خصائص وصفات
الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية كبيرة وتكليف شاق ؛ لاَنّه
ليس مجرد ألفاظ تردّد أو كلام يقال ، وليس مجرد أمر ونهي ، وإنّما هو
اصلاح وتغيير للمحتوى الداخلي للاِنسان ، وصياغة جديدة للاَفكار
والعواطف والسلوك .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ولهذا فلابدّ ان يتّصف الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
بخصائص وصفات متميزة ، تؤهلهم لخوض غمار المسؤولية إلى نهاية
الشوط في تغيير ذهنية المجتمع إلى ذهنية اسلامية ، وتغيير سلوكه إلى
سلوك اسلامي .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وبما إنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تكليف شرعي فيجب
أن يكون المكلّف ـ في جميع أحواله وفي جميع مراحل المسؤولية ـ
مخلصاً لله تعالى ، وان يتوكل عليه ، ويستمد العون والنصرة منه وحده ،
وان يستخدم الاساليب المشروعة في ادائه للتكليف والمسؤولية ، وان
( 80 )
يكون متفائلاً بالنجاح ، وان يندفع ذاتياً للعمل لا ينتظر أجراً ولا جزاءً
بشرياً من أحدٍ ، وإنّما أجره على الله تعالى .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ويمكن تصنيف الخصائص والصفات إلى :
أولاً : خصائص وصفات ذاتية .
ثانياً : خصائص وصفات عملية أو سلوكية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ونبحثها تباعاً في مبحثين :
المبحث الاَول
الخصائص والصفات الذاتية
أولاً : العلم والمعرفة :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
من أهم الخصائص والصفات أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن
المنكر عالماً بقواعد وأسس المنهج الاِسلامي ؛ ليصلح ويغيّر على
ضوئها، والحد الاَدنى من العلم أن يكون مطّلعاً اطلاعاً إجمالياً على
اُصول العقيدة الاِسلامية ، واُصول العقائد السائدة في المجتمع ، وان
يكون على علم بالاحكام الشرعية التي تصنّف إلى : معروف ومنكر ،
وتصنّف أيضاً إلى : واجب ومستحب ، وحرام ومكروه ، ومباح ، والحد
الاَدنى أن يكون على علم بمسائل يبتلي بها أفراد المجتمع .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلاّ من
( 81 )
كان فيه ثلاث : ... عالماً بما يأمر به عالماً بما ينهى عنه »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « إياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك : إيّاك
أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم »
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وينبغي أن يطّلع المكلّف على السيرة النبوية وسيرة أهل البيت
عليهم السلام وسيرة المصلحين ؛ ليكون أكثر خبرة في أداء العمل .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وأن يكون على معرفة بأحوال المجتمع وخصائص أفراده من حيث
أفكارهم وعواطفهم وممارساتهم العملية ، وأن يكون مطّلعاً على
الاَحداث والمواقف ليتخذ الاُسلوب الانجح في حركته الاِصلاحية ، وأن
يكون قادراً على تشخيص ما ينبغي أن يعمله تبعاً للظروف من حيث
اللين والشدّة ، أو الحيطة والحذر ، أو الاسراع والتأني . وأن يكون مطّلعاً
على الفوارق الطبيعية بين بلدٍ وآخر ، أو قوم وآخرين.
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وعدم المعرفة بالاوضاع الاجتماعية والفردية ، أو بعدم استخدام
الاُسلوب الاَنجح ، أو عدم الاطّلاع على أساسيات المفاهيم والقيم
الاِسلامية ، قد تؤدي إلى نتائج عكسية ومنها النفور من الاِسلام أو من
الداعين له .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا
يصلح »
(3) .
____________
1) الجعفريات : 88 .
2) الكافي 1 : 42 .
3) تحف العقول : 33 .
( 82 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « العامل على غير بصيرة كالسائر على
غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً »
(1).
