الكفالة عند البنوك إذا تعهّد شخص أو أشخاص مشتركون لجهة حكومية أو غيرها بإنجاز مشروع ، كتأسيس مدرسة أو مستشفى أو جسر أو نحوها ، فتمّ الاتّفاق بينهما على ذلك ، فإنّ المتعهّد له قد يشترط على المتعهّد دفع مبالغ من المال في حالة عدم إنجاز المشروع وإتمامه في الوقت المقرّر عوضاً عن الخسائر التي قد تصيبه ، ولكي يطمئنّ المتعهّد له بذلك يطالب المتعهّد بكفيل على هذا ، وفي هذه الحالة يرجع المتعهّد والمقاول إلى البنك ليصدر له مستند ضمان يتكفّل فيه للمتعهّد له بأداء مبالغ التعويض إذا امتنع المقاول المتعهّد عن دفعها بعد تخلّفه عن القيام بإنجاز المشروع في الموعد المقرّر. مسألة 13 : تعهّد البنك للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ المطلوبة على تقدير امتناع المقاول عن أدائها نحوٌ من الكفالة المالية في مقابل الكفالة المصطلحة ـ في أبواب المعاملات ـ التي هي عبارة عن التعهّد لشخص بإحضار شخص آخر له حقّ عليه عند طلبه. وتفترق الكفالة المالية عن الضمان في أنّ الضامن تشتغل ذمّته للمضمون له بنفس الدين المضمون ، فلو مات قبل وفاته أخرج من تركته مقدّماً على الإرث ، وأمّا الكفيل المالي فلا تشتغل ذمّته للمكفول له بنفس المال ، بل بأدائه إليه ، فلو مات قبل ذلك لم يُخرج من تركته شيءٌ إلاّ بوصيّة منه. ويصحّ عقد الكفالة بإيجاب من الكفيل بكلّ ما يدلّ على تعهّده والتزامه ، من قول أو كتابة أو فعل ، وبقبول من المكفول له بكل ما يدلّ على رضاه بذلك. مسألة 14 : يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معيّنة من المقاول المتعهّد لإنجاز المشروع إزاء كفالته وتعهّده ، ويمكن تخريج ذلك من باب الجعالة بأن يعيّن المقاول العمولة المطلوبة جُعلاً للبنك على قيامه بعمل الكفالة فيحلّ له أخذها حينئذٍ. مسألة 15 : إذا تخلّف المقاول عن إنجاز المشروع في المدّة المقررة ، وامتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلى المتعهد له ( صاحب المشروع ) فقام البنك بدفعها إليه ، فهل يحقّ للبنك الرجوع بها على المقاول أم لا ؟ الظاهر أنّه يحقّ له ذلك ، لأنّ تعهّد البنك وكفالته كان بطلب من المقاول ، فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهّده ، فيحقّ له أن يرجع إلهي ويطالبه به. بيع السهام قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم التي تمتلكها ، ويقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها وتصريفها إزاء عمولة معيّنة بعد الاتّفاق بينه وبين الشركة. مسألة 16 : تجوز هذه المعاملة مع البنك ، فإنّها ـ في الحقيقة ـ لا تخلو من دخولها إمّا في الإجارة ، بمعنى أنّ الشركة تستأجر البنك للقيام بهذا الدور إزاء أجرة معينة ، وإمّا في الجعالة على ذلك ، وعلى كل التقديرين فالمعاملة صحيحة ، ويستحقّ البنك الأُجرة إزاء قيامه بالعمل المذكور. مسألة 17 : يصحّ بيع هذه الأسهم وشراؤها. نعم ، إذا كانت معاملات الشركة المساهمة محرّمة ـ كما لو كانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا ـ لم يجز شراء أسهمها والاشتراك في تلك المعاملات. بيع السندات السندات : صكوك تصدرها جهات مخوّلة قانوناً بقيمة اسمية معيّنة مؤجّلة إلى مدّة معلومة ، وتبيعها بالأقلّ منها ، مثلاً يبيع السند الذي قيمته الاسمية مائة دينار بخمسة وتسعين ديناراً نقداً على أن يؤدّي المائة بعد سنة مثلاً ، وقد تتولّى البنوك عملية البيع ، وتأخذ على ذلك عمولة معيّنة. مسألة 18 : هذه المعاملة يمكن أن تقع