1 ـ ما يصح السجود عليه:
يمكن تقسيم ما يصح السجود عليه بحسب أدلته الثابتة إلى ما يأتي:
أ : السجود على الاَرض سواء كانت تراباً أو رملاً أو حجراً أو مدراً أو
حصىً أو طيناً، بشرط تمكين الجبهة
(1)، ويدل عليه حديث رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: «جعلت لي الاَرض مسجداً وطهوراً » الذي روي بألفاظ متقاربة
في كثير من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها
(2).
____________
(1) لاَن السجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ومع عدم التمكن لا
يصدق الوضع، بل يكون عن مجرد المسّ. مهذب الاَحكام في بيان الحلال
والحرام| السيد عبدالاَعلى السبزواري 5: 457.
(2) اُنظر صحيح البخاري 1: 91 باب التيمم مؤسسة التاريخ العربي ـ بيروت.
وصحيح مسلم 1: 370 ـ 371|3 ـ 5 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، تحقيق
محمد فؤاد عبدالباقي، دار الكتب العلمية ـ بيروت. وسنن أبي داود 1: 132 ـ
133|492 باب في المواضع التي لا يجوز فيها الصلاة. وسنن النسائي 1: 267|
=
( 80 )
وقد دلَّ الحديث بمنطوقه ومفهومه على أنّ السجود لله تعالى يكون
على الاَرض بصورة مطلقة وانه لا يختص السجود منها بموضع دون غيره،
كما دلّ الحديث أيضاً على أنّ الاَصل في الاَرض هو الطهارة إلاّ ما خرج
عن ذلك الاَصل بدليل كوجود عين نجسة على بقعة فيها.
ويؤيد هذا الحديث أحاديث اُخر تشير إلى هذا المعنى صراحة،
كأحاديث وضع الجبهة والاَنف على الاَرض في السجود
(1)وانه لا صلاة
لمن لا يفعل ذلك في سجوده
(2).
هذا زيادة على السُنّة الفعلية للنبي صلى الله عليه وآله المنقولة عن جملة من الصحابة
____________
=
815 باب 42 كتاب المساجد عن جابر بن عبدالله الاَنصاري، دار الكتب
العلمية ـ بيروت. وسنن الترمذي 2: 131|317 باب 236 من أبواب الصلاة،
تحقيق أحمد محمد شاكر، دار عمران ـ بيروت. والسنن الكبرى|البيهقي 2: 435
كتاب الصلاة. والمصنف|ابن أبي شيبة 2: 293|1 ـ 8 باب 240 من قال
الاَرض كلّها مسجد.
(1) الكافي 2: 333|2 باب وضع الجبهة على الاَرض. والاستبصار 1: 337|4
باب السجود على الجبهة. وصحيح البخاري 1: 206 باب السجود على الاَنف
كتاب الصلاة. والسنن الكبرى|البيهقي 2: 103 ـ 104 باب إمكان الجبهة من
الاَرض في السجود كتاب الصلاة. والمستدرك على الصحيحين|الحاكم
النيسابوري 1: 404|997 و 998 كتاب الصلاة، تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا
، دار الكتب العلمية ـ بيروت 1411 هـ ط1. والمصنف|عبدالرزاق 2: 181 ـ
182|2976 ـ 2989 باب السجود على الاَنف.
(2) أُنظر سنن الدارقطني 2: 273 ـ 274|1302 و 1305 باب 42 وجوب وضع
الجبهة والاَنف على الارض كتاب الصلاة، دار الفكر ـ بيروت 1414 هـ. وراجع: المصنف|
عبدالرزاق 2: 181 ـ 182| 2976 ـ 2989 باب السجود على الاَنف.
( 81 )
والمؤكدة بأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سجد وضع جبهته وطرف أنفه على الاَرض،
وهكذا كان يفعل كبار الصحابة والتابعين حتى إن مسروق بن الاَجدع كان
إذا أبحر أخرج معه لبنة يسجد عليها في السفينة في أوقات الصلاة
(1).
وقد دلّت جملة من الاَخبار على صحّة السجود على ما ذكرناه
من أنواع الاَرض كالحصى والرمل حتى اشتكى الصحابة من حرّها فلم
يشكهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن عبدالله بن مسعود قال: شكونا إلى
النبي صلى الله عليه وآله حرّ الرمضاء فلم يشكنا
(2)، مما اضطر الصحابة إلى اتخاذ
____________
(1) الطبقات الكبرى|ابن سعد 6: 141|1977 في ترجمة مسروق بن الاَجدع،
تحقيق محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية ـ بيروت 1410 هـ ط1.
(2) راجع: صحيح مسلم 1: 433|189 و 190 و 191 باب 33 استحباب تقديم
الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر. ومسند أحمد بن حنبل 5: 108 و 110،
و6: 124|20547 و 126|20558. والمصنف|عبدالرزاق 1: 543 ـ 544
| 2055 باب وقت الظهر. وسنن البيهقي 2: 105 ـ 107 باب من بسط ثوباً
فسجد عليه وباب السجود على الكفين ومن كشف عنهما في السجود. وسنن
النسائي 1: 247 في المواقيت باب وقت الظهر. وسنن ابن ماجة 1: 218|675
و 676 باب 3 وقت صلاة الظهر وفي الطبعة القديمة 1: 37. وتنوير الحوالك: 47 ـ
48|27 باب 7 النهي عن الصلاة في الهاجرة. والرصف لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من
الفعل والوصف|العاقولي 1: 225 باب صلاة الظهر، مكتبة التوعية الاِسلامية،
القاهرة 1406 هـ ط2. ولسان الميزان|ابن حجر العسقلاني 2: 63|243
ترجمة بلهط، مؤسسة الاَعلمي للمطبوعات 1390 هـ ط2. وميزان الاعتدال|
الذهبي 1: 352|1319 في ترجمة بلهط، تحقيق علي محمد البجاوي، دار إحياء
الكتب العربية 1382 هـ ط1. وانظر: من لا يحضره الفقيه|الشيخ الصدوق 1:
176|11 و 12 و 13 باب 40. وانظر: جواز السجود على الحصى في الكافي 3:
334|7 وضع الجبهة على الاَرض.
( 82 )
اسلوب آخر ـ للتخلص من صعوبة السجود ومشقته بسبب حرارة الاَرض ـ
هو تبريد الحصى بأكفهم حتى يتسنى لهم السجود عليها. عن جابر بن
عبدالله الاَنصاري أنّه قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فأخذت
قبضة من حصى في كفي أُبرّده ثم أحوله في كفي الاُخرى فإذا سجدت
وضعته لجبهتي
(1).
ثانياً : السجود على ما أنبتته الاَرض أو المصنوع منه بشرط أن لا يكون
مأكولاً أو ملبوساً، وقد ورد في ذلك جملة من الاَخبار تؤكد سجود
النبي صلى الله عليه وآله على الحصير والخمرة المصنوعة من سعف النخل
(2).
ولم يرد جواز السجود على ما يؤكل أو يلبس كما يفعله العامة في
سجودهم، وهو قبيح في نفسه لاَنه أشبه بفعل الوثنيين الذين كانوا
يسجدون على تماثيل من التمر ثم يأكلونها!!
