وبالقيمة إذا كان قيمياً(1).
كما يمتاز عنه في أنّ البيع الربوي باطل من أصله ، دون القرض الربوي ، فإنّه باطل بحسب الزيادة فقط ، وأمّا أصل القرض فهو صحيح.
ويمتاز عنه أيضاً في أنّ كلّ زيادة في القرض إذا اشترطت تكون رباً ومحرّمة دون البيع ، فإنّه تحرم فيه الزيادة مطلقاً في المكيل والموزون من العوضين المتحدين جنساً ، وأمّا لو اختلفا في الجنس ، أو لم يكونا من المكيل والموزون ، فإن كانت المعاملة نقدية ، فلا تكون الزيادة رباً ، وأمّا لو كانت المعاملة مؤجّلة كما لو باع مائة بيضة بمائة وعشر إلى شهر ، أو باع عشرين كيلو من الأرز بأربعين كيلو من الحنطة إلى شهر ، ففي عدم كون ذلك من الربا إشكال ، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه.
الثاني: الأوراق النقدية بما أنّها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة ، وأمّا مع الاتّحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً ، وأمّا نسيئة فلا يخلو عن إشكال كما تقدّم
____________
(1) قد يقال : إنّ البيع والقرض يفترقان من جهة أخرى ، وهي اعتبار وجود فارق بين العوض والمعوض في البيع ، وبدونه لا يتحقق البيع وعدم اعتبار ذلك في القرض ، ويترتب على ذلك انه لو باع مائة دينار بمائة وعشرة دنانير في الذمّة فلابد من وجود مائز بين العوضين كأن يكون أحدهما دينارا عراقيا والثاني دينار اردنيا ، وأما لو كانا جميعا من الدينار العراقي مثلا ، من فئة وطبعة واحدة ، فهو قرض بصورة البيع ، لانطباق العوض على المعوض مع زيادة فيكون محرّما لتحقق الربا فيه .
ولكن هذا غير واضح ، لأنه يكفي في تحقق مفهوم البيع وجود التغاير بين العوضين في وعاء الانشاء من حيث كون المعوض عينا شخصية والعوض كلّيا في الذمة ، مضافا الى أن لازم هذا الرأي القول بصحة بيع عشرين كيلو من الحنطة نقدا بمثلها نسيئة بدعوى أنه قرض غير ربوي حقيقة وإن كان بصورة البيع ، مع أنه ـ كما يعترف هذا القائل ـ من بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة حكمية فيكون من الربا المحرّم .

( 562 )

والاحوط لزوماً التجنب عنه ، وعلى ذلك ، فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقية مثلاً أن يبيع دينه بالأقلّ منها كتسعة دنانير نقداً ، كما يجوز له بيعه بالأقلّ منها من عملة أُخرى كتسعة دنانير أُردنية نقداً ولا يجوز ذلك نسيئة إلا إذا كان دينه حالاً لانه لا يجوز بيع الدين غير الحال بدين مؤجّل.
الثالث: الكمبيالات المتداولة بين التجّار في الأسواق لم تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية ، بل هي مجرد وثيقة لإثبات أنّ المبلغ الذي تتضمّنه دين في ذمّه موقّعها لمن كتبت باسمه ، فالمعاملات الجارية عليها لا تجري على أنفسها ، بل على النقود التي تعبّر عنها ، وأيضاً عندما يدفع المشتري كمبيالة للبائع لا يدفع بذلك ثمن البضاعة اليه ولا تفرغ ذمته منه ، ولذا لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لا يتلف منه مال بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدية وتلفت عنده أو ضاعت.
مسألة 28 : الكمبيالات على نوعين:
أ ـ ما يعبّر عن وجود قرض واقعي ، بأن يكون موقّع الكمبيالة مديناً لمن كتبت باسمه بالمبلغ الذي تتضمّنه.
ب ـ ما يعبر عن وجود قرض صوري لا واقع له.
أمّا في الأوّل: فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجّل الثابت في ذمّة المدين بأقل منه حالاً ، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه بثمانية وتسعين ديناراً نقداً وبعد ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين (موّقع الكمبيالة) بقيمتها عند الاستحقاق.
وأمّا في الثاني: فلا يجوز للدائن الصوري بيع ما تتضمّنه الكمبيالة ، لانتفاء الدين واقعاً وعدم اشتغال ذمّة الموقّع للموقّع له (المستفيد) بل إنّما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب ولذا سمّيت (كمبيالة مجاملة).


( 563 )

ومع ذلك ، يمكن تصحيح خصمها بنحو آخر ، بأن يؤكّل موقّع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمّته بأقلّ منها ، مراعياً الاختلاف بين العوضين في الجنس ، كأن تكون قيمتها خمسين ديناراً عراقياً والثمن ألف تومان إيراني مثلاً ، وبعد هذه المعاملة تصبح ذمّة موقّع الكمبيالة مشغولة بخمسين ديناراً عراقياً إزاء ألف تومان إيراني ، ويوكّل الموقع أيضاً المستفيد في بيع الثمن ـ وهو ألف تومان في ذمّته ـ بما يعادل المثمن وهو خمسون ديناراً عراقياً ، وبذلك تصبح ذمّة المستفيد مدينة للموقّع بمبلغ يساوي ما كانت ذمّة الموقّع مدينة به للبنك ، ولكن هذا الطريق قليل الفائدة ، حيث إنّه إنّما يفيد فيما إذا كان الخصم بعملة أجنبية ، وأمّا إذا كان بعملة محلّية فلا أثر له ، إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذ على ما عرفت من الإشكال في بيع المعدود مع التفاضل نسيئة ، وأمّا خصم قيمة الكمبيالة الصورية لدى البنك على نحو القرض ، بأن يقترض المستفيد من البنك مبلغاً أقلّ من قيمة الكمبيالة الاسمية ، ثم يحول البنك الدائن على موقّعها بتمام قيمتها ، ليكون من الحوالة على البريء ، فهذا رباً محرّم ، لأنّ اشتراط البنك في عملية الاقتراض (الخصم) اقتطاع شيء من قيمة الكمبيالة إنّما هو من قبيل اشتراط الزيادة المحرّم شرعاً ولو لم تكن الزيادة بإزاء المدّة الباقية بل بإزاء قيام البنك ببعض الأعمال كتسجيل الدين وتحصيله ونحوهما ، لاَنّه لا يحقّ للمقرض أن يشترط على المقترض أيّ نحو من أنحاء النفع الملحوظ فيه المال.
هذا إذا كان البنك أهلياً ، وأمّا لو كان حكومياً أو مشتركاً في بلد إسلامي فيمكن التخلّص من ذلك بأن لا يقصد المستفيد في عملية الخصم لديه شيئاً من البيع والاقتراض ، بل يقصد الحصول على المال المجهول


( 564 )

مالكه فيقبضه ويتصرف فيه باذن الحاكم الشرعي فإذا رجع البنك في نهاية المدّة إلى موقّع الكمبيالة وألزمه بدفع قيمتها ، جاز له الرجوع على المستفيد ببدل ما دفع إذا كان قد وقّع الكمبيالة بأمر وطلب منه.

