القائمة الرئيسية

«حواريّة الصّوم»

بدأ أبي حديثه عن شهر رمضان وفي صوته بحّةٍ مرتعشة، وفي عينيه نثارة من دمع متوهّج مشتعل، وفي روحه ينبوع من حنان متفجّر.‏ فاسم رمضان يقترن عنده بكل المعاني العذبة الجميلة الخيّرة للصفح والسماح والبركة والرّحمة ‏والمغفرة والرّضوان.‏
ومن أجل أن يثبّت قناعاته تلك ويُوثق مشاعره نقلني الى مشهد يعبق بعطر الجلال ووسامة المهابة.‏. الى حيث يقف رسول الله صلى الله عليه وآله محاطاً بأهل بيته واصحابه يخطب فيهم، فيقول: «أيّها الناس اِنّه قد أقبل اِليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الاَيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة.‏ وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب فسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فاِن الشّقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر ‏العظيم.‏
أيّها الناس اِن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة.‏ فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم.‏ وابواب النيران مغلقة، فسَلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين ‏مغلولة، فسلوا ربّكم أن لا يسلطها عليكم».‏
قرأ ذلك، ثم أنعطف بي الى شقٍ من خطبة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وكأنّه يريد ان يشير لي الى ما ينبغي عليّ عمله في هذا الشهر المبارك فقرأ عليَّ قوله صلى الله عليه وآله : «أيّها الناس من فطَّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق ‏رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه».‏
قيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك.‏ فقال صلى الله عليه وآله: «اِتّقوا النار ولو بشقّ تمرة.‏. اِتقوا الله ولو بشربة من ماء.‏ فاِن الله تعالى يهب ذلك الاَجر لمن عمل ‏هذا اليسير اِذا لم يقدر على اكثر منه.‏..‏
يا أيّها الناس من حَسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاَقدام، ومن خفَّفَ في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفَّف الله عليه حسابه.‏ ومن كفَّ فيه شرّه كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصلّه الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل ‏أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور».‏
وما أن أنتهى بي الى هذا الموضع من خطبة النبي صلى الله عليه وآله حتى تناول بالنقد والتجريح بعضاً من المظاهر السلوكيّة لصائمين يظنّون أن الصوم هو الامتناع عن الاكل والشرب فقط، موثقاً تجريحه ذاك بحديث للاِمام عليّ عليه السلام قال فيه: «كم من صائمٍ ليس له من صيامه اِلاّ الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه اِلاّ ‏العناء».‏
ثمّ أردف بحديث آخر للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه: «اِذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك»، وقال عليه السلام أيضاً: «اِن الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما، فاِذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم عمّا حَرَّمَ الله، ولا تنازعوا، ولا تحاسدا، ولا تغتابوا ولا تسابّوا، ولا تشاتموا، ولا تظلموا، .‏..‏ واجتنبوا قول الزور، والكذب والخصومة، وظنّ السوء، والغيبة، والنميمة، وكونوا مشرفين على الاَخرة، منتظرين لاَيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزوّدين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار، والخشوع والخضوع، وذلّ ‏العبيد الخيف من مولاها خائفين راجين».‏
ثمّ قصَّ عليّ بعد ذلك قصة حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد سمع النّبيّ صلى الله عليه وآله: امرأة ‏تسبَّ جارية وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها: «كلي» .‏ فقالت:‏‏ اِنّي صائمة يا رسول الله «كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك اِن الصوم ليس من الطعام والشراب وانّما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل ‏والقول، ما أقلَّ الصوّم وأكثر الجوع».‏
