المسائل المستحدثة



( 542 )



( 543 )

بسم الله الرحمن الرحيم
أعمال المصاريف والبنوك

(1)
الاقتراض ـ الاِيداع
المصاريف والبنوك في الدول الاسلامية على ثلاثة أصناف:
1 ـ الاَهلي: وهو الذي يكون رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشتركين.
2 ـ الحكومي: وهو الذي يكون رأس ماله مكوّناً من أموال الدولة.
3 ـ المشترك: وهو الذي تشترك الدولة والاَهالي في تكوين رأس ماله.
مسألة 1: لا يجوز الاقتراض من البنوك الاَهلية بشرط دفع الزيادة لاَنّه رباً محرّم، ولو اقترض كذلك صحّ القرض وبطل الشرط، ويحرم دفع الزيادة وأخذها وفاءً للشرط.
وقد ذكر للتخلّص من الربا طرق:
منها: اأن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوِّض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10% أو 20% مثلاً بشرط أن يقرضه مبلغاً معيّناً من النقد لمدّة معلومة يتفقان عليها، أو يبيعه متاعاً بأقلّ من قيمته السوقية ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيّناً لمدّة معلومة، فيقال: إنّه يجوز الاقتراض عندئذٍ ولا ربا فيه.


( 544 )

ولكنّه لا يخلو عن إشكال، والاَحوط لزوماً الاجتناب عنه، ومثله الحال في الهبة والاِجارة والصلح بشرط القرض.
وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الاِمهال في أداء الدين شرطاً فيها.
ومنها: تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيّناً كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة وعشرين دينار ـ نسيئة لمدّة شهرين مثلاً.
ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير إنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال.
نعم، لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً، ويجعل الثمن المؤجَّل عملة أُخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد ا لمائة والعشرون على المائة ، وفي نهاية المدّة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقرّرة أو ما يساويها من الدنانير، ليكون من الوفاء بغير الجنس.
ومنها: أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً نسيئة لمدّة شهرين مثلاً، ثم يشتريها من المشتري نقداً بما ينقص عنها كمائة دينار.
وهذا أيضاً لا يصحّ إذا اشترط في البيع الاَول قيام البنك بشراء البضاعة نقداً بالاَقلّ من ثمنه نسيئة ولو بإيقاع العقد مبنيّاً على ذلك ، وأمّا مع خلّوه عن الشرط فلا بأس به.
ويلاحظ أنّ هذه الطرق ونحوها ـ لو صحّت ـ لا تحقّق للبنك غرضاً أساسياً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخّر عن أداء دينه عند نهاية الاَجل وازدياده كلّما زاد التأخير، فإنّ أخذ الفائدة بإزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرّم ولو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن


( 545 )

عقد البيع مثلاً.
مسألة 2: لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة ، لاَنّه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه، ولو اقترض كذلك بطل الشرط كما يبطل اصل القرض وان خلى عن شرط الزيادة، لاَنّ البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملّكه للمقترض.
وللتخلص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض، ويتصرف فيه بإذن الحاكم الشرعي، ولا يضرّه العلم بأنّ البنك سوف يستوفي منه أصل المال والزيادة قهراً، فلو طالبه البنك جاز له الدفع اليه.
مسألة 3: يجوز الاِيداع في البنوك الاَهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة، لا بمعنى ان يبني في نفسه على أنّ البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبها منه، فإنّ البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر.
مسألة 4: لا يجوز الاِبداع في البنوك الاَهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع شرط الزيادة، ولو فعل ذلك صحّ الاِبداع وبطل الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه، ولكن يجوز له التصرّف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ كما هو الغالب ـ .
مسألة 5: لا يجوز الايداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى اقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة، فانه ربا، بل إيداع المال فيها ولو من دون شرط الزيادة بمنزلة الاتلاف له شرعاً لان ما يمكن استرجاعه من البنك


( 546 )

