كتاب العارية
( 226 )
( 227 )
العارية هي : ( تسليط الشخص غيره على عين ليستفيد من منافعها مجاناً ).
مسألة 722 : تحصل العارية بالإيجاب من المعير والقبول من المستعير، ولكن لا يعتبر أن يكونا لفظيين فلو دفع ثوبه لشخص بقصد الإعارة وقصد الآخذ بأخذه الاستعارة صحت العارية.
مسألة 723 : يعتبر في المعير أن يكون مالكاً للمنفعة أو بحكمه فلا تصح إعارة الغاصب منفعة وإن لم يكن غاصباً عيناً إلا بإجازة المغصوب منه.
مسألة 724 : لا تصح إعارة الطفل والمجنون مالهما، كما لا تصح إعارة المحجور عليه ـ لسفه أو فلس ـ ماله إلا مع إذن الولي أو الغرماء، وإذا رأى ولي الطفل مصلحة في إعارة ماله جاز إن يكون الطفل وسيطاً في إيصاله إلى المستعير.
مسألة 725 : لا يعتبر في المعير ملكية العين بل يكفي ملكية المنفعة بالإجارة أو بكونها موصى بها له بالوصية، نعم إذا اشترط في الإجارة استيفاء المنفعة بنفسه ليس له الإعارة، كما ليس له تسليم العين المستأجرة إلى المستعير من غير إذن مالكها على الأحوط.
مسألة 726 : يعتبر في المستعير أن يكون أهلاً للانتفاع بالعين فلا تصح استعارة الصيد للمحرم لا من المحل ولا من المحرم، وكذا يعتبر فيه التعيين، فلو أعار شيئاً أحد شخصين أو أحد أشخاص لم يصح، ولا يشترط أن يكون واحداً، فيصح إعارة شيء واحد لجماعة، كما إذا قال : ( أعرت هذا الكتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة ) فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب أو القرعة
( 228 )
كالعين المستأجرة، وأما إعارته لعدد غير محدود كما إذا قال : ( أعرت هذا الشيء لكل الناس ) فالظاهر عدم صحتها نعم تصح إباحته كذلك.
مسألة 727 : يعتبر في العين المستعارة كونها مما يمكن الانتفاع بها منفعة محللة مع بقاء عينها كالعقارات والدواب والثياب والكتب والأمتعة والحلي وكلب الصيد والحراسة وأشباه ذلك، فلا يجوز إعارة ما لا ينتفع به إلا بإتلافه كالخبز والدهن والأشربة وأشباهها، كما لا يجوز إعارة ما تنحصر منافعه المتعارفة في الحرام ـ كآلات اللهو المحرم والقمار ـ لينتفع به في ذلك، ولا تجوز إعارة آنية الذهب والفضة للأكل والشرب بل ولا لغيرهما من الاستعمالات على الأحوط، ولا يبعد جواز إعارتها للزينة.
مسألة 728 : تصح إعارة الشاة للانتفاع بلبنها وصوفها وإعارة الفحل للتلقيح.
مسألة 729 : تصح الإعارة للرهن وليس للمالك حينئذٍ إبطاله وأخذ ماله من المرتهن، كما ليس له مطالبة الراهن بالفك إذا كان الدين مؤجلاً إلا عند حلول الأجل وأما في غيره فيجوز له ذلك مطلقاً.
مسألة 730 : إذا لم يفك الرهن جاز للمرتهن بيعه كما يبيع ما كان ملكاً لمن عليه الدين ـ على تفصيل يأتي في محله ـ ويضمنه المستعير لمالكه بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر وبقيمته تامة لو بيع بالأقل من قيمته، وفي ضمان الراهن العين لو تلفت بغير فك إشكال والظاهر عدم الضمان إلا مع اشتراطه.
مسألة 731 : لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة، فلو قال : ( أعرني إحدى دوابك ) فقال : ( أدخل الأصطبل وخذ ما شئت منها ) صحت العارية.