‏ قلت لاَبي وقد تملّكتني رهبة وشدَّني خشوع مهيب: يجب عليَّ اِذن أن أصوم شهر رمضان هذه السنة، ولكن كيف أعرف أن رمضان قد بدأ حتى أصومه؟
ــ تعرف ذلك بثبوت رؤية هلال رمضان في بلدك أو في البلاد القريبة منه التي تشاركه في الافق بمعنى أن تكون الرؤية الفعليّة للهلال فيها ملازمة ‏لرؤيته في بلدك لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك.‏
‏ ‏‏ ــ وبماذا تثبت رؤية الهلال؟
‏ ــ تثبت بما يأتي:‏‏
‏1 ـ أن ترى الهلال بنفسك.‏
‏ 2 ـ أن يشهد رجلان عادلان برؤيته مع عدم علمك باشتباههما وعدم معارض ‏لشهادتهما.‏
‏ 3 ـ أن يمضي ثلاثون يوماً من شهر شعبان فتعرف أن شهر شعبان قد انتهى ‏بالتأكيد وبدا شهر رمضان اليوم.‏
‏ 4 ـ ان يشيع ويشتهر عند الناس رؤية هلال رمضان فتجزم أو تطمئن برؤيته.‏
واِذا لم أعرف أول الوقت هل ثبت هلال رمضان فأصوم غداً أو لم يثبت، فهل أصوم وأنا لا أدري أن يوم غد هو آخر يوم من شعبان أو أنّه أول يوم من رمضان؟
ــ صمه على أنّه من شعبان، فاِذا تبيّن بعد ذلك أثناء النّهار أنّه من رمضان ‏عدلت عن نيّة شعبان وحسب لك من رمضان ولا شيء عليك.‏
‏ ويجوز لك أن لا تصوم يوم الشك.‏
وكيف أعرف أن شهر رمضان قد أنتهى وأنّ شهر شوال قد بدأ فأفطر؟
ــ بنفس الطريقة المتقدّمة التي عرفت بها بداية شهر رمضان بأن ترى هلال شهر ‏شوال بنفسك أو.‏..‏أو.‏..‏
نعم.‏. نعم.‏ واِذا ثبت لديّ أن هلال رمضان قد هلَّ؟
ــ وجب عليك الصوم وعلى كل مسلم، بالغ، عاقل، آمِنٌ من ضرر الصوم عليه، حاضر غير ‏مسافر ولا مغمى عليه.‏
وبالنسبة للنساء يجب الصوم على المرأة الطاهرة من الحيض والنفاس، فالحائض والنفساء لا تصوم، وتقضي ما فاتها من صيام شهر رمضان بعد ‏ذلك.‏
‏ ‏‏ واِذا خاف الانسان على نفسه من الصوم؟
ــ لا يصوم من خاف على نفسه الاِصابة بمرض جرّاء الصوم، أو اشتداد مرض، أو تأخير شفاء مرض أو زيادة ألمه كل ذلك بالمقدار المتعدِّ به الّذي لم تجر ‏العادة بتحمّله.‏
‏ ‏‏ والمسافر؟
‏ ــ اِذا سافر بعد الزوال [ بقي على صيامه ]، واِذا سافر قبل الفجر أفطر .‏
‏ ‏‏ واِذا سافر بعد الفجر؟
ــ اِذا سافر بعد الفجر [لا يصح منه الصوم سواء كان عازماً على السفر من ‏الليل أم لم يكن] وعليه القضاء.‏
‏ ‏‏ اِذا أردتُ أن أصوم فكيف أصوم؟
‏ ــ تنوي الصوم من أوّل الفجر الى غروب الشمس قربةً الى الله تعالى.‏
‏ ‏‏ ــ ألا يعني الصوم الامساك؟
‏ ــ نعم.‏
‏ ‏‏ فاذا نويت الصوم فعن أي شئ امسك؟
ـ‏ تمسك عن عدّة امور تسمى بالمفطرات وهي تسعة:‏‏
‏ 1، 2 ـ تعمد الاكل والشرب قليلاً كان أو كثيراً.‏
‏‏ واِذا لم أتعمّد بل نسيت أنّي صائم فأكلت وشربت؟
‏ ــ ما دمت غير عامد فصومك صحيح.‏
‏ ‏‏ وهل يحق لي ان أغسل فمي بالماء ثم أرمي بالماء خارجاً؟
ــ نعم يحق لك ذلك ولكن اِذا كان ذلك لغرض التبرّد فسبق الماء ونزل الى حلقك ‏وجب عليك القضاء وان نسيت فابتلعت فلا قضاء عليك.‏
‏ ‏‏ وهل يحق لي أن أغمس رأسي في الماء مع الاَمن من وصول الماء الى حلقي؟
‏ ــ نعم يحق لك ذلك وان كان مكروهاً كراهة شديدة.‏
‏ 3 ـ [تعمّد الكذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وآله أو على الاَئمة المعصومين عليهم السلام].‏
‏ 4 ـ تعمّد الاتصال الجنسي (أو الجماع) في القبل أو الدبر فاعلاً أو ‏مفعولاً به.‏
‏‏ والزوج الصائم والزوجة الصائمة؟
‏ ــ يحق لهما ممارسة الجنس (الجماع) في ليل شهر رمضان فقط لا نهاره.‏
‏ 5 ـ الاستمناء أو ممارسة «العادة السرية» بأيَّة صورة من الصور.‏
‏ 6 ـ تعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، فلو أجنب الانسان لاَيِّ سبب كان أثناء الليل، وجب عليه أن يغتسل قبل أن يطلع الفجر، حتى يطلع عليه الفجر ‏وهو طاهر فيصوم.‏