(14)
العمل لدى البنوك
تصنّف أعمال البنوك صنفين:
أحدهما: محرّم ، وهو الأعمال التي لها صلة بالمعاملات الربوية كالتوكيل في إجرائها ، وتسجيلها ، والشهادة عليها ، وقبض الزيادة لآخذها ، ونحو ذلك ومثلها الأعمال المرتبطة بمعاملات الشركات التي تتعامل بالربا أو تتاجر بالخمور ، كمبيع أسهمها وفتح الاعتماد لها وما يشبههما.
وهذه كلّها محرّمة لا يجوز الدخول فيها ، ولا يستحقّ العامل أُجرة إزاء تلك الاَعمال.
ثانيهما: سائع ، وهي غير ما ذكر ، فيجوز الدخول فيها وأخذ الاُجرة عليها.
مسألة 29: إذا كان دافع الزيادة في المعاملة الربوية غير مسلم ـ سواء كان هو البنك الأجنبي أو غيره ـ فقد تقدّم أنّه يجوز حينئذٍ أخذها للمسلم ، وعلى ذلك يجوز الدخول في الأعمال التي ترتبط بإجراء مثل هذه المعاملة الربوية في البنوك وخارجها.
مسألة 30: الأموال الموجودة لدى البنوك الحكومية والمشتركة في البلاد الإسلامية لمّا كانت تعدّ من المال المجهول مالكه ، الذي يحرم التصرّف فيه من غير مراجعة الحاكم الشرعي ، لم يجُز العمل لدى هذه


( 565 )

البنوك في قبض الأموال وتسليمها إلى المتعاملين مع البنك ممّن يتصرّفون فيها من غير إذن الحاكم الشرعي نعم إذا اُذِنَ الحاكم الشرعي العمل لدى هذه البنوك في المجال المذكور جاز.
مسألة 31: الجعالة والإجارة والحوالة ونحوها من المعاملات المشروعة الجارية مع البنوك الحكومية في الدول الإسلامية تتوقّف صحّتها على إجازة الحاكم الشرعي ، فلا تصحّ من دون إجازته ، وهكذا المعاملات الجارية مع البنوك المشتركة بين الحكومة والاهالي فيما يخصّ سهم الحكومة فيها فان صحتها تتوقف على اجازة الحاكم الشرعي أيضاً.

(15)
عقد التأمين
التأمين عقد يلتزم المؤمن له بمقتضاه أن يدفع مبلغاً معيناً ـ شهرياً ، أو سنوياً ، أو دفعة واحدة ـ إلى المؤمِّن في مقابل تعهّد المؤمِّن أن يؤدّي إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال ، أو إيراداً مرتّباً ، أو أيّ عوض مالي آخر ، في حالة وقوع حادث أو ضرر مبيّن في العقد.
مسألة 32: التأمين على أقسام ، منها:
التأمين على الأشخاص من خطر الوفاة أو بعض الطوارىء الاَُخرى كالمرض ونحوه.
ومنها: التأمين على الأموال كالسيّارات والطائرات والسفن ونحوها من خطر الحريق أو الغرق أو السرقة أو ما شاكلها.
وهناك تقسيمات أُخرى للتأمين لا يختلف الحكم الشرعي بالنظر إليها


( 566 )

فلاداعي لذكرها.
مسألة 33: يشتمل عقد التأمين على أركان:
1 و2 ـ الإيجاب والقبول من المؤمِّن والمؤمَّن له ، ويكفي فيهما كلّ ما يدلّ عليهما من لفظ أو كتابة أو غيرهما.
3 ـ تعيين المؤمَّن عليه ، شخصاً كان أو مالاً.
4 ـ تعيين مدّة عقد التأمين بداية ونهاية.
مسألة 34: يعتبر في التأمين تعيين الخطر الموجب للضرر ، كالغرق والحرق والسرقة والمرض والموت ونحوها ، وكذا يعتبر فيه تعيين أقساط التأمين السنوية أو الشهرية لو كان الدفع أقساطاً.
مسألة 35: يشترط في طرفي عقد التأمين : البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس ، فلا يصحّ من الصغير والمجنون والهازل والمكره والمحجور عليه.
مسألة 36: عقد التأمين من العقود اللازمة ، ولا ينفسخ إلاّ برضا الطرفين ، نعم ، إذا اشترط في ضمن العقد استحاق المؤمَّن له أو المؤمِّن أو كليهما للفسخ جاز الفسخ حسب الشرط.
مسألة 37: إذا تخلّف المؤمِّن عن العمل بتعهّده ، كان للمؤمَّن له إلزامه بذلك ـ ولو بالتوسّل إلى الحاكم الشرعي أو غيره ـ وله الخيار في فسخ العقد واسترجاع مبلغ التأمين.
مسألة 38: إذا تقرّر في عقد التأمين قيام المؤمَّن له بدفع مبلغ التأمين أقساطاً ، فتخلف عن تسديد قسط ـ كمّا أو كيفاً ـ لم يجب على المؤمِّن القيام بدفع المبالغ التي تعهّد بدفعها عند وقوع الضرر المعيّن ، كما لا يحقّ للمؤمَّن له استرجاع ما سدّده من أقسام التأمين.


( 567 )

مسألة 39: لا تعتبر في صحّة عقد التأمين مدّة خاصة ، بل هي تابعة لِما يتّفق عليه الطرفان: المؤمِّن والمؤمَّن له.
مسألة 40: إذا اتّفق جماعة على تأسيس شركة يتكوّن رأس مالها من الأموال المشتركة بينهم ، واشترط كلّ منهم على الآخرين في ضمن عقد الشركة أنّه على تقدير حدوث حادثة ـ حدد نوعها في ضمن الشرط ـ على نفسه أو ماله ـ من داره أو سيارته أو نحو ذلك ـ أن تقوم الشركة بتدارك خسارته في تلك الحادثة من رأس مال الشركة أو أرباحها ، وجب العمل بالشرط ما دام العقد باقياً.

