القسم الاول

الثـاني :‏

‏‏ الاَن وقد عرفت منك كيف أُصلّي، وماذا أقول أو أفعل في كل جزءٍ من الصلاة. أحب أن أسألك عما يبطل الصلاة. فهل هناك أُمور تبطل الصلاة فيجب عليَّ أن أعيد صلاتي لو حصلت.‏
ــ نعم وسأعددها لك.‏
‏ 1 ـ أن تفقد الصلاة أحد أجزائها السابقة عمداً من: النيّة، أو تكبيرة الاحرام، أو الركوع، أو السجود، أو غيرها.‏
‏ 2 ـ أن يُحِدث المصليّ أثناء الصلاة [واِن كان ذلك سهواً أو أضطراراً بعد السجدة الاخيرة].‏
‏ 3 ـ أن يلتفت المصليّ عن القبلة بتمام وجهه أو بتمام جسده عامداً.‏
‏‏ واذا التفت عن القبلة أقل من ذلك كأن يكون التفاته بسيطاً لا يضرّ باستقباله للقبلة؟
ــ ذلك لا يضرّ بالصلاة لكنّه مكروه.‏
‏ 4 ـ أن يضحك المصليّ عامداً بصوت عال مسموع فيه مد وترجيع (القهقهة).‏
‏ 5 ـ [ان يبكي المصليّ عامداً سواء اشتمل على الصوت أم لم يشتمل لاَمر من اُمور الدّنيا] ولا يضر البكاء لاَمر من أُمور الاَخرة.‏
‏ 6 ـ أن يتكلّم المصليّ عامداً ولو بحرف واحد أثناء صلاته اِذا كان ذلك الحرف مفهماً سواء أراد افهام معناه كما لو قال (قِ) فعل امر من (وقى)، أو أراد افهام غير معناه كما لو سئل اثناء الصلاة ما هو ثاني حروف الابجدية فتلفّظ بـ (ب) ويستثنى من مبطلية الكلام ردّ السلام بمثله فانّه واجب.‏
‏ 7 ـ ان يأتي المصلي بعمل يخل بصورة الصلاة وبهيئتها كأن يخيط أو يحوك.‏
‏ 8 ـ أن يأكل المصليّ أو يشرب اثناء صلاته [وان لم يخل بهيئتها].‏
‏ 9 ـ [أن يتعمد المصلّي وضع أحدي يديه على الاخرى في حال القيام بقصد الخضوع والتأدّب مع الله سبحانه وتعالى في غير حال التقيّة] وهو المسمّى بالتكفير.‏
‏ 10 ـ ان يقول المأموم بعد ان ينتهي الاِمام من قراءة سورة الفاتحة [أو يقول المنفرد بعد الانتهاء من القراءة] كلمة «آمين»، عامداً في غير حال التقيّة.‏
ثم عندنا بعد ذلك مما يحسن أن اشير اِليه موضوع «الشك» في الصلاة.‏
‏‏ وهل الشك في الصلاة مبطل لها؟
ــ ليس الشك في الصلاة مبطلاً لها دائماً وفي جميع الحالات، فبعض الشكوك مبطل للصلاة. وبعضها قابل للعلاج، وبعضها لا يعتنى به بل يهمل.‏
وبشكل عام سأُحدد لك قواعد عامة تتناول بعض حالات الشك.‏
القاعدة الاولى: كل من شك في صحّة صلاته بعد ان أنهى صلاته اعتبر صلاته صحيحة.‏
‏‏ مثلاً؟
ــ اِذا شككت مثلاً بعد ان صلّيت صلاة الصبح وانتهيت منها هل أنّك صليتها ركعتين أو أكثر أو أقل؟ فقل: صلاتي صحيحة.‏
القاعدة الثانية. كل من شك في صحة جزء من أجزاء صلاته بعد أن أدّاه اعتبر ذلك الجزء الّذي شك فيه صحيحاً وصلاته صحيحة.‏
‏‏ مثلاً؟
ــ اِذا شككت مثلاً في صحّة قراءتك، أو صحّة ركوعك أو سجودك بعد أن أنهيت القراءة أو الركوع أو السجود، فقل قراءتي صحيحة، أو ركوعي صحيح، أو سجودي صحيح.. ثمّ صلاتي بعد ذلك صحيحة.‏
القاعدة الثالثة: كل من شكّ في الاتيان بجزء من أجزاء الصلاة بعد أن دخل في الجزء اللاحق له يبني على أنّه قد أتى بذلك الجزء المشكوك فيه وصلاته صحيحة، بل يكفي في البناء على ذلك مجرّد الدخول فيما لا ينبغي الدخول فيه شرعاً على تقدير الاخلال بالجزء المتقدّم عمداً.‏
‏‏ مثلاً؟