ولهذا ورد النهي صراحة عن السجود على القطن والكتان ؛ لاَنّه مما
____________
(1) السنن الكبرى|النسائي 1: 227|668 باب 6 تبريد الحصى للسجود عليه
كتاب التطبيق. والسنن الكبرى|البيهقي 2: 441|2723 باب من بسط ثوباً
فسجد عليه، كتاب الصلاة.
(2) صحيح البخاري 1: 90 آخر كتاب الحيض و 1: 106 باب إذا أصاب ثوب
المصلي امرأته إذا سجد و 106 ـ 107 باب الصلاة على الحصير و 107 باب
الصلاة على الخمرة. وفتح الباري بشرح صحيح البخاري|ابن حجر العسقلاني
2: 431|374 باب 7 و 3: 12 ـ 21|38 باب 20 مكتبة الغرباء الاَثرية ـ
المدينة المنورة 1417 هـ ط1. وسنن النسائي 2: 208 ـ 209. ومسند أحمد 3:
539|11589 وفي الطبعة القديمة 3: 103. والخمرة: هي حصير صغير قدر ما
يسجد عليه يعمل من سعف النخل ويزمل بالخيوط.
( 83 )
يكون لباساً
(1)، وكذلك النهي عن السجود على الثمار؛ لاَنّه مما يؤكل
(2).
ثالثاً : السجود على الفرش والثياب في حالات الضرورة القصوى، وقد
دلّت عليه جملة من أخبار الفريقين وآثارهم
(3).
علّة السجود على الاَرض ونباتها:
قال هشام بن الحكم: قلت لاَبي عبدالله الصادق عليه السلام: أخبرني عمّا
يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز؟
قال عليه السلام: « السجود لا يجوز إلاّ على الاَرض أو ما أنبتت الاَرض إلاّ ما
أُكل أو لُبس » فقلت له: جُعلت فداك ما العلة في ذلك؟
قال عليه السلام: « لاَنَّ السجود هو الخضوع لله عزَّ وجلَّ فلا ينبغي أن يكون على
ما يؤكل أو يُلبس، لاَنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في
سجوده في عبادة الله تعالى، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على
معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها. والسجود على الاَرض أفضل ؛ لاَنّه
____________
(1) الكافي|الكليني 3: 330|1 باب ما يسجد عليه وما يكره.
(2) من لا يحضره الفقيه|الصدوق 1: 174|3 باب 40.
(3) اُنظر الاستبصار|الشيخ الطوسي 1: 332|8 ـ 12 باب 188، دار الاَضواء ـ
بيروت 1406 هـ ط3. ومن لا يحضره الفقيه 1: 169|48 باب 39 ما يصلى فيه
وما لا يصلى فيه من الثياب. وفتح الباري بشرح صحيح البخاري 1: 414.
والسنن الكبرى|البيهقي 2: 440 ـ 441|2720 و 2721 و 2722 باب من
بسط ثوباً فسجد عليه كتاب الصلاة، دار الفكر ـ بيروت. وفي كتاب الشيخ علي
الاَحمدي (السجود على الاَرض) تفصيل واسع لجميع ما ذكرناه في هذا التمهيد وقد
أرشدنا إلى كثير من مصادره.
( 84 )
أبلغ في التواضع والخضوع لله عزَّ وجلَّ »
(1).
إنّ هذا الكلام الواضح يكشف بجلاء عن أنّ السجود على التراب إنّما
هو لاَجل أنَّ مثل هذا العمل يتناسب مع التواضع أمام الله الواحد أكثر من
أي شكل آخر وهو الاَصل كما جاء في العديد من النصوص الواردة عن
أهل البيت عليهم السلام. روى محمد بن يحيى باسناده عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه
قال: « السجود على الاَرض فريضة، وعلى الخمرة سُنّة »
(2).
2 ـ ما لا يصح السجود عليه:
وأما ما لا يصحّ السجود عليه ـ وقد مرّ بعضه ـ فأنواع كثيرة إذ ورد النهي
عنها مع التصريح بعدم صحة السجود عليها في جملة من الاَخبار، ونذكر
تلك الاَنواع:
كور العمامة، والثوب والكمّ، والقلنسوة
(3)، والقطن والصوف وبقايا
الحيوان كالعظام والجلود ونحوها والطعام والثمار والرياش
(4)والقير
____________
(1) من لا يحضره الفقيه 1: 177|1 باب 41. وعلل الشرائع: 341|1 باب 42.
(2) الكافي 3: 331|8 باب ما يسجد عليه وما يكره.
(3) الكافي|الكليني 3: 334|9 باب وضع الجبهة على الاَرض. ومن لا يحضره
الفقيه|الصدوق 1: 176|10 باب 40 ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه.
وتهذيب الاَحكام|الطوسي 2: 86|319 باب 8 كتاب الصلاة. والطبقات
الكبرى|ابن سعد 1: 151. والسنن الكبرى|البيهقي 2: 105 ـ 106 باب من
بسط ثوباً وسجد عليه، دار المعرفة. والمصنف|عبدالرزاق 1: 401|1568 و
1569 و 1570 باب السجود على العمامة. وكنز العمال 4: 212 وفي طبعة
8: 26.
(4) الكافي 3: 330|2 باب ما يسجد عليه وما يكره.
( 85 )
والنورة
(1) والذهب والفضة
(2)والزجاج
(3)والسبخة والثلج
(4)ونحوها.
من فتاوى علماء الاِمامية حول موضع السجود:
لقد وردت المضامين الحديثية المتقدمة في فتاوى فقهاء الاِمامية منذ
القدم وإلى اليوم، وقد اخترنا أربعة نصوص للدلالة على أن الاَصل في
السجود هو أن يكون على الاَرض.
1 ـ قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق الاَول
«ت329 هـ») في وصيته إلى ولده أبي جعفر «الصدوق الثاني» كما نقلها
عنه بقوله: (قال أبي رحمة الله عليه في رسالته إليَّ: اسجد على الاَرض أو
على ما أنبتت الاَرض ولا تسجد على الحصر المدنية ؛ لاَنّ سيورها من
جلد، ولا تسجد على شعر ولا صوف ولا جلد ولا إبريسم ولا زجاج ولا
حديد ولا صفر ولا شبه ولا رصاص ولا نحاس ولا ريش ولا رماد.
وإن كانت الاَرض حارة تخاف على جبهتك الاحتراق أو كانت ليلة
مظلمة خفت عقرباً أو شوكة تؤذيك فلا بأس أن تسجد على كمك إذا كان
____________
(1) الكافي 3: 331|6 من الباب السابق.
(2) الكافي 3: 332|9 من الباب السابق.
(3) الكافي 3: 332|14 من الباب السابق. وعلل الشرائع|الشيخ الصدوق:
342|5 باب 42.
(4) الاستبصار 1: 335 ـ 336|1 باب 192 السجود على الثلج، وهناك جملة من
الروايات تجوّز السجود على الثلج عند الضرورة القصوى كما لو كانت الاَرض
مغطاة بالثلج، راجع: من لا يحضره الفقيه 1: 169|49 باب 39، نعم يجوز ان
يضع الساجد حائلاً بين الثلج وجبهته كالثوب بحكم تلك الضرورة كما دلّت عليه
أخبار اُخر.
( 86 )
من قطن أو كتان.
