حواريّة
النّذر والعهد واليمين
في طريق عودتي الى البيت سمعت الحوار التالي بين والدة وولدها:
الوالدة: لقد نذرت لله عزّ وجلّ أن أذبح خروفاً اِن شُفي أخوك الصغير من مرضه، وهاهو ذا شفي والحمد لله، فوجب عليّ أن أفي بالنّذر.
الولد: ألم أقل لك دائماً يا اُمّي: اِنّك تفضّلين أخي الصغير عليَّ.
الوالدة: ولِمَ ذاك.. ألم يكن مرض اخيك خطيراً.. ألم يفقد وعيه، فلم يعد يسمع ويرى.. ألم يقل الطبيب عنه لولا عناية الله به لما شفي.. ألم .. ألم.. أنسيت حالته، أليس من الواجب أن اشكر الله على شفائه، فأذبح خروفاً لله عزّ وجلّ حمداً له على نعمته؟!
أوَ يعني أني حين أنذر لله عزّ وجلّ راجية وطالبة شفاء أخيك من مرض خطير ألمَّ به، أني افضلّه عليك.. ألم نعقَّ عنك عقيقة.. خروفاً سميناً في اليوم السابع بعد ولادتك.. ألم نُضح عنك أضحية؟
عقيقة.. أضحية؟!
ما العقيقة؟.. وما الاَضحية؟
ــ العقيقة يا بني ـ قال أبي ـ أن يُذبح عن المولود ذكراً كان أو اُنثى في اليوم السابع من ولادته خروف أو بقرة مثلاً.. روي عن الاِمام الصادق عليه السلام: «يسمّى الصبي في اليوم السابع، ويُعَقَّ عنه، ويحلق رأسه، ويتصدّق بزنة الشعر فضة، وترسل الرجل والفخذ للقابلة التي عاونت الاُم في وضع الحمل، ويطعم الناس بالباقي منها، ويتصدّق به». ويكره للاَب أو أحد عياله ولاسيّما الاُم أن يأكل من عقيقة صبيّه.
والعقيقة سنّة مؤكّدة لمن يقدر عليها، روى عن الاِمام الباقر عليه السلام انّه قال: «ان رسول الله صلى الله عليه وآله أذَّن في اُذن الحسنين (صلوات الله عليهما) يوم ولادتهما وعقّ عنهما، في اليوم السابع».
ومن لم يعقّ عنه أبوه جاز له ان يعقَّ هو عن نفسه بعد ذلك عندما يكبر، فقد سأل عمر بن يزيد الاِمام الصادق عليه السلام قائلاً: «انّي والله ما أدري كان أبي عقَّ عني أم لا. فأمره عليه السلام بالعقيقة، فعقَّ عن نفسه وهو شيخ».
هذه العقيقة. ولكن ما هي الاَضحية؟
ــ الاَضحية ـ قال أبي ـ أن يذبح الاِنسان ـ اِن تمكن ـ خروفاً مثلاً، ويا حبَّذا لو كان سميناً يوم العيد ـ عيد الاَضحى ـ وهي سُنَّة مؤكّدة كذلك، ويجوز التبرّع بالاَضحية عن الحيّ والميّت على السّواء بما في ذلك عن الصبي الصغير. فقد ضحّي رسول الله صلى الله عليه وآله عن نسائه، وضحّى عمّن لم يضح من أهل بيته، وضحّى عمّن لم يضح من اُمّته، كما كان يضحّى أمير المؤمنين عليه السلام كل سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهل وفاء تلك الاُم بنذرها واجب عليها أو هو كالعقيقة والاَضحية غير واجب بل مستحبّ مؤكّد؟
ــ دعني أقل لك أوّلاً ما هو النّذر.
النّذر: أن تلتزم بفعل شيء معيّن، أو ترك شيء معيّن لله تعالى.. أيّ شيء كان.
ولكن ليس دائماً يجب الوفاء بالنّذر، واِنّما بشروط لو تحقّقت وجب الوفاء به.
وما هي الشروط التّي لو تحقّقت يجب الوفاء بالنّذر؟
ــ الشروط هي:
1 ـ أن ينشأ النّذر بصيغة تشتمل على قوله «لله» أو ما يشابهها من أسمائه المختصّة به جلّ وعلا، فلو قال الناذر الصيغة المعيّنة التالية: «لله عليَّ.. كذا» انعقد نذره كأن يقول مثلاً: «لله عليَّ أن أذبح خروفاً وأتصدَّق بلحمه على الفقراء اِن شُفي ولدي».