(16)
السرقفلية ـ الخلّو
من المعاملات الشائعة بين التجّار والكسبة ما يسمّى بـ ( السرقفلية ) ويراد بها تنازل المستأجر عمّا تحت تصرّفه بإيجار المحلّ الذي يشغله لآخر إزاء مقدار من المال يتفّق عليه الطرفان ، وتطلق أيضاً على تنازل المالك للمستأجر عن حقّه في إخراجه من المحلّ أو زيادة بدل الإيجار بعد نهاية مدّة الإجارة إزاء مقدار من المال يتّفقان بشأنه.
مسألة 41 : استئجار الأعيان المستأجرة كمحلاّت الكسب والتجارة لا يُحدث حقّاً للمستأجر فيها بحيث يمكنه إلزام المؤجّر عدم إخراجه منها وتجديد إيجارها منه بمقدار بدل إيجارها السابق بعد نهاية الإجارة ، وكذا طول إقامة المستأجر فى المحل ، ووجاهته في مكسبه الموجبة لتعزيز الموقع التجاري للمحلّ ، لا يوجب شيء من ذلك حقّاً له في البقاء ، بل إذا تمّت مدّة الإجارة يجب عليه تخلية المحلّ وتسليمه إلى صاحبه.


( 568 )

وإذا استغلّ المستأجر القانون الحكومي الذي يقضي بمنع المالك عن إجبار المستأجر على التخلية أو عن الزيادة في بدل الإيجار ، فامتنع عن دفع الزيادة أو التخلية فعمله هذا محرّم ، ويكون تصرّفه في المحل بدون رضا المالك غصباً ، وكذا ما يأخذه من المال إزاء تخليته حراماً.
مسألة 42: إذا آجر المالك محلّه من شخص سنة بمائة دينار مثلاً ، وقبض إضافة على ذلك مبلغ خمسمائة دينار مثلاً إزاء اشتراطه على نفسه في ضمن العقد أن يجدّد الإيجار لهذا المستأجر ، أو لمن يتنازل له بدون زيادة أو بزيادة متعارفة وإذا أراد المستأجر الثاني التنازل عن المحلّ لثالث أن يعامله بمثل ذلك وهكذا ، صح هذا الاشتراط وحينئذ يجوز للمستأجر أن يأخذ إزاء تنازله عن حقّه مبلغاً يساوي ما دفعه إلى المالك نقداً أو أكثر أو أقلّ حسب ما يتّفقان عليه.
مسألة 43: إذا آجر المالك محلّه من شخص مدّة معلومة وشرط على نفسه ـ إزاء مبلغ من المال أو بدونه ـ في ضمن العقد أن يجدّد إيجاره له سنوياً بعد نهاية المدّة بالصورة التي وقع عليها في السنة الاُولى أو على النحو المتعارف في كل سنة ، فاتّفق أنّ شخصاً دفع مبلغاً للمستأجر إزاء تنازله عن المحلّ وتخليته فقط ـ حيث لا يكون له إلاّ حقّ البقاء وللمالك الحريّة في إيجار المحلّ بعد خروجه كيف ما شاء ـ فعندئذٍ يجوز للمستأجر أخذ المبلغ المتّفق عليه ، وتكون السرقفلية بازاء التخلية فحسب ، لا بإزاء انتقال حقّ التصرّف منه إلى دافعها.
مسألة 44: يجب على المالك الوفاء بما اشترطه على نفسه في ضمن عقد الإجارة ، فيجب عليه في مفروض المسألة 42 أن يؤجر المحلّ للمستأجر أو لمن يتنازل له عنه بدون زيادة أو بزيادة متعارفة عليه حسب


( 569 )

ما إشترط على نفسه كما يجب عليه في مفروض المسألة 43 أن يجدّد الإيجار للمستأجر ما دام يرغب في البقاء في المحلّ بمقدار بدل الإيجار السابق أو بما هو بدل إيجاره المتعارف حسبما هو مقرّر في الشرط.
وإذا تخلّف المالك عن الوفاء بشرطه وامتنع عن تجديد الإيجار فللمشروط له إجباره على ذلك ولو بالتوسّل بالحاكم الشرعي أو غيره ، ولكن إذا لم يتيسّر إجباره ـ لأيّ سبب كان ـ فلا يجوز له التصرّف في المحلّ من دون رضا المالك.
مسألة 45: إذا جعل الشرط في عقد الإجارة في مفروض المسألتين (42 ـ 43) على نحو شرط النتيجة ـ لا على نحو شرط الفعل ، أي اشتراط تجديد الاجارة كما فرضناه ـ بأن اشترط المستأجر على المؤجر أن يكون له أو لمن يعيّنه مباشرة أو بواسطة حقّ إشغال المحلّ والاستفادة منه إزاء مبلغ معيّن سنوياً ، أو بالقيمة المتعارفة فى كلّ سنة ، فحينئذٍ يكون للمستأجر ـ أو لمن يعيّنه ـ حقّ إشغال المحلّ والاستفادة منه ولو من دون رضا المالك ، ولا يحقّ للمالك أن يطالب بشيء سوى المبلغ الذي اتّفقا عليه إزاء الحقّ المذكور.

(17)
مسائل في قاعدة الإقرار والمقاصّة النوعية
هناك مسائل تتعلّق بأحكام العقود والإيقاعات والحقوق ، تختلف فيها آراء علماء الإمامية عن آراء غيرهم من أرباب المذاهب الإسلامية ـ كلاً أو بعضاً فيُسأل عن كيفية تعامل الإمامي مع غيره في موارد تلك المسائل.
وقد تعارف لدى فقهائنا المتأخرين ـ رضوان الله عليهم ـ تخريج هذه


( 570 )

المسائل على قاعدة الإلزام ، أي إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته.
ولكن حيث إنّ هذه القاعدة لم تثبت عندنا بطريق معتبر ، فلا بُدّ من تطبيق تلك المسائل على القواعد البديلة لقاعدة الإلزام ، كقاعدة المقاصّة النوعية ( خذوا منهم كما يأخذون منكم في سننهم وقضاياهم ) وقاعدة الإقرار ( أي إقرار غير الإمامي على مذهبه ومعاملته بموجب أحكامه ) .
مسألة 46: يصحّ لدى الاِمامية النكاح من غير إشهاد ، ولكنّ العامة اختلفوا في ذلك ، فمنهم من وافق الإمامية في ذلك ، ومنهم من ذهب إلى فساد النكاح بدون الإشهاد ، وهم الحنفية والشافعية والحنابلة ، ومنهم من ذهب إلى فساده بدون الإعلان ، وهم المالكية ، ولكنّ القائلين بفساده على طائفتين: فمنهم من يرى في الأنكحة التي اختلف الفقهاء في صحّتها وفسادها ـ كالعقد المذكور ـ أنّه ليس لأحد أن يتزوّج المرأة قبل أن يطلّقها المعقود له أو يفسخ نكاحها ، وهؤلاء هم المالكية وأكثر الحنابلة ، فإذا كان الزوج من هؤلاء لم يمكن الزواج بالمرأة قبل أن يطلّقها أو يفسخ نكاحها. ومنهم من يرى في الأنكحة المختلف فيها أنّه يجوز الزواج من المرأة من غير حاجة إلى فسخ أو طلاق ، وهؤلاء هم الشافعية والحنفية.
فمتى كان الزوج منهم جاز الزواج بالمرأة بعد انقضاء عدّتها ـ إذا كانت ممّن تجب عليها العدّة عندهم ـ إقراراً للزوج على مذهبه ، وكذا يجوز للمرأة إذا كانت إمامية أن تتزوّج بعد انقضاء عدتها على تقدير وجوب العدّة عليها عندهم ، ولكنّ الأولى ـ في الصورتين ـ خروجاً عن الشبهة ومراعاةً للاحتياط ـ التوصل إلى طلاقها ولو من قبل الحاكم الشرعي إذا كان الزوج ممتنعاً منه.
مسألة 47: لا يجوز عند العامة الجمع بين العمّة وبنت أخيها ، أو


