سلسلة المعارف الاسلامية 19
الأمرُ بالمعَروُفِ
والنَّهيُ عَن المُنكَرِ
مركز الرسالة
( 3 )
بسم الله الرحمن الرحيم
( 4 )
( 5 )
مقدمة المركز :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الحمدُ لله المُتعال بما هو أهله ، وأتم الصلاة وأزكى التسليم على نبينا محمد
وآله الطاهرين ، وصحبه المخلصين ، ومن اتبع الهدى إلى يوم الدين .
وبعد ...
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فإنّ الشريعة التي اعتبرت جسد الاُمّة المؤمنة كجسد واحد إذا اشتكى منه
عضو تداعى لهُ سائر الجسد بالسهر والحمى ، خليقة باقتفاء منهجها ، جديرة
باقتداء سلوكها ، قمينة بالتحلي بآدابها وأخلاقها ، أهل للهداية بقبول ماجاء فيها
من الدعوة الصريحة إلى كل مافيهِ الصلاح والاَمر به ، والتحذير من الفساد
والنهي عنه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ولكي يعلم أفراد الاُمّة المسلمة هذهِ الحقيقة ، ويفهموا جيداً ماهو دورهم
في الحياة ، فلابدّ وان يدركوا بأن نطق الشهادتين بلا عمل والاهتمام بالوسائل
واغفال المقاصد ليس من الاِيمان المطلوب في شيء ، وإنما هو من اسلام
المنافقين الذين قال الله تعالى فيهم :(
إذا جاءك المنافقون قالوا نشهدُ إنّكَ
لرسول الله والله يعلمُ إنّك لرسولُهُ واللهُ يشهد إنّ المنافقين لكاذبون ) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فوعي الظواهر السلبية وادراكها إذن لا يكفي دون بيانها للناس كافة كما بينها الله
تعالى لرسوله الكريم ، وأمّا التغاضي عنها فلا ريب انه سيؤدي إلى تفاقم
المنكر بشتى سُبله وألوانه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ولا شكّ أنّ من أهم الاَسباب التي أدّت إلى ضعف المسلمين بعد قوتهم ،
وتمزيق شملهم بعد وحدتهم ، وماآل إليهِ أمر شرذمتهم من ضياع شوكتهم ،
وتبديد كلمتهم ، وتفتيت أوصالهم ، وانكسار عزيمتهم حتى وصلوا إلى هذهِ
الحال المؤلمة؛ إنما هو فقدان الصدق والصراحة إزاء ظواهر النفاق ونظائرها
في المجتمع الاِسلامي كالمسامحة في اختراق أدب الشريعة ، وطغيان
المجاملة على حساب الدين الحنيف ، فبنيت بذلكَ أسس الاَفعال القبيحة ،
وتوفرت مصادرها ، فاُقعدت الاُمّة عن معرفة الكثير من الحقائق ، والتبس الاَمر
على أفرادها ، وأصبحَ للباطل وجه مقبول نتيجة السكوت عليهِ ، وأُلفه ،
( 6 )
واستحسانه ، والتغاضي عن قول الحق .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ولعلّ من أشدّ الاُمور رذيلة التساهل مع الظالم الفاسق بالاِغماض عن
جوره وعتوه ، ثمّ ازدياد الطين بلة بمدحه واطرائه ، حتى ليخيّل إليهِ انّ الاُمّة لا
ترضى بسوى الطغيان بدلاً؛ لاَنه الحق الذي تنشده!! فيزداد عتواً وفساداً ،
فيتوهمه المغفل حقيقة ويرضاه المنافق وسيلة ، ويسكت عنه الآخرون خوفاً
وطمعاً ، وعندها ترى الاُمّة القبيح حسناً ، والضار نافعاً ، والخائن أميناً ... وكفى
بهذا دلالة على ضرورة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يحفظ للاُمّة
بقاءها ويصون لكل حقّه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ونحسب انّ في هذا وغيره مبرراً كافياً لبحث الاَمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ، وإنّ الفرصة التي ينبغي ان لا تضيع انما هي في احياء هذهِ الشعيرة؛ بل
ركن الشريعة الوطيد الذي لوساد بين أفراد الاُمّة لنالت ماترجوه من حياة حرة
كريمة ، خصوصاً بعد عجز سائر الحلول الوضعية في إصلاح مافسدَ من أخلاق
ومااعوجَّ من شؤون؛ مما يعني هذا انحصار الاَمر بالرجوع إلى منابع الاِسلام
الصافية ، وإحياء مافي دستور الشريعة الغراء من مُثل ونُظم وقوانين وفرائض
وشعائر ، ويأتي الاَمر بالمعروف والنهي عن المُنكر في طليعتها لما فيهِ من حل
متين لمشاكل الفرد والمجتمع ، وصراط مستقيم لنهضتها ورقيها .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد حاول الكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ استنطاق مافي شريعتنا
الغراء من نصوص الاَمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، مبيناً غاياتها وأهدافها
وماتنطوي عليهِ من فوائد كثيرة لها دورها الكبير في افشاء الطمأنينة والعدل
والمساواة والقضاء على كل الظواهر السلبية التي مني بها مجتمعنا المسلم .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
آملين أن يكون تدارك مافات بالتطلّع نحو أفق الاِسلام الاَرحب والتعلق بأسبابه
نحو حياة أفضل بتدبر مافي دستوره العظيم من ضرورة التمسك بالاَمر
بالمعروف والنهي عن المُنكر .