وإن كان بجبهتك دمّل فاحفر حفرة فإذا سجدت جعلت الدمّل فيها.
وإن كانت بجبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على
قرنك الاَيمن من جبهتك فان لم تقدر عليه فاسجد على قرنك الاَيسر من
جبهتك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك، فإن لم تقدر عليه
فاسجد على ذقنك لقول الله عزَّ وجلَّ: (
إنّ الذين أُوتوا العلم من قبله إذا يتلى
عليهم يخرون للاَذقان سجداً... ويزيدهم خشوعاً )
(1)، ولا بأس بالقيام
ووضع الكفين والركبتين والابهامين على غير الاَرض وترغم بانفك،
ويجزيك في وضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم
ويكون سجودك كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه تكون شبه المعلق لا
يكون شيء من جسدك على شيء منه)
(2).
2 ـ أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين عبدالله الحلبي (ت 447 هـ):
قال: (لا يجوز السجود بشيء من الاَعضاء السبع إلاّ على محل طاهر،
ويختص صحّة السجود بالجبهة على الاَرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا
يُلبس، فإن سجد ببعض الاَعضاء على محل نجس وبالجبهة على ما
ذكرناه كالصوف والشعر والحنطة والثمار لم تجزه الصلاة)
(3).
____________
(1) سورة الاِسراء: 17|107 ـ 109.
(2) من لا يحضره الفقيه|الصدوق 1: 174 ـ 175|827 باب 40. ويتخوى
الرجل: يجافي بطنه الاَرض في سجوده بان يجنح بمرفقيه ويرفعهما عن الاَرض ولا
يفترشهما افتراش الاَسد.
(3) الكافي في الفقه|الحلبي، سلسلة الينابيع الفقهية 3: 272 كتاب الصلاة.
( 87 )
3 ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
(ت460 هـ) قال: (لا يجوز السجود إلاّ على الاَرض أو ما انبتته الاَرض مما
لا يؤكل ولا يُلبس ويحتاج أن يجمع شرطين:
أن يكون ملكاً أو ما في حكم الملك، ويكون خالياً من نجاسة، فأما الوقوف
على ما فيه نجاسة يابسة لا تتعدى إليه فلا بأس به، والتنزه عنه أفضل)
(1).
4 ـ السيد كاظم اليزدي قدس سره في العروة الوثقى قال: (يشترط مضافاً إلى
طهارته ـ مسجد الجبهة من مكان المصلي ـ أن يكون من الاَرض أو ما انبتته
غير المأكول والملبوس، نعم يجوز على القرطاس أيضاً، فلا يصح على ما
خرج عن اسم الاَرض كالمعادن مثل الذهب والفضة والعقيق والفيروزج
والقير والزفت ونحوهما، وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم
ونحوهما، ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان ونحوهما،
ويجوز السجود على جميع الاَحجار إذا لم تكن من المعادن)
(2).
تغاير مواضع السجود:
يجدر التنبيه على مسألة مهمة في السجود، وهي هل يشترط في
السجود أن تكون مواضع السجود السبعة المعروفة كلّها على شيء واحد
يصح السجود عليه أو لا يشترط ذلك؟ وبمعنى آخر ما هو حكم السجود
____________
(1) الجمل والعقود|الشيخ الطوسي، سلسلة الينابيع الفقهية 3: 352، فصل في
ذكر ما يسجد عليه كتاب الصلاة.
(2) العروة الوثقى|السيد كاظم اليزدي 1: 425 ـ 426 فصل في مسجد الجبهة من
مكان المصلي، كتاب الصلاة، تحقيق ونشر مدينة العلم آية الله العظمى السيد
الخوئي 1414 هـ ط1.
( 88 )
الذي يكون على شيء وبدن الساجد على شيء آخر؟
والجواب باختصار: نعم، فقد وردت روايات متعددة عن أهل
البيت عليهم السلام تؤكد على عدم اشتراط اتحاد مواضع السجود على شيء واحد،
منها ما رواه حمران عن أحدهما ـ الباقر أو الصادق عليهما السلام ـ قال: « لا بأس
بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الاَرض، فإن
كان من نبات الاَرض فلا بأس بالقيام والسجود عليه »
(1).
ووردت جملة من الفتاوى المدعومة بالاَثر من طريق العامّة صريحة
بصحة هذا السجود كما لو وضع الساجد مثلاً جبهته على التراب وكان
جسمه على الفراش أو الثوب أو الحصير ونحو هذا
(2)، فالشرط إذن أن
يكون موضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ولا يضر فيما لو كان
البدن خارجاً ولكن في مكان طاهر
(3).
ومن هنا يتضح التوافق على جواز التغاير في مواضع السجود،
ويختص مذهب أهل البيت عليهم السلام باشتراط وضع الجبهة على الاَرض، أو ما
أنبتت.
ولا خلاف أيضاً في صحة السجود على أية بقعةٍ من بقاع الاَرض بعد
إحراز طهارتها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السجود على جبل أو
____________
(1) الاستبصار 1: 335|2 باب 119 السجود على شيء ليس عليه سائر البدن،
كتاب الصلاة.
(2) اُنظر: المدونة الكبرى 1: 75. ومصنف عبدالرزاق 1: 392|1529 باب
الصلاة على الصفا والتراب. وفتح الباري 1: 413.
(3) تحفة الاحوذي في شرح جامع الترمذي 1: 273.
( 89 )
سهل، أو في أرض قاحلة أو في رياض غنّاء، وإنّما جاء تشريف بعض
البقع على بعض من طريق الاَثر الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام الذين
عصمهم الله في محكم كتابه من كل دنس ورجس.
التربة الحسينية:
لقد كانت التربة الحسينية من تلك البقع المشرفة التي خصها الله بنوع
من الكرامة في جملة من الاَحاديث الواردة في هذا الشأن عن
النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، هذا فضلاً عن أنّ قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي
التفاضل بين الامكنة والبقاع، إذ بالاضافات والنسب تكون للاَراضي
والاَماكن والبقاع خاصة ومزية بها، تجري عليها مقررات كثيرة وتنزع منها
أحكام لايجوز التعدي والصفح عنها
(1).
وأيّ مسلم لا يفرق بين الموضع الذي دفن فيه أشقى الاَشقياء
والموضع الذي ضمّ جدث سيد الرسل وخاتم الاَنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، بل وأيّ عاقل
في هذه الحياة لا يفرق بين بيت الخلاء وبيت الصلاة؟
إذن فبالاضافة يتميز المضاف ويعرف قدره، ومن هنا ينتزع للاَماكن
المقدسة حكمها الخاص كبيت الله الحرام، والمسجد النبوي، وكذا سائر
المساجد والمعابد والاَماكن المقدسة التي يذكر فيها اسم الله عزَّ وجلّ.
وعلى هذا، نستطيع بقاعدة الاعتبار أن نفسر حنين الاِنسان إلى مكان
ونفرته واشمئزازه من مكان آخر، وبهذه القاعدة أيضاً نعرف لماذا جاء
____________
(1) راجع: السجود على التربة الحسينية عند الشيعة الاِمامية|الشيخ عبدالحسين
الاَميني: 55 ـ 56.
( 90 )
جبرئيل عليه السلام بقبضة من تراب كربلاء وأعطاها للنبي صلى الله عليه وآله فشمها وقبلها
وفاضت عيناه بالدموع
(1).