( 571 )

بين الخالة وبنت أُختها ، بمعنى أنّه يبطل كلا العقدين إذا تقارنا في الوقوع ، كما يبطل المتأخّر منهما متى سبق أحدهما الآخر.
وأمّا عند الإمامية فيجوز عقد العمّة على بنت أخيها والخالة على بنت أُختها مطلقاً ، كما يجوز عقد بنت الأخ على العمّة وبنت الأُخت على الخالة مشروطاً بسبق العقد أو لحوقه برضا العمّة أو الخالة ، وعليه فاذا جمع العامي بين العمّة وبنت أخيها أو الخالة وبنت أُختها في النكاح جاز للإمامي أن يعقد على أيّ منهما مع تقارن العقدين ، بل على كليهما مع رضا العمة أو الخالة ، كما يجوز له أن يعقد على المعقودة بالعقد المتأخّر مع رضا العمة أو الخالة إذا كان عقدهما سابقاً ، وهكذا الحال بالنسبة إلى كلّ واحدة منهما إذا كانت إمامية.
مسألة 48 : لا تجب العدّة على المطلّقة اليائسة والصغيرة على مذهب الإمامية ولو مع الدخول بهما ، ولكن تجب على مذهب العامة على خلاف بينهم في شروط ثبوتها على الصغيرة ، فإذا كان الزوج عامّياً فطلّق زوجته الصغيرة أو اليائسة وكان مذهبه ثبوت العدة عليها أُقرّ على ما يراه في مذهبه من أحكامها كفساد العقد على أُختها خلال فترة العدّة ، وكذا سائر من يحرم عندهم نكاحها جمعاً ، والأحوط لزوماً للإمامي أن لا يتزوّجها قبل انقضاء عدّتها ، وأن لا تتزوّج هي قبل ذلك وإن كانت إمامية أو صارت كذلك ، كما أنّ الأحوط لزوماً لها أن لا تأخذ نفقة أيّام العدّة من الزوج وإن فرض ثبوت النفقة لها على مذهبه إلاّ تطبيقاً لقاعدة المقاصّة النوعية مع توفّر شروطها.
مسألة 49: تشترط في صحّة الطلاق عند الامامية جملة من الشروط التي لا تشترط عند سائر المذاهب الإسلامية ـ كلاً أو بعضاً ـ فإذا طلّق غير


( 572 )

الإمامي زوجته بطلاق صحيح على مذهبه وفاسد حسب مذهبنا ، جاز للإمامي ـ إقراراً له على مذهبه ـ أن يتزوّج مطلّقته بعد انقضاء عدّتها إذا كانت ممّن تجب عليها العدّة في مذهبه ، كما يجوز للمطلّقة إذا كانت من الإمامية أن تتزوّج من غيره كذلك.
وفيما يلي بعض الشروط التي تعتبر في صحّة الطلاق عند الإمامية ولا تعتبر عند غيرهم ـ كلاً أو بعضاً ـ :
1 ـ أن يكون الطلاق في طهر غير طهر المواقعة.
2 ـ أن يكون منجّزاً غير معلّق على شيء.
3 ـ أن يكون باللفظ دون الكتابة.
4 ـ أن يكون عن اختيار لا عن إكراه.
5 ـ أن يكون بحضور شاهدين عدلين.
مسألة 50: يثبت خيار الرؤية ـ على مذهب الشافعي ـ لمن اشترى شيئاً بالوصف ثم رآه وإن كان المبيع حاوياً للوصف المذكور ، ولا يثبت الخيار على مذهب الإمامية في هذا المورد ، فإذا كان المذهب الشافعي نافذاً على الإمامية ، بحيث كان المشتري الشافعي يأخذ البائع الإمامي بالخيار في هذه الحالة ، فللمشتري الإمامي أن يقابل بالمثل فيأخذ البائع الشافعي بالخيار في هذه الصورة عملاً بقاعدة المقاصّة النوعية.
مسألة 51: ذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم ثبوت الخيار للمغبون ، ومذهبنا ثبوته له ، والظاهر أنّ محلّ الكلام في الثبوت وعدمه لا يشمل ما إذا كان بناء المغبون على عدم الاكتراث بالقيمة وشراء البضاعة أو بيعها بأيّ ثمن كان ، فإنّ الظاهر عدم ثبوت الخيار له حينئذٍ ، وكذا لا يشمل ما إذا كان بناء المتعاملين على حصول النقل والانتقال بالقيمة السوقية لا


( 573 )

أزيد ، واعتمد المغبون على قول الغابن في عدم الزيادة ، فإنّ الظاهر ثبوت الخيار له هنا عند الجميع من جهة الإغرار ، وكذا لا يشمل ما إذا كان الثابت بحسب الشرط الارتكازي في العرف الخاصّ حقّاً آخر غير حقّ الفسخ كحقّ المطالبة بما به التفاوت.
وعلى أيّ حال ، ففي كلّ مورد كان المذهب الإمامي ثبوت خيار الغبن ومذهب العامي عدم ثبوته ، يجوز للإمامي ـ أخذاً بقاعدة المقاصة النوعية ـ أن يلزم العامّي بعدم ثبوت الخيار له ، وذلك حيث يكون المذهب العامي هو القانون النافذ على الجميع بحيث يلزم به الإمامي أيضاً.
مسألة 52: يشترط عند الحنفية في صحّة عقد السلم أن يكون المسلم فيه موجوداً حال العقد ، ولا يشترط ذلك لدى الإمامية ، فإذا كان المذهب الحنفي نافذاً على الإمامية بحيث كان المشتري الحنفي يلزم البائع الإمامي ببطلان هذا العقد ، جاز للمشتري الإمامي أن يلزم البائع الحنفي بالبطلان في مثله بمقتضى قاعدة المقاصة النوعية ، وهكذا الحال لو صار المشتري إمامياً بعد ذلك.
مسألة 53: ذهب العامّة إلى أنّ ما فضل عن السهام المفروضة يرثه عصبة الميّت ـ كالأخ ـ وعدم ردّه على ذوي السهام أنفسهم ، وذهب الاِمامية إلى خلاف ذلك ، فمثلا لو مات الشخص وخلّف أخاً وبنتاً فقد ذهب الإمامية إلى إعطاء البنت نصف تركته فرضاً والنصف الآخر ردّاً ، وعدم إعطاء الأخ شيئاً؛ وأمّا العامة فقد ذهبوا إلى إعطاء النصف الثاني للأخ ، لأنّه من عصبة الميّت.
فإذا كان المذهب العامي نافذاً على الوارث الإمامي بحيث لا يردّ إليه الفاضل على سهمه ، فللعصبة إذا كانوا من الإمامية أخذ الفاضل على سهم


