[ جواز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة ] يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة بلا خلاف ظاهر ، إلا ما عن ظاهر إطلاق العماني (1) ، ولعله كإطلاق كثير من الأخبار : بأن ثمن الكلب سحت (2) محمول على الهراش ، لتواتر الأخبار (3) واستفاضة نقل الإجماع (4) على جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة.
ثم إن ما عدا كلب الهراش على أقسام :
[ كلب الصيد السلوقي ] أحدها ـ كلب الصيد السلوقي ، وهو المتيقن من (5) الأخبار (6) ومعاقد
1 ـ قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ( 4 : 28 ) : ولا مخالف سوى الحسن العماني ، على ما حكي.
2 ـ الوسائل 12 : 62 ، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5 و 9 ، والصفحة : 83 ، الباب 14 من نفس الأبواب ، الحديث 2 و 8.
3 ـ الوسائل 12 : 63 ، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 7 و 8 ، والصفحة : 83 ، الباب 14 من نفس الأبواب ، الأحاديث 1 و 3 و 5 و 6 و 7.
4 ـ سيأتي نقله عن الخلاف والمنتهى وإيضاح الفوائد وغيرها.
5 ـ في ن ، م ، ع ، ص : عن.
6 ـ المشار إليها في الهامش ( 3 ).
(52)
الإجماعات الدالة على الجواز.
[ كلب الصيد غير السلوقي ] الثاني ـ كلب الصيد غير السلوقي ، وبيعه جائز على المعروف من غير ظاهر إطلاق المقنعة والنهاية (1).
ويدل عليه ـ قبل الإجماع المحكي عن الخلاف والمنتهى والإيضاح (2) وغيرها (3) ـ الأخبار المستفيضة :
[ الأخبار المستفيضة الدالّة على الجواز ] منها : قوله عليه السلام في رواية القاسم بن الوليد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، قال : سحت ، وأما الصيود فلا بأس به (4).
ومنها : الصحيح عن ابنفضال عن أبي جميلة ، عن ليث ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكلب الصيود يباع ؟ قال عليه السلام : نعم ، ويؤكل ثمنه (5).
ومنها : رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثمن كلب الصيد ، قال : لا بأس به ، وأما الآخر فلا يحل ثمنه (6).
1 ـ المقنعة : 589 ، النهاية : 364.
2 ـ الخلاف 3 : 182 ، كتاب البيوع ، المسألة 302 ، المنتهى 2 : 1009 ، إيضاح الفوائد 1 : 402.
3 ـ مثل الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 524 ، والدروس 3 : 168.
4 ـ الوسائل 12 : 83 ، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 1 و 7.
5 ـ التهذيب 9 : 80 ، الحديث 343 ، ولم نقف عليه في الوسائل.
6 ـ الوسائل 12 : 83 ، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 5 ، مع اختلاف يسير.
(53)
ومنها : ما (1) عن دعائم الإسلام ـ للقاضي نعمان المصري ـ عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال : لا بأس بثمن كلب الصيد (2).
ومنها : مفهوم رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت (3).
ومنها : مفهوم رواية عبدالرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ثمن الكلب الذي لايصيد سحت ، ولا بأس بثمن الهرة (4).
ومرسلة الصدوق ، وفيها : ثمن الكلب الذي ليسب كلب الصيد سحت (5).
ثم إن دعوى انصراف هذه الأخبار ـ كمعاقد الإجماعات المتقدمة ـ إلى السلوقي ضعيفة بمنع (6) الانصراف ، لعدم الغلبة المعتد بها ـ على فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف ـ مع أنه لا يصح في مثل قوله : ثمن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد ، لأن مرجع التقييد إلى إرادة ما يصح
1 ـ كلمة ما ساقطة من أكثر النسخ.
2 ـ دعائم الإسلام 2 : 19 ، الحديث 28.
3 ـ الوسائل 12 : 83 ، الباب 14 من أبواب ما يكتسب به ، الحديث 6.
4 ـ نفس المصدر ، الحديث 3 ، وفيه : ولا بأس بثمن الهر.
5 ـ الفقيه 3 : 171 ، الحديث 3648.
6 ـ كذا في ف ، وفي سائر النسخ : لمنع.
(54)
عنه سلب صفة الاصطياد.
وكيف كان ، فلا مجال لدعوى الانصراف.
بل يمكن أن يكون مراد المقنعة والنهاية (1) من السلوقي مطلق الصيود ، على ما شهد به بعض الفحول من إطلاقه عليه أحيانا (2).
ويؤيد بما عن المنتهى ، حيث إنه بعد ما حكى التخصيص بالسلوقي عن الشيخين قال : وعنى بالسلوقي كلب الصيد ، لأن سلوق قرية باليمن ، أكثر كلابها معلمة فنسب الكلب إليها (3) وإن كان هذا الكلام من المنتهى يحتمل لأن يكون مسوقا لإخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية ، وأن المراد بالسلوقي خصوص الصيود ، لا كل سلوقي ، لكن الوجه الأول أظهر ، فتدبر.