ولماذا احتفظت أُمّ سلمة بقطعة من تراب كربلاء وصيرتها في
قارورة
(2)؟
____________
(1) المستدرك على الصحيحين|الحاكم النيسابوري 3: 194|4818 وفي طبعة
3: 176 ـ 177 فضائل أبي عبدالله الحسين بن علي الشهيد عليه السلام. وقال الحاكم:
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه و 4: 439 ـ 440|8201
كتاب تعبير الرؤيا. وسير أعلام النبلاء|الذهبي 3: 288 ـ 289|48 ترجمة
الحسين الشهيد عليه السلام مؤسسة الرسالة ـ بيروت 1401 هـ ط1. ومجمع الزوائد ومنبع
الفوائد|نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي 9: 179 ـ 186. باب فيما اشترك فيه
الحسن والحسين من الفضل، دار الكتاب العربي ـ بيروت 1967 م ط2. ومقتل
الحسين|الخوارزمي 1: 231 ـ 234|1 ـ 6 في اخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن
الحسين وأحواله، تحقيق الشيخ محمد السماوي، دار أنوار الهدى 1418 هـ ط1.
والفصول المهمة: 145. والصواعق المحرقة|ابن حجر الهيتمي المكي: 292|
28 و 29 الفصل الثالث في الاحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة
وولديها، دار الكتب العلمية ـ بيروت 1414 هـ ط3. وكنز العمال|المتقي الهندي
6: 223. والخصائص الكبرى|السيوطي 2: 125. ومثير الاَحزان في أحوال
الاَئمة الاثنى عشر عليهم السلام أُمناء الرحمن|الشيخ شريف الجواهري: 12 منشورات
الرضي ـ قم ط2. واللهوف في قتلى الطفوف|ابن طاووس: 6 ـ 7 منشورات
الرضي ـ قم (أوفسيت على طبعة منشورات المطبعة الحيدرية في النجف 1369 هـ)
.
(2) مسند أحمد 4: 242. ومقتل الحسين|الخوارزمي 1: 231|1 و 234|6.
وكنز العمال|المتقي الهندي 6: 225 ـ 226. ومجمع الزوائد|الهيثمي 9: 187 ـ
190 باب مناقب الحسين بن علي عليه السلام. وذخائر العقبى: 146 ـ 147.
=
( 91 )
ولماذا كانت الزهراء عليها السلام تأخذ من تراب قبر أبيها الطاهر وتشمّه؟
ولماذا عملت سبحتها من تراب قبر أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
(1)؟
ولماذا بكى أمير المؤمنين عليه السلام حين مرّ بكربلاء وأخذ قبضةً من ترابها
فشمّه وبكى حتى بلَّ الاَرض بدموعه وهو يقول: « يحشر من هذا الظهر
سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب »
(2).
____________
=
والخصائص الكبرى|السيوطي 2: 125. وتاريخ دمشق|ابن عساكر 14: 190 ـ 191|
3522 و 3523 و 2524 و 2525. وتهذيب تاريخ دمشق|ابن منظور 7: 134
| 126 ترجمة الاِمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، دار الفكر ـ بيروت.
والصواعق المحرقة|ابن حجر: 292 ـ 293|30. والاَمالي|الشيخ الصدوق:
202|1 و 203|3 مجلس 29، تحقيق قسم الدراسات مؤسسة البعثة ـ قم
1417 هـ. ومثير الاحزان|الجواهري: 12 ـ 13. وينابيع المودة لذوي القربى|
القندوزي الحنفي 3: 13|16 الباب 60، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني،
دار الاُسوة ـ قم 1416 هـ ط1.
(1) وسائل الشيعة|الحر العاملي 6: 455|8427 باب 16 من أبواب ما يسجد
عليه. ومستدرك وسائل الشيعة|النوري 4: 12|4056 باب 9 من أبواب ما
يسجد عليه. وقولها عليها السلام مشهور في ذلك وهو:
ماذا على من شمَّ تربة أحمد * أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا
صبت عليَّ مصائب لو أنّها * صبت على الاَيام صرن لياليا
والفصول المهمة: 32.
(2) تهذيب الاَحكام 6: 72 ـ 73|138 باب 22. وكامل الزيارات|ابن قولويه:
452 ـ 454|686 باب 88. وتاريخ دمشق|ابن عساكر 14: 198 ـ 199 في
ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام. والصواعق المحرقة|ابن حجر: 293
الفصل الثالث. وقعة صفين: 141. المصنف|ابن أبي شيبة 15: 98|191214.
=
( 92 )
ترى، أبعد هذا يستكثر على من يعبد الله ولا يشرك بعبادته أحداً، أن
يسجد لله على تربة قتيل الله وابن قتيله، وحبيب الله وابن حبيبه،
والداعي إليه والدال عليه والناهض به والباذل دون سبيله أهله ونفسه
ونفيسه والواضع دم مهجته في كفه تجاه أعلاء كلمته ونشر توحيده
وتوطيد طريقه وسبيله؟ ( فما لكم كيف تحكمون )؟
ومن هنا قال الاستاذ الكبير عباس محمود العقّاد عن أرض الحسين كربلاء
المقدسة: (فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى، ويزوره غير
المسلمين للنظرة والمشاهدة، ولكنها لو أعطيت حقها من التنويه
والتخليد لحقَّ لها أن تصبح مزاراً لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من
القداسة وحظاً من الفضيلة، لاَننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الاَرض يقترن
اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الاِنسان من تلك
التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين عليه السلام فيها)
(1).
وبغضّ النظر عمّا في تلك التربة من شرف معنوي باعتبارها مذكِّراً
ومنبهاً على آيات الصمود الحقّ بوجه الطاغوت، وما فعله آل الله من إيثار
الحقّ على مهجهم وما جناه آل الشيطان على أنفسهم، فإنّها لم تكن في
الواقع سوى قطعة من تراب طاهر، والمناقشة في صحة السجود عليها
كالمناقشة في صحة السجود على أي تراب طاهر، لكونهما من جنس
____________
=
وسير أعلام النبلاء|الذهبي 3: 288|48 ترجمة الحسين الشهيد عليه السلام.
والاَمالي| الصدوق: 694 ـ 697|5 مجلس 78. وينابيع المودة| القندوزي 3:
12|14. وبحار الاَنوار|المجلسي 44: 253 و 255 و 258.
(1) أبو الشهداء: 145.
( 93 )
واحد، إذ لم تكن تربة الحسين عليه السلام معدناً وإن كانت في واقع الحال أعزّ
على قلوب المؤمنين من الذهب الابريز، بل هي من جملة التراب الطاهر
الذي جعله الله تعالى مسجداً وطهوراً.
على أنّ المناقشة في صحة السجود عليها لم نجد لها أثراً قبل بروز
الانحراف في الفكر والعقيدة الذي تزعّمه بعض من تمرّنوا على قبول
الجهل بشكل عجيب، واعتادوا الكذب الصريح بشكل أعجب من الذين
قدّر لهم أن يكونوا دعاة لترويج الباطل وقدر لدعوتهم أن يكون لها أنصار
وأتباع
(1).