ــ اذا شككت مثلاً وأنتَ في السورة الثانية هل أنّك قرأت سورة الفاتحة، أو نيستها، فلم تقرأها فقل: اِنّي قرأتها واستمرّ في صلاتك، وهكذا اذا شككت وأنت في حال الهوي الى الركوع هل قرأت السورة أم لا؟ قل اني قراتها واستمر في صلاتك، فهي صحيحة.‏
القاعدة الرابعة: كل من كثر شكّه وجاوز الحدّ الطبيعي، يهمل الشك ولا يعتني به ولا يلتفت اِليه. فصلاته التي شك فيها صحيحة.‏
‏‏ مثلاً؟
ــ اِذا كنت كثيراً ما تشك وأنت تصلّي صلاة الصبح ـ مثلاً ـ في عدد ركعاتها عليك أن تهمل هذا الشك وتقول: صلاتي صحيحة. واِذا كنت كثيراً ما تشك في أنّك سجدت سجدة واحدة أو سجدتين. تقول اِنّك سجدت سجدتين ولا تلتفت ولا تهتم بالشك بل تعتبر صلاتك صحيحة. وهكذا. دائماً كثير الشك في الصلاة يهمل شكّه ويعتبر صلاته صحيحة ..دائماً..دائماً.‏
‏‏ وكيف أعرف أنّي كثير الشك؟
ــ كثيرا الشك يعرف نفسه بسهولة.. يكفي أن يزيد شكه على الناس الطبيعيّن من أمثاله ويكفي أن لايصلي ثلاث صلوات اِلاّ ويشك في واحدة منها.‏
القاعدة الخامسة: كلٌّ من يشك في عدد ركعات صلاة الصبح أو صلاة المغرب أو في الركعتين الاولى والثانية من كل صلاة رباعية، ولم يترجح في ذهنه أحد الاحتمالين على الاَخر، لم يترجّح في ذهنه عدد معين للركعات، بل بقي متحيراً شاكّاً لا يدري كم ركع فقد بطلت صلاته.‏
‏‏ مثلاً؟
ــ اِذا شك ـ مثلاً ـ وهو يصلّي صلاة الصبح هل أنّه الاَن في الركعة الاولى أو الثانية عليه ان يتأمل قليلاً ويفكر، واِذا لم يصل الى قرار محدد ولم يترجح في ذهنه أنّها الركعة الاَُولى مثلاً، أو أنّها الركعة الثانية فقد بطلت صلاته.‏
‏‏ واِذا ترجح في ذهنه أحد الاَحتمالين، كأن ترجّح في ذهنه أنّها الركعة الاولى؟
ــ اِذا ترجّح في ذهنه عدد معيّن للركعات عمل وفق ما يقتضيه ذلك الاحتمال الراجح، فان ترجح ـ كما.... في سؤالك ـ احتمال أنّها الركعة الاُولي فاذاً يأتي بالركعة الثانية ويتمّ صلاته فهي صحيحة.‏
وكذلك الحال في صلاة المغرب. وفي الركعتين الاولى والثانية من كل صلاة رباعيّة.‏
‏‏ عرفتُ الاَن حكم الشاكّ في صلاتي الصبح والمغرب، وفي الركعتين الاولى والثانية من صلوات الظهر والعصر والعشاء، ولكن ما هو حكم الشاك في الركعتين الاخيرتين الثالثة أو الرابعة من الصلوات الرّباعيّة؟
ــ اذا ترجّح في ذهنه عدد معيّن للركعات. عمل بمقتضى ظنّه ووفق ما ترجّح في ذهنه.‏
‏‏ واِذا بقي متحيّراً شاكاً متردداً؟
ــ عندئذ سنحتاج الى تفصيل أكثر فلكل موضع هنا حكمه الخاص به، وسأتناول بعضها بالتعداد ولا أطيل:‏
‏ 1 ـ من شكّ بين الركعة الثالثة والرّابعة اينما كان الشك بنى على انّها الركعة الرابعة وأتمّ صلاته، ثم جاء بركعتين من جلوس، أو بركعة من قيام، وتسمّى هذه صلاة الاحتياط.‏
‏ 2 ـ من شك بين الركعة الرابعة والخامسة بعد أن دخل في السجدة الثانية (وذلك بان وضع الجبهة على المسجَد ولو قبل الشروع في الذّكر) بنى على أنّه في الركعة الرابعة ثم يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو بعد الصلاة.‏
‏ 3 ـ من شك بين الثانية والثالثة بعد ان دخل في السجدة الثانية بني على أنّه في الركعة الثالثة ويأتي بالرابعة بعدها، ثمّ بعد أن يفرغ من صلاته يأتي بصلاة الاحتياط [وهي هنا ركعة من قيام ] .‏
