كتاب التجارة

( 6 )

( 7 )

وفيه مقاصد و فصول:

مـُـقـدّمـة
التجارة في الجملة من المستحبات الأكيدة في نفسها ، و قد تستحب لغيرها ، و قد تجب ـ كذلك ـ إذا كانت مقدمة لواجب أو مستحب ، و قد تكره لنفسها أو لغيرها ، و قد تحرم كذلك ، و المحرم منها أصناف ، و هنا مسائل :
مسألة 1 : لا يجوز التكسب بالخمر و باقي المسكرات المائعة ، و الخنزير ، و الكلب غير الصيود ، و كذا الميتة النجسة على الأحوط ، و لا فرق بين أنواع التكسب من البيع و الشراء و جعلها ثمنا في البيع و أجرة في الإجارة و عوضا عن العمل في الجعالة و غير ذلك من أنحاء المعاوضة عليها ، و في حكم ذلك جعلها مهرا في النكاح و عوضا في الطلاق الخلعي ، بل و كذا هبتها و الصلح عليها بلا عوض على الأظهر . نعم ما يكون منها ذو منفعة محللة مقصودة عند العقلاء فلا بأس بإعارته و إجارته لمنافعه المحللة ككلب الماشية و الزرع و البستان و الدور و كشف الجرائم و نحو ذلك .
و أما سائر الأعيان النجسة غير ما ذكر فالظاهر جواز بيعها إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها كبيع العذرة للتسميد و الدم للتزريق و نحو ذلك ، و كذلك تجوز هبتها و المعاوضة عليها بسائر أنحاء المعاوضات .
مسألة 2 : الأعيان المتقدمة التي مر أنه لا يجوز بيعها و لا سائر أنحاء المعاوضة عليها لا يبعد ثبوت حق الاختصاص لصاحبها فيها ، فلو صار خله
( 8 )
خمرا أو ماتت دابته أو استولى على كلب غير كلب الصيد لا يجوز أخذ شيء من ذلك قهرا عليه ، و كذا الحكم في سائر الموارد ، و يجوز له أن يأخذ مبلغا من المال ليرفع يده عنه و يخلي بينه و بين الباذل فيصير هو صاحب الحق باستيلائه عليه ، كما يجوز له نقل حقه إلى غيره بلا عوض كالصلح مجانا ، و أما نقله مع العوض فلا يخلو عن إشكال .
مسألة 3 : الظاهر أن الميتة الطاهرة ـ كالسمك الطافي ـ يجوز بيعها و المعاوضة عليها ، فيما إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف بحيث يصح عندهم بذل المال بإزائها ، و إن كان الأولى رعاية الاحتياط بالاجتناب عن بيعها و بذل المال بإزاء رفع اليد عنها لا بإزاء العين نفسها كما مر في الميتة النجسة .
مسألة 4 : يجوز بيع ما لا تحله الحياة من أجزاء الميتة النجسة إذا كانت له منفعة محللة معتد بها كشعرها و صوفها و نحوهما .
مسألة 5 : يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المحرمة مثل التسميد بالعذرات ، و الإشعال بها ، و الطلي بدهن الميتة النجسة ، و الصبغ بالدم ، و غير ذلك .
مسألة 6 : يجوز بيع الأرواث الطاهرة إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها ـ كما هي كذلك اليوم ـ و كذلك الأبوال الطاهرة .
مسألة 7 : يجوز بيع المتنجس القابل للتطهير كالفراش و كذا غير القابل له مع عدم توقف منافعه المتعارفة السائغة على الطهارة ـ كبعض الأدهان و الصابون المتنجس ـ بل حتى مع توقفها عليها كالدبس و العسل و الدهن المعد للأكل و السكنجبين فيما إذا كانت لها منفعة محللة معتد بها عند العرف ، و لو لم تكن لها منفعة محللة لا يجوز بيعها و لا المعاوضة عليها على الأحوط وجوبا ، و الظاهر بقاؤها على ملكية مالكها ، و يجوز أخذ شيء
( 9 )
بإزاء رفع اليد عنها .
مسألة 8 : يجب على البائع إعلام المشتري بنجاسة المتنجس فيما إذا كان مع عدم الإعلام في معرض مخالفة تكليف إلزامي تحريمي ـ كاستعماله في الأكل أو الشرب ـ أو وجوبي ـ كاستعمال الماء المتنجس في الوضوء أو الغسل و إتيان الفريضة بهما ـ هذا مع احتمال تأثير الإعلام في حقه بأن لم يحرز كونه غير مبال بالدين مثلا و إلا لم يجب الإعلام .
مسألة 9 : لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام بأن يكون بماله من الصورة الصناعية ـ التي بها قوام ماليته عند العرف و لأجلها يقتنيه الناس غالبا ـ لا يناسب أن يستعمل إلا في عمل محرم ، و له أنواع ( منها ) الأصنام و شعائر الكفر كالصلبان و ( منها ) آلات القمار كالنرد و الشطرنج و ( منها ) آلات اللهو المحرم ، إلى غير ذلك من الأنواع التي سيأتي ذكر بعضها الآخر إن شاء الله تعالى .
