السحب على المكشوف كلّ من لديه رصيد لدى البنك في الحساب الجاري يحقّ له سحب أيّ مبلغ لا يزيد عن رصيده. نعم ، قد يسمح البنك له بسحب مبلغ معيّن من دون رصيد ، نظراً لثقته به ، ويسمّى ذلك بـ : ( السحب على المكشوف ) ويحتسب البنك فائدة على هذا المبلغ. مسألة 27: السحب على المكشوف مردّه إلى الاقتراض من البنك بشرط دفع الفائدة ، فهو قرض ربوي محرّم ، وما يتقاضاه البنك من الفوائد على المبالغ المسحوبة تعدّ من الفوائد الربوية المحرّمة. نعم ، إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً فلا بأس بالسحب منه ، لابقصد الاقتراض ، بل بقصد الحصول على المال المجهول مالكه ، على نحو ما تقدّم في المسألة الثانية. خصم الكمبيالات تمهيدات: الأول : يمتاز البيع عن القرض في أنّ البيع تمليك عين بعوض لا مجّاناً ، والقرض تمليك المال بالضمان في الذمّة بالمثل إذا كان مثلياً وبالقيمة إذا كان قيمياً (1) . ____________ (1) قد يقال : إنّ البيع والقرض يفترقان من جهة أُخرى ، وهي اعتبار وجود فارق بين العوض والمعوض في البيع ، وبدونه لا يتحقق البيع وعدم اعتبار ذلك في القرض ، ويترتّب على ذلك أنّه لو باع مائة دينار بمائة وعشرة دنانير في الذمّة فلا بُدّ من وجود مائز بين العوضين كأن يكون أحدهما ديناراً عراقياً والثاني ديناراً أُردنياً ، وأما لو كانا جميعاً من الدينار العراقي مثلاً ، من فئة وطبعة واحدة ، فهو قرض بصورة البيع ، لانطباق العوض على المعوض مع زيادة فيكون محرّماً لتحقّق الربا فيه. ولكن هذا غير واضح ، لأنّه يكفي في تحقّق مفهوم البيع وجود التغاير بين العوضين في وعاء الإنشاء من حيث كون المعوض عيناً شخصية والعوض كلياً في الذمّة ، مضافاً إلى أنّ لازم هذا الرأي القول بصحّة بيع عشرين كيلو من الحنطة نقداً بمثلها نسيئة بدعوى أنّه قرض غير ربوي حقيقة وإن كان بصورة البيع ، مع أنّه ـ كما يعترف هذا القائل ـ من بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة حكمية فيكون من الربا المحرّم. كما يمتاز عنه في أنّ البيع الربوي باطل من أصله ، دون القرض الربوي ، فإنّه باطل بحسب الزيادة فقط ، وأمّا أصل القرض فهو صحيح. ويمتاز عنه أيضاً في أنّ كلّ زيادة في القرض إذا اشترطت تكون رباً ومحرّمة دون البيع ، فإنّه تحرم فيه الزيادة مطلقاً في المكيل والموزون من العوضين المتّحدين جنساً ، وأمّا لو اختلفا في الجنس ، أو لم يكونا من المكيل والموزون ، فإن كانت المعاملة نقدية ، فلا تكون الزيادة رباً ، وأمّا لو كانت المعاملة مؤجّلة كما لو باع مائة بيضة بمائة وعشر إلى شهر ، أو باع عشرين كيلو من الأُرز بأربعين كيلو من الحنطة إلى شهر ، ففي عدم كون ذلك من الربا إشكال ، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه. الثاني : الأوراق النقدية بما أنّها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة ، وأمّا مع الاتّحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً ، وأمّا نسيئة فلا يخلو عن إشكال كما تقدّم. وعلى ذلك ، فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقية مثلاً أن يبيع دينه بالأقلّ منها كتسعة دنانير نقداً ، كما يجوز له بيعه بالأقلّ منها من عملة أُخرى كتسعة دنانير أُردنية نقداً ونسيئة. الثالث : الكمبيالات المتداولة بين التجّار في الأسواق لم تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية ، بل هي مجرد وثيقة لإثبات