حين قال أبي سنتحدّث يوماً عن التيمّم، أحسست أن هذه الكلمة ليست غريبة
عليَّ بل هي أليفة ودافئة. غير أني ساعتها لم أستطع تحديد سبب هذا الدفء،
ومنشأ تلك العذوبة. وسرّ نكهة ذاك العطر.
وما أن حلَّ يوم الحوار حتى اكتشفت علَّة تلك الالفة المحببّة، فلفظة
«التيمّم» سبق أن قرأتها وسمعتها وأنا اُتلو القرآن الكريم، أو أستمع اليه
مقروءً بصوت أحد مقرئيه المشهورين فقد عوّدني أبي أن أقرأ كل يوم من كتاب
الله العزيز ما يتيسّر لي قراءته، وقد درجت على هذه المنوال كل يوم تقريباً..
أقرأه فيتطيّب بتلاوته فمي، وقلبي، ورئتيَّ، وذاكرتي.
وأتدبّره فأعيد على هداه ترتيب قناعاتي وأولويّاتي، وأقوِّم وفق نهجه
أبجديّات سلوكي، وتصرّفاتي في مجتمعي، ومع أفراد أسرتي، ومعارفي، واِخواني وأصدقائي.
ولكّني رغم اكتشافي لالفة تلك المفردة وطيبها، اِلاّ أنّي لم أتمكّن من
استحضار الاَية القرآنية الكريمة التي تضمّنتها ولا استذكار اسم السورة
التي وردت فيها، ولذلك فقد بدأت حواري اليوم بالسؤال التّالي:
أبي.. لقد حاولت استحضار اسم السورة التي وردت فيها لفظة «التيمّم»
فلم تسعفني ذاكرتي.
ـ اِنّها سورة «النساء» قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: (واِن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النِّساء فلم تجدوا ماءً
فتيمّموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وايديكم اِن الله كان عفوّاً غفورا) .
لقد بينت الاَية الكريمة ـ كما تلاحظ ـ متى، وبماذا، وكيف نتيمّم، ولنبدأ
بهنّ واحدة واحدة.
ومتى يا أبي أتيمّم؟
ـ تتيمّم عوضاً عن الغسل، أو الوضوء، وبدلاً عنهما في مواضع منها: ـ
1 ـ اذا لم تجد من الماء ما يكفيك للغسل أو الوضوء كل في محله.
2 ـ اذا وجدت الماء، ولكنّه لم يتيسّر لك الوصول اِليه للعجز عنه تكويناً
بشلل في أطرافك مثلاً ـ لا قدر الله ـ أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرّف
في اِناء مغصوب يوجد فيه الماء المباح أو لخوفك على نفسك أو عرضك أو مالك.
3 ـ اذا خفت العطش على نفسك أو على أيِّ شخص آخر يرتبط بك ويكون من شأنك
التحفّظ عليه والاهتمام بشأنه، بل حتى الحيوان الذي يهمّك أمره، ولم يكن
عندك من الماء ما يكفي لرفع العطش والطهارة المائيّة معاً.
4 ـ اذا ضاق الوقت بحيث لا يتّسع لزمن غُسلك أو وضوئك مع اداء الصلاة
بتمامها في الوقت.
5 ـ اذا كان تحصيل الماء للغُسل أو الوضوء أو استعماله فيهما مستلزماً للحرج
والمشقّة بحد يصعب عليك تحمّله، كما اذا توقّف تحصيله على الاستيهاب الموجب
للذّل والهوان، أو كان الماء متغيراً مما يتنفّر منه طبعك فتجد حرجاً ومشقّة شديدة في استعماله.
6 ـ اذا كنت مكلّفاً بواجب يتعيّن عليك صرف الماء فيه، كاِزالة النّجاسة عن المسجد.
7 ـ اذا خفت على نفسك الضرر من استعمال الماء في الغسل أو الوضوء، لان
استعماله يسبب مرضاً، أو يطوّره ويُعقِّده أو يطيل أمد شفائه ولم يكن المورد
من موارد المسح على «الجبيرة».
وما الجبيرة..؟
ـ سأحدِّثك عنها تفصيلاً في حواريّتنا القادمة.
