[ يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرّمة ] نعم ، يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة بأن يقول : بعتك بشرط أن تأكله ، وإلا فسد العقد بفساد الشرط.
بل يمكن الفساد وإن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد ، لأن مرجع الاشتراط في هذا الفرض إلى تعيين المنفعة المحرمة عليه ، فيكون أكل الثمن أكلا بالباطل ، لأن حقيقة النفع العائد إلى المشتري بإزاء ثمنه هو النفع المحرم ، فافهم. بل يمكن القول بالبطلان بمجرد القصد وإن لم يشترط في متن العقد.
وبالجملة ، فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة ـ بحيث قصد أكل الثمن أو بعضه بإزاء المنفعة المحرمة ـ كان باطلا ، كما يؤمي إلى ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية وبيعها (1).
وصرح في التذكرة بأن الجارية المغنية إذا بيعت بأكثر مما يرغب فيها لو لا الغناء ، فالوجه التحريم (2) ، انتهى.
[ خلّو الأخبار عن اعتبار قصد الاستصباح ] ثم إن الأخبار المتقدمة خالية عن اعتبار قصد الاستصباح ، لأن موردها مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها كافية في ماليتها العرفية.
وربما يتوهم من قوله عليه السلام في رواية الأعرج المتقدمة : فلا تبعه إلا لمن تبين له (3) فيبتاع للسراج (4) اعتبار القصد ، ويدفعه : أن الابتياع
1 ـ الوسائل 12 : 86 ، الباب 16 من أبواب ما يكتسب به.
2 ـ التذكرة 1 : 465.
3 ـ في أكثر النسخ : تبينه لمن يشتريه.
4 ـ تقدمت في الصفحة : 67 ( رواية اسماعيل بن عبد الخالق ).
(72)
للسراج إنما جعل غاية للإعلام ، بمعنى أن المسلم إذا اطلع على نجاسته فيشتريه للإسراج ، نظير قوله عليه السلام في رواية معاوية بن وهب : يبينه (1) لمن اشتراه ليستصبح به (2).
1 ـ في غير ش : ينبه.
2 ـ تقدمت في الصفحة : 66 ( الزيادة المحكية عن التهذيب ).
(73)
[ هل يجب الإعلام مطلقاً أولا ؟ وهل وجوبه نفسي أو شرطي ؟ ] الثاني :
أن ظاهر بعض الأخبار (1) وجوب الإعلام ، فهل يجب مطلقا أم لا ؟ وهل وجوبه نفسي أو شرطي ؟ بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع.
الذي ينبغي أن يقال : إنه لاإشكال في وجوب الإعلام إن قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد ، أو تواطؤهما عليه من الخارج ، لتوقف القصد على العلم بالنجاسة.
وأما إذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد ، فالظاهر وجوب الإعلام وجوبا نفسيا قبل العقد أو بعده ، لبعض الأخبار المتقدمة.
[ وجوب إعلام الجاهل بما يُعطى إذا كان الانتفاع الغالب به محرّماً ] وفي قوله عليه السلام : يبينه لمن اشتراه ليستصبح به (2) إشارة إلى وجوب الإعلام لئلا يأكله ، فإن الغاية للإعلام ليس هو تحقق الاستصباح ، إذلا ترتب بينهما شرعا ولا عقلا ولا عادة ، بل الفائدة حصر الانتفاع فيه ، بمعنى عدم الانتفاع به في غيره ، ففيه إشارة إلى وجوب إعلام الجاهل بما يعطى إذا كان الانتفاع الغالب به محرما بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام لو لا الإعلام ، فكأنه قال : أعلمه لئلا يقع في الحرام الواقعي بتركك الإعلام.
ويشير إلى هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة على حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرمات ، مثل ما دل على
1 ـ مثل ما تقدم من ذيل صحيحة معاوية بن وهب المروية في التهذيب ، وموثقة أبي بصير ، ورواية اسماعيل بن عبد الخالق ، راجع الصفحة : 66 ـ 67.
2 ـ تقدم في الصفحة : 66.
(74)
[ الأخبار الدالّة على حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع ]
أن من أفتى بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه (1) فإن إثبات الوزر للمباشر منجهة فعل القبيح الواقعي ، وحمله على المفتي من حيث التسبيب والتغرير.
ومثل قوله عليه السلام : ما من إمام صلى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير ، إلا كان عليه أوزارهم (2) وفي رواية اخرى : فيكون في صلاته وصلاتهم تقصير ، إلا كان إثم ذلك عليه (3) وفي رواية اخرى : لا يضمن الإمام صلاتهم إلا أن يصلي بهم جنبا (4).
ومثل رواية أبي بصير المتضمنة لكراهة أن تسقى البهيمة أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه (5) ، فإن في كراهة ذلك في البهائم إشعارا بحرمته بالنسبة إلى المكلف.
ويؤيده : أن أكل الحرام وشربه من القبيح ، ولو في حق الجاهل ، ولذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك ، إذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط ، وحينئذ فيكون إعطاء النجس للجاه لالمذكور إغراء بالقبيح ، وهو قبيح عقلا.