ثانياً : القدوة :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
إن لم يكن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قدوة لغيره فإنّ عمله
لايثمر ، ولا يستطيع أن ينفذ إلى القلوب لتتبناه الجوارح في ممارسات
عملية ، فالناس ينظرون إلى شخصية من يريد اصلاحهم وتغييرهم ومدى
تجسيده للمفاهيم والقيم التي يدعوهم إلى التمسك بها ، ومقدار ابتعاده
عن النواهي التي يدعو للانتهاء عنها .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال تعالى : (
كَبُرَ مَقتاً عِندَ اللهِ أن تَقُولُوا مَالا تَفعَلُونَ
)
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا بن مسعود لا تكوننَّ ممّن يهدي الناس إلى
الخير ويأمرهم بالخير وهو غافل عنه »
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ودعا أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى تجسيد المفاهيم والقيم في النفس
والارادة والسلوك العملي قبل دعوة الناس إليها ، فقال عليه السلام : « ائتمروا
بالمعروف وأمروا به ، وتناهوا عن المنكر وانهوا عنه »
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
« احصد الشرّ من صدر غيرك بقلعه من صدرك »
(5).
____________
1) الكافي 1 : 43 .
2) سورة الصف : 61 / 3 .
3) مكارم الاخلاق : 457 .
4) تصنيف غرر الحكم : 332 .
5) تصنيف غرر الحكم : 106 .
( 83 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
« كفى بالمرء غواية أن يأمر الناس بما لا يأتمر به ، وينهاهم عمّا
لاينتهي عنه »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وعدم الالتزام بموارد الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل
الآمرين به والناهين عنه يكون حجة عليهم ، ولا ينتفع الناس بهم ، قال
الاِمام الصادق عليه السلام : « من لم ينسلخ عن هواجسه ، ولم يتخلص من آفات
نفسه وشهواتها ، ولم يهزم الشيطان ، ولم يدخل في كنف الله وأمان عصمته ؛
لا يصلح له الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لاَنّه إذا لم يكن بهذه الصفة ،
فكلّما أظهر أمراً كان حجة عليه ، ولا ينتفع الناس به »
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال عليه السلام : « فإنّ مثل الواعظ والمتعظ كاليقظان والراقد ، فمن استيقظ
عن رقدته وغفلته ومخالفاته ومعاصيه ، صلح أن يوقظ غيره من ذلك
الرقاد »
(3) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال عليه السلام : « كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ؛ ليروا منكم الورع
والاجتهاد والصلاة والخير ، فإنّ ذلك داعية »
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقد جسّد أهل البيت عليهم السلام دور القدوة في حركتهم الاصلاحية
والتغييرية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « أيُّها الناس ، إنّي والله ما أحثكم على
طاعة إلاّ وأسبقكم إليها ، ولا أنهاكم عن معصية إلاّ وأتناهى قبلكم »
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 333 .
2) مستدرك الوسائل 12 : 203 .
3) مستدرك الوسائل 12 : 203 .
4) الكافي 2 : 78 .
( 84 )
عنها »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وحينما دعا الاِمام الحسين عليه السلام إلى الجهاد تجسيداً للاَمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، تقدّم بنفسه وأهل بيته وعياله ، فكان قدوة لاَصحابه
في جميع قيم الايثار والتضحية ، والاخلاص لله تعالى .
ثالثاً : الشجاعة :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
إنّ مواجهة الناس ومواجهة الاحداث والمواقف لتغييرها بالاِسلام
بحاجة إلى الشجاعة والاقدام ؛ لاَنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والداعي له سيصطدم بشهوات البعض ، وبالضعف النفسي لهم ،
ويصطدم بالجاهلين الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، ويصطدم
بالمنحرفين الذين يبغضون الصلاح والسمو الروحي والسلوكي ،
ويصطدم بمخططات ومؤامرات أعداء الاِسلام أو التيارات الفكرية
المنحرفة التي لا يروق لها انتشار مبادئ الاِسلام في المجتمع ، ويصطدم
بالقوى الشريرة التي تقابله بالاذى والتكذيب والاستهزاء ، ويصطدم
بالمثبطين له عن الانطلاق في التكليف أو الاستمرار به .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ولذا فهو بحاجة إلى أن يتسلح بالشجاعة وان تكون احدى خصائصه
وصفاته ؛ لينطلق دون خوف أو وجل أو تردد أو تراجع .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يحقر أحدكم نفسه » ، قالوا : يا رسول الله
كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « يرى أمراً لله عليه فيه مقال ، ثم
لايقول فيه ، فيقول الله عزَّ وجلَّ له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا
____________
1) نهج البلاغة : 250 ، الخطبة : 175 .