ليس هو مال البنك، بل من المال المجهول مالكه، وعلى ذلك يشكل إيداع الارباح والفوائد التي يجنيها الشخص اثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها لانه مأذون في صرفه في مؤونته وليس مأذوناً في إتلافه فلو اتلفه ضمنه لاصحابه، هذا إذا لم يقع الايداع بأذن الحاكم الشرعي مع ترخيصه للبنك في اداء عوض المال المودع مما لديه من الاَموال، واما الايداع مع الاذن والترخيص المذكورين ـ كما صدر ذلك منّا للمؤمنين كافة ـ فيقع صحيحاً ويجري عليه حكم الاَيداع في البنك الاهلي، وأما الزيادة الممنوحة من قِبَل البنك وفق قوانينه فنأذن للمودعين بالتصرف في النصف منها مع التصدق بالنصف الاخر على الفقراء المتدينين.
مسألة 6: لا فرق في الاِيداع ـ فيما تقدّم ـ بين الاِيداع الثابت الذي له أمد خاصّ ـ بمعنى أنّ البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ـ وبين الاِيداع المتحرّك ـ المسمّى بالحساب الجاري ـ الذي يكون البنك ملزماً بوضع المال تحت الطلب.
مسألة 7: تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدّم من الاَحكام، لاَنّ الاَموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرّف فيها من دون إذن الحاكم الشرعي.
مسألة 8: ما تقدّم كان حكم الاِيداع والاقتراض من البنوك الاَهلية والحكومية في الدول الاِسلامية، وأمّا البنوك التي يقوم غير المسلمين بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ فيجوز الاِيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة، لجواز أخذ الربا منهم.
وأمّا الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام، ويمكن التخلّص منه بقبض المال من البنك وتملّكه لا بقصد الاقتراض، فيجوز له التصرّف فيه بلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي.


( 547 )

(2)
الاعتمادات
الاعتماد على قسمين:
1 ـ اعتماد الاستيراد: وهو أنّ يريد استيراد بضاعة أجنبية يتقدّم إلى البنك بطلب فتح اعتماد يتعهدّ البنك بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة المستوردة وتسليمها إلى فاتح الاعتماد وتسديد ثمنها إلى الجهة المصدّرة، وذلك بعد تمامية المعاملة بين المستورد والمصدر مراسلة أو بمراجعة الوكيل الموجود في البلد، وإرسال القوائم المحدّدة لنوعية البضاعة كماً وكيفاً حسب الشروط والمواصفات المتفّق عليها، وقيام المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلى البنك ، فإنّه بعد هذه المراحل يقوم البنك بتسلّم مستندات البضاعة وأداء ثمنها إلى الجهة المصدّرة.
2 ـ اعماد التصدير: وهو لا يختلف عن اعتماد الاستيراد إلاّ في الاسم، فمن يريد تصدير بضاعة إلى الخارج يقوم المستورد الاَجنبي بفتح اعتماد لدى البنك ليتعهدّ البنك بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة وتسديد ثمنها إلى البائع المصدّر بعد طيّ المراحل المشار إليها آنفاً.
فالنتيجة أنّ القسمين لا يختلفان في الحقيقة ، فالاعتماد سواء أكان للاستيراد أم للتصدير يقوم على أساس تعهد البنك للبائع بأداء دين المشتري وهو ثمن البضاعة المشتراة وتسلّم مستنداتها وتسليمها إلى المشتري.
نعم، هنا قسم آخر من الاعتماد، وهو أنّ المصدّر يقوم بإرسال قوائم


( 548 )