مسألة 10 : الآلات المخترعة لالتقاط الأصوات و الصور أو تسجيلها أو إذاعتها و نشرها هي ـ في الغالب ـ من الآلات المشتركة بين الحلال والحرام ، فيجوز بيعها والعاوضة عليها واقتناؤها واستعمالها في منافعها المحللة ، كإسماع القرآن المجيد و استماعه و نشر الأحكام الشرعية و المواعظ الدينية و التعزية و الأخبار و تعليم العلوم و الصنائع المحللة و التعريف بالأمتعة و البضائع التجارية و مشاهدة عجائب الخلقة و نحو ذلك ، و يحرم استعمالها في الأمور المحرمة كالأمر بالمنكر و النهي عن المعروف و نشر الأفكار الهدامة و الصور الخلاعية المثيرة للشهوات الشيطانية و كل ما يوجب الانحطاط الفكري و الخلقي للمسلمين و إذا صار بعض ما ذكر من الآلات مصداقا لآلة الحرام بالمعنى المتقدم فلا إشكال في عدم جواز بيعه و المعاوضة عليه .
مسألة 11 : كما يحرم بيع آلة الحرام يحرم عملها ، و أخذ الأجرة عليها ، بل يجب إعدامها و لو بتغيير هيئتها فيما إذا توقف على ذلك النهي
( 10 )
عن المنكر المترتب عليه و إلا لم يجب و إن كان أحوط ، و يجوز بيع مادتها من الخشب و النحاس و الحديد بعد تغيير هيئتها بل قبله ، لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلا مع الوثوق بأن المشتري يغيرها ، أما مع عدم الوثوق بذلك فالظاهر جواز البيع و إن أثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام ، أما إذا كانت لها فائدة محللة و لو قليلة لم يجب تغييرها .
مسألة 12 : تحرم و لا تصح المعاملة بالنقود الساقطة عن الاعتبار أو المدلسة التي يغش بها الناس ، فلا يجوز جعلها عوضا أو معوضا عنها في المعاملة مع جهل من تدفع إليه ، أما مع علمه ففيه إشكال ، و الأظهر الجواز ، بل الظاهر جواز دفع الظالم بها من دون إعلامه بأنها مغشوشة ، و في وجوب إزالة صورتها إشكال ، و الأظهر عدمه .
مسألة 13 : يجوز بيع السباع ، كالهر و الأسد و الذئب و نحوها إذا كانت لها منفعة محللة و كذا يجوز بيع الحشرات و غيرها مما يحرم أكله ـ إلا الكلب و الخنزير ـ فيما إذا كانت كذلك كالعلق الذي يمص الدم و دود القز و نحل العسل و الفيل ، أما إذا لم تكن لها منفعة محللة فلا يصح بيعها على الأحوط .
مسألة 14 : المراد بالمنفعة المحللة في المسألة السابقة هي الفائدة المحللة التي بلحاظها تكون للشيء قيمة سوقية معتد بها و أن اختص العلم بوجودها ببعض أصحاب الاختصاص ، سواء أ كانت مرغوبا فيها لعامة الناس أم لصنف خاص منهم ، في مطلق الحالات أم في الحالات الطارئة . كما في الأدوية و العقاقير المحتاج إليها للتداوي .
مسألة 15 : المشهور المنع عن بيع أواني الذهب و الفضة للتزيين أو لمجرد الاقتناء ، و الأقوى الجواز ، و إنما يحرم استعمالها في الأكل و الشرب بل و في غيرهما أيضا على الأحوط كما مر .
مسألة 16 : لا يصح على الأحوط بيع المصحف الشريف على الكافر
( 11 )
و يحرم تمكينه منه فيما إذا كان في معرض الإهانة و الهتك و أما إذا كان تمكينه لإرشاده و هدايته مثلا فلا بأس به ، و الأحوط استحبابا الاجتناب عن بيعه على المسلم فإذا أريدت المعاوضة عليه فلتجعل المعاوضة على الغلاف و نحوه ، أو تكون المعاوضة بنحو الهبة المشروطة بعوض ، و أما الكتب المشتملة على الآيات و الأدعية و أسماء الله تعالى فالظاهر جواز بيعها على الكافر فضلا عن المسلم ، و كذا كتب أحاديث المعصومين ( عليهم السلام ) كما يجوز تمكينه منها .
مسألة 17 : يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمرا ، أو الخشب ـ مثلا ـ ليعمل صنما ، أو آلة لهو ، أو نحو ذلك سواء أ كان تواطؤهما على ذلك في ضمن العقد أم في خارجه مع وقوع العقد مبنياً عليه ، و إذا باع و اشترط الحرام صح البيع و فسد الشرط ، و كذا تحرم و لا تصح إجارة المساكن لتباع فيها الخمر ، أو تحرز فيها ، أو يعمل فيها شيء من المحرمات ، و كذا تحرم و لا تصح إجارة السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر ، و الأجرة في ذلك محرمة و أما بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا ، أو إجارة المسكن ممن يعلم أنه يحرز فيه الخمر ، أو يعمل به شيئا من المحرمات من دون تواطؤهما على ذلك في عقد البيع أو الإجارة أو قبله ، فقيل أنه حرام و هو الأحوط و لكن الأظهر الجواز ، نعم لا يجوز بيع الخشب و نحوه لمن يصنع منه شعائر الكفر كالصلبان و الأصنام و لو من غير تواطؤ على ذلك على الأظهر .
