aalulbayt
المقام الثاني :
مناشئ القول بالأعم : المختار عندنا هو القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ، ولكن ذهب مجموعة من العلماء للقول بوضعه للأعم من المتلبس والمنقضي عنه المبدأ، وذلك لأربعة مناشئ :
1 ـ تحديد دائرة التلبس. 2 ـ تشخيص الموضوع . 3 ـ الموضوعية والمعرفية للمشتق. 4 ـ البساطة والتركيب في المشتق .
المنشأ الأول : تحديد دائرة التلبس ، إن الخطأ في تحديد دائرة التلبس في بعض المشتقات أدى للقول بالوضع للأعم ، وسبب هذا الخطأ أحد أمرين :
أ ـ عدم تشخيص مفاد الهيئة .
ب ـ عدم تشخيص المبدأ .
الأمر الأول : وفيه موردان :
أ ـ أسماء الآلة كالمفتاح والمكنسة والمنشار، فإن القائل بالأعم تخيل أن مفاد الهيئة في أسماء الالة هو النسبة الفعلية فحينئذ يزول التلبس بالمبدأ بمجرد عدم استعماله في المعدّ له ، مع أن اطلاق لفظ مفتاح ـ مثلاً ـ على الآلة المخصوصة في حين عدم الفتح اطلاق حقيقي لا عناية فيه ، وذلك دليل الوضع للأعم.
إلا أن هذا التخيل خاطئ ، وذلك لأن مفاد الهيئة في أسماء الآلة هو النسبة الاعدادية ولو لم تستخدم في الغرض المعَدُّ له أصلاً، وحينئذ تتسع دائرة التلبس بالمبدأ لصورة عدم الاستخدام ما دامت الحيثية الاعدادية موجودة ، ولذلك صح الاطلاق الحقيقي للفظ المفتاح ـ عرفاً ـ على الآلة الغير مستخدمة أصلاً لوجود التلبس الاعدادي ، فلا موجب للقول بالأعم من جهة هذا المورد .

( 253 )
ب ـ أسماء الزمان ، فإن القائل بالأعم تصور أن مفاد الهيئة في اسم الزمان هو النسبة الاقترانية فيختص بالقطعة الزمانية المقارنة للحدث دون غيرها من حصص الزمان ، مع أنه يصح إطلاق اسم الزمان على بقية الحصص الزمانية الغير المقارنة للحدث بلحاظ المجموعات الزمانية المتداخلة عند رؤية الزمان بنحو الحركة القطعية، فيقال لليوم الذي وقع فيه القتل وللأسبوع وللشهروللعام وللقرن ، أنه مقتل ، على نحو الاطلاق الحقيقي عرفاً مع انقضاء زمان التلبس بالمبدأ في هذه الحصص الزمانية المتداخلة على نحو الحركة القطعية، مما يدل على الوضع للأعم .
ولكن هذا التصور خاطئ ، وذلك لأن مفاد الهيئة في اسم الزمان هو النسبة الظرفية لا الاقترانية، والظرفية بمعنى وعاء الحدث صادقة حقيقة على سائر الحصص الزمانية المتداخلة في مسار الحركة القطعية، فالتلبس بالمبدأ ما زال متحققاً بهذا اللحاظ ولم يحصل انقضاء له حتى يؤدي ذلك للقول بالأعم .
الأمر الثاني : إن عدم تمييز المبدأ الجلي من المبدأ الخفي يؤدي لتضييق دائرة التلبس بالمبدأ ويستلزم القول بالوضع للأعم . ومقصودنا بالمبدأ الجلي مبدأ الاشتقاق عند النحويين وهو الفعل أو المصدر بما له من المعنى الواضح عرفاً، ومقصودنا بالمبدأ الخفي هو نفس مبدأ الاشتقاق لكن مع إشرابه وتطعيمه معنى اخر لا ينصرف له الذهن العرفي ، ولذلك عدة أمثلة :
1 ـ ما كان المبدأ بمعنى الملكة نحو الاجتهاد في لفظ المجتهد، فإن لوحظ هذا المبدأ بالمعنى الجلي وهو فعلية الاستنباط ضاقت دائرة التلبس وكان ذلك موجباً للقول بالأعم ، لصحة الاطلاق الحقيقي عرفاً على غير المتلبس بالاستنباط الفعلي ، وإن لوحظ المبدأ بمعناه الخفي وهو ملكة الاستنباط اتسعت دائرة التلبس بالمبدأ وصح الاطلاق الحقيقي للفظ المجتهد على من تلبس بملكة الاستنباط وإن لم يستنبط فعلاً.

