إذن فعلى القول بالبساطة في المشتق لا يصح حمله على الذات كما ذكرنا .
الثانية : تصحيح الحمل بناءاً على القول بالتركيب ، وتوضيحه : إن المختار عندنا هو القول بتركب المشتق فهو عبارة عن الذات الواجدة للمبدأ ، وبناءاً على هذا يصح حمل المشتق على الذات حملاً شائعاً لتحقق الاتحاد الوجودي العرضي بينهما .
بيان ذلك : إن الوجود الذي يكون به الاتحاد المصحح للحمل إما أن يكون وجوداً لكلا الطرفين بالذات كما في حمل الطبيعي على فرده ، فإن الطبيعي يوجد بوجود فرده فينتسب الوجود حقيقة وبالذات للفرد وللكلي معاً، فلو قلنا زيد إنسان فكلا الطرفين موجودان بوجود واحد لهما بالذات . وإما أن يكون الوجود لأحدهما بالذات وللآخر بالعرض كما في حمل العناوين العرضية على الذات ومنها المشتقات ، فإذا قلنا زيد عالم فالوجود الحقيقي هنا لزيد وانما ينسب ثانياً وبالعرض لعنوان العالم ، والمصحح لحمل لفظ العالم على زيد مع عدم اتحادهما حقيقة وبالذات وجود حمل ضمني اخر في نفس الجملة يشتمل على الأتحاد الوجودي الحقيقي ، وهو حمل كلي العلم على الفرد الخارجي منه القائم بزيد ، ومن المعلوم أن حمل الكلي على فرده حمل حقيقي للاتحاد الوجودي الحقيقي بينهما .
والحاصل : أننا إذا قلنا زيد عالم فهنا حملان أحدهما صريح والآخر ضمني ، فالحمل الصريح هو حمل عنوان العالم المركب على زيد والحمل الضمني هو حمل كلي العلم على الفرد الخارجي من العلم القائم بزيد، والحمل الأول راجع للحمل الثاني ، والسبب في رجوع الحمل الأول للثاني أمران :
أ - إن عنوان العالم منتزع من العلم فلا بد أن يكون الحمل للعالم راجعاً للحمل في صفة العلم .
ب - إن الفلاسفة قالوا : إن ما بالعرض يرجع لما بالذات ، وحيث إن
( 290 )
حمل لفظ العالم على زيد يحتاج لمصحح والمصحح له الاتحاد الوجودي العرضي فيرجع لا محالة الى حمل كلي العلم على فرده ، فإن حمله يعتمد على مصحح ايضاً وهو الاتحاد الوجودي الحقيقي ، فرجع بالنتيجة الاتحاد الوجودي العرضي بين زيد والعالم للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي العلم وفرده ، فما بالعرض يرجع لما بالذات .
وهذا كله في حمل العنوان العرضي على الذات ، وأما في حمل العناوين العرضية على بعضها نحو الكاتب ضاحك فإن هذا الحمل يستند الى مصحح ، والمصحح له الاتحاد الوجودي العرضي بينهما الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي الكتابة وفرده الخارجي وكلي الضحك وفرده الخارجي كما شرحناه في الحمل السابق (1) . ولكننا نسجل بعض الملاحظات على ما ذكره السيد الأستاذ (قده):
الأولى : قد ذكرنا سابقا أن هناك مسلكين في وجود الأعراض ، فالمسلك الأول : هو القائل بأن الأعراض أطوار الوجود الجوهري لا أنها وجودات محمولية أخرى غير الوجود الجوهري ، وبناءاً على هذا المسلك فالاتحاد الوجودي المصحح للحمل الشائع متحقق بين المشتق والذات المحمول عليها وإن قلنا ببساطة المشتق وأنه عين المبدأ العرضي .
والمسلك الثاني هو القائل بمغايرة وجود العرض لوجود الجوهر، وبناءاً على هذا المسلك فالاتحاد الوجودي العرفي حاصل بين المشتق والذات وهو كاف في صحة الحمل ، فإننا إذا قلنا - مثلاً - زيد عالم فالعالم في الحقيقة هو العلم لا زيد ولكن لاقتران العلم بزيد على نحو التركيب الاتحادي أو الانضمامي صح حمل العالم عليه ، الا أنه حمل مع الواسطة في العروض ومن أجل خفاء الواسطة
____________
(1) محاضرات في أصول الفقه 1 |166 - 220 .

( 291 )
عرفاً يعد هذا الحمل حملاً حقيقياً عرفاً للاتحاد الوجودي بين الطرفين بنظر العرف وهو كاف في صحة الحمل ، فلا يتم ما ذكره السيد الأستاذ في النقطة الأولى من عدم وجود المصحح للحمل - وهو الاتحاد الوجودي - بناءاً على القول بالبساطة .
الملاحظة الثانية : إن ما ذكره في النقطة الأولى من أن المغايرة الحقيقية بين الموضوع والمحمول لا تتغير باعتبار اللابشرط حتى يصح الحمل بهذا الاعتبار يرد عليه أمران :
أ - ما ذكرناه سابقا أن الحمل عمل نفسي يتأثر بتدخل الاعتبارات فيه ، فمثلاً كل ماهية تتألف من عنصرين : ما به الاشتراك وما به الامتياز، وما به الاشتراك لو لوحظ بحده الخاص فلا يصح حمله على الذات وهذا معنى اعتبار البشرط لا، ولو لوحظ بما هو مبهم تمام الابهام لولا الصورة النوعية صح حمله وهذا هو معنى اعتبار اللابشرط ، إذن فالاعتبارات لها تأثير واضح على صناعة الحمل وتغيره .
ب - إننا لا نقول : بان اعتبار اللابشرط واعتبار البشرط لا مجرد فرض ذهني لا منشأ له في الواقع حتى يشكل على ذلك بأن هذه الاعتبارات لا تأثير لها في الحمل ، بل نقول : بأن الذهن إذا أدرك الاتحاد الوجودي بين الطرفين ولو كان اتحاداً عرفياً قام باعتبار اللابشرط في المحمول حتى تتحقق حالة الهوهوية والاندماج بين الطرفين ، وهو معنى الحمل ، فهذه الاعتبارات لها مناشئ واقعية لا مجرد فرض ذهني .