مسألة 732 : العين التي تعلقت بها العارية إن انحصرت جهة الانتفاع
( 229 )
المتعارف بها في منفعة خاصة كالبساط للافتراش واللحاف للتغطية والخيمة للاكتنان وأشباه ذلك لا يلزم التعرض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها واستعارتها، وإن تعددت جهات الانتفاع بها كالأرض ينتفع بها للزرع والغرس والبناء والسيارة ينتفع بها لنقل الأمتعة والركاب ونحو ذلك، فإن كانت إعارتها واستعارتها لأجل منفعة أو منافع خاصة من منافعها يجب التعرض لها واختص حلية الانتفاع للمستعير بما خصصه المعير، وإن كانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعميم والتصريح بالعموم، بأن يقول : ( أعرتك هذه السيارة ـ مثلا ـ لأجل أن تنتفع بها كل انتفاع مباح يحصل منها ) كما أنه يجوز إطلاق العارية بأن يقول : ( أعرتك هذه السيارة ) فيجوز للمستعير الانتفاع بسائر الانتفاعات المباحة المتعلقة بها، نعم ربما يكون لبعض الانتفاعات بالنسبة إلى بعض الأعيان خفاء لا يندرج معه في الإطلاق، ففي مثله لابد من التنصيص عليه أو التعميم على وجه يعمه، وذلك كالدفن فإنه وإن كان من أحد وجوه الانتفاعات من الأرض كالبناء والزرع والغرس ومع ذلك لو أعيرت الأرض إعارة مطلقة لا يعمه الإطلاق.
مسألة 733 : العارية جائزة من الطرفين وإن كانت مؤجلة فلكل منهما فسخها متى شاء، نعم مع اشتراط عدم فسخها إلى أجل معين ـ بمعنى التزام المشروط عليه بأن لا يفسخها إلى ذلك الأجل ـ يصح الشرط ويجب عليه العمل به سواء جعل ذلك شرطاً في ضمن نفس العارية أو في ضمن عقد خارج لازم، ولكن مع ذلك تنفسخ بفسخه وإن كان آثماً.
مسألة 734 : إذا أعار أرضه للدفن فليس له بعد الدفن والمواراة الرجوع عن الإعارة ونبش القبر وإخراج الميت على الأصح، وأما قبل ذلك فله الرجوع حتى بعد وضعه في القبر قبل مواراته، وليس على المعير أجرة الحفر ومؤنته إذا رجع بعد الحفر قبل الدفن، كما أنه ليس على ولي الميت
( 230 )
طم الحفر بعد ما كان بإذن من المعير.
مسألة 735 : لو استعار أرضاً للزرع فالظاهر أنه يتضمن ـ بحسب الارتكاز العرفي ـ اشتراط عدم فسخ العقد بعد شروعه في العمل إلى أن يدرك الزرع ويستحصد وينتهي أمده. فعلى المالك المعير الوفاء للمستعير بشرطه والعمل به ولكن لو عصى وفسخ العقد انفسخ، وحينئذٍ فهل يجوز له إجبار المستعير على إزالة الزرع مع الأرش أو بدونه، أو أنه ليس له ذلك بل للمستعير إجباره على الإبقاء ولو بأجرة حتى يدرك ويستحصد ؟ وجوه، والأحوط لهما التراضي والتصالح، ومثل ذلك ما لو استعار أرضاً للبناء أو جذوعاً للتسقيف ثم رجع المالك بعد ما بنى الأرض أو أثبت الجذوع في البناء.
مسألة 736 : حكم العارية في بطلانها بموت المعير أو جنونه أو إغمائه حكم الوديعة في ذلك، وقد تقدم في المسألتين ( 698 ـ 699 ).
مسألة 737 : يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما عينها المعير، فلا يجوز له التعدي إلى غيرها ولو كانت أدنى وأقل ضرراً على المعير، وكذا يجب أن يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة، فلو أعاره سيارة للحمل لا يحملها إلا القدر المعتاد بالنسبة إلى تلك السيارة وذلك المحمول والزمان والمكان، فلو تعدى نوعاً أو كيفية كان غاصباً وضامناً وعليه أجرة ما استوفاه من المنفعة بتمامها، نعم لو زاد على القدر المسموح له من الانتفاع كما لو أعاره سيارة للركوب إلى مسافة معينة فجاوزها ضمن أجرة ما تجاوز به فقط، هذا مع عدم التقييد بعدم الزيادة وإلا ضمن أجرة الجميع.