عرفت الاَن متى أتيمّم. ولكن بماذا أتيمّم؟
ـ تتيّمم بوجه الاَرض من تراب أو رمل، أو حجر، أو حصى، أو ما شاكل شرط أن
يكون ما تتيمّم به طاهراً، [نظيفاً] وغير مغصوب.
وكيف أتيمّم؟
ـ سأتيمّم أمامك لتتعلم.. قال أبي ذلك وبدأ.. فخلع خاتماً كان في يده،
وضرب بباطن كفيه [معاً] على الاَرض ضربة واحدة، ثمّ ضمّهما ليمسح بهما
المنطقة الفاصلة بين حدّ شعر الرّأس، وطرف الاَنف الاَعلى، ماسحاً بباطن كفيه
جبهته [وجبينه] من قصاص الشعر الى الحاجبين وحين وصل بالمسح الى طرف الاَنف
الاَعلى توقّف، ورفع كفّيه عن طرف أنفه ثمّ مسح بباطن كفه الاَيسر تمام ظاهر
كفّه الاَيمن من الزّند الى أطراف الاَصابع، ومسح بعد ذلك بباطن كفه الاَيمن
تمام ظاهر كفّه الاَيسر من الزّند الى اطراف الاَصابع.
ابهذهِ البساطة والسّرعة ينتهي التيمم؟
ـ نعم، وليس التيمّم وحده فقط بهذه السهولة واليسر.
قال تعالى: (يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكمُ العُسر).
وهل للتيمّم من شروط؟
ـ نعم:
1 ـ أن تكون معذوراً لا تستطيع الغسل أو الوضوء كما مرّ سابقاً.
2 ـ أن تنوي التيمّم قربة لله تعالى.
3 ـ أن يكون ما تتيمّم به طاهراً، [نظيفاً]، وغير مغصوب، ولا ممزوجاً بغيره
ممّا لا يصحّ التيمّم به كرماد الخشب مثلاً اِلاّ اِذا كان المزيج مستهلكاً.
4 ـ [ان يعلق شيء ممّا تتيمم به بيديك فلا يجزي التيمّم على الحجر
الاَملس الّذي لا غبار عليه].
5 ـ [أن يكون مسحك الجبهة من الاَعلى الى الاسفل].
6 ـ أن لا تتيمم اِلاّ مع اليأس من زوال العذر قبل انتهاء الوقت اذا كان
تيممك للصلاة أو أي واجب آخر له وقت محدّد.
7 ـ أن تباشر التيمّم بنفسك قدر الاِمكان.
8 ـ أن تتابع المسح فلا تفصل بين أفعال التيمّم بما يخل بهيئته عرفاً.
9 ـ أن لا يكون هناك فاصل أو حائل بين ما تمسح به وما تمسحه، أي بين كفّك
وجبهتك مثلاً.
10 ـ أن تمسح جبهتك قبل كفّك اليمنى، وكفّك اليمنى قبل اليسرى.
اذا كنت معذوراً من استعمال الماء للغسل أو الوضوء بسبب مرضي فتيمّمت
وصلّيت، ثم راجعت الطبيب فسمح لي باستعمال الماء وكان هناك وقت للصلاة؟
ـ صلاتك صحيحة ولا يجب عليك اعادتها اذا كان تيمّمك مشروعاً كأن تكون قد
تيمّمت مع يأسك من زوال عذرك في الوقت.
اذا منعني الطبيب من استعمال الماء عدّة أيّام لمرض، فتمّمت وصلّيت، ثم
سمح لي باستعمال الماء بعد شفائي، فهل أعيد صلوات الاَيّام الماضية التي
صلّيتها بالتيمّم؟
ـ كلا. لا تعدها.
اذا تيمّمت بعد دخول وقت الصلاة وصلّيت، ثم حلّ وقت صلاة أخرى ولم يرتفع
العذر، فهل أتيمّم مرة أخرى لهذه الصلاة؟
ـ كلا، لا حاجة لاِعادة التيمّم مادام العذر موجوداً وكنت لا تترقّب زوال
عذرك، أنت محتفظ بعدُ بتيمّمك.
اذا تيمّمت بدلاً من غسل الجنابة فهل أتوضّأ للصلاة؟
ـ كلا، فهو يغنيك عن الغسل والوضوء معاً.