‏‏ ولو أجنبت أثناء الليل ولم أتمكّن من الاغتسال لمرضٍ مثلا؟
‏ ــ تتيمّم قبل الفجر.‏
‏ ‏‏ والمرأة؟
ــ اِذا نقت المرأة من الحيض أو النفاس ليلاً وجب عليها أن تغتسل حتى يطلع ‏عليها الفجر وهي طاهرة فتصوم.‏
‏ ‏‏ ولو احتلمتُ فنزل مِنّي السائل المنوي أثناء النهار وأنا صائم.‏ ولما أفقت من نومي وجدت نفسي مجنباً؟
ــ احتلام الصائم لا يفسد صومه ، فلو أفاق في أيّة ساعة من ساعات النّهار ‏فوجد نفسه مجنباً لم يضرّ ذلك بصحة صومه وان لم يغتسل من جنابته .‏
‏ 7 ـ [ تعمّد اِدخال الغبار أو الدخان الغليظين الى الحلق] .‏
‏ 8 ـ تعمّد القيء .‏
‏‏ واِذا لم يتعمّد الصائم القيء بل ألقي ما في معدته دون عمد؟
‏ ــ لا يضرّ ذلك بصومه .‏
‏ 9 ـ تعمّد الاحتقان بالماء أو بغيره من السوائل .‏
‏‏ ولو تعمّد الصائم فارتكب اِحدى المفطرات مارّة الذكر؟
‏ ــ يلزمه الامساك حسب التفصيل التالي: ‏
أ ـ اذا بقي على الجنابة متعمداً الى طلوع الفجر امسك في النهار [وليكن امساكه بقصد القربة المطلقة اي بقصد امتثال الامر المتوجه اليه من دون تعيين ‏كون الامساك للامر بالصوم في شهر رمضان او للتأدب].‏
ب ـ اذا تعمّد الكذب على الله أو على رسوله أو استنشق الدخان او الغبار الغليظين [امسك بقية يومه برجاء المطلوبية اي باحتمال كون الامساك مطلوباً ‏فيه شرعاً اما للامر بالصوم او للامر بالامساك تأدباً ] .‏
جـ ـ واذا افطر باحد المفطرات الاخرى [ امسك بقية يومه تادباً برجاء ‏مطلوبيته ] .‏
ويجب عليه بالاضافة الى ذلك أن يقضي اليوم الذي أفسد صومه بالافطار وأن يكفر اما بتحرير رقبة أو باطعام ستين مسكيناً أو بصوم شهرين متتابعين عن كل يوم أفطره سواء أكان افطاره بشيء ‏محلّل كشرب الماء أم بشيء محرم كشرب الخمر أم الاستمناء .‏
‏ ‏‏ وكيف يتمّ اطعام ستين مسكيناً؟
ــ تارة يكون باطعامهم مباشرة فيشترط حينئذٍ اشباعهم أي تمكينهم من الطعام ‏الجاهز للاَكل بمقدار ما يشبعهم .‏
وأخرى بالتسليم اِليهم فيجب عندئذٍ ان تعطيهم « ثلاثة أرباع الكيلو غرام » تقريباً من التمر أو الحنطة أو الطحين أو الرز أو الماش أو غيرها مما يسمّى طعاماً عن كل يوم ولا يجوز لك دفع المال له بدل الطعام بل الطعام وحده دون ‏سواه ، أو توكله أن يشترّيه عنك ثم يتملكه لنفسه .‏
‏ ‏‏ واِذا أفطرت يوماً من رمضان لعذر كالمرض المانع من الصوم أو السفر مثلاً؟
ــ يجب عليك القضاء حينئذٍ بأن تختار يوماً من أيام سنتك غير العيدين فتصومه ‏عوضاً عن ذلك اليوم الذي مرضت فيه أو سافرت فيه.‏
‏ ‏‏ واِذا استمرّ بي المرض ذاك الذي منعني من صوم رمضان الى رمضان الاَتي؟
ــ سقط عنك القضاء حينئذٍ ووجبت عليك الفدية ، وهي أن تتصدّق عن كل يوم ‏بثلاثة أرباع الكيلو من الطعام تقريباً.‏
‏ وقبل أن اُودع حواريّة الصوم قال أبي أحبّ أن أشير الى ما يأتي:‏‏
‏ 1 ـ لا يجوز صوم يومي العيدين « عيد الفطر وعيد الاََضحى » قضاء، ولا غير ‏قضاء .‏
‏ 2 ـ [ يجب على الولد الاَكبر قضاء ما فات أباه من الصوم لعذر مما وجب عليه قضاؤه ولم يقضه مع تمكّنه منه اِذا لم يكن الولد الاَكبر حين موت أبيه قاصراً ‏أو ممنوعاً من اِرثه] .‏
‏3 ـ وردت الرخصة في أفطارشهر رمضان لاَشخاصٍ معدودين لم يجب عليهم صيام‏ ‏رمضان منهم:‏
أ ـ الشيخ والشيخة اِذا تعذّر عليهما الصوم، أو كان يسبّب لهما حرجاً ومشقة وفي هذه الحالة ـ أي المشقّة ـ يجب عليهما الفدية عن كل يوم أفطرا فيه، ‏ومقدارها ثلاثة أرباع الكيلو غرام تقريباً، من الحنطة وهي أفضل من سواها.‏ ‏ولا يجب عليهما قضاء الصوم.‏
ب ـ الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضرّ بحملها.‏ ويجب عليها القضاء ‏بعد ذلك.‏
جـ ـ المرضعة القليلة اللبن اِذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بولدها [وأنحصر الارضاع بها] واِلاّ لم يجز لها الافطار، واِذا جاز لها الافطار فعليها القضاء بعدئذٍ كما يجب عليهما ـ الحامل والمرضعة التكفير عن كل يوم أفطرتا بـ ‏3|4 الكيلو غرام تقريباً.‏