وفي الواقع أن معظم صيحاتها المحمومة من قبيل كذبهم على
المسلمين بأن الشيعة تبيح لاَنفسها السجود على الصنم! ـ يعنون بذلك
السجود على التربة الحسينية ـ قد ارتدت بحمد الله تعالى إلى نحورهم
بعد أن عرف المسلمون حقيقة الاَمر وواقعه وأدرك الكثيرون منهم أنّ
الاَفواه التي أطلقت تلك الصيحة هي نفس الاَفواه العفنة التي كفّرت أهل
التوحيد في كل مكان بعد أن ابتدعت لها مذهباً ضالاً مضلاً ينكر على
المسلمين توسّلهم بحبيب الله وصفوته من خلقه، ويبدع عليهم زيارة قبره
المطهّر صلى الله عليه وآله وسلم مع أنّ الثابت بالدليل القاطع هو أنّ حرمة النبي صلى الله عليه وآله ميتاً
كحرمته حياً.
ومن هنا أقام المسلمون بشتى مذاهبهم الدليل تلو الدليل على أن الفم
____________
(1) اُنظر: شبهات حول الشيعة|السيد عباس الموسوي: 61 ـ 62 مؤسسة
الاَعلمي للمطبوعات ـ بيروت 1400 هـ.
( 94 )
الذي يطلق التكفير عليهم كيفما شاء، إنّما هو من القذارة بمكان لا يستحق
معه الجواب أو العتاب، ولولا مخافة أن ينخدع الغرّ السليم بتلك
الاَكاذيب والاراجيف التي ما أنزل الله بها من سلطان لما ضمّ هذا الفصل
زمان أو مكان
(1).
وقد ارتأينا أن يكون الحديث فيه موزعاً على الفقرات الآتية:
أولاً: تاريخ السجود على التربة الحسينية:
تقدم آنفاً ما يشير إلى أن شرف المكان إنّما هو بشرف المكين،
وكدليل على ذلك ـ نقتبسه من عصر صدر الاِسلام ـ وهو ما جرى على آل
البيت عليهم السلام وعموم المسلمين بعد استشهاد أسد الله وأسد رسوله
حمزة عليه السلام عمّ النبي صلى الله عليه وآله، فقد أمر النبي صلى الله عليه وآله نساء المسلمين بالنياحة عليه،
ثم بلغ أمر المسلمين في تكريم حمزة عليه السلام بعد استشهاده وعلى مرأى من
النبي صلى الله عليه وآله وعلمه أن عملوا التسابيح من تربته، وكان أول من عمل ذلك
سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، ثم اقتدى بها المسلمون، حتى
بقيت الحالة هكذا إلى أن استشهد الاِمام الحسين عليه السلام فعُدل بالاَمر إلى
تربته الشريفة، وقد جاء التصريح بهذا عن الاِمام الصادق عليه السلام قال: « إنّ
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتّل، معقود عليه
عدد التكبيرات، وكانت عليها السلام تديرها بيدها تكبّر وتسبح، حتى قتل حمزة بن
عبدالمطلب، فاستعملت تربته، وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلمّا
قتل الحسين عليه السلام عُدل بالاَمر إليه،
____________
(1) اُنظر: الاَرض والتربة الحسينية|الشيخ كاشف الغطاء: 29.
( 95 )
فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية »
(1).
وأما عن أهل البيت عليهم السلام فقد ثبت سجودهم لله على تربة السبط الزكي
الطاهر، فإنّ أول من بادر إلى استخدام التربة الحسينية والسجود عليها هو
ابنه الاِمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام
(2)، فبعد استشهاد الاِمام
الحسين عليه السلام كانت الاِمامة لابنه علي عليه السلام فهو الذي قام بدفن أباه الشهيد
بكربلاء، فبعد أن دفن أبيه وأهل بيته وأنصاره، أخذ قبضة من التربة التي
وضع عليها الجسد الشريف، فشدّ تلك التربة في صرّة وعمل منها سجادة
ومسبحة.
ولما رجع الاِمام السجاد عليه السلام هو وأهل بيته إلى المدينة، صار يتبرّك
بتلك التربة ويسجد عليها، فأول من صلّى على هذه التربة واستعملها هو
الاِمام زين العابدين عليه السلام
(3)ثم تلاه ولده الاِمام محمد الباقر عليه السلام فبالغ في
حث أصحابه عليها ونشر فضائلها وبركاتها، ثم زاد على ذلك ولده الاِمام
جعفر الصادق عليه السلام فإنّه نوّه بها لشيعته، كما وقد التزم الاِمام عليه السلام ولازم
السجود عليها بنفسه
(4).
فقد كان للاِمام الصادق عليه السلام خريطة من ديباج صفراء فيها من تراب أبي
____________
(1) مستدرك الوسائل 4: 12|4056 باب 9 من أبواب ما يسجد عليه. وانظر:
وسائل الشيعة 6: 55|8427 باب 16 من أبواب ما يسجد عليه.
(2) كتاب الاِمام زين العابدين|عبدالرزاق المقرم: 225. وانظر مناقب آل أبي
طالب 2: 251.
(3) بحار الاَنوار|المجلسي 101: 136|78 عن دعوات الراوندي.
(4) الاَرض والتربة الحسينية|الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: 31 ـ 32.
( 96 )
عبدالله الحسين عليه السلام، وكان اذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد
عليه لله عزَّ وجلّ، كما ان المروي عنه عليه السلام أنه كان لا يسجد إلاّ على تربة
الحسين عليه السلام تذللاً لله واستكانة إليه، ولم تزل الاَئمة من أولاده تحرك
العواطف وتحفّز الهمم وتوفر الدواعي إلى السجود عليها والالتزام بها
وبيان تضاعف الاَجر والثواب في التبرك والمواظبة عليها حتى التزمت
الشيعة إلى اليوم هذا الالتزام مع عظيم الاهتمام، ولم يمضِ على زمن
الاِمام الصادق عليه السلام قرن واحد حتى صارت الشيعة تضعها ألواحاً وتضعها
في جيوبها كما هو المتعارف اليوم
(1).
وفي جوابات الاِمام المهدي (عج) لمحمد بن عبدالله بن جعفر
الحميري، وقد سأله عن السجود على لوح من طين القبر الشريف ـ أي
التربة الحسينية ـ فأجاب عليه السلام: « يجوز ذلك وفيه الفضل »
(2).
ثانياً: الالتزام بالسجود على التربة الحسينية:
التزام الشيعة الاِمامية بالسجود على التربة الحسينية لا يعني اعتقادهم
بعدم صحة السجود إلاّ على التربة الحسينية، إذ لا وجود لهذا القول عند
فقهائهم أجمع، بل لا توجد رواية واحدة في الحديث الشيعي تحصر
السجود بالتربة الحسينية، نعم وردت روايات كثيرة متواترة عن أهل
البيت عليهم السلام في بيان فضل التربة الحسينية وطهارتها واستحباب السجود
عليها مع كونها أسلم من غيرها من جهة النظافة والنزاهة المؤكدة فيها
____________
(1) الاَرض والتربة الحسينية|كاشف الغطاء: 32.
(2) بحار الاَنوار|المجلسي 101: 135|74. ووسائل الشيعة 3: 608.
