المصارف و البنوك على ثلاثة أصناف :
( 1) الأهلي : و هو ما يتكون رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشتركين .
( 2 ) الحكومي : و هو الذي يكون رأس ماله مكوناً من أموال الدولة .
( 3 ) المشترك : و هو الذي تشترك الدولة و الأهالي في تكوين رأس ماله .
مسألة 1 : لا يجوز الاقتراض من البنوك الأهلية بشرط دفع الزيادة لأنه ربا محرم ، و لو اقترض كذلك صح القرض و بطل الشرط ، و يحرم دفع الزيادة و أخذها وفاءً للشرط .
وقد ذكر للتخلص من الربا طرق :
( 430 )
منها : أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10 % أو 20 % مثلاً بشرط أن يقرضه مبلغاً معيناً من النقد لمدة معلومة يتفقان عليها ، أو يبيعه متاعاً بأقل من قيمته السوقية ، و يشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيناً لمدة معلومة فيقال : أنه يجوز الاقتراض عندئذ و لا ربا فيه .
و لكنه لا يخلو عن إشكال ، و الأحوط لزوماً الاجتناب عنه ، و مثله الحال في الهبة و الإجارة و الصلح بشرط القرض .
و في حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الإمهال في أداء الدين شرطاً فيها .
و منها : تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيناً كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة و عشرين دينار ـ نسيئة لمدة شهرين مثلاً . و لكن هذا و إن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير أن صحته بيعاً محل إشكال .
نعم لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً ، و يجعل الثمن المؤجل عملة أخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد المائة و العشرون على المائة ، و في نهاية المدة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقررة أو ما يساويها من الدنانير ، ليكون من الوفاء بغير الجنس .
و منها : أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة و عشرين ديناراً نسيئة لمدة شهرين مثلاً ، ثم يشتريها من المشتري نقدا بما ينقص عنها كمائة دينار . و هذا أيضاً لا يصح إذا اشترط في البيع الأول قيام البنك بشراء البضاعة نقدا بالأقل من ثمنه نسيئة و لو بإيقاع العقد مبنياً على ذلك ، و أما مع خلوه عن الشرط فلا بأس به .
( 431 )
و يلاحظ أن هذه الطرق و نحوها ـ لو صحت ـ لا تحقق للبنك غرضاً أساسياً و هو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخر عن أداء دينه عند نهاية الأجل و ازدياده كلما زاد التأخير ، فإن أخذ الفائدة بأزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرم و لو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً .
مسألة 2 : لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة ، لأنه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه ، و لو اقترض كذلك بطل القرض و الشرط معاً ، لأن البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملكه للمقترض .
و للتخلص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض ، و الأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي ، ثم يتصرف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، و لا يضره العلم بأن البنك ، سوف يستوفي منه أصل المال و الزيادة قهراً ، فلو طالبه البنك جاز له الدفع حيث لا يسعه التخلف عن ذلك .
مسألة 3 : يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة ، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة ، لا بمعنى أن يبني في نفسه على أن البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبها منه ، فإن البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر .
مسألة 4 : لا يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع شرط الزيادة ، و لو فعل ذلك صح الإيداع و بطل الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه ، و لكن يجوز له التصرف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط و عدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ كما هو الغالب ـ .
( 432 )
مسألة 5 : لا يجوز الإيداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى إقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة ، فإنه ربا ، بل إعطاء المال إليها و لو من دون شرط الزيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً ، لأن ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك ، بل من المال المجهول مالكه ، و على ذلك يشكل إيداع الأرباح و الفوائد التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها ، لأنه مأذون في صرفه في مؤونته و ليس مأذوناً في إتلافه ، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه .
مسألة 6 : لا فرق في الإيداع ـ فيما تقدم ـ بين الإيداع الثابت الذي له أمد خاص ـ بمعنى أن البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ـ و بين الإيداع المتحرك ـ المسمى بالحساب الجاري ـ الذي يكون البنك ملزما بوضع المال تحت الطلب .
مسألة 7 : تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدم من الأحكام ، لأن الأموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرف فيها من دون مراجعة الحاكم الشرعي .
مسألة 8 : ما تقدم كان حكم الإيداع و الاقتراض من البنوك الأهلية و الحكومية في الدول الإسلامية ، و أما البنوك التي يقوم غير محترمي المال من الكفار بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ فيجوز الإيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة ، لجواز أخذ الربا منهم على الأظهر .
و أما الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام ، و يمكن التخلص منه بقبض المال من البنك لا بقصد الاقتراض بل استنقاذاً ، فيجوز له التصرف فيه بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي .
إذا تخلف صاحب البضاعة عن تسلمها و دفع المبالغ المستحقة للبنك ـ بعد إعلان البنك و إنذاره بذلك ـ يقوم البنك ببيع البضاعة لاستيفاء حقه من ثمنها .
مسألة 12 : يجوز للبنك في الحالة المذكورة أن يقوم ببيع البضاعة ، كما يجوز للآخرين شراؤها ، لأن البنك وكيل من قبل أصحاب البضاعة في بيعها عند تخلفهم عن دفع ما عليهم من بقية المبالغ المستحقة له و تسلم البضاعة ، و ذلك بمقتضى الشرط الصريح أو الارتكازي الموجود في أمثال هذه الموارد ، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً .
إذا تعهد شخص أو أشخاص مشتركون لجهة حكومية أو غيرها بإنجاز مشروع ، كتأسيس مدرسة أو مستشفى أو جسر أو نحوها ، فتم الاتفاق بينهما على ذلك ، فإن المتعهد له قد يشترط على المتعهد دفع مبالغ من المال في حالة عدم إنجاز المشروع و إتمامه في الوقت المقرر عوضا عن الخسائر التي قد تصيبه ، و لكي يطمئن المتعهد له بذلك يطالب المتعهد بكفيل على هذا ، و في هذه الحالة يرجع المتعهد و المقاول إلى البنك ليصدر له مستند ضمان يتكفل فيه للمتعهد له بأداء مبالغ التعويض إذا امتنع المقاول المتعهد عن دفعها بعد تخلفه عن القيام
( 437 )
بإنجاز المشروع في الموعد المقرر .
مسألة 13 : تعهد البنك للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ المطلوبة على تقدير امتناع المقاول عن أدائها نحو من الكفالة المالية في مقابل الكفالة المصطلحة ـ في أبواب المعاملات ـ التي هي عبارة عن التعهد لشخص بإحضار شخص آخر له حق عليه عند طلبه .
و تفترق الكفالة المالية عن الضمان في أن الضامن تشتغل ذمته للمضمون له بنفس الدين المضمون ، فلو مات قبل وفائه أخرج من تركته مقدماً على الإرث ، و أما الكفيل المالي فلا تشتغل ذمته للمكفول له بنفس المال ، بل بأدائه إليه ، فلو مات قبل ذلك لم يخرج من تركته شيء إلا بوصية منه .
و يصح عقد الكفالة بإيجاب من الكفيل بكل ما يدل على تعهده و التزامه ، من قول أو كتابة أو فعل ، و بقبول من المكفول له بكل ما يدل على رضاه بذلك .
مسألة 14 : يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معينة من المقاول المتعهد لإنجاز المشروع إزاء كفالته و تعهده ، و يمكن تخريج ذلك من باب الجعالة بأن يعين المقاول العمولة المطلوبة جعلاً للبنك على قيامه بعمل الكفالة فيحل له أخذها حينئذ .
مسألة 15 : إذا تخلف المقاول عن إنجاز المشروع في المدة المقررة ، و امتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلى المتعهد له ( صاحب المشروع ) فقام البنك بدفعها إليه ، فهل يحق للبنك الرجوع بها على المقاول أم لا ؟
الظاهر أنه يحق له ذلك ، لأن تعهد البنك و كفالته كان بطلب من المقاول ، فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهده ، فيحق له أن يرجع إليه و يطالبه به .
قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم التي تمتلكها ، و يقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها و تصريفها إزاء عمولة معينة بعد الاتفاق بينه و بين الشركة .
مسألة 16 : تجوز هذه المعاملة مع البنك ، فإنها ـ في الحقيقة ـ لا تخلو من دخولها أما في الإجارة بمعنى أن الشركة تستأجر البنك للقيام بهذا الدور إزاء أجرة معينة ، و أما في الجعالة على ذلك ، و على كلا التقديرين فالمعاملة صحيحة و يستحق البنك الأجرة إزاء قيامه بالعمل المذكور .
مسألة 17 : يصح بيع هذه الأسهم و شراؤها .
نعم إذا كانت معاملات الشركة المساهمة محرمة ـ كما لو كانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا ـ لم يجز شراء أسهمها و الاشتراك في تلك المعاملات .
السندات : صكوك تصدرها جهات مخولة قانونياً بقيمة إسمية معينة مؤجلة إلى مدة معلومة ، و تبيعها بالأقل منها ، مثلا يبيع السند الذي قيمته الاسمية مائة دينار بخمسة و تسعين ديناراً نقداً على أن يؤدي المائة بعد سنة مثلاً ، و قد تتولى البنوك عملية البيع ، و تأخذ على ذلك عمولة معينة .
