي (قدهما) لدفع الاشكال الوارد على دخول اسم الزمان في
محل النزاع ، وهو ان النزاع في المقام في هيئة مفعل بمعناها الجامع وهو مطلق
الوعاء، وعدم تصور بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ في بعض مصاديقه - وهو
المصداق الزماني - لا يستلزم عدم تصور ذلك في المفهوم بما هو جامع عام ، ولو
بلحاظ بعض افراده ومصاديقه وهو المصداق المكاني . الا اننا لا نلجأ لهذا
الجواب كجواب فاصل في البحث الا بعد عدم تمامية الاجوبة الآخرى
المطروحة في البحث .
الجواب الثاني : ان بقاء الذات الزمانية مع انقضاء المبدأ الواقع في
خلالها امر معقول ، وبيان معقولية ذلك باحد تصويرين :
أ - اعتبار الزمان كلياً .
ب - اعتبار الزمان كلاً .
التصوير الأول : وهو النظر للزمان بنحو الحركة التوسطية، ويشتمل
هذا النظر على أربعة أمور:
( 242 )
1 - ان معنى الحركة التوسطية هو ان يؤخذ الزمان بمعنى الان السيال
الذي تكون نسبته للآنات المتصلة المتعاقبة نسبة الكلي لجزئياته وافراده ، فهو
مسبوق بآن وملحوق بآن آخر، وهذا هو مرادهم بالحركة التوسطية .
2 - إن هذا الآن لا امتداد له بالنظر لماهيته بل الماهية محدودة بحد قبلها
وحد بعدها، ولكنه ممتد بالنظر لوجوده بلحاظ تعاقب الآنات واتصالها .
3 -إن هذا الآن غير قابل للتقسيم بل هو كالنقطة لا تقبل الانقسام في
الأبعاد الثلاثة، باعتبار لحاظه حداً مندمجاً فيما بعده ومرتبطاً بما قبله .
4 - ان بقاء هذا الآن ببقاء أفراده المتصلة المتعاقبة كما ذكر في القسم
الثالث من القسم الثالث من استصحاب الكلي ، وقد قيل في الفلسفة : « إن
الاتصال الوحداني مساوق للوحدة الشخصية » ، فاتصال هذه الآنات مساوق
لوحدتها وجوداً ، فالآن الذي يقع فيه الحدث باق ببقاء هذا الاتصال الوحداني
وان انقضى الحدث الواقع فيه .
التصوير الثاني : وهو النظر للزمان بنحو الحركة القطعية ، ويشتمل هذا
النظر على أمرين :
أ - ان معنى الحركة القطعية هو ملاحظة قطعة الزمان بنحو الكل المركب
بحيث تكون الآنات أجزاءاً لهذه القطعة، كما لو اعتبرنا 24 ساعة كلاً مركباً
مسمى باليوم والدقائق اجزاءه .
ب - إن الكل المركب من أجزاء الزمان مفهوم متقوم بالامتداد، لأن
معنى التركيب من أجزاء الزمان هو امتداد المركب في تلك الاجزاء والآنات ،
إذن فمفهوم الكل امتدادي في حد ذاته وبالطبع يكون وجوده امتدادياً أيضاً ،
ولذلك نسميه بالحركة القطعية اشارة لامتداده وسيرته . وبهذا التصوير يكون
بقاءه بعد انقضاء المبدأ الواقع فيه معقولاً ، لأنه موجود ممتد بامتداد أجزائه فهو
باق حتى بعد زوال المبدأ الواقع فيه .
( 243 )
فإن قلت : إن وجود الزمان بنحو الحركة القطعية أمر وهمي تقوم بصياغته
القوة المتخيلة عند الانسان ، كما تقوم المتخيلة برسم النقطة النازلة بخط مستقيم
بصورة خط مائي مستقيم ، وبرسم الشعلة الجوالة دائرة نارية متصلة .
ومما يدلنا على موهومية الزمان بنحو الحركة القطعية حكم العقل النظري
بأن المركب لا يوجد الا بوجود أجزائه بالأسر، فإن عنوان الكل هو نفس عنوان
الأجزاء بالأسر فما لم تجتمع هذه الأجزاء فحينئذ لا يوجد الكل المركب منها .
