«حواريّة الوقف»
قلت لاَبي بعد ان جلس ـ مبتدئاً أنا هذه المرة حواريّة اليوم ـ قلت له: وأنا اؤدي مراسم الزيارة لمراقد أئمّتي الاطهارعليهم السلام في النجف الاشرف وكربلاء المقدّسة وغيرها، اُشاهد أحياناً عبارة «وقف» مكتوبة على بعض المصاحف الكريمة الموضوعة داخل المرقد الطاهر أو على الثّريات، وأجهزة التبريد والمصابيح وغيرها.
كما اُشاهد عبارة الوقف هذه أحياناً اُخرى على بعض العمارات والبنايات والمحلاّت وعلى المراوح والمصابيح في المساجد والحسينيّات وربّما على بعض برّادات الماء في الشوارع العامة وغيرها.
ــ نعم، يحقّ للاِنسان ان يوقف الاَشياء التي ذكرتها وأمثالها وفق ضوابط خاصّة، فاذا تمَّ الوقف بشروطه الشرعيّة خرج الشيء الموقوف عن ملك من وقفه وأصبح مالاً لا يوهب ولا يورث ولا يباع اِلاّ في حالاتٍ خاصّة نصّت عليها كتب الفقه.
قال ذلك أبي وأضاف:
يكون الوقف تارة للموقوف عليه، كما اذا وقف شخص ملكاً له على اولاده او جيرانه أو أصدقائه أو غيرهم.
وتارة لا يكون كذلك، كما اذا وقف شخص ملكاً له ليكون مسجداً .
وقد يُعيّن الواقف شخصاً على الوقف يدبر شؤونه ويعمل بما قرّره الواقف من شروط، ويسمّى «بالمتولّي».
وهل للوقف صيغة محدّدة؟
ــ كلاّ ولا لغة معيّنة، فلو بنى شخص ما بناءً على طراز ما تبنى به المساجد بقصد كونه مسجداً كفى ذلك في صيرورته مسجداً .
قال أبي وسأذكر لك بعض ما يعتبر في الوقف : ـ
1 ـ الاستمرار والدوام، فلا يصح الوقف اذا حدَّده الواقف بوقتٍ معيَّن .
اضرب لي مثلاً على ما تقول .
ــ اذا وقف انسان داره على الفقراء مدّة سنة . فلا يصح وقفاً لاَنّه غير دائم ولا مستمر .
2 ـ أن لا يكون الموقوف عليه نفس الواقف ولو في ضمن اخرين .
مثلاً؟
ــ اذا وقف انسان أرضاً على نفسه مثلاً كي يدفن فيها حين حلول أجله وموته، لم يصح الوقف .
واذا وقف الاِنسان داره على شخص معيّن أو أشخاص معيّنين كأولاده أو أقربائه مثلاً؟
ــ صح الوقف بعد قبضهم . ذلك ان الاَوقاف الخاصّة لا تصح من دون قبض الموقوف عليه أو وكيله أو وليّه.
وكيف يتمّ قبضهم للدار مثلاً؟
ــ يكفي في القبض استيلاء الموقوف عليه او وكيله او وليه عليها.
أحياناً يكون المال الموقوف بيد الموقوف عليه.
ــ يكفي ذلك في قبضه، ولا حاجة الى قبض جديد.
والاَوقاف العامة من يقبضها؟
ــ لا يشترط في صحّة وقفها القبض.
قلت لي يشترط في الوقف الدوام والاِستمرار، فلا يحق للواقف أن يُحدِّد مدّة معيّنة يرجع باِنقضائها ملكه اليه.
ــ نعم، ويحق له اذا أراد عدم الدوام، أن «يحبِّس» ملكه ولا «يوقفه»... أن يحبس ملكه على جهة معيّنة أو شخص معيّن، مدّة يحدّدها وحينئذٍ لم يجز له الرجوع قبل انقضائها، حتّى اذا انتهت المدّة عاد كل شيء الى حالته الاولى.
قال ذلك أبي، ثم أطرق قليلاً وتنهّد كمن تذكّر شيئاً محزناً حين ذكر الحبس، قلت له لاَقطع عليه سلسلة افكار كئيبة تناهبته.
اِضرب لي مثلاً على ذلك.
اذا قال مالك سيارة نقل مثلاً: سيارتي حبيسة على نقل الحجاج الى بيت الله الحرام عشر سنين. حبسث سيارته على نقل الحجاج عشر سنين. فاذا انتهت المدّة المحدّدة، عادت سيارته الى وضعها السابق.
لو فرضنا أن هذا الشخص مات قبل اِنقضاء المدّة المحدّدة، فهل تعود سيارته الى ورثته يتقاسمونها كاِرث؟
ــ اذا مات الحابس بقي الشيء المحبوس على حبسه حتّى تنتهي المدّة، فاذا انتهت عاد الى ورثته ويحق لهم التصرّف فيه.
وهل يحق للاِنسان أن يحبس ملكه مدّة حياته على شخصٍ معين؟
ــ نعم ـ يحق له ذلك، ولا يجوز له الرجوع مادام حيّاً، فاذا مات رجع ذلك الشيء الى ورثته.
اذا قال المالك لشخص: أسكنتك هذه الدار لك ولاَولادك؟
ــ لم يجز له الرجوع في هذه «السكنى» مادام الساكن موجوداً هو وأولاده فاذا ماتوا رجعت الدار الى مالكها أو ورثته.
واذا قال له: اسكنتك داري مدّة حياتك، فمات الشخص المالك قبل الساكن؟
ــ لم يجز للورثة اِخراج الساكن حتّى يموت، فاذا مات عادت الدار للورثة.
أيجوز لزوج أن يوصي «بتحبيس» ثلث بستانه على زوجته لتنتفع من وارده مدة حياتها، على ان يعود الثلث بعد وفاتها الي ورثة الزوج؟
ــ نعم يجوز له ذلك.
فراش المسجد الموقوف عليه هل يجوز للولي اِعارته مثلاً لعرس أو مناسبة.
ــ مع كونه وقفاً مخصوصاً لا يجوز الانتفاع به في غير ذلك الوقف.
وهل يجوز تأجيره؟
ــ كذلك لا يجوز.
مسجد غير محتاج لمال وقِّف عليه بخصوصه، هل يجوز ترميم مسجد اَخر به؟
ــ اذا كان المسجد في غنىً عن ماله الاَن، وفي المستقبل المنظور، ولم يتيسّر حفظ هذا المال وادّخاره الى حين الاِحتياج اليه، صرف فيما هو الاَقرب الى مقصود الواقف من تاِّمين سائر احتياجات المسجد الموقوف عليه ذلك المال، أو ترميم مسجد اَخر.
* * * * *