مسألة 18 : التصوير على ثلاثة أقسام :
الأول : تصوير ذوات الأرواح من الإنسان و الحيوان و غيرهما تصويرا مجسما كالتماثيل المعمولة من الخشب و الشمع و الحجر و الفلزات ، و هذا محرم مطلقا على الأحوط . سواء كان التصوير تاما أو ما بحكمه كتصوير الشخص جالسا أو واضعا يديه خلفه أم كان ناقصا ، من غير فرق بين أن يكون النقص لفقد ما هو دخيل في الحياة كتصوير شخص مقطوع الرأس أو
( 12 )
لفقد ما ليس دخيلا فيها كتصوير شخص مقطوع الرجل أو اليد ، و أما تصوير بعض بدن ذي الروح كرأسه أو رجله و نحوهما مما لا يعد تصويرا ناقصا لذي الروح فلا بأس به كما لا بأس باقتناء الصور المجسمة و بيعها و شرائها و إن كان يكره ذلك .
الثاني : تصوير ذوات الأرواح من غير تجسيم سواء كان بالرسم أم بالحفر أم بغيرهما ، و هذا جائز على الأظهر ، و منه التصوير الفوتغرافي و التلفزيوني المتعارف في عصرنا .
الثالث : تصوير غير ذوات الأرواح كالورد و الشجر و نحوهما ، و هذا جائز مطلقا و إن كان مجسما .
مسألة 19 : يحرم تصوير ما يكون وسيلة عادية لعمل محرم كالأصنام و نحوها سواء أ كان لإنسان أو حيوان أو غيرهما ، و كذا يحرم تصوير شخص تخليدا لذكراه و تعظيما له إذا كان اللازم شرعا امتهانه و محو ذكره ، و كذا يحرم تصوير الصور الخلاعية التي تعتبر وسيلة لترويج الفساد و إشاعة الفاحشة بين المسلمين ، و كذا يحرم تصوير المقدسات على نحو يستلزم هتكها و إهانتها و لعل منه تصوير أهل الجاهلية إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام و في أيديهما الأزلام ـ كما قيل ـ و لا فرق في حرمة ما ذكر كله بين أن تكون الصورة مجسمة أو لا ، و لا بين كونها تامة أو ناقصة ، و لا بين أن تكون معمولة باليد أو بالمكائن و الآلات الحديثة ، و كما يحرم عملها لا يصح بيعها و يحرم أخذ الأجرة عليها و التزيين بها ، نعم لا بأس باقتناء الفرش التي عليها التماثيل التي تعظمها الكفار ـ مما تستحق الإهانة ـ إذا افترشت على الأرض ووطأت بالمشي عليها .
مسألة 20 : الغناء حرام فعله و استماعه و التكسب به ، و الظاهر أنه الكلام اللهوي ـ شعرا كان أو نثرا ـ الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو و اللعب ، و في مقومية الترجيع و المد له إشكال ، و العبرة بالصدق
( 13 )
العرفي ، و لا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان القرآن المجيد و الأدعية و الأذكار و نحوها بل و لا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوبا .
و قد يستثنى من الغناء المحرم : غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل و التكلم بالباطل و دخول الرجال على النساء و سماع أصواتهن على نحو يوجب تهيج الشهوة و لكن هذا الاستثناء لا يخلو عن إشكال ، و أما الحداء المتعارف فليس بغناء و لا بأس به كما لا بأس بما يشك ـ من جهة الشبهة المصداقية ـ في كونه غناء أو ما بحكمه ـ و أما الموسيقى فما كان منها مناسبا لمجالس اللهو و اللعب كما هو الحال فيما يعزف بآلات الطرب كالعود و الطنبور و القانون و القيثارة و نحوها فهي محرمة كالغناء ، و أما غيرها كالموسيقى العسكرية و الجنائزية فالأحوط الأولى الاجتناب عنها أيضا .
مسألة 21 : معونة الظالمين في ظلمهم ، بل في كل محرم حرام أما معونتهم في غير المحرمات من المباحات و الطاعات فلا بأس بها ، إلا أن يعد الشخص بها من أعوانهم و المنسوبين إليهم فتحرم ، و سيأتي ما يسوغها في المسألة ( 39 ) إن شاء الله تعالى .
مسألة 22 : اللعب بآلات القمار كالشطرنج ، و الدوملة ، و النرد ( الطاولي ) و غيرها مما أعد لذلك حرام مع الرهن ، و يحرم أخذ الرهن أيضا ، و لا يملكه الغالب ، و أما اللعب بها إذا لم يكن رهن فيحرم في النرد و الشطرنج على الأقوى ، بل و لا يترك الاحتياط في غيرهما أيضا ، و يحرم اللعب بغير الآلات المعدة للقمار إذا كان مع الرهن ، كالمراهنة على حمل الوزن الثقيل ، أو على المصارعة أو على القفز أو نحو ذلك ، و يحرم أخذ الرهن ، و أما إذا لم يكن رهن فالأظهر الجواز .
مسألة 23 : عمل السحر و تعليمه و تعلمه و التكسب به حرام مطلقا و إن
( 14 )
كان لدفع السحر على الأحوط ، نعم يجوز بل يجب إذا توقفت عليه مصلحة أهم كحفظ النفس المحترمة المسحورة ، و المراد بالسحر ما يوجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما ، و في كون تسخير الجن أو الملائكة أو الإنسان من السحر إشكال ، و الأظهر تحريم ما كان مضرا بمن يحرم الإضرار به دون غيره .
