وما ذكرنا هو ظاهر المحقق الثاني ، حيث حكى عن الشهيد ، أنه حكى عن العلامة : جواز الاستصباح بدهن الميتة ، ثم قال : وهو بعيد ، لعموم النهي (1) عن الانتفاع بالميتة (2) ، فإن عدوله عن التعليل بعموم المنع عن الانتفاع بالنجس إلى ذكر خصوص الميتة يدل على عدم العموم في النجس.
وكيف كان ، فلا يبقى بملاحظة ما ذكرنا وثوق بنقل الإجماع ـ المتقدم عن شرح الإرشاد والتنقيح (3) ـ الجابر لرواية تحف العقول الناهية عن جميع التقلب في النجس ، مع احتمال أن يراد من جميع التقلب جميع أنواع التعاطي ، لا الاستعمالات ، ويراد من إمساكه : إمساكه للوجه المحرم.
[ اختيار بعض الأساطين جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجّس ] ولعله للإحاطة بما ذكرنا اختار بعض الأساطين (4) ـ في شرحه على القواعد ـ جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس ، لكن مع تفصيل لا يرجع إلى مخالفة في محل الكلام.
فقال : ويجوز الانتفاع بالأعيان النجسة والمتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه ، كالميتة النجسة التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمى استعمالا عرفا ، للأخبار والإجماع ، وكذا الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال ، وما دل على المنع من الانتفاع بالنجس والمتنجس مخصوص
1 ـ في المصدر : لثبوت النهي.
2 ـ جامع المقاصد 4 : 13.
3 ـ راجع الصفحة : 97.
4 ـ هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره.
(102)
أو منزل على الانتفاع الدال على عدم الإكتراث بالدين وعدم المبالاة ، وأما من استعمله ليغسله فغير مشمول للأدلة ويبقى على حكم الأصل (1) ، انتهى.
والتقييد ب ما يسمى استعمالا في كلامه رحمه الله لعله لإخراج مثل الإيقاد بالميتة ، وسد ساقية الماء بها ، وإطعامها لجوارح الطير ، ومراده سلب الاستعمال المضاف إلى الميتة عن هذه الامور ، لأن استعمال كل شيء إعماله في العمل المقصود منه عرفا ، فإن إيقاد الباب والسرير لا يسمى استعمالا لهما.
[ ما هو الانتفاع المنهي عنه في النصوص ؟ ] لكن يشكل بأن المنهي عنه في النصوص الانتفاع بالميتة الشامل لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشيء ، ولذا قيد هو قدس سره الانتفاع بما يسمى استعمالا (2).
نعم ، يمكن أن يقال : إن مثل هذه الاستعمالات لاتعد انتفاعا ، تنزيلا لها منزلة المعدوم ، ولذا يقال للشيء : إنه مما لا ينتفع به ، مع قابليته للامور المذكورة.
فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد (3) غرضا من تملك الميتة لو لا كونها ميتة ، وإن كانت قد تملك لخصوص هذه
1 ـ شرح القواعد ( مخطوط ) : الورقة 4.
2 ـ ما أثبتناه مطابق ل ش وقد وردت العبارة في ف هكذا : ولذا قيده هو قدس سره بقوله : الانتفاع بما يسمى استعمالا ، وفي ن و خ و م و ص و ع هكذا : ولذا قيده هو قدس سره الانتفاع بما يسمى استعمالا.
3 ـ في ش زيادة : عرفا.
(103)
الامور ، كما قد يشترى اللحم لإطعام الطيور والسباع ، لكنها أغراض شخصية ، كما قد يشترى الجلاب لإطفاء النار ، والباب للإيقاد والتسخين به.
[ ما قاله العلاّمة في النهاية ] قال العلامة في النهاية ـ في بيان أن الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء منفعة جزئية لا يعتد بها ـ قال : إذ كل شيء من المحرمات لا يخلو عن منفعة ـ كالخمر للتخليل ، والعذرة للتسميد ، والميتة لأكل جوارح الطير ـ ولم يعتبرها الشارع (1) ، انتهى.