والله ولي الرشاد والتوفيق
مركز الرسالة
( 7 )
المقدِّمة
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الاَنبياء والمرسلين
وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وبعد :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
جاءت الرسالة الاِسلامية الخاتمة لهداية الاِنسان ، وتحريره من جميع
ألوان الانحراف في فكره وسلوكه وتحريره من ضلال الاَوهام وظُلمة
الخرافات ، وتحريره من عبادة الالهة المصطنعة ، وتحريره من الانسياق
وراء الشهوات والمطامع ، وتهذيب نفسه من بواعث الانانية والحقد
والعدوان ، وتحرير سلوكه من الرذيلة والانحطاط ، بتهيئة العقول والقلوب
للتلقي والاستجابة للمنهج الالهي المرسوم ، واستتباعها بالعمل الايجابي
ـ وفق المفاهيم والقيم الالهية الثابتة ـ الذي يترجم الآراء والنصوص إلى
مشاعر وعواطف وأعمال وممارسات وعلاقات متجسدة في الواقع ،
لكي يكون الاِنسان والمجتمع بمستوى المسؤولية المناطة به في الحياة ،
والمتمثلة بحمل الامانة وخلافة الله تعالى في الاَرض ، والترقي في سلم
الكمال والسمو الروحي والسلوكي .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وهداية الاِنسان تعني تغيير محتواه الداخلي في عقله وقلبه وارادته
لينسجم مع المنهج الالهي في الحياة ، ويكون فكره وعاطفته وسلوكه
وحدة واحدة لا ازدواجية فيها ولا تناقض .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والتغيير ليس أمراً هيناً اذا نظرنا إلى طبيعته ، وطبيعة الميدان الذي
يحلّ فيه وهو ميدان النفس البشرية ، فهو يواجه محدودية الاِنسان
( 8 )
وضعفه وعجلته ، ويواجه شهوات النفس ونزواتها المتجذرة والطارئة
والمتقلبة ، ويواجه كبرياء النفس وغرورها ، ويواجه اعتزاز الناس
بمفاهيمهم وقيمهم التي أنسوا بها ، وأصبحت جزءاً من كيانهم الموروث
والمكتسب ، ويواجه ما يتلبس بتلك المفاهيم والقيم من مصالح ذاتية
ومطامع شخصية ، ويواجه المغريات الخارجية التي تناغي الرغبات
والشهوات وتهتف بالانسان لاشباعها ، ويواجه اصنافاً من الناس تختلف
بعداً أو قرباً من الدين والتديّن ، وتختلف مواقفها من حملة التغيير اندفاعاً
وانكماشاً .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وتتجسد عملية التغيير باداء مسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن
المنكر اداءً ينسجم مع ضخامة الواقع البشري ، وضخامة الاهداف المراد
ـ من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ـ تحقيقها في الواقع .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فلا بدّ من عمل دؤوب وحركة متواصلة تبدأ بتغيير النفس أولاً ثم
المجتمع ثانياً ، ولا بدّ من اطلاعٍ دقيق وتشخيص واعٍ لمستويات الناس
الفكرية والعاطفية والسلوكية ، والمعرفة الواعية للظروف والعوامل
المتحكمة في المجتمع ، والقوى المؤثرة فيه ، ليضع الآمرين بالمعروف
والناهين عن المنكر لكلِّ مستوىً ولكلِّ ظرفٍ خطة ، يصلون بها إلى
تحقيق الاَهداف ، وأُسلوباً ينفذون من خلاله إلى خلجات القلوب
ويجعلونها تتهيأ للتلقي والاستجابة ، ثم الانتقال إلى مرحلة العمل
الايجابي بعد مرحلة التأثر الوجداني .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم التكاليف التي ينبغي
القيام بها ، فيه تقام الفرائض ويتوجه الانسان إلى الله تعالى بكل كيانه
ومقومات شخصيته ، وبه تتحقق الاستقامة في الفكر والعاطفة والسلوك
( 9 )
ويكون المنهج الالهي هو الحاكم على العقول والقلوب والارادة الانسانية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وفي هذا البحث ـ ومن خلال استقراء آيات القرآن الكريم والاحاديث