مسألة 24 : القيافة حرام . و هي إلحاق الناس بعضهم ببعض أو نفي بعضهم عن بعض استنادا إلى علامات خاصة على خلاف الموازين الشرعية في الإلحاق و عدمه ، و أما استكشاف صحة النسب أو عدمها باتباع الطرق العلمية الحديثة في تحليل الجينات الوراثية فليس من القيافة و لا يكون محرما .
مسألة 25 : الشعبذة ـ و هي : إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة ـ حرام ، إذا ترتب عليها عنوان محرم كالإضرار بمؤمن و نحوه .
مسألة 26 : الكهانة حرام . و هي : الإخبار عن المغيبات بزعم أنه يخبره بها بعض الجان ، أما إذا كان اعتمادا على بعض الأمارات الخفية فالظاهر أنه لا بأس به إذا اعتقد صحته أو اطمأن به ، و كما تحرم الكهانة يحرم التكسب بها و الرجوع إلى الكاهن و تصديقه فيما يقوله .
مسألة 27 : النجش ـ و هو :أن يزيد الرجل في ثمن السلعة ، و هو لا يريد شراءها ، بل لأن يسمعه غيره فيزيد لزيادته ـ حرام مطلقا و إن خلا عن تغرير الغير و غشه على الأحوط ، و لا فرق في ذلك بين ما إذا كان عن مواطاة مع البائع و غيره .
مسألة 28 : التنجيم حرام ، و هو : الإخبار عن الحوادث ، مثل الرخص و الغلاء و الحر و البرد و نحوها ، استنادا إلى الحركات الفلكية و الطوارئ الطارئة على الكواكب ، من الاتصال بينها ، أو الانفصال ، أو الاقتران ، أو نحو ذلك ، باعتقاد تأثيرها في الحادث ، على وجه الاستقلال أو الاشتراك مع الله تعالى ، دون مطلق التأثير ، نعم يحرم الإخبار بغير علم عن هذه الأمور و غيرها مطلقا ،
( 15 )
و ليس من التنجيم المحرم الإخبار عن الخسوف و الكسوف و الأهلة و اقتران الكواكب و انفصالها بعد كونه ناشئا عن أصول و قواعد سديدة و كون الخطأ الواقع فيه أحيانا ناشئا من الخطأ في الحساب و إعمال القواعد كسائر العلوم .
مسألة 29 : الغش حرام . فعن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه قال : « من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه ، و سد عليه معيشته و وكله إلى نفسه »، و يكون الغش بإخفاء الأدنى في الأعلى ، كمزج الجيد بالرديء و بإخفاء غير المراد في المراد ، كمزج الماء باللبن ، و بإظهار الصفة الجيدة مع أنها مفقودة واقعا ، مثل رش الماء على بعض الخضروات ليتوهم أنها جديدة و بإظهار الشيء على خلاف جنسه ، مثل طلي الحديد بماء الفضة أو الذهب ليتوهم أنه فضة أو ذهب و قد يكون بترك الإعلام مع ظهور العيب و عدم خفائه ، كما إذا أحرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم إعلامه بالعيب فاعتقد أنه صحيح و لم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه ، فإن عدم إعلام البائع بالعيب ـ مع اعتماد المشتري عليه ـ غش له .
مسألة 30 : الغش و إن حرم لا تفسد المعاملة به ، لكن يثبت الخيار للمغشوش بعد الاطلاع ، إلا في إظهار الشيء على خلاف جنسه كبيع المطلي بماء الذهب أو الفضة على أنه منهما ، فإنه يبطل فيه البيع ، و يحرم الثمن على البائع ، هذا إذا وقعت المعاملة على شخص ما فيه الغش ، و أما إذا وقعت على الكلي في الذمة و حصل الغش في مرحلة الوفاء فللمغشوش أن يطلب تبديله بفرد آخر لا غش فيه .
مسألة 31 : لا تصح الإجارة على ما علم من الشرع لزوم الإتيان به مجانا ، واجبا كان أو مستحبا ، عينيا كان أو كفائيا ، عباديا كان أو توصليا ، و من هذا القبيل فعل الفرائض اليومية و نوافلها و صوم شهر رمضان و حجة الإسلام إذا كان المقصود أن يأتي بها الأجير عن نفسه ، و منه أيضا القضاء بين الناس
( 16 )
و الأذان للصلاة و تغسيل الأموات و تكفينهم و الصلاة عليهم ـ على إشكال في الأمثلة الأربعة الأخيرة لا يترك معه الاحتياط ـ و أما ما لا يعتبر فيه المجانية شرعا فيجوز الاستئجار له سواء أ كان مستحبا من نفسه كما لو استأجره على أن ينوب عن غيره في عبادة من صلاة أو غيرها إذا كانت مما تشرع فيه النيابة ، أم كان واجبا كما لو استأجر الطبيب ليصف الدواء للمريض أو يعالجه من مرضه و نحو ذلك ، و كذا لو استأجر من يقوم بفعل الواجبات التي يتوقف عليها النظام كتعليم بعض علوم الزراعة و الصناعة و الطب ، و لو استأجره لتعليم الأحكام الشرعية فيما هو محل الابتلاء فالأحوط البطلان و حرمة الأجرة ، و في عموم الحكم لما لا يكون محلا للابتلاء إشكال و الأظهر الجواز و الصحة .