( 254 )
2 ـ ما كان المبدأ فيه بنحو الحرفة والصناعة، وهو قسمان :
أ ـ ما كان مبدؤه حدثياً كالطبيب والنجار، فإن المبدأ الجلي لهذه الأوصاف هو الطبابة والنجارة بمعنى الممارسة الفعلية ، وذلك هو سبب القول بالأعم ، بينما المبدأ الخفي لها هو معنى الاحتراف والقدرة على الصناعة ، وعدم تمييز أحدهما عن الآخر أدى للقول بالأعم .
ب ـ ما كان مبدأه عيناً من الأعيان كالتامر واللابن والحداد، فإن المبدأ الجلي بيع التمر واللبن ولكن المبدأ الخفي اتخاذ بيع هذه الاعيان حرفة ومهنة لا مجرد الممارسة الفعلية لبيعها، وعدم فرز المبدأ الخفي من المبدأ الجلي أدى للقول بالأعم .
3 ـ ما كان المبدأ فيه بنحو الاقتضاء لا الفعلية نحو السم قاتل والنار محرقة، فإن المبدأ الجلي لها بمعنى الفعلية بينما المبدأ الخفي بمعنى الاقتضاء والاستعداد .
4 ـ ما كان المبدأ بمعنى الشأنية نحو السيف قاطع ، فإن المبدأ الجلي له هو القطع الفعلي بينما المبدأ الخفي هو شأنية القطع .
5 ـ ما كان المبدأ بمعنى المضي والحدوث نحو الضارب بمعنى من صدر منه الضرب والمضروب بمعنى من وقع عليه الضرب ، فلو أخذ المبدأ الجلي هنا وهو الضاربية والمضروبية الفعلية أدى ذلك للقول بالأعم ولكن لو أخذ المبدأ الخفي وهو الضرب الواقع لم يكن هناك موجب للقول بالأعم .
بيان ذلك : إن المحقق النائيني (قده) ذهب الى عدم معقولية النزاع المعقود في باب المشتق في اسم المفعول ، لعدم تصور الانقضاء فيه حتى يتنازع في اطلاقه بعد الانقضاء وهل هو إطلاق حقيقي أم مجازي ، فإن المقصود بلفظ المضروب ـ مثلاً ـ من وقع عليه الضرب وهذا المعنى لا يقبل الزوال حتى
( 255 )
يتصور النزاع بعد زواله ، فإن الشيء لا ينقلب عما وقع عليه (1) .
ولكننا نلاحظ على هذا الرأي نقضاً وحلاً، أما النقض فبأمرين :
أ ـ اسم الفاعل كالضارب ـ مثلاً ـ بمعنى من صدر منه الضرب ، فإنه بهذا المعنى لا يتصور فيه انقضاء المبدأ أصلاً فلا يعقل النزاع فيه أيضاً ، مع أنه خصص عدم النزاع باسم المفعول .
ب ـ اسم المفعول كالمملوء مثلاً، فإن الامتلاء يتصور وجوده ويتصور زواله ، ولذلك فالنزاع فيه معقول بعد انقضاء مبدأ الامتلاء وزواله .
وأما الحل فيتم ببيان الفارق بين المبادئ الآنية ـ عرفاً ـ والمبادئ الاستمرارية ، فالضرب والقتل ـ مثلاً ـ مبدأ آني ـ عرفاً ـ غير قابل للامتداد في عمود الزمان ، ولهذا لو أخذنا هذا المبدأ بمعناه الجلي ـ وهو البقاء والتحقق ـ ضاقت فترة التلبس به وكانت صحة الاطلاق الحقيقي له بعد انقضاء التلبس دليلاً على الوضع للأعم ، ولكن لو أخذنا هذا المبدأ بمعناه الخفي ـ وهو ـ في والحدوث ـ فلا يتصور فيه الانقضاء حينئذٍ كما لا يتصور الانقضاء ـ أيضاً ـ في اسم الفاعل المتضمن لهذا الحدث الآني ـ أيضاً ـ كالضارب والقاتل .
ومقابل ذلك توجد مبادئ استمرارية ممتدة في عمود الزمان كالامتلاء والنقش فيقال مملوء ومنقوش ، وفي مثل هذا لا يوجد مبدأ خفي وجلي يختلف باختلافهما الأثر بل له مبدأ واحد مأخوذ بنحو الفعلية ، فيتصور فيه الانقضاء والاستمرار ويكون النزاع فيه معقولاً.
6 ـ ما كان المبدأ فيه اعتباريا نحو المبيع ، فإن مبدأه وهو البيع إن لوحظ بمعناه الجلي وهو البيع المصدري الذي هو أمر تكويني وهو العقد نفسه فبهذا اللحاظ تضيق دائرة التلبس ، وإن لوحظ بمعناه الخفي وهو المملوكية أي البيع
____________
(1) أجود التقريرات : 1 | 83 ـ 84 .

( 256 )
بالاسم المصدري فهو باق مستمر، لأنه أمر اعتباري يمتد بامتداد الاعتبار.
وخلاصة الكلام في هذا المنشأ : أن من أسباب القول بالوضع بالأعم عدم تحديد دائرة التلبس ، والخلط بين حالة الانقضاء وحالة التلبس ، لعدم تشخيص مفاد الهيئة أوعدم تحديد المبدأ .
المنشأ الثاني : عدم تشخيص الموضوع ، إن القائل بالأعم يتصور أن موضوعات الأحكام على نسق واحد وهو دوران الحكم مدار صدق عناوينها حدوثاً وبقاءاً ، فإذا قيل : (قلد العادل) فإن ظاهره دوران التقليد مدار العدالة حدوثاً وبقاءاً ، ونحوه قوله تعالى : ( السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما ) (1) و( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )(2) ، فإن ظاهره دوران الحكم بالحد مدار هذه العناوين حدوثاً وبقاءاً، مع أن التلبس بمبدأ السرقة والزنا لا بقاء له عند الحكم بإقامة الحد بل لا يمكن تقارنهما عرفاً وشرعاً.
وهذا دليل على الوضع للأعم ، فإنه ما دام الحكم يدور مدار صدق العنوان حدوثاً وبقاءاً فلا بد من الصدق الحقيقي لعنوان السارق الى حين الحكم بإقامة الحد، وهذا مما يؤكد الوضع للأعم خصوصاً مع شهادة العرف بخلو هذا الاطلاق عن التجوز والعناية .
وتعليقنا على ذلك : أن هذا خلط بين موضوعات الأحكام ناشئ من تصور أن جميعها على نسق واحد، وهو دوران الحكم مدار صدق عناوينها حدوثاً وبقاءاً، مما أدى للقول بالأعم استناداً إلى ترتب الحكم على بعض الموضوعات مع زوال التلبس بالمبدأ فيه .
والصحيح أن الموضوعات على ثلاثة أقسام :