وبناءاً على ذلك فإن الحركة القطعية في الزمان لا وجود لها، لأن الجزء
الزماني اذا وجد فهو موجود بحده الخاص الذي به يتميز عن بقية الأجزاء
الزمانية وهو بهذا الحد لا يكون وجوداً للكل للتغاير المفهومي والوجودي بينهما،
ولذلك لا يصح حمل الكل عليه الا تجوزاً، والمفروض أن وجود بقية الأجزاء
مستحيل مادام هذا الجزء موجوداً، لأن الزمان كم تدريجي غير قار الذات فما لم
ينصرم الجزء السابق فيستحيل وجود الجزء اللاحق ، وحينئذٍ يكون وجود الكل
الزماني بوجود كل جزء مفروض التحقق وامتداد هذا الكل بامتداد هذه الأجزاء
امراً وهمياً تصنعه القوة المتخيلة عند الانسان .
قلت : إننا نعتقد كما يعتقد بعض الفلاسفة بواقعية الزمان الملحوظ على
نحو الحركة القطعية ، وأما وجوده بوجود الجزء الزماني فلا مانع منه ، باعتبار أن
الجز إذا لوحظ بحده الخاص فهو مقيد بشرط لا عن بقية الأجزاء وبهذا اللحاظ
يكون مغايراً للكل فلا يصح حمله عليه ولا وجوده بوجوده .
ولكنه اذا لوحظ بنحو اللابشرط - كما هو مقتضى جزئيته - فهو بذرة
الكل الزماني ولبنة وجوده ، فالمركب إما دفعي الوجود فلا تحقق له الا بعد اجتماع
اجزائه في الوجود كالكرسي والبيت ونحوها ، وإما تدريجي الوجود كالزمان
والزماني السيال كالصلاة والخطبة ولا تحقق له الا بتدريجية أجزائه خارجاً فهو
يتحقق بأول جز من أجزائه المتصلة المتعاقبة ويمتد بامتدادها .
( 244 )
وخلاصة التصويرين السابقين أن الزمان يمكن لحاظه بلحاظين
متقابلين :
1 - لحاظه بنحو الكلي وهو المعبر عنه بالحركة التوسطية ، فيصح أن يقال
حينئذٍ الان ليل والان يوم السبت والان شهر ربيع الأول مثلاً .
2 - لحاظه بنحو الكل وهو المعبر عنه بالحركة القطعية، فيصح أن يقال
بناءاً على هذا اللحاظ الآن جزء من الليل واليوم والشهر ولا يصح أن يقال الآن
ليل أو يوم أو شهر كذا ، وإذا كانت هاتان الحيثيتان واقعيتين فكلا اللحاظين
أمر واقعي وإذا لم تكونا كذلك فاللحاظان عبارة عن تفنن ذهني راجع لنظرية
التكثر الادراكي الذهني التي سبق عرضها إجمالا .
وبعد اتضاح التصويرين المذكورين للزمان يقع الكلام فعلاً في أن أي
واحد منهما هو الأنسب بالبحث في المشتق لتصور بقاء الذات فيه وإن انقضى
المبدأ الواقع فيه ، وقد اختار المحقق الطهراني التصوير الأول ، واختار المحقق
العراقي كما في بدائع الأفكار التصوير الثاني .
مختار المحقق الطهراني : إن بقاء الذات مع انقضاء المبدأ معقول في
التصوير الأول للزمان ، وذلك لأننا إذا نظرنا للآن الذي وقع فيه قتل الحسين
(ع) يوم العاشر- مثلاً - فهو آن التلبس الذي يعبر عنه بلفظ مقتل الحسين (ع)
على نحو الحقيقة ، وبعد انقضاء ذلك الحدث فالآن السيال من انات ذلك اليوم
مازال باقياً لبقاء أفراده المتصلة المتعاقبة، ومع بقاءه فيصح النزاع المعقود في باب
المشتق فيه بان نقول : هل ان اطلاق - مقتل الحسين (ع) - على بقية الآنات من
يوم العاشر إطلاق حقيقي أم مجازي
(1)؟
____________
(1) نهاية الدراية 1 : 71 .
( 245 )
وقد تسجل ثلاث ملاحظات على مختار المحقق الطهراني :
الملاحظة الأولى : ما طرحها المحقق الاصفهاني (قده) وبيانها : إن النظر
للزمان بنحو الآن السيال الذي ينطبق على الآنات المتتالية انطباق الكلي على
أفراده مصحح للنزاع في جميع الآنات إلى أبد الدهر وبطلان ذلك واضح جداً ،
فإننا إذا لاحظنا الآن الذي قتل فيه الحسين (ع) على نحو الآن السيال المنطبق
على الآنات انطباق الكلي على فرده فمقتضى ذلك صحة اطلاق لفظ المقتل على
جميع الآنات إلى أبد الدهر، لأن هذه الآنات مصاديق حقيقية للآن السيال .