مسألة 32 : يحرم النوح بالباطل ، أي بما يكون كذبا و لا بأس بالنوح بالحق .
مسألة 33 : يحرم هجاء المؤمن ، و هو ذكر نواقصه و مثالبه ـ شعرا كان أو نثرا ـ و لا يستحسن هجاء مطلق الناس إلا إذا اقتضته المصلحة العامة ، و ربما يصير واجبا حينئذ كهجاء الفاسق المبتدع لئلا يؤخذ ببدعته .
مسألة 34 : يحرم الفحش من القول ، و هو ما يستقبح التصريح به أما مع كل أحد أو مع غير الزوجة ، فيحرم الأول مطلقا و يجوز الثاني مع الزوجة دون غيرها .
مسألة 35 : تحرم الرشوة على القضاء بالحق أو الباطل ، و أما الرشوة على استنقاذ الحق من الظالم فجائزة ، و إن حرم على الظالم أخذها .
مسألة 36 : يحرم حفظ كتب الضلال و نشرها و قرائتها و بيعها و شرائها مع احتمال ترتب الضلال لنفسه أو لغيره ، فلو أمن من ذلك جاز ، كما يجوز إذا كانت هناك مصلحة أهم و المقصود بكتب الضلال ما يشتمل على العقائد و الآراء الباطلة سواء ما كانت مخالفة للدين أو المذهب .
مسألة 37 : يحرم على الرجل لبس الذهب كالتختم به و نحوه بل الأحوط لزوما ترك التزين به من غير لبس أيضا كتلبيس مقدم الأسنان به أو
( 17 )
جعل أزرار اللباس منه .
مسألة 38 : يحرم الكذب : و هو : الإخبار بما ليس بواقع ، و لا فرق في الحرمة بين ما يكون في مقام الجد و ما يكون في مقام الهزل ما لم ينصب قرينة حالية أو مقالية على كونه في مقام الهزل و إلا ففي حرمته إشكال . و لو تكلم بصورة الخبر ـ هزلا ـ بلا قصد الحكاية و الإخبار فلا بأس به و مثله التورية بأن يقصد من الكلام معنى من معانيه مما له واقع ، و لكنه خلاف الظاهر ، كما أنه يجوز الكذب لدفع الضرر عن نفسه أو عن المؤمن ، بل يجوز الحلف كاذبا حينئذ ، و يجوز الكذب أيضا للإصلاح بين المؤمنين ، و الأحوط ـ وجوبا ـ الاقتصار فيهما على صورة عدم تيسر التورية ، و أما الكذب في الوعد ، بأن يخلف في وعده فالأحوط الاجتناب عنه مهما أمكن و لو بتعليق الوعد على مشيئة الله تعالى أو نحوها ، و أما لو كان حال الوعد بانيا على الخلف فالظاهر حرمته ، بلا فرق في ذلك بين الوعد مع الأهل و غيرها على الأحوط .
مسألة 39 : يحرم الدخول في الولايات و المناصب من قبل السلطة الجائرة و هو على قسمين : ( الأول ) : فيما إذا كان أصل العمل مشروعا في نفسه مع قطع النظر عن توليه من قبل الجائر ، كجباية الحقوق الشرعية من الخراج و المقاسمة و الزكاة بشرائطها المقررة شرعا ، و كتعليم العلوم المحللة و كإدارة المصانع و الدوائر و نحو ذلك .
و هذا يسوغه أمران :
أ ـ أن يكون للقيام بمصالح المسلمين و أخوانه في الدين ، فإنه لا بأس به حينئذ ، بل لو كان بقصد الإحسان إلى المؤمنين و دفع الضرر عنهم كان راجحا بل ربما صار واجبا في بعض أنواعه بالنسبة إلى بعض الأشخاص .
ب ـ الإكراه ، بأن يوعده الجائر على الترك بما يوجب الضرر على نفسه
( 18 )
أو عرضه أو ماله المعتد به أو على بعض من يتعلق به بحيث يكون الإضرار بذلك الشخص إضرارا بالمكره عرفا كالإضرار بأبيه أو أخيه أو ولده أو نحوهم ممن يهمه أمره ، و مثل الإكراه الاضطرار لتقية و نحوها .
الثاني : فيما إذا كان العمل محرما في نفسه ، و هذا يسوغه الأمر الثاني المتقدم إذا كان عدم مشروعية العمل من حقوق الله تعالى و لم يكن يترتب على الإتيان به فساد الدين و اضمحلال حوزة المؤمنين و نحو ذلك من المهمات ، و أما إذا كان عدم مشروعيته من حقوق الناس فإن كان فيه إتلاف النفس المحترمة لم يجز ارتكابه لأجل الإكراه و نحوه مطلقا ، و إلا فإن وجب عليه التحفظ على نفسه من الضرر المتوعد به فاللازم الموازنة بين الأمرين و تقديم ما هو الأكثر أهمية منهما في نظر الشارع ، و هنا صور كثيرة لا يسع المقام بيانها .