بل قد يقال بوجوب الإعلام وإن لم يكن منه تسبيب ـ كما لو رأى نجسا في يده يريد أكله ـ وهو الذي صرح به العلامة رحمه الله في أجوبة
1 ـ الوسائل 18 : 9 ، الباب 4 من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأول.
2 ـ تحف العقول : 179.
3 ـ بحار الأنوار 88 : 92.
4 ـ الوسائل 5 : 434 ، الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث 6.
5 ـ الوسائل 17 : 246 ، الباب 10 من أبواب الأشربة المحرمة ، الحديث 5.
(75)
المسائل المهنائية ، حيث سأله السيد المهنا عمن رأى في ثوب المصلي نجاسة ، فأجاب بأنه يجب الإعلام ، لوجوب النهي عن المنكر (1) ، لكن إثبات هذا مشكل.
والحاصل ، أن هنا امورا أربعة :
[ أقسام إلقاء الغير في الحرمة الواقعية ] أحدها ـ أن يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج ـ كما إذا أكره غيره على المحرم ـ ولا إشكال في حرمته وكون وزر الحرام عليه ، بل أشد ، لظلمه.
وثانيها ـ أن يكون فعله سببا للحرام ، كمن قدم إلى غيره محرما ، ومثله ما نحن فيه ، وقد ذكرنا أن الأقوى فيه التحريم ، لأن استناد الفعل إلى السبب أقوى ، فنسبة فعل الحرام إليه أولى ، ولذا يستقر الضمان على السبب ، دون المباشر الجاهل ، بل قيل : إنه لا ضمان ابتداء إلا عليه (2).
الثالث ـ أن يكون شرطا لصدور الحرام ، وهذا يكون على وجهين :
أحدهما ـ أن يكون من قبيل إيجاد الداعي على المعصية ، إما لحصول الرغبة فيها كترغيب الشخص على المعصية ، وإما لحصول العناد من الشخص حتى يقع في المعصية ، كسب آلهة الكفار الموجب لإلقائهم في سب الحق عنادا ، أو سب آباء الناس الموقع لهم في سب أبيه ، والظاهر حرمة القسمين ، وقد ورد في ذلك عدة من الأخبار (3).
1 ـ أجوبة المسائل المهنائية : 48 ، المسألة 53.
2 ـ لم نقف عليه.
3 ـ لم نقف على خبر يدل على حرمة القسم الأول ـ أي ترغيب الشخص على
(76)
وثانيهما (1) ـ أن يكون بإيجاد شرط آخر غير الداعي ، كبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا ، وسيأتي الكلام فيه.
الرابع ـ أن يكون من قبيل عدم المانع ، وهذا يكون تارة مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل ـ كسكوت الشخص عن المنع من المنكر ـ ، ولا إشكال في الحرمة بشرائط النهي عن المنكر ، واخرى مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة إلى الفاعل ، كسكوت العالم عن إعلام الجاهل ـ كما فيما نحن فيه ـ فإن صدور الحرام منهم شروط بعدم إعلامه.
[ هل يجب دفع الحرام بترك السكوت ؟ ] فهل يجب دفع (2) الحرام بترك السكوت أم لا ؟ فيه (3) إشكال ، إلا إذا علمنا من الخارج وجوب دفع (4) ذلك ، لكونه فسادا قد امر بدفعه كل من قدر عليه ، كما لو اطلع على عدم إباحة دم من يريد الجاهل قتله ، أو عدم إباحة عرضه له ، أو لزم من سكوته ضرر مالي قد امرنا بدفعه عن كل أحد ، فإنه يجب الإعلام والردع لو لم يرتدع بالإعلام ، بل الواجب هو الردع ولو بدون الإعلام ، ففي الحقيقة الإعلام بنفسه غير واجب.
المعصية ـ ، وأما ما يدل على حرمة سب آلهة الكفار فهناك عدة أخبار وردت في تفسير قوله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ( الأنعام : 108 ) انظر تفسير الصافي 2 : 147 ، وبالنسبة إلى النهي عن سب آباء الناس المنتهي إلى السب المتقابل ، انظر تنبيه الخواطر : 119.
1 ـ في غير ش : الثاني.
2 ـ في النسخ : رفع.
3 ـ في غير ف : وفيه.
4 ـ في النسخ : رفع.
(77)
وأما فيما تعلق بغير الثلاثة ـ من حقوق الله ـ فوجوب دفع (1) مثل هذا الحرام مشكل ، لأن الظاهر من أدلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية ، فلا يدل على وجوب إعلام الجاهل بكون فعله معصية.
نعم ، وجب ذلك فيما إذا كان الجهل بالحكم ، لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف إلى آخر الأبد بتبليغ الشاهد الغائب ، فالعالم في الحقيقة مبلغ عن الله ليتم الحجة على الجاهل ويتحقق فيه قابلية الإطاعة والمعصية.