وحينئذ لا موجب لتخصيص النزاع بآنات يوم عاشوراء بل يصح النزاع
في انات الزمان باجمعها، ويصح الاطلاق بحسبها إما حقيقة أو مجازاً على
الخلاف في بحث المشتق ، ولا قائل بذلك كما لا يلتزم به صاحب التصوير
المذكور .
ولكننا لا نوافق على هذه الملاحظة التي طرحها المحقق الاصفهاني
(قده)، وذلك لأن ما طرحه وإن كان صحيحاً تاماً بحسب النظر الفلسفي لأن
الآن السيال لا يفرق بين افراده الممتدة إلى أبد الدهر فلا وجه لتخصيص النزاع
بقطعة زمنية معينة مادام معقولاً في جميع آنات الزمان ، الا أن هذا المعنى غير
تام بحسب النظر العرفي ، والمتبع في مقام الاطلاق والمحاورة هو النظر العرفي
لا النظر الفلسفي .
والوجه في ذلك ان المجتمع العقلائي إنما يتصور الزمان بنحو الان
السيال في ضمن تصوره للزمان على نحو التركيب والتحصيص ، فالنظرة
العقلائية للزمان على نحو الحركة التوسطية التي تعنى علاقة الكلي بأفراده
مندمجة في ضمن النظرة للزمان على نحو الحركة القطعية التي تعني علاقة الكل
( 246 )
بأجزائه .
وحينئذٍ يكون تصورنا للآن الذي اشتمل على قتل الحسين (ع) بنحو
الآن السيال والحركة التوسطية المنطبق على الآنات المتعاقبة انطباق الكلي على
فرده في ضمن تصورنا للآنات المتقاربة مع آن القتل على نحو الحركة القطعية،
التي تعني وجود كل مركب من انات متتابعة مسمى باليوم العاشر.
فالنزاع المعقود في باب المشتق إنما يصح عند العقلاء في الانات اللاحقة
لأن القتل المحدودة بحدود يوم العاشر لا الممتدة لأبد الدهر، لاندماج تصور
الكلي الزماني في تصور الكل الزماني ، كما يصح هذا النزاع في الأيام اللاحقة
ليوم العاشر المحدودة بحدود الشهر أو السنة ، أو في الشهور اللاحقة لشهر محرم
المحدودة بحدود السنة ، أو السنين اللاحقة لسنة 61 هـ المحدودة بحدود القرن
الأول ، أو فى القرون اللاحقة للقرن الأول المحدودة بحدود المركب الزماني
العام .
وكل ذلك لاندماج التصورين عند العقلاء وارتباطهما، فلا يمكن
التفكيك بينهما في مقام البحث عن ظهور لفظ المشتق لدى العرف العقلائي في
خصوص المتلبس بالمبدأ أو الأعم وإن صح ذلك بحسب النظر الفلسفي .
الملاحظة الثانية : إن الاتصال الوحداني والتعاقب بين الآنات المتتابعة
بحيث لا يتخلل العدم بين اتصالها لا يحقق صدق عنوان البقاء بالنسبة للآن
الذي اشتمل على المبدأ الحدثي ، وذلك لتباين الهويات الزمانية والآنات
المتصلة تبايناً ذاتياً ومع هذا التباين الذاتي والاختلاف الواقعي بينها فلا يمكن
أن يقال أن الزمان الذي احتوى على المبدأ ما زال باقياً حقيقة، بحيث نتسائل
في أنه هل يمكن صدق المشتق صدقاً حقيقياً على هذا الزمان بعد انقضاء
المبدأ منه أم لا .
الا أن يقال بأننا إذا لاحظنا الآن الذي وقع فيه المبدأ بحده وخصوصياته
( 247 )
على نحو بشرط لا عن الآنات الأخرى فهذا الآن لا يعقل بقاءه ، ولا يجدي في
تصور بقاءه تحقق الاتصال الوحداني بين الآنات ، وأما إذا لاحظنا آن الحدث
بنحو اللابشرط الذي لا يتميز به عن بقية الآنات من حيث مصداقيتها للآن
السيال ، وسلمنا بما هو معروف في الحكمة من بقاء الكلي الطبيعي ببقاء أفراده
ولو على نحو التحصيص ، بحيث تكون كل حصة منها كما هي هوية مغايرة لهوية أخرى
فهي مظهر ومصداق للكلي الطبيعي أيضاً ، فحينئذٍ يصح القول بأن زمان
الحدث ما زال باقياً وإن انقضى المبدأ الواقع فيه ويتم عقد بحث المشتق فيه
أيضاً .