مسألة 40 : ما تأخذه الحكومة من الضرائب الشرعية المجعولة ـ بشرائط خاصة ـ على الأراضي و الأشجار و النخيل يجوز أخذه منها بعوض أو مجانا ، بلا فرق بين الخراج و هو ضريبة النقد ، و المقاسمة و هي ضريبة السهم من النصف أو العشر و نحوهما ، و كذا المأخوذ بعنوان الزكاة ، و الظاهر براءة ذمة المالك بالدفع إليها إذا لم يجد بدا من ذلك . بل الظاهر إنه لو لم تباشر الحكومة أخذه و حولت شخصا على المالك في أخذه منه جاز للمحول أخذه و برئت ذمة المحول عليه إذا كان مجبورا على دفعه إلى من تحلوله عليه . و الأقوى عدم الفرق فيما ذكر بين الحاكم المخالف المدعي للخلافة العامة و غيره حتى الحاكم المؤالف ، نعم في عموم الحكم للحاكم الكافر و من تسلط على بلدة خروجا على حكومة الوقت إشكال .
مسألة 41 : إذا دفع إنسان مالا إلى آخر و وكله في توزيعه على طائفة من الناس و كان المدفوع إليه منهم ، فإن لم يفهم من الدافع الإذن له في الأخذ من ذلك المال لم يجز له الأخذ منه أصلا ، و إن فهم الإذن جاز له أن
( 19 )
يأخذ منه مثل أحدهم أو أقل أو أكثر على حسب ما فهم من الإذن ، و إن فهم الإذن في أصل الأخذ دون مقداره جاز له أن يأخذ بمقدار ما يعطيه لغيره .
مسألة 42 : جوائز الظالم حلال ، و إن علم إجمالا أن في ماله حراما ، و كذا كل ما كان في يده يجوز أخذه منه و تملكه و التصرف فيه بإذنه ، إلا أن يعلم أنه غصب ، فلو أخذ منه ـ حينئذ ـ وجب رده إلى مالكه ، إن عرف بعينه ، فإن جهل و تردد بين جماعة محصورة أعلمهم بالحال فإن ادعاه أحدهم و أقره عليه الباقي أو اعترفوا أنه ليس لهم سلمه إليه ، و إن ادعاه أزيد من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو ، و إلا تعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم الدعوى ، و إن أظهر الجميع جهلهم بالحال و امتنعوا عن التراضي بينهم فالأظهر لزوم العمل بالقرعة و الأحوط تصدي الحاكم الشرعي أو وكيله لإجرائها .
و إن تردد المالك بين جماعة غير محصورة تصدق به عنه مع الإذن من الحاكم الشرعي على الأحوط لزوما إن كان يائسا عن معرفته ، و إلا وجب الفحص عنه و إيصاله إليه .
مسألة 43 : يكره احتراف بعض المعاملات كبيع الصرف ، و بيع الأكفان ، و بيع الطعام ، كما يكره أن يكون الإنسان جزارا أو حجاما ، و لا سيما مع الشرط بأن يشترط أجرة ، و يكره أيضا التكسب بضراب الفحل ، بأن يؤجره لذلك ، أو بغير إجارة بقصد العوض ، أما لو كان بقصد المجانية فلا بأس بما يعطى بعنوان الهدية .
مسألة 44 : لا يجوز بيع أوراق اليانصيب ، فإذا كان الإعطاء بقصد البدلية عن الفائدة المحتملة فالمعاملة باطلة ، و أما إذا كان الإعطاء مجانا كما إذا كان بقصد الاشتراك في مشروع خيري فلا بأس به ، و على كلا التقديرين فالمال المعطى لمن أصابت القرعة باسمه إذا كان المتصدي لها شركة غير أهلية من المال المجهول مالكه ، لابد من مراجعة الحاكم الشرعي
( 20 )
لإصلاحه .
مسألة 45 : يجوز إعطاء الدم إلى المرضى المحتاجين إليه ، كما يجوز أخذ العوض في مقابله على ما تقدم .
مسألة 46 : يحرم حلق اللحية و أخذ الأجرة عليه على الأحوط لزوما إلا إذا أكره على الحلق أو اضطر إليه لعلاج أو نحوه ، أو خاف الضرر على تقدير تركه ، أو كان تركه حريجاً بالنسبة إليه كما إذا كان يوجب سخرية و مهانة شديدة لا يتحملها ، ففي هذه الموارد لا إشكال في جواز الحلق .

آداب التجارة
مسألة 47 : يستحب للمكلف أن يتعلم أحكام التجارة التي يتعاطاها ، بل يجب عليه ذلك إذا كان في معرض الوقوع في مخالفة تكليف إلزامي بسبب ترك التعلم ، و إذا شك في صحة معاملة و فسادها بسبب الجهل بحكمها لم يجز له ترتيب آثار أي من الصحة و الفساد فلا يجوز له التصرف فيما أخذه من صاحبه و لا فيما دفعه إليه ، بل يتعين عليه أما التعلم أو الاحتياط و لو بالصلح و نحوه ، نعم إذا أحرز رضاه بالتصرف في المال المأخوذ منه حتى على تقدير فساد المعاملة جاز له ذلك .
مسألة 48 : يستحب أن يساوي بين المبتاعين في الثمن ، فلا يفرق بين المماكس و غيره بزيادة السعر في الأول أو بنقصه ، أما لو فرق بينهم لمرجحات شرعية كالفقر و العلم و التقوى و نحوها فلا بأس به ، و يستحب أن يقيل النادم و يتشهد الشهادتين عند الجلوس في السوق للتجارة و أن يكبر الله تعالى عند العقد و أن يأخذ الناقص و يعطي الراجح .