على نحوين : 1ـ أن تقترض الجهة التي تصدر السند ممّن يشتريه مبلغ خمسة وتسعين ديناراً ـ في المثال المذكور ـ وتدفع إليه مائة دينار في نهاية المدّة المحدّدة وفاءً لدينه مع اعتبار الخمسة دنانير الزائدة على القرض ، وهذا رباً محرّم. 2ـ أن تبيع الجهة التي تصدر السند مائة دينار مؤجّلة الدفع إلى سنة مثلاً بخمسة وتسعين ديناراً نقداً. وهذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، ولكنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال كما سبق. فالنتيجة أنّه لا يمكن تصحيح بيع السندات المذكورة التي تتعامل بها الجهات الرسمية وغيرها. مسألة 19 : لا يجوز للبنوك التوسّط في بيع السندات وشرائها ، كما لا يجوز لها أخذ العمولة على ذلك. الحوالات الداخلية والخارجية مسألة 20 : الحوالة في المصطلح الفقهي تقتضي نقل الدين من ذمّة المُحيل إلى ذمّة المحال عليه ، ولكنّها ـ هنا ـ تستعمل في الأعمّ من ذلك ، وفيما يلي نماذج للحوالات المصرفية : الأول : أن يصدر البنك صكّاً لعملية بتسلّم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في البنك ، وعندئذ يأخذ البنك منه عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا الدور ، والظاهر جواز أخذه هذه العمولة ، لأنّ للبنك حقّ الامتناع عن قبول وفاء دينه في غير مكان القرض ، فيجوز له أخذ عمولة إزاء تنازله عن هذا الحقّ وقبول وفاء دينه في ذلك المكان. الثاني : أن يصدر البنك صكّاً لشخص يحقّ له بموجبه أن يتسلّم مبلغاً عيناً من بنك آخر في الداخل أو الخارج بعنوان الاقتراض منه ، نظراً لعدم وجود رصيد مالي للشخص عنده ، ويأخذ البنك عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا العمل. والظاهر أنّه يجوز للبنك أخذ العمولة على إصداره صكّاً من هذا القبيل إذا كان مردّه إلى أخذ الجعل على توكيل البنك الثاني في إقراض حامل الصك المبلغ المذكور فيه من أموال البنك الأوّل الموجودة لديه ، فليس هو من قبيل أخذ الجعل على الإقراض نفسه ليكون حراماً ، بل من قبيل أخذ الجعل على التوكيل في الاقراض فلا يكون الإلزام بدفع الجعل مرتبطاً بعملية الإقراض نفسها ، بل بالتوكيل فيها ، فلا يكون به بأس حينئذٍ. ثم إنّ المبلغ المذكور في الصكّ إذا كان من العملة الأجنبية فيحدث للبنك حقّ ، وهو أنّ المدين حيث اشتغلت ذمّته بالعملة المذكورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة ، فلو تنازل عن حقّه هذا وقبل الوفاء بالعملة المحلّية جاز له أخذ شيء منه إزاء هذا التنازل ، كما أنّ له تبديلها بالعملة المحلّية مع تلك الزيادة. الثالث : أن يدفع الشخص مبلغاً معيّناً من المال إلى البنك في النجف الأشرف مثلاً ، ويأُخذ تحويلاً بالمبلغ أو بما يعادل على بنك آخر في الداخل كبغداد ، أو الخارج كلبنان أو دمشق مثلاً ، ويأخذ البنك إزاء قيامه بعملية التحويل عملة معيّنة منه. وهذا يمكن أن يقع على نحوين : أـ أن يبيع الشخص مبلغاً معيّناً من العملة المحلّية على البنك بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة عمولة التحويل إليه. وهذا لا بأس به كما سبق نظيره. ب ـ أن يقوم الشخص بإقراض البنك مبلغاً معيّناً ويشترط عليه تحويله إلى بنك آخر في الداخل أو الخارج مع عمولة معينة بإزاء عملية التحويل. وهذا لا بأس به أيضاً ، لأنّ التحويل وإن كان عملاً محترماً له مالية عند العقلاء ، فيكون اشتراط القيام به على المقترض من قبيل اشتراط النفع الملحوظ فيه المال المحرّم شرعاً ، إلاّ أنّ المستفاد من النصوص الخاصة الدالّة على جواز اشتراط المقرض على المقترض قيامه بأداء القرض في مكان آخر ، جواز اشتراط التحويل أيضاً ، فإذا كان يجوز اشتراطه مجّاناً وبلا مقابل ، فيجوز اشتراطه بإزاء عمولة معيّنة بطريق أولى. الرابع : أن يقبض الشخص مبلغاً معيّناً من البنك في النجف الأشرف مثلاً ، ويحوّل البنك بدله على بنك آخر في الداخل أو الخارج ، ويأخذ البنك الأول إزاء قبوله الحوالة عمولة معيّنة منه. وهذا يقع على نحوين : أـ أن يبيع البنك على الشخص مبلغاً من العملة المحلّية بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة عمولة التحويل إليه ، فيحوّله المشتري إلى البنك الثاني لا ستلام الثمن. وهذا جائز كما سبق. ب ـ أن يقرضه البنك مبلغاً معيّناً ، ويشترط عليه دفع عمولة معيّنة إزاء قبوله بنقل القرض إلى ذمّة أُخرى وتسديده في بلد آخر ، وهذا رباً ، لأنّه من قبيل اشتراط دفع الزيادة في القرض وإن كنت بإزاء عملية التحويل. نعم ، إذا وقع هذا من غير شرط مسبق بأن اقترض المبلغ من البنك أوّلاً ، ثم طلب منه تحويل قرضه إلى بنك آخر لاستيفائه منه ، فطلب البنك عمولة على قبوله ذلك جاز ، لأنّ من حقّ البنك الامتناع عن قبول ما ألزمه به المقترض من نقل القرض إلى ذمّة أُخرى وتسديده في بلد غير بلد القرض. وليس هذا من قبيل ما يأخذه المقرض بإزاء إبقاء القرض والإمهال فيه ليكون رباً ، بل هو ممّا يأخذه لكي يقبل بانتقال قرضه إلى ذمّة أُخرى وتسديده في مكان آخر ، فلا بأس به حينئذٍ. مسألة 21 : قد تنحلّ الحوالة إلى حوالتين ، كما إذا أحال المدين دائنه على البنك بإصدار صكّ لأمره ، وقام البنك بتحويل مبلغ الصكّ على فرع له في بلد الدائن ، أو على بنك آخر فيه يتسلّمه الدائن هناك ، فإنّ مردّ ذلك إلى حوالتين : إحداهما : حوالة المدين دائنه على البنك ، وبذلك يصبح البنك مديناً لدائنه. ثانيتهما : حوالة البنك دائنه على فرع له في بلد الدائن أو على بنك آخر فيه. ودور البنك في الحوالة الأُولى قبول الحوالة ، وفي الثانية إصدارها ، وكلتا الحوالتين صحيحة شرعاً ، ولكن إذا كانت حوالة البنك على فرع له يمثل نفس ذمّته ، لا تكون هذه حوالة بالمصطلح الفقهي ، إذ ليس فيها نقل الدين من ذمّة إلى أُخرى ، وإنما مرجعها إلى طلب البنك من وكيله في مكان آخر وفاء دينه في ذلك المكان. وعلى أيّ حال ، فيجوز للبنك أن يتقاضى عمولة على قيامه بما ذكر ، حتى بإزاء قبوله حوالة من له رصيد في البنك دائنه عليه ، لأنّها من قبيل الحوالة على المدين. والمختار : عدم نفوذها من دون قبول المحال عليه ، فله أخذ العمولة على ذلك. مسألة 22 : ما تقدّم من أقسام الحوالة وتخريجها الفقهي يجري بعينه في الحوالة على الأشخاص ، كي يدفع مبلغاً من المال لشخص ليحوّله بنفس المبلغ أو بما يعادله على شخص آخر في بلده أو بلد آخر ، ويأخذ بإزاء ذلك عمولة معيّة ، أو يأخذ من شخص ويحوله على شخص آخر ويأخذ المحول منه إزاء ذلك عمولة معيّنة. مسألة 23 : لا فرق فيما تقدّم بين أن تكون الحوالة على المدين أو على البريء ، والأول كما إذا كان للمحال عليه رصيد مالي ، والثاني ما لم يكن كذلك. جوائز البنك قد يقوم البنك بعملية القرعة بين عملائه ، ويعطي لمن تصيبه القرعة مبلغاً من المال بعنوان الجائزة ترغيباً للإيداع فيه. مسألة 24 : هل يجوز للبنك القيام بهذه العملية ؟ فيه تفصيل : فإنّه إن كان قيامه بها لا باشتراط عملائه عند إيداعهم لأموالهم في البنك ، بل يقصد تشويقهم وترغيبهم على تكثير رصيدهم لديه ، وترغيب الآخرين على فتح الحساب عنده ، جاز ذلك ، كما يجوز عندئذ لمن أصابته القرعة أن يقبض الجائزة ـ مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ـ بعنوان مجهول المالك إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً ، ثم يتصرّف فيها بعد مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحها ، وإذا كان أهلياً جاز قبض الجائزة والتصرّف فيها بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي. وأمّا إذا كان قيام البنك بعملية القرعة ودفع الجائزة بعنوان الوفاء بالشرط الذي اشترطه عليه عملاؤه في ضمن عقد القرض أو نحوه ، فلا يجوز ذلك ، كما لا يجوز لمن أصابته القرعة أخذها بعنوان الوفاء بذلك الشرط ، ويجوز بدونه. تحصيل الكمبيالات من الخدمات التي يقوم بها البنك : تحصيل قيمة الكمبيالة لحساب عمليه ، فإنّه قبل تاريخ استحقاقها يخطر المدين ( موقّع الكمبيالة ) ويشرح في إخطاره قيمتها ورقمها وتاريخ استحقاقها ليكون على علم ويتهيّأ للدفع ، وبعد التحصيل يقيّد القيمة في حساب العميل أو يدفعها إليه نقداً ، ويأخذ منه عمولة إزاء هذه الخدمة ، ومن هذا القبيل قيام البنك بتحصيل قيمة الصكّ لحامله من بلده أو من بلد آخر ، كما إذا لم يرغب الحامل تسلّم القيمة بنفسه من الجهة المحال عليها ، فيأخذ البنك منه عمولة إزاء قيامه بهذا العمل. مسألة 25 : تحصيل قيمة الكمبيالات وأخذ العمولة على ذلك يقع على أنحاء : 1ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك غير محوّله عليه ويطلب من البنك تحصيل قيمتها إزاء عمولة معيّنة. والظاهر جواز هذه الخدمة وأخذ العمولة بإزائها ، ولكن بشرط أن يقتصر عمل البنك على تحصيل قيمة الكمبيالة فقط ، وأمّا تحصيل فوائدها الربوية فهو غير جائز ، ويمكن تخريج العمولة فقهياً بأنّها جعالة من الدائن للبنك على تحصيل دينه. 2ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك محوّلة عليه ، ولكن لم يكن مديناً لموقّعها ، أو كان مديناً له بعملة أُخرى غير ما أحال بها عليه. وحينئذ يجوز للبنك أخذ عمولة إزاء قبوله هذه الحوالة ـ بالشرط المتقدّم في سابقه ـ لأنّ القبول غير واجب على البريء وكذا على المدين بغير جنس الحوالة ، فحينئذ لا بأس بأخذ شيء مقابل التنازل عن حقّه هذا. 3ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك محوّلة عليه ممّن لديه رصيد مالي لدى البنك ، وقد أشار فيها بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق ، ليقوم البنك بخصم قيمتها من حسابه الجاري وقيدها في حساب المستفيد ( الدائن ) أو دفعها له نقداً ، فمردّ ذلك إلى أنّ الموقّع أحال دائنه على البنك المدين له ، فيكون ذلك من قبيل الحوالة على المدين ، والمختار فيها ـ كما تقدّم ـ اعتبار قبول المحال عليه ( وهو البنك هنا ) فلا تكون الحوالة نافذة من دون قبوله ، وعليه فيجوز له أخذ عمولة إزاء قيامه بقبول الحوالة وتسديد دينه. بيع العملات الأجنبية وشراؤها من أعمال البنوك : القيام بشراء العملات الأجنبية وبيعها ، لغرض توفير القدر الكافي منها لتأمين حاجات عملائها ، ولا سيّما التجّار المستوردين للبضائع من الخارج ، وللحصول على الربح منه نتيجة الفرق بين أسعار الشراء والبيع. مسألة 26 : يصحّ بيع العملات الأجنبية وشراؤها بقيمتها السوقية ، وبالأقل وبالأكثر ، بلا فرق في ذلك بين كون البيع أو الشراء حالاً أو موجّلاً ، فإنّ البنك كما يقوم بعملية العقود الحالّة يقوم بعملية العقود المؤجّلة. |