مسألة 738 : العارية أمانة بيد المستعير لا يضمنها لو تلفت إلا بالتعدي أو التفريط، نعم لو شرط الضمان ضمنها وإن لم يكن تعدٍّ ولا
( 231 )
تفريط، كما أنه لو كانت العين المعارة ذهباً أو فضة ضمنها إلا إذا اشترط عدم ضمانها.
مسألة 739 : لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة ولا إجارتها إلا بإذن المالك، فتكون إعارته حينئذٍ في الحقيقة إعارة المالك ويكون المستعير وكيلاً عنه، فلو خرج المستعير عن قابلية الإعارة بعد ذلك ـ كما إذا مات أو جن مطبقاً ـ بقيت العارية الثانية على حالها.
مسألة 740 : حكم العارية في وجوب الإعلام بالنجاسة في إعارة المتنجس حكم البيع في ذلك، وقد تقدم في المسألة ( 8 ).
مسألة 741 : إذا تلفت العارية أو نقصت بفعل المستعير، فإن كان بسبب الاستعمال المأذون فيه من دون تعدٍّ عن المتعارف ليس عليه ضمان، كما إذا هلكت الدابة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملاً متعارفاً، وإن كان بسبب آخر ضمنها.
مسألة 742 : لا يتحقق رد العارية إلا بردها إلى مالكها أو وكيله أو وليه، ولو ردها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد للمالك ولا إذن منه، كما إذا رد الدابة إلى الأصطبل وربطها فيه فتلفت أو أتلفها متلف ضمنها.
مسألة 743 : إذا علم المستعير بأن العارية مغصوبة وجب عليه إرجاعها إلى مالكها، ولم يجز دفعها إلى المعير.
مسألة 744 : إذا استعار ما يعلم بغصبيته فللمالك أن يطالبه أو يطالب الغاصب بعوضه إذا تلف كما أن له أن يطالب كلا منهما بعوض ما استوفاه المستعير أو تلف في يده أو الأيادي المتعاقبة عليها من المنافع، وإذا استوفى المالك العوض من المستعير فليس للمستعير الرجوع به على الغاصب.
مسألة 745 : إذا لم يعلم المستعير بغصبية العارية وتلفت في يده ورجع المالك عليه بعوضها فله أن يرجع على المعير بما غرمه للمالك إلا إذا
( 232 )
كانت العارية ذهباً أو فضة أو اشترط المعير ضمان العارية عليه عند التلف، وإن رجع المالك عليه بعوض المنافع جاز له الرجوع إلى المعير بما دفع.
( 233 )
كتاب اللقطة
( 234 )
( 235 )
وهي ـ بمعناها الأعم ـ : ( كل مال ضائع عن مالكه ولم يكن لأحد يد عليه )، وهي على قسمين : حيوان، وغير حيوان، ويسمى الأول بـ ( الضالة )، ويطلق على الثاني ( اللقطة ) بقول مطلق و( اللقطة بالمعنى الأخص ).
و للضائع نوع آخر وهو الطفل الذي لا كافل له ولا يستقل بنفسه على السعي فيما يصلحه ودفع ما يضره ويهلكه، ويقال له ( اللقيط )، وفيما يلي جملة من أحكام الأنواع الثلاثة.
أحكام اللقيط
مسألة 746 : يستحب أخذ اللقيط، بل يجب كفاية إذا توقف عليه حفظه سواء أ كان منبوذاً قد طرحه أهله في شارع أو مسجد ونحوهما ـ عجزا عن النفقة أو خوفاً من التهمة ـ أم غيره، ولا يعتبر عدم كونه مميزاً بعد صدق كونه ضائعاً تائهاً لا كافل له.