مسألة 18 : هذه المعاملة يمكن أن تقع على نحوين :
( 439 )
1 ـ أن تقترض الجهة التي تصدر السند ممن يشتريه مبلغ خمسة و تسعين دينارا ـ في المثال المذكور ـ و تدفع إليه مائة دينار في نهاية المدة المحددة وفاء لدينه مع اعتبار الخمسة دنانير الزائدة على القرض ، و هذا رباً محرم .
2 ـ أن تبيع الجهة التي تصدر السند مائة دينار مؤجلة الدفع إلى سنة مثلاً بخمسة و تسعين ديناراً نقداً .
و هذا و إن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، و لكن صحته بيعاً محل إشكال كما سبق .
فالنتيجة أنه لا يمكن تصحيح بيع السندات المذكورة التي تتعامل بها الجهات الرسمية و غيرها .
مسألة 19 : لا يجوز للبنوك التوسط في بيع السندات و شرائها ، كما لا يجوز لها أخذ العمولة على ذلك .
مسألة 20 : الحوالة في المصطلح الفقهي تقتضي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، و لكنها ـ هنا ـ تستعمل في الأعم من ذلك ، و فيما يلي نماذج للحوالات المصرفية :
الأول : أن يصدر البنك صكاً لعميله بتسلم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في البنك ، و عندئذ يأخذ البنك منه عمولة معينة إزاء قيامه بهذا الدور ، و الظاهر جواز أخذه هذه العمولة ، لأن للبنك حق الامتناع عن قبول وفاء دينه في غير مكان القرض فيجوز له أخذ
( 440 )
عمولة إزاء تنازله عن هذا الحق و قبول وفاء دينه في ذلك المكان .
الثاني : أن يصدر البنك صكاً لشخص يحق له بموجبه أن يتسلم مبلغاً معيناً من بنك آخر في الداخل أو الخارج بعنوان الاقتراض منه ، نظراً لعدم وجود رصيد مالي للشخص عنده ، و يأخذ البنك عمولة معينة إزاء قيامه بهذا العمل . و الظاهر أنه يجوز للبنك أخذ العمولة على إصداره صكاً من هذا القبيل إذا كان مرده إلى أخذ الجعل على توكيل البنك الثاني في إقراض حامل الصك المبلغ المذكور فيه من أموال البنك الأول الموجودة لديه ، فليس هو من قبيل أخذ الجعل على الإقراض نفسه ليكون حراماً ، بل من قبيل أخذ الجعل على التوكيل في الإقراض فلا يكون الإلزام بدفع الجعل مرتبطاً بعملية الإقراض نفسها ، بل بالتوكيل فيها ، فلا يكون به بأس حينئذ .
ثم أن المبلغ المذكور في الصك إذا كان من العملة الأجنبية فيحدث للبنك حق ، و هو أن المدين حيث اشتغلت ذمته بالعملة المذكورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة ، فلو تنازل عن حقه هذا و قبل الوفاء بالعملة المحلية جاز له أخذ شيء منه إزاء هذا التنازل ، كما أن له تبديلها بالعملة المحلية مع تلك الزيادة .
الثالث : أن يدفع الشخص مبلغاً معيناً من المال إلى البنك في النجف الأشرف ـ مثلاً ـ و يأخذ تحويلاً بالمبلغ أو بما يعادله على بنك آخر في الداخل كبغداد،ـ أو الخارج كلبنان أو دمشق مثلاً ، و يأخذ البنك إزاء قيامه بعملية التحويل عمولة معينة منه .
و هذا يمكن أن يقع على نحوين :
أ ـ أن يبيع الشخص مبلغاً معيناً من العملة المحلية على البنك بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة عمولة التحويل إليه . و هذا لا بأس به كما سبق نظيره .
ب ـ أن يقوم الشخص بإقراض البنك مبلغاً معيناً و يشترط عليه تحويله
( 441 )
إلى بنك آخر في الداخل أو الخارج مع عمولة معينة بإزاء عملية التحويل . و هذا لا بأس به أيضاً ، لأن التحويل و إن كان عملاً محترماً له مالية عند العقلاء ، فيكون اشتراط القيام به على المقترض من قبيل اشتراط النفع الملحوظ فيه المال المحرم شرعاً ، إلا أن المستفاد من النصوص الخاصة الدالة على جواز اشتراط المقرض على المقترض قيامه بأداء القرض في مكان آخر ، جواز اشتراط التحويل أيضا ، فإذا كان يجوز اشتراطه مجاناً و بلا مقابل ، فيجوز اشتراطه بإزاء عمولة معينة بطريق أولى .
الرابع : أن يقبض الشخص مبلغاً معيناً من البنك في النجف الأشرف مثلاً ، و يحول البنك لاستيفاء بدله على بنك آخر في الداخل أو الخارج ، و يأخذ البنك الأول إزاء قبوله الحوالة عمولة معينة منه .