( 85 )
وكذا ؟ فيقول : خشية الناس ، فيقول : فإيّاي كنتَ أحق أن تخشى »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والشجاعة لها دور كبير في التغيير ؛ لاَنّ الناس يتأثرون لا إرادياً
بالشجاع، ويكون له تأثير لا شعوري على سلوكهم وممارساتهم العملية
كما اثبتت التجارب الاجتماعية .
رابعاً : الاِيثار :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
للايثار دور كبير في خلق الاجواء الروحية والنفسية لنمو حركة الاَمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالناس ستنشدّ عواطفهم ومشاعرهم
للمتصفين بهذه الصفة ، وهذا الانشداد يمكن استثماره للتأثير على
أفكارهم ومواقفهم العملية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا علي ما كرهته لنفسك فاكره لغيرك ، وما احببته
لنفسك فاحببه لاَخيك ، تكن عادلاً في حكمك ، مقسطاً في عدلك ، محبباً
في أهل السماء ، مودوداً في صدور أهل الاَرض »
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « بالاِيثار يُسترقّ الاَحرار »
(3).
خامساً : الزهد :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الزهد في أموال الناس وممتلكاتهم ، والزهد الذاتي في الحياة الدنيا ،
يساعد على زرع ثقة الناس بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ،
فيشعرون بانه لا يرجو دنياً ولا جاهاً في قيامه وتبنّيه لحركة الاصلاح
____________
1) سنن ابن ماجة 2 : 1328 .
2) تحف العقول : 12 .
3) تصنيف غرر الحكم : 396 .
( 86 )
والتغيير ، وإنّما يعمل لذات المسؤولية تقرباً إلى الله تعالى .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وبالزهد يكتسب محبة الناس ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « تحبّب إلى
الناس بالزهد فيما بأيديهم تفز بالمحبة منهم »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وبمحبة الناس إليه يستطيع التأثير على قلوبهم وارادتهم ، ليجعلها
منسجمة مع مفاهيم وقيم الاِسلام .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والطمع يمنع من ابداء الآراء أو النهي عن بعض الممارسات التي
تصطدم مع آراء وممارسات الآخرين الذين يطمع المكلف بأموالهم خوفاً
من عدم الحصول عليها . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الطمع يذهب الحكمة من
قلوب العلماء »
(2). وغير الزاهد يستسلم للمغريات وقد يؤدي بالنهاية إلى
تخلّيه عن الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلّما ازدادت أمامه
المغريات .
سادساً : البشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
البشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام تساعد على جذب الناس وامتلاك
عواطفهم ومشاعرهم ، وتوجيهها توجيهاً رسالياً ؛ لاَنّ الناس غالباً
ما يتأثرون بالاشخاص قبل التأثر بالافكار والقيم .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وفي ذلك قال إمامنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « طلاقة
الوجه بالبشر والعطية وفعل البر وبذل التحية داعٍ إلى محبة البرية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
عليك بالبشاشة فإنّها حبالة المودّة .
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 437 .
2) كنز العمال 3 : 495 .
( 87 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
عوّد لسانك لين الكلام وبذل السلام يكثر محبّوك ويقل مبغضوك .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
من عذب لسانه كثر إخوانه »
(1).
المبحث الثاني
الخصائص والصفات العملية والسلوكية
أولاً : المداراة :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
يجد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر اصنافاً من الناس يختلفون
في طاقاتهم وامكاناتهم الفكرية والعاطفية والسلوكية ، فلابدّ وأن يتصف
بالمداراة ليستطيع التأثير على تعدد أصناف الناس المنتمين إلى مدارس
عقائدية وفكرية متنوعة ، والمتوزعين على ولاءات متعددة قبلية وقومية
وطائفية .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومداراة الناس من أولويات العمل في أوساطهم ، كما أكّد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك بقوله : « أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض »
(2) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
« رأس العقل بعد الاِيمان بالله مداراة الناس في غير ترك الحق »
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
« رأس العقل المداراة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 434 ـ 436 .
2) الكافي 2 : 117 .
3) تحف العقول : 29 .