‏‏ وكيف يصليّ صلاة الاحتياط؟
ــ بعد ان ينتهي من صلاته مباشرة ومن دون أن يلتفت يميناً أو شمالاً ومن دون أن يفعل ما يبطل الصلاة يشرع في صلاة الاحتياط، فيكبّر ثم يقرأ الفاتحة [بصوت خافت] ولا تجب فيها سورة اُخرى، ثم يركع ويسجد ويتشهد ويسلم ان كانت صلاة الاحتياط ذات ركعة واحدة وأن كانت ثنائية أتى بركعة ثانية على نحو الركعة الاولى.‏
‏‏ وسجود السهو ذاك الذي ذكرته؟
ــ تنوي وتسجد بعد الصلاة مباشرة والاَفضل أن تكبِّر، وتقول في سجودك:‏
بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النّبي ورحمة الله وبركاته ثم ترفع رأسك من السجود وتجلس ثم تعاود السجود المتقدّم مرة ثانية ثم ترفع رأسك وتجلس وتتشهّد وتسلّم وبذلك تنهي سجود السهو.‏
أضاف أبي:
وليكن في أعتبارك أنّك تسجد سجود السهو ليس فقط عندما تشك بين الرّكعة الرابعة والخامسة بعد السجدتين، بل في مواضع اُخرى غيرها وهي:‏
أ ـ [اِذا تكلّمت في صلاتك سهواً وغفلةً].‏
ب ـ [اِذا سلّمت سهواً في غير موضع التسليم فقلت: «السلام عليكم»، أو قلت: «السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين» وأنت بعدُ لم تكمل صلاتك].‏
جـ ـ اِذا نسيت أن تتشهد في صلاتك فتسجد سجدتي السهو والافضل قضاء التشهدّ مع ذلك.‏
د ـ [ما لو علمت اجمالاً ـ بعد صلاتك ـ انّك زدت فيها أو نقصت مع كون صلاتك محكومة بالصحة فعليك أن تسجد سجدتي السهو حينئذٍ] والافضل لك أن تأتي بسجدتي السهو لو نسيت سجدة واحدة في صلاتك ـ بعد أن تقضيها بعد الصلاة ـ وتأتي بسجدتي السهو اذا قمت في موضع الجلوس أو بالعكس سهواً، بل الاَفضل أن تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة في صلاتك.‏
هـ ــ عليك أن تكرر سجود السهو بعدد ما يوجبه أي اسجد مرتين أو أكثر، وهكذا دائماً.‏
كدت بعد أن انتهى بنا الحوار الى هذا الموضع من الصلاة أطلب من أبي أن يقدّم لي درساً تطبيقياً لصلاة رباعية كونها أطول صلاة يوميّة واجبة لاَُلاحظ عن كثب وأناة كيف يكبّر أبي ويقرأ ويركع ويسجد ويتشهّد ويسلّم، غير أني آثرت أن أتراجع عن طلبي هذا بعد أن تذكرّت أنه يصليّ كل يوم صلاة العشاء وهي صلاة رباعيّة جهريّة فقلت في نفسي اِذن فلاُراقبه وهو يصليّ.‏
وحين هَمَّ أبي بأن يبدأ صلاته الرباعيّة الجهريّة تلك، كنتُ مشدود الاَعصاب اِليه شديد اليقظة وأنا ألحظ كل شاردة وواردة من حركات صلاته، وسأصف لكم كيف صلى أبي:‏
بدا أوّلاً فأسبغ وضوءه:‏
ووقف في مصلاه مستقبلاً القبلة وهو خاشع فأذّن للصلاة وأقام.‏
ثم بدأ صلاته، فكبَّر قائلاً: «الله أكبر» ثمّ قرأ سورة الفاتحة وأتبعها بقراءة سورة القدر.‏
ولما أتمّها وهو واقف منتصب ركع، ولمّا استقرّ به الركوع سبّح قائلاً:‏ ‏(سبحان ربّي العظيم وبحمده).‏
وحين انتهى من نطق الحرف الاَخير من التسبيح وهو راكع، انتصب مستقيماً واقفاً على قدميه.‏
ولمّا استقرّ به القيام هوى للسجود واِذا استقّر في سجوده سبَّح قائلاً:‏ ‏(سبحان ربِّي الاَعلى وبحمده). وحين أتمّ نطق الحرف الاخير منها وهو ساجد، جلس من سجوده وحين استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية فقرأ فيها كما قرأ في أختها السجدة الاولى: «سبحان ربِّي الاَعلى وبحمده».‏