الشريفة وسيرة المعصومين عليهم السلام ومن خلال التجربة العملية ـ نتطرق إلى
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أربعة فصول : نتناول في الفصل
الاَول : حكم الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميتهما ، ثم نستعرض
في الفصل الثاني : وسائل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراحلهما ،
ونتناول في الفصل الثالث : خصائص وصفات الآمرين بالمعروف
والناهين عن المنكر ـ الذاتية والعملية ـ ونتناول في الفصل الرابع : آثار
ونتائج الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حيث الاَداء وعدمه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وحاولنا جهد الامكان استخدام العبارات والمصطلحات الواضحة
الميسّر فهمها من قبل جميع المستويات ؛ لتعم الفائدة المتوخاة من متابعة
فصوله والامعان في مباحثه .
والله وليّ التوفيق
( 10 )
( 11 )
حكم الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وأهميتهما
تمهيد في معناهما :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
جاء في كتب اللغة أن المعروف : ما يستحسن من الافعال ، وكلّ
ماتعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والمنكر : كل ما قبّحه الشرع وحرّمه وكرّهه
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقيل عن المعروف : هو اسم لكلِّ فعل يُعْرَف بالعقل أو الشرع حسنه .
والمنكر : ما ينكر بهما
(3) ، أي كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو
تتوقف في استقباحه واستحسانه ، فتحكم بقبحه الشريعة
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وجاء في مجمع البيان أنّ المعروف : الطاعة ، والمنكر : المعصية .
____________
1) لسان العرب / ابن منظور 9 : 239.
2) لسان العرب 5 : 233
3) مفردات ألفاظ القرآن / الراغب الاصفهاني : 331
4) مفردات ألفاظ القرآن : 505.
( 12 )
وكل ما أمر الله ورسوله به فهو معروف ، وما نهى الله ورسوله عنه فهو
منكر
(1).
موارد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
لا يختص الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمورد من الموارد ، ولا
مجال من المجالات ، بل هو شامل لجميع ما جاء به الاِسلام من مفاهيم
وقيم ، فهو شامل للتصورات والمبادئ التي تقوم على أساسها العقيدة
الاِسلامية ، وشامل للموازين والقيم الاِسلامية التي تحكم العلاقات
الانسانية ، وشامل للشرائع والقوانين ، وللاوضاع والتقاليد ، وبعبارة اُخرى
هو دعوة إلى الاِسلام عقيدة ومنهجاً وسلوكاً ؛ بتحويل الشعور الباطني
بالعقيدة إلى حركة سلوكية واقعية ، وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة
متفاعلة ومتصلة مع الاوامر والارشادات الاِسلامية ، ومنكمشة ومنفصلة
عن مقتضيات النواهي الاِسلامية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد بيّن الاِمام الحسين عليه السلام موارد الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قائلاً : « ... بدأ الله بالاَمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه
بأنّها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلّها هينها وصعبها ؛ وذلك أن
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاِسلام ، مع ردّ المظالم
ومخالفة الظالم ، وقسمة الفيء والغنائم ، وأخذ الصدقات من مواضعها ،
ووضعها في حقها...»
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد تجلّت هذه الشمولية بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل حينما
____________
1)
مجمع البيان في تفسير القرآن \ الطبرسي 1 : 483.
2) تحف العقول \ ابن شعبة الحرّاني : 168.
( 13 )
ولاّه على أحد البلدان : « يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على
الاخلاق الصالحة ، وانزل الناس منازلهم ـ خيّرهم وشرهم ـ وانفذ فيهم أمر
الله... وأمت أمر الجاهلية إلاّ ما سنّه الاِسلام ، واظهر أمر الاِسلام كلّه ، صغيره
وكبيره ، وليكن أكثر همّك الصلاة فإنّها رأس الاِسلام بعد الاقرار بالدين ،
وذكّر الناس بالله واليوم الآخر واتبع الموعظة »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستتبع جميع مقوّمات الشخصية
الانسانية في الفكر والعاطفة والسلوك ، لتكون منسجمة مع المنهج الالهي
في الحياة ، وتكون هذه المقومات متطابقة مع بعضها ، فلا ازدواجية بين
الفكر والعاطفة ولا بينهما وبين السلوك ، وهي وحدة واحدة يكون فيها
الولاء والممارسة العملية لله وحده ولمنهج التوحيد الذي دعا إليه في
جميع مفاهيمه وقيمه .
المبحث الأول
حكم الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
إنّ الاِسلام ليس مجرد تفكير وتدبّر وخشوع يتحرك في داخل العقول
والقلوب ، وإنّما هو منهج حياة واقعي ، يدعو إلى استنهاض الهمم
والعزائم وتقوية الارادة ؛ لتنطلق في الواقع مجسدة للمفاهيم والقيم الالهية
بصورة عملية ، وهو يدعو إلى النهوض بالتكاليف الالهية في عالم الضمير
وعالم الواقع على حدٍّ سواء ، والاستقامة على ضوئها .
____________
1) تحف العقول : 19.
( 14 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وبما ان الاِنسان يحمل في جوانحه الاستعدادات المختلفة للخير
والشر وللفضيلة والفجور ، ويتأثر بالعوامل الخارجية كالمغريات
والمثيرات المتنوعة ، اضافة إلى دور الشيطان في الوسوسة والاغراء ، فهو
بحاجة إلى من يهديه ويرشده ويقوّم له تصوراته وعواطفه وممارساته
العملية ، لتكون موصولة بالعقيدة والشريعة الاِسلامية ، ولهذا شرّع
الاِسلام الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقوم به الاِنسان المسلم
إيقاظاً للقلوب البشرية الغافلة ، وتحريكاً للارادات الضعيفة لتستقيم على
أساس المفاهيم والموازين الالهية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فأوجب سبحانه وتعالى الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعله
من التكاليف الاَساسية ؛ لاَنّه غاية الدين كما عبّر عنه الاِمام أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام : « غاية الدين الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
واقامة الحدود »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال عليه السلام : « قوام الشريعة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة
الحدود »
(2).
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 332.
2) تصنيف غرر الحكم : 332.
( 15 )
أدلة الوجوب :
أولاً : القرآن الكريم :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
اعتمد أغلب الفقهاء على الآيات القرآنية في اثبات الوجوب دون ذكر
تفاصيل الاستدلال
(1) ، اقراراً منهم بوضوح دلالتها حتّى قيل : (إنّ
وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة دينية عند المسلمين
يستدلُّ بها ، ولا يستدل عليها)
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وفيما يلي نستعرض الآيات القرآنية الواقعة في مقام الاستدلال على
الوجوب .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الآية الاُولى : (
وَلتكُن مِنكُم أُمّة يَدعُونَ إلى الخَيرِ ويَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ
وَيَنهونَ عَنِ المنكَرِ وأُولئك هُمُ المفلحِونَ )
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
المخاطب بهذه الآية القرآنية هم المؤمنون كافة ، فهم مكلفون بأن
(ينتخبوا منهم أُمّة تقوم بهذه الفريضة ، وذلك بأن يكون لكلِّ فرد منهم
ارادة وعمل في ايجادها)
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وهي واضحة الدلالة على الوجوب ، فإنّ قوله تعالى : (
ولتكن ) أمر ،
وظاهر الاَمر الايجاب هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى حصرت الآية الفلاح
بهذا العمل .
____________
1) التبيان 2 : 549 . وكشف الغطاء : 419 . وجواهر الكلام : 419 . وروح المعاني 4 : 21.
2) التفسير المبين : 80 .
3) سورة آل عمران : 3 / 104 .
4) تفسير المراغي 2 : 22
( 16 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
و (مِنْ) في (منكم) للتبعيض
(1) ، لذا استدلّ أغلب الفقهاء على أن
الوجوب كفائي
(2) فإذا قام به البعض سقط عن الآخرين .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الآية الثانية : (
كُنتُم خَيرَ أُمّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمرُونَ بِالمعرُوفِ وَتَنهونَ عَنِ
المُنكَرِ وتُؤمِنونَ بِاللهِ )
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قرنت الآية القرآنية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالايمان بالله
تعالى ، وقدّمتهما عليه (لانهما سياج الاِيمان وحفاظه)
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومعنى الآية : (صرتم خير أُمّة خُلقت ؛ لاَمركم بالمعروف ونهيكم عن
المنكر وإيمانكم بالله ، فتصير هذه الخصال على هذا القول شرطاً في
كونهم خيراً)
(5) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وهذه الخيرية (لا يستحقّها من أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام
رمضان ، وحجّ البيت الحرام ، والتزم الحلال ، واجتنب الحرام مع
الاخلاص الذي هو روح الاِسلام ، إلاّ بعد القيام بالاَمر بالمعروف والنهي
عن المنكر...)
(6).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
واستدل الفقهاء بهذا الثناء الذي انحصر بهذه المزايا الثلاث على
الوجوب (فمدحهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما مدحهم
____________
1)
الكشاف 1 : 452 .
2) التبيان 2 : 549 . وفتح القدير 1 : 369 . والكشاف 1 : 452.
3) سورة آل عمران : 3 \ 110 .
4) تفسير المراغي 4 : 30 .
5) مجمع البيان في تفسير القرآن 1 : 486 .
6) تفسير المنار 4 : 58 .
( 17 )
بالايمان بالله تعالى ، وهذا يدل على وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن
المنكر)
(1) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد اكتفى كثير من الفقهاء بذكر الآية دليلاً دون تفصيل
(2) ، لاقتران
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالايمان بالله تعالى ، ووقوعهما في
مستواه ، وتخصيص الثناء والمدح بالخيرية بهذه الصفات الثلاث .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الآية الثالثة : (
لَيسُوا سَوَاءً مِن أهلِ الكِتابِ أُمّةٌ قائمةٌ يَتلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ
الليلِ وَهم يَسجُدُونَ * يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليومِ الآخرِ ويَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ
عَنِ المنكَرِ وَيُسارِعُونَ في الخَيراتِ وأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحينَ )
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
جعل الله تعالى الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من علامات القيام
بالواجبات ، ومن علامات الصلاح ، فلم يشهد الله تعالى لهم بالصلاح
بمجرد الايمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الاَمر بالمعروف والنهي
عن المنكر
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومفهوم الآية هو انّ الذين لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر
لايعدّون من الصالحين ، ولولا الوجوب لما نفى صفة الصلاح عنهم .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الآية الرابعة : (
والمؤمِنُونَ والمؤمِناتُ بَعضُهُم أولياءُ بعضٍ يأمرُونَ
بالمعرُوفِ وَينهوَن عَنِ المُنكَرِ ويُقيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤتَونَ الزَّكاةَ ويُطيعُونَ اللهَ
____________
1) المقنعة : 808 .
2) كشف الغطاء : 419 . وجواهر الكلام 21 : 352 .
3) سورة آل عمران : 3 / 113 ـ 114 .
4) المحجّة البيضاء 4 : 96
( 18 )
وَرَسولَهُ أولئِكَ سَيرحمُهُمُ اللهُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ حكيمٌ )
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
جعل الله تعالى الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الاوصاف
الخاصة بالمؤمنين ، وهما من شؤون ولاية بعض المؤمنين على بعض .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وعلى هذا فالذي يهجر الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون
خارجاً عن (هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية)
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
واخراج التاركين للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جماعة
المؤمنين لا يصحّ ولا يستقيم إلاّ إذا كانا واجبين ، وعليهما تترتب الرحمة .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ويؤيد ثبوت الوجوب انّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر وردا في
سياق الواجبات كاقامة الصلاة وايتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهما
واجبان بدلالة وحدة السياق ، وتكرّر اقترانهما مع الواجبات يفيد
الاطمئنان بوجوبهما .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الآية الخامسة : (
لَولا يَنهاهُمُ الرَّبَّانيُونَ والاَحبارُ عَن قَولِهِم الاِثمَ وأكلِهِمُ
السُّحتَ لَبئسَ ما كَانُوا يَصنعُونَ )
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ذمّ الله تعالى ووبَّخ بني اسرائيل لقولهم الاَثم وأكلهم السحت ، وذمّ
علماءهم لعدم قيامهم بنهيهم ، فذمّ (هؤلاء بمثل اللفظة التي ذم بها
اولئك ، وفي هذه الآية دلالة على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة
مرتكبه)
(4).
____________
1) سورة التوبة : 9 / 71 .
2) المحجة البيضاء 4 : 97 .
3) سورة المائدة : 5 / 63 .
4) مجمع البيان في تفسير القرآن 2 : 218
( 19 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فالتوبيخ شامل لمرتكب المنكر والساكت عن النهي عنه ، فقد وبَّخ الله
تعالى (الربانيين والاحبار في سكوتهم عنهم ، وعدم نهيهم عن ارتكاب
هذه الموبقات من الآثام والمعاصي ، وهم عالمون بأنّها معاصٍ
وذنوب)
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فقد بين الله تعالى ان الربانيين والاَحبار أثموا بترك النهي عن المنكر
والدلالة واضحة على وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلو لم
يكونا واجبين لما ترتب الاَثم على تركهما ، ولما وبّخهم الله تعالى على
سكوتهم ؛ لاَنّ التوبيخ يستتبع العمل السيئ ، وترك النهي عن المنكر هو
أحد مصاديقه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الآية السادسة : (
لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِن بَني إسرائيلَ عَلى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى
ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِما عَصَوا وَّكَانُوا يَعتدُونَ * كَانُوا لا يَتَناهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعلَوهُ
لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ )
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
لعن الله تعالى بني اسرائيل بعصيانهم واعتدائهم ، ثمّ بيّن حالهم ،
فقال : (
كَانُوا لا يَتَناهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعلُوهُ ) أي لم يكن ينهى بعضهم بعضاً ،
ولا ينتهون أي لا يكفّون عمّا نهوا عنه
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد علّل الله تعالى استحقاقهم اللعنة ( بتركهم النهي عن المنكر )
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فلو لم يكن النهي عن المنكر واجباً لما استحقوا اللعنة بتركهم إيّاه ؛ لاَنّ
____________
1) الميزان في تفسير القرآن 6 : 31 .
2) سورة المائدة : 5 / 78 ـ 79 .
3) مجمع البيان في تفسير القرآن 2 : 231 .
4) المحجة البيضاء 4 : 97 .
( 20 )
اللعنة تختص بترك الواجب .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ويؤيد الوجوب ما روي عن ابن عباس في تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للآية ،
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر ، ولتأخذنَّ على يد
السفيه ، ولتأطرنه على الحق اطراً أو ليضربنّ الله قلوب بعضكم على بعض
ويلعنكم كما لعنهم »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الآية السابعة : (
يَا أيُّها الَّذِينَ آمنُوا قُوا أنفُسَكُم وأهلِيكُم نَاراً وقُودُها
النَّاسُ والحِجارةُ... )
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقاية الاَهل من النار تتم (بدعائهم إلى الطاعة وتعليمهم الفرائض ،
ونهيهم عن القبائح ، وحثّهم على أفعال الخير)
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والوقاية هي الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما روي عن الاِمام
الصادق عليه السلام قال : « لمّا نزلت هذه الآية... جلس رجل من المسلمين يبكي ،
وقال : أنا عجزت عن نفسي ، كُلّفت أهلي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حسبك أن
تأمرهم بما تأمر به نفسك ، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك »
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وفعل الاَمر (قوا) يدل على الوجوب ، ويتحقق هذا الفعل ان قام
الاِنسان بالاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما واجبان ؛ لاَنهما
مقدمة من مقدمات الهداية والانقاذ من النار .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد وردت آيات في غير موضع من القرآن الكريم قرنت الاَمر
____________
1) مجمع البيان في تفسير القرآن 2 : 231 .
2) سورة التحريم : 66 / 6 .
3) مجمع البيان في تفسير القرآن 5 : 318 .
4) الكافي 5 : 62 .
( 21 )
بالمعروف والنهي عن المنكر مع سائر الواجبات الشرعية ، كما ورد في
سورة الحج
(1) ، وسورة لقمان
(2).
ثانياً : الروايات الشريفة :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الروايات الدالة على وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مستفيضة ومتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ، وقد أكدت السيرة
على ذلك ، حتى أصبح سكوت المعصوم عليه السلام عن عمل معينٍ دليلاً على
جوازه ، فلو كان محرّماً لنهى عنه ، وكانت سيرة المعصومين عليهم السلام تجسيداً
للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى ، بتصحيح
اعتقاد الناس وتربية نفوسهم وتهذيب سلوكهم .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « الاِسلام ثمانية أسهم :
الاِسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصوم سهم ، وحج البيت
سهم ، والاَمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، والجهاد في سبيل
الله سهم ، وقد خاب من لا سهم له »
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جملة
الواجبات وجعل الخيبة والخسران نتيجة لمن لا سهم له .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وسلب صلى الله عليه وآله وسلم صفة الاِسلام والاِيمان ممّن لا يأمر بالمعروف وينهي عن
المنكر فقال : « ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقّر كبيرنا ، ويأمر
____________
1) سورة الحج :22 / 41 .
2) سورة لقمان : 31 / 17 .
3) الترغيب والترهيب 3 : 232 .
( 22 )
بالمعروف ، وينهى عن المنكر »
(1) ومعنى السلب هو قلة الحظ من الدين .
وصفة الاِسلام والايمان لا تسلب إلاّ ممن لا يؤدي واجباً .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ودلّت الروايات على وجوب نشر العلم وتعليم الجهّال ، ونشر العلم
يتحقّق بتبيان العقيدة الصحيحة وأحكام الشريعة كما أنزلت وهي مظهر
من مظاهر الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال أمير المؤمنين عليه السلام :
« ما أخذ الله سبحانه على الجاهل أن يتعلّم حتى أخذ على العالم أن
يُعَلم »
(2) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومن مظاهر الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر محاربة البدع وذلك
عن طريق اثبات مخالفتها للعقيدة والشريعة ، ثم تبيان الرأي الاَصوب
والحكم الاَصوب والسلوك المنسجم مع المبادىَ والقيم الاِسلامية .
ومحاربة البدع واجبة كما أكّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : اذا ظهرت البدعة في
أُمتي فليظهر العالم علمه ، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فلو لم يكن اظهار العلم واجباً لما استحقّ تاركه اللعنة .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض العظيمة التي تتوقف
عليها اقامة جميع الفرائض كما بيّن ذلك الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « إنّ
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الاَنبياء ، ومنهاج الصالحين ،
فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحلّ المكاسب ، وتردّ
المظالم ، وتعمّر الاَرض ، وينتصف من الاعداء ، ويستقيم الاَمر ، فانكروا
____________
1) الترغيب والترهيب 3 : 232 . وبنحوه في : جامع أحاديث الشيعة 14 : 396 .
2) تصنيف غرر الحكم : 45 .
3) المحاسن : 231 .
( 23 )
بقلوبكم ، وألفظوا بألسنتكم ، وصكّوا بها جباههم ، ولا تخافوا في الله لومة
لائم... أوحى الله إلى شعيب النبي عليه السلام : اني لمعذب من قومك مئة ألف :
أربعين ألفاً من شرارهم ، وستين ألفاً من خيارهم ، فقال : يا ربّ هؤلاء
الاشرار ، فما بال الاخيار ؟ فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه أنهم داهنوا أهل
المعاصي ولم يغضبوا لغضبي »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فقد بيّن عليه السلام ان الساكتين عن المعاصي بعدم مواجهتها بنهي عنها أو
أمر بمعروف فقد استحقوا العذاب وان كانوا اخياراً ؛ لاَنّهم تركوا واجباً
ولم يؤدوه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد تظافرت الروايات على أنّ الله تعالى يبغض من لم يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر ، وعلى نزول العذاب عليه ، فلو لم يكن واجباً لما ترتب
بغض الله تعالى لمن تركه أو نزول عذابه عليه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي
لادين له ، فقيل له : وما المؤمن الذي لا دين له ؟ ، قال : الذي لا ينهى عن
المنكر
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فقد اجتمع فيه بغض الله له ، وسلب الدين منه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وعن الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
اذا أُمتي تواكلت الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلتأذن بوقاع من الله
تعالى »
(3).