مسألة 49 : يكره مدح البائع سلعته ، و ذم المشتري لها ، و كتمان العيب إذا لم يؤد إلى غش ، و إلا حرم كما تقدم ، و الحلف في المعاملة إذا
( 21 )
كان صادقا و إلا حرم ، و البيع في المكان المظلم الذي يستتر فيه العيب ، بل كل ما كان كذلك ، و الربح على المؤمن زائدا على مقدار الحاجة ، و على الموعود بالإحسان ، و السوم ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس ، و أن يدخل السوق قبل غيره و المعاملة مع من لم ينشأ في الخير و المحارفين ، و طلب تنقيص الثمن بعد العقد ، و الزيادة وقت النداء لطلب الزيادة أما الزيادة بعد سكوت المنادي فلا بأس بها ، و التعرض للكيل أو الوزن أو العد أو المساحة إذا لم يحسنه حذرا من الخطأ ، و الدخول في سوم المؤمن ، بل الأحوط استحباباً تركه . و المراد به الزيادة في الثمن الذي بذله المشتري ، أو بذل مبيع له غير ما بذله البائع ، مع رجاء تمامية المعاملة بينهما ، فلو انصرف أحدهما عنها أو علم بعدم تماميتها بينهما فلا كراهة ، و كذا لو كان البيع مبنيا على المزايدة ، و أن يتوكل بعض أهل البلد لمن هو غريب عنها بل الأحوط استحبابا تركه ، و تلقي الركبان الذين يجلبون السلعة وحده إلى ما دون أربعة فراسخ ، فلو بلغ أربعة فراسخ فلا كراهة ، و كذا لو اتفق ذلك بلا قصد . و الظاهر عموم الحكم لغير البيع من المعاملة ، كالصلح و الإجارة و نحوهما .
مسألة 50 : الاحتكار و هو حبس السلعة و الامتناع من بيعها ـ حرام إذا كان لانتظار زيادة القيمة مع حاجة المسلمين و من يلحق بهم من سائر النفوس المحترمة إليها ، و ليس منه حبس السلعة في زمان الغلاء إذا أراد استعمالها في حوائجه و حوائج متعلقيه أو لحفظ النفوس المحترمة عند الاضطرار ، و الظاهر اختصاص الحكم بالطعام ، و المراد به هنا القوت الغالب لأهل البلد ، و هذا يختلف باختلاف البلدان ، و يشمل الحكم ما يتوقف عليه تهيئته كالوقود و آلات الطبخ أو ما يعد من مقوماته كالملح و السمن و نحوهما ، و الضابط هو حبس ما يترتب عليه ترك الناس و ليس لهم طعام . و الأحوط استحبابا ترك الاحتكار في مطلق ما يحتاج إليه كالملابس و المساكن
( 22 )
و المراكب و الأدوية و نحوها ، و يجب النهي عن الاحتكار المحرم بالشروط المقررة للنهي عن المنكر ، و ليس للناهي تحديد السعر للمحتكر ، نعم لو كان السعر الذي اختاره مجحفا بالعامة ألزم على الأقل الذي لا يكون مجحفا .

( 23 )

الفصل الأول
شروط العقد

البيع هو : نقل المال إلى الغير بعوض ، و المقصود بالعوض هو المال الذي يجعل بدلا و خلفا عن الآخر ، و الغالب فيه في هذه الأزمنة أن يكون من النقود ، فالبيع متقوم بقصد العوضية و المعوضية ، و باذل المعوض هو البائع و باذل العوض هو المشتري ، و من ذلك يتضح معنى الشراء ، و أما المعاوضة بين المالين من دون قصد العوضية و المعوضية فهي معاملة مستقلة صحيحة و لازمة سواء أ كانا من الأمتعة أم من النقود و لا تترتب عليها الأحكام المختصة بالبيع كخياري المجلس و الحيوان دون ما يشمل مطلق المعاوضات كحرمة الربا .
مسألة 51 : يعتبر في البيع الإيجاب و القبول ، و يقع بكل لفظ دال على المقصود ، و إن لم يكن صريحا فيه مثل : بعت و ملكت ، و بادلت و نحوها في الإيجاب ، و مثل : قبلت و رضيت و تملكت و اشتريت و نحوها في القبول ، و لا تشترط فيه العربية ، كما لا يقدح فيه اللحن في المادة أو الهيئة إذا لم يمنع من ظهوره في المعنى المقصود عند أبناء المحاورة ، و يجوز إنشاء الإيجاب بمثل : اشتريت ، و ابتعت ، و تملكت و إنشاء القبول بمثل : شريت و بعت و ملكت .
مسألة 52 : إذا قال : بعني فرسك بهذا الدينار ، فقال المخاطب : بعتك فرسي بهذا الدينار فالأظهر صحته و ترتب الأثر عليه بلا حاجة إلى ضم القبول من الآمر إذا كان المتفاهم منه عرفا إعطاء السلطنة للمخاطب في نقل الدينار إلى نفسه و نقل فرسه إليه ، و الظاهر أن الأمر كذلك ، و مثله ما إذا كان
( 24 )
لشخص واحد حق التصرف في المالين بأن كان ـ مثلا ـ وليا على المالكين أو وكيلا عنهما .