أنّ المبلغ الذي تتضمّنه دين في ذمّة موقّعها لمن كتبت باسمه ، فالمعاملات الجارية عليها لا تجري على أنفسها ، بل على النقود التي تعبّر عنها ، وأيضاً عندما يدفع المشتري كمبيالة للبائع لم يدفع ثمن البضاعة ، ولذا لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه مال ولم تفرغ ذمّة المشتري ، بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدية وتلفت عنده أو ضاعت. مسألة 28 : الكمبيالات على نوعين : أـ ما يعبّر عن وجود قرض واقعي ، بأن يكون مؤقّع الكمبيالة مديناً لمن كتبت باسمه بالمبلغ الذي تتضمّنه. ب ـ ما يعبر عن وجود قرض صوري لا واقع له. أمّا في الأول : فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجّل الثابت في ذمّة المدين بأقلّ منه حالاً ، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه بثمانية وتسعين ديناراً نقداً. نعم ، لا يجوز بيع مؤجّلاً لأنّه من بيع الدين بالدين ، وبعد ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين ( موقّع الكمبيالة ) بقيمتها عند الاستحقاق. وأمّا في الثاني : فلا يجوز للدائن الصوري بيع ما تتضمّنه الكمبيالة ، لانتفاء الدين واقعاً وعدم اشتغال ذمّة الموقع للموقّع له ( المستفيد ) بل إنّما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب ولذا سمّيت ( كمبيالة مجاملة ). ومع ذلك ، يمكن تصحيح خصمها بنحو آخر ، بأن يوكّل موقّع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمّته بأقلّ منها ، مراعياً الاختلاف بين العوضين في الجنس ، كأن تكون قيمتها خمسين ديناراً عراقياً والثمن ألف تومان إيراني مثلاً ، وبعد هذه المعاملة تصبح ذمّة موقّع الكمبيالة مشغولة بخمسين ديناراً عراقياً إزاء ألف تومان إيراني ، ويوكّل الموقّع أيضاً المستفيد في بيع الثمن ـ وهو ألف تومان في ذمّته ـ بما يعادل المثمن وهو خمسون ديناراً عراقياً وبذلك تصبح ذمّة المستفيد مدينة للموقّع بمبلغ يساوي ما كانت ذمّة الموقّع مدينة به للبنك. ولكن هذا الطريق قليل الفائدة ، حيث إنّه إنّما يفيد فيما إذا كان الخصم بعملة أجنبية ، وأمّا إذا كان بعملة محلّية فلا أثر له ، إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذ على ما عرفت من الإشكال في بيع المعدود مع التفاضل نسيئة. وأمّا خصم قيمة الكمبيالة الصورية لدى البنك على نحو القرض ، بأن يقترض المستفيد من البنك مبلغاً أقلّ من قيمة الكبيالة الاسمية ، ثم يحول البنك الدائن على موقّعها بتمام قيمتها ، ليكون من الحوالة على البريء ، فهذا رباً محرّم ، لأنّ اشتراط البنك في عملية الاقتراض ( الخصم ) اقتطاع شيء من قيمة الكمبيالة إنّما هو من قبيل اشتراط الزيادة المحرّم شرعاً ولو لم تكن الزيادة بإزاء المدّة الباقية بل بإزاء قيام البنك ببعض الأعمال كتسجيل الدين وتحصيله ونحوهما ، لأنّه لا يحقّ للمقرِض أن يشترط على المقترض أيّ نحو من أنحاء النفع الملحوظ فيه المال. هذا إذا كان البنك أهلياً ، وأمّا لو كان حكومياً أو مشتركاً فيمكن التخلّص من ذلك بأن لا يقصد المستفيد في عملية الخصم لديه شيئاً من البيع والاقتراض ، بل يقصد الحصول على المال المجهول مالكه فيقبضه مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ، ثم يتصرّف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، فإذا رجع البنك في نهاية المدّة إلى موقّع الكمبيالة وألزمه بدفع قيمتها ، جاز له الرجوع على