[ حرمة المعاوضة على الميتة ] تحرم المعاوضة على الميتة وأجزائها التي تحلها الحياة منذي النفس السائلة ـ على المعروف من مذهب الأصحاب ـ.
وفي التذكرة ـ كما عن المنتهى والتنقيح ـ : الإجماع عليه (1) ، وعن رهن الخلاف : الإجماع على عدم ملكيتها (2).
ويدل عليه ـ مضافا إلى ما تقدم من الأخبار (3) ـ ما دل على أن الميتة لا ينتفع بها (4) منضما إلى اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع لئلا يدخل في عموم النهي عن أكل المال بالباطل ، وخصوص عد ثمن
1 ـ التذكرة 1 : 464 ، المنتهى 2 : 1009 ، التنقيح 2 : 5.
2 ـ الخلاف 3 : 240 ، كتاب الرهن ، المسألة 34.
3 ـ مثل روايتي تحف العقول ودعائم الإسلام ، المتقدمتين في أول الكتاب ، وقوله عليه السلام : إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه المتقدم عن عوالي اللآلي آنفا.
4 ـ الوسائل 16 : 368 ، الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(32)
الميتة من السحت في رواية السكوني (1).
[ ظهور مكاتبة الصيقل في الجواز ] نعم ، قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز ، مثل رواية الصيقل ، قال : كتبوا إلى الرجل : جعلنا الله فداك ، إنا نعمل السيوف ، وليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرون إليها ، وإنما غلافها (2) من جلود الميتة من البغال والحمير الأهلية ، لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحل لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسها بأيدينا وثيابنا ، ونحن نصلي في ثيابنا ؟ ونحن محتاجون إلى جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها ، فكتب عليه السلام : اجعلوا ثوبا للصلاة ... (3).
ونحوها رواية اخرى بهذا المضمون (4).
ولذا قال في الكفاية والحدائق : إن الحكم لا يخلو عن إشكال (5).
[ المناقشة في دلالتها على جواز البيع ] ويمكن أن يقال : إن مورد السؤال عمل السيوف وبيعها وشراؤها ، لا خصوص الغلاف مستقلا ، ولا في ضمن السيف على أن يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد ، فغاية ما يدل عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمدا للسيف ، وهو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال ، ولذا جوز جماعة ، منهم الفاضلان في النافع والإرشاد ـ على ما حكي
1 ـ الوسائل 12 : 62 ، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5.
2 ـ في التهذيب والوسائل : علاجنا.
3 ـ الوسائل 12 : 125 ، الباب 38 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 4 ، مع تفاوت يسير.
4 ـ نفس المصدر : الحديث 3.
5 ـ كفاية الأحكام : 84 ، الحدائق 18 : 73.
(33)
عنهما ـ الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة والشرب مع عدم قولهم بجواز بيعه (1).
مع أن الجواب لا ظهور فيه في الجواز ، إلا من حيث التقرير الغير الظاهر في الرضى ، خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية.
[ بيع الميتة لو جاز الانتفاع بجلدها ] هذا ، ولكن الإنصاف : أنه إذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة ـ كالاستقاء بها للبساتين والزرع إذا فرض عده مالا عرفا ـ فمجرد النجاسة لا يصلح (2) علة لمنع البيع ، لولا الإجماع على حرمة بيع الميتة بقول مطلق (3) ، لأن المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة ، لا مجرد النجاسة.
وإن قلنا : إن مقتضى الأدلة حرمة الانتفاع بكل نجس ، فإن هذا كلام آخر سيجيء بما فيه (4) بعد ذكر حكم النجاسات.
[ ظهور ما دلّ على المنع في كون المنافع حرمة الانتفاع ] لكنا نقول : إذا قام الدليل الخاص على جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشيء من النجاسات فلا مانع من صحة بيعه ، لأن ما دل على المنع عن بيع النجس من النص والإجماع ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع ، فإن رواية تحف العقول المتقدمة (5) قد علل فيها المنع عن بيع
1 ـ المختصر النافع : 254 ، الإرشاد 2 : 113.
2 ـ كذا في ص ، وفي غيره : لا تصلح.
3 ـ ادعاه العلامة في التذكرة 1 : 464 ، والمنتهى 2 : 1009 ، والفاضل المقداد في التنقيح 2 : 5.
4 ـ في ع ، ص ، ش : ما فيه.
5 ـ تقدمت في أول الكتاب.
(34)
شيء من وجوه النجس بكونه منهيا عن أكله وشربه ... إلى آخر ما ذكر فيها.