( 97 )
ونحو ذلك من المسوغات المشروعة والتي يمكن اجمالها بالنقاط الآتية:
1 ـ اطمئنان الساجد على التربة الحسينية بان يسجد لله على قطعة
طاهرة من الاَرض لا تختلف عن غيرها من تراب الاَرض إلاّ من الناحية
المعنوية.
2 ـ التأسي بأهل البيت عليهم السلام من جهة الاقتداء بأفعالهم في السجود على
التربة الحسينية، وبأقوالهم الثابتة في الحث على السجود عليها أيضاً.
3 ـ صلة التربة الحسينية بالمعاني الروحية الرفيعة التي ندب الاِسلام
إليها، فهي تذكّر بالتضحية والصمود من أجل العقيدة والتفاني المنقطع
النظير من أجل إعلاء كلمة الحقّ وإزهاق الباطل.
وما أجمل بالمصلي أن يتوجه لله عزَّ وجلَّ بقلب خالص من الرياء
ويتذكر ما صنعه الحسين عليه السلام في عاشوراء من أجل الدفاع عن الاِسلام
وتحطيم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد، مجدداً العهد مع الله
عزَّ وجلّ وهو واضع جبهته على تراب الحسين، بأنّه سيمضي في طريقه
ولا يخشى في الله لومة لائم.
ثالثاً: السرّ في تقبيل التربة الحسينية:
وأما عن تقبيل التربة الحسينية إنّما هو اقتداء بما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
إذ ثبت من طرق العامّة ـ كما رواه جمع من حفّاظهم ـ بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا
جاءه جبرئيل عليه السلام بقبضةٍ من تراب كربلاء، شمها وقبلها وأخذ يقلّبها بحزن
بالغ حتى قالت له أُمّ سلمة: ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «
أخبرني جبرائيل أنّ ابني هذا ـ يعني الحسين عليه السلام ـ يقتل بأرض العراق،
( 98 )
فقلت لجبرائيل: أرني تربة الاَرض التي يقتل بها، فهذه تربتها »
(1).
وفي رواية أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أمُّ سلمة بحفظها قائلاً: « هذه التربة التي يقتل
عليها ـ يعني الحسين ـ ضعيها عندك فإذا صارت دماً فقد قتل
حبيبي الحسين ».
وفي خبر أُخرى عن أبي وائل شقيق أُمُّ سلمة، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «
وديعة عندك هذه ـ فشمّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ـ ويح كرب وبلاء ».
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: « يا أُمّ سلمة، إذا تحولت هذه التربة دماً، فاعلمي أنّ ابني
قد قتل ».
قال أبو وائل: فجعلتها أُمّ سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كلّ
يوم وتقول: إنّ يوماً تحولين دماً ليوم عظيم
(2).
____________
(1) المعجم الكبير|الطبراني 3: 108 ـ 110|2817 و 2818 و 2819 و 2820
و 2821. والمستدرك على الصحيحين|الحاكم النيسابوري 4: 440|8202
كتاب تعبير الرؤيا وفي طبعة 4: 498. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه. سير أعلام النبلاء|الذهبي 3: 188 ـ 189|48
ترجمة الحسين الشهيد عليه السلام. وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى|المحب الطبري
: 146 ـ 148 مكتبة القدسي 1356 هـ. ومنتخب كنز العمال|المتقي الهندي 5:
66 مقتل الحسين رضي الله عنه، دار إحياء التراث العربي 1410 هـ ط1.
(2) المعجم الكبير|الطبراني 1: 124|51 ـ 54. ومقتل الحسين|الخوارزمي 1
: 231|1 و 6. ومجمع الزوائد|الهيثمي 9: 188 ـ 189 باب مناقب الحسين بن
علي عليه السلام. وذخائر العقبى: 147 في ذكر إخبار الملك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل
الحسين عليه السلام. والخصائص الكبرى|السيوطي 2: 125 و 126. وأعلام النبوة|
=
( 99 )
فالشيعة يقبّلونها كما قبّلها النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويشمّونها كما شمّها كأغلى
العطور وأثمنها، ويدّخرونها كما ادّخرها، ويسكبون عليها الدموع كما
سكب عليها دمعه اقتفاءً لاثره صلى الله عليه وآله وسلم واتّباعاً لسُنّة الله وسُنّة رسوله وأهل
بيته عليهم السلام، ولكلِّ مسلم في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اُسوة حسنة، وآهاً لها من تربة
سكب عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دمعه قبل أن يهراق فيها دم
مهجته وحبيبه.
ولا شك في أنّ الاقتداء بسُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الواجبات الثابتة عند
جميع المسلمين بلا خلاف، قال تعالى: (
لقد كان لكم في رسول الله اُسوة
حسنة )
(1).
وروي أن الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام لما نزل كربلاء في مسيره إلى
صفين، وقف هناك ونظر إلى مصارع أهله وذريته وشيعته ومسفك دماء
مهجته وثمرة قلبه، وأخذ من تربتها وشمّها قائلاً: « واهاً لكِ أيتُها التربة،
ليحشرنّ منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب ثم قال: طوبى لك من تربة
____________
=
الماوردي: 83. ومسند أحمد بن حنبل 7: 418|25985 وفي طبعة 6: 294.
وتاريخ دمشق|ابن عساكر 14: 190 ـ 194| 3522 ـ 3532 ترجمة الإمام
الحسين رقم|1566. وسير أعلام النبلاء|الذهبي 3: 288 ـ 289|48 ترجمة
الحسين الشهيد عليه السلام. وكنز العمال|المتقي الهندي 13: 108 و111 و16: 225 ـ
226. وفي طبعة 6: 223. والصواعق المحرقة: 292 ـ 293|30 الفصل الثالث.
والروض النضير 1: 92 ـ 94. وتاريخ الإسلام|الذهبي 3: 11. وأمالي الطوسي
1: 325.
(1) سورة الاحزاب: 33|20.
( 100 )
عليك تهراق دماء الاَحبة »
(1).
بل وحتى لو لم يرد في ذلك شيء عن الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته
المعصومين عليهم السلام، فلا ضير في تقبيل التربة الحسينية أصلاً، وأي محذور
في تقبيل شيء يذكّرك بمُثُل الاِسلام العليا وقيمه الراقية التي تجسدت
في شخص الاِمام الحسين عليه السلام.
على أن تقبيل التربة الحسينية لا للتربة ذاتها، وإنما لاضافتها إلى الامام
الحسين عليه السلام الذي تكمن في اسمه كلّ فضيلةٍ مع ما توحيه تلك التربة لكل
غيور على الاِسلام من ضرورة الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض
العقيدة مع نصرة الحق أينما كان.
نعم، لو لم يرد في تقبيلها شيء من السُنّة لكان أصل التقبيل محبباً
عقلاً، لاَنّه التعبير الصادق عن الوفاء والحب فيكون من قبيل قولهم:
أمـرُّ على الديار ديار ليلى* أقبّل ذا الـجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي * ولكن حبّ من سكن الديارا
رابعاً: حكم السجود على التربة الحسينية:
بعد ثبوت سيرة الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام ابتداءً من الاِمام علي بن
الحسين زين العابدين عليه السلام وانتهاءً بالاِمام المهدي7 في السجود على
____________
(1) تهذيب الاَحكام 6: 72 ـ 73|138 باب 22. وكامل الزيارات 453 ـ 454
| 686 باب 88. وبحار الاَنوار 44: 253 و255 و258. ومجمع الزوائد 9: 146
و148 و157.