مسألة 747 : من أخذ اللقيط فهو أحق من غيره بحضانته وحفظه والقيام بضرورة تربيته بنفسه أو بغيره إلى أن يبلغ فليس لأحد أن ينتزعه من يده ويتصدى حضانته غير من له حق الحضانة تبرعاً بحق النسب ـ كالأبوين والأجداد ـ أو بحق الوصاية كوصي الأب أو الجد للأب، فإذا وجد أحد هؤلاء خرج بذلك عن عنوان ( اللقيط ) لما تقدم من أنه الضائع الذي لا كافل له.
مسألة 748 : كما أن لهؤلاء حق الحضانة فلهم انتزاعه من يد آخذه، كذلك عليهم ذلك، فلو امتنعوا أجبروا عليه.
( 236 )
مسألة 749 : الظاهر وجوب تعريف اللقيط إذا أحرز عدم كونه منبوذاً من قبل أهله واحتمل الوصول إليهم بالفحص والتعريف.
مسألة 750 : يشترط في ملتقط الصبي : البلوغ والعقل فلا اعتبار بالتقاط الصبي والمجنون، بل يشترط فيه الإسلام إذا كان اللقيط محكوماً بالإسلام.
مسألة 751 : ما كان مع اللقيط من مال فهو محكوم بأنه ملكه.
مسألة 752 : اللقيط إن وجد من ينفق عليه من حاكم بيده بيت المال أو من كان عنده حقوق تنطبق عليه من زكاة أو غيرها أو متبرع فهو، وإلا فإن كان له مال من فراش أو غطاء زائدين على مقدار حاجته أو غير ذلك كحلي ونحوه جاز للملتقط صرفه في إنفاقه مع الاستئذان من الحاكم الشرعي أو وكيله إن أمكن، وإلا فبإذن بعض عدول المؤمنين، وإن لم يمكن أيضاً فله أن يتصدى لذلك بنفسه ولا ضمان عليه.
و لو أنفق عليه من مال نفسه مع وجود من ينفق عليه من أمثال ما ذكر أو مع وجود مال للقيط نفسه لم يكن له الرجوع عليه بما أنفقه بعد بلوغه ويساره وإن نوى الرجوع عليه، وأما إذا لم يكن له مال ولا من ينفق عليه أنفق الملتقط عليه من مال نفسه وكان له الرجوع عليه مع قصد الرجوع لا بدونه.
مسألة 753 : لا ولاء للملتقط على اللقيط بل له أن يتولى بعد بلوغه من شاء، فإن لم يتول أحداً ومات ولا وارث له فميراثه للإمام عليه السلام كما أنه عاقلته.
مسألة 754 : لا يجوز للملتقط أن يتبنى اللقيط ويلحقه بنفسه، ولو فعل لم تترتب عليه شيء من أحكام البنوة والأبوة والأمومة.
( 237 )
أحكام الضالة
مسألة 755 : إذا وجد حيوان مملوك في غير العمران كالبراري والجبال والآجام والفلوات ونحوها، فإن كان الحيوان يحفظ نفسه ويمتنع عن صغار السباع كالذئب والثعلب لكبر جثته أو سرعة عدوه أو قوته كالبعير والفرس والجاموس والثور ونحوها لم يجز أخذه، سواء أ كان في كلاء وماء أم لم يكن فيهما إذا كان صحيحاً يقوى على السعي إليهما، فإن أخذه الواجد حينئذٍ كان آثماً وضامناً له وتجب عليه نفقته ولا يرجع بها على المالك، وإذا استوفى شيئاً من نمائه كلبنه وصوفه كان عليه مثله أو قيمته وإذا ركبه أو حمله حملاً كان عليه أجرته، ولا تبرأ ذمته من ضمانه إلا بدفعه إلى مالكه ولا يزول الضمان ولو بإرساله في الموضع الذي أخذه منه، نعم إذا يئس من الوصول إليه ومعرفته تصدق به عنه بإذن الحاكم الشرعي.