( 88 )
الآخرة »
(1) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « من سالم الناس كثر اصدقاؤه وقلّ
أعداؤه . المداراة أحمد الخلال . رأس الحكمة مداراة الناس »
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وتتمثل المداراة بتكليم الناس على قدر عقولهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« إنّا معاشر الاَنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم »
(3). وأن
يتحدث المكلف بكلام مفهوم من قبل الجميع بلا حاجة إلى استخدام
العبارات الغامضة ، والمصطلحات غير الواضحة ، قال أمير المؤمنين علي
عليه السلام : « أحسن الكلام ما زانه حُسنُ النظام ، وفهمه الخاص والعام »
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومن المداراة اختصار الكلام وعدم التطويل المؤدي إلى الملل ، قال
أمير المؤمنين عليه السلام : « الكلام كالدواء قليله ينفع وكثيره قاتل .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
أقل المقال ، وقصّر الآمال ، ولا تقل ما يكسبك وزراً وينفِّر عنك
حراً »
(5) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومن مصاديق المداراة ، مراعاة الدوافع النفسية للانحراف ، ومراعاة
الضعف البشري وعدم ترتيب الاَثر في بعض الحالات ، فحينما سرّب
حاطب بن أبي بلتعة أخبار مسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفتح مكة إلى قريش دعاه
صلى الله عليه وآله وسلم وقال له : « يا حاطب ، ما حملك على هذا ؟ » فقال : يا رسول
____________
1) كنز العمال 3 : 407 .
2) تصنيف غرر الحكم : 445 .
3) أمالي الصدوق : 341 .
4) تصنيف غرر الحكم : 210 .
5) تصنيف غرر الحكم : 211 .
( 89 )
الله ، أما والله إنّي لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، ولكني كنت
امرأ ليس لي في القوم من أهل وعشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ،
فصانعتهم عليهم ، ولم يستجب صلى الله عليه وآله وسلم لقول عمر بن الخطاب ، حينما قال :
(دعني فلاَضرب عنقه ، فإنّ الرجل قد نافق)
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وينبغي ان تكون المداراة في (غير ترك الحق) كما تقدم الحديث عنه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومن المداراة كشف الحقائق في حال التشكيك بشخص الآمر
والناهي، قال أمير المؤمنين عليه السلام ـ في وصيته لاَحد ولاته ـ : « وان ظنّت
الرعية بك حيفاً ، فاصحر لهم بعذرك ، واعدل عنك ظنونهم باصحارك ، فان
تلك رياضة منك لنفسك ، ورفق منك برعيتك ، واعذار تبلغ فيه حاجتك من
تقويمهم على الحقّ في خفض واجمال »
(2).
ثانياً : الرفق :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
الاِنسان غالباً ما يأنس بآرائه وأفكاره ومواقفه حتى تصبح جزءاً من
كيانه ، يرى فيها كرامته وكبرياءه ، ولا يتنازل عنها أحياناً ؛ لاَنّه يرى في
ذلك تنازلاً عن كرامته ، ولهذا فالتعامل مع هكذا إنسان يجب أن يكون
برفق وهدوء ، لذا كان الرفق صفة وخاصية مستحسنة لدى المكلف بالاَمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : » لا يأمر بالمعروف
ولا ينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث : رفيقاً بما يأمر به ، رفيقاً بما ينهى
عنه... »
(3) .
____________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 41 .
2) تحف العقول :
.
3) الجعفريات : 88 .
( 90 )
والرفق ييسّر الصعاب ويذلل الشدائد ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام :
« الرفق ييسّر الصعاب ويسهّل شديد الاَسباب .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
من استعمل الرفق لان له الشديد »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وجعل الاِمام علي بن الحسين عليه السلام الرفق من حقوق المستنصح فقال :
« ... وحقّ المستنصح : أن تؤدي إليه النصيحة ، وليكن مذهبك الرحمة
والرفق به »
(2) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وذكر الاِمام جعفر الصادق عليه السلام آثار عدم الرفق في الدعوة إلى الاِسلام
في قصة المسلم وجاره الكافر ، فبعد أن آمن بالاِسلام اصطحبه إلى
المسجد ليصلي معه الفجر في جماعة فلمّا صلّى : » قال له : لو قعدنا نذكر
الله عزَّ وجلَّ حتى تطلع الشمس فقعد معه ، فقال له : لو تعلّمت القرآن إلى أن
تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل ، فقعد معه ، وصام حتى صلّى الظهر
والعصر ، فقال : لو صبرت حتى نصلي المغرب والعشاء الآخرة كان أفضل ،
فقعد معه حتى صلّى المغرب والعشاء الآخرة ، ثم نهضا ، وقد بلغ مجهوده
وحمل عليه ما لا يطيق ، فلمّا كان من الغد غدا عليه ، وهو يريد به مثل
ماصنع بالاَمس فدّق عليه الباب ثم قال له : اخرج حتّى نذهب إلى المسجد ،
فأجابه : أن انصرف عنّي ، فإنّ هذا دين شديد لا أطيقه ».