ومقتضى رواية دعائم الإسلام ـ المتقدمة أيضا (1) ـ إناطة جواز البيع وعدمه بجواز الانتفاع وعدمه.
[ ظهور كلام جماعة في ما استظهر من النصّ والإجماع ] وأدخل ابن زهرة ـ في الغنية ـ النجاسات في ما لا يجوز بيعه من جهة عدم حلال انتفاع بها ، واستدل أيضا على جواز بيع الزيت النجس : بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن في الاستصباح به تحت السماء (2) ، قال : وهذا يدل على جواز بيعه لذلك (3) ، انتهى.
فقد ظهر من أول كلامه وآخره أن المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع ، وأنه يجوز مع عدمها.
ومثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال ، كلام الشيخ ـ في الخلاف في باب البيع ـ حيث ذكر النبوي الدال على إذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاستصباح ، ثم قال : وهذا يدل على جواز بيعه (4) ، انتهى.
وعن فخر الدين ـ في شرح الإرشاد (5) ـ ، والفاضل المقداد ـ في
1 ـ تقدمت في أول الكتاب.
2 ـ نقله عن كتاب الأوضاح لأبي علي بن أبي هريرة ، وفي الخلاف عن الإفصاح ، والظاهر أن أحدهما محرف عن الآخر.
3 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 524.
4 ـ الخلاف 3 : 187 ، كتاب البيوع ، المسألة 312.
5 ـ لا يوجد لدينا ، لكن حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 13.
(35)
التنقيح (1) ـ الاستدلال على المنع عن بيع النجس بأنه محرم الانتفاع ، وكل ما كان كذلك لا يجوز بيعه.
نعم ، ذكر في التذكرة شرط الانتفاع وحليته (2) بعد اشتراط الطهارة ، واستدل للطهارة بما دل على وجوب الاجتناب عن النجاسات وحرمة الميتة (3).
والإنصاف ، إمكان إرجاعه إلى ما ذكرنا (4) ، فتأمل. ويؤيده (5) أنهم أطبقوا على بيع العبد الكافر وكلب الصيد ، وعلله في التذكرة بحل الانتفاع به ، ورد من منع (6) عن بيعه لنجاسته بأن النجاسة غير مانعة ، وتعدى إلى كلب الحائط والماشية والزرع ، لأن المقتضي ـ وهو النفع ـ موجود فيها (7).
[ المعاوضة على لبن اليهوديّة المرضعة ] ومما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة ـ لولا الإجماع ـ إذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء ، يظهر حكم جواز المعاوضة على لبن اليهودية المرضعة ، بأن يجعل تمام الاجرة أو بعضها في مقابل اللبن ، فإن نجاسته لاتمنع عن جواز المعاوضة عليه.
1 ـ التنقيح 2 : 5.
2 ـ التذكرة 1 : 465.
3 ـ التذكرة 1 : 464.
4 ـ في ف : ما ذكره الجماعة.
5 ـ في ف : ويؤيد الإرجاع.
6 ـ وهم جماعة من العامة ـ كالشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم ـ وبعض منا ، على ما في التذكرة.
7 ـ التذكرة 1 : 464.
الأول :
[ حكم بيع الميتة منضمّة إلى مُذكّى ] أنه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة ، كذلك لا يجوز بيعها منضمة إلى مذكى.
ولو باعهما (1) ، فإن كان المذكى ممتازا صح البيع فيه وبطل في الميتة ، كما سيجيء في محله ، وإن كان مشتبها بالميتة لم يجز بيعه أيضا ، لأنه لاينتفع به منفعة محللة ، بناء على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين ، فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع ، فأكل المال بإزائه أكل للمال (2) بالباطل ، كما أن أكل كل من المشتبهين في حكم أكل الميتة.
[ هل يجوز بيع المختلط ممّن يستحلّ الميتة ؟ ] ومن هنا يعلم أنه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة وغيره.
[ دلالة روايتي الحلبي على الجواز ] لكن في صحيحة الحلبي وحسنته : إذا اختلط المذكى بالميتة بيع ممن يستحل الميتة (3) ، وحكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر (4).
1 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : باعها.
2 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : أكل المال.
3 ـ الوسائل 12 : 67 ، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 1 و 2 ، مع اختلاف في اللفظ.
4 ـ مسائل علي بن جعفر : 109 ، الحديث 20.
(37)
واستوجه العمل بهذه الأخبار في الكفاية (1) ، وهو مشكل ، مع أن المروي عن أميرالمؤمنين عليه السلام : أنه يرمى بها (2).
[ تجويز بعضهم البيع المذكّى والايراد عليه ] وجوز بعضهم البيع بقصد بيع المذكى (3).