البضاعة كماً وكيفاً إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المستوردة، والبنك بدوره يعرض تلك القوائم على تلك الجهة، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح اعتماد لها، ثم يقوم بدور الوسيط إلى أن يتمّ تسليم البضاعة وقبض الثمن.
مسألة 9: الظاهر جواز فتح الاعتماد لدى البنوك بجميع الاَقسام المذكورة، كما يجوز للبنوك قيامها بما ذكر من الخدمات.
مسألة 10: يتقاضى البنك من فاتح الاعتماد نحوين من الفائدة:
الاَول: ما يكون بإزاء خدماته له من التعهّد بأداء دينه والاتّصال بالمصدّر وتسلّم مستندات البضاعة وتسليمها إليه، ونحو ذلك من الاَعمال.
وهذا النحو من الفائدة يجوز أخذه على أساس أنّه داخل في عقد الجعالة، أي أنّ فاتح الاعتماد يعيّن للبنك جعلاً إزاء قيامه بالاَعمال المذكورة، ويمكن إدراجه فى عقد الاِجارة أيضاً مع توفّر شروط صحّته المذكورة في محلّها.
الثاني: ما يكون فائدة على المبلغ الذي يقوم البنك بتسديده إلى الجهة المصدّرة من ماله الخاصّ لا من رصيد فاتح الاعتماد، فإنّ البنك يأخذ فائدة نسبية على المبلغ المدفوع إزاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلى مدّة معلومة.
وقد يصحّح أخذ هذا النحو من الفائدة بأنّ البنك لا يقوم بعملية إقراض لفاتح الاعتماد، ولا يدخل الثمن في ملكه بعقد القرض ليكون رباً، بل يقوم بدفع دين فاتح الاعتماد بموجب طلبه وأمره، وعليه فيكون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الاِتلاف، لا ضمان قرض ليحرم أخذ الزيادة.


( 549 )

ولكن من الواضح أنّ فاتح الاعتماد لا يضمن للبنك بطلبه أداء دينه إلاّ نفس مقدار الدين، فأخذ الزيادة بإزاء إمهاله في دفعه يكون من الربا المحرّم، نعم، لو عيّن فاتح الاعتماد للبنك إزاء قيامه بأداء دينه جُعلاً بمقدار أصل الدين والزيادة المقرّرة نسيئة لمدّة شهرين مثلاً، اندرج ذلك في عقد الجُعالة، ويحكم بصحته.
هذا، ويمكن التخلّص من الربا في أخذ هذا النحو من الفائدة بوجه آخر، وهو إدراجه في البيع، فإنّ البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة بالعملة الاَجنبية إلى المصدّر، فيمكن قيامه ببيع مقدار من العملة الاَجنبية في ذمّة المستورد بما يعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه، وبما أنّ الثمن والمثمن يختلفان في الجنس فلا بأس به، هذا كلّه إذا كان البنك أهلياً، وأمّا إذا كان حكومياً أو مشتركاً في بلد اسلامي فحيث إنّ البنك يؤدي دين فاتح الاعتماد من المال المجهول مالكه، لا يصير مديناً شرعاً للبنك بشيء، فلا يكون التعهّد باداء الزيادة إليه من قبيل التعهّد بدفع الربا المحرّم.

(3)
خزن البضائع
قد يكون البنك وسيطاً في إيصال البضائع من المصدّر إلى المستورد، فربّما يقوم بتخزينها على حساب المستورد، كما إذا تمّ العقد بينه وبين المصدّر وقام البنك بتسديد ثمنها له، فعند وصول البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد وإخباره بوصولها، فإن تأخّر المستورد عن


( 550 )

تسلّمها في الموعد المقرّر، قام البنك بخزنها وحفظها على حساب المستورد إزاء أجر معيّن، وقد يقوم بحفظها على حساب المصدّر كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك دون عقد واتّفاق مسبق مع جهة مستوردة، فعندئذٍ يقوم البنك بعرض قوائم البضاعة على الجهات المستوردة في البلد، فإن لم يقبلوها حفظها على حساب المصدّر إزاء أجر معين.
مسألة 11: يجوز للبنك أخذ الاُجرة إزاء عملية التخزين في كلتا الصورتين المتقدّمتين إذا كان قيامه بها بطلب من المصدّر أو المستورد، أو كان قد اشترط ذلك في ضمن عقد كالبيع ـ وإن كان الشرط ارتكازياً ـ وإلاّ فلا يستحقّ شيئاً.