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ثم قال عليه السلام : « فلا تخرقوا بهم أما علمت أنّ إمارة بني أُميّة كانت بالسيف
والعسف والجور ، وان امارتنا بالرفق والتآلف والوقار والتقيّة وحسن الخلطة
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 244 .
2) مكارم الاخلاق : 423 .
( 91 )
والورع والاجتهاد، فرغّبوا الناس في دينكم وفيما أنتم فيه »
(1) .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومن الرفق طرح المفاهيم والقيم الاِسلامية بشكل شيّق وجذّاب ،
وبمرونة ويسر ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يسّروا ولا تعسّروا ، وسكّنوا
ولاتنفّروا »
(2). فالاِسلام واضح في عقيدته ومنهجه في الحياة فلا تعقيد
ولا تعسير . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا حدّثتم الناس عن ربّهم ، فلا
تحدّثوهم بما يفزعهم ويشقّ عليهم »
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فينبغي التحدث عن لطف الله تعالى ورأفته ورحمته وغفرانه أكثر من
الحديث عن عقوبته وغضبه ؛ لكي لا يدّب اليأس والقنوط في نفوس
المذنبين والعاصين .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال الاِمام أمير المؤمنين علي عليه السلام : « قولوا ما قيل لكم ، وسلموا لما
روي لكم ولا تكلِّفوا ما لم تُكلَّفوا ، فإنّما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم
ولفظت ألسنتكم ، أو سبقت إليه غايتكم »
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ومن الرفق عدم الاشارة إلى اسماء المخالفين لمفاهيم الاِسلام وقيمه ،
وعدم تشخيصهم أمام الناس ، لمنحهم فرصة جديدة للاستقامة ، فكان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يوضّح اخطاء البعض يقول : « ما بال أقوام قالوا
كذا وكذا »
(5) .
____________
1) الخصال 2 : 354 ـ 355 .
2) مسند أحمد بن حنبل 3 : 587 .
3) الفتح الكبير 1 : 101 .
4) تحف العقول : 104 .
5) مسند أحمد بن حنبل 4 : 126 .
( 92 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ورخّص صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الاَمر ، فرغب عنه رجال ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما بال
رجال آمرهم بالاَمر يرغبون عنه ، والله إنّي لاَعلمهم بالله عزَّ وجلَّ وأشدّهم له
خشية »
(1) .
ومن الرفق أيضاً أن تكون الموعظة سرّاً ، فإنّها أكثر ايقاعاً وقبولاً ، قال
الاِمام الحسن العسكري عليه السلام : « من وعّظ أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن وعّظه
علانية فقد شانه » (2).
ثالثاً : الاحسان :
الاحسان صفة محمودة يستطيع بها الاِنسان أن يؤثر على عواطف
الآخرين ومن ثم عقولهم وسلوكهم ؛ لاَنّ النفس الاِنسانية مجبولة على
حب من أحسن إليها .
والاِحسان يؤدي إلى كسب ودّ الآخرين وثقتهم ، كما قال الاِمام أمير
المؤمنين عليه السلام : « بالاحسان تملك القلوب .
بالاِحسان تسترقّ الرقاب .
من كثر احسانه كثر خدمه وأعوانه .
احسن إلى المسيء تملكه » (3).
فالاحسان الذي يرافق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يساعده
في استهواء الآخرين وشدّهم إلى ما يمليه عليهم من أفكار وقيم ، ومن
____________
1) مسند أحمد بن حنبل 7 : 260 .
2) تحف العقول : 368 .
3) تصنيف غرر الحكم : 385 ـ 386 ، 388 .
( 93 )
نصائح وارشادات ، ويدفعهم لمراجعة نفوسهم وسلوكهم ، واصلاحها
حياءً أو قناعة في مقابل الاحسان إليهم .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤثر على الكثيرين ويوجههم للانتماء
إلى الاِسلام بالاحسان اليهم ، فقد أسلم مالك بن عون كبير هوازن لاحسان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه وأسلم عدي بن حاتم واخته بسبب الاِحسان
إليهم
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقدم رجل المدينة وكان يبغض عليّاً عليه السلام فقطع به ، ولم يكن له زاد
ولاراحلة ، فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة ، فقال له : عليك بحسن بن
علي ، فقال الرجل : ما لقيت هذا إلاّ في حسن وأبي حسن ، فقيل له : فإنّك
لا تجد إلاّ خيراً منه ، فأتاه فشكا إليه ، فأمر له بزاد وراحلة ، فقال الرجل :
الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وقيل للاِمام الحسن عليه السلام : (أتاك رجل
يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة) ؟! ، قال عليه السلام : « أفلا اشتري
عرضي منه بزاد وراحلة ؟ »
(2).