أو يقول: «لله عليَّ أن أدع وأترك التعرَّض لجاري بسوء»، أو غير ذلك، سواء أدّاها باللغة العربيّة أم بغيرها من اللغات.
ولو لم يقل الناذر «لله عليَّ» ولا قال «للرّحمن عليَّ» ولا أشباهها، كما تنذر اليوم غالبية الناس؟
ــ لا يجب عليه الوفاء بالنّذر حينئذٍ.
2 ـ أن يكون الشيء المنذور حسناً راجحاً شرعاً حين العمل.
واذا كان الشيء المنذور غير راجح وغير حسن، بل كان مكروهاً أو مضرّاً أو مباحاً.
ــ لا يصحّ النّذر في الاَوّلين، أمّا المباح فاِن قصد به معنىً راجحاً كما لو نذر شرب الماء قاصداً به أن يتقوّى به على العبادة انعقد نذره، واِلاّ لم ينعقد.
3 ـ يشترط في الشخص الناذر البلوغ، والعقل، والاِختيار، والقصد، وعدم الحجر عمّا تعلق به نذره.
4 ـ أن يكون الشيء المنذور مقدوراً أو مستطاعاً للنّاذر.
ولو نذر انسان شيئاً لا يقدر عليه ولا يستطيع؟
ــ لا يصحّ النّذر.
واذا نذر الاِنسان وفق الشروط مارّة الذكر؟
ــ وجب عليه الوفاء بنذره والاِلتزام بما نذر، سواء أكان فعل شيء لله عزّ وجلّ، أم تركه، في زمن محدّد، أم طيلة حياته، صلاة كان ذلك الشيء، أم صوماً، أم صدقة، أم زيارة، أم حجّاً، أم تبرّعاً بشيء، أم ترك شيء، أم غير ذلك.
واذا خالف الاِنسان نذره عامداً.
ــ وجبت عليه الكفارة وهي: عتق رقبة، أو اِطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم.
واذا عجز عن ذلك لفقره مثلاً؟
يجب عليه صيام ثلاثة أيّام متواليات.
لو نذر الاِنسان مالاً لمشهدٍ من المشاهد المقدّسة؟
ــ ينفق ذلك المال على عمارته، أو اِنارته، أو فرشه، أو تدفئته، أو تبريده، أو ما شاكل ذلك من شؤون المشهد، اذا لم يقصد الناذر مصرفاً معيّناً من المذكورات أو غيرها.
ولو نذر لشخص صاحب المشهد كالنّبي صلى الله عليه وآله أو الاِمام عليه السلام أو لبعض أولادهما؟
ــ ينفق على زواره الفقراء مثلاً، أو على حرمه الشريف، ونحو ذلك.
اذا ظنّ الاِنسان ظنّاً قويّاً أنّه قد نذر نذراً معيّناً، فهل يجب عليه الوفاء به؟
ــ اذا اطمأن بأنّه نذر وجب عليه الوفاء بالنّذر واِلاّ فلا يجب عليه الوفاء به.
قال ذلك أبي وأضاف:
وقد يعاهد الاِنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: «عاهدت الله أن أفعل..» أو يقول: «عليَّ عهد الله أنّه متى كان... فعليَّ...» فاذا قال ذلك وجب عليه الاِلتزام بما عاهد عليه.
معنى هذا أن العهد كالنذر، لا يصحّ بدون صيغة محدّدة؟
ــ نعم، كما أنّه لا يصحّ اِلاّ اذا كان ما عاهد الله عليه راجحاً ولو رجحاناً دنيويّاً شخصيّاً شريطة ان لا يكون مرجوحاً شرعاً. ويشترط في العهد ما يشترط في النذر وقد شرحت لك ذلك.
واذا خالف الاِنسان ما عاهد الله عليه؟
ــ وجبت عليه كفارة وهي عتق رقبة أو اِطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين.
قال ذلك أبي وأردف مضيفاً:
ويجب الوفاء باليمين كذلك، ولو خالفها عامداً وجبت عليه كفّارة وهي: عتق رقبة أو اِطعام عشرة مساكين أو كسوتهم. ومع العجز عن ذلك يصوم ثلاثة ايّام متواليات.