الملاحظة الثالثة : إن المصحح لحمل المشتق على الذات في نظره هو الاتحاد الوجودي العرضي الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي المبدأ وفرده الخارجي ، وهذا الكلام يتصور على وجوه :
أ - إن المصحح لحمل لفظ المشتق كعالم على زيد - مثلاً - هو الاتحاد
( 292 )
الوجودي العرضي ، بمعنى أن يكون الوجود أولاً وبالذات لزيد وثانياً وبالعرض للمشتق ، والسؤال المطروح حينئذ : ما هو الملاك المصحح لنسبة الوجود الثابت لزيد بالذات الى العنوان المشتق ثانيا وبالعرض ؟ والجواب : أن المصحح احد أمرين :
1 - المصاحبة في الوجود بين الذات ومبدأ المشتق على نحو التركيب الانضمامي ، فإن انضمام كل منهما للآخر في الوجود سوغ لنا نسبة الوجود الثابت للذات الى المشتق المنتزع من ذلك المبدأ المنضم لها.
إلا أن هذا المصحح متحقق حتى في الحمل المجازي نحو الميزاب جار، فإن الوجود الثابت لجريان الماء أولاً وبالذات نسب للميزاب ثانياً وبالعرض لتصاحبهما على نحو الظرفية والمظروفية، إذن فهذا المصحح وهو الاتحاد الوجودي ولو بالعرض متحقق حتى في الحمل المجازي فلا يكون مبرراً مقبولاً للحمل الشائع الصناعي الحقيقي الذي هو محل النزاع .
2 - إن الارتباط بين المبدأ العرضي كالعلم - مثلاً - وبين الذات على نحو التركيب الاتحادي هو الذي سوغ نسبة الوجود الثابت للذات بالحقيقة للعنوان المنتزع من ذلك المبدأ العرضي ثانياً وبالعرض وهو المصحح لحمله عليه .
ومن المعلوم أن هذا المصحح لا يبرر كون الحمل حملاً حقيقياً ، فإن اتحاد الذات مع مبدأ الانتزاع لا يستلزم الاتحاد بين الذات والعنوان الانتزاعي الا على نحو المجاز، نعم لو رجع كلامه لما ذكره المحقق النائيني (قده) من القول بالبساطة وكون مفهوم المشتق هو مفهوم المبدأ فوجود الاتحاد الحقيقي العرفي بين الذات والمبدأ معناه وجود نفس هذا الاتحاد بين الذات والعنوان المشتق ، وهو المصحح للحمل الشائع الحقيقي .
ب - إن المصحح لحمل المشتق على الذات هو الاتحاد الوجودي العرضي الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي المبدأ وفرده الخارجي ، لرجوع ما
( 293 )
بالعرض لما بالذات .
وفيه : إنه لا يوجد ربط بين الحملين فكيف يكون أحدهما مصححاً للآخر؟ فحمل العالم على زيد مختلف موضوعاً ومحمولاً عن حمل كلي العلم على فرده الخارجي القائم بزيد فكيف يصح رجوج الحمل الأول للثاني ؟
فإن قلت : بان السبب في رجوع الحمل الاول للثاني هو قانون الانتزاع ، حيث إن عنوان العالم منتزع من العلم فحمل العنوان الانتزاعى راجع للحمل في منشأ انتزاعه ، وبما أن الحمل في منشأ الانتزاع واجد للاتحاد الوجودي الحقيقي فهذا كاف في صحة الحمل الشائع الحقيقي للعنوان المنتزع ، وهو المشتق .
قلت : أولاً : إننا ذكرنا سابقاً أن العنوان الانتزاعي له منشأ انتزاع وهو ما يصح حمله عليه ومصحح انتزاع ، ومنشأ الانتزاع بالنسبة للمشتق هنا هو الذات ومصححه هو المبدأ، فلا موجب لرجوع الحمل في المشتق الى الحمل في مصحح انتزاعه وهو المبدأ، لعدم كونه منشأ لانتزاعه حتى يدور مداره في الحمل .
وثانياً : إن قانون رجوع ما بالعرض لما بالذات يقتضي رجوع الاتحاد الوجودي العرضي بين زيد والعنوان المشتق الى الاتحاد الوجودي الحقيقي بين زيد ومبدأ الاشتقاق الذي هو منشأ الانتزاع عند القائل به ، لا الى الاتحاد الوجودي بين كلي العلم وفرده الخارجي فإنه لا ربط له بالأول .
ج - إننا إذا قلنا زيد عالم فعنوان عالم بمقتضى كونه مفهوماً مركباً يعني الذات الواجدة للعلم ، وحينئذ يكون له انطباقان قهريان ، انطباق عنوان الذات على زيد وهذا هو الحمل الأول وانطباق كلي العلم على فرده القائم بزيد وهذا هو الحمل الثاني ، فمقصود من يقول بالتركيب هو اشتمال لفظ المشتق على انطباقين وحملين ، الا أنه لا دليل ولا موجب لرجوع الحمل الأول للثاني واعتماد
( 294 )
مصححه على مصححه كما أوضحنا ذلك مفصلاً .
الايراد الثالث : ما في المحاضرات (1) ، ومحصله : إن المصحح لحمل المشتق على الذات المطروح في كلمات المحقق النائيني (قده) وهو لحاظ العرض بما هو طور من اطوار الجوهر وشأن من شؤونه المعبرعنه باللابشرط هذا خاص بما إذا كان المشتق من العناوين العرضية المقولية، فإنه تارة يلاحظ من حيث وجود النفسي فلا يصح حمله وهذا معنى البشرط لا، وأخرى يلاحظ بما هو نعت للجوهر فيصح حمله عليه وهذا معنى اللابشرط ، أما لوكان المشتق من العناوين الانتزاعية كالممكن أو الاعتبارية كالواجب والمملوك أو العدمية كالأعمى - مثلأ - فهذه العناوين ليست أطواراً ولا شؤوناً للوجود الجوهري حتى يصح حملها بهذا اللحاظ المعبر عنه باللابشرط ، إذن فالمصحح المذكور ليس عاما لجميع أنواع المشتق (2).