رابعاً : التعايش مع الناس :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
من أهم الصفات التي تجعل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قادراً
على الاصلاح والتغيير هي عدم الانعزال عن الناس ؛ لاَنّ التكليف وأداء
الواجب لا يقتصر على إلقاء الخطب في مجالس محدودة ، وإنّما هو حركة
وعمل دؤوب في وسط الناس ، يشاركهم في أعمالهم ، ويعيش معهم
كواحد منهم يفرح لافراحهم ويحزن لاَحزانهم ، ويكون شريكاً لهم في
____________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 133 ، 226 .
2) مختصر تاريخ دمشق 7 : 26 .
( 94 )
آمالهم وآلامهم ، وهذه الصفة تجعله قادراً على التأثير على أفكارهم
وعواطفهم وممارساتهم العملية ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعود المريض ،
ويتبع الجنازة ، ويجيب دعوة المملوك
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعطي كلاً من جلسائه نصيبه ، حتى لا يحسب جليسه أن
أحداً أكرم عليه منه . وكان يضحك ممّا يضحكون ويتعجب مما
يتعجبون
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فعن زيد بن ثابت قال : كنّا إذا جلسنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم إن أخذنا في حديث في
ذكر الآخرة أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا ، وإن أخذنا في
ذكر الطعام والشراب أخذ معنا
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وينبغي أن لا تكون لقاءاته مجرد أحاديث ، وأقوال خطابية ، مقتصرة
على الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويكون الآخرون مجرد
مستمعين ، بل ينبغي أن يسمع منهم مثل ما يسمعون منه ، ويستمع إلى
اقتراحاتهم وتوجيهاتهم ، فلا ينبغي أن يكون الحديث من جانب واحد
يصدر من الاَعلى إلى الاَدنى .
خامساً : الصبر والحلم :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
إنّ طريق الدعوة والاصلاح والتغيير طريق طويل مليء بالمعوقات
والعراقيل ، فلا بدّ وأن يتحلّى من تبنّاه بصفة الصبر ، ولابدّ وان يتحمل
التكاليف المترتبة عليه ، وان يصبر على ردود الاَفعال الاجتماعية
____________
1) مكارم الاَخلاق : 15 .
2) مكارم الاَخلاق : 14 ـ 15 .
3) مكارم الاَخلاق : 21 .
( 95 )
والدوافع النفسية التي تدعوه إلى الراحة والهدوء .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فعليه يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر صابراً على
طول الطريق ، رغم كثرة المعوقات والمثبطات ؛ يصبر على التكذيب
والاستهزاء والاَذى المادي والمعنوي ، ويصبر أمام ضغط النفس التي
تروم حب الراحة والسكينة ، وان يصبر على الوحشة في حالة فقدان
الناصر والمعين .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال تعالى : (
وَاصبِر عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهجُرهُم هَجراً جَمِيلاً )
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وقال تعالى : (
وَاصبِر عَلى مَا أصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الاُمُورِ )
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ولا بدّ من صبرٍ على الشدائد المحيطة بالمصلح والمغيّر ، فقد حدّد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الشدائد بقوله : « المؤمن بين خمس شدائد : مؤمن
يحسده، ومنافق يبغضه ، وكافر يقاتله ، وشيطان يضلّه ، ونفس تنازعه »
(3).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
كما أن عليه التصبّر والاستمرار في حركته ، قال تعالى : (
يا أيُّها الَّذِينَ
آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ )
(4).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وينبغي هنا أن يكون الصابر حليماً حتى ينال احترام وتقدير الآخرين ،
ويملك قلوبهم بحلمه .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام : « بالحلم تكثر الاَنصار .
____________
1) سورة المزمل : 73 / 10 .
2) سورة لقمان : 31 / 17 .
3) المحجة البيضاء 5 : 115 .
4) سورة آل عمران : 3 | 200 .