(4)
بيع البضائع عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها
إذا تخلّف صاحب البضاعة عن تسلّمها ودفع المبالغ المستحقّة للبنك ـ بعد إعلان البنك وإنذاره بذلك ـ يقوم البنك بيع البضاعة لاستيفاء حقّه من ثمنها.
مسألة 12: يجوز للبنك في الحالة المذكورة أن يقوم ببيع البضاعة، كما يجوز للآخرين شراؤها، لاَنّ البنك وكيل من قبل أصحاب البضاعة في بيعها عند تخلّفهم عن دفع ما عليهم من بقيّة المبالغ المستحقّة له وتسلّم البضاعة، وذلك بمقتضى الشرط الصريح أو الارتكازي الموجود في أمثال هذه الموارد، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً.


( 551 )

(5)
الكفالة عند البنوك
إذا تعهّد شخص أو أشخاص مشتركون لجهة حكومية أو غيرها بإنجاز مشروع، كتأسيس مدرسة أو مستشفى أو جسر أو نحوها، فتمّ الاتّفاق بينهما على ذلك، فإنّ المتعهّد له قد يشترط على المتعهِّد دفع مبالغ من المال في حالة عدم إنجاز المشروع وإتمامه في الوقت المقرّر عوضاً عن الخسائر التي قد تصيبه، ولكي يطمئنّ المتعهَّد له بذلك يطالب المتعهِّد بكفيل على هذا، وفي هذه الحالة يرجع المتعهّد والمقاول إلى البنك ليصدر له مستند ضمان يتكفّل فيه للمتعهّد له بأداء مبالغ التعويض إذا امتنع المقاول المتعهِّد عن دفعها بعد تخلّفه عن القيام بإنجاز المشروع في الموعد المقرّر.
مسألة 13: تعهّد البنك للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ المطلوبة على تقدير امتناع المقاول عن أدائها نحوٌ من الكفالة المالية في مقابل الكفالة المصطلحة ـ في أبواب المعاملات ـ التي هى عبارة عن التعهّد لشخص بإحضار شخص آخر له حقّ عليه عند طلبه.
وتفترق الكفالة المالية عن الضمان في أنّ الضامن تشتغل ذمّته للمضمون له بنفس الدين المضمون، فلو مات قبل وفائه أُخرج من تركته مقدَّماً على الاِرث، وأمّا الكفيل المالي فلا تشتغل ذمّته للمكفول له بنفس المال، بل بأدائه إليه، فلو مات قبل ذلك لم يُخرج من تركته شيءٌ إلاّ بوصيّة منه، ويصحّ عقد الكفالة بإيجاب من الكفيل بكلّ ما يدلّ على تعهّده والتزامه، من قول أو كتابة أو فعل، وبقبول من المكفول له بكل ما يدلّ على رضاه بذلك.


( 552 )

مسألة 14: يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معيّنة من المقاول المتعهّد لاِنجاز المشروع إزاء كفالته وتعهّده، ويمكن تخريج ذلك من باب الجعالة بأن يعيّن المقاول العمولة المطلوبة جُعلاً للبنك على قيامه بعمل الكفالة فيحلّ له أخذها حينئذٍ.
مسألة 15: إذا تخلّف المقاول عن إنجاز المشروع في المدّة المقررة، وامتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلى المتعهَّد له ( صاحب المشروع ) فقام البنك بدفعها إليه، فهل يحقّ للبنك الرجوع بها على المقاول أم لا؟ الظاهر أنّه بحقّ له ذلك، لاَنّ تعهّد البنك وكفالته كان بطلب من المقاول، فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهّده، فيحقّ له أن يرجع إليه ويطالبه به.

(6)
( بيع السهام )
قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الاَسهم التي تمتلكها، ويقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها وتصريفها إزاء عمولة معيّنة بعد الاتّفاق بينه وبين الشركة.
مسألة 16: تجوز هذه المعاملة مع البنك، فإنها ـ في الحقيقة ـ لا تخلو من دخولها إمّا في الاِجارة، بمعنى أنّ الشركة تستأجر البنك للقيام بهذا الدور إزاء أُجرة معينة، وإمّا في الجعالة على ذلك، وعلى كلا التقديرين فالمعاملة صحيحة، ويستحقّ البنك الاَُجرة أو الجُعل إزاء قيامه بالعمل المذكور.
مسألة 17: يصحّ بيع هذه الاَسهم وشراؤها، نعم، إذا كانت


( 553 )

معاملات الشركة المساهمة محرّمة ـ كما لو كانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا ـ لميجز شراء أسهمها والاشتراك في تلك المعاملات.

(7)
( بيع السندات )
السندات: صكوك تصدرها جهات مخوّلة قانوناً بقيمة اسمية معيّنة مؤجّلة إلى مدّة معلومة، وتبيعها بالاَقلّ منها، مثلاً يبيع السند الذي قيمته الاسمية مائة دينار بخمسة وتسعين ديناراً نقداً على أن يؤدّي المائة بعد سنة مثلاً، وقد تتولّى البنوك عملية البيع، وتأخذ على ذلك عمولة معيّنة.
مسألة 18: هذه المعاملة يمكن أن تقع على نحوين:
1 ـ أن تقترض الجهة التي تصدر السند ممّن يشتريه مبلغ خمسة وتسعين ديناراً ـ في المثال المذكور ـ وتدفع إليه مائة دينار في نهاية المدّة المحدّدة وفاءً لدينه مع اعتبار الخمسة دنيانير الزائدة فائدة على القرض، وهذا رباً محرّم.
2 ـ أن تبيع الجهة التي تصدر السند مائة دنيار مؤجّلة الدفع إلى سنة مثلاً بخمسة وتسعين ديناراً نقداً.
وهذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق، ولكنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال والاَحوط لزوماً الاجتناب عنه، فالنتيجة أنّه لا يمكن تصحيح بيع السندات المذكورة التي تتعامل بها الجهات الرسمية وغيرها.
مسألة 19: لا يجوز للبنوك التوسّط في بيع السندات وشرائها، كما لا يجوز لها أخذ العمولة على ذلك.


( 554 )

(8)
( الحوالات الداخلية والخارجية )
مسألة 20: الحوالة في المصطلح الفقهي تقتضي نقل الدين من ذمّة المحيل إلى ذمّة المحال عليه، ولكنّها ـ هنا ـ تستعمل في الاَعمّ من ذلك، وفيما يلى نماذج للحوالات المصرفية:
الاَوّل: أن يصدر البنك صكّاً لعميله بتسلّم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في البنك، وعندئذ يأخذ البنك منه عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا الدور، والظاهر جواز أخذه هذه العمولة، لاَنّ للبنك حقّ الامتناع عن قبول وفاء دينه في غير مكان القرض، فيجوز له أخذ عمولة إزاء تنازله عن هذا الحقّ وقبول وفاء دينه في ذلك المكان.
الثاني: أن يصدر البنك صكّاً لشخص يحقّ له بموجبه أن يتسلّم مبلغاً معيناً من بنك آخر في الداخل أو الخارج بعنوان الاقتراض منه، نظراً لعدم وجود رصيد مالي للشخص عنده، ويأخذ البنك عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا العمل، والظاهر أنّه يجوز للبنك أخذ العمولة على إصداره صكّاً من هذا القبيل إذا كان مردّه إلى أخذ الجعل على توكيل البنك الثاني في إقراض حامل الصك المبلغ المذكور فيه من أموال البنك الاَوّل الموجودة لديه، فليس هو من قبيل أخذ الجعل على الاِقراض نفسه ليكون حراماً، بل من قبيل أخذ الجعل على التوكيل في الاِقراض فلا يكون الاِلزام بدفع الجعل مرتبطاً بعملية الاِقراض نفسها، بل بالتوكيل فيها، فلا يكون به بأس حينئذٍ.
ثم إنّ المبلغ المذكور في الصكّ إذا كان من العملة الاَجنبية فيحدث


( 555 )

للبنك حقّ، وهو أنّ المدين حيث اشتغلت ذمّته بالعملة المذكورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة، فلو تنازل عن حقّه هذا وقبل الوفاء بالعملة المحلّية جاز له أخذ شيء منه إزاء هذا التنازل، كما أنّ له تبديلها بالعملة المحلّية مع تلك الزيادة.
الثالث: أن يدفع الشخص مبلغاً معيّناً من المال إلى البنك في النجف الاَشرف مثلاً، ويأُخذ تحويلاً بالمبلغ أو بما يعادله على بنك آخر في الداخل كبغداد، أو الخارج كلبنان أو دمشق مثلاً، ويأخذ البنك إزاء قيامه بعملية التحويل عمولة معيّنة منه، وهذا يمكن أن يقع على نحوين:
أ ـ أن يبيع الشخص مبلغاً معيّناً من العملة المحلّية عل البنك بمبلغ من العملة الاَجنبية تعادل المبلغ الاَول مع إضافة عمولة التحويل إليه، وهذا لا بأس به كما سبق نظيره.
ب ـ أن يقوم الشخص بإقراض البنك مبلغاً معيّناً ويشترط عليه تحويله إلى بنك آخر في الداخل أو الخارج مع عمولة معينة بإزاء عملية التحويل، وهذا لا بأس به أيضاً، لاَنّ التحويل وإن كان عملاً محترماً له مالية عند العقلاء، فيكون اشتراط القيام به على المقترض من قبيل اشتراط النفع الملحوظ فيه المال المحرّم شرعاً، إلاّ أنّ المستفاد من النصوص الخاصّة الدالّة على جواز اشتراط المقرض على المقترض قيامه بأداء القرض في مكان آخر، جواز اشتراط التحويل أيضاً، فإذا كان يجوز اشتراطه مجّاناً وبلا مقابل، فيجوز اشتراطه بإزاء عمولة معيّنة بطريق أولى.
الرابع: أن يقبض الشخص مبلغاً معيّناً من البنك في النجف الاَشرف مثلاً، ويحوّل البنك لاستيفاء بدله على بنك آخر في الداخل أو الخارج، ويأخذ البنك الاَول إزاء قبوله الحوالة عمولة معيّنة منه، وهذا يقع على


( 556 )

نحوين:
أ ـ أن يبيع البنك على الشخص مبلغاً من العملة المحلّية بمبلغ من العملة الاَجنبية تعادل المبلغ الاَول مع إضافة عمولة التحويل إليه، فيحوّله المشتري إلى البنك الثاني لاستلام الثمن، وهذا جائز كما سبق.
ب ـ أن يقرضه البنك مبلغاً معيّناً، ويشترط عليه دفع عمولة معيّنة إزاء قبوله بنقل القرض إلى ذمّة أخرى وتسديده في بلد آخر، وهذا رباً، لاَنّه من قبيل اشتراط دفع الزيادة في القرض وإن كانت بإزاء عملية التحويل، نعم، إذا وقع هذا من غير شرط مسبق بأن اقترض المبلغ من البنك أوّلاً، ثم طلب منه تحويل قرضه إلى بنك آخر لاستيفائه منه، فطلب البنك عمولة على قبوله ذلك جاز، لاَنّ من حقّ البنك الامتناع عن قبول ما ألزمه به المقترض من نقل القرض إلى ذمّة أُخرى وتسديده في بلد غير بلد القرض، وليس هذا من قبيل ما يأخذه المقرض بإزاء إبقاء القرض والاِمهال فيه ليكون رباً، بل هو ممّا يأخذه لكي يقبل بانتقال قرضه إلى ذمّة أُخرى وادائه في مكان آخر، فلا بأس به حينئذٍ.
مسألة 21: قد تنحلّ الحوالة إلى حوالتين، كما إذا أحال المدين دائنه على البنك بإصدار صكّ لاَمره، وقام البنك بتحويل مبلغ الصكّ على فرع له في بلد الدائن، أو على بنك آخر فيه يتسلّمه الدائن هناك، فإنّ مردّ ذلك إلى حوالتين:
إحداهما: حوالة المدين دائنه على البنك، وبذلك يصبح البنك مديناً لدائنه.
ثانيتهما: حوالة البنك دائنه على فرع له في بلد الدائن أو على بنك آخر فيه، ودور البنك في الحوالة الاَولى قبول الحوالة، وفي الثانية