[ عدم الاعتداد بالمنافع النادرة للتسامح العرفي ] ثم إن الانتفاع المنفي في الميتة وإن كان مطلقا في حيز النفي ، إلا أن اختصاصه (2) بما ادعيناه من الأغراض المقصودة من الشيء ـ دون الفوائد المترتبة عليه من دون أن تعد مقاصد ـ ليس من جهة انصرافه (3) إلى المقاصد حتى يمنع انصراف المطلق في حيز النفي ، بل من جهة التسامح والادعاء العرفي ـ تنزيلا للموجود منزلة المعدوم ـ فإنه يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها : إنها مما لا ينتفع به.
ومما ذكرنا ظهر الحال في البول والعذرة والمني ، فإنها مما لا ينتفع بها ، وإن استفيد منها بعض الفوائد ، كالتسميد والإحراق ـ كما هو سيرة بعض الجصاصين من العرب ـ كما يدل عليه وقوع السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد ، فقال الإمام عليه السلام : إن الماء والنار قد طهراه (4) ، بل في
1 ـ نهاية الإحكام 2 : 463.
2 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : اختصاصها.
3 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : انصرافها.
4 ـ الوسائل 2 : 1099 ، الباب 81 من أبواب النجاسات ، الحديث الأول.
(104)
الرواية إشعار بالتقرير ، فتفطن.
[ استبعاد ما ذكره بعض الأساطين ] وأما ما ذكره من تنزيل ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس على ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين وعدم المبالاة لا من استعمله ليغسله ، فهو تنزيل بعيد.
[ تنزيل ما دلّ على المنع ، على الانتفاع الموجب للتلويث ] نعم ، يمكن أن ينزل على الانتفاع به على وجه الانتفاع بالطاهر ، بأن يستعمله على وجه يوجب تلويث بدنه وثيابه وسائر آلات الانتفاع ـ كالصبغ بالدم ـ وإن بنى على غسل الجميع عند الحاجة إلى ما يشترط فيه الطهارة ، وفي بعض الروايات إشارة إلى ذلك.
[ دلالة رواية الوشّاء على ذلك ] ففي الكافي بسنده عن الوشاء ، قال : قلت (1) لأبي الحسن عليه السلام : ـ جعلت فداك ـ إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها ، فقال : حرام ، هي ميتة ، فقلت : جعلت فداك فيستصبح (2) بها ؟ فقال : أما علمت أنه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟ (3) بحملها على حرمة الاستعمال على وجه يوجب تلويث البدن والثياب.
وأما حمل الحرام على النجس ـ كما في كلام بعض (4) ـ فلا شاهد عليه.
1 ـ في خ و م و ع : قال : قال ، وفي المصدر : قال : سألت أبا الحسن عليه السلام ، فقلت له.
2 ـ في المصدر : فنصطبح.
3 ـ الكافي 6 : 255 ، الحديث 3 ، والوسائل 16 : 364 ، الباب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة ، الحديث الأول.
4 ـ الجواهر 5 : 315.
(105)
والرواية في نجس العين ، فلا ينتقض بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس ، لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضة (1) للشارع ، كما يشير إليه قوله تعالى : ( والرجز فاهجر ) (2).
[ المنفعة المحلّلة للنجس قد تجعله مالاً عرفاً وقد لا تجعله ] ثم إن منفعة النجس المحللة ـ للأصل أو للنص ـ قد تجعله (3) مالا عرفا ، إلا أنه منع الشرع عن بيعه ، كجلد الميتة إذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء ـ كما هو مذهب جماعة (4) ـ مع القول بعدم جواز بيعه ، لظاهر الإجماعات المحكية (5) ، وشعر الخنزير إذا جوزنا استعماله اختيارا ، والكلاب الثلاثة إذا منعنا عن بيعها ، فمثل هذه أموال لا تجوز المعاوضة عليها ، ولا يبعد جواز هبتها ، لعدم المانع مع وجود المقتضي ، فتأمل.