مسألة 53 : يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الإيجاب و القبول فلو قال البائع : بعت ، فلم يبادر المشتري إلى القبول حتى انصرف البائع عن البيع لم يتحقق العقد ، و لم يترتب عليه الأثر ، أما إذا لم ينصرف و كان ينتظر القبول ، حتى قبل صح ، كما أنه لا تعتبر وحدة المجلس فلو تعاقدا بالتليفون فأوقع أحدهما الإيجاب و قبل الآخر صح . أما المعاملة بالمكاتبة ففيها إشكال ، و الأظهر الصحة ، إن لم ينصرف البائع عن بيعه حتى قبل المشتري .
مسألة 54 : الظاهر اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول في الثمن و المثمن ، و في سائر حدود البيع و العوضين ـ و لو بلحاظ من تضاف إليه الذمة فيما إذا كان أحد العوضين ذميا ـ فلو قال : بعتك هذا الكتاب بدينار بشرط أن تخيط قميصي ، فقال المشتري : اشتريت هذا الدفتر بدينار أو هذا الكتاب بدرهم أو بشرط أن أخيط عباءتك أو بلا شرط شيء أو بشرط أن تخيط ثوبي أو اشتريت نصفه بنصف درهم ، أو قال : بعتك هذا الكتاب بدينار في ذمتك فقال : اشتريته بدينار لي في ذمة زيد لم يصح العقد ، و كذا في نحو ذلك من أنحاء الاختلاف ، و لو قال : بعتك هذا الكتاب بدينار فقال : اشتريت كل نصف منه بنصف دينار ففي الصحة إشكال ، و كذا إذا كان إنشاء أحد الطرفين مشروطا بشيء على نفسه و إنشاء الآخر مطلقا كما إذا قال : بعتك هذا الكتاب بدينار فقال : اشتريته بشرط أن أخيط لك ثوبا ، أو قال : بعتك هذا الكتاب بدينار بشرط أن أخيط ثوبك فقال : قبلت بلا شرط فإنه لا ينعقد مشروطا بلا إشكال و في انعقاده مطلقا و بلا شرط إشكال .
مسألة 55 : إذا تعذر اللفظ لخرس و نحوه قامت الإشارة مقامه و إن
( 25 )
تمكن من التوكيل ، و كذا الكتابة مع العجز عن الإشارة . أما مع القدرة عليها ففي تقديم الإشارة أو الكتابة وجهان بل قولان ، و الأظهر الجواز بكل منهما ، بل لا يبعد ذلك حتى مع التمكن من اللفظ .
مسألة 56 : الظاهر وقوع البيع بالمعاطاة ، بأن ينشئ البائع البيع بإعطائه المبيع إلى المشتري ، و ينشئ المشتري القبول بإعطاء الثمن إلى البائع ، و لا فرق في صحتها بين المال الخطير و الحقير ، و قد تحصل بإعطاء البائع المبيع و أخذ المشتري بلا إعطاء منه ، كما لو كان الثمن كليا في الذمة أو بإعطاء المشتري الثمن و أخذ البائع له بلا إعطاء منه ، كما لو كان المثمن كليا في الذمة .
مسألة 57 : الظاهر أنه يعتبر في صحة البيع المعاطاتي جميع ما يعتبر في البيع العقدي من شرائط العقد و العوضين و المتعاقدين ، كما أن الظاهر ثبوت جميع الخيارات ـ الآتية إن شاء الله تعالى ـ على نحو ثبوتها في البيع العقدي حتى ما يتوقف منها على اشتراطه على كلام سيأتي في المسألة ( 59 ) .
مسألة 58 : الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من سائر المعاملات بل الإيقاعات إلا في موارد خاصة ، كالنكاح و الطلاق و النذر و اليمين ، و الظاهر جريانها في الرهن و الوقف أيضا .
مسألة 59 : في قبول البيع المعاطاتي للشرط سواء أ كان شرط خيار في مدة معينة ، أم شرط فعل ، أم غيرهما : إشكال ، و إن كان القبول لا يخلو من وجه ، فلو أعطى كل منهما ماله إلى الآخر قاصدين البيع ، و قال أحدهما في حال التعاطي : جعلت لي الخيار إلى سنة ـ مثلا ـ و قبل الآخر صح شرط الخيار ، و كان البيع خياريا ، و كذا إذا ذكر الشرط في المقاولة و وقع التعاطي مبنيا عليه .

( 26 )
مسألة 60 : لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل حين العقد سواء أ علم حصوله بعد ذلك ، كما إذا قال : بعتك إذا هل الهلال ، أم جهل حصوله ، كما لو قال : بعتك إذا ولد لي ولد ذكر ، و لا على أمر مجهول الحصول حال العقد ، كما إذا قال : بعتك إن كان اليوم يوم الجمعة مع جهله بذلك ، أما مع علمه به فالوجه الجواز .
مسألة 61 : إذا قبض المشتري ما اشتراه بالعقد الفاسد ، فإن علم برضا البائع بالتصرف فيه حتى مع فساد العقد جاز له التصرف فيه و إلا وجب عليه رده إلى البائع ، و إذا تلف ـ و لو من دون تفريط ـ وجب عليه رد مثله إن كان مثليا و قيمته إن كان قيميا ، و كذا الحكم في الثمن إذا قبضه البائع بالبيع الفاسد ، و إذا كان المالك مجهولا جرى عليه حكم المال المجهول مالكه ، و لا فرق في جميع ذلك بين العلم بالحكم و الجهل به ، و لو باع أحدهما ما قبضه كان البيع فضوليا و توقفت صحته على إجازة المالك و سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .