«حواريّة الخمس»
دلف أبي لقاعة الحوار اليوم وبين يديه مصحف كريم، وعلى تقاطيع وجهه هيبة طاغية، وما أن جلس قبالتي حتى انحنى على مصحفه الشريف فقبّله ثم رفعه بكلتا يديه اِجلالاً له وناولني أيّاه.
ولما تلّفقته منه واحتضنته بكلتا يدي وقبّلته، سرت في جسدي رهبة آسرة، واحتواني جلال مهيب. واِذ استقر مصحفه بيدي قال أبي:
ــ افتح كتاب الله واتل على مسامعي بعضاً من بداية الجزء العاشر منه.
ففتحت المصحف الشريف وأخرجت الجزء العاشر وتلوت بعد ان استعذت بالله من الشيطان الرجيم قوله تعالى:
(واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل اِن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيءٍ قدير)
.
فقاطعني أبي قائلاً:
ــ أعد على مسامعي ما تلوت.
فأعدت تلاوة قوله تعالى:
(واعلموا أنما غنتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)
.
قال: كفي... كفي.. ثم أطرق قليلاً وأعاد كمن يُحدِّث نفسه
(واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فان لله خمسُه)
ورفع رأسه اِليَّ واردف بنبرة حازمة قائلاً:
ــ يقول الله سبحانه وتعالى:
(واعلموا)
فهل علمت بوجوب الخمس؟
قلت ـ وقد اجتاحتني موجة من طمأنينة واثقة ورهبة وخوف: نعم..نعم..علمت.
ثم قام من مقعَده وناولني ثانية مجلداً كان قريباً منه يسميّه «الوسائل» فقرأت على وجه صفحته الاولى اسم مؤلّفه «محمد بن الحسن الحر العاملي» وقال لي: أخرج لي منه كتاب الخمس واقرأ.
فاخرجت كتاب الخمس وقرأت له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله والاِمام عليّ عليه السلام والاِمام الباقر عليه السلام والاِمام الصادق عليه السلام والاِمام الكاظم عليه السلام في الخمس.
وكان مما قرأت له هذا الحديث الذي يرويه رجل يسمى عمران بن موسى قال: قرأت على موسى بن جعفر عليهما السلام آية الخمس. فقال: «ما كان لله فهو لرسول الله، وما كان للرسول فهو لنا» ثمّ قال: « والله لقد يسّر الله على المؤمنين ارزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدة واكلوا اربعة احلاء».
وهذا الحديث الذي يرويه رجل يسمّى سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال: «في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير».
وهذا الحديث المروي عن محمد ابن الحسن الاشعري قال: كتب بعض اصحابنا الى أبي جعفر الثاني عليه السلام : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير، ومن جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه «الخمس بعد المؤنة».
واِذ انتهيت من تلاوة هذا الحديث سألت أبي:
في حواريّة الصلاة قلت لي: لا تصل بملابس تعلّق بها الخمس ولم تخمس، ثم عدت ثانيةً وقلت لي في حواريّة الحج: طهِّر مالك بأخراج خمسه وزكاته ـ اِن كان مشمولاً بهما ـ قبل أن تحج به. فهل يجب عليَّ أن اُخمِّس كل مالي يا تُرى؟
قال أبي: يجب الخمس فيما يأتي:
1 ـ ما يغنمه المسلمون في الحرب من الاَموال المنقولة وغيرها للكفّار الذّين يحل قتالهم.
2 ـ ما يستخرج من المعادن كالذهب والفضّة والنحاس والحديد والكبريت وغيرها، وكذلك النفط والفحم الحجري، بعد طرح تكاليف الانتاج والتصفية، شرط أن تبلغ القيمة السوقية للكمية المستخرجة منها ما يساوي قيمة خمسة عشر مثقالاً صيرفياً من الذهب المسكوك . أو يزيد .
3 ـ الكنوز، شرط أن تبلغ قيمة الكمية المستخرجة منها خمسة عشر مثقالاً صيرفياً من الذهب أو أكثر، ومن الفضة مائة وخمسة مثاقيل أو أكثر بعد استثناء تكاليف الاخراج .
4 ـ ما اُخرج بالغوص من البحر أو الاَنهار الكبار مما يتكون فيها اللؤلؤ والمرجان وغيرهما اِذا بلغت قيمته ديناراً ذهبياً .