( 557 )

إصدارها، وكلتا الحوالتين صحيحة شرعاً، ولكن إذا كانت حوالة البنك على فرع له يمثل نفس ذمّته، لا تكون هذه حوالة بالمصطلح الفقهي، إذ ليس فيها نقل الدين من ذمّة إلى أُخرى، وإنما مرجعها إلى طلب البنك من وكيله في مكان آخر وفاء دينه في ذلك المكان، وعلى أيّ حال، فيجوز للبنك أن يتقاضى عمولة على قيامه بما ذكر، حتى بإزاء قبوله حوالة من له رصيد في البنك دائنه عليه، لاَنّها من قبيل الحوالة على المدين، والمختار: عدم نفوذها من دون قبول المحال عليه، فله أخذ العمولة على ذلك.
مسألة 22: ما تقدّم من أقسام الحوالة وتخريجها الفقهي يجري بعينه في الحوالة على الاَشخاص، كي يدفع مبلغاً من المال لشخص ليحوّله بنفس المبلغ أو بما يعادله على شخص آخر في بلده أو بلد آخر، ويأخذ بإزاء ذلك عمولة معيّنة، أو يأخذ من شخص ويحوله على شخص آخر ويأخذ المحول منه إزاء ذلك عمولة معيّنة.
مسألة 23: لا فرق فيما تقدّم بين أن تكون الحوالة على المدين أو على البريء، والاَول كما إذا كان للمحال عليه رصيد مالي، والثاني ما لم يكن كذلك.

(9)
( جوائز البنك )
قد يقوم البنك بعملية القرعة بين عملائه، ويعطي لمن تصيبه القرعة مبلغاً من المال بعنوان الجائزة ترغيباً للاِيداع فيه.
مسألة 24: هل يجوز للبنك القيام بهذه العملية؟ فيه تفصيل:
فإنّه إن قيامه بها لا باشتراط عملائه عند إيداعهم لاَموالهم في البنك،


( 558 )

بل بقصد تشويقهم وترغيبهم على تكثير رصيدهم لديه، وترغيب الآخرين على فتح الحساب عنده، جاز ذلك، كما يجوز عندئذ لمن أصابته القرعة أن يقبض الجائزة ويتصرف فيها بَعد الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً في بلد إسلامي، وإذا كان أهلياً جاز قبض الجائزة والتصرّف فيها بلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي، وأمّا إذا كان قيام البنك بعملية القرعة ودفع الجائزة بعنوان الوفاء بالشرط الذي اشترطه عليه عملاؤه في ضمن عقد القرض أو نحوه، فلا يجوز ذلك، كما لا يجوز لمن أصابته القرعة أخذها بعنوان الوفاء بذلك الشرط، ويجوز بدونه.

(10)
( تحصيل الكمبيالات )
من الخدمات التي يقوم بها البنك: تحصيل قيمة الكمبيالة لحساب عميله، فإنّه قبل تاريخ استحقاقها يخطر المدين (موقّع الكمبيالة) ويشرح في إخطاره قيمتها ورقمها وتاريخ استحقاقها ليكون على علم ويتهيّأ للدفع، وبعد التحصيل يقيّد القيمة في حساب العميل أو يدفعها إليه نقداً، ويأخذ منه عمولة إزاء هذه الخدمة، ومن هذا القبيل قيام البنك بتحصيل قيمة الصكّ لحامله من بلده أو من بلد آخر، كما إذا لم يرغب الحامل تسلّم القيمة بنفسه من الجهة المحال عليها، فيأخذ البنك منه عمولة إزاء قيامه بهذا العمل.
مسألة 25: تحصيل قيمة الكمبيالات وأخذ العمولة على ذلك يقع على أنحاء:
1 ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك غير محوّلة عليه ويطلب من