وقد لا تجعله مالا عرفا ، لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه له (6) وإن ترتب عليه الفوائد ، كالميتة التي يجوز إطعامها لجوارح الطير والإيقاد بها ، والعذرة للتسميد ، فإن الظاهر أنها لا تعد أموالا عرفا ، كما اعترف به جامع المقاصد (7) في شرح قول العلامة : ويجوز اقتناء الأعيان النجسة
1 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : مبغوضا.
2 ـ المدثر : 5.
3 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : يجعلها.
4 ـ كالشيخ في النهاية : 587 ، والمحقق في الشرائع 3 : 227 ، والعلامة في الإرشاد 2 : 113 ، والفاضل الآبي في كشف الرموز 2 : 374.
5 ـ تقدمت عن التذكرة والمنتهى والتنقيح ، في الصفحة : 31.
6 ـ كذا في ش ومصححة ن ، وفي سائر النسخ : منها لها.
7 ـ جامع المقاصد 4 : 15.
(106)
لفائدة.
[ الظاهر ثبوت حقّ الاختصاص في الأعيان النجسة ] والظاهر ثبوت حق الاختصاص في هذه الامور الناشيء إما عن الحيازة ، وإماعن كون أصلها مالا للمالك ، كما لو مات حيوان له ، أو فسد لحم اشتراه للأكل على وجه خرج عن المالية.
والظاهر جواز المصالحة على هذا الحق بلا عوض ، بناء على صحة هذا الصلح ، بل ومع (1) العوض ، بناء على أنه لا يعد ثمنا لنفس العين حتى يكون سحتا بمقتضى الأخبار (2).
[ ما أفاده العلاّمة في التذكرة ] قال في التذكرة : ويصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات ، كالكلب المعلم ، والزيت النجس لإشعاله تحت السماء ، والزبل للانتفاع بإشعاله والتسميدبه ، وجلد الميتة ـ إن سوغنا الانتفاع به ـ والخمر المحترمة ، لثبوت الاختصاص فيها ، وانتقالها من يد إلى يد بالإرث وغيره (3) ، انتهى.
والظاهر أن مراده بغير الإرث : الصلح الناقل.
وأما اليد الحادثة بعد إعراض اليد الاولى فليس انتقالا.
لكن الانصاف : أن الحكم مشكل.
نعم ، لو بذل مالا على أن يرفع يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا ، كما يبذل الرجل المال على أن يرفع اليد عما في تصرفه من
1 ـ كذا في ن ، و ش ، وفي غيرهما : بل دفع العوض.
2 ـ الوسائل 12 : 61 ، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به ، والحديث الأول من الباب 40 منها.
3 ـ التذكرة 2 : 479.
(107)
الأمكنة المشتركة ، كمكانه من المسجد والمدرسة والسوق.
[ ما ذكره بعض الأساطين ] وذكر بعض الأساطين ـ بعدإثبات حق الاختصاص ـ : أن دفع شيء من المال لافتكاكه يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور ، فيبقى على أصالة الجواز (1).
[ اشتراط قصد الانتفاع في الحيازة الموجبة لحصول حق الاختصاص ] ثم إنه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصدالحائز للانتفاع ، ولذا ذكروا : أنه لو علم كون حيازة الشخص للماء والكلأ لمجرد العبث ، لم يحصل له حق ، وحينئذ فيشكل الأمر في ما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات ، حتى إذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين والزرع بذل له مال فاخذت منه ، فإن الظاهر ـ بل المقطوع ـ أنه لم يحزها للانتفاع بها ، وإنما حازها لأخذ المال عليها ، ومن المعلوم : أن حل المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف على قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه في المقام ، وكذا لو سبق إلى مكان من الأمكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى.
نعم ، لو جمعها في مكانه المملوك ، فبذل له المال على أنيتصرف في ذلك المكان بالدخول لأخذها ، كان حسنا.
كما أنه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص [ وإن لم يقصد الانتفاع بعينه ] (2) وقلنا (3) بجواز المعاوضة على حق الاختصاص كان أسهل.
1 ـ شرح القواعد ( مخطوط ) : الورقة 4.
2 ـ ما بين المعقوفتين ساقط من ن و م.
3 ـ في ف ، خ ، ع ، ص : أو قلنا.