ولكن النزاع في اسم الزمان إنما يكون معقولاً بناءاً على هذا التصوير اذا
كان هذا التصوير عقلائياً عرفياً والا فالملاحظة المذكورة واردة عليه ، فمثلاً إذا
صدر من زيد المعين ضرب ثم انقضى هذا المبدأ وانتهى فهل يصح عند العرف
العقلائي تصور النزاع المعقود في باب المشتق بالنسبة لعمرو الفرد الاخر بحجة
أن الطبيعي باق ببقاء أفراده ومن أفراده عمرو الفلاني ، فالمبدأ وإن صدر من
زيد لا من عمرو الا أن عمروا مصداق آخر لكلي الإنسان وحينئذٍ يعقد النزاع
في اطلاق لفظ الضارب عليه بعد انقضاء مبدأ الضرب عن زيد.
اذن فصحة النزاع في اسم الزمان بناءاً على هذا التصوير تعتمد على
الرؤية العقلائية، فإذا كانت الرؤية العقلائية قائمة على بقاء الذات الزمانية
ببقاء الآنات المتصلة صح النزاع في اسم الزمان والا فلا.
الملاحظة الثالثة : إن صحة النزاع المذكور في باب المشتق وجريانه في
اسم الزمان يتوقف على ثلاثة عناصر:
1 - احتواء الزمان على المبدأ.
2 - انقضاء المبدأ الواقع فيه .
( 248 )
3- بقاء الذات الزمانية بعد انقضاء المبدأ الواقع فيها .
والعنصر الثاني وهو انقضاء المبدأ وزواله أمر وجداني لا يحتاج لإقامة
البرهان ، وأما العنصر الثالث وهو بقاء الذات الزمانية بعد انقضاء المبدأ الواقع
فيها كما طرحه المحقق الطهراني (قده) عند النظرة للزمان بنحو الآن السيال
المعبر عنه بالحركة التوسطية المنطبق على الآنات المتتابعة انطباق الكلي على
فرده ، فبقاءه بعد زوال المبدأ ببقاء افراده .
ولكن هذا التصوير لا يثبت لنا توفر العنصر الأول وهو احتواء الآن
السيال على المبدأ الحدثي مع أنه أول العناصر وأساسها ، وذلك لأن الآن لسير
الزمن لا يمكن تقديره بلحظة ولا ثانية فكيف يتصور احتواؤه على المبادئ
الحدثية مع أنها أوسع منه مساحة وحجماً ؟!
نعم في بعض المبادئ النادرة كالاتصال والانفصال والمماسة ونحو ذلك
قد يعقل احتواء الزمان الآني عليها، وأما في أغلب المبادئ الحدثية فلا يعقل
ذلك الا أن تؤخذ قطعة زمنية أوسع من ذلك كالساعة والدقيقة ليمكن احتواؤها
على الحدث الواقع ، وهذا يعني النظر للزمان بنحو الكل المركب لا بنحو الكلي
الذي هو محل كلامنا .
فتبين لنا بهذه الملاحظة أن العنصر الأول المصحح لجريان النزاع في اسم
الزمان مفقود في أغلب المبادئ ، وقد يكون موجوداً على نحو الندرة التي لا يعول
عليها في البحوث العلمية.
التصوير الثاني : مختار المحقق العراقي (قده) وبيانه : أننا عندما
نلاحظ الزمان على نحو الحركة القطعية فإنه يرتسم في أذهاننا كلاً تدريجياً يوجد
بوجود أول أجزائه بالقوة لا بالفعل ، لكونه تدريجياً متصرم الأجزاء فلا يوجد
بتمامه بالفعل ، وبعد انقضاء المبدأ الواقع في أحد أجزائه لا يزول بزوال ذلك
( 249 )
المبدأ لبقاءه بما هو كل مركب في بقاء الأجزاء المتتالية، فيصح النزاع حينئذٍ في
أن اطلاق المشتق على بقية الأجزاء الممثلة للكل اطلاق حقيقي أم مجازي .
فمثلاً اذا نظرنا لحادثة قتل الحسين (ع) فإنها وقعت في ساعة معينة من
يوم عاشوراء وبعد انقضاء هذه الساعة مع الحدث الواقع فيها يصح النزاع
المذكور في بقية الساعات الاخرى المحدودة بحدود المركب التدريجي وهو يوم
عاشوراء .