وجوابنا عن هذا الايراد يتم في أمرين :
أ - ذكر الفلاسفة أن الحمل مشروط بالاتحاد الوجودي ، ومعنى الاتحاد الوجودي بين الموضوع والمحمول بحسب عباراتهنم هو كون احد الطرفين متحصلاً والآخر لا متحصلاً ليتم حمل احدهما على الاخر، فإن حمل المتحصل اي ماله وجود وفعلية بإزائه في الخارج على المتحصل غيرممكن لامتناع اجتماع الفعليتين في موضوع واحد، ولذلك ذهب الحكماء إما الى أصالة الوجود وإما لأصالة الماهية، فإن دعوى أصالتهما معاً لازمها كون كل شيء شيئين وهذا مناف للوجدان ، ولازمها أيضاً عدم صحة حمل الماهية على الوجود فلا يصح أن يقال زيد موجود لامتناع حمل المتحصل كما ذكرنا على المتحصل الاخر، فلا بد من أجل تصحيح الحمل من كون الموضوع - مثلاً - متحصلاً والمحمول لا
____________
(1) محاضرات في اصول الفقه 1 | 279 - 280 .
(2) محاضرات في اصول الفقه 1 | 280 .

( 295 )
متحصلاً لتتم عملية الحمل.
ب - بناءاً على ما ذكر في الأمر الأول لا بد من التفصيل في حمل المشتق على الذات ، حيث أن المشتق على انواع :
أ - ما كان من الأعراض المقولية كالعالم والضاحك ، وفي هذا النوع إن قلنا بمسلك الآقا علي المدرس من وحدة وجود الجوهر والعرض فلا ريب في صحة حمل العرض حينئذ على الجوهر لكونه من باب حمل اللامتحصل على المتحصل ، وإن قلنا بمسلك المشهور من تعدد الوجود للجوهر والعرض فهنا نحتاج في عملية الحمل الى تدخل الاعتبار المصحح له ، وذلك بالنظر للعرض بما هو طور وشأن من شؤون الجوهر ليصح الحمل بعد ذلك ، إذن فقيام الذهن باعتبار اللابشرط ليس ملاكاً عاماً لجميع المشتقات وإنما هو خاص بما إذا كان المشتق من الأعراض المقولية ، حيث أنه حينئذ يكون وجوداً متحصلاً في مقابل وجود الجوهر بناءاً على المسلك المشهور في الأعراض فيحتاج حمله الى تدخل الاعتبار كما ذكرنا .
ب - ما كان المشتق من العناوين الانتزاعية كالممكن والممتنع ولا ريب في صحة الحمل فيها بلا حاجة الى ملاحظتها بما هي طور وشأن للذات المحمول عليها، وذلك لأننا إنما نحتاج لهذا اللحاظ عند كون المشتق من الاعراض المتأصلة وأما عندما يكون المشتق من الانتزاعيات المأخوذة من صميم الذات المنتزع منها فهي متحدة مع منشأ انتزاعها وجوداً ونسبتها له نسبة اللامتحصل للمتحصل ، فشرط الحمل موجود فيها بلا حاجة للحاظ النعتية فيها أصلاً ، مع أنها في الواقع نعت وشأن من شؤون الذات أيضاً .
ج - ما كان من العناوين الاعتبارية كقولنا الصلاة واجبة والكتاب مملوك ولا ريب في صحة الحمل حينئذ، للاتحاد الاعتباري مع متعلقه في وعاء الاعتبار حيث إن نسبة متعلق الاعتبار للاعتبار نسبة الحد المحدود ونسبة الماهية للوجود
( 296 )
وهي نسبة اللامتحصل للمتحصل ، فلا مانع من حمله عليه بلا حاجة للحاظ النعتية مع ثبوتها واقعاً .
د - ما كان المشتق من العناوين العدمية كالأعمى - مثلاً - ولا ريب في صحة حمله على الذات فيقال زيد اعمى ، لأن المراد بالعمى عدم البصر في الموضوع القابل له لا مطلقاً ، وهو بهذا المعنى يعد نعتاً وطوراً لموضوعه فيصح حمله عليه ، مضافاً لعدم فعليته ومحصليته لكونه عدماً فلا يمتنع حمله على المتحصل.
الايراد الرابع : ما ذكر في المحاضرات أيضأ، وحاصله : أن الفرق المذكور بين المشتق والمبدأ وهو الفرق باللابشرط والبشرط لا هو في الواقع فرق بين المصدر واسم المصدر، حيث أن المصدر هو الحاكي عن العرض باعتبار وجوده النعتي وهذا ما نعبر عنه باللابشرط واسم المصدر هو الحاكي عن العرض باعتبار وجوده النفسي المحمولي وهذا ما نعبر عنه بالبشرط لا .
وفيه ملاحظات :
أ - إن الفارق الجذري بين المصدر واسم المصدر مع دلالة كل منهما على طبيعي الحدث أن المصدر دال على الحيثية الصدورية من الفاعل واسم المصدر فاقد لهذا المدلول ، لا أن الفارق بينهما هو اعتبار البشرط لا واللابشرط فإن كليهما مأخوذ بنحو البشرط لا من ناحية الحمل ، فلا يصح إسنادهما للذات الا تجوزاً (1).
ب - إن المبنى المختار عند السيد الأستاذ (قده) هو دلالة الألفاظ على المعاني الواقعية العارية عن قيد الوجود والعدم ، فكيف يكون مدلول المصدر هو العرض بلحاظ وجوده النعتي ومدلول اسم المصدر هو العرض بلحاظ
____________
(1) محاضرات في اصول الفقه 1 |277 - 278 ، وص 283 - 284 .

( 297 )
وجوده المحمولي ؟ مع أن لازم ذلك عدم صحة حمل الوجود والعدم على اسم المصدر، فإذا قلنا - مثلاً - ضرب موجود فمؤداه التكرار لرجوعه لقولنا الوجود المحمولي للضرب موجود، او التجوز في الكلمة بإلغاء دلالتها على الوجود المحمولي ، وكلاهما مرفوض في الوجدان العرفي . وإذا قلنا ضرب معدوم فمؤداه تناقض طرفي الجملة لرجوعه لقولنا الوجود المحمولي للضرب معدوم ، أو التجوز في الكلمة بإلغاء دلالتها على الوجود المحمولي ، فالصحيح عدم تمامية الايراد المذكور .