المستفيد ببدل ما دفع إذا كان قد وقّع الكمبيالة بأمر وطلب منه. العمل لدى البنوك تصنّف أعمال البنوك صنفين : أحدهما : محرّم ، وهو الأعمال التي لها صلة بالمعاملات الربوية كالتوكيل في إجرائها ، وتسجيلها ، والشهادة عليها ، وقبض الزيادة لآخذها ، ونحو ذلك ، ومثلها الأعمال المرتبطة بمعاملات الشركات التي تتعامل بالربا أو تتاجر بالخمر ، كبيع أسهمها وفتح الاعتماد لها وما يشبههما. وهذه كلّها محرّمة لا يجوز الدخول فيها ، ولا يستحق العامل أجرة إزاء تلك الأعمال. ثانيهما : سائغ ، وهي غير ما ذكر ، فيجوز الدخول فيها وأخذ الأُجرة عليها. مسألة 1 ـ: إذا كان دافع الزيادة في المعاملة الربوية كافراً غير محترم المال ـ سواء كان هو البنك الأجنبي أو غيره ـ فقد تقدّم أنّه يجوز حينئذٍ أخذها للمسلم ، وعلى ذلك فيجوز الدخول في الأعمال التي ترتبط بإجراء مثل هذه المعاملة الربوية في البنوك وخارجها. مسألة 2ـ: الجعالة والإجارة والحوالة ونحوها من المعاملات الجارية مع البنوك الحكومية في الدول الإسلامية تتوقّف صحّتها على إجازة الحاكم الشرعي ، فلا تصحّ من دون إجازته. وقد أجاز سماحة السيد ـ حفظه الله ـ معاملاتها تلك إذا كانت جامعة للشرائط المعتبرة فيها شرعاً. وهنا بعض التطبيقات لتحديد ما له صلة وما لا صلة له وصلتنا منه حفظه الله : ـ هل يجوز العمل في البنك لإدخال البيانات ومنها مقدار الفائدة الربوية ؟ الجواب : لا يجوز على الأحوط. ـ موظفة في بنك حكومي تقوم بتدقيق الحسابات فتخبر بالديون التي للبنك على البنوك الأخرى ، فيقوم البنك بدوره بوضع فوائد ربوية على البنك المدين ؟ الجواب : التدقيق في الحسابات إذا كانت تتضمن المعاملات الربوية عمل غير جائز ولا يجوز أخذ الأجرة عليه. نعم إخبار الموظّفة البنك الموظّف بأن له ديناً على بنك آخر وقيام البنك بتسجيل فوائد على البنك الآخر فهو ليس بمحرم ، ويجوز لها أخذ الأجرة عليه. ـ ما حكم تدريس مادة محاسبة البنوك حيث يتم خلالها شرح العمليات الربويّة التي تقوم بها البنوك ؟ الجواب : يجوز في حدّ ذاته. ـ موظف عمله في البنك دراسة الشركات التي تتقدم بطلب قروض من البنك من حيث إمكانياتها المالية ومواردها الإقتصادية ، وبعد موافقة البنك يتم الإقراض وتسجّل عليه فوائد ، فهل عمله جائز ؟ الجواب : لا يبعد جوازه. ـ هل يجوز العمل في البنك إذا كانت مهمته التوقيع على استمارات تخليص البضائع التي تأتي إلى العملاء علماً با، البضائع قد تكون كلّها أو بعضها من المحرمات ؟ الجواب : عمله فيما يتعلق بتخليص الخمور حرام ، وأما فيما عدا ذلك فلا يحرم ، وإن لم يستحق الأجر عليه. فتاوى مصرفية أجاب السيد السيستاني مد ظله العالي بفتاوى تخص البنوك والمصارف والتعامل معها ، نورد نصوص تلك الفتاوى اكتفاء بالجواب عن السؤال : 1ـ يجوز الإيداع في البنوك غير الإسلامية ، أهلية كانت أو غير أهلية ، ولو بشرط الحصول على الفائدة ، لجواز أخذ الربا من غير المسلمين. 2ـ وإذا أراد المسلم الاقتراض من هذه البنوك ، فلا بد أن يقصد بذلك استنقاذ المال وإن كان يعلم أنه سيؤخذ منه الأصل والفائدة ، ولا يقصد الاقتراض بشرط دفع الفائدة ، لحرمة دفع الربا. 3ـ يحق للمسلم ترخيص غيره باستعمال اسمه مستفيداً من اعتباره لشراء أسهم البنوك والشركات وغيرها مقابل مبلغ من المال يتفق عليه الطرفان. 4ـ يحق للمسلم تبديل العملات بغيرها بقيمتها السوقية ، وبالأقل منها أو بالأكثر ، بلا فرق بين أن يكون ذلك التبديل حالاً أو مؤجلاً. 