ويشترط في اليمين أو القسم اللفظ. وأن يكون القسم بالله تعالى، وأن يكون ما أقسم عليه مقدوراً ومستطاعاً حين الوفاء به، وراجحاً شرعاً ويكفي لو كان مباحاً اذا حلف أو أقسم على فعله لمصلحة دنيويّة ولو كانت شخصيّة ويشترط في الحالف التكليف والقصد والاختيار والعقل.
مثّل لي لليمين أو القسم التي يجب الوفاء بها؟
ــ اذا قال الاِنسان مثلاً: «والله لاَفعلنَّ»، أو قال: «بالله لاَفعلنَّ»، أو قال: «أقسم بالله»، أو قال: «اقسم بربِّ المصحف»، أو غير ذلك.
واذا قال الاِنسان مخاطباً شخصاً اَخر قائلاً له: «والله لتفعلنَّ»؟
ــ لا يتعلّق اليمين أو القسم بفعل الاِنسان الاَخر، ولا بالزمن الماضي، ولذلك فلا يترتب أي اثر على يمين كهذا.
كما لا ينعقد يمين أو قسم الولد اذا منعه أبوه، ويمين الزّوجة اذا منعها زوجها.
واذا أقسم الولد من دون اِذن أبيه والزّوجة من دون اِذن زوجها كان للاَب والزوج حلّ اليمين أو القسم.
قد يحلف أو يقسم الاِنسان على صدق كلامه وهو صادق بالفعل، أو يحلف على شيء معيّن وهو صادق في حلفه؟
ــ الاَيمان الصادقة ليست محرّمة ولكنّها مكروهة.
أما الاَيمان الكاذبة فهي محرّمة، بل قد تعتبر من المعاصي الكبيرة اِلاّ عند الضرورة.
وكيف ذلك؟
ــ اذا قصد الاِنسان أن يدفع بقسمه أو حلفه الظالم عن نفسه أو عن المؤمنين فهذا القسم جائز، بل ربّما يكون القسم الكاذب واجباً كما اذا هدَّد الظالم نفس المؤمن أو عرضه أو نفس مؤمنٍ اَخر أو عرضه، ولكن اذا اِلتفت الى امكان التورية، وكان عارفاً بها وهي متيسّرة له [فعليه أن يوري في كلامه].
ما تقصد بــ(يوري في كلامه).
التورية، ان يُقصَد بالكلام معنىً غير معناه الظاهر، من دون نصب قرينة موضّحة لقصده، فلو سألك ظالم عن مكان احد المؤمنين وكنت تخشاه عليه تجيبه (ما رأيته) وقد رأيته قبل ساعة وتقصد بذلك انّك لم تره منذ دقائق.
وبها انهى حوارية اليوم والحمد لله رب العالمين
* * * * *
«حواريّة الوصيّة»
استهلَّ أبي جلسة حواريّة الوصيّة بالحديث الشريف التالي:
قال الاِمام ابو جعفر عليه السلام: «الوصيّة حقّ وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله فينبغي للمسلم أن يوصي».
ولكن بعض النّاس يا أبي لا يوصون متصوّرين أن الوصيّة تعني قرب حلول الموت فيتشاءمون منها.
ــ الوصيّة مستحبّة، ويقال انّها على العكس من ذلك تطيل العمر، ثمَّ أن ترك الوصيّة مكروه وغير حسن.
وبعد ذلك كلّه «الموت حقٌّ» أليس كذلك؟
نعم، الموت حقّ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
(كُلُّ نَفْسٍ ذائقَةُ الموت)
اَية أسمعها كثيراً تتردّد على شفاه الناس وأقرؤها على المقابر في الطريق.
ـ نعم الموت حقّ قلتها برهبة وخشوع وخوف.
ــ اذا كان كذلك فلماذا التهرّب من حقيقة واقعة لا محال؟
أليس من الاَجدار بنا أن نكون واقعيين، أو قل عمليين فنستعدّ لما هو اَت لا مناص منه، ولا مهرب عنه، أطال بنا العمر أو قصر، فيكون مصدر العظة والاعتبار؟
ولكني لا أعرف كيف يوصي الاِنسان؟
ــ يستحب لك أن تبدأ بالوصيّة التي علَّمها رسول الله صلى الله عليه وآله للاِمام على عليه السلام وللمسلمين.