ثم رفع رأسه من سجوده وجلس ليقوم منتصباً على قدميه للرّكعة الثانية. وحين استقرّ به القيام، قرأ سورة الفاتحة، ثمّ أتبعها هذه المرّة بقراءة سورة التوحيد ولمّا فرغ من قرأتها، رفع يديه للقنوت، وقرأ في قنوته الاَية القرآنية الكريمة: (ربِّ أغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين اِلاّ تباراً)‏.‏
ثمّ اسبل يديه من القنوت، وهوى للركوع، وحين استقرّ به الركوع قرأ: (سبحان ربّي العظيم وبحمده).‏
ثمّ انتصب قائماً ليهوي للسجود، وحين سجد قرأ في سجوده: «سبحان ربِّي الاَعلى وبحمدِه» ثمّ جلس من سجدته الاولى ليهوي للسجدة الثانية، وحين سجد قرأ: «سبحان ربِّي الاعلى وبحمده»، ثمّ جلس من سجوده.‏
ولمّا استقرَّ به الجلوس تشهدّ فقرأ: «اشهد أن لا اله اِلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُهُ ورسوله. اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد».‏
ولما فرغ من تشهدّه قام منتصباً للركعة الثالثة فبدأها ـ بعد أن استقرَّ به القيام ـ بالتسبيح قائلاً: (سبحان الله والحمدُ لله ولا اِلاّ الله واللهُ أكبر)‏ ثلاثاً وبصوت خافت.‏
ثمّ هوى للركوع فقرأ فيه كما قرأ في ركوعه السّابق: (سبحان ربّي العظيم وبحمده) ثم انتصب قائماً من ركوعه، وهوى للسجود، فقرأ فيه كما قرأ سابقاً في سجوده: (سبحان ربَّي الاَعلى وبحمدِه) ثم جلسَ مستقرّاً ليهوي للسجدة الثانية فيقرأ فيها: (سبحان ربَّي الاَعلى وبحمدِه) كذلك.‏
ولمّا أتمّها، انتصب قائماً على قدميه للركعة الرابعة والاَخيرة، فبدأها كما بدأ سابقتها بالتسبيح قائلاً: (سبحان الله والحمدُ لله ولا اِله اِلاّ الله والله أكبر) ثلاثاً.‏
ثمَّ هوى للركوع قارئاً: (سبحان ربَّي العظيم وبحمده).‏
ثمّ انتصب ليهوي للسجود قارئاً فيه: (سبحان ربّي الاعلى وبحمده)، ثمّ جلس ليسجد سجدته الثانية والاَخيرة في هذه الصلاة فقرأ فيها ـ كعادته ـ (سبحان ربّي الاَعلى وبحمده).‏
ثمّ جلس مطمئناً ليتشهد قارئاً كما قرأ في تشهده الاوّل: «أشهدُ أنَّ لا اِله اِلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمّد».‏
ولما اتمّ تشهّده سلمَّ على النّبي صلى الله عليه وآله فقال: «السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته» ثم اختتم صلاته قائلاً: «السلام علينا وعلى عبادِ الله الصالحين»، «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».‏
هكذا صلى أبي صلاة العشاء، وكان قد صلّى مثلها بالضبط صلاتي الظهر والعصر ـ وهما رباعيتان كذلك ـ غير أنّه قرأ السورتين في ركعتيهما الاولى والثانية بصوتٍ خافت.‏
ولقد راقبته، وهو يصلّي صلاة المغرب، فوجدته يصليها كما يصلّي العشاء، غير أنّه لمّا انتهى من سجدته الثانية وهو في ركعته الثالثة، جلس ليتشهّد ويُسلِّم ويختم صلاته «لاَنّ صلاة المغرب ثلاث ركعات».‏
ثمّ راقبته كذلك وهو يصليّ صلاة الصبح، فوجدته يصلّيها كما يصلّي صلاة العشاء، غير أنّه لما انتهى من سجدته الثانية وهو في ركعته الثانية وتشهدّ، سلّم هذه المرّة ليختم صلاته «لان صلاة الصبح ركعتان».‏