5 ـ المال الحلال المخلوط بالمال الحرام في بعض صوره .
6 ـ الارباح السنوية المتحصلة من تجارة أو صناعة أو هدية أو زراعة أو حيازة أو أي كسب اَخر بما في ذلك أجور العمل والرواتب و... و...
وقاطعته:
معنى هذا أن أرباح التجار يجب أن تخمَّس ؟
ــ ليست أرباح التجار وحدها يجب أن تخمّس بل أرباح كل مستفيد بما فيهم أنت وأنا .
وكيف يحسب التاجر ارباحه الخاضعة للتخميس ؟
ــ يحسب ما لديه من الاموال من بضاعة ونقد بعد مرور سنة من شروعه في التجارة ويستثني منه :
اولا :
رأس ماله الذي تاجر به .
ثانيا :
المبالغ المصروفة في سبيل تحصيل الارباح من اجور النقل والكهرباء والهاتف والمحلات والمخازن والضرائب ونحوها.
ثالثا :
مصروفه الشخصي ومصروف عائلته خلال السنة المنصرمة، أي: ما صرفه في المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، والنقل والاثاث، والعلاج والنثريات الاخرى، بما في ذلك تسديد الديون والهدايا، والواجبات والسفرات والمناسبات وغيرها مما هو طبيعي لمثله ولا يُعدَّ سرفاً وتبذيراً فاذا استثنى الامور المذكورة اخرج 20% من الباقي ودفعه خمساً .
وضح لي هذا بذكر مثال.
ــ مثلاً: اذا لاحظ التاجر عند حلول رأس سنته انه يمتلك عشرة اَلاف دينار نقداً وعشرين الف دينار من البضاعة ليكون المجموع ثلاثين الف ديناراً، ولاحظ انه كان رأس ماله في بداية السنة خمسة عشر الف دينارٍ، ودفع في سبيل تجارته من اجور النقل والهاتف والكهرباء والدكان ونحو ذلك مبلغاً قدره الف دينار، وصرف على نفسه وعائلته خلال العام اربعة اَلاف دينار، يكون صافي ربحه بعد طرح رأس المال ومؤونة التجارة والمؤونة السنوية هو عشرة اَلاف دينار أي 30000 ـ 20000 = 10000 وهو ما يجب ان يخمّسه، ومقدار الخمس الفا دينار 10000 ÷ 5 = 2000 وهو المبلغ الواجب دفعه .
سكت ابي هنيئة ثم قال:
ـ استثناء رأس المال ومؤنة التجارة.. والمؤنة السنوية وارد من حق من كون رأس ماله وصرف على تجارته وعلى نفسه وعائلته من مال مخمس أو مما لم يتعلق به الخمس كالمال الموروث.
واما من كون رأس ماله من ارباح نفس سنته فليس له استثناء مقداره قبل التخميس، وهكذا من صرف على تجارته وعلى نفسه وعائلته من الارباح المتجددة خلال السنة فانه لا يحق له استثناء مقداره قبل التخميس.
ـ قلت لأبي:
ومن أي تاريخ أبدأ بحساب الارباح حتى اِذا مر عليها عام وجب أن أدفع خمسها ؟
ــ من أول ظهور الربح اِذا لم تكن لك مهنة تتعيش منها فمتى استفدت ومضى على تاريخ تلك الاستفادة عام من دون أن تصرفها في مأكل أو ملبس أو علاج أو أثاث أو سفرة أو... أو... فادفع خمس ما حصَّلت عليه، أما اِذا كانت لك مهنة تتعاطاها في معاشك فابدأ بالحساب من تاريخ الشروع بالاكتساب .
لو اشتريت ثياباً لي ومضى عليها عام ولم ألبسها ؟
ــ اِدفع خمسها. وكذلك يخمس رب الاسرة ـ مثلاً ـ وكل مالك ما اشتراه من حاجات بيتيّة أثناء العام ولم يستخدمها، بما في ذلك ما يفضل في بيته من رز أو طحين أو حنطة أو شعير أو سكر أو شاي أو ماش أو عدس أو معلّبات أو دهن أو حلويات أو نفط أو غاز أو غيرها.
معنى هذا كل ما زاد عن الحاجة فلم يستخدم أو يؤكل أو يلبس أو..أو.. يخمّس.