____________
(1) المائدة : 5| 38 .
(2) النور : 24 | 2 .

( 257 )
أ ـ ما يدور الحكم مدار عنوانه حدوثاً وبقاءاً نحو قلد العادل العالم ، وهذا هو المطابق للقاعدة العرفية، وهي أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ودوران الحكم مدار الوصف والعنوان ، فلا يصح الخروج عن هذه القاعدة الاستظهارية العرفية الا بقرينة عقلية أو مقامية أو لفظية كما سيأتي بيانه.
ب ـ ما يكون عنوانه مشيراً للموضوع الواقعي من دون دخالته في الحكم أصلاً نحو قوله عليه السلام ،« خذ دينك من هذا الجالس »(1) مشيراً لزرارة بن أعين ، وفي هذا المورد خرجنا عن مقتضى القاعدة العرفية وهي دوران الحكم عرفاً مدار العنوان المعلق عليه بالقرينة العقلية، وهي حكم العقل بعدم دخالة الجلوس في التعلم والاستفادة قطعاً، الا أن هذا المورد لا وجود له في الأحكام الشرعية ، باعتبار أن استخدام العناوين المشيرة للموضوع الواقعي إنما يتصور في القضايا الشخصية والخطابات الفعلية لوجود مناسبة خاصة في التعبير بهذا العنوان المشير مع عدم دخالته في الحكم أصلاً، بينما الأحكام الشرعية مجعولة على نحو القضية الحقيقية التي لا نظر فيها لمرحلة الفعلية والامتثال حتى تراعى فيها المناسبات الخاصة، فلا يستخدم فيها الا العناوين الدخيلة في الحكم القانوني .
ج ـ ما يدور الحكم مدار عنوانه حدوثاً لا بقاءاً نحو ( السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )(2)،فإن السرقة في المثال يكفي حدوثها في ترتب الحد على السارق مع عدم بقاء التلبس بالسرقة الى وقت ترتب الحكم بالحد عليه ، وإنما خرجنا في هذا المورد عن القاعدة العرفية السابقة ـ وهي تعليق الحكم على
____________
(1) الوسائل : 27 | 143، ح 33434.
(2) المائدة : 5 | 38 .

( 258 )
الوصف مشعر بالعلية ـ باعتبار وجود القرينة المقامية، وهي مناسبة الحكم للموضوع ، حيث أنه لا يمكن ـ عادة ـ الحكم بحد السارق حين سرقته ، فلا وجه حينئذ لدوران الحكم مدار العنوان حدوثاً وبقاءاً .
وبعد اتضاح أقسام موضوعات الأحكام يتبين لنا أن الدليل الذي اعتمد عليه في القول بالأعم غير تام ، وذلك لأن الدليل مؤلف من مقدمتين ونتيجة، فالمقدمة الأولى أن الأحكام تدور مدار عناوين الموضوعات حدوثاً وبقاءاً للقاعدة العرفية القائلة إن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية، والمقدمة الثانية ان مقتضى الدوران مدار عنوان الموضوع بقاء الصدق الحقيقي لعنوان الموضوع في مثل قوله تعالى : ( السارق والسارقة فاقطعوا ايديهما ) (1) الى حين ترتب الحكم ، والنتيجة أن مقتضى بقاء الصدق الحقيقي للعنوان حين ترتب الحكم حتى مع زوال التلبس بالمبدأ هو القول بالأعم .
ولكننا بعد أن ناقشنا المقدمة الأولى وأوضحنا اختلاف عناوين موضوعات الأحكام ، فلا يتم هذا الدليل بنظرنا ولا يصح الاعتماد عليه في القول بالأعم .
ملحق : وفيه بيان ثلاثة امور:
الأول : قد يقال بعدم تحقق القسم الثالث من عناوين موضوعات الأحكام ، وهو ما يدور الحكم مدار العنوان فيه حدوثاً لا بقاءاً ، وذلك لمانع ثبوتي ومانع إثباتي ، اما المانع الثبوتي فخلاصته : أن الأصوليين قالوا بأن علاقة الحكم بموضوعه علاقة المعلول بعلته التامة فكما يستحيل وجود المعلول وبقاؤه بدون بقاء علته التامة فكذلك يستحيل وجود الحكم مع زوال موضوعه .
وأما المانع الإثباتي فمحصله : إن العدلية اتفقوا على تبعية الأحكام
____________
(1) المائدة : 5 | 38 .