وفيه : أن القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكى لأجل الاشتباه.
نعم ، لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة وجواز ارتكاب أحدهما ، جاز البيع بالقصد المذكور.
لكن لا ينبغي القول به في المقام ، لأن الأصل في كل واحد من المشتبهين عدم التذكية ، غاية الأمر العلم الاجمالي بتذكية أحدهما ، وهو غير قادح في العمل بالأصلين.
وإنما يصح القول بجواز ارتكاب أحدهما في المشتبهين إذا كان الأصل في كل منهما الحل وعلم إجمالا بوجود الحرام ، فقد يقال هنا بجواز ارتكاب أحدهما اتكالا على أصالة الحل ، وعدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك حذرا عن ارتكاب الحرام الواقعي ، وإن كان هذا الكلام مخدوشا في هذا المقام أيضا ، لكن القول به ممكن هنا ، بخلاف ما نحن فيه ، لما ذكرنا ، فافهم.
1 ـ كفاية الأحكام : 85.
2 ـ في ش : بهما ، وما أثبتناه مطابق لسائر النسخ ، ولماورد في الحديث ، راجع : مستدرك الوسائل 13 : 73 ، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.
3 ـ المحقق في الشرائع 3 : 223 ، والعلامة في الإرشاد 2 : 113.
(38)
[ حمل العلاّمة لروايتي الحلبي ] وعن العلامة حمل الخبرين على جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك برضاه (1).
وفيه : أن المستحل قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه إلا بالأسباب الشرعية ، كالذمي.
[ حمل المؤلّف لهما ] ويمكن حملهما على صورة قصد البائع المسلم أجزاءها التي لا تحلها الحياة : من الصوف والشعر والعظم (2) ونحوها ، وتخصيص المشتري بالمستحل ، لأن الداعي له على الاشتراء اللحم أيضا ، ولا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه.
[ الانتفاع بأليات الغنم المقطوعة ] وفي مستطرفات السرائر ، عن جامع البزنطي ـ صاحب الرضا عليه السلام ـ قال : سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من الياتها وهي أحياء ، أيصلح أن ينتفع بها (3) ؟ قال : نعم ، يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها (4).
واستوجه في الكفاية العمل بها (5) تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة
1 ـ المختلف : 683.
2 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : من الصوف والعظم والشعر.
3 ـ في المصدر بدل بها : بما قطع.
4 ـ السرائر 3 : 573.
5 ـ ظاهر العبارة : أن السبزواري استوجه العمل برواية البزنطي ، لكن الموجود في كفاية الأحكام ـ بعد الحكم باستثناء الأدهان ، مستدلا بصحيحة الحلبي وصحيحة زرارة وصحيحة سعيد الأعرج وغيرها ، وأن ذكر الإسراج والاستصباح في الروايات غير دال على الحصر ـ ما يلي : والقول بالجواز مطلقا متجه ، انظر كفاية الأحكام : 85.
(39)
في بعض أقواله (1).
والرواية شاذة ، ذكر الحلي ـ بعد إيرادها ـ أنها من نوادر الأخبار ، والإجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرف فيها على كل حال إلا أكلها للمضطر (2).
أقول : مع أنها معارضة بما دل على المنع من موردها ، معللا بقوله عليه السلام : أما علمت أنه يصيب الثوب واليد وهو حرام ؟ (3) ومع الإغماض عن المرجحات ، يرجع إلى عموم ما دل على المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا ، مع أن الصحيحة صريحة في المنع عن البيع ، إلا أن تحمل على إرادة البيع من غير الإعلام بالنجاسة.
1 ـ حكى السيد العاملي في مفتاح الكرامة ( 4 : 19 ) عن حواشي الشهيد على القواعد أنه نقل عن العلامة ـ في حلقة الدرس ـ أنه جوز الاستصباح بأليات الغنم المقطوعة ، تحت السماء.
2 ـ السرائر 3 : 574.
3 ـ الوسائل 16 : 364 ، الباب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث الأول ، وفيه : أما تعلم.
(40)
[ حكم المعاوضة على الميتة من غير ذي النفس السائلة ] الثاني :
أن الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها إذا كانت مما ينتفع بها أو ببعض أجزائها ـ كدهن السمك الميتة للإسراج والتدهين ـ لوجود المقتضي وعدم المانع ، لأن أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة ، وصرح بما ذكرنا جماعة (1) ، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه.
1 ـ منهم : المحدث البحراني في الحدائق 18 : 77 ، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 19 ، وصاحب الجواهر في الجواهر 22 : 17.