ــ نعم.. فاِذا حلَّ يوم اِخراج الخمس تقوم بعملية جرد شاملة للفائض عن الحاجة السنوية وتدفع خمسه من عينه، أو تقدّر قيمته وتدفع خمسه.
أَأُقدر قيمته يوم حساب الخمس أم قيمته حين الشراء؟
ــ بل قيمته السوقية عند حساب الخمس، لا قيمته التي اشتريته بها.
ولو لم أُخمّس حاجة كان يجب عليَّ أن اُخمّسها؟
ــ لا يحل لك التصرّف بها حينئذٍ حتى تدفع الخمس، ويجوز باذن الحاكم الشرعي اِذا رأى مصلحة في ذلك.
والمتوفى اذا كان في ذمته خمس ولم يوص باخراجه فما هي وظيفة الورثة؟
ــ يلزمهم اِخراجه من أصل ما خلَّفه مقدماً على الوصية والارث، ويستثنى من ذلك ما لو كان المتوفى عاصياً لا يدفع الخمس فانّه تحل تركته للوارث المؤمن ولا يلزمه تفريغ ذمة مورثه مما علق بها من الخمس.
وهكذا الحال في كل ما ينتقل الى المؤمن ممّن لا يخمس أمواله بمعاملة أو مجاناً، فانّه يملكه ويجوز له التصرّف فيه، كما يجوز له التصرّف في اموال من لا يخمّس اِذا اباحها له من دون تمليك فان في جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس اِذ كان مقصّراً.
هكذا قال أبي ثم سكت برهة فبادرت قائلاً :
وماذا يفعل التاجر أو مالك الارض الزراعية أو صاحب المعمل الصناعي او الملاّك أو العامل أو الموظف أو الطالب أو غيرهم اِذا كان لا يخمّس ولا يحاسب نفسه لاخراج الخمس سنوات وسنوات غنم خلالها واستفاد وربح أموالاً وعمَّر دياراً واشترى أثاثاً وفراشاً وحاجات وملابس، ثم تنبّه الى وجوب اِخراج الخمس من هذه الارباح؟
ــ يجب عليه اِخراج الخمس من هذه الاَرباح من كل ما ذكرت وعددت اِذا لم يكن من مؤنة سنته، بل كان فائضاً عن حاجته السنوية.
اِضرب لي مثلاً على ما تقول.
ــ الدار التي اشتراها ولم يتّخذها مسكناً له، لاَنّه يملك داراً أخرى غيرها ملائمةً لسكناه، يجب عليه اِخراج خمسها.
والاَثاث الذي اشتراه ولم يستخدمه لعدم احتياجه اِليه يجب عليه اِخراج خمسه.
والحاجات التي اشتراها ولا يحتاج اِليها من هو في مستواه يجب عليه اِخراج خمسها.
وما كان من مؤنته السنوية كالدار التي اشتراها لسكناه أو الاَثاث الذي اشتراه واستخدمه لحاجته اِليه وما شاكل ذلك.
ــ اِذا كان قد اشترى الدار مثلاً أو الاثاث من أرباح نفس تلك السنة سنة سكناه في الدار، أو استخدامه الاثاث فلا يجب عليه تخميسها، وكذلك غيرها من أمثالها.
واِذا كان قد اشترى الدار لسكناه مثلاً من أرباح تجمّعت عنده من سنين سابقة مضافاً اِليها أرباح تلك السنة ـ سنة سكناه في الدار ـ كما هو حال الكثير من الناس اليوم ـ كما أظن ـ ممن تجمّعت لديهم أرباح من سنين سابقة فاختلط عليهم حساب الخمس؟
ــ يجب عليه مراجعة الحاكم الشرعي أو من يقوم مقامه ليجري معه مصالحة بشأن المقدار المشكوك أنّه من أرباح السنين السابقة أو من ربح سنة السكنى في الدار، وامّا ما يتعيّن انّه من أرباح السنين السابقة فلا بد من اِخراج خمسه فوراً.
واِذا لم يكن قادراً على اداء الخمس دفعة واحدة معجّلاً أو كان يجد في ذلك حرجاً ومشقة؟
ــ يقسطه عليه الحاكم الشرعي أو من يقوم مقامه بعد ان ينقله الى ذمته بالمداورة ليؤدّيه تدريجياً من غير مسامحة أو اهمال.