مسألة 756 : إذا كان الحيوان المذكور لا يقوى على الامتناع من صغار السباع ـ سواء أ كان غير ممتنع أصلاً كالشاة أم لم يبلغ حد الامتناع كصغار الإبل والخيل أم زال عنه لعارض كالمرض ونحوه ـ جاز أخذه، فإن أخذه عرفه في موضع الالتقاط إن كان فيه نزال، فإن لم يعرف المالك جاز له تملكه والتصرف فيه بالأكل والبيع ـ والمشهور أنه يضمنه حينئذ بقيمته وقيل لا يضمن بل عليه دفع القيمة إذا جاء صاحبه من دون اشتغال ذمته بمال وهذا هو الأوجه ـ ويجوز له أيضاً إبقاؤه عنده إلى أن يعرف صاحبه ما دام لم ييأس من الظفر به ولا ضمان عليه حينئذٍ.
مسألة 757 : إذا ترك الحيوان صاحبه وسرحه في الطرق والصحاري والبراري فإن كان قد أعرض عنه وأباح تملكه لكل أحد جاز أخذه
( 238 )
كالمباحات الأصلية ولا ضمان على الآخذ، وإذا تركه للعجز عن الإنفاق عليه أو عن معالجته أو لجهد الحيوان وكلاله بحيث لا يتيسر له أن يبقى عنده ولا أن يأخذه معه فإن كان الموضع الذي تركه فيه آمناً مشتملاً على الكلاء والماء أو يقوى الحيوان فيه على السعي إليهما بحيث يقدر على التعيش فيه لم يجز لأي أحد أخذه فمن أخذه كان ضامناً له، وأما إذا كان الموضع مضيعة لا يقدر الحيوان على التعيش فيه فإن لم يكن مالكه ناوياً للرجوع إليه قبل ورود الخطر عليه جاز لكل أحد أخذه وإلا لم يجز ذلك.
مسألة 758 : إذا وجد الحيوان في العمران ـ وهي مواضع يكون الحيوان مأموناً فيها من السباع عادة كالبلاد والقرى وما حولها مما يتعارف وصول الحيوان منها إليه ـ لم يجز أخذه، ومن أخذه ضمنه ويجب عليه حفظه من التلف والإنفاق عليه بما يلزم وليس له الرجوع على صاحبه بما أنفق، كما يجب عليه تعريفه ويبقى في يده مضموناً إلى أن يؤديه إلى مالكه، فإن يئس منه تصدق به بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط، نعم إذا كان غير مأمون من التلف لبعض الطوارئ كالمرض ونحوه جاز له أخذه لدرء الخطر عنه من دون ضمان ويجب عليه أيضاً الفحص عن مالكه، فإن يئس من الوصول إليه تصدق به كما تقدم.
مسألة 759 : إذا دخلت الدجاجة أو السخلة مثلاً في دار إنسان ولم يعرف صاحبها لم يجز له أخذها، ويجوز له إخراجها من الدار وليس عليه شيء إذا لم يكن قد أخذها، وأما إذا أخذها فالظاهر عدم جريان حكم اللقطة عليها، بل يجري عليها حكم مجهول المالك الآتي في المسألة ( 765 )، نعم لا يبعد جواز تملك مثل الحمام إذا ملك جناحيه ولم يعرف صاحبه من دون فحص عنه.
مسألة 760 : إذا احتاجت الضالة إلى النفقة فإن وجد متبرع بها أنفق
( 239 )
عليها، وإلا أنفق عليها من ماله فإن كان يجوز له أخذها ولم يكن متبرعاً في الإنفاق عليها جاز له الرجوع بما أنفقه على المالك وإلا لم يجز له ذلك.
مسألة 761 : إذا كان للضالة نماء أو منفعة جاز للآخذ ـ إذا كان ممن يجوز له أخذها ـ أن يستوفيها ويحتسبها بدل ما أنفقه عليها، ولكن لابد أن يكون ذلك بحساب القيمة على الأقوى.