هكذا صلَّى أبي صلواته اليومية، غير أني اِمعاناً مني في الملاحظة والتثبت والضبط والدقّة سأثبت لكم بعض خصوصيات الصلاة، كما صلاّها أبي على شكل نقاط:‏
‏ 1 ـ كان يحرص حرصاً شديداً على أن يصلّي صلاته في أوّل وقتها، فهو يصلّي الظهر مثلاً عندما يحين وقت صلاة الظهر «الزوال»، وهو يصلّيّ المغرب في أول وقتها. وهكذا. وحين سألته عن سبب المبادرة الى الصلاة في أوّل وقتها، تمثّل بحديث للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه: «فضل الوقت الاَول على الاَخير كفضل الاَخرة على الدنيا».‏
‏ 2 ـ وكان عندما يقف بين يدي ربّه ليصلّي، تظهر عليه آثار الخشوع والخضوع والتذلّل، وكان يردّد أحياناً بينه بين نفسه، ولكن بصوت مسموع، قبل أن يتوجّه الى مصلاه قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون).‏ وكأنّه يروِّض نفسه لها قبل ان يشرع بها، فيذكِّر قلبه بأهمّية الخشوع لله في الصلاة.‏
‏ 3 ـ وكان قبل أن يصليّ صلاة الصبح يصلي ركعتين، ويصليّ ثماني ركعات ـ ركعتين ركعتين كصلاة الصبح ـ قبل صلاة الظهر، واُخرى بقدرها قبل صلاة العصر، ويصليّ أربع ركعات ـ ركعتين ركعتين كصلاة الصبح ـ بعد صلاة المغرب ويصليّ ركعتين من جلوس بعد صلاة العشاء.‏
سألته مرّة عن تلك الصلوات.‏
فقال: أنّها «النوافل» تلك التي روي عن الاِمام العسكري عليه السلام أنّه قال: انها اِحدى علامات المؤمن.‏
‏ 4 ـ ولاَنّ الهمزة في كلمة «أكبر» من جملة «الله أكبر» همزة قطع، فيجب أن تظهر واضحة جليّة على لسانك عندما تكبِّر. هكذا قال أبي.‏
قلت له مرة: اِنّ بعض الناس ينطقون هذه الهمزة شبيهة بالواو كما لو كانت الجملة «الله وكبر».‏
فقال: حذار أن تنطقها كنطقهم، اِنّهم مخطئون. وأضاف: وكذلك الحال في همزة ‏(أنعمت) من الاَية الكريمة من سورة الفاتحة (صراط الّذين أنعمت عليهم) فهي همزة قطع ويجب أن تظهر على لسانك واضحة جليّة أثناء النطق بها. ومثلها تماماً همزة «الاَعلى» من «سبحان ربّي الاَعلى وبحمده» في السجود فهي همزة قطع ويجب أن تظهر على لسانك واضحة جليّة أثناء النطق بها.‏
‏ 5 ـ وقال أبي: حاول أن تقف على حرف الدّال من كلمة (أحدْ) وأنت تقرأ الاَية القرآنية الشريفة من سورة التوحيد ( قل هو الله احد).‏
ثم تتريث قليلاً قبل أن تردفها بالاَية الكريمة التالية لها (الله الصمّد)، ذلك أسهل عليك وأيَسرْ.‏
‏ 6 ـ كان يحرِّك أبي أواخر كلماته في صلاته اِذا انطلق في كلامه واستمّر به بينما كان يسكِّن الحرف الاَخير من الكلمة التي يقف عليها اِذا أراد الوقوف.‏
7 ـ سألت أبي مرة: أسمَعك حين تقرأ قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم)‏ تكسر حرف النون من كلمة (الرّحمن) وحرف الميم من كلمة (الرّحيم) وتقرأهما كذلك بالكسر عندما تقرأ قوله تعالى: (الرحمن الرحيم * مالِكِ يومِ الدّينِ) من سورة الحمد. بينما أسمع كثيرا من النّاس يقرؤنها بالضمّ وهم يصلِون.‏
كما أسمعك حين تقرأ قوله تعالى من سورة الحمد: (اِيّاك نعبُدُ) تضمّ الباء من كلمة (نعبُدُ) بينما أسمع بعض الناس يكسرونها وهم يصلوّن.‏
فقال: ألَمْ تَدْرس النحو بعد وتلم بقواعده؟.‏
قلت: درسته. ولكن ليس بالشكل الواسع.‏
قال: فما يقول علماء النحو في حركة كلمتي (الرحمن الرحيم)؟