وما هي؟
ــ نهض أبي لمكتبته وعاد ومعه كتاب عزيز عليه يسمّيه «الوسائل» فقرأ عليَّ منه نص الوصيّة التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله للاِمام على عليه السلام والمسلمين.
وهأنذا أنقل اليكم ما قرأه وكتبته بالحرف الواحد:
«اللّهمَّ فاطر السموات والاَرض عالم الغيب والشهادة الرّحمن الرّحيم اللّهمَّ اِنّي أعهد اليك في دار الدّنيا أني أشهد ألاّ اِله اِلاّ أنت وحدك لا شريك لك وان محمداً عبدك ورسولك وان الجنّة حقّ والنار حقّ وأن البعث حقّ والحساب حقّ والقدر والميزان حقّ وان الدين كما وصفت والاِسلام كما شرعت وأن القول كما حدثت وأن القراَن كما وصفت وانّك انت الله الحقُّ المبين جزى الله محمداً خير الجزاء وحيّا محمداً واَل محمداً بالسلام.
اللّهم يا عدّتي عند كربتي وصاحبي عند شدّتي ويا وليّ نعمتي. اِلهي واِله اَبائي لا تَكِلْني الى نفسي طرفة عينٍ أبداً فانّك اِن تَكِلْني الى نفسي أقرب من الشر وابعد من الخير، فاَنس في القبر وحشتي واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً».
ثم يوصي الاِنسان بحاجته، أيّ حاجةٍ يشاء.
وبماذا يوصي؟
ــ يوصي بالمحافظة على أولاده الصغار وعائلته مثلاً، يُوصي بصلة الرحم يوصي بتسديد ديونه واداء اماناته، يوصي بقضاء ما فاته من صلاة وصيام وحج، يوصي بدفع خمس اموال لم يخمّسها سابقاً أو زكاة استحقّت عليه ولم يخرجها، يوصي باطعام الفقراء بثوابه، يوصي بالقيام بأعمال خاصة له بعده، يوصي بالتصدّق عنه، يوصي... يوصي، يوصي بما يشاء.
قال أبي ذلك واردف:
ويشترط فيمن يوصي البلوغ، والعقل، والاختيار، والرشد فلا تصحّ وصيّه السفيه في امواله ولا الاِنسان المكره، ولا الصبي اِلاّ اذا بلغ عشراً وكانت وصيته في وجوه الخير والمعروف ولاَرحامه وأقربائه.
وأن لا يكون الموصي مقدماً على موته عامداً بتناول سمٍّ، أو احداث جرح عميق، أو ما شابه ذلك، مما يجعله عرضة للموت.
ففي هذه الحالة لا تصح وصيته في ماله وتصح في غيره من تجهيزه وما يتعلّق بشؤون القاصرين من اولاده مثلاً ونحو ذلك.
وأضاف أبي:
يسمّى الشخص الذي يختاره صاحب الوصيّة لتنفيذ وصيّته بــ «الوصي» وليس للوصي أن يفوِّض أمر الوصية الى غيره اعني ان يعزل نفسه عن الوصاية ويجعلها له.
وله أن يوكِّل من يثق به للقيام بشأن ما من شؤون الوصيّة، اذا لم يكن غرض صاحب الوصية مباشرة الوصي ذلك الاَمر بنفسه.
وهل يشترط في الوصيّة أن تكون مكتوبة؟
ــ كلاّ، يمكن للاِنسان أن يوصي باللفظ أو حتى بالاشارة المفهمة لما يريد.
كما يكفي وجود كتابة بخطِّه أو امضائه، يظهر منها ارادة العمل بها بعد موته. (أي بعنوان انّها وصيّته).
وهل يكتب الاِنسان وصيّته حال المرض فقط؟
ــ كلاّ، في الحالين معاً: حال المرض وحال تمتعه بالصحة والعافية والسلامة.
ويوصي بما يريد؟
ــ نعم، شرط أن لا يكون في معصية، كمعونة الظالم وغيرها.
وبالمبالغ أو المخلّفات التي يريد؟
يحق للاِنسان أن يوصي بما لا يزيد على ثلث ما تركه فقط من اموال أو غيرها.
واذا أوصى بما زاد على ثلثه؟
ــ بطلت وصيّته فيما زاد على الثلث اِلاّ اذا أجاز ذلك الورثة.