واذا تيمّمت للغسل ثم دخلت الى المرافق مثلاً أو نمتُ، فهل اتيمم مرة
اخرى للوضوء أو اتيمم للغسل؟
ـ توضأ ان استطعت واِلاّ فتيمّم بدلاً من الوضوء.
اذا شككت في مسح الجبهة أو مسح الكفّ اليُمنى وأنا أمسح الكفّ اليُسرى؟
ـ لا تعر شكّك هذا أيَّ اهتمام.
واذا شككت فيهما بعد انتهائي من التيمّم؟
ـ كذلك لا تعر شكّك هذا أي اهتمام.
قلت لاَبي ـ وقد حضرت ساعة الحوار ـ: ذكرت لي أمس «الجبيرة» وأرجأت الحديث
عنها الى اليوم.
ـ نعم، فاذا وضعت على جرح أو قرح أو كسر، لفافة أو ما شابهها، فقد صنعتَ
«جبيرة».
قد عرفت الجرح والكسر ولكن ما هو القرح؟
ـ القروح هي الدماميل التي تكون في البدن.
وكيف اغتسل أو أتوضّأ أو أتيمّم مع وجود الجبيرة؟
ـ اذا أمكنك رفع الجبيرة بدون ضرر أو حرج فارفعها، واغسل أو اسمح تحتها ما
يجب عليك غسله أو مسحه كلٌ بحسبه.
واذا لم يمكن رفع الجبيرة لضررٍ أو حرج؟
ـ اِغسل ما حول الجبيرة ممّا يمكنك غسله من البشرة، وامسح على الجبيرة عوضاً
عن الجزء المغطّى بالجبيرة سواءاً كان مما يغسل قبل الجبيرة كما لو كانت
الجبيرة على ذراع اليد أو ممّا يمسح كما لو كانت على الرجل، ولا حظ ما يأتي:
1 ـ أن يكون ظاهر الجبيرة ـ ذاك الّذي تمسح عليه بيدك المبلولة ـ طاهراً،
ولا يهمّك نجاسة باطن الجبيرة الملاصق للجرح.
2 ـ [ان لا تكون الجبيرة مغصوبة].
3 ـ أن يكون حجم الجبيرة بالمقدار المعتاد والمتعارف والطبيعي لحجم الجرح
أو الكسر.
واِذا كان حجم الجبيرة أكبر من حجم الجرح.
ـ ارفع المقدار الزائد واغسل ما تحته أو امسحه كل في مورده.
واذا لم يمكنّي رفعه أو كان فيه ضرر على الموضع المصاب.
ـ لا ترفعه، وتوضأ بالمسح على الجبيرة.
واذا كان رفع المقدار الزائد حرجياً أو كان مضراً بالموضع السليم دون
الموضع المصاب.
ـ تيمم بدلاً عن الوضوء اذا لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم [واِلا فاجمع
بينهما].
اذا استوعبت الجبيرة تمام وجهي، أو تمام اِحدى يدي أو رجلي.
فكيف أصنع في الوضوء؟
ـ تتوضّأ بالمسح على الجبيرة.
واذا استوعبت جميع الاعضاء أو معظمها؟
ـ [اجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة، وبين التيمّم].
واذا كان في وجهي أو يدي جرح أو قرح مكشوف بدون لفاف، ولكن الطبيب
منعني من ايصال الماء اليه فكيف أتوضأ؟
ـ اغسل ما حوله واترك غسل الموضع المصاب.
واذا كان في وجهي أو يدي كسر مكشوف يضره الماء ولا جرح فيه فكيف
اتوضّأ؟
ـ انتقل من الوضوء الى التيمّم.
واذا كان الجرح المكشوف الذي يضره الماء في احد مواضع المسح، كما اذا
كان في الرجل أو الرأس، فكيف أمسح في الوضوء؟
ـ انتقل الى التيمّم.
واذا أردت الغسل، وكان في جسدي جرح أو قرح مكشوف؟
ـ اترك غسل الجرح أو القرح واغسل ما حوله، أو انتقل الى التيمّم، فلك الخيار
في ذلك.
واذا كان في جسدي كسر مكشوف فكيف اغتسل؟
ـ تيممم بدل الغسل.