‏ 4 ـ وكما أن الصلاة واجبة ومستحبة، فالصوم واجب ومستحب أيضاً.‏ بل هو من المستحبّات المؤكّدة، فقد ورد في الروايات أنه «جُنّةٌ من النّار» وأنّه «زكاة الابدان» و«به يدخل العبد الجنّة» وأن «نوم الصائم عبادة ونَفَسهُ وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب» و«للصائم فرحتان فرحة عند ‏الافطار وأخرى حين يلقى الله عزّ وجل».‏
‏ وقد نصّت الروايات على استحباب:‏‏
أ ـ صوم ثلاثة ايام من كل شهر، والاَفضل صوم أوّل خميس من الشهر واَخر خميس ‏منه، وأوّل أربعاء من العشرة الثانية منه.‏
‏ ب ـ صوم يوم مولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله ويوم مبعثه.‏
‏ جـ ـ صوم يوم الغدير.‏
‏ د ـ صوم يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.‏
‏ هـ ـ صوم يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.‏
‏ و ـ صوم شهر رجب كله أو بعضه.‏
‏ ز ـ صوم شهر شعبان كلّه أو بعضه.‏
‏ وغير هذه كثير لا يسع المجال لذكرها هنا.‏
‏ 5 ـ وأخيراً ذكر لي أبي هذه الرواية عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام : «ان من تمام الصوم اعطاء ‏الزكاة» يعني زكاة الفطرة.‏
ثم أردف قائلاً يجب على كل بالغ عاقل مالك لقوت سنته أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه ومن يعول به، قريباً كان أو بعيداً، صغيراً كان أو كبيراً، حتى ضيفه اِذا نزل به قبل دخول ليلة عيد الفطر[ أو بعد دخولها] وانضّم الى عياله فعدَّ ‏ممّن يعول به.‏
ومقدار زكاة الفطرة عن كل نفسٍ «ثلاثة كليو غرامات» من الحنطة أو الشعير أو ‏التمر أو الزبيب أو غيرها مما يكون قوتاً غالباً أو ما هو بقيمتها من النقود.‏ يخرجها أو يعزلها ليلة العيد.‏ أو يوم العيد [قبل صلاة العيد لمن صلاها] واِلى ‏الزوال لمن لم يصلّها.‏
يدفعها للفقراء والمساكين ممن تحل عليهم زكاة المال «انظر حواريّة الزكاة»‏
علماً بأنّه لا تحل زكاة غير الهاشمي على الهاشمي اِن كان الدافع غير ‏هاشمي.‏
ولا تعطى زكاة الفطرة لمن تجب نفقته على دافع الزكاة كالاَب أو الاَم أو ‏الزوّجة أو الولد.‏

* * * * *


«حواريّة الحـج»


بِوَلِهِ عاشقٍ قديم لم يندمل بعد جرح عشقه، وبحرقة مولع متيم عاد لتوه من نعمى لقاء باذخ.‏ راح أبي يقصٌّ عليَّ حجّته الاولى، وفي عينيه فتور مستثار، وعلى لسانه حذر ناعم، وفوق فمه ابتسامة مشربة بحبٍ تحاول أن تفصح عن ‏نفسها، فيمنعها ـ كما يبدو ـ حياء مهيب ووقار وجلال بهي.‏
قلت لاَبي ـ وقد استثارتني حالته تلك ـ : أراك تتحّدث عن حجتك الاولى كما ‏يتحدّث مغرم عن سعادة وصاله الاَول.‏
قال ـ وقد تهدج صوته وتكسّر وهو يخاطبني ـ: وأنا أستعيد معك الاَن شريط ذكريات ذلك الشوط الممتع، أسترجع بشوق دافق دفَ وعذوبة ونشوة ذلك الهوى ‏الممضِّ المبرح المغروس في القلب:‏
ألم تقرأ قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (اذ جعلنا البيت مثابة للناس ‏وأمناً).‏
وقوله تعالى ـ على لسان نبيّه اِبراهيم عليه السلام ـ بسم الله الرحمن الرحيم: (ربنا اِنّي أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربّنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي ‏اِليهم).‏
وها هو ذا فؤادي يهفو ثانيةً الاَن كما هفا أوّل مرّةٍ لذلك البيت الطاهر في الوادي المقفر، المسكون بجلال الوحي، الخصيب بالنور والطيب والعشق ‏الخالص والجمال والمحبّة.‏
‏ قال أبي ذلك، ثم أطرق اِطراقة خفيفة وأنشد بصوت خفيض مناجياً نفسه:‏‏

أيـا مهجتي وادي الحـبـيب مـحمـد * خصيب الهـوى والزرع غير خصيب
هنا الكعبـة الزهراء والـوحـي والشذا * هنا النور ، فافني في هواه وذوبــي
ويا مهجتي بين الحـطيـم وزمــزم * تركت دموعي شافعـاً لـذنـوبــي
لثـمـت الثرى سبعاً وكحـلت مقلتـي * بحسن كـأســرار السماء مـهـيب
وفي الـكعـبة الزهراء زينـت لوعتي * وذهّــبَ أبـواب السـمـاء نحيبي