واذا اُريد تنفيذ الوصيّة؟
ــ تستثنى أوّلاً من مجموع ما خلَّفه الموصي الحقوق المالية التي بذمَّته كالمال الذي استدانه، وثمن الحاجات التي اشتراها ولم يسدّد ثمنها وغيرها. بما في ذلك الخمس، أو الزكاة، والمظالم التي بذمّته، والحج الواجب بالاصل، سواء أوصى بذلك أم لا يوصي.
هذا اذا لم يوصي باِخراجها من الثلث واِلاّ اخرجت منه.
ثم يقسّم ما خلَّفه ـ الباقي طبعاً ـ ثلاثاً أقسام:
ثلث منها لما أوصى به، وثلثان للورثة.
أحياناً يوصي الميت بدفع مبلغ معيّن الى شخص معيّن، أو بتمليك دار، أو عقار، أو قطعة أرض، الى شخص معيّن. أو قد يأمر بدفنه في مكان معيّن أو بتجهيزه وفق ضوابط خاصة، أو غير ذلك؟
يحق له كلّ ذلك ما لم يتجاوز الثلث بالنسبة الى الاموال.
قد يتلف شيء من مال الموصي بيد الوصي.
الوصي غير مسؤول عن تلف ما في يده اِلاّ مع التّعدي أو التفريط.
قال أبي ذلك وأضاف:ــ
اذا لم تظهر علامات الموت للاِنسان فالوصيّة مستحبّة، أمّا اذا ظهرت علامات الموت فتجب عليه حينئذٍ أشياء منها:
1 ـ وفاء ديونه التي حان وقت وفائها مع قدرته على الوفاء.
أما الديون التي لم يحن وقت وفائها، أو حلّ ولم يطالبه الديّان بها، أو لم يكن قادراً على وفائها، فتجب عليه الوصيّة بها والاِستشهاد عليها اذا لم تكن معلومة عند الناس.
2 ـ ارجاع الاَمانات الى أهلها، أو اِعلام أصحابها باَمانتهم عنده، أو الاِيصاء باِرجاعها.
3 ـ اداء الخمس والزكاة والمظالم فوراً، ان كان في رقبته شيء منها، وكان قادراً على الاَداء.
4 ـ الوصية باتخاذ أجير من ماله ليصلّي ويصوم نيابة عنه، ان كان في ذمّته شيء منها. بل لو لم يكن له مال واحتمل ان يقضيها عنه شخص متبرِّعاً وجبت الوصيّة حينذاك، وفي بعض الحالات قد يكفي الاِخبار عمّا فاته عن الوصيّة كما لو كان له من يطمئن بقضائه لما فات عنه كالولد الاَكبر.
5 ـ اِخبار الورثة بما له من مال عند غيره، أو مال في مكان خاص لا يعلمه غيره، لئلاّ يضيع حقّهم بعد وفاته.
قلت لي في بداية الحواريّة: اِن الوصيّة مستحبّة. فلو لم يوصّ الاِنسان؟
ــ سقط حقّه في التصرّف بثلث ما تركه كما يحبّ ويشاء، حيث تقسّم تركته وفق ضوابط خاصّة على ورثته.
وكيف تقسّم؟
ــ هذا ما سأتناوله في حواريّة الاِرث القادمة انشاء الله.
* * * * *
«حواريّة الاِرث»
قال أبي مبتدئأً حواريّة الاِرث:
يمكننا أن نقسّم طبقات الاَقرباء من زاوية الاِرث الى ثلاث طبقات.
الطبقة الاُولى: الاَبوان والاَولاد وأولاد الاَولاد وهكذا...
غير أن الولد للصلب اِن وجد منع الحفيد والسّبط من الاِرث.
وما الحفيد وما السبط يا أبتي؟
ــ الحفيد هو ابن الابن، والسبط هو ابن البنت.
الطبقة الثانية: الاخوة والاخوات، واِن لم يوجدوا فأولادهم، والاَجداد والجدات مهما تصاعدوا من قبل الاب والام واذا كان للاخ اولاد واولاد اولاد منع الولد الاقرب منهم الولد الابعد من الارث.
اضرب لي مثلاً على ما تقول:
ــ ابن الاَخ مثلاً اِن وجد، منع حفيد الاَخ من الميراث.