أحكام اللقطة
مسألة 762 : يعتبر فيها الضياع عن مالكها المجهول، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه، بل لابد في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال، فالحذاء المتبدل بحذائه في المساجد ونحوها لا يترتب عليه أحكام اللقطة وكذا الثوب المتبدل بثوبه في الحمام ونحوه لاحتمال تقصد المالك في التبديل أو حصوله اشتباهاً ومعه يكون من مجهول المالك لا اللقطة.
مسألة 763 : يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط، فلو رأى شيئاً وأخبر به غيره فأخذه كان حكمها على الآخذ دون الرائي وإن تسبب منه، ولو قال ناولنيه، فأخذه المأمور لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر، وكذا لو أخذه للآمر وناوله إياه على الأقرب.
مسألة 764 : لو عثر على مال وحسب أنه له فأخذه ثم ظهر أنه ضائع عن غيره كان لقطة وتجري عليه أحكامها، ولو رأى مالاً ضائعاً فنحاه من جانب إلى آخر من دون أخذه فالظاهر عدم صيرورته بذلك لقطة وإن ضمنه، ولو دفعه برجله أو عصاه مثلاً ليتعرفه فالظاهر عدم الضمان أيضاً.
مسألة 765 : المال المجهول مالكه غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً إلا إذا كان في معرض التلف فإنه يجوز
( 240 )
أخذه في هذه الحالة بقصد الحفظ أما بعينه أو ببدله ـ حسب اختلاف الموارد كما سيأتي ـ ويكون عندئذ أمانة شرعية في يد الآخذ لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، وعلى كل من تقديري جواز الأخذ وعدمه إذا أخذه وجب الفحص عن مالكه مع احتمال ترتب الفائدة عليه وإلا لم يجب وحينئذٍ فما دام لم ييأس تماماً من الوصول إلى المالك حفظ المال له ومع اليأس يتصدق به أو يبيعه أو يقومه على نفسه ويتصدق بثمنه.
هذا إذا كان المال مما يحتفظ بصفاته الدخيلة في ماليته إلى أن يفحص عن المالك ويحصل له اليأس من الوصول إليه وإلا فلابد أن يتصدق به أو بثمنه مع صيرورته في معرض فقدان بعض تلك الصفات فإنه يسقط التحفظ والفحص إذا صار كذلك، والأحوط لزوماً أن يكون التصدق وكذا البيع التقويم في الموردين المذكورين بإذن الحاكم الشرعي، كما أن الأحوط ضمان المتصدق لو صادف أن جاء المالك ولم يرض بالتصدق.
مسألة 766 : كل مال غير الحيوان إن أحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال ـ وهو الذي يطلق عليه ( اللقطة ) كما مر ـ يجوز على كراهة أخذه والتقاطه، ولا فرق في ذلك بين ما يوجد في الحرم ـ أي حرم مكة زادها الله شرفاً ـ وغيره وإن كانت الكراهة في الأول أشد وآكد.
هذا فيما إذا احتمل أنه لو لم يأخذه أحد لطلبه صاحبه وأخذه، وأما فيما لم يحتمل ذلك احتمالاً معتداً به ـ ولو لقلة قيمته مما يستوجب عادة إعراضه عنه بعد ضياعه ـ فلا كراهة في أخذه سواء أ كان مما يجب تعريفه بعد الأخذ أم لا.
مسألة 767 : إذا لم تكن للمال الملتقط علامة يصفه بها من يدعيه كالمسكوكات المفردة وغالب المصنوعات في المصانع المتداولة في هذه الأزمنة جاز للملتقط أن يتملكه وإن بلغت قيمته درهماً أو زادت عليه على
( 241 )
الأظهر، ولكن الأحوط أن يتصدق به عن مالكه.
مسألة 768 : إذا كانت للقطة علامة يمكن أن يصفها بها من يدعيها وكانت قيمتها دون الدرهم لم يجب تعريفها والفحص عن مالكها على الأقرب، وفي جواز تملكها للملتقط إشكال والأحوط أن يتصدق بها عن مالكها.