( 559 )

البنك تحصيل قيمتها إزاء عمولة معيّنة، والظاهر جواز هذه الخدمة وأخذ العمولة بإزائها، ولكن بشرط أن يقتصر عمل البنك على تحصيل قيمة الكمبيالة فقط، وأمّا تحصيل فوائدها الربوية فهو غير جائز، ويمكن تخريج العمولة فقهياً بأنّها جعالة من الدائن للبنك على تحصيل دينه.
2 ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك محوّلة عليه، ولكن لم يكن مديناً لموقّعها، أو كان مديناً له بعملة أُخرى غير ما أحال بها عليه، وحينئذ يجوز للبنك أخذ عمولة إزاء قبوله هذه الحوالة ـ بالشرط المتقدّم في سابقهـ لاَنّ القبول غير واجب على البريء وكذا على المدين بغير جنس الحوالة، فحينئذ لا بأس بأخذ شيء مقابل التنازل عن حقّه هذا.
3 ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك محوّلة عليه ممّن لديه رصيد مالي لدى البنك، وقد أشار فيها بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق، ليقوم البنك بخصم قيمتها من حسابه الجاري وقيدها في حساب المستفيد (الدائن) أو دفعها له نقداً، فمردّ ذلك إلى أن الموقّع أحال دائنه على البنك المدين له، فيكون ذلك من قبيل الحوالة على المدين، والمختار فيها ـ كما تقدّم ـ اعتبار قبول المحال عليه (وهو البنك هنا) فلا تكون الحوالة نافذة من دون قبوله، وعليه فيجوز له أخذ عمولة إزاء قيامه بقبول الحوالة اداء دينه.

(11)
بيع العملات الاَجنبية وشراؤها
من أعمال البنوك: القيام بشراء العملات الاَجنبية وبيعها، لغرض توفير القدر الكافي منها لتأمين حاجات عملائها، ولا سيّما التجّار المستوردين للبضائع من الخارج ، وللحصول على الربح منه نتيجة الفرق


( 560 )

بين أسعار الشراء والبيع.
مسألة 26: يصحّ بيع العملات الاَجنبية وشراؤها بقيمتها السوقية ، وبالاءقل وبالاَكثر، بلا فرق في ذلك بين كون البيع أو الشراء حالاً أو مؤجّلاً، فإنّ البنك كما يقوم بعملية العقود الحالّة يقوم بعملية العقود المؤجّلة.

(12)
السحب على المكشوف
كلّ من لديه رصيد لدى البنك في الحساب الجاري يحقّ له سحب أيّ مبلغ لا يزيد عن رصيده، نعم، قد يسمح البنك له بسحب مبلغ معيّن من دون رصيد ، نظراً لثقته به، ويسمّى ذلك بـ : ( السحب على المكشوف ) ويحتسب البنك فائدة على هذا المبلغ.
مسألة 27: السحب على المكشوف مردّه إلى الاقتراض من البنك بشرط دفع الفائدة، فهو قرض ربوى محرّم ، وما يتقاضاه البنك من الفوائد على المبالغ المسحوبة تعدّ من الفوائد الربوية المحرّمة، نعم، إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً في بلد اسلامي فلا بأس بالسحب منه، لا بقصد الاقتراض ، بل بقصد الحصول على المال المجهول مالكه ، على نحو ما تقدم في المسألة الثانية.

(13)
خصم الكمبيالات
تمهيدات:
الأول: يمتاز البيع عن القرض في أنّ البيع تمليك عين بعوض لا مجّاناً، والقرض تمليك للمال بالضمان في الذمّة بالمثل إذا كان مثلياً