( 96 )
بالاحتمال والحلم يكون لك النّاس أنصاراً وأعواناً .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
أُحْلُمْ تُكْرَمْ .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ضادّوا الغضب بالحلم تحمدوا عواقبكم في كلِّ أمر »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والصبر هو أهم وسائل الاستمرار في الدعوة ، فقد صبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ثلاثة عشر عاماً على التكذيب والاستهزاء والاَذى ، وصبر على المغريات
والمساومات ، وصبر على أذى أهل الكتاب وأذى المنافقين ، وأذى
أصحابه في العهد المدني ، وصبر أمير المؤمنين عليه السلام على ازاحته من
منصبه ، وصبر الاِمام الحسين عليه السلام في حركته حتّى انه قدّم أولاده وأهل
بيته صابراً محتسباً من أجل اعلاء كلمة الله تعالى .
سادساً : عدم الانشغال في امور هامشية :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
من الخصائص التي ينبغي أن يعتمدها الآمر بالمعروف والناهي عن
المنكر هي الاستمرار في أداء التكليف والمسؤولية ، وعدم الانشغال
بامور هامشية تقضي على الوقت وتصرف العمل عن هدفه ، وتحرفه عن
مساره ، وهو مدعو مع هذا للاعراض عن الاشخاص والمواقف التي
تشغله عن أداء الواجب . قال تعالى : (
خُذِ العَفوَ وأمُر بِالعُرفِ وأعرِض عَنِ
الجاهِلينَ )
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والاعراض هو الترك والاهمال ، وعدم الدخول في جدال يضيع معه
الوقت والجهد دون ان يحقق شيئاً في طريق الواجب .
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 287 .
2) سورة الاَعراف : 7 | 199 .
( 97 )
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
ونهى الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام عن الدخول في الخصومات ، والمراء
فقال : « المخاصمة تبدي سفه الرجل ولا تزيد في حقّه »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
« جماع الشر اللجاج وكثرة المماراة »
(2).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
وللخصومة آثار سلبية أشار إليها الاِمام جعفر الصادق عليه السلام بقوله :
« إياكم والخصومة في الدين ، فإنّها تشغل القلب عن ذكر الله عزَّ وجلَّ ،
وتورث النفاق ، وتكسب الضغائن ، وتستجيز الكذب »
(3).
سابعاً : القدرة على التقييم الموضوعي :
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
التقييم الموضوعي للاشخاص والوجودات يساهم في انجاح الاعمال
والنشاطات المتعلقة بمسؤولية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
فينبغي لمن تحمّل المسؤولية أن يقيّم الاشخاص على أسس وموازين
اسلامية من حيث درجة قربهم وبعدهم عن الاِسلام فكراً أو سلوكاً ،
فلكلِّ فرد تقييمه الخاص ليكون الموقف اتجاهه منسجماً مع شخصيته .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
والتقييم الموضوعي الذي يصحبه التعامل الموضوعي يساهم في
تشجيع المحسنين على الاحسان والعمل الصالح ، ودفع المسيئين
والمذنبين إلى العودة إلى الاستقامة .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
قال الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « لا يكوننّ المحسن
والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإن ذلك تزهيد لاَهل الاحسان في الاحسان ،
____________
1) تصنيف غرر الحكم : 461 .
2) تصنيف غرر الحكم : 463 .
3) أمالي الصدوق : 340 .
( 98 )
وتدريب لاَهل الاِساءة على الاساءة ، فألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه أدباً منك
ينفعك الله به ، وتنفع به أعوانك »
(1).
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فالتقييم الموضوعي يستنهض الهمم ويستجيش العزائم ليبدأ الاِنسان
باصلاح وتغيير شخصيته في جميع مقوماتها : في الفكر والعاطفة
والارادة، من سيء إلى حسن ، ومن حسن إلى أحسن ، وموازين التقييم
التي حددها القرآن الكريم هي : الايمان ، والتقوى ، والعلم ، والعمل
الصالح .
![](xblank.gif.pagespeed.ic.qg0m1FQs_a.png)
فينبغي تقييم الاشخاص في ضوء من تلك الموازين ، والتعامل مع
الناس في ضوء درجات قربهم وبعدهم عنها ، فلكلٍّ تقديره المناسب
واحترامه المناسب قدر ما يمتلك من تلك المؤهلات .
____________
1) تحف العقول : 87 .