( 101 )
التربة الحسينية بما ليس فيه أدنى مجال للشك، وبعد ثبوت كون السجود
على مطلق الاَرض هو الفرض النازل من الله تعالى على عباده والمؤكد
بسنُة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، سيكون السجود على التربة الحسينية ليس فرضاً، وإنّما
من المستحبات الاَكيدة وهذا هو ما يقوله جميع الشيعة بلا استثناء اقتداءً
بأهل البيت عليهم السلام، ولهذا تراهم كما يسجدون على التربة الحسينية يسجدون
على غيرها مما صح السجود عليه كالتراب والرمل والحصى أو مما أنبتت
الاَرض مما لم يؤكل ولا يلبس.
ومع هذه الحقيقة قد ذهب المتطرفون من خصوم الشيعة إلى القول بأن
الشيعة لا تجيز السجود على غير التربة الحسينية، بل وصفوا سجودهم
على التربة الحسينية بالسجود لغير الله، ومن غبائهم أنهم لم يفرقوا بين
السجود على الشيء وبين السجود للشيء، إذ لو جاز أن يقال إنّ الشيعة
تسجد للتربة الحسينية، لجاز القول بأنّ العامّة تسجد للاَرض أي تسجد
لما هو أدنى وأقل منزلة من التربة الحسينية لثبوت شرف التربة الحسينية
على غيرها من الاَرض. هذا في الوقت الذي نجد فيه تصريح جميع فقهاء
الشيعة بأنّه يحرم السجود لغير الله وأنّه من يفعل ذلك فقد كفر وخرج عن
دين الاِسلام ؛ لاَنّ السجود عبادة فلا تصح لاَحد سواه تعالى مهما كان نبياً
أو وصيّاً.
قال الشيخ عبدالحسين الاَميني رحمه الله: وليس اتخاذ تربة كربلاء لدى
الشيعة من الفرض المحتّم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه
المذهب، ولا يفرق أي أحد منهم ـ منذ أول يوم ـ بينها وبين غيرها من
تراب الاَرض في جواز السجود عليه، خلافاً لما يزعمه الجاهل بهم
( 102 )
وبآرائهم، وإن هو عندهم إلاّ استحسان عقلي ليس إلاّ لما هو أولى
بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار وحسب.
وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء
مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله
ويسجدون عليها في صلواتهم
(1).
فتاوى فقهاء الشيعة بالسجود على التربة الحسينية:
1 ـ الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبدالعزيز الديلمي الملقب بـ «سالار»
(ت| 462 هـ) قال: (لا صلاة إلاّ على الاَرض أو ما انبتته مالم يكن ثمراً أو
كثراً أو كسوة فلهذا لا تجوز الصلاة على القطن والكتان، وإنّما يُصلّى على
البواري والحصر... وما يستحب السجود عليه، وهو الاَلواح من التربة
الحسينية المقدسة...)
(2).
2 ـ عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي «المعروف
بابن حمزة»، قال: (الاَرض كلّها مسجد يجوز السجود عليها وعلى كل ما
ينبت منها مما لا يؤكل ولا يُلبس بالعادة إلاّ الحصر المعمولة بالسيور
الظاهرة، إذا اجتمع فيه شرطان: الملك أو حكمه وكونه خالياً من
النجاسة، ويستحب السجود على الاَلواح من التربة ـ الحسينية ـ وخشب
قبور الاَئمة عليهم السلام ان وجد ولم يتقِ)
(3).
____________
(1) السجود على التربة الحسينية عند الشيعة الاِمامية|عبدالحسين الاميني: 67.
(2) المراسم|سالار، سلسلة الينابيع الفقهية 3: 368 باب أحكام ما يصلّى عليه
كتاب الصلاة.
(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة|ابن حمزة الطوسي، سلسلة الينابيع الفقهية 4: 582
=
( 103 )
3 ـ الشيخ أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد
الهذلي (ت|689 أو 690 هـ)، قال: (ولا يجوز السجود بالجبهة إلاّ على
الاَرض أو ما انبتته الاَرض إلاّ ما أكل أو لُبس ويعتبر فيه وفي الثياب،
والمكان أن يكون مملوكاً أو مأذوناً فيه ويكون طاهراً... والسُنّة: السجود
على الاَرض للخبر وما بين قصاص الشعر إلى طرف الاَنف ومسجد ما وقع
منه على الاَرض أجزأه، وعن أهل البيت عليهم السلام « الناس عبيد ما يأكلون
ويلبسون فاحب أن يُسجد له على مالا يعبدونه » ويستحب السجود على
التربة الحسينية، والله أعلم)
(1).
4 ـ الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني (ت|1091 هـ)، قال:
(...واهوِ للسجود بخضوع وخشوع، متلقياً إلى الاَرض بكفيك قبل
ركبتيك، وتجنح في سجودك بيديك، باسطاً كفيك، مضمومتي الاَصابع
حيال منكبيك ووجهك، غير واضع شيئاً من جسدك على شيء منه
ممكّناً جبهتك من الاَرض، وأفضلها التربة الحسينية ـ على صاحبها أفضل
التسليمات ـ جاعلاً أنفك ثامن مساجدك السبعة مرغماً به ناظراً إلى
طرفه)
(2).
5 ـ قال السيد كاظم اليزدي في عروته الوثقى ما نصّه: (السجود على
____________
=
فصل في بيان ما يجوز السجود عليه، كتاب الصلاة.
(1) الجامع للشرائع|الشيخ ابن زكريا الهذلي، سلسلة الينابيع الفقهية 4: 865 ما
يسجد عليه من كتاب الصلاة.
(2) منهاج النجاة|الفيض الكاشاني: 68 مؤسسة البعثة، قسم الدراسات
الاِسلامية ـ طهران 1407 هـ ط1.
( 104 )
الاَرض أفضل من النبات والقرطاس، ولا يبعد كون التراب أفضل من
الحجر.
وأفضل من الجميع التربة الحسينية، فإنّها تخرق الحجب السبع
وتستنير إلى الاَرضين السبع)
(1).
6 ـ قال الاِمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره: (يعتبر في مسجد
الجبهة مع الاختيار كونه أرضاً أو قرطاساً، والاَفضل التربة الحسينية وهي
تحمل ذكرى الاِمام الحسين الشهيد عليه السلام )
(2).
7 ـ السيد علي الحسيني السيستاني: قال: (يعتبر في مسجد الجبهة أن
يكون من الاَرض أو انباتها غير ما يؤكل أو يلبس، فلا يجوز السجود على
الحنطة والشعير والقطن ونحو ذلك.
ويجوز السجود اختياراً على القرطاس المتخذ من الخشب وكذا
المتخذ من القطن أو الكتان على الاَظهر دون المتخذ من الحرير والصوف
ونحوهما على الاَحوط.
والسجود على الاَرض أفضل من السجود على غيرها، والسجود على
التراب أفضل من السجود على غيره وأفضل من الجميع التربة الحسينية
____________
(1) العروة الوثقى|السيد كاظم اليزدي 1: 429|1374 مسألة 26 في مسجد
الجبهة من مكان المصلي.