قلت: الكسرة كما تقرأهما أنت.‏
قال: هات لي نسخة من القرآن الكريم.‏
فأتيت له بنسخةٍ من كتاب الله كانت قريبة مِنّي.‏
قال: أخرج سورة الحمد ولاحظها.‏
فأخرجت سورة الحمد فوجدت الكسرة ظاهرة على آخر كلمتي (الرّحمنِ الرَحْيمِ)‏ ووجدتُ حرف الباء من كلمة نعبُدُ، من قوله تعالى: (اِيّاكَ نعبُدُ) مضمومة لا مكسورة.‏
قلت: وجدتهما كما تقرأهما أنت.‏
قال: اِقرأ اِذاً كما هو محرِّك في كتاب الله، وانتبه الى الاَخطاء الشائعة في القراءة كي لا تقع فيها.‏
‏ 8 ـ وكان أبي لا يبدأ بقراءة الذّكر في الرّكوع أو السجود اِلاّ بعد أن يستقرّ به الرّكوع أو السجود ولا يرفع رأسه اِلاّ من بعد ان ينتهي من نطق الذّكر تماماً وهو راكع أو ساجد.‏
‏ 9 ـ وكان اِذا رفع رأسه في سجدته الاُولى تريّث قليلاً حتى اِذا استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية وكذلك كان يصنع بعد رفع رأسه من السجدة الثانية، أقصد كان يجلس ثم يقوم للركعة التالية.‏
‏ ‏‏ ‏10 ـ سألته مرّة: أسمعك تدعو لنفسك ولاَبويك ولاِخوانك المؤمنين بعد الصلاة مباشرةً.‏
قال: نعم، فقد قال أبو الحسن عليه السلام : «من دعا لاِخوانه من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وكَّلَ اللهُ به عن كلِّ مؤمن ملكاً يدعو له».‏
‏11 ـ وسألته: أراك تسبِّح بعد كلِّ فريضة؟
قال: اِنّه تسبيح الزهراء عليها السلام علَّمها اِيّاه رسوله الله صلى الله عليه وآله، وهو: «الله اكبر» أربعاً وثلاثين مرّة، ثمّ «الحمد لله» ثلاثاً وثلاثين مرّة، ثمّ «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين مرّة فيكون المجموع مائة تسبيحة.‏
‏‏ وهل لتسبيح الزهراء فضل؟
ــ نعم، فقد روي عن الاِمام الصادق عليه السلام انّه قال لاَبي هارون المكفوف «يا ابا هارون. اِنّا نأمر صبياننا بتسبيح الزهراء عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة فالزمه، فانّه لم يلزمه عبد فيشقى».‏
وعنه انّه قال عليه السلام : «تسبيح الزهراء في كل يوم في دبر كل صلاة أحبٌّ اِليَّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم».‏
ولو كان هناك ما هو أفضل منه لعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة لمكانتها عنده، كما ورد عن الائمة عليهم السلام.‏
‏ 12 ـ كان أبي أحياناً يصليّ صلاة الظهر ثم يتبعها مباشرةً بصلاة العصر، أو يصليّ صلاة المغرب ويلحقها مباشرةً بصلاة العشاء، بينما كان أحياناً اُخرى يفصل بين الصلاتين، فيصليّ الظهر ثم يتفرّغ لبعض شؤؤنه، حتى اِذا حَلَّ وقت العصر صلّى العصر، وكذلك يفعل مع صلاتي المغرب والعشاء.‏
وحين سالته عن ذلك أجابني.‏
ــ أنت مخيّر بين أن تفصل بينهما أو لا تفصل.‏
‏13 ـ أسمعك ـ قُلتُ لاَبي ـ حين تقرأ سورة القدر تظهر حرف اللام عندما تقرأ قوله تعالى: (انّا أنزلناه في ليلة القدر) بينما اسمع بعض الناس لا يظهرونه حتى كأنّ حرف اللام غير موجود كانه: يقرأ اِنّا انزناه، لا انا أنزلناه. وأسمعك تقرأ:‏ «سبحان ربّي العظيمِ وبحمده» فتضُم حرف السين في سُبحان وتظهر الفتحةَ في ‏(رَبِّيَ) بينما أسمعُ بعضهم لا ينطقونها كما تنطق؟
ــ ألم أقل لك انتبه لقراءتك.‏

* * * * *