____________
1) تهذيب الاحكام 6 : 180 ـ 181 .
2) الكافي 5 : 59 .
3) تهذيب الاحكام 6 : 177 .
( 24 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ورتب الاِمام جعفر الصادق عليه السلام نصر الله تعالى لمن نصر الاَمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، وخذلانه لمن خذلهما ، أي بالاداء والترك ،
فقال عليه السلام : « الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى ،
فمن نصرهما أعزه الله تعالى ، ومن خذلهما خذله الله تعالى »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وجعل عليه السلام عدم القيام بانكار المنكر مبارزة لله بالعداوة ، فقال :
« ...واذا رأى المنكر فلم ينكره ، وهو يقوى عليه ، فقد أحبّ أن يُعصى الله ،
ومن أحبّ أن يُعصى الله ، فقد بارز الله بالعداوة... »
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وتترتب على ترك الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثار وخيمة يوم
القيامة ، بحيث لا تنفع الاِنسان سائر عباداته ان كان غافلاً عن المواعظ
الالهية ، فلم يقم بادائها أو الترويج لها واشاعتها بين الناس ، قال أمير
المؤمنين علي عليه السلام : « وقد سبق إلى جنات عدن أقوام كانوا أكثر الناس
صلاة وصياماً ، فإذا وصلوا إلى الباب ردّوهم عن الدخول ، فقيل : بماذا ردّوا ؟
ألم يكونوا في دار الدنيا قد صلّوا وصاموا وحجّوا ؟ فإذا بالنداء من قبل
الملك الاَعلى جلّ وعلا : بلى قد كانوا ليس لاَحد أكثر منهم صياماً ولا صلاة
ولا حجاً ولا اعتماراً ، ولكنّهم غفلوا عن الله مواعظه »
(3).
ثالثاً : سيرة المعصومين عليهم السلام :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
صدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى الله تعالى ، بنبذ عبادة الاصنام ،
والاستسلام له في العبودية ، والتعالي على مفاهيم وقيم الجاهلية ، فقد
____________
1) الكافي 5 : 59 .
2) معاني الاخبار : 253 .
3) ارشاد القلوب : 13 .
( 25 )
دعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى المعروف الاكبر وهو الاِيمان بالله تعالى وتوحيده ، ونهى عن
المنكر الاَكبر وهو الكفر والشرك ، فخاطب العقول ثم القلوب ثم الارادة ،
ليكون الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليكون السلوك والممارسات الاخلاقية
منسجمة مع ما أراده الله تعالى .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فدعا إلى البر والتقوى ، وإلى الصدق والامانة ، وإلى العدل والرحمة ،
وحفظ العهد ، ومطابقة القول للفعل .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ونهى عن الشر والعصيان ، وعن الكذب والخيانة ، وعن الظلم
والاعتداء ، وعن الخداع والغش ، وعن سائر الموبقات .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ودعا إلى حسن العلاقات الاجتماعية ونهى عن التقاطع والتدابر .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وكان يدعو الكفار كما يدعو أهل الكتاب ، وكان يذكّر المسلمين
بالفضائل والمكارم ، وينهاهم عن الرذائل وسوء الاَفعال ، ولم يتوقف عن
ذلك في جميع مراحل حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي جميع الظروف.. في مرحلة
العهد المكّي حينما كان مضطهداً ومطارداً من قبل المشركين ، وفي
مرحلة العهد المدني بعد تأسيسه للدولة الاِسلامية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وتابع أمير المؤمنين عليه السلام سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في القيام باداء مسؤولية الاَمر
بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع مراحل حياته ، إلى أن وصل إلى
مرحلة المجابهة بالسيف على من ارتكبوا المنكر الاكبر وهو التمرد على
الامامة الحقّة ، وارادوا شق عصا المسلمين ، فأجاب عليه السلام من اعترض عليه
في مواجهته العسكرية للبغاة في صفيّن : « ... ولقد أهمّني هذا الاَمر
وأسهرني ، وضربت أنفه وعينيه ، فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل الله
على محمد صلى الله عليه وآله وسلم .