(2) زبدة الاَحكام|الاِمام الخميني: 50 ـ 51 مسألة 9 مكان المصلي كتاب الصلاة
، منظمة الاعلام الاسلامي ـ طهران 1404 هـ.
( 105 )
على مشرفها آلاف التحية والسلام)
(1).
خامساً: آثار وفوائد التربة الحسينية والسجود عليها:
للتربة الحسينية المباركة شرف عظيم ومنزلة رفيعة كما أكدت عليها
الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام فهي:
1 ـ شفاء من كل داء وأمان من كلِّ خوف:
فقد ثبت أنّ للتربة الحسينية أثراً في علاج الكثير من الاَمراض التي
تعسّر شفاءها بواسطة العقاقير الطبية، وقد جرّب الكثير من محبي الاِمام
الحسين عليه السلام ونالوا الشفاء ببركة صاحب التربة المقدسة.
روى محمد بن مسلم عن الاِمامين الباقر والصادق عليهما السلام من أن للاِمام
الحسين عليه السلام ثلاث فضائل مميزات ينفرد بها عن غيره من جميع الخلق مع
ما له من الفضائل الاُخرى والتي يصعب عدّها قال عليه السلام: «... أن جعل
الاِمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره... »
(2).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام: « في طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء
وهو الدواء الاَكبر»
(3). علماً أنّ الاَخبار تظافرت بحرمة أكل الطين إلاّ من
تربة قبر الاِمام الحسين عليه السلام بآداب مخصوصة وبمقدار معين، وهو أن
____________
(1) المسائل المنتخبة|السيد علي السيستاني: 131 ـ 132 الثالث من باب السجود
كتاب الصلاة ـ قم ط5.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى|الطبرسي 1: 431.
(3) من لا يحضره الفقيه 2: 362|1619 باب 221 فضل تربة الحسين عليه السلام.
وتهذيب الاَحكام 2: 26.
( 106 )
يكون أقل من حمصة وأن يكون آخذها من القبر بكيفية خاصة وأدعية
معينة
(1).
وروي أنّه لما ورد الاِمام الصادق عليه السلام إلى العراق، اجتمع إليه الناس،
فقالوا: يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كلِّ داء، وهل هي أمان
من كلِّ خوف؟ فقال عليه السلام: « نعم، إذا أراد أحدكم أن تكون أماناً من كلِّ
خوفٍ، فليأخذ السبحة من تربته، ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش
ثلاث مرات. وهو أمسيت اللهمَّ معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول ولا
يحاول من شرِّ كلِّ غاشمٍ وطارقٍ من سائر من خلقت وما خلقت من خلقك
الصامت والناطق من كلِّ مخوف بلباس سابغة حصينة ولاء أهل بيت
نبيك عليهم السلام ، محتجباً من كلِّ قاصد لي إلى أذيّة بجدار حصين، الاخلاص في
الاعتراف بحقهم والتمسّك بحبلهم، موقناً أنّ الحق لهم ومعهم وفيهم وبهم،
أوالي من والوا، وأجانب من جانبوا.
فصلِّ على محمد وآل محمد وأعذني اللهمَّ بهم من شرِّ كل ما اتقيه،
ياعظيم حجزت الاَعادي عنّي ببديع السموات والاَرض (
إنّا جعلنا من بين
أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ).
ثمّ يقبّل السبحة ويضعها على عينيه، ويقول: اللهمَّ إنّي أسألك بحقّ
هذه التربة، وبحقّ صاحبها، وبحقّ جده وأبيه، وبحقّ أُمّه وأخيه، وبحقِّ
ولده الطاهرين اجعلها شفاءً من كلِّ داء، وأماناً من كلِّ خوف، وحفظاً من
كلِّ سوء، ثمّ يضعها في جيبه.
____________
(1) راجع: من لا يحضره الفقيه 2: 362|1620 الباب السابق.
( 107 )
فان فعل ذلك في الغدوة فلا يزال في أمان حتى العشاء، وإن فعل ذلك
في العشاء فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة »
(1).
وروي عن الاِمام الرضا عليه السلام انه ماكان يبعث إلى أحدٍ شيئاً من الثياب
أو غيره إلاّ ويجعل فيه الطين ـ يعني طين قبر الحسين عليه السلام ـ وكان يقول
عليه السلام: «هو أمان باذن الله »
(2).
2 ـ اتخاذها مسبحة:
والملاحظ أن أهل البيت عليهم السلام كانوا يوصون شيعتهم بضرورة الاحتفاظ
بمسبحة من طين قبر الاِمام الحسين عليه السلام واعتبارها أحد الاَشياء الاَربعة
التي لابدَّ وان ترافق المؤمن في حلّه وترحاله، قال الاِمام الصادق عليه السلام:
«لا يستغني شيعتنا عن أربع: خمرة يصلي عليها، وخاتم يتختم به،
وسواك يستاك به، وسبحة من طين قبر الحسين عليه السلام »
(3).
وفي معرض بيان ثواب التسبيح بمسبحة مصنوعة من طين قبر الاِمام
الحسين عليه السلام بالاستغفار والذكر مالا ينبغي الاستغفال عنه لعظمة ما يترتب
عليه من فوائد وآثار فقد روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « من أدار
سبحة من تربة الحسين عليه السلام مرة واحدة بالاستغفار أو غيره، كتب الله له
سبعين مرة... »
(4).
وروي عنه عليه السلام أنّه قال: « ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام
____________
(1) فلاح السائل|السيد ابن طاووس: 223 ـ 224.
(2) كامل الزيارات|ابن قولويه: 278.
(3) وسائل الشيعة 3: 603 و 10: 421. وبحار الاَنوار 101: 132.
(4) مكارم الاَخلاق|الطبرسي: 302. وسائل الشيعة 6: 456|8430 باب 4.
( 108 )
كتب مُسبِّحاً وإن لم يسبّح بها... »
(1).
3 ـ السجود عليها يخرق الحجب السبعة:
روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « إنّ السجود على تربة أبي عبدالله
ـ الحسين ـ عليه السلام يخرق الحجب السبعة »
(2).
وقد علّق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء على هذا الحديث بقوله:
ولعلَّ المراد بالحجب السبعة هي الحاءات السبعة من الرذائل التي
تحجب النفس على الاستضاءة بأنوار الحق وهي: (الحقد، الحسد،
الحرص، الحدة، الحماقة، الحيلة، الحقارة.
فالسجود على التربة من عظيم التواضع والتوسل بأصفياء الحق يمزقها
ويخرقها ويبدلها بالحاءات السبع من الفضائل وهي: الحكمة، الحزم،
الحلم، الحنان، الحصانة، الحياء، الحب)
(3).
4 ـ السجود عليها ينوّر الاَرضين السبع:
قال الاِمام الصادق عليه السلام: « السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى
الاَرض السابعة »
(4).
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين
____________
(1) من لا يحضره الفقيه 1: 174|725 باب 40.
(2) وسائل الشيعة 3: 608. وبحار الاَنوار 101: 135 و 85: 153.
(3) الاَرض والتربة الحسينية|الشيخ كاشف الغطاء: 32.
(4) من لا يحضره الفقيه 1: 174|725 ـ باب 40 ما يسجد عليه وما لا يسجد
عليه.