كتاب فقه الحضارة ص98 ـ ص105

ثالثاً
عقد التأمين

التأمين عقد يلتزم المؤمَّن له بمقتضاه أن يدفع مبلغاً معيناً ـ شهرياً ، أو سنوياً ، أو دفعة واحدة ـ إلى المؤمّن في مقابل تعهّد المؤمّن أن يؤدّي إلى المؤمّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال ، أو إيراداً مرتّباً ، أو أيّ عوض ماليّ آخر ، في حالة وقوع حادث أو ضرر مبيّن في العقد.
مسألة 1 : التأمين على أقسام ، منها :
التأمين على الأشخاص من خطر الوفاة أو بعض الطوارىء الأُخرى كالمرض ونحوه.
ومنها : التأمين على الأموال كالسيّارات والطائرات والسفن ونحوها من خطر الحريق أو الغرق أو السرقة أو ما شاكلها.
وهناك تقسيمات أُخرى للتأمين لا يختلف الحكم الشرعي بالنظر إليها فلا داعي لذكرها.
مسألة 2 : يشتمل عقد التأمين على أركان :


( 99 )

1 و2ـ الإيجاب والقبول من المؤمِّن والمؤمَّن له ، ويكفي فيهما كلّ ما يدلّ عليهما من لفظ أو كتابة أو غيرهما.
3ـ تعيين المؤمَّن عليه ، شخصاً كان أو مالاً.
4ـ تعين مدّة عقد التأمين بداية ونهاية.
مسألة 3 : يعتبر في التأمين تعيين الخطر الموجب للضرر ، كالغرق والحرق والسرقة والمرض والموت ونحوها ، وكذا يعتبر فيه تعيين أقساط التأمين السنوية أو الشهرية لو كان الدفع أقساطاً.
مسألة 4 : يشترط في طرفي عقد التأمين : البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس ، فلا يصحّ من الصغير والمجنون والهازل والمكره والمحجور عليه.
مسألة 5 : عقد التأمين من العقود اللازمة ، ولا ينفسخ إلاّ برضا الطرفين.
نعم ، إذا اشترط في ضمن العقد استحقاق المؤمَّن له أو المؤمِّن أو كليهما للفسخ جاز الفسخ حسب الشرط.
مسألة 6 : إذا تخلّف المؤمِّن عن العمل بتعهّده ، كان للمؤمَّن له إلزامه بذلك ـ ولو بالتوسّل إلى الحاكم الشرعي أو غيره ـ وله الخيار في فسخ العقد واسترجاع مبلغ التأمين.
مسألة 7 : إذا تقرّر في عقد التأمين قيام المؤمَّن له بدفع مبلغ التأمين أقساطاً ، فتخلف عن تسديد قسط ـ كمّاً أو كيفاً ـ لم يجب على المؤمِّن القيام بدفع المبالغ التي تعهّد بدفعها عند وقوع الضرر المعيّن ، كما لا يحقّ للمؤمَّن له استرجاع ما سدّده من أقسام التأمين.


( 100 )

مسألة 8 : لا تعتبر في صحّة عقد التأمين مدّة خاصة ، بل هي تابعة لما يتّفق عليه الطرفان : المؤمِّن والمؤمَّن له.
مسألة 9 : إذا اتّفق جماعة على تأسيس شركة يتكوّن رأس مالها من الأموال المشتركة بينهم ، واشترط كلّ منهم على الآخرين في ضمن عقد الشركة أنّه على تقدير حدوث حادثة ـ حدد نوعها في ضمن الشرط ـ على نفسه أو ماله ـ من داره أو سيارته أو نحو ذلك ـ أن تقوم الشرطة بتدارك خسارته في تلك الحادثة من رأس مال الشركة أو أرباحها ، وجب العمل بالشرط ما دام العقد باقيّاً(1).
مسألة 10 : يحق للمسلم أن يتعاقد مع شركات التأمين المختلفة ، للتأمين على حياته أو أمواله من خطر الحريق أو الغرق أو السرقة ، أو ما شاكل ذلك(2).
____________
(1) السيد السيستاني | منهاج الصالحين 1|449 ـ 450.
(2) ظ : فقه المغتربين |169.