ثم رفع رأسه وخاطبني قائلاً: هكذا تعلق قلبي بالحجّة الاولى، وما أن يحل موسم ذلك اللقاء السنوي حتى أحنّ له.‏ وقد كنت دعوت ربّي هناك أن يرزقني ‏سعادة الحج ثانية وثالثة ورابعة.‏
‏ وقاطعت أبي باستغراب:‏‏
‏‏ أو يجب أن يحج حجة أولى ثمّ ثانية وثالثة ورابعة؟
ــ كلاّ، بل يجب عليك أن تحّج مرّة واحدة بعد استطاعتك.‏ قال الله سبحانه ‏وتعالى في كتابه المجيد: (ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع اِليه سبيلاً).‏
‏ أمّا الحجة الثانية والثالثة والرّابعة فهي من المستحبّات.‏
‏ ‏‏ قصَّ علي اِذن قصّة حجّتك الاولى تلك التي ولعت بها؟
ــ بعد أن وصلت « الجحفة » وهي احدى الاماكن التي حددتها الشريعة الاسلاميّة للاحرام وأسمتها بـ (مواقيت الاحرام) بعد ان وصلتها ونويت الاحرام للعمرة المتمتع بها الى الحج متقرَباً الى الله تعالى خلعت ملابسي ولبست ثوبي الاحرام وهما قميص واِزار أبيضان، ثم لبّيت فقلت بلغةٍ عربيّة صحيحة : « لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، اِن الحمد والنّعمة ‏لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك » .‏
وما أن قلتُ « لبّيك » حتى ارتعدت مفاصلي ، فقد تملكتني حالة من الرّهبة ‏والخشوع لم أعهدهما في نفسي من قبل ، فتذكّرت حينها ما كان يعتري اِمامك عليه السلام‏ من رهبة واصفرار لون وتعثّر لسان وتلكؤ ساعة التلبية خشية من الله عزّ وجل ‏وفرقاً منه .‏
ومذ أحرمتُ فقد حرم عليَّ الممارسة الجنسية بكل أنواعها واشكالها ، واستعمال الطيب ، والنظر في المرآة للزّينة ، والاستظلال من الشمس [ والمطر ] ، ولبس ‏المخيط وما بحكمه والجورب وستر الرأس، وغيرها مما نصّت عليه كتب الفقه .‏
‏ ‏ ‏‏ وبعد أن أحرمتَ .‏
ــ بعد أن أحرمتُ توجّهت الى مكة المكرمة وأنا متطهّر ، لاَطوف حول البيت العتيق أشواطاً سبعة مبتدئاً بالحجر الاَسود ومختتماً به .‏ مصلّياً بعد فراغي من الطواف ركعتين كصلاة الصبح ‏خلف مقام اِبراهيم عليه السلام متقرباً بكل أعمالي من العمرة والحج الى الله تعالى.‏
بعد ذلك توجّهت للسعي بين الصفا والمروة أشواطاً سبعة كذلك مبتدئاً بالصّفا ‏ومختتماً بالمروة.‏
‏ ولما أتممت شوطي السابع بالمروة قصَّرتُ فقصصت شيئاً من شعر رأسي.‏
وبالتقصير أتممت عمرة الحج، وتحللت من اِحرامي منتظراً حلول اليوم الثامن من ذي الحجة «يوم التروية» لاَحرم من مكة نفسها مرّة أخرى، ولكنّ الاحرام ‏للحج هذه المرة لا للعمرة.‏
وما أن حلَّ اليوم الثامن حتى لبست مئزري وقميصي ثانية، ونويت لاِحرام الحج، ولبّيت، ثمَّ توجهت لعرفات بسيارة مكشوفة حيث يجب عليَّ أن أقف هناك ‏وأكون، بدءاً من أوّل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة الى غروب الشمس.‏
ولما غربت شمس اليوم التاسع وأنا بعرفات توجّهت الى «المزدلفة» فبت فيها ليلة العاشر من ذي الحجة، حيث يجب أن يطلع عليَّ فجر اليوم العاشر وأنا ‏بالمزدلفة وأن أبقى بها الى قبيل طلوع الشمس.‏
وحين طلعت شمس اليوم العاشر أفضتُ من المزدلفة الى «منى» ومعي حصيّات التقطتها من المزدلفة، حيث تنتظرني بمنى ثلاثة واجبات يوم ذاك عليَّ أن ‏اُوديها وهي:‏
‏1 ـ رمي جمرة العقبة بسبع حصيّات واحدة تلو الاخرى.‏
‏ 2 ـ النحر أو ذبح الهدي بمنى.‏
‏ 3 ـ الحلق بمنى.‏
وحين أتممتها وحلقت تحللت من ما عدا الاستمتاع بالنساء والطيب [والصيد]، فتوجّهت ثانية الى مكة لاَطوف طواف الحج، واصلي صلاة الطواف، واسعى بين الصفا والمروة، كما طفت وصليّت وسعيت أول وصولي الى مكة.‏ ولما أتممتها طفت طواف النساء، وصليت صلاة الطواف، ثم عدت بعد ذلك كله الى منى حيث يجب عليَّ أن أبيت هناك ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وأبقى بمنى حتى ما بعد ظهر اليوم الثاني عشر، رميت خلال هذه الفترة الجمرات الثلاث الجمرة الاولى والوسطى والعقبة بالترتيب في اليوم الحادي عشر ثمّ عدت فرميتها ثانية في ‏اليوم الثاني عشر كما رميتها سابقاً.‏