[ الاستدلال على وجوب الإعلام بأنّ النجاسة عيب خفي ، والمناقشة فيه ] ثم إن بعضهم (2) استدل على وجوب الإعلام بأن النجاسة عيب خفي فيجب إظهارها.
وفيه ـ مع أن وجوب الإعلام على القول به ليس مختصا بالمعاوضات ، بل يشمل مثل الإباحة والهبة من المجانيات ـ : أن كون النجاسة عيبا ليس إلا لكونه منكرا واقعيا وقبيحا ، فإن ثبت ذلك حرم الإلقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب إظهار العيب ، وإلا لم يكن عيبا ، فتأمل.
1 ـ في النسخ : رفع.
2 ـ هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8 : 36.
(78)
[ هل يجب كون الاستصباح تحت السماء ؟ ] الثالث :
المشهور بين الأصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء ، بل في السرائر : أن الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف (1).
وفي المبسوط : أنه روى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف (2).
لكن الأخبار المتقدمة (3) ـ على كثرتها وورودها في مقام البيان ـ ساكتة عن هذا القيد ، ولا مقيد لها من الخارج عدا ما يدعى من مرسلة الشيخ المنجبرة بالشهرة المحققة والاتفاق المحكي (4).
لكن لو سلم الانجبار فغاية الأمر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة ، أو حمل الجملة الخبرية على الاستحباب أو الإرشاد ، لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو نجس ـ بناء على ماذكره الشيخ من دلالة المرسلة على نجاسة دخان النجس ـ إذ قد لا يخلو من أجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة.
ولا ريب أن مخالفة الظاهر في المرسلة ـ خصوصا بالحمل على الإرشاد ـ أولى ، خصوصا مع ابتناء التقييد : إما على ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية على نجاسة الدخان ـ المخالفة للمشهور ـ ، وإما على كون
1 ـ السرائر 3 : 122.
2 ـ المبسوط 6 : 283.
3 ـ تقدمت في الصفحة : 66 ـ 67.
4 ـ تقدم آنفا عن السرائر.
(79)
الحكم تعبدا محضا ، وهو في غاية البعد.
ولعله لذلك أفتى في المبسوط بالكراهة (1) مع روايته للمرسلة (2).
[ انّ المسألة لا تخلو عن إشكال ] والإنصاف ، أن المسألة لا تخلو عن إشكال ، من حيث ظاهر الروايات ، البعيدة عن التقييد ـ لإبائها في أنفسها عنه وإباء المقيد عنه ـ ، ومن حيث الشهرة المحققة والاتفاق المنقول.
ولو رجع إلى أصالة البراءة حينئذ لم يكن إلابعيدا عن الاحتياط وجرأة على مخالفة المشهور.
[ تفصيل العلاّمة في المختلف ] ثم إن العلامة ـ في المختلف ـ فصل بينما إذا علم بتصاعد شيء من أجزاء الدهن ، وما إذا لم يعلم (3) ، فوافق المشهور في الأول ، وهو مبني على ثبوت حرمة تنجيس السقف ، ولم يدل عليه دليل ، وإن كان ظاهر كل منحكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا ، لا لنجاسة الدخان ـ معللا بطهارة دخان النجس ـ : التسالم على حرمة التنجيس ، وإلا لكان الأولى تعليل التعبد به ، لا بطهارة الدخان ، كما لا يخفى.
1 ـ المبسوط 6 : 283.
2 ـ في ش : المرسلة.
3 ـ المختلف : 686.
(80)
[ هل يجوز الانتفاع بالدهن المتنجّس في غير الاستصباح ] الرابع :
هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح ، بأن يعمل صابونا أو يطلى به الأجرب أو السفن ؟ قولان مبنيان على أن الأصل في المتنجس جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل ـ كالأكل والشرب ، والاستصباح تحت الظل ـ ، أو أن القاعدة فيه المنع عن التصرف إلا ما خرج بالدليل كالاستصباح تحت السماء ، وبيعه ليعمل صابونا على رواية ضعيفة تأتي (1).
[ كلمات الفقهاء في المسألة ] والذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني (2) ، ووافقه بعض مشايخنا المعاصرين (3) ، وهو ظاهر جماعة من القدماء ، كالشيخين والسيدين والحلي (4) وغيرهم.
[ ما قاله السيّد في الانتصار ] قال في الانتصار : ومما انفردت به الإمامية ، أن كل طعام عالجه أهل الكتاب ومن ثبت كفرهم بدليل قاطع لا يجوز أكله ولا الانتفاع به ، واختلف (5) باقي الفقهاء في ذلك ، وقد دللنا على ذلك في كتاب الطهارة ، حيث دللنا على أن سؤر الكفار نجس (6).
1 ـ تأتي في الصفحة : 92.
2 ـ مفتاح الكرامة 4 : 13 و 24.
3 ـ الجواهر 22 : 15.
4 ـ ستأتي الإشارة إلى مواضع كلامهم.
5 ـ في المصدر : وقد خالف.
6 ـ الانتصار : 193 ، وانظر ـ أيضا ـ الصفحة : 11 منه.