مسألة 769 : اللقطة إذا كانت لها علامة يمكن الوصول بها إلى مالكها وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب التعريف بها والفحص عن مالكها، فإن لم يظفر به فإن كانت لقطة الحرم ـ أي حرم مكة ـ وجب عليه إن يتصدق بها عن مالكها على الأحوط، وأما إذا كانت في غير الحرم تخير الملتقط بين أن يحفظها لمالكها ولو بالإيصاء ما لم ييأس من إيصالها إليه وله حينئذ أن ينتفع بها مع التحفظ على عينها، وبين أن يتصدق بها عن مالكها، والأحوط وجوباً عدم تملكها.
مسألة 770 : المراد من الدرهم ما يساوي ( 6، 12 ) حمصة من الفضة المسكوكة، فإن عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفية وربع مثقال.
مسألة 771 : المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي الدرهم دون غيرهما من الأمكنة والأزمنة.
مسألة 772 : يسقط وجوب التعريف فيما إذا كان الملتقط يخاف من التهمة والخطر إن عرف باللقطة، كما يسقط مع الاطمئنان بعدم الفائدة وفي تعريفها ـ ولو لأجل إحراز أن مالكها قد سافر إلى مكان بعيد غير معروف لا يصله خبرها وإن عرفها ـ وفي مثل ذلك فالأحوط أن يحتفظ باللقطة لمالكها ما دام لم ييأس من الوصول إليه ـ ولو لاحتمال أنه بنفسه يتصدى للتعريف بماله الضائع ليصل إلى الملتقط خبره ـ ومع حصول اليأس من ذلك يتصدق بها عن المالك، ولو صادف مجيئه كان بالخيار بين أن يرضى بالتصدق وبين
( 242 )
أن يطالبه ببدلها.
مسألة 773 : تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم يبادر إليه كان عاصياً إلا إذا كان لعذر، ولا يسقط عنه وجوبه على كل تقدير، بل تجب المبادرة إليه بعد ذلك إلا إذا كان التأخير بحد لا يرجى معه العثور على مالكها وإن عرف بها، وهكذا الحكم لو بادر إليه من حين الالتقاط ولكن تركه بعد فترة ولم يستمر فيه فإنه يجب العود إليه إلا مع اليأس من الوصول إلى المالك.
مسألة 774 : مدة التعريف سنة كاملة، والأحوط مراعاة التتابع فيها مع الإمكان فلا يلفقها من عدة سنين ولو مع تتابعها كأن يعرف في كل سنة ثلاثة أشهر ثم يترك التعريف بالمرة إلى السنة التالية حتى يكمل مقدار السنة في أربع سنوات مثلاً.
و يلزم صدق كونه في هذه المدة معرفاً ومعلناً عنه بحيث لا يعد في العرف متسامحاً ومتساهلاً في إيصال خبره إلى مالكه، ولا يعتبر فيه كيفية خاصة ولا عدد معين بل العبرة بالصدق العرفي، فكما يتحقق بالنداء في مجامع الناس ولو في كل ثلاثة أيام مرة بل ولو في كل أسبوع مرة فكذا يتحقق بغيره من وسائل النشر والإعلام مما يفيد فائدته بل ربما يكون أبلغ منه كالإعلان المطبوع في الجرائد المحلية، أو المكتوب على أوراق ملصقة في الأماكن المعدة لها بالقرب من مجامع الناس ولمواقع أبصارهم كما هو المتعارف في زماننا.
مسألة 775 : لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف فيجوز له الاستنابة فيه مجاناً أو بأجرة مع الاطمئنان بوقوعه، والأقوى كون الأجرة عليه لا على المالك وإن كان الالتقاط بنية إبقائها في يده للمالك، ويسقط وجوب التعريف عن الملتقط بتبرع غيره به.
( 243 )
مسألة 776 : إذا عرفها سنة كاملة ولم يعثر على مالكها جاز له التصدق بها ـ كما مر ـ ولا يشترط في ذلك حصول اليأس له من الوصول إليه، بخلاف الحال في غيرها من المجهول مالكه فإنه لا يتصدق به إلا بعد اليأس من الوصول إلى المالك.