ج - إن تقابل الوجود النعتي مع الوجود المحمولي غير تام ، بل الصحيح في الفلسفة هو التقابل أولاً بين الوجود الرابط وهو مفاد كان الناقصة والوجود المحمولي وهو مفاد كان التامة ، والوجود المحمولي ينقسم لوجود نفسي وهو وجود الجواهر ووجود غيري نعتي وهو وجود الأعراض ، فجعل الوجود النعتي مقابل الوجود المحمولي من باب جعل قسم الشيء قسيماً له .
الايراد الخامس : ما في المحاضرات (1) أيضاً ، وتقريبه : ان المصحح المطروح في كلمات المحقق النائيني (قده) لحمل المشتق على الذات وهو ملاحظة المبدأ العرضي بما هو طور من أطوار الجوهر وشأن من شؤونه خاص ببعض المشتقات دون البعض الآخر لعدم تصوره في بعض المبادئ ، ومنها ثلاثة موارد :
أ - اسم الزمان والمكان كلفظ مقتل مثلاً، فإن مقتضى القول ببساطة المشتق هو القول ببساطة اسم الزمان أيضاً وكون مفهومه هو مفهوم المبدأ نفسه وهو القتل في المثال ، ولا فرق بينهما الا بالاعتبار، بمعنى أن القتل إذا لوحظ بما هو حدث خاص فهو المبدأ المعتبر بنحو البشرط لا فلا يصح حمله على الهوية الزمانية والمكانية وإن لوحظ بما هو طور من أطوار موضوعه فهو المشتق المعتبر
____________
(1) محاضرات في اصول الفقه 1 | 230 ـ 240.

( 298 )
بنحو اللابشرط ، ولكن هذا اللحاظ غير ممكن في اسم الزمان والمكان لعدم معقولية كون الحدث طوراً من أطوار زمانه أو مكانه بل علاقته بهما علاقة الظرفية والحلول لا علاقة الناعتية والصفتية، فلا مصحح حينئذ - بناءاً على القول بالبساطة - لحمل اسم الزمان والمكان على الزمان أو المكان ، لأن المصحح هو لحاظ اللابشرط الذي يعني رؤية المبدأ العرضي بما هو طور وشأن لموضوعه وهذه الرؤية غير متصورة في اسم الزمان والمكان .
ب - أسماء الالة كمفتاح مثلاً، فإنه لا يتصور فيه كونه طوراً وشأناً من شؤون الآلة الخاصة بالفتح بل علاقته بها علاقة الاستعانة لا علاقة الناعتية والصفتيه ، ولازم ذلك عدم صحة حمله على الذات المخصوصة بناءاً على القول بالبساطة، لعدم وجود مصحح للحمل حينئذ، مع أن صحة الحمل عرفاً لا ريب فيها .
ج - بعض أسماء الفاعلين ،حيث إن اسم الفاعل على قسمين :
1 - ما كان قيام المبدأ به قياماً حلولياً كالقاعد والقائم ولا شاهد في هذا القسم .
2 - ما كان قيام المبدأ به قياماً صدورياً كالضارب والمؤلم ومحل الاشكال هو هذا القسم ، باعتبار أن الحدث الصادر من فاعله لا يتصور فيه كونه طوراً وشأنا من شوونه ، لأن علاقته به علاقة المعلول بالعلة لا علاقة النعت بالمنعوت فليس المعلول طوراً من أطوار علته ونعتاً من نعوتها بخلاف علاقته بالمفعول به الواقع عليه الحدث وهو المضروب مثلاً، فان الضرب قد يعد طوراً مات أطواره على نحو المضروبية باعتبار نسبته إليه نسبة العرض لموضوعه ، إذن فلامصحح لحمل المشتق في بعض أسماء الفاعلين .
والحاصل : إن المصحح المذكور في كلمات المحقق النائيني (قده) لحمل المشتق على الذات وهو لحاظه بنحو اللابشرط ورؤيته بصورة النعتية والصفتية
( 299 )
لا اطراد له في سائر المشتقات (1) والجواب عن هذا الايراد بوجهين :
الوجه الأول : إن المشتقات على قسمين .
1 - ما كان اختلاف معناه لاختلاف هيئته كاختلاف معنى الضارب عن معنى المضروب .
2 - ما كان اختلاف معناه لاختلاف المبدأ الخفي الملاحظ فيه كاختلاف مفهوم العالم ومفهوم السارق ، فإن لفظ العالم - مثلاً - لا يصح اطلاقه على الذات بعد زوال تلبسها بالعلم الا مجازاً بينما لفظ السارق يصح إطلاقه بلا عناية على الذات بعد زوال مبدأ السرقة عنها، فعدم صحة الاطلاق الحقيقي في الأول وصحته في الثاني مع اشتراكهما في الهيئة دليل على اختلاف المبدأ الخفي في كل منهما، فإن المبدأ الماخوذ في لفظ العالم مأخوذ على نحو الفعلية لذلك لا يصح إطلاقه حقيقة بعد زوال التلبس بالمبدأ والمبدأ المأخوذ في لفظ السارق مأخوذ على نحو المضي والحدوث لا الفعلية ولذلك صح اطلاقه بلا تجوز بعد زوال التلبس بالمبدأ الفعلي .
وبعد وضوح هذا المطلب نقول : بأن الموارد الثلالة التي طرحها السيد الأستاذ (قده) واجدة لمصحح الحمل وهو لحاظ النعتية والصفتية ومتوفرة عليه ، إما من قبل هيئاتها وإما من قبل المبدأ الخفي فيها، وبيان ذلك بعرض الموارد الثلاثة :
الأول : إن اسم الزمان والمكان له لحاظان :
1 - النسبة الفعلية، بمعنى أن يكون مفهوم مقتل - مثلاً - هو مفهوم القتل نفسه ولا فرق بينهما الا بالاعتبار، وبلحاظ هذه النسبة يرد الاشكال
____________
(1) فوائد الاصول 1 : 150 .

( 300 )
المذكور في المحاضرات من عدم معقولية مصحح الحمل حينئذ ، فإن مبدأ القتل ليس شاناً ولا طوراً من أطوار زمانه أو مكانه ، مع أن صحة الحمل لا ريب فيها عند العرف .