( 259 )
للمصالح والمفاسد، ومعنى ذلك أن ارتباط الحكم بموضوعه نابع من الارتباط بملاك معين ومصلحة كامنة في هذا الموضوع ، وهذا الارتباط يؤدي لدوران الحكم مدارعنوان موضوعه حدوثاً وبقاءاً ، فلا يمكن الخروج عن هذه القاعدة الا بشاهد واضح .
وحينئذ فإطلاق لفظ السارق في الآية ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) (1) إما أن يكون مجازياً وإما أن يكون حقيقياً ، فإن كان الاطلاق مجازياً فلازمه أن الموضوع قد زال وانتهى ومع زواله فلا يعقل بقاء الحكم للارتباط الوثيق بينهما، وهو ارتباط الحكم بملاكه ومناطه ، وإن كان الاطلاق حقيقياً فلازمه الوضع للأعم لزوال التلبس بمبدأ السرقة حين فعلية الحكم ، وهذا هو المطلوب .
والجواب عن هذا الايراد بعدة وجوه :
أ ـ إنه لا توجد علاقة تكوينية بين الحكم وموضوعه وإنما هي علاقة اعتبارية ، فإن المصلحة الكامنة في الموضوع لا تستلزم تكويناً وضع هذا الحكم الاعتباري المعين كما هو واضح ، فإذا كانت العلاقة علاقة اعتبارية فاي مانع من القول بان علة الحكم محدثة ومبقية وأن موضوع الحكم يكفي حدوثه في حدوث الحكم وبقائه ؟ ! .
فإن الملازمة بينهما اعتبارية لا تكوينية حتى يقال : بأن علاقة الحكم بموضوعه علاقة المعلول بعلته التامة حدوثاً وبقاءاً ، وأن الحكم يدور مدار عنوان موضوعه حدوثاً وبقاءاً.
وبعد إنكار هذه القاعدة نقول : إن ظاهر تعليق الحكم على الوصف العنواني له ان كان دورانه مداره حدوثاً وبقاءاً لكننا نخرج عن هذا الظاهر أحياناً
____________
(1) المائدة : 5 | 38 .

( 260 )
لبعض القرائن ومنها قرينة مناسبة الحكم للموضوع ، فإن هذه القرينة تقتضي كفاية حدوث العنوان في ترتب الحكم وإن زال التلبس بالعنوان بعد ذلك ، فمثلاً في آية السرقة والزنا نقول : إن مقتضى مناسبة الحكم للموضوع كفاية حدوث السرقة والزنا في ترتب الحكم بالحد لاستحالة تقارنهما عادة ، وكذلك في آية العهد ( لا ينال عهدي الظالمين )(1)، فإن مناسبة الحكم للموضوع تقتضي كفاية حدوث الظلم في زمان للحكم بعدم تقلد منصب الامامة كما سيأتي بيانه .
ب ـ قد ذكرنا فيما سبق أنه قد يقع الخلط بين المبدأ الجلي للمشتق والمبدأ الخفي ، فلفظ السارق ـ مثلاً ـ مبدؤه الجلي هو السرقة بمعنى التحقق والبقاء ، وهو بهذا المعنى لا فعلية له حين ترتب الحكم ، ولازم ذلك القول بالوضع للأعم .
بينما عندما نلاحظ مبدأه الخفي وهو السرقة بمعنى المضي والحدوث بحيث يكون المراد بالسارق من صدر منه السرقة فحينئذ لا يتصور انقضاء هذا المبدأ أبداً ، فالاطلاق حقيقي لعدم انقضاء التلبس ويدور الحكم حينئذ مداره حدوثاً وبقاءاً لعدم انتهائه .
وبناءاً على هذا الجواب لا نحتاج لمناقشة القاعدة القائلة بلزوم دوران الحكم مدار عنوان موضوعه حدوثاً وبقاءاً، بل نقول حتى مع التسليم بهذه القاعدة وكون علاقة الحكم بموضوعه علاقة المعلول بعلته التامة لا نرى في المثال خرقاً للقاعدة، فإن ترتب الحكم بالحد مقارن للصدق الحقيقي لعنوان السارق ما دام مأخوذاً بنحو المضي والحدوث .
ج ـ ما يستفاد من كلمات المحقق العراقي (قده ) وهو أن الموضوع في آية السرقة والزنا إن كان هو العنوان ـ أي عنوان السارق وعنوان الزاني ـ على نحو
____________
(1) البقرة : 2 | 124 .