ولما حلَّ ظهر اليوم الثاني عشر وتجاوز، وأنا بمنى صليّت الظهر ثمّ غادرتها ‏وقد انتهيت من كل واجبات الحج.‏
ورغم الزحام الشديد والشمس اللاهبة والرمل الحارق، ورغم أنّي أجهدت نفسي ـ كما هو المفروض ـ لاَتأكّد تماماً من أنّي واقف بعرفات لا خارجها، وانّي بالمزدلفة لا خارجها، وانّي بمنى لا خارجها، رغم ذلك فقد كان الحج موسماً خصباً للتوسل بالله عزّ وجل والتقرّب اِليه والتعلّق به والوقوف بين يديه والتلذّذ بمناجاته ‏ليل نهار.‏
بعد ذلك غادرت مكة المكرّمة ـ وكليّ شوق لها، وأسف ممضٌ على فراقها ـ للمدينة المنورّة حيث تشرفّت بزيارة قبر النبي الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وقبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وقبور أئمة البقيع عليهم السلام «الاِمام الحسن عليه السلام والاِمام علي ‏بن الحسين عليهما السلام والاِمام محمد الباقر عليه السلام والاِمام جعفر الصادق عليه السلام».‏
ثمّ زيارة المساجد والمشاهد المشرفة حول المدينة المنورة وزيارة قبر حمزة عمّ ‏النبي صلى الله عليه وآله.‏
هذه باختصار قصّة حجّتي الاولى أوجزتها لك الاَن، وحين تملك مالاً تستطيع به الحج بعد تطهيره باخراج زكاته وخمسه لو تعلّق به خمس أو زكاة، وحينئذٍ سأشرح لك ‏بالتفصيل كل خطوة تخطوها هناك.‏
‏ وفقك الله لزيارة بيته الحرام، ونفع بك هناك اِنّه قريب مجيب.‏
‏ ‏‏ قبل أن تنهي حواريّتنا هذه يا أبتي أحبّ أن أسألك عن «تطهير الاموال» ‏زكاتها وخمسها تلك التي ذكرتها في حديثك.‏
ــ ليس الاَن، فالحديث عن الزكاة والخمس يطول.‏ وسنفرد لكل منهما حوارية خاصة ‏بها اِن شاء الله.‏
‏ ‏ ‏‏ ستحدّثني عن الزكاة اِذن في حوارّيتنا القادمة، وبعدها عن الخمس.‏
‏ ــ كما تحب اِن شاء الله تعالى.‏
‏ ‏ ‏‏ اِن شاء الله.‏

* * * * *

«حواريّة الزّكاة»

الزكاة ركنٌ من أركان خمسة بني عليها الاِسلام ـ قال أبي ـ وهي من ضروريات الدين ، ولاَهميتها الكبيرة فقد ورد في الحديث الشريف : « أن الصلاة لا تقبل من مانع الزكاة » ذكر ذلك أبي وأضاف : لما نزلت آية الزكاة بسم الله ‏الرحمن الرحيم ( خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها ) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله‏ مناديه فنادى في الناس : « اِن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة » ولما حال الحول أمر صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في المسلمين : « أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم » .‏ ثم وجه صلى الله عليه وآله عمال الصّدقة لقبضها من ‏الناس .‏
وقال أبي : بينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد اِذ قال : « قُم يا فلان ، قُم يا فلان قُم يا فلان .‏ قُم يا فلان » .‏ حتى أخرج خمسة نفر ، فقال : « اُخرجوا ‏من مسجدنا ، لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكّون » .‏
وأردَف أبي قائلاً وقد علت وجهه سحابة معتمة كئيبة وهو ينقل لي حديثاً عن الاِمام أبي جعفر عليه السلام جاء فيه : « اِن الله عزّ وجل يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم ، مشدودة أيديهم الى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيد أنملة ، معهم ملائكة يعيِّرونهم تعييراً شديداً، ويقولون هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير، هؤلاء الذين ‏أعطاهم الله.‏. فمنعوا حق الله عزّ وجل من أموالهم».‏
ومما لاحظته وأنا أتلو كتاب الله عزّ وجل مرة تلو أخرى ـ قال أبي ـ اِن القرآن الكريم كثيراً ما يقرن الزكاة بالصلاة في اَياته الكريمة، مما يكشف ‏عن مدى أهمّيتها في التشريع الاِسلامي.‏