( 574 )

الوارث العامي منه بمقتضى قاعدة المقاصّة النوعية.
مسألة 54: ترث الزوجة على مذهب العامة من جميع تركة الميت من المنقول وغيره والأراضي وغيرها ، ولا ترث على المذهب الإمامي من الأرض لا عيناً ولا قيمة ، وترث من الأبنية والأشجار قيمة لا عيناً.
وعلى ذلك فلو كان المذهب العامي نافذاً على الشيعة بحيث تورّث الزوجة العامية من الأرض ومن عين الأبنية والأشجار إذا كان بقية الورثة من الإمامية ، فللزوجة الإمامية أيضاً أن تأخذ ما يصل إليها ميراثاً من الأراضي وأعيان الأبنية والأشجار حيث يكون سائر الورثة من العامة.

(18)
( أحكام التشريح )
مسألة 55: لا يجوز تشريح بدن الميّت المسلم ، فلو فعل ذلك لزمته الدية على تفصيل مذكور في كتاب الديات.
مسألة 56: يجوز تشريح بدن الميّت الكافر بأقسامه إذا لم يكن محقون الدم فى حال حياته ، وإلاّ ـ كما لو كان ذمّياً ـ فالأحوط لزوماً الاجتناب عن تشريح بدنه ، نعم ، إذا كان ذلك جائزاً في شريعته ـ مطلقاً أو مع إذنه في حال الحياة ، أو إذن وليّه بعد الوفاة ـ فلا بأس به حينئذٍ ، وأمّا المشكوك كونه محقون الدم في حال الحياة فيجوز تشريح بدنه إذا لم تكن أمارة على كونه كذلك.
مسألة 57: لو توقّف حفظ حياة مسلم على التشريح ، ولم يمكن تشريح الكافر غير محقون الدم أو مشكوك الحال ، جاز تشريح غيره من الكفّار ، وإن لم يمكن ذلك أيضاً جاز تشريح المسلم ، ولا يجوز تشريح


( 575 )

المسلم لغرض التعلّم ونحوه ما لم تتوقّف عليه انقاذ حياة مسلم أو من بحكمه ولو في المستقبل.

(19)
( أحكام الترقيع )
مسألة 58: إذا توقّف حفظ حياة المسلم على قطع عضو من أعضاء الميّت المسلم ـ كالقلب والكلية ـ لإلحاقه ببدنه جاز القطع ، ولكن تثبت الدية على القاطع على الاحوط لزوماً ، وإذا أُلحق ببدن الحيّ ترتّبت عليه بعد الإلحاق أحكام بدن الحيّ ، نظراً إلى أنّه أصبح جزءاً منه.
مسألة 59: لا يجوز قطع عضو من أعضاء الميت المسلم لإلحاقه ببدن الحي فيما إذا لم تتوقف عليه حياته وان كان في حاجة ماسة إليه كما في العين ونحوها من الاعضاء ، ولو قطع فعلى القاطع الدية ، ويجب دفن المقطوع ولا يجوز إلحاقه ببدن الحي ولكن إذا تمّ الإلحاق وحلّت فيه الحياة لم يجب قطعه بعد ذلك.
مسألة 60: إذا أوصى بقطع بعض أعضائه بعد وفاته ليُلحق ببدن الحيّ من غير أن تتوقف حياة الحيّ على ذلك ، ففي نفوذ وصيّته وجواز القطع حينئذٍ إشكال ـ وإن لم تجب الدية على القاطع ـ فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
مسألة 61: المقصود بالميت في الموارد المتقدمة هو من توقفت رئتاه وقلبه عن العمل توقفاً نهائياً لا رجعة فيه وأما الميت دماغياً مع استمرار رئتيه وقلبه في وظائفهما وان كان ذلك عن طريق تركيب اجهزة الانعاش الصناعية فلا يُعدُّ ميّتا ، ويحرم قطع عضو منه لإلحاقه ببدن الحي


( 576 )

مطلقا.
مسألة 62: لا يجوز قطع جزء من إنسان حي لإلحاقه بجسم غيره إذا كان قطعُه يُلحقُ به ضرراً بليغاً كما في قلع العين وقطع اليد وما شاكلها واما إذا لم يُلحق به الضرر البليغ ـ كما في قطع قطعة من الجلد أو جزء من النخاع أو احدى الكليتين لمن لديه كلية أخرى سليمة ـ فلا بأس به مع رضا صاحبه إذا لم يكن قاصراً لصغر أو جنون وإلا لم يجز مطلقاً ، وكما يجوز القطع في الصورة المذكورة يجوز أخذ المال بأزاء الجزء المقطوع.
مسألة 63: يجوز التبرع بالدم للمرضى المحتاجين اليه كما يجوز أخذ العوض عليه.
مسألة 64: يجوز قطع عضو من بدن الميت الكافر غير محقون الدم أو مشكوك الحال لإلحاقه ببدن المسلم وتترتب عليه بعد الإلحاق وحلول الحياة فيه احكام بدن المسلم لصيرورته جزءاً منه ، ويجوز أيضاً الحاق بعض أعضاء الحيوان ـ كقلبه ـ ببدن المسلم وان كان الحيوان نجس العين كالخنزير ويُصبحُ بعد الألحاق وحلول الحياة فيه جزءاً من بدن المسلم وتلحقه احكامه.