مسألة 777 : إذا يأس من الظفر بمالكها قبل تمام السنة لزمه التصدق بها بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط ولا ينتظر بها حتى تمضي السنة.
مسألة 778 : إذا كان الملتقط يعلم بالوصول إلى المالك لو زاد في التعريف على السنة فالأحوط لو لم يكن أقوى لزوم التعريف حينئذ وعدم جواز التصدق.
مسألة 779 : إذا تعذر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة بل يكفي تتميمها.
مسألة 780 : لو كانت اللقطة مما لا تبقى سنة لزم الملتقط أن يحتفظ بها لأطول فترة تبقى محتفظة لصفاتها الدخيلة في ماليتها، والأحوط أن يعرف بها خلال ذلك فإن لم يظفر بمالكها كان بالخيار بين أن يقومها على نفسه ويتصرف فيها بما يشاء وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها لمالكها، ولا يسقط عنه بذلك ما سبق من التعريف فعليه أن يحفظ خصوصياتها وصفاتها ويتم تعريفها سنة كاملة فإن وجد صاحبها دفع بدلها إليه وإلا عمل فيه بما تقدم في المسألة ( 769 ).
هذا فيما إذا اختار الملتقط أن يقومها على نفسه أو تيسر بيعها فباعها، ومع عدم الأمرين فيجب عليه أن يتصدق بها ولا يلزمه تعريفها بعد ذلك ولو عثر على مالكها لم يضمن له قيمتها على الأظهر، والأحوط وجوباً أن يكون التقويم والبيع والتصدق في مواردها بإجازة الحاكم الشرعي أو وكيله أن أمكنت.
( 244 )
مسألة 781 : إذا ضاعت اللقطة من الملتقط قبل الشروع في التعريف أو قبل تكميله فالتقطها آخر وعلم بالحال ولم يعرف الملتقط الأول ولا المالك وجب عليه التعريف بها أو تكميله سنة، فإن وجد المالك دفعها إليه وإن لم يجده ووجد الملتقط الأول دفعها إليه إذا كان واثقاً بإنه يعمل بوظيفته، وعليه إكمال التعريف سنة ولو بضميمة تعريف الملتقط الثاني وإن لم يجد أحدهما حتى تمت السنة جرى التخيير المتقدم من التصدق أو الإبقاء للمالك.
مسألة 782 : يجب أن يعرف اللقطة في المكان الذي يظن أو يحتمل وصول خبرها إلى المالك بسبب التعريف فيه، ولا يتعين أن يكون موضع الالتقاط، بل ربما يكون غيره كما إذا التقطها في بلد وعلم أن مالكها مسافر قد غادره إلى بلد آخر بحيث لا يجدي معه التعريف في بلد الالتقاط فإنه يجب في مثله التعريف بها في البلد الثاني مع الإمكان.
و كذا لو التقطها في البراري أو الطرق الخارجية وعلم أن مالكها قد دخل بلداً معيناً بحيث لو عرف فيه لاحتمل وصول خبرها إليه فإنه يلزمه التعريف في ذلك البلد مع الإمكان دون موضع الالتقاط إذا لم يكن كذلك.
وبالجملة : العبرة في مكان التعريف بما تقدم من كونه بحيث لو عرف باللقطة فيه لاحتمل احتمالاً معتداً به وصول خبرها إلى المالك ـ مع تقديم ما هو الأقوى احتمالاً على غيره عند عدم تيسر الاستيعاب ـ وعلى هذا ينزل ما قيل : من أنه لو كان الالتقاط في مكان متأهل من بلد أو قرية ونحوهما وجب التعريف فيه، وإن كان في البراري والقفار ونحوهما فإن كان فيها نزال عرفهم وإن كانت خالية عرفها في المواضع القريبة التي هي مظنة وجود المالك.
مسألة 783 : إذا التقط في موضع الغربة أو في بلده وأراد السفر جاز له ذلك، ولكن لا يسافر بها بل يضعها عند أمين ويستنيب في التعريف من يوثق
( 245 )
به في ذلك، ولو التقطها