‏ ‏ ‏‏ وحين سألت أبي عن وضع الزكاة أجابني بحديث للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه:‏‏ «انّما وضعت الزكاة اختباراً للاغنياء، ومعونة للفقراء.‏ ولو أن النّاس ادّوا زكاة اموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولا ستغنى بما فرض الله له.‏ واِن النّاس ما افتقروا، ولا احتاجوا ولا جاعوا، ولا عروا اِلاّ بذنوب الاغنياء، ‏وحقيق على الله تبارك وتعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق الله.‏. من ماله».‏
وسألته: أفي كل ما تجب الزكاة؟
‏ قال مجيباً: تجب الزكاة فيما يأتي:‏‏
‏ الاول: في النقدين الذهب والفضّة بشروط.‏
‏ الثاني: في الحنطة والشعير والتمر والزبيب بشروط كذلك.‏
الثالث: في الاِبل والبقر والجاموس والاَغنام بقسميها المعز والضأن وبشروط ‏هي الاَخرى.‏
‏ الرابع: [في مال التجارة] وبشروط كذلك.‏
‏ ‏‏ وما الشروط الواجب توفّرها في النقدين الذهب والفضة تلك التي أشّرت اليها في حديثك؟
‏ ــ شروط عدّة:‏
‏ 1 ـ أن تبلغ كمية الذهب خمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً وزكاتها (5|2%) وكلّما ‏زادت ثلاثة مثاقيل وجب اِخراج 5|2% منها زكاة.‏
أما الفضة فيجب أن تبلغ كميتها مائة وخمسة مثاقيل وزكاتها 5|2% .‏ وكلما زادت ‏كمّيتها واحداً وعشرين مثقالاً وجب اِخراج 5|2% منها زكاة.‏
‏ ‏‏ واِذا قلت كميّة النقدين عن الحدّ المذكور؟
‏ ــ لا تجب فيها الزكاة.‏
‏ 2 ـ أن يمضي عليهما أحد عشر شهراً ويدخل عليهما الشهر الثاني عشر وهما في ‏ملك المالك.‏
‏ 3 ـ أن يكونا ـ الذهب والفضّة ـ مسكوكين عملة رائجة للتّداول اليومي في ‏البيع والشراء.‏
‏‏ وسبائك الذّهب والحلي المصنوعة من الذهب أو الفضة وقطع الذهب والفضّة الاُخرى؟
‏ ــ لا تجب فيها الزكاة.‏
‏ 4 ـ تمكّن المالك من التصرّف فيه في تمام الحول، فلا تجب الزكاة في المال ‏الضائع مدّة معتدّاً بها عرفاً.‏
‏ 5 ـ كمال المالك بالبلوغ والعقل، فلا تجب الزكاة في النّقدين من أموال ‏الصبي والمجنون.‏
(الثاني) مما تجب فيه الزكاة: الحنطة والشعير والتّمر والزبيب، وتجب فيها الزكاة اِذا بلغت كمّية كل منها بعد يبسها ثلاثمائة صاع وهذا يقارب ـ فيما ‏قيل ـ «847 كغم» تقريباً، ومقدار الزكاة الواجب فيها كما يلي:‏‏
أ ـ اِذا سقيت بماء المطر أو بماء النهر أو ماشابههما بحيث لا يحتاج سقي ‏الزرع الى مجهود تكون زكاتها حينئذٍ «10%».‏
ب ـ اِذا سقيت باليد أو بالاَلة كالمضخّات أو ما شابههما تكون زكاتها حينئذٍ ‏«5%».‏
جـ ـ اِذا سقيت بالمطر تارة وباليد أو بالاَلة اُخرى تكون زكاتها حينئذٍ ‏«5|7%»، اِلاّ اِذا كان أحد السقيين قليلاً جدّاً بحيث لا يعتدّ به فينسب ‏اِلي السقى الغالب.‏
‏‏ واِذا قلَّت كميّة المحصول عن ثلاثمائة صاع بعد يبسه؟
‏ ــ اِذا قلّت عن الحّد المقرر للزكاة فلا زكاة فيها.‏
‏ ‏‏ وهل هناك شرط آخر؟
ــ نعم.‏. ان يكون المحصول مملوكاً للمكلف حين تعلق الزكاة به، فلو تملكه بعد ‏ذلك الحين لم يجب عليه اداء زكاته.‏
‏ ‏‏ ومتى تتعلق الزكاة بالمحاصيل الاربعة؟
‏ ــ تتعلق بها حينما يصدق اسم الحنطة أو الشعير أو التمر أو العنب.‏
‏ (الثالث) مما تجب فيه الزكاة: المعز والضأن، والاِبل، والبقر والجاموس.‏
‏ ويشترط في وجوب زكاتها اُمور:‏‏
‏ 1 ـ بلوغ عددها النصاب، وهو رقم معيّن اِذا بلغته وجبت فيها الزكاة.‏
ففي الابل: اِذا بلغ عددها خمساً فزكاتها شاة، واِذا بلغ عشراً فزكاتها شاتان، واِذا بلغ خمس عشرة فزكاتها ثلاث شياه،‏ واِذا بلغ عشرين فزكاتها أربع شياه، واِذا بلغ خمساً وعشرين فزكاتها خمس شياه، واِذا بلغ ستاً وعشرين فزكاتها ناقة في السنة الثانية من عمرها، واِذا بلغ ستاً وثلاثين فزكاتها ‏ناقة في السنة الثالثة من عمرها.‏
‏ وهناك غيرها من الاَرقام لا يسع المجال هنا لذكرها.‏
وفي الغنم: اِذا بلغ عددها أربعين فزكاتها شاة، واِذا بلغ مائة وواحداً وعشرين فزكاتها شاتان، واِذا بلغ مائتين وواحداً فزكاتها ثلاث شياه، واِذا بلغ ثلاثمائة وواحداً فزكاتها اربع شياه، واِذا بلغ أربعمائة أو أكثر فزكاتها عن ‏كل مائة شاة واحدة، مهما بلغ عددها.‏