أنا الاَن اسكن معك في نفس الدار فهل يجب عليَّ الخمس، أو يكفي خمسك عن نفسك؟
ــ نعم يجب عليك اِخراج الخمس من ربحك حتى لو كنت معي في نفس الدار اِذا ربحت وبقي ربحك عندك سنة كاملة لم تستخدمه فيها لعدم احتياجك اِليه.
لو اشتغلت في العطلة الصيفيّة ـ أنا الطالب ـ بأجر شهري ولم تأخذه أنت أبي منّي كي أصرفه على نفسي... على ملابسي مثلاً، على حاجاتي فهل يجب عليَّ أن اُخمّس أجري الشهري؟
ــ اِذا صرفته فيما يناسبك ويليق بك فلا خمس عليك، واِن ادخرته أو بعضاً منه حتى مرّ عليه العام وجب عليك تخميس المدّخر.
محل تجاري اشتراه صاحبه «بسرقفلية» هو وأدوات العمل فيه وأخرج خمسه في السنة الاُولى. فهل يجب عليه اِخراج خمس زيادة القيمة التي تطرأ على السرقفلية والاَدوات كل عام؟
ــ كلاّ، بل يجب عليه تخميس الزيادة الطارئة بعد بيع المحل وظهور الربح فيه اِذا لم يصرفها من مؤنة سنته.
الاَواني المعدّة للطعام والشراب لو استعملت كتحفيات للزينة، فهل يعد هذا الاستعمال استعمالاً مسقطاً للخمس؟
ــ اِذا كان وجودها متعارفاً عند أمثاله من الناس وعدم وجودها نقصاً حُسبت عندئذٍ من مؤنة السنة. ولا خمس عليها.
كمية من العملة خمّسها مالكها ثم حوّلها الى عملة أخرى فتضاعفت قيمتها بالقياس الى العملة الاولى فقررّ حفظها وادخارها ومرّ على ذلك عام.
ــ لا يجب عليه تخميس القيمة الزائدة ما دام المالك قاصداً حفظ المال وادخاره فعلاً.
بعض المواد الغذائية تدعمها الدولة فتباع بأسعار زهيدة قياساً بأسعارها السوقية المرتفعة. فلو لم يستهلك منها مالكها شيئاً حتى مرَّ عليها عام فهل يتم احتساب قيمة المواد على أساس السعر المدعوم أو على أساس سعر السوق؟
ــ تقدّر على أساس سعر السوق وقت دفع الخمس.
قطعة أرض اشتراها صاحبها شرعاً واستغلها ولكنها مسجّلة باسم غيره في دائرة الطابو بحيث يحق لهذا الغير انتزاعها من مالكها الشرعي ساعة ما يشاء. فهل يجب عليه تخميسها الاَن أو حتى تسجل في دائرة الطابو باسمه؟
ــ يجب عليه تخميسها الاَن اِن انطبقت عليه شروط الخمس مارّة الذكر.
المكافأة التقاعدية التي تدفعها الدولة الى الموظف المتقاعد أيجب عليه اِخراج خمسها عند قبضها مباشرة أم حتى يحل راس سنته؟
ــ يخمس الفائض منها عند حلول رأس سنته.
واِذا اخرجت الخمس فلمن أدفعه؟
ــ الخمس نصفان نصف للاِمام المنتظر «عجل الله فرجه الشريف». يصرف في الامور التي يضمن أو يُحرز رضا الاِمام في صرفها فيها وباجازة من المرجع [ الاَعلم المطلع والمحيط بالجهات العامّة] أو يدفع اِليه، ونصف للفقراء وأبناء السبيل من الهاشميين المؤمنين وكذلك ايتام الفقراء المؤمنين منهم العاملين بفرائض دينهم القويم.
ويقصد بالهاشميين الذين ينتسبون من جهة الاَب الى هاشم جدّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله.
هذا [ ولا يجوز اعطاء الخمس لمن تجب نفقته على صاحب المال كالاَب والاَم والزوجة والولد]، كما لا يجوز دفعه الى من يصرفه في الحرام، [ بل يعتبر أن لا يكون في الدفع اِليه اعانة على الاَثم واِن لم يكُن يصرفه في الحرام، كما لا يجوز اعطاؤه لتارك الصلاة أو شارب الخمر أو المتجاهر بالفسق].