الطبقة الثالثة: الاَعمام والاَخوال والعمّات والخالات، واِن لم يوجد احد منهم فأبناؤهم.
ويرث الاَقرب منهم فالاَقرب، حيث لا يرث الاَبناء ـ ابناء العم أو الخال أو العمّة أو الخالة ـ مع وجود العم أو الخال أو العمّة أو الخالة اِلاّ في حالة واحدة نصّت عليها كتب الفقه.
ولماذا قسَّمت الاَقرباء الى طبقات هذه المرّة، ولم تقسّمهم، كما اعتدت في التقسيمات السابقة الى أقسام.
أقصد لماذا قلت نقسّم الاَقرباء الى طبقات، ولم تقل الى أقسام؟
ــ سؤالك وجيه، فهنا في الاِرث لا يرث القريب من الطبقة اللاحقة مادام هناك قريب من الطبقة السابقة، فهم متدرّجون طبقة بعد طبقة.
اذا لم يوجد للمتوفّى أقرباء من كل هذه الطبقات التي عدّدتها؟
ــ حينئذٍ سيرثه عمومة أبيه واُمّه وعماتهما وأخوالهما وخلاتهما وأبناؤهم.
ومع عدم وجودهم؟
ــ سيرث المتوفّى عمومة جدّه وجدَّته، وأخوالهما وعمّاتهما وخالاتهما وبعدهم أولادهم مهما تسلسلوا شرط صدق القرابة للميّت عرفاً، علماً بأن الاَقرب منهم مقدّم على الاَبعد.
ولم تذكر لي الزوج والزوجة في ايّ من الطبقات الثلاث مارّة الذكر؟
ــ اِنّهما يرثان وفق ضوابط خاصّة، ليسا بمعزل عن هذه الطبقات، بل مع جميعها يرثان.
سأسالك اِذن أوّلاً عن اِرث الطبقة الاُولى ، ثم انتقل الى الثانية ، فالثالثة .
ــ سل كما تشاء .
اذا لم يكن للمتوفّى قريب من الطبقة الاُولى اِلاّ أولاده فقط؟
ــ ورثوا ماله كلّه .
فاِن كان ابناً واحداً أو بنتاً واحدة؟
ــ ورث المال كلّه.
وان كانوا كلّهم ذكوراً فقط أو اناثاً فقط.
ــ تقاسموا المال بينهم بالسويّة.
أما اذا كانوا ذكوراً واِناثاً معاً.
ــ فـ
(للذّكر مثل حظّ الاُنثيين)
.
هل يطلق لفظ الولد على الذّكر والاُنثى معاً، أو على الذّكر وحده كما الشائع عندنا.
ــ يطلق عليهما، قال تعالى في كتابه الكريم
(يوصيكُم الله في أولادِكُم للذَّكرِ مثلُ حَظّ الاُنثَيين)
.
لو فرضنا أن رجلاً مات وله ابن وبنت، فكيف يقسّم بينهم الاِرث؟
ــ يقسّم مال الميّت ثلاثة أسهم، للابن منه سهمان، وللبنت سهم واحد.
اذا لم يكن للميّت قريب من الطبقة الاُولى غير أبويه، وكان أحدهم حيّاً والاَخر ميّتاً؟
ــ ورث الحيّ الاِرث كلّه .
لو كان الاَب والاُمّ حيّين معاً ولم يكن للميّت اِخوة؟
ــ اخذ الاب ثلثي المال ، واخذت الاُمّ الثلث الباقي .
لو كان الاَب والاُمّ معاً حيّين وكانت للميت بنت واحدة ولم يكن له اخوة؟
ــ كان خمس المال للاَب وخمس اَخر للاُمّ وثلاثة اخماس للبنت .
واذا اجتمع للميّت أحد الاَبوين مع اولاد وبنات؟
ــ كان سدس المال للاَب أو للاُمّ ، ويُقسَّم الباقي بين الاولاد وفق قاعدة
(للذّكر مثل حظّ الاُنثيين)
.
دعنا ننتقل الى ارث الطبقة الثانية... أذكر أنَّك قلت لي أن الاخوة من الطبقة الثانية .
ــ هذا صحيح .
اذا كان للميّت اُخت واحدة أو أخ واحد؟
ــ للاَخ الواحد او الاُخت الواحدة المال كلّه .