5ـ تحرم ولا تصح المعاملة بالنقود الورقية المزوّرة ، أو الساقطة عن الاعتبار ، تلك التي يغش بها المتعامل الناس ، إذا كان من تدفع إليه العملة جاهلاً بأنها مغشوشة أو مزوّرة. 6ـ يحق للإنسان في الغرب فتح الحساب في البنك ، ويجوز له الإيداع فيه مع اشتراط الحصول على الفائدة ، إذا كان البنك ممؤلاً من قبل الحكومة أو الأهالي غير المسلمين. 7ـ يجوز أخذ المال من البنك الذي تمؤله الحكومة أو الأهالي غير المسلمين بقصد الاستنفاذ لا الاقتراض. ولا يضرُ الآخذ علمه بأن البنك سوف يلزمه بدفع أصل المال لا الاقتراض . ولا يضر الأخذ علمه بأن البنك سوف يلزمه بدفع أصل المال والزيادة(1). ____________ (1) فتاوى بخط سماحة السيد مد ظله في حوزة المؤلف. وانظر : فقه المغتربين | 180 وما بعدها. أوراق اليانصيب وهي أوراق توزّعها بعض الشركات وتأخذ بإزائها مبالغ معيّنة من المال ، وتتعهّد الشركة بأن تقرع بين أصحاب البطاقات ، فمن أصابته القرعة تدفع له مبلغاً بعنوان الجائزة ، وهذه العملية يمكن أن تقع على وجوه : الأول : أن يكون إعطاء المال بإزاء البطاقة بغرض احتمال إصابة القرعة باسمه والحصول على الجائزة. وهذه المعاملة محرّمة وباطلة بلا إشكال ، فلو ارتكب المحرّم وأصابت القرعة باسمه ، فإن كانت الشركة حكومية فالمبلغ المأخوذ منها مجهول المالك ، وجواز التصرّف فيه متوقّف على مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحه ، وإن كانت أهلية جاز التصرّف فيه مع إحراز رضا أصحابه بذلك حتى مع علمهم بفساد المعاملة. الثاني : أن يكون إعطاء المال مجّاناً وبقصد الاشتراك في مشروع خيري ، كبناء مدرسة أو جسر أو نحو ذلك ، لا بقصد الحصول على الربح والجائزة ، فعندئذ لا بأس به. ثم إنّه إذا أصابت القرعة باسمه فلا مانع من أخذه ـ بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط ـ ثم التصرّف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، هذا إذا كانت الشركة حكومية ، وإلاّ فلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي ومراجعته. الثالث : أن يكون دفع المال بعنوان إقراض الشركة ، بحيث تضمن له عوضه ، ويكون له أخذه بعد ستة أشهر مثلاً ، ولكن الدفع المذكور مشروط بأخذ بطاقة اليانصيب على أن تدفع الشركة له جائزة عند إصابة القرعة باسمه ، فهذه المعاملة محرّمة ، لأنها من القرض الربوي(1). وهنا ما هو مشابه لليانصيب ، وهو لعبة ( اللوتري ) التي تشيع في الولايات المتحدة ، فهل يجوز للمسلم أن يعرض أوراقها للبيع بوساطة جهاز ميكانيكي خاص معتبراً العملية استنفاذاً للمال من يد الكافر ؟ فإن كانت تدير هذه اللعبة شركة ما ، وكان المسلم مخولاً من قبل الشركة القائمة بالأمر في عرضها وتوزيعها بين غير المسلمين جاز ذلك ، وليأخذ المال استنفاذاً ، ولا يقصد البيع ، أو يأخذه إزاء تنازله عن حقه فيه إن كان له حق اختصاص بها(2). أما شراء بطاقة ( اللوتري ) فإن قصد به التبرع لمشروع خيري دون قصد الربح فله ذلك . ولو قصد بدفع الثمن أو بعضه التبرع ____________ (1) السيد السيستاني | منهاج الصالحين 1|467. (2) السيد السيستاني المستحدثات من المسائل الشرعية |12. المجاني لمشروع تحدده لجنة اللوتري ، أو قصد بدفع بعض الثمن احتمال الفوز بالجائزة فلا يجوز له شراء بطاقة ( اللوتري ) وفق هذا التوجه(1). ____________ (1) عبد الهادي الحكيم : فقه المغتربين |190. |