( 261 )
الحيثية التقييدية ـ فحينئذ يرد الاشكال بأن هذا العنوان قد زال حين فعلية الحكم ولازمه عدم دوران الحكم مدار موضوعه ، وإن كان الموضوع ـ كما هو الصحيح ـ ذات السارق وذات الزاني مع كون العنوان حيثية تعليلية فقط وليس هو تمام الموضوع ولا جزءه حتى يدور الحكم مداره حدوثاً وبقاءاً فحينئذ لا يرد الاشكال المذكور.
ولكن هذا الجواب غير واف برد الاشكال :
أولاً : لأن الظاهر من التعليق على العنوان في الآية كون العنوان حيثية تقييدية يدور الحكم مداره .
وثانياً : على فرض كونه حيثية تعليلية لاينحل الاشكال المذكور، لأن المراد بالحيثية التعليلية ما كان واسطة في ثبوت الحكم لموضوعه ، أي أن عنوان السارق علة لثبوت الحكم بالحد لذات السارق ، وحينئذ يعود الاشكال مرة أخرى، لأن ثبوت الحكم لموضوعه إذا كان معلولاً لعنوان السرقة فكيف يعقل بقاء هذا الثبوت مع زوال علته وهو عنوان السرقة؟!
وحينئذ فإما أن يلتزم بالجواب الأول وهو كون العلية علية اعتبارية، فيكفي حدوثها في حدوث الحكم بدون حاجة لبقائها في بقائه ، وإما أن يلتزم بالجواب الثاني وهو أخذ المبدأ الخفي في عنوان السارق والزاني والظالم ، وهو مبدأ المضي والحدوث لا مبدأ الفعلية والتحقق ، فلا يكون ما ذكر في كلمات المحقق العراقي (ره ) جواباً جديداً غير ما سبق .
د ـ ما طرحه الأستاذ السيد الخوئي (قده ) في المحاضرات ، ومحصله : إن القضايا على قسمين حقيقية وخارجية ، فالقضايا الخارجية بما أنها ناظرة للخارج فمن المعقول في العناوين المطروحة فيها التلبس الفعلي بالمبدأ وانقضاء ذلك التلبس ، فلو ورد فيها حكم معلق على عنوان زال التلبس به لجاء الاشكال
( 262 )
المذكور، وهو أن لازم ذلك عدم دوران الحكم مدار موضوعه حدوثاً وبقاءاً .
وأما القضايا الحقيقية فبما أنها غير ناظرة للخارج الفعلي بل مرجعها لقضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له فلا يتصور فيها حال الانقضاء أبداً حتى يرد الاشكال السابق ، فمثلاً الآية المذكورة ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )(1) مرجعها الى أن من كان سارقاً فحكمه قطع يده فلا يتصور حينئذٍ انقضاء مبدأ السرقة، لأن الموضوع مفروض التحقق والحصول (2).ولكن هذا الجواب ـ بنظرنا ـ غير واف برد الأشكال لأمرين :
الأول : إنه لا فرق بين القضايا الخارجية والقضايا الحقيقية في التعليق على عنوان فعلى تارة وعنوان زال التلبس به أخرى فيقال ـ مثلاً ـ اكرم العالم ويقال اكرم زائر الحسين عليه السلام ، فالأولى قد علق فيها الأمر بالاكرام على عنوان فعلي التلبس والثانية قد علق فيها الأمر على عنوان زال التلبس به حين الحكم .
الثاني : إن الفارق الجوهري بين القضايا الحقيقية والخارجية كون الموضوع فعلياً في الخارجية مفروضاً في الحقيقية ، وكونه مفروض الحصول لا يعني دوران الحكم مداره حدوثاً وبقاءاً ، فمن المحتمل كون المراد بالمقدم في القضية الحقيقية فرض حدوث الموضوع والمراد بالتالي فعلية الحكم عند حدوث الموضوع سواءاً بقي ببقائه ام لا، فإن مناسبة الحكم للموضوع في القضية الحقيقية قد تقتضي تقارنهما حدوثاً وبقاءاً نحو خذ بقول العادل ، وقد تقتضي عدم تقارنهما نحو اجلد الزاني ، مع أن الجميع قضية حقيقية قد فرض فيها تحقق الموضوع ليترتب عليه الحكم المزبور.
وحل الاشكال حينئذٍ في النوع الثاني من القضايا ـ أي القضايا
____________
(1) المائدة : 5 | 38 .
(2) محاضرات في اصول الفقه : 1| 256 ـ 257.

( 263 )
الحقيقية ـ إما بإنكار دوران الحكم مدار الموضوع حدوثاً وبقاءاً وإما بأخذ المبدأ في عنوان الموضوع على نحو المضي والتحقق كما ذكرنا سابقاً .
الأمر الثاني : في حقيقية الاطلاق ومجازيته ، إذا لاحظنا الآية الكريمة ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )(1) وتأملنا فيها بأن الاطلاق حقيقي أم مجازي فأمامنا عدة صور، وذلك لأن المبدأ إما أن يؤخذ بنحو المضي والحدوث وإما بنحو الفعلية .
1 ـ أن يؤخذ المبدأ بنحو المضي والحدوث فالاطلاق حينئذٍ حقيقي ، لعدم تصور انقضاء التلبس في هذه الصورة، سواءاً كان العنوان حيثية تعليلية أم حيثية تقييدية.
2 ـ أن يؤخذ المبدأ بنحو الفعلية مع كون الاطلاق بلحاظ حال التلبس ، وهو حقيقي حينئذ كما ذكر صاحب الكفاية (ره)(2) .
3 ـ أن يؤخذ المبدأ بنحو الفعلية مع كون الاطلاق بلحاظ حال الجري والاسناد فهو حقيقي بناءاً على القول بالأعم ولا إشكال عليه ، ومجازي على القول بالاخص ، ويرد على هذا القول في هذه الصورة إشكال عدم دوران الحكم مدار موضوعه حدوثاً وبقاءاً، والجواب عنه ما سبق من كفاية العلة الحدوثية .
الأمر الثالث : في تحليل معنى الآية : ( لا ينال عهدي الظالمين )(3) .
استدل علماء الامامية بهذه الآية على اعتبار العصمة في الامام عليه السلام تبعاً لبعض النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام كما يظهر
____________
(1) المائدة : 5 | 38.
(2) كفاية الاصول : 43 ـ 44.
(3) البقرة : 2 | 124.

( 264 )
من تفسير البرهان(1) . وخلاصة الاستدلال : أن الآية تنفي لياقة الظالم بمنصب الامامة ، سواءاً كان ظالماً فعلاً أم كان ظالماً سابقاً ، ولازم ذلك اعتبار العصمة في منصب الإمامة ، إذ لا واسطة بين الظلم وبين العصمة فانتفاء الظلم مستلزم لثبوت العصمة ، وإن كانت العصمة ذات مراتب تشكيكية كسائر الملكات الأخرى مثل الشجاعة والكرم ، وأدنى مراتبها انتفاء الظلم ظاهراً وباطناً سابقاً وفعلاً.
وأورد على ذلك الفخر الرازي بأن الاستدلال بالآية على عدم لياقة الظالم بالفعل بمنصب الامامة واضح ، ولكن الاستدلال بها على عدم لياقة الظالم سابقاً بمنصب الامامة لا يتم الا على القول بوضع المشتق للأعم وهو قول خلاف المشهور، فبناءاً على الصحيح من وضعع المشتق للأخص تختص الآية بنفي اللياقة عن الظالم الفعلي دون غيره ، فلا يتم الاستدلال بها على العصمة(2) .
والجواب عن هذا الايراد : إن الاستدلال بالآية على نفي لياقة غير المعصوم بالامامة تام وإن قلنا بوضع المشتق للأخص ، وتماميته بوجهين :
أ ـ إن مناسبة الحكم للموضوع قرينة عرفية ارتكازية تقتضي كفاية حدوث الظلم ولو آناً ما باطناً أو ظاهراً لعدم تقلد منصب الامامة الذي هو أعلى منصب في الاسلام ، ويؤيد ذلك الارتكاز العقلائي فإن كثيراً من الدول تمنع من تقلد بعض المناصب المهمة من قبل من كانت له سابقة مخلة بالشرف ، والنصوص الشرعية ترشد لذلك أيضا، ففي حسنة زرارة عن الباقر عليه السلام « لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد
____________
(1) تفسيرالبرهان : 1|149.
(2) التفسير الكبير: 4 | 46 .

( 265 )
الزنا والأعرابي لا يؤم المهاجرين»(1) .
فإذا كانت إمامة الجماعة منصباً لا يليق به من له سابقة سيئة فكيف بأعظم منصب في الإسلام ، فتكون الآية بناءاً على هذه القرينة شاملة للظالم سابقاً والظالم فعلاً ودالة على اعتبار العصمة في الامامة، سواءاً قلنا بأن مبدأ الظلم أخذ على نحو المضي والحدوث فالاطلاق حقيقي حينئذ ، أو قلنا بأن المبدأ أخذ على نحو الفعلية مع لحاظ حال الجري والنسبة فالاطلاق مجازي بناءاً على الوضع للأخص ، إذن فكون الاطلاق في الآية حقيقياً أم مجازياً لا ينافي الاستدلال بها على اعتبار العصمة .
ب ـ ما نقل عن بعض الأعلام ، وحاصله : أن مطلوب إبراهيم عليه السلام لا يخلو من أربعة وجوه :
ا ـ طلب الامامة للظالم فعلاً .
2 ـ طلب الامامة للظالم مستقبلاً.
3 ـ طلب الامامة للظالم سابقاً .
4 ـ طلب الامامة لمن لم يظلم اصلاً.
لا يمكن ان يكون مطلوبه الوجه الأول والثاني ، لأن إبراهيم عليه السلام عاقل عارف بأهمية منصب الامامة فكيف يطلب تقليده للظالم بالفعل أو في المستقبل ، فإن ذلك تعريض بمنصب الإمامة للضياع والخطر.
ولا يمكن أن يكون مطلوبه خصوص الوجه الرابع وهو من لم يظلم أصلاً ، باعتبار نفي الاية اعطاء المنصب للظالم ولولا شمول طلبه للظالم لما نفته الآية المباركة، فتعين أن يكون مطلوبه اعطاء الامامة للعادل فعلاً سواءاً صدر منه ظلم في السابق أم لا، فلما جاء التصريح الالهي بنفي لياقة الظالم بمنصب
____________
(1) الوسائل : 8 |325، ح 10797 .

( 266 )
الامامة عرف أن المراد بالظالم المنفي هو الظالم سابقاً فقط وبقية الوجوه خارجة موضوعاً كما ذكرنا، فتتم دلالة الآية حينئذ على اعتبار العصمة فى الامام ، سواءاً كان الاطلاق فيها حقيقياً بلحاظ حال التلبس أو مجازياً بلحاظ حال الجري والنسبة .
وإذا ثبت دلالة الآية على اعتبار العصمة وانتفاء الظلم سابقاً ولاحقاً وظاهراً وباطناً في الامامة دلت على كون الامامة بالنص لا بالشورى، وذلك من وجهين :
أ ـ نسبة جعل الامامة لله جل وعلا في الآية المباركة ، حيث قال : ( إني جاعلك للناس إماما )(1) ، ولو كانت بالشورى لا بالجعل الالهي لما نسبها الله لنفسه في الآية .
ولكن قد يقال بأن هذا الجعل جعل خاص صادر على نحو القضية الخارجية، أي أنه خاص بشخصية إبراهيم عليه السلام أو بالأنبياء عموما، ولا دليل على كونه عاما لكل إمامة على نحو القضية الحقيقية .
ب ـ إن الآية تدل باللزوم العقلي على اعتبار النص في الامامة ، باعتبار أن الآية لما دلت على اعتبار العصمة أي لزوم انتفاء الظلم ظاهره وباطنه وسابقه ولاحقه في الامام ، وذلك امر خفي لا يمكن الاطلاع عليه من قبل البشر المنتخبين للإمام دلت على كون الامامة بالنص ، لأنه لو كانت الامامة بالانتخاب والشورى فهذا يعني اشتراط أمر خفي في الإمامة مع إيكال تشخيص توفره الى من لا يمكنه التشخيص، وهو جمع بين المتنافيين .
فالنتيجة : أن دلالة الآية على اعتبار العصمة في الامام مستلزم لاعتبار النص فيه أيضا .

____________
(1) البقرة : 2| 124 .

( 267 )
المنشأ الثالث : (من مناشئ القول بأن المشتق موضوع للأعم ) الخلط بين العنوان المأخوذ على نحو المعرفية والعنوان المأخوذ على نحو الموضوعية، فمثلاً عندما نقول : « خذ الدين من هذا العالم » فالموضوع الاثباتي هو الموضوع الثبوتي لأن عنوان العالم مأخوذ على نحو الموضوعية، بينما إذا قلنا : « خذ الدين من هذا الجالس » فهنا يحكم العرف العقلائي ـ بقرينة مناسبة الحكم للموضوع ـ أن العنوان وهو الجلوس ماخوذ على نحو المعرفية للموضوع الواقعي ، فالموضوع الاثباتي مختلف عن الموضوع الثبوتي .
والحاصل : أن ظاهر تعليق الحكم على عنوان معين أخذ العنوان على نحو الموضوعية، ولكن قد يخرج عن هذا الظاهر بقرينة لفظية أو مقامية أو عقلائية كما سبق في المثال الثاني ، فيكون العنوان مأخوذاً على نحو المعرفية .
وقد خلط بعض العلماء بين هذين النوعين ، فتصور أن جميع العناوين المأخوذة في القضايا مأخوذة على نحو الموضوعية، وبناءاً على ذلك فلا وجه لتعليق الحكم على عنوان زال التلبس بمبدئه حين فعلية الحكم ـ كما في المثال السابق « خذ دينك من الجالس » إذا صار الجالس قائما ـ الا إذا قلنا بوضع المشتق للأعم ، فإنه على القول بوضعه للأخص لا يتصور تعليق الحكم لأنه تعليق على عنوان لا فعلية له ، لكننا نرى شيوع مثل هذه القضايا وصحة التعليق فيها مما يدل على الوضع للأعم .
والصحيح أن العنوان المعلق عليه الحكم قد يكون مأخوذاً على نحو الموضوعية فلا يعقل فعلية الحكم بعد انتفاء فعليته نحو « قلد العادل »، الا إذا أخذ المبدأ بمعنى المضي والحدوث ، أو كان العنوان مأخوذاً بنحو الحيثية التعليلية لا الحيثية التقييدية، أو كان مأخوذاً على نحو العلية الحدوثية لا البقائية، كما سبق طرح هذه الوجوه في آية السرقة والزنا .
وقد يكون العنوان مأخوذاً على نحو المعرفية للموضوع الواقعي من دون
( 268 )
دخالة العنوان في الحكم أصلاً نحو « خذ دينك من هذا الجالس » فلا يوجد هنا تعليق على العنوان حتى ينتفي الحكم بانتفاء فعلية العنوان أو نقول بالوضع للأعم ، بل التعليق على ذات المشار إليه لا على عنوانه .
ومما يتعلق بالحديث حول هذا المنشأ ذكر ثلاثة أمور:
أ ـ إن الفرق بين هذا المنشأ وسابقه أن الحديث في المنشأ السابق كان بعد الفراغ عن أخذ العنوان على نحو الموضوعية، أي أن العنوان الاثباتي بعد كونه هو الموضوع الثبوتي هل يدور الحكم مداره حدوثاً وبقاءاً أم حدوثاً فقط ، هذا هو المنشأ السابق ، وأما الحديث في هذا المنشأ فهو أن العنوان الاثباتي هل له مدخلية في الحكم ثبوتاً على نحو الحيثية التعليلية أم التقييدية، وعلى نحو العلة المحدثة والمبقية أم المحدثة فقط ، أم لا دخالة له في الحكم أصلاً بل هو مشير ومعرف بالموضوع الواقعي ، فالفرق بين المنشأين واضح .
ب ـ لقد جاء في كلمات الأستاذ السيد الخوئي (قده) أن انقسام العناوين للمأخوذ على نحو المعرفية والماخوذ على نحو الموضوعية خاص بالقضايا الخارجية دون القضايا الحقيقية ، فإن العناوين الماخوذة في القضايا الحقيقية دائماً تكون ماخوذة على نحو الموضوعية، باعتبار رجوع القضايا الحقيقية لقضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له ، فلابد أن يكون العنوان الماخوذ في المقدم ذا دخالة في الحكم المذكور في التالي إذ لولا دخالته فيه لم يعقل اشتراطه به وتعليقه عليه(1) .
ولكن الصحيح عدم الفرق بينهما، فكما تنقسم القضايا الخارجية للنوعين المذكورين فكذلك القضايا الحقيقية أيضاً ، والسر في ذلك أن الفرق بين القضية الحقيقية والخارجية ليس فرقاً إثباتياً حتى يتصور الانقسام الاثباتي
____________
(1) محاضرات في اصول الفقه : 1 |257 .

( 269 )
للعناوين في الخارجية دون الحقيقية ، بل الفرق بينهما ثبوتي راجع الى أن القضية الخارجية متقومة بالموضوع الفعلي ، سواءاً كان في الماضي أم في الحال أم في المستقبل ، والقضية الحقيقية متقومة بالموضوع الفرضي من دون نظر للفعلية في زمان من الأزمنة الثلاثة .
هذا بحسب مقام الثبوت ، وأما بالنظر لمقام الاثبات فلا يوجد فرق بين القضيتين ، فكما يقال في القضية الخارجية « أكرم هذا الجالس » على نحو المعرفية و« أكرم هذا العالم »، على نحو الموضوعية فكذلك يقال في القضية الحقيقية « اتبع من كان معصوما » مع كون العصمة ماخوذة على نحو الموضوعية لدخالتها في وجوب الاتباع ، ويقال « اتبع من كان معجزاً في أفعاله » مع كون الاعجاز مأخوذاً على نحو المعرفية لعدم دخالته في وجوب الاتباع أصلا بل هو مجرد معرف ومشير للموضوع الواقعي لوجوب الاتباع وهو النبي أو الامام عليه السلام .
ج - في الموثق عن ابن بكيرعن الصادق عليه السلام ، « ان الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد »(1)، والملاحظ هنا أن الحكم بالفساد قد علق على عنوان (حرام أكله ) وهر مشتق من المشتقات ، فإن قلنا بأن الماخوذ في الموضوع - وهو عنوان الحرام - مأخوذ على نحو الموضوعية فلازمه انتفاء الحكم الوضعي - وهو الحكم بالفساد - عند انتفاء الحرمة لطرو إكراه أو اضطرار رافع للحرمة .
وإن قلنا بان المأخوذ في الموضوع ماخوذ على نحو المعرفية والموضوع الواقعي هو نفس الحيوانات المحرمة الأكل كالثعالب والأرانب فلا ترابط حينئذ بين الحكم الوضعي وهو الفساد والحكم التكليفي وهو الحرمة، فارتفاع الحرمة
____________
(1) الوسائل : 4 | 345 ، ح 5344.

( 270 )
للإكراه أو الاضطرار لا يعني ارتفاع الحكم الوضعي وهو الفساد، وقد ذهب لهذا الرأي المحقق النائيني (قده ) في رسالة اللباس المشكوك (1) .
المنشأ الرابع : (من مناشئ القول بالوضع للأعم ) هو القول بتركيب المشتق .
بيان ذلك : أننا إذا قلنا بأن مفهوم العالم مفهوم بسيط وأنه عبارة عن نفس المبدأ وهو العلم ، ولا فرق بينهما أي بين العلم والعالم الا باللحاظ الذهني فإن الذهن إذا لاحظ العلم على نحو اللابشرط عن الانضمام للذات فيعبر عنه بلفظ العالم وهو المشتق وإذا لاحظه بنحو البشرط لا عن الانضمام للذات فيعبر عنه بالمبدأ والمصدر، فلا يوجد فرق واقعي بين المبدأ والمشتق أصلاً وإنما الفرق بينهما لحاظي فقط ، وهذا هو معنى القول ببساطة المشتق .
ويترتب عليه القول بالأخص ، لأن المشتق إذا كان هو نفس المبدأ بلا فرق واقعي بينهما فمع زوال المبدأ لا بقاء لعنوان المشتق حقيقة، إذن فهو موضوع مخصوص بالمتلبس .
وأما إذا قلنا بان مفهوم المشتق - كالعالم - مركب فمعناه ذات ثبت لها العلم ، والفرق بينه وبين المبدأ - وهو العلم - فرق ذاتي لا لحاظي ، ويترتب على ذلك القول بالوضع للأعم ، لأن عنوان الذات التي ثبت لها المبدأ أو انتسب لها المبدأ صادق حقيقة حتى بعد زوال المبدأ وانتفائه ، إذن فالقول بالبساطة لازمه القول بالوضع للأخص والقول بالتركيب لازمه القول بالوضع للأعم .
ولكن قد يقال بأن هذه الجهة - أي جهة التركيب والبساطة - لا مدخلية لها في محل النزاع ، باعتبار أننا قد نختار القول بالتركيب ومع ذلك نذهب للقول بوضع المشتق للأخص ، فإن مفهوم المشتق هو الذات الواجدة للمبدأ،
____________
(1) أجود التقريرات : 1 | 79، فوائد الأصول : 1 |122 .

( 271 )
والمقصود بالواجدية هي الواجدية الفعلية لا المطلقة حتى يتناسب مع القول بوضعه للأعم .
وقد نختار القول بالبساطة ومع ذلك نذهب للقول بوضع المشتق للأخص ، باعتبار أن المشتق عنوان انتزاعي بسيط لا مركب ، والعنوان الانتزاعي له عنصران :
1 - منشأ انتزاع يدور مداره حدوثاً وبقاءاً ، وهو الذي يصح حمله عليه .
2 - مصحح انتزاع .
فبالنسبة للمشتق منشأ انتزاعه هو الذات التي يصح حمل المشتق عليها ومصحح انتزاعه هو المبدأ، فما دامت الذات موجودة فيصح إطلاق المشتق حقيقة وإن زال التلبس بالمبدأ، لأن علاقة المشتق بالمبدأ علاقة الانتزاعي بمصحح انتزاعه فلا يدور مداره حدوثاً وبقاءاً بخلاف علاقته بالذات ، وهذا هو معنى القول بالوضع للأعم . إذن فلا تلازم بين القول بالتركيب والقول بالوضع للأعم ، ولا تلازم بين القول بالبساطة والقول بالوضع للأخص ، كما يظهر من بعض تقريرات المحقق النائيني (قده) .