2 - النسبة الوعائية والاحتوائية، بمعنى أن يكون المراد بلفظ مقتل - مثلاً - هو الاحتواء والوعائية لحدث القتل ، وبهذا اللحاظ يصح حمل اسم الزمان والمكان على الهوية الزمانية والمكانية فيقال اليوم مقتل الحسين عليه السلام وكربلاء مقتل الحسين عليه السلام ، لوجود المصحح لهذا الحمل وهو اعتبار الناعتية والصفتية، فإن النسبة الوعائية طور من أطوار الزمان والمكان وشأن من شؤونهما ، فالاشكال الذي طرحه السيد الأستاذ (قده) وهوعدم وجود المصحح لحمل أسماء الزمان والمكان لعدم تصور الناعتية فيها لنفس الزمان والمكان مبني على أخذ مفهوم اسم الزمان والمكان بنحو النسبة الحدثية الفعلية ، بينما لو أخذ مفهومه بنحو النسبة الوعائية لكان الحمل متوفراً على مصححه وهو لحاظ الناعتية والصفتية .
نعم استفادة النسبة الوعائية إما من ناحية الهيئة وهي هيئة مفعل ، كما اختاره السيد الأستاذ (قده) نفسه في بحث النزاع في اسم الزمان ، باعتبار اختصاص هذه الهيئة باسم الزمان والمكان ، وإما من ناحية المبدأ الخفي لعدم اختصاص هيئة مفعل باسم الزمان والمكان بل هي شاملة حتى للمصدر الميمي مثلاً، كما في قولك قتل زيد مقتلاً عظيماً.
وحينئذ لو كانت النسبة الوعائية مستفادة من ناحية الهيئة لتحقق هذا المدلول حتى في المصدر الميمي وهو مفقود بالوجدان ، فلا بد أن يكون هذا المدلول مستفاداً من المبدأ الخفي لاسم الزمان والمكان ، بمعنى أن المبدأ الجلي للفظ مقتل - مثلاً - هو النسبة الحدثية الفعلية التي يرد الاشكال المطروح في المحاضرات بالنظر إليها والمبدأ الخفي له هو النسبة الوعائية التي يصح الحمل
( 301 )
بالنظر إليها هذا كله بالنسبة للمورد الأول .
المورد الثاني : أسماء الآلة كلفظ مفتاح مثلاً له لحاظان أيضاً :
1 - النسبة الفعلية، وعند لحاظ هذه النسبة لا يصح حمل اسم الالة على الآلة الحديدية نفسها لعدم وجود مصحح الحمل ، وذلك لعدم تصور كون مبدأ الفتح طوراً من أطوار الآلة الخارجية ونعتاً من نعوتها .
2 - النسبة الاعدادية، وبهذا اللحاظ يصح حمل اسم الالة على الالة الخارجية لتصور الاتحاد بينهما، باعتبار كون الاعداد نعتاً من نعوت الآلة الحديدية وطوراً من أطوارها فمصحح الحمل موجود ومتحقق .
واستفادة النسبة الإعدادية إما من ناحية الهيئة إذا قلنا باختصاصها باسم الالة، وإما من ناحية المبدأ الخفي لاسم الالة على فرض شمول الهيئة وهي هيئة مفعال - مثلاً - حتى لغير اسم الآلة كصيغ المبالغة في قولنا زيد مقدام مثلاً، وحينئذ يصح لنا أن نقول : بأن المبدأ الجلي للفظ مفتاح هو الفتح الفعلي والمبدأ الخفي له هو النسبة الاعدادية التي يصح الحمل بلحاظها .
المورد الثالث : اسم الفاعل الذي يكون قيام الفعل به قياماً صدورياً لا حلولياً كالضارب مثلاً، فإن المبدأ الجلي له وهو الضرب الفعلي ليس مصححاً للحمل باعتبار عدم كونه طوراً من أطوار الذاى ونعتاً من نعوتها ولكن المبدأ الخفي له وهو الحيثية المصدرية مصحح للحمل لكونه نعتاً للذات وطوراً من أطواراها .
فما ذكره السيد الأستاذ (قده) من الاشكال في الموارد الثلاثة مبني على ملاحظة النسبة الفعلية دون لحاظ النسبة الشأنية من المفهوم الوعائي في اسم الزمان ، والمفهوم الاعدادي في اسم الآلة ، والمفهوم المصدري في اسم الفاعل.
الوجه الثاني : قد ذكرنا سابقاً أن الحمل الشائع على قسمين :
1 - حمل حقيقي ، وهو المتقوم بالاتحاد الوجودي الحقيقي بين الموضوع
( 302 )
والمحمول نحو الضوء مضيء والبياض أبيض .
2 - حمل مجازي ، وهو المتقوم بالاتحاد الوجودي العرفي ، بمعنى أن العرف يرى صحة حمل أحد الطرفين على الاخر وكونه حملاً حقيقياً مع أنه بنظر العقل حمل مجازي لوجود الواسطة الخفية في العروض نحو الجسم أبيض ، فإن هذا الحمل بنظر العرف حمل حقيقي لوحدة الطرفين وجوداً بحسب نظره مع أنه حمل مجازي بنظر العقل ، لأن حمل الأبيضية على الجسم مستند لواسطة خفية بينهما وهي واسطة التركيب الاتحادي بينهما والا فالأبيض في الحقيقة هو البياض لا الجسم .
وبعد وضوح هذا المطلب نقول : بأن الموارد الثلاثة المطروحة في المحاظرات داخلة تحت القسم الثاني من الحمل الشائع ، وذلك لأن عدم الاتحاد الوجودي الحقيقي بين المبدأ كالقتل - مثلاً - وزمانه ومكانه بحيث لا يعد المبدأ من أطواره ونعوته لا يستلزم عدم صحة الحمل الشائع مطلقاً بل يصح القسم الثاني من الحمل الشائع فيه ، فيقال اليوم مقتل الحسين عليه السلام وكربلاء مقتل الحسين عليه السلام باعتبار الاتحاد الوجودي العرفي بينهما بحيث يرى المبدأ طوراً ونعتاً لزمانه ومكانه .