و هذا يقع على نحوين :
أ ـ أن يبيع البنك على الشخص مبلغاً من العملة المحلية بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة عمولة التحويل إليه ، فيحوله المشتري إلى البنك الثاني لاستلام الثمن .
و هذا جائز كما سبق .
ب ـ أن يقرضه البنك مبلغاً معيناً ، و يشترط عليه دفع عمولة معينة إزاء قبوله بنقل القرض إلى ذمة أخرى و تسديده في بلد آخر ، و هذا رباً ، لأنه من قبيل اشتراط دفع الزيادة في القرض و إن كانت بإزاء عملية التحويل .
نعم، إذا وقع هذا من غير شرط مسبق بأن اقترض المبلغ من البنك أولاً ، ثم طلب منه تحويل قرضه إلى بنك آخر لاستيفائه منه ، فطلب البنك عمولة على قبوله ذلك جاز ، لأن من حق البنك الامتناع عن قبول ما ألزمه به المقترض من نقل القرض إلى ذمة أخرى و تسديده في بلد غير بلد القرض . و ليس هذا من قبيل ما يأخذه المقرض بإزاء إبقاء القرض و الإمهال فيه ليكون رباً ، بل هو مما يأخذه لكي يقبل بانتقال قرضه إلى ذمة أخرى و تسديده في
( 442 )
مكان آخر ، فلا بأس به حينئذ .
مسألة 21 : قد تنحل الحوالة إلى حوالتين ، كما إذا أحال المدين دائنه على البنك بإصدار صك لأمره ، و قام البنك بتحويل مبلغ الصك على فرع له في بلد الدائن ، أو على بنك آخر فيه يتسلمه الدائن هناك ، فإن مرد ذلك إلى حوالتين :
إحداهما : حوالة المدين دائنه على البنك ، و بذلك يصبح البنك مديناً لدائنه .
ثانيتهما : حوالة البنك دائنه على فرع له في بلد الدائن أو على بنك آخر فيه .
ودور البنك في الحوالة الأولى قبول الحوالة ، و في الثانية إصدارها ، و كلتا الحوالتين صحيحة شرعاً، و لكن إذا كانت حوالة البنك على فرع له يمثل نفس ذمته ، لا تكون هذه حوالة بالمصطلح الفقهي ، إذ ليس فيها نقل الدين من ذمة إلى أخرى ، و إنما مرجعها إلى طلب البنك من وكيله في مكان آخر وفاء دينه في ذلك المكان .
و على أي حال ، فيجوز للبنك أن يتقاضى عمولة على قيامه بما ذكر ، حتى بإزاء قبوله حوالة من له رصيد في البنك دائنه عليه ، لأنها من قبيل الحوالة على المدين . و المختار : عدم نفوذها من دون قبول المحال عليه ، فله أخذ العمولة على ذلك .
مسألة 22 : ما تقدم من أقسام الحوالة و تخريجها الفقهي يجري بعينه في الحوالة على الأشخاص ، كي يدفع مبلغاً من المال لشخص ليحوله بنفس المبلغ أو بما يعادله على شخص آخر في بلده أو بلد آخر ، و يأخذ بإزاء ذلك عمولة معينة ، أو يأخذ من شخص و يحوله على شخص آخر و يأخذ المحول منه إزاء
( 443 )
ذلك عمولة معينة .
مسألة 23 : لا فرق فيما تقدم بين أن تكون الحوالة على المدين أو على البريء، و الأول كما إذا كان للمحال عليه رصيد مالي ، و الثاني ما لم يكن كذلك .
قد يقوم البنك بعملية القرعة بين عملائه، ويعطي لمن تصيبه القرعة مبلغا من المال بعنوان الجائزة ترغيباً للإيداع فيه .
مسألة 24 : هل يجوز للبنك القيام بهذه العملية ؟ فيه تفصيل :
فإنه إن كان قيامه بها لا باشتراط عملائه عند إيداعهم لأموالهم في البنك ، بل بقصد تشويقهم و ترغيبهم على تكثير رصيدهم لديه، وترغيب الآخرين على فتح الحساب عنده جاز ذلك ، كما يجوز عندئذ لمن أصابته القرعة أن يقبض الجائزة ـ مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ـ بعنوان مجهول المالك إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً ، ثم يتصرف فيها بعد مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحها ، و إذا كان أهليا جاز قبض الجائزة و التصرف فيها بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي .
وأما إذا كان قيام البنك بعملية القرعة و دفع الجائزة بعنوان الوفاء بالشرط الذي اشترطه عليه عملاؤه في ضمن عقد القرض أو نحوه ، فلا يجوز ذلك ، كما لا يجوز لمن أصابته القرعة أخذها بعنوان الوفاء بذلك الشرط ، و يجوز بدونه .