[ كلب الماشية والحائط ] الثالث : كلب الماشية والحائط ـ وهو البستان والزرع ـ والأشهر بين القدماء ـ على ما قيل (4) ـ : المنع.
ولعله استظهر ذلك من الأخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في الصيود المشتهرة بين المحدثين ـ كالكليني والصدوقين ومن تقدمهم (5) ـ بل وأهل
1 ـ تقدم التخريج عنهما في الصفحة : 52 ، الهامش ( 1 ).
2 ـ لعله قدس سره أراد بذلك مانقله السيد المجاهد عن استاذه في مقام الجمع بين الروايات ، انظر المناهل : 276 ، ذيل قوله : وأما ثالثا ... .
3 ـ المنتهى 2 : 1009.
4 ـ انظر المستند 2 : 334 ، والمناهل : 276.
5 ـ حيث أوردوا الأخبار المذكورة في اصولهم ومصنفاتهم.
الفتوى ـ كالمفيد والقاضي وابن زهرة وابن سعيد والمحقق (1) ـ بل ظاهر الخلاف والغنية الإجماع عليه (2).
[ المشهور بين الشيخ ومَن تأخّر عنه الجواز ] نعم ، المشهور بين الشيخ ومن تأخر عنه (3) الجواز ، وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد قدس سره ، حيث قال : لا بأس بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع ، ثم قال : لا خير في الكلب فيما عدا الصيود والحارس (4) وظاهر الفقرة الأخيرة ـ لو لم يحمل على الاولى ـ : جواز بيع الكلاب الثلاثة وغيرها ، كحارس الدور والخيام.
وحكي الجواز أيضا عن الشيخ والقاضي في كتاب الإجارة (5) وعن سلار وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس (6) وأكثر المتأخرين ـ كالعلامة وولده السعيد (7) والشهيدين (8) والمحقق الثاني (9) وابن القطان
1 ـ المقنعة : 589 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 524 ، نزهة الناظر : 76 ، الشرائع 2 : 11 ، وأما القاضي فلم نقف في كتابيه على ما يدل على المنع ، وإن نسبه إليه في المختلف : 341.
2 ـ الخلاف 3 : 181 ، كتاب البيوع ، المسألة 302 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 524.
3 ـ ستأتي الإشارة إلى مواضع كلامهم.
4 ـ حكاه عنه في المختلف 340 ، 341.
5 ـ المبسوط 3 : 250 ، المهذب 1 : 502.
6 ـ المراسم : 170 ، الوسيلة : 248 ، السرائر 2 : 220 ، وأما أبو الصلاح فلم نقف على فتواه بالجواز في الكافي.
7 ـ القواعد 1 : 120 ، إيضاح الفوائد 1 : 402.
8 ـ الدروس 3 : 168 ، الروضة البهية 3 : 209.
9 ـ جامع المقاصد 4 : 14.
(56)
[ ذهاب المحقق وقليل من متأخّري المتأخرين إلى المنع ] في المعالم (1) والصيمري (2) وابن فهد (3) ـ وغيرهم من متأخري المتأخرين (4) ، عدا قليل وافق المحقق (5) كالسبزواري (6) والتقي المجلسي (7) وصاحب الحدائق (8) والعلامة الطباطبائي في مصابيحه (9) وفقيه عصره في شرح القواعد (10).
[ دلالة مرسلة المبسوط على الجواز ] وهو الأوفق بالعمومات المتقدمة المانعة ، إذ لم نجد مخصصا لها سوى ما أرسله في المبسوط من أن هروي ذلك (11) ، يعني جواز البيع في كلب الماشية والحائط ، المنجبر قصور سنده ودلالته ـ لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها ولا ترجمتها ـ باشتهاره بين المتأخرين ، بل ظهور الاتفاق المستفاد من قول الشيخ في كتاب الإجارة : إن أحدا
1 ـ معالم الدين في فقه آل يس ( مخطوط ) : 126.
2 ـ تلخيص الخلاف 2 : 79.
3 ـ المهذب البارع 2 : 349.
4 ـ منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 437 ، والفاضل المقداد في التنقيح 2 : 7 ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8 : 37.
5 ـ الشرائع 2 : 12.
6 ـ كفاية الأحكام : 88.
7 ـ روضة المتقين 6 : 470.
8 ـ الحدائق 18 : 81.
9 ـ المصابيح : ( مخطوط ) ، ولم نقف عليه.
10 ـ شرح القواعد ( مخطوط ) : الورقة 6.
11 ـ المبسوط 2 : 166.
(57)
لم يفرق بين بيع هذه الكلاب وإجارتها (1) بعد ملاحظة الاتفاق على صحة إجارتها ، ومن قوله في التذكرة : يجوز بيع هذه الكلاب عندنا (2) ، ومن المحكي عن الشهيد في الحواشي : أن أحدا لم يفرق بين الكلاب الأربعة (3).