ونفس التحليل نطرحه في أسماء الآلة وأسماء الفاعلين المتلبسين بالنسبة الصدورية لا الحلولية، ففي هذه الموارد كلها يكون القول ببساطة المشتق مستلزماً لعدم صحة الحمل الشائع الحقيقي لعدم تصور الاتحاد الوجودي بينها وبين موضوعاتها فلا ترى نعوتاً ولا أطواراً لهذه الموضوعات ، لكن ذلك لا ينافي صحة الحمل الشائع المجازي لتصور الاتحاد العرفي فيها بحيث ترى بنظره نعوتاً وأطوارا لمبادئها ، ولكن هذا الوجه لا يخلو عن المناقشة .
الايراد السادس : إن تصور كون العرض شأناً من شؤون معروضه وطوراً من أطواره بحيث يصح حمله عليه إنما يحتمل فيما إذا كان المعروض من الجواهر لا من الأعراض ، إذ لا يتصور كون العرض طوراً من أطوار عرض
( 303 )
آخر، وحينئذ لا ينطبق المصحح المذكور للحمل على اسم الزمان ، باعتبار أن الزمان لو قلنا بأنه بعد واقعي لا بعد موهوم ولا بعد انتزاعي فهو بالنتيجة عرض لأنه من الكميات التدريجية المتصلة لا من الجواهر فكيف تكون الأعراض شأناً من شؤونه مع كونه عرضا مثلها؟!
والجواب : إن تصور النعتية والصفتية لا يتوقف على كون المنعوت والموصوف جوهراً كما هو واضح ، بل يصح ذلك حتى مع كون المنعوت عرضاً من الأعراض ، ولذلك يوصف الخط بالاستقامة والانحناء مع كونهما من الأعراض ويوصف السطح بالتعرج والاستواء مع كونهما من الأعراض أيضاً، مما يدل على صحة اتصاف العرض بعرض آخر وهو الذي عبر عنه المحقق النائيني بمتمم المقولة .
الايراد السابع : وهو إشكال لغوي من ناحيتين :
أ - من المعلوم في اللغة عدم ورود الجمع والتثنية على المصادر الا ما شذ كالأشغال والحلوم كما ذكر في تاج العروس وفي لسان العرب وفي شرح الكافية للسرخسي (1)، فلو كانت المشتقات عين المصادر في المعنى ولا فرق بينهما الا بالاعتبار لم يصح ورود التثنية والجمع عليها مع صحة أن يقال ضاربون وضاربان بلا ريب .
ب - إن الملاحظ في اللغة دوران التثنية والجمع مدار تعدد الذات لا تعدد الحدث ، فلو تعدد الحدث مع وحدة الذات لم يصح الجمع ولا التثنية فلا يصح أن يقال ضاربان لذات واحدة صدر منها فردان من الضرب ، ولو تعددت الذات مع وحدة الحدث صح الجمع والثثنية فيقال قتلة الحسين عليه السلام لذوات متعددة اشتركت في حدث واحد .
____________
(1) تاج العروس 2 : 536 ، لسان العرب12 : 146 ، شرح الكافية 2 : 179 .

( 304 )
والنتيجة أنه لو كان المراد بالمشتقات هو المراد بالمصادر لورد عليها التثنية عند تعدد الحدث وإن اتحدت الذات فيقال ضاربان لشخص واحد مع أنه غير صحيح بلا ريب ، بينما تصح هذه التثنية مع تعدد الذات وإن اتحد الحدث مما يدل على التركيب ودخالة الذات في مفهوم المشتق .
والجواب عن ذلك : إن المدعى على القول بالبساطة هو وجود الفارق الاعتباري بين المشتق والمبدأ وكون هذا الفارق الاعتباري ناشئاً عن حيثيات واقعية ، فالعرض عند لحاظه بحده الخاص لا يصح حمله وعند لحاظه بما هو طور لموضوعه يصح حمله عليه ، وبهذا اللحاظ يصح تثنيته وجمعه - أيضاً - لأنه حاك عن الذات ووجهها المعبر عنها فيكتسب خاصية الذات ، وهي ورود التثنية والجمع عليه حين تعدد الذات وإن كان الحدث واحداً .
تركيب المشتق : ذهب معظم الأصوليين المتاخرين لتركيب المشتق ، فمفهومه عندهم ذات ثبت لها المبدأ، أي أن معنى عالم - مثلاً - ذات ثبت لها العلم . وهذا مبنى صار مورد الاعتراض والايراد من قبل القائلين بالبساطة، ونحن نستعرض الايرادات الواردة عليه بالتفصيل .
الايراد الأول : إن المشتقات على ثلاثة انواع :
1 - ما يعقل فيه التركيب لتغاير المبدأ والذات فيه مفهوماً وواقعاً نحو زيد عالم ، فإن التغاير بين زيد والعلم مفهوماً ووجوداً واضح ، لذلك كان التركيب فيه أمراً معقولاً .
2 - ما يتحد المبدأ والذات فيه واقعاً ويختلفان مفهوما كصفات الباري عز اسمه في قولنا -مثلاً - الله عالم ، ولفظ العالم هنا مما لا يعقل التركيب فيه لاتحاد الذات المقدسة مع صفاتها ، خلافاً لمن قال بالزيادة وتعدد القدماء .
3 - ما يتحد المبدأ والذات فيه مفهوماً ووجوداً كما في الحمل الشائع
( 305 )
الحقيقي ، ومثاله الوجود موجود والضوء مضيء ، فهنا لا يعقل التركيب لعدم تصور التركيب بين الشيء ونفسه .
والحاصل أن القول بتركيب المشتق إنما يعقل في بعض أنواع المشتق لا في جميع أنواعه ، فالمناسب لاطراد المبنى وشموله لجميع الأنواع هو اختيار القول بالبساطة لا القول بالتركيب .
ولكننا نجيب عن هذا الايراد بعدة وجوه :
1 - إن مراد القائلين بالتركيب في المشتق هو رجوع مفهومه بالتحليل العقلي لنسبة إسنادية ناقصة محصلها الذات الواجدة للمبدأ والذات التي ثبت لها المبدأ، وهذا المفهوم لا يتنافى مع بعض أنواع المشتقات ، لأن المقصود بالواجدية أو الثبوت هو المعنى التشكيكي العام الحاوي لمراتب مختلفة أعلاها واجدية الشيء لنفسه وثبوته لنفسه وأدناها واجدية الشيء لغيره وثبوت غيره له ، وهذا المعنى العام صادق على جميع أنواع المشتق كما هو واضح .
2 - إن الايراد على مسلك التركيب بعدم معقوليته في النوع الثالث من أنواع المشتق وارد على مسلك البساطة أيضاً، وبيان ذلك :
إن قولنا الوجود موجود والبياض أبيض حمل صحيح بناءاً على مسلك التركيب وغير صحيح بناءاً على مسلك البساطة، وذلك لوجود الفرق الواضح بين قولنا الوجود وجود وقولنا الوجود موجود، فإن الحمل الأول حمل أولي للاتحاد الوجودي والمفهومي بين الموضوع والمحمول والتغاير الاعتباري بينهما بينما الحمل الثاني حمل شائع ، والحمل الشائع متقوم بالتغاير المفهومي والاتحاد الوجودي بين الطرفين ، ولا يتصور هنا التغاير المفهومي إلا بإرادة المفهوم من الموضوع والواقعية من المحمول بحيث يكون حاصل معنى الجملة : (أن مفهوم الوجود واقع ومتحقق ) ، بناءاً على القول باصالة الوجود في مقابل القول بأصالة الماهية .
إذن هذا الحمل حمل صحيح واجد لشرائطه بناءاً على القول بالتركيب ،
( 306 )
لكنه بناءاً على القول بالبساطة حمل غير صحيح لعدم واجديته لشرائطه ، حيث إن الحمل الشائع متقوم - كما ذكرنا - بالتغاير المفهومي والاتحاد الوجودي بين طرفيه ، والاتحاد الوجودي وإن كان حاصلاً في قولنا الوجود موجود والبياض أبيض إلا أن التغاير المفهومي غير متحقق ، لأن المراد بالمشتق هو عين المراد بالموضوع المحمول عليه فكيف يتم التغاير المفهومي بينهما ؟ ! فالحمل حينئذ فاقد لعناصره ومقوماته فلا يكون حملاً صحيحاً .
فإن قلت : إن المصحح للحمل الشائع في نظر المحقق النائيني (قده) هو لحاظ المحمول بنحو اللابشرطية عن الحمل ، أي ملاحظته بما هو نعت من نعوت الموضوع وطور من أطواره ، وهذا المصحح معقول في قولنا الوجود موجود والبياض أبيض .
قلت : إن مؤدى الجملة على القول بالبساطة هو اتحاد الطرفين مفهوماً وواقعاً، ومع وحدتهما فلا وجه لكون المحمول نعتاً للموضوع وطوراً من أطواره ، إذ لا يتصور كون الشيء نعتاً لنفسه وطوراً من أطوار نفسه ، فالمصحح المطروح في كلمات المحقق النائيني (قده) للحمل الشائع غير معقول في النوع الثالث من أنواع المشتق .
والحاصل : أن الحمل في قولنا الوجود موجود حمل شائع صحيح بناءاً على القول بالتركيب ، لتغاير الطرفين مفهوماً بإرادة المفهوم من الموضوع والواقعية من المحمول ، ولكنه غير صحيح بناءاً على القول بالبساطة، لاتحاد الطرفين مفهوماً ووجوداً .
كما أن قولنا البياض أبيض متضمن لحمل صحيح بناءاً على القول بالتركيب ، لأن المراد بالموضوع هو طبيعي البياض والمراد بالمحمول الأبيضية الذاتية ، فمحصل الجملة ومؤداها هو: ( أن بياض كل لشيء بالبياض وبياضية البياض بذاته لا ببياض آخر ) فالحمل فيها حمل صحيح أيضا . بينما على القول
( 307 )
بالبساطة لا نرى مصححاً للحمل المذكور، باعتبار اتحاد الطرفين مفهوماً ووجوداً، فلا يصح حمل أحدهما على الآخر حملاً شائعاً بمجرد اعتبار اللابشرط ، فإنه اعتبار لا يولد التغاير المفهومي المعتبر في الحمل الشائع .
3 - إن هذه الصياغات - نحو الوجود موجود، ونحو البياض ابيض - صياغات فلسفية لا لغوية ولا عرفية ، بيان ذلك : أن الفلاسفة حينما قرروا عدم صحة الحمل الشائع إلا بالاتحاد الوجودي والتغاير المفهومي اصطدموا ببعض صور الحمل الشائع التي لا تتوفر على الشرطين المذكورين نحو الجسم أبيض ، فإن الجسم والبياض أمران متغايران مفهوماً ووجوداً فكيف يتصور الاتحاد الوجودي بينهما ؟ ! لذلك ذهبوا الى أن مثل هذا الحمل مشتمل على الاتحاد الوجودي العرضي الراجع للاتحاد الوجودي الذاتي ، حيث إن ما بالعرض لابد وأن يعود لما بالذات ، فيعود قولنا الجسم أبيض لقولنا البياض أبيض ، فإن بياض الجسم بالبياض وبياضية البياض بذاته لا ببياض آخر.
والحاصل : أن هذه الأمثلة إنما طرحها الفلاسفة لتصوير الاتحاد الوجودي بين الطرفين في مثل قولنا زيد موجود والجسم أبيض ، وليست أمثلة مأخوذة من اللغة والعرف حتى يكون مفهومها ذا مدخلية في تحديد مفهوم المشتق بساطة وتركيباً، فعدم تصور التركيب في مثل هذه الأمثلة الفلسفية لا يعني القول بالبساطة في الأمثلة اللغوية والعرفية .
الايراد الثاني : ما في كلمات المحقق النائيني (قده) من لغوية أخذ الذات في مفهوم المشتق (1) ، وبيانه يتم بأمرين :
أ - إن المنطلق الذي انطلقت منه الحركة اللغوية هو الحاجة للتفهيم والتفهم ، ومقتضاه عدم حشوية اللغة وزيادتها على مقدار حاجة التفهيم
____________
(1) أجود التقريرات 1 : 64 - 78 .

( 308 )
والتفهم ، سواءاً كانت اللغة ظاهرة فردية كما يتصوره معظم علماء الأصول أم كانت ظاهرة اجتماعية كما هو المختار.
ب - إن المتكلم في مقام الاسناد يحتاج لتفهيم ثلاثة مداليل :
1 - الموضوع .
2 - المحمول .
3 - الربط بينهما .
فإذا قال زيد كاتب فهو محتاج لتفهيم شخص زيد ومعنى الكتابة والربط بينهما، والدال على الموضوع لفظه والدال على المحمول لفظ المشتق والدال على الربط ملاحظة المحمول بنحو اللابشرط . وبهذه الدلالات الثلاث تتم بنية الجملة الاسنادية بلا حاجة لتفهيم مدلول آخر، وهو ذات الموضوع في ضمن تفهيم المحمول ، فالقول ببساطة المشتق منسجم مع مقدار الحاجة للتفهيم بينما القول بالتركيب مستلزم لتفهيم موضوع القضية مرتين ، تارة بعنوانه الخاص من خلال لفظ الموضوع وتارة بالعنوان العام المنطبق عليه وهو عنوان الذات الماخوذ في المشتق ، وهذا التكرار في الاشارة للموضوع لغو لا ينسجم مع مقدار الحاجة للتفهيم والتفهم (1) .
ويلاحظ على هذا الايراد ملاحظات ثلاث :
1 - إن لغوية أخذ الذات في مفهوم المشتق ناشئ من تكرار الدلالة على الموضوع في الجملة الاسنادية المعتمدة على الأعلام الشخصية ، وهذا المنشأ غير مطرد لجميع موارد استعمال المشتق ، فإن الأوصاف المشتقة تاره تعتمد على الموصوف على سبيل النعتية نحو جاءني زيد الكاتب ، وعلى سبيل الإخبار نحو زيد كاتب ، وفي هذه الموارد يتصور اشكال اللغوية . وتارة لا تعتمد على
____________
(1) أجود التقريرات 1 : 64 - 78 .

( 309 )
الموصوف نحو الكاتب عندي وعندي كاتب ، وفي هذه الموارد لا يتصور محذور اللغوية لعدم الاشارة للموضوع فيها إلا مرة واحدة ، وحينئذ إما أن يلتزم المحقق النائيني (قده) بالتفصيل ، وهو اخذ الذات في مفهوم المشتق في موارد عدم الاعتماد على الموصوف وعدم أخذها في المشتق في موارد الاعتماد عليه ، وهو خلاف الارتكاز العرفي قطعاً ، لانعقاده على وحدة مفهوم المشتق في سائر موارد استعماله .
وإما أن يلتزم بالبساطة في جميع الموارد، أي عدم أخذ الذات في مفهوم المشتق ، وهذا لا ينسجم مع موارد استعمال المشتق مسنداً إليه نحو عندي كاتب ، لأن العرف لا يرى الاسناد للمبادئ العرضية في هذه الموارد بل يرى الاسناد للمتلبس بها، وإلا لم يكن فرق بين قولنا عندي كاتب وقولنا عندي كتابة، مع أن الفرق بينهما واضح عرفاً .
وإما أن يلتزم بالتركيب ، وهوأخذ الذات في مفهوم المشتق في جميع موارد الاستعمال ، وهو مدعى القائل بالتركيب .
2 - إن محذور اللغوية الناشى عن تكرار الاشارة للذات تارة على نحو الصراحة وأخرى على نحو الاندماج مشترك الورود بين القول بالبساطة والقول بالتركيب ، فإن القائل بالبساطة يرى بان مفهوم المشتق هو نفس مفهوم المبدأ ملاحظاً بنحو اللابشرط ، وملاحظة اللابشرط عن الحمل تستلزم تصور محمول عليه ذهناً ، فيكون تصورمفهوم المشتق مستلزماً لتصور ذات محمول عليها .
ونتيجة ذلك : دلالة لفظ المشتق على الذات بالالتزام ، فاي فرق حينئذ بين القول بالبساطة والقول بالتركيب في ورود محذور اللغوية ، فإن لازم القول بالتركيب تكرار الدلالة على الذات تارة بنحو الصراحة من خلال لفظ الموضوع وتارة بالتضمن من خلال لفظ المشتق ، ولازم القول بالبساطة تكرار الدلالة على الذات أيضاً ، تارة بنحو الصراحة من خلال لفظ الموضوع وتارة بنحو الالتزام
( 310 )
من خلال لفظ المشتق بالبيان المذكور.
3 - إن اللغة ميثاق عرفي وتسالم عقلائي ناشئ عن الحاجة للتفهيم والتفهم . عند المجتمع ، فتحديد دائرة اللغة تبعاً لتحديد مقدار الحاجة لها بيد البناء العرفي نفسه لا بيد العقل ، والارتكاز العقلائي العرفي لا يرى تكرار الاشارة للذات مخلاً بمقدار الحاجة للتفهيم والتفهم ، سواءاً كان هذا التكرار على نحو الصراحة نحو زيد قائم ، لوجود غرض بلاغي أو فني معين ، أم كان على نحو الاندماج كما في المشتق .
والاستعمالات العرفية شاهدة بذلك ، فإذا قيل زيد قائم فهو بناءاً على القول بالتركيب مفاده مفاد زيد ذات لها القيام ، ومن الواضح عدم اللغوية في هذا الاسناد عرفاً، مع تكرار الاشارة للذات فيه ، تارة على نحو الصراحة وأخرى على نحو العموم .
وكذلك إذا قلنا زيد ضرب ، حيث إن الفعل متضمن لفاعل مستتر فيه ، ولازم ذلك تكرار الإشارة للذات مرتين . وهكذا شبه ذلك من الاستعمالات العرفية التي تشتمل على الإشارة للذات مرتين ، مع أنه استعمال مقبول عرفاً .
الإيراد الثالث : ما في كلمات المحقق النائيني (قده) أيضاً، وخلاصته : إن البرهان الاني قائم على بساطة المشتق لا على تركيبه ، بيان ذلك : إن المشتق لو كان مركباً لكان متضمناً لمعنى النسبة الاسنادية، والنسبة معنى حرفي فيكون المشتق متضمناً لمعنى حرفي ، وكل ما هو متضمن لمعنى حرفي فهو مبني لا معرب ، بحسب القاعدة النحوية، فلازم ذلك كون المشتق مبنياً ، ولكنه معرب ، واعرابه دليل بساطته وعدم تركيبه (1) .
ويمكن الملاحظة على هذا الإيراد من عدة وجوه :
____________
(1) أجود التقريرات 1 :65 .