واذا كان له اِخوة متعدّدون من أبيه واُمّه؟
ــ قُسِّـم المال بينهـم بالسويّـة اِن كانـوا ذكوراً فقط أو اناثـاً فقط أمّا اذا كان بعضهم ذكوراً والبعض الاَخر اِناثاً فـ
(للذّكر مثـل حـظّ الاُنثييـن )
اِن كـانوا كلـهم اِخوة لاَبيه واُمّـه، أو كانـوا كلهـم لاَبيـه فقـط دون اُمّـه. أمّـا لـو كـانوا كلـهم اخـوة للاُمّ فقط فيقتسمون بالسويّة مهما كانوا.
طيّب، العم والعمّة من الطبقة الثالثة ـ أليس كذلك؟
ــ نعم، وكذلك الخال والخالة.
لو فرضنا أن شخصاً مات وليس له اِلاّ عمٌّ واحد أو عمّة واحدة.
ــ المال كلّه للعمّ أو العمّة.
اذا كان له أعمام متعدّدون، أو كان له عمّات متعدّدات؟
ــ قسّم المال بينهم جميعاً بالسويّة.
اذا اجتمع للميّت عمّ أو عمّة أو أكثر مع خالٍ أو خالة أو أكثر؟
ــ قسّم المال ثلاثة أسهم، سهمان للعمومة وسهم واحد للخؤولة.
واِرث الزوج والزوجة؟
ــ للزوجة حكم خاص في الاِرث، فبعض مخلَّفات الزوج لا ترث منها زوجته مطلقاً. لا في عين ما ترك الزوج وخلَّف ولا في ثمنه، كالاَراضي بصورة عامّة كأرض الدار وأرض المزرعة مثلاً وغيرهما، فكل أرض للزوج لا نصيب للزوجة فيها ولا في قيمتها وثمنها.
وبعض الاَموال، لا حقّ لها في نفس اعيانها، وانّما لها نصيبها من قيمتها، وذلك في الاشجار والزرع والاَبنية التي في الدور فان للزوجة سهمها في قيمة تلك الاَموال ـ يوم الدفع ـ بعد تقويمها بطريقة معروفة عند المقوّمين ولا يجوز لسائر الورثة التصرّف فيما ترث منه الزوجة حتى فيما لها نصيب من قيمته اِلاّ بعد اَستئذانها.
وغير الاَراضي والاَبنية والاَشجار والزروع ممّا ترك الزوج وخلَّف؟
ــ ترث منها الزوجة كما يرث سائر الورثة الاَخرون.
وهل يرث الزوج زوجته؟
ــ نعم، يرث الزوج من كلّ ما تركته الزوجة وخلّفته منقولاً وغير منقول أرضاً وأموالاً وأشجاراً وبناءً وغيرها.
اذا ماتت الزوجة، وزوجها حيّ، وليس لها ولد لا منه ولا من غيره؟
ــ للزوج نصف ما خلّفت الزوجة، والنِّصف الاَخر لباقي الورثة.
وان كان لها ولد؟
ــ للزوج الربع والباقي لسائر الورثة.
لو عكسنا السؤال... وقلنا: اذا مات الزوج وليس له ولد وزوجته حيّة. فكم نسبة ما ترثه من زوجها؟
ــ للزوجة الربع والباقي للورثة.
واِن كان له ولد منها أو من غيرها؟
ــ للزوجة الثمن والباقي للورثة.
ــ قال أبي: هناك مسائل اُخرى وفروض اُخرى في الاِرث أشبعتها بحثاً كتب الفقه فاذا رغبت المزيد فراجعها.
غير أني ساُشير لك في ختام لقائنا الى امور:
1 ـ يُعطي من تركة المتوفّى مجاناً للولد الاَكبر: قراَن المتوفّى، وخاتمه، وسيفه، وملابسه، سواء لبسها المتوفّى، أم أعدّها للبسه. ولو تعدّد القراَن أوالخاتم أو السيف [فعلى الولد الاَكبر أن يتصالح مع باقي الورثة. وهكذا بالنسبة الى الرحل ومثل البندقيّة والخنجر وما يشبهها من الاسلحة].
2 ـ القاتل لا يرث المقتول، اذا كان القتل عمداً ظلماً، امّا اذا كان القتل خطأً فيرثه ممّا خلفه.
3 ـ المسلم يرث الكافر، ولا يرث الكافر المسلم.
* * * * *