[ حمل كلام من اقتصر على كلب الصيد على المثال ] فتكون هذه الدعاوي قرينة على حمل كلام من اقتصر على كلب الصيد على المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ، كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية ، حيث اعتبر أولا في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ، ثم قال : واحترزنا بقولنا : ينتفع به منفعة محللة عما يحرم الانتفاع به ، ويدخل في ذلك : النجس (4) إلا ما خرج بالدليل ، من الكلب (5) المعلم للصيد ، والزيت النجس لفائدة الاستصباح (6) تحت السماء (7) ، ومن المعلوم ـ بالإجماع والسيرة ـ جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محللة مقصودة أهم من منفعة الصيد ، فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها ، وأن المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي بانتفائها.
1 ـ قاله في كتاب البيع ، انظر المبسوط 2 : 166.
2 ـ التذكرة 2 : 295 ( كتاب الإجارة ).
3 ـ حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 29.
4 ـ في ش والمصدر : كل نجس ،
5 ـ في ش والمصدر : من بيع الكلب.
6 ـ في ش والمصدر : والزيت النجس للاستصباح.
7 ـ الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 524 ، مع تفاوت في بعض الألفاظ.
(58)
[ التأييد بما أفاده العلاّمة والمناقشة فيه ] ويؤيد ذلك كله ما في التذكرة من أن المقتضي لجواز بيع كلب الصيد ـ أعني المنفعة ـ موجود في هذه الكلاب (1). وعنه رحمه الله في مواضع اخر : أن تقدير الدية لها يدل على مقابلتها بالمال (2). وإن ضعف الأول برجوعه إلى القياس ، والثاني بأن الدية لو لم تدل على عدم التملك ـ وإلا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت ـ لم تدل على التملك ، لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شيء ينتفع به ، لا لإتلاف مال ، كما في إتلاف الحر.
[ المناقشة في أدلّة الجواز ] ونحوهما في الضعف : دعوى انجبار المرسلة (3) بدعوى الاتفاق المتقدم عن الشيخ والعلامة والشهيد قدس الله أسرارهم (4) ، لوهنها ـ بعد الإغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف والغنية : من الإجماع على عدم جواز بيع (5) غير المعلم من الكلاب (6) ـ بوجد ان الخلاف العظيم من أهل الرواية والفتوى.
[ الفرق بين دعوى الاتفاق ودعوى الإجماع ] نعم ، لو ادعيا لإجماع أمكن منع وهنها بمجرد الخلاف ولو من الكثير ـ بناء على ما سلكه بعض متأخري المتأخرين في الإجماع من كونه منوطا بحصول الكشف من اتفاق جماعة ولو خالفهم أكثر منهم (7) ـ
1 ـ التذكرة 1 : 464.
2 ـ راجع المنتهى 2 : 1009.
3 ـ المتقدمة عن المبسوط في الصفحة : 56 ، الهامش ( 11 ).
4 ـ تقدم عنهم في الصفحة : 56 و 57.
5 ـ لم ترد بيع في ش.
6 ـ كما تقدم في الصفحة : 54 ـ 55.
7 ـ لم نقف على القائل.
(59)
مع أن دعوى الإجماع ممن لم يصطلح الإجماع على مثل هذا الاتفاق لا يعبأ بها (1) عند وجدان الخلاف.
وأما شهرة الفتوى بين المتأخرين فلا تجبر الرواية ، خصوصا مع مخالفة كثير من القدماء (2) ، ومع كثرة العمومات الواردة في مقام الحاجة ، وخلو كتب الرواية المشهورة عنها (3) حتى أن الشيخ لم يذكرها (4) في جامعه (5).
[ حمل كلمات القدماء على المثال في غاية البعد ] وأما حمل كلمات القدماء على المثال ، ففي غاية البعد.
وأما كلام ابن زهرة ـ المتقدم (6) ـ فهو مختل على كل حال ، لأنه استثنى الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به ، مع أن الإجماع على جواز الانتفاع بالكافر ، فحمل كلب الصيد على المثال لا يصحح كلامه ، إلا أنيريد كونه مثالا ولو للكافر أيضا ، كما أن استثناء الزيت من باب المثال لسائر الأدهان المتنجسة.
هذا ، ولكن الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخرين ـ بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب ـ يوجب الظن بالجواز حتى في غير هذه الكلاب ، مثل كلاب الدور والخيام.
1 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : به.
2 ـ راجع الصفحة : 54 ـ 55.
3 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : عنه.
4 ـ كذا في ش ، وفي سائر النسخ : لم يذكره.
5 ـ في ش : جامعيه.
6 ـ تقدم في الصفحة : 57.
(60)
[ مختار المؤلّف ] فالمسألة لا تخلو عن إشكال ، وإن كان الأقوى بحسب الأدلة والأحوط في العمل هو المنع ، فافهم.