وفي البقر والجاموس: اِذا بلغ عددها ثلاثين فزكاتها تبيع دخل في السنة الثانية من عمره، واِذا بلغ العدد أربعين فزكاتها مسنّة دخلت في السنة ‏الثالثة من عمرها من البقر أو الجاموس.‏
ولا زكاة فيما بين النصابين أو الرقمين المحددّين في الاِبل والبقر والغنم، ‏فاِذا ما زاد العدد عن النصاب فلا زكاة عليه حتى يصل الى النصاب الجديد.‏
‏ 2 ـ أن تكون الحيوانات سائمة ترعى في أرض الله، أمّا اِذا كانت معلوفة يعطيها صاحبها علفها ولو في بعض السنة فلا زكاة فيها [ ولا يعتبر في الحيوانات ان لا تكون عوامل، فتجب فيها الزكاة وان استعملت في السقي أو النقل أو نحو ذلك ‏لفترةٍ معتدة بها].‏
‏ 3 ـ تمكّن المالك أو وليّه من التصرّف فيها في تمام الحول، فلو سرقت فترة ‏معتداً بها لم تجب الزكاة فيها.‏
‏ 4 ـ ان يمضي عليها احد عشر شهراً ويدخل الشهر الثاني عشر وهي في ملك ‏المالك.‏
(الرابع) مما [تجب فيه الزكاة: مال التجارة]: وهو المال الّذي يتملكه ‏الشخص بقصد المعاوضة قاصداً به الرّبح والتجارة.‏
‏ وزكاته ( 5|2 %) اِذا اجتمعت الشروط التالية:‏‏
‏ 1 ـ بلوغ المالك وعقله.‏
‏ 2 ـ بلوغ المال حّد النصاب وهو نصاب أحد النقدين الفضة أو الذهب، راجع نصاب ‏النقدين.‏
‏ 3 ـ مضيّ الحول عليه بعينه من حين قصد الرّبح والتجارة.‏
‏ 4 ـ بقاء قصد تحصيل الربّح طول الحول، فلو عدل ونوى به القنية، أو الصرف في ‏المؤنة في أثناء الحول لم تجب فيه الزكاة.‏
‏ 5 ـ تمكّن المالك من التصرّف فيه تمام الحول.‏
‏ 6 ـ أن يطلب براس المال أو بزيادة عليه طول الحول.‏
‏‏ واِذا أخرجت الزكاة فلمن أدفعها؟
ــ تدفع الزّكاة للمستحقّين وهم ثمانية أصناف بشروط، قال تعالى: (اِنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب ‏والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).‏
‏ ‏‏ وما الفرق بين الفقير والمسكين؟
ــ الفقير والمسكين: كلاهما من لا يملك قوت سنته لنفسه ولعياله وليست له صنعة أو حرفة مثلاً يتمكن بها من توفير قوت نفسه وعياله، والمسكين أسوأ حالاً ‏من الفقير.‏
ومن هم العاملون عليها؟
ــ العاملون عليها: هم المنصبَّون هم من قبل النبي صلى الله عليه وآله أو الاِمام عليه السلام أو الحاكم الشرعي أو نائبه لقبض الزكاة وحسابها واِيصالها اِليهم او اِلي ‏المستحقين.‏
‏ ‏‏ والمؤلّفة قلوبهم؟
ــ المؤلّفة قلوبهم: هم المسلمون الّذين يعزّز اسلامهم بدفع المال اِليهم، أو الكفّار بهدف جلبهم الى الاِسلام، أو مساعدتهم المسلمين في الدفاع عن أنفسهم.‏
وتجدر الاِشارة الى انه لا ولاية للمالك في صرف الزكاة على الصنفين ‏المتقدمين بل ذلك منوط برأي الاِمام عليه السلام ونائبه.‏
‏ ‏‏ وفي الرقاب؟
‏ ــ في الرقاب: وهم العبيد يشترون ويُعتقون.‏
‏ ‏‏ والغارمون؟
‏ ــ الغارمون: هم المدينون العاجزون عن تسديد ديونهم المشروعة.‏
‏ ‏‏ وفي سبيل الله؟
ــ في سبيل الله : هو مصرف جميع سبل الخير العامّة كبناء المساجد والجسور ‏وغيرها [وفي صرف هذا السهم ايضاً لابد من اذن الحاكم الشرعي ] .‏
‏ ‏‏ وابن السبيل؟
ــ ابن السبيل : هو المسافر المنقطع، ذاك الذي نفدت أمواله ولا تتيسر له اِستدانة نفقة العود او يحرجه ذلك [ كما لا يتيسر له بيع بعض امواله التي في بلده أو ايجارها ليعود ببدله اليه ] فانه تدفع له نفقة العود بشرط ان لا ‏يكون سفره في معصية .‏
هذه هي أصناف المستحقّين ، غير أنّه يشترط فيمن تدفع له الزكاة منهم أن يكون مؤمناً [ وأن لا يكون تاركاً للصلاة أو شارباً للخمر أو متجاهراً بالمنكرات ] وان لا يكون ممّن يصرف الزكاة في المعاصي [ بل وأن لا يكون في الدفع اِليه اِعانة على الاِثم واِغراء بالقبيح واِن لم يكن يصرفها في ‏المعاصي] .‏
ويشترط أيضاً أن لا يكون ممن تجب نفقته على دافع الزكاة كالزّوجة، وأن لا ‏يكون المستحق هاشمياً.‏ هذا ويحق للهاشمي فقط أن يدفع زكاته للهاشمي مثله .‏

* * * * *