وقد يرد على هذا التصوير بعض الملاحظات ونحن نكتفي بعرض واحدة
منها، وهي ان النظر للزمان بنحو الحركة القطعية والوجود التركيبي الامتدادي
على لونين :
أ - لحاظ التغاير بين المجموعات الزمانية كيوم السبت ويوم الجمعة وشهر
جمادى وشهر رجب وعام الحرب وعام الصلح وبهذا اللحاظ لا يعقل بقاء
الذات بعد انقضاء المبدأ الواقع فيها، فساعة القتل من يوم عاشوراء مغايرة ذاتاً
للساعة التي بعدها ويوم العاشر مغاير ذاتاً لما بعده ، وبعد ذهاب هذا الوقت
المقارن للمبدأ لا يعقل بقاء الذات المتلبسة بالمبدأ لمغايرة الذات الزمانية
الموجودة للذات السابقة، ومع عدم معقولية بقاء الذات فلا يعقل جريان النزاع
في إطلاق المشتق على المنقضي .
ب - لحاظ التداخل بين المجموعات الزمانية كالساعة بالنسبة لليوم
واليوم بالنسبة للاسبوع والاسبوع بالنسبة للشهر والشهر بالنسبة للسنة وبهذا
اللحاظ لا يتصور انقضاء المبدأ أصلاً فلا يعقل النزاع أيضاً .
بيان ذلك : إن الزمان تارة ينظر إليه من زاوية (المتى) وتارة من زاوية
(الكم ) فإذا نظر إليه من الزاوية الثانية فهو عبارة عن مقدار الحركة والعمل
كما لو قيل كم استغرقت في زيارة الحسين (ع) فيجاب عشر دقائق ، فالزمان
بهذا اللحاظ مساوٍ للعمل لا يزيد عليه ولا ينقص عنه وعلاقته به من هذه
( 250 )
الزاوية علاقة مقدارية لا علاقة وعائية ظرفية، والذي يرتبط بمحل كلامنا هو
علاقة الظرفية لا علاقة المقدار الكمي ، لأن علاقة المقدارية لا بقاء لها بعد
زوال المقدر بهذا المقدار بينما محور النزاع في بحث المشتق يقتضي بقاء الذات
المتلبسة حتى بعد زوال المبدأ وهذا إنما يتلاءم مع علاقة الظرفية والاشتمال لا
مع علاقة الكمية والمقدار.
وإذا نظرنا للزمان من الزاوية الأولى وهي زاوية المتى التي تعني نسبة
الشيء للزمان المشتمل عليه فقد ذكر الفلاسفة أنه يتحقق التلبس بالمبدأ بمجرد
اشتمال الزمان بسعته على ذلك المبدأ حيناً من الأحيان .
فمثلاً قتل الحسين (ع) لم يستغرق في عمود الزمن الا بعض الدقائق
لكنه يكفي في صدق التلبس به حقيقة مجرد الاشتمال عليه في بعض انات
الزمان ، فيقال الساعة الثانية مقتل الحسين (ع) ويقال يوم العاشر مقتل الحسين
(ع) ويقال شهر عاشوراء مقتل الحسين (ع) ويقال عام 61 هـ مقتل الحسين
(ع) ويقال القرن الأول مقتل الحسين (ع) .
وكل هذه الاطلاقات على نسق واحد بلا عناية ولا تجوز عرفاً مما يكشف
عن كون النظرة للزمان بنحو الكل المركب إذا توجهت للمجموعات الزمانية
المتداخلة فلا يتصور حينئذٍ انقضاء المبدأ أبداً ، بل كلما وسعت الرؤية لمجموعة
زمانية أوسع من المجموعات الاولى رأيت التلبس بالمبدأ مازال صادقاً ومازال
الاطلاق حقيقياً ، باعتبار تداخل المجموعات واندراجها تحت عمود زمني
واحد، ومع عدم انقضاء المبدأ لا يصح النزاع في كون اطلاق المشتق حقيقياً أم
مجازياً .
فالخلاصة : ان رؤية الزمان بنحو الكلي وهو الآن السيال لا تصحح
جريان بحث المشتق في اسم الزمان ، وعلى نحو الكل المركب لا تصحح جريان
النزاع أيضاً ، إما لعدم تصور بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ وذلك بلحاظ
( 251 )
المجموعات المتغايرة وإما لعدم تصور انقضاء المبدأ بلحاظ المجموعات
المتداخلة .
فلا يصلح كلا التصويرين لتصحيح جريان النزاع في اسم الزمان ،
وينحصر الجواب الصحيح في هذا المجال في الجواب الأول الذي طرحه المحقق
الاصفهاني (قده) وهو كون النزاع في هيئة مفعل بلحاظ بقاء بعض أفرادها
ـ وهو الفرد المكاني ـ بعد زوال المبدأ وانقضائه . وهذا تمام الكلام في المقام الأول
وهو بيان محور البحث والكلام في المشتق .