( 101 )

رابعاً
إخلاء المحلاّت التجارية

من المعاملات الشائعة بين التجار والكسبة إخلاء المحلات التجارية ، وهو ما يسمى بـ ( السرقفلية ) في العراق. ويراد بها تنازل المسأجر عمّا تحت تصرّفه بإيجار المحلّ الذي يشغله لآخر إزاء مقدار من المال يتفق عليه الطرفان.
وتطلق أيضاً على تنازل المالك للمستأجر عن حقّه في أخراجه من المحلّ أو زيادة بدل الإيجار بعد نهاية مدّة الإجارة إزاء مقدار من المال يتّفقان بشأنه.
مسألة 1 : استئجار الأعيان المستأجرة كمحلات الكسب والتجارة لا يُحدث حقّاً للمستأجر فيها بحيث يمكنه إلزام المؤجّر عدم إخراجه منها وتجديد إيجارها منه بمقدار بدل إيجارها السابق بعد نهاية الإجارة.
وكذا طول إقامة المستأجر في المحل ، ووجاهته في مكسبه الموجبة لتعزيز الموقع التجاري للمحلّ ، لا يوجب شيء من ذلك حقّاً له في البقاء ، بل إذا تمّت مدّة الإجارة يجب عليه تخلية المحلّ وتسليمه إلى صاحبه.


( 102 )

وإذا استغلّ المسأجر القانون الحكومي الذي يقضي بمنع المالك عن إجبار المستأجر على التخلية أو عن الزيادة في بدل الإيجار ، فامتنع عن دفع الزيادة أو التخلية فعمله هذا محرّم ، ويكون تصرّفه في المحل بدون رضا المالك غصباً ، وكذا ما يأخذه من المال إزاء تخليته حراماً.
مسألة 2 : إذا آجر المالك محلّه من شخص سنة بمائة دينار مثلاً ، وقبض إضافة على ذلك مبلغ خمسمائة دينار مثلاً إزاء اشتراطه على نفسه في ضمن العقد أن يجدّد الإيجار لهذا المستأجر ، أو لمن يتنازل له المستأجر سنوياً بدون زيادة ، وإذا أراد المستأجر الثاني التنازل عن المحلّ لثالث أن يعامله نفس معاملة المستأجر ، فحينئذ يجوز للمستأجر أن يأخذ إزاء تنازله عن حقّه مبلغاً يساوي ما دفعه إلى المالك نقداً أو أكثر أو أقلّ حسب ما يتفقان عليه.
مسألة 3 : إذا آجر المالك محلّه من شخص مدّة معلومة وشرط على نفسه ـ إزاء مبلغ من المال أو بدونه ـ في ضمن العقد أن يجدّد إيجاره له سنوياً بعد نهاية المدّة بالصورة التي وقع عليها في السنة الأُولى أو على النحو المتعارف في كلّ سنة ، فاتّفق أنّ شخصاً دفع مبلغاً للمستأجر إزاء تنازله عن المحلّ وتخليته فقط ـ حيث لا يكون له إلاّ حقّ البقاء وللمالك الحرّية في إيجار المحلّ بعد خروجه كيف ما شاء ـ فعندئذٍ يجوز للمستأجر أخذ المبلغ المتّفق عليه ، وتكون السرقفليّة بإزاء التخلية فحسب ، لا بإزاء انتقال حقّ التصرّف منه إلى وافعها.
مسألة 4 : يجب على المالك الوفاء بما اشترطه على نفسه


( 103 )

في ضمن عقد الإجارة ، فيجب عليه في مفروض المسألة (2) أن يؤجر المحلّ للمستأجر أو لمن يتنازل له عنه بدون زيادة في بدل الإيجار ، كما يجب عليه في مفروض المسألة (3) أن يجدّد الإيجار للمستأجر ما دام يرغب في البقاء في المحلّ بمقدار بدل الإيجار السابق أو بما هو بدل إيجاره المتعارف حسبما هو مقرّر في الشرط.
وإذا تخلّف المالك عن الوفاء بشرطه وامتنع عن تجديد الإيجار فللمشروط له إجباره على ذلك ولو بالتوسّل بالحاكم الشرعي أو غيره ، ولكن إذا لم يتيسّر إجباره ـ لأيّ سبب كان ـ فلا يجوز له التصرّف في المحلّ من دون رضا المالك.
مسألة 5 : إذا جعل الشرط في عقد الإجارة في مفروض المسألتين ( 2ـ3 ) على نحو شرط النتيجة ـ لا على نحو شرط الفعل ، أي اشتراط تجديد الإجارة كما فرضناه ـ بأن اشترط المستأجر على المؤجر أن يكون له أو لمن يعيّنه مباشرة أو بواسطة حقّ إشغال المحل والاستفادة منه إزاء مبلغ معّين سنوياً ، أو بالقيمة المتعارفة في كلّ سنة ، فحينئذٍ يكون للمستأجر ـ أو لمن يعيّنه ـ حقّ إشغال المحل والاستفادة منه ولو من دون رضا المالك ، ولا يحقّ للمالك إلاّ أن يطالب بالمبلغ الذي اتفقا عليه إزاء الحق المذكور.


( 104 )

خامساً
فتاوى حضارية بأموال الأوروبيين

1ـ يحرم على المسلم خيانة من يأتمنه على مال أو عمل ، حتى لو كان كافراً ، ويجب على المسلم المحافظة على الأمانة وأدائها كاملة ، فمن يعمل في محل مبيعات أو محاسب ، لا يجوز له أن يخون صاحب العمل ويأخذ شيئاً مما تحت يده.
2ـ لا تجوز السرقة من أموال المسلمين الخاصّة والعامة ولا يجوز إتلافها ما دام ذلك يسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين بشكل عام.
3ـ لا تجوز السرقة من أموال غير المسلمين الخاصة والعامة ولا يجوز إتلافها ، حتى وإن كانت تلك السرقة وذلك الإتلاف لا يسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين فرضاً ، ولكنها عدّت غدراً ونقضاً للأمان الضمني المعطى لهم حين طلب رخصة الدخول إلى بلادهم ، أو طلب رخصة الإقامة فيها ، وذلك لحرمة الغدر ونقض الأمان بالنسبة إلى كل أحد مهما كان دينه وجنسه ومعتقده.
4ـ لا يجوز سرقة أموال غير المسلمين حين دخولهم للبلدان الإسلامية.


( 105 )

5ـ لا يجوز للمسلم أن يأخذ الرواتب والمساعدات بطرق غير قانونية ، كتزويد المسؤولين بمعلومات غير صحيحة ، أو ما شاكل ذلك.
6ـ لو حاول المسلم أن يسحب من الماكنة شيئاً من ماله ، فخرج له أكثر مما طلب ، فلا يجوز له أخذ الزيادة دون علم البنك غير الإسلامي بذلك.
7ـ لو اشترى مسلم بضاعة من شركة أجنبية في بلد غير إسلامي ، فأعطاه البائع خطأ أكثر مما طلب ، فلا يحق له أخذ الزيادة ، ولو أخذها لزمه الإرجاع.
8ـ موظف مسلم يعمل بشركة غير مسلمة ، وهو يستطيع أن يأخذ من حاجات الشركة شيئاً دون علم الشركة ، فلا يجوز له ذلك.
9ـ لا يجوز وقف عداد الكهرباء ، أو الماء ، أو الغاز أو التلاعب به في الدول غير الإسلامية.
10ـ لا يجوز غش شركات التأمين في الدول غير الإسلامية حتى وإن اطمأن بأن عمله لا يضرُّ بسمعة الإسلام والمسلمين.
11ـ لا يجوز للمسلم أن يعطي معلومات غير صحيحة للدوائر الحكومية في أوروبا للحصول على مزايا وتسهيلات مالية أو معنوية ، وبالطريقة القانونية لديهم ، لأنه من الكذب(1).
____________
(1) ظ : فقه المغتربين |167 وما بعدها.