(20)
التلقيح الصناعي
مسألة 65: لا يجوز تلقيح المرأة بمنيّ غير الزوج ، سواء أكانت ذات زوج أم لا ورضي الزوج والزوجة بذلك أم لا ، كان التلقيح بواسطة الزوج أم غيره.
مسألة 66: لو تمَّ تلقيح المرأة بمنّي غير الزوج فحملت منه ثم


( 577 )

ولدت ، فإن حدث ذلك اشتباهاً ـ كما لو أُريد تلقيحها بمنّي زوجها فاشتبه بغيره ـ فلا إشكال في إنتسابه إلى صاحب المنّي ، فإنّه نظير الوطء بشبهة.
وأمّا إن حدث ذلك مع العلم والعمد ، فلا يبعد انتسابه إليه ايضاً وثبوت جميع أحكام الابوة والبنوة بينهما حتى الارث ، لأنّ المستثنى من الإرث هو الولد عن زناً ، وهذا ليس كذلك وإن كان العمل الموجب لحصول الحمل به محرّماً.
وهكذا الحال في انتسابه إلى اُمّه فإنّه ينتسب اليها حتى في الصورة الثانية ولا فرق بينه وبين سائر أولادها أصلاً ، ومن قبيل هذه الصورة ما لو القت المرأة منّي زوجها في فرج امرأة اخرى بالمساحقة أو نحوها فحملت ثم ولدت فانه ينتسب إلى صاحب النطفة وإلى التي حملته وان كان العمل المذكور محرماً.
مسألة 67: لو أُخذت بويضة المرأة وحويمن الرجل فلُقِّحت به ووضعت في رحم صناعية أو نحوها وفرض انه تيسّر تنميتُها فيها حتى تكوّن إنسان بذلك فالظاهر أنّه ينتسب إلى صاحب الحويمن وصاحبة البويضة ، ويثبت بينه وبينهما جميع أحكام النسب حتى الارث ، نعم ، لايرث ممّن مات منهما قبل التلقيح.
مسألة 68: لو نقلت بويضة المرأة الملقّحة بحويمن الرجل إلى رحم امرأة أُخرى فنشأ فيها وتولد ففي انتسابه إلى صاحبة البويضة أو إلى صاحبة الرحم اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط فيما يتعلق بذلك من أحكام الامومة والبنوة ، نعم لا يبعد ثبوت المحرمية بينه وبين صاحبة الرحم وان لم يحكم بأنتسابه اليها.
مسألة 69: يجوز تلقيح المرأة صناعياً بمنيّ زوجها ما دام حياً ولا


( 578 )

يجوز ذلك بعد وفاته ـ على الاحوط لزوماً ـ وحكم الولد المولود بهذه الطريقة حكم سائر أولادهما بلا فرق اصلاً إلاّ إذا كان التلقيح بعد وفاة الزوج فانه لا يرث منه في هذه الصورة وان كان منتسباً اليه ، ثم انه لا يجوز ان يكون المباشر لعملية التلقيح الصناعي غير الزوج إذا توقفت على كشف المرأة عورتها للطبيبة ـ مثلاً ـ لتنظر اليها أو لتلمسها من غير حائل ، نعم إذا لم يكن يتيسر لها الحمل بغير ذلك وكان الصبر على عدم الإنجاب حرجياً عليها بحدٍّ لا يُتحمّل عادة جاز لها ذلك.

(21)
أحكام تحديد النسل
مسألة 70: يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، ولا فرق في ذلك بين رضا الزوج به وعدمه ما لم يناف شيئاً من حقوقه الشرعية.
مسألة 71: يجوز للمرأة استعمال اللولب المانع من الحمل ونحوه من الموانع بالشرط المتقدّم ، ولكن إذا توقف وضعه في الرحم على ان يباشر ذلك غير الزوج كالطبيبة وتنظر أو تلمس من دون حائل ما يحرم كشفه لها اختياراً كالعورة لزم الاقتصار في ذلك على مورد الضرورة كما إذا كان الحمل مضراً بالمرأة أو موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمل عادة ولم يكن يتيسر لها المنع منه ببعض طرقه الاخرى أو كانت ضررية أو حرجية عليها كذلك.
هذا إذا لم يثبت لها أنّ استعمال اللولب يستتبع تلف البويضة بعد تخصيبها ، وإلاّ فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه مطلقاً.


( 579 )

مسألة 72: يجوز للمرأة ان تجري عملية جراحية لغلق القناة التناسلية ( النفير ) وان كان يؤدي إلى قطع نسلها بحيث لا تحمل أبداً ، ولكن إذا توقف ذلك على كشف ما يحرم كشفه من بدنها للنظر اليه أو للمسه من غير حائل لم يجز لها الكشف إلا في حال الضرورة حسب ما مرّ في المسألة السابقة ، ولا يجوز للمرأة أن تجري عملية جراحية لقطع الرحم أو نزع المبيضين ونحو ذلك مما يؤدي إلى قطع نسلها ولكن يستلزم ضرراً بليغاً بها إلا إذا اقتضته ضرورة مرضية ، ونظير هذا الكلام كله يجري في الرجل ايضاً.
مسألة 73: لا يجوز إسقاط الحمل وان كان بويضة مخصبة بالحويمن إلا فيما إذا خافت الام الضرر على نفسها من إستمرار وجوده ( وكان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمل عادة فانه يجوز لها عندئذٍ إسقاطه ما لم تلجه الروح ، واما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الاسقاط مطلقاً وإذا اسقطت الام حملها وجبت عليها ديته لابيه أو لغيره من ورثته وان اسقطه الاب فعليه ديته لامّه ، وان اسقطه غيرهما ـ كالطبيبة ـ لزمته الدية لهما وان كان الاسقاط بطلبهما ، ويكفي في دية الحمل بعد ولوج الروح فيه دفع ( خمسة آلاف ومائتين وخمسين ) مثقالاً من الفضة ان كان ذكراً ونصف ذلك ان كان انثى سواء أكان موته بعد خروجه حياً أم في بطن اُمّه ـ على الاحوط لزوماً ـ ويكفي في ديته قبل ولوج الروح فيه دفع مائة وخمسة مثاقيل من الفضة ان كان نطفة ومائتين وعشرة مثاقيل إن كان علقة وثلاثمائة وخمسة عشر مثقالاً ان كان مضغة واربعمائة وعشرين مثقالاً ان كانت قد نبتت له العظام وخمسمائة وخمسة وعشرين مثقالاً ان كان تام الاعضاء والجوارح ، ولا فرق في ذلك بين الذكر والانثى ـ على الاحوط لزوما ـ


( 580 )

مسألة 74: يجوز للمرأة استعمال العقاقير التي تؤجّل الدورة الشهرية عن وقتها لغرض إتمام بعض الواجبات ـ كالصيام ومناسك الحج أو لغير ذلك ـ بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، وإذا استعملت العقار فرأت دماً متقطّعاً لم يكن لها أحكام الحيض وإن رأته في أيّام العادة.

(22)
أحكام الشوارع المفتوحة من قبل الدولة
مسألة 75: يجوز استطراق الشوارع والأرصفة المستحدثة الواقعة على الدور والأملاك الشخصية للناس التي تستملكها الدولة وتجعلها طرقاً.
نعم ، من علم أنّ موضعاً خاصاً منها قد قامت الدولة باستملاكه قهراً على صاحبه من دون إرضائه بتعويض أو ما بحكمه ، جرى عليه حكم الأرض المغصوبة ، فلا يجوز له التصرّف فيه حتى بمثل الاستطراق إلاّ مع استرضاء صاحبه أو وليّه ـ من الأب أو الجدّ أو القيّم المنصوب من قبل أحدهما ـ فإن لم يعلم صاحبه جرى عليه حكم المال المجهول مالكه ، فيراجع بشأنه الحاكم الشرعي ، ومنه يظهر حكم الفضلات الباقية منها ، فإنّه لا يجوز التصرّف فيها إلاّ بإذن أصحابها.
مسألة 76: يجوز العبور والمرور من أراضي المساجد الواقعة في الطرق ، وكذا يجوز الجلوس فيها ونحوه من التصرّفات ، وهكذا الحال في أراضي الحسينيات والمقابر وما يشبههما من الأوقاف العامة ، وأمّا أراضي المدارس وما شاكلها ففي جواز التصرّف فيها بمثل ذلك لغير الموقوف عليهم إشكال ، والاحوط لزوماً التجنب عنه.
مسألة 77: المساجد الواقعة في الشوارع والأرصفة المستحدثة لا


( 581 )

تخرج عرصتها عن الوقفية ، ولكن لا تترتّب عليها الأحكام المترتّبة على عنوان المسجد الدائرة مداره وجوداً وعدماً ، كحرمة تنجيسه ، ووجوب إزالة النجاسة عنه ، وعدم جواز مكث الجنب والحائض والنفساء فيه ، وما شاكل ذلك ، وأمّا الفضلات الباقية منها ، فإن لم تخرج عن عنوان المسجد ترتّبت عليها جميع أحكامه ، وأمّا إذا خرجت عنه ـ كما إذا جعلها الظالم دكّاناً أو محلاً أو داراً ـ فلا تترتّب عليها تلك الأحكام ، ويجوز الانتفاع منها بجميع الانتفاعات المحلّلة الشرعية إلاّ ما يعدّ منها تثبيتاً للغصب ، فإنّه غير جائز.
مسألة 78: الأنقاض الباقية من المساجد بعد هدمها ـ كأحجارها وأخشابها ـ وآلاتها ـ كفرشها ووسائل إنارتها وتبريدها وتدفئتها ـ إذا كانت وقفاً عليها وجب صرفها في مسجد آخر ، فإن لم يمكن ذلك جعلت في المصالح العامة ، وإن لم يمكن الانتفاع بها إلاّ ببيعها باعها المتولّي أو من بحكمه وصرف ثمنها على مسجد آخر ، وأمّا إذا كانت أنقاض المسجد ملكاً طلقاً له ، كما لو كانت قد اشتريت من منافع العين الموقوفة على المسجد ، فلا يجب صرف تلك الأنقاض بأنفسها على مسجد آخر ، بل يجوز للمتولي أو من بحكمه أن يبيعها إذا رأى المصلحة في ذلك ، فيصرف ثمنها على مسجد آخر ، وما ذكرناه من التفصيل يجري أيضاً في أنقاض المدارس والحسينيات ونحوهما من الأوقاف العامة الواقعة في الطرقات.
مسألة 79: مقابر المسلمين الواقعة في الطرق إن كانت من الأملاك الشخصية أو من الأوقاف العامة فقد ظهر حكمها ممّا سبق ، هذا إذا لم يكن العبور والمرور عليها هتكاً لموتى المسلمين وإلاّ فلا يجوز ، وأمّا إذا لم تكن ملكاً ولا وقفاً فلا بأس بالتصرّف فيها ما لم يكن هتكاً ، ومن ذلك يظهر حال الأراضي الباقية منها ، فإنّها في الفرض الاَول لا يجوز التصرّف


( 582 )

فيها وشراؤها إلاّ بإذن مالكها وفي الفرض الثاني لا يجوز ذلك إلاّ باذن المتولّي ومن بحكمه ، فيصرف ثمنها في مقابر أُخرى للمسلمين مع مراعاة الأقرب فالأقرب على الأحوط لزوماً ، وفي الفرض الثالث يجوز ذلك من دون حاجة إلى إذن أحد ، ما لم يستلزم التصرّف في ملك الغير كآثار القبور المهدّمة.

(23)
مسائل في الصلاة والصيام
مسألة 80: لو سافر الصائم في شهر رمضان جوّاً بعد الغروب ـ ولم يفطر في بلده ـ إلى جهة الغرب ، فوصل إلى مكان لم تغرب الشمس فيه بعد ، لم يجب عليه الإمساك إلى الغروب وان كان ذلك أحوط استحباباً.
مسألة 81: لو صلّى المكلّف صلاة الصبح في بلده ، ثم سافر إلى جهة الغرب فوصل إلى بلد لم يطلع فيه الفجر بعد ، ثم طلع ، أو صلّى صلاة الظهر في بلده ، ثم سافر جوّاً فوصل إلى بلد لم تزل الشمس فيه بعد ، ثم زالت أو صلّى صلاة المغرب فيه ، ثم سافر فوصل إلى بلد لم تغرب الشمس فيه ، ثم غربت لم تجب عليه اعادة الصلاة في شيء من هذه الفروض وان كانت الاعادة احوط استحباباً.
مسألة 82: لو خرج وقت الصلاة في بلده ـ كأن طلعت الشمس أو غربت ولم يصلِّ الصبح أو الظهرين ـ ثم سافر جوّاً فوصَلَ إلى بلد لمتطلع الشمس فيه أو لم تغرب بعد فالأحوط لزوماً أن يؤدي الصلاة بقصد ما في الذمّة ولا ينوي خصوص الاداء أو القضاء.
مسألة 83: إذا سافر جوّاً بالطائرة وأراد الصلاة فيها ، فإن تمكّن من


( 583 )

الإتيان بها إلى القبلة واجداً لشرطي الاستقبال والاستقرار ولغيرهما من الشروط صحّت ، وإلاّ لم تصحّ ـ على الأحوط لزوماً ـ إذا كان في سعة الوقت ، بحيث يتمكّن من الإتيان بها واجدة للشروط بعد النزول من الطائرة ، وأمّا إذا ضاق الوقت ، وجب عليه الإتيان بها فيها ، وعندئذٍ إن علم بكون القبلة في جهة خاصّة صلّى إليها ، ولا تصحّ صلاته لو أخلّ بالاستقبال إلاّ مع الضرورة ، وحينئذٍ ينحرف إلى القبلة كلّما انحرفت الطائرة ويسكت عن القراءة والذكر في حال الانحراف ، وإن لم يتمكن من استقبال عين القبلة فعليه مراعاة أن تكون بين اليمين واليسار ، وإن لم يعلم بالجهة التي توجد فيها القبلة بذل جهده في معرفتها ويعمل على ما يحصل له من الظنّ ، ومع تعذّره يكتفي بالصلاة إلى أيّ جهة يحتمل وجود القبلة فيها ، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان بها إلى أربع جهات ، هذا فيما إذا تمكّن من الاستقبال ، وإن لم يتمكن منه إلاّ في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه ، وإن لم يتمكّن منه أصلاً سقط ، ثم انه يجوز ركوب الطائرة ونحوها اختياراً قبل دخول الوقت وإن علم أنّه يضطر إلى أداء الصلاة فيها فاقداً لشرطي الاستقبال والاستقرار.
مسألة 84: لو ركب طائرة سرعتها سرعة حركة الأرض ، وكانت متّجهة من الشرق إلى الغرب ، ودارت حول الأرض مدّة من الزمن ، فالأحوط الإتيان بالصلوات الخمس بنيّة القربة المطلقة في كلّ أربع وعشرين ساعة ، وأمّا الصيام فيجب عليه قضاؤه.
وأمّا إذا كانت سرعتها ضعف سرعة الصوت ـ حيث تتمّ الدورة عندئذٍ في كلّ اثنتي عشرة ساعة ـ فالأحوط لزوماً ان يأتي بصلاة الصبح عند كلّ فجر ، وبالظهرين عند كلّ زوال ، وبالعشاءين عند كلّ غروب.


( 584 )

ولو دارت الطائرة حول الأرض بسرعة فائقة بحيث تتمّ كلّ دورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقلّ ، فالظاهر عدم وجوب الصلاة عليه عند كلّ فجر وزوال وغروب ، والأحوط لزوماً ان يأتي بها في كلّ أربع وعشرين ساعة بنيّة القربة المطلقة ، مراعياً وقوع صلاة الصبح بين طلوعين ، والظهرين بين زوال وغروب بعدها ، والعشاءين بين غروب ونصف ليل بعد ذلك.
ومن هنا يظهر حال ما إذا كانت حركة الطائرة من الغرب إلى الشرق ، وكانت سرعتها مساوية لسرعة حركة الأرض ، فأنه يجب عليه الإتيان بالصلوات فى أوقاتها ، وكذا الحال فيما إذا كانت سرعتها أقلّ من سرعة الأرض ، وأمّا إذا كانت سرعتها أكثر من سرعة الأرض بكثير ، بحيث تتمّ الدورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقلّ ، فيظهر حكمه ممّا تقدم.
مسألة 85: من كانت وظيفته الصيام في السفر ، وطلع عليه الفجر في بلده ، ثم سافر جوّاً ناوياً للصوم ، ووصل إلى بلد آخر لم يطلع الفجر فيه بعد ، جاز له الأكل والشرب ونحوهما من سائر المفطّرات إلى حين طلوع الفجر في البلد الثاني.
مسألة 86: من سافر في شهر رمضان من بلده بعد الزوال ووصل إلى بلد لم تزل فيه الشمس بعد فالاحوط لزوماً ان يتم صيام ذلك اليوم ولا يجب عليه قضاؤه حينئذ.
مسألة 87: من كان وظيفته الصيام في السفر ، إذا سافر من بلده الذي رؤي فيه هلال رمضان إلى بلد لم يُرَ فيه الهلال بعد ، لاختلافهما في الاُفق ، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم ، ولو عيّد في بلد رؤي فيه هلال شوّال ، ثم سافر إلى بلد لم يُرَ فيه الهلال ، لاختلاف أفقهما ، فالأحوط لزوماً له الإمساك بقيّة ذلك اليوم وقضاؤه.


( 585 )

مسألة 88: إذا فرض كون المكلّف في مكان نهاره ستة أشهر وليله ستّة أشهر مثلاً ، فالأحوط لزوماً له في الصلاة ملاحظة أقرب الأماكن التي لها ليل ونهار في كلّ اربع وعشرين ساعة ، فيصلّي الخمس على حسب أوقاتها بنيّة القربة المطلقة ، وأمّا في الصوم فيجب عليه الانتقال إلى بلد يتمكّن فيه من الصيام إمّا في شهر رمضان أو من بعده ، وإن لم يتمكّن من ذلك فعليه الفدية بدل الصوم.
وأمّا إذا كان في بلد له في كلّ اربع وعشرين ساعة ليل ونهار ـ وإن كان نهاره ثلاث وعشرين ساعة وليله ساعة أو العكس ـ فحكم الصلاة يدور مدار الأوقات الخاصة فيه ، وأمّا صوم شهر رمضان فيجب عليه أداؤه مع التمكّن منه ويسقط مع عدم التمكّن ، فإن تمكّن من قضائه وجب ، وإلاّ فعليه الفدية بدله.

(24)
أوراق اليانصيب
وهي أوراق توزّعها بعض الشركات وتأخذ بإزائها مبالغ معيّنة من المال ، وتتعهّد الشركة بأن تقرع بين أصحاب البطاقات ، فمن أصابته القرعة تدفع له مبلغاً بعنوان الجائزة ، وهذه العملية يمكن أن تقع على وجوه:
الأول : أن يكون إعطاء المال عند تسلّم البطاقة بازاء الجائزة المحتمل حصوله عليها أي على تقدير اصابة القرعة باسمه ، وهذه المعاملة محرّمة وباطلة بلا إشكال ، فلو ارتكب المحرّم وأصابت القرعة باسمه ، فإن كانت الشركة حكومية فالمبلغ المأخوذ منها مجهول المالك ، وجواز


( 586 )

التصرّف فيه متوقّف على الاستئذان الحاكم الشرعي لإصلاحه ، وإن كانت الشركة أهلية جاز التصرّف فيه مع إحراز رضا أصحابه بذلك حتى مع علمهم بفساد المعاملة.
الثاني : أن يكون إعطاء المال مجّاناً وبقصد الاشتراك في مشروع خيري ، كبناء مدرسة أو جسر أو نحو ذلك ، لا بقصد الحصول على الربح والجائزة ، وهذا لا بأس به.
ثم إنّه إذا أصابت القرعة باسمه يجوز له أخذ الجائزة والتصرف فيها مع الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي إذا كانت الشركة حكومية في بلد اسلامي ، وإلاّ فلا حاجة إلى إذنه.
الثالث : أن يكون دفع المال بعنوان إقراض الشركة ، بحيث تضمن له عوضه ، ويكون له أخذه بعد ستة أشهر مثلاً ، ولكن الدفع المذكور مشروط بأخذ بطاقة اليانصيب على أن تدفع الشركة له جائزة عند إصابة القرعة باسمه ، وهذه المعاملة محرّمة ، لأنها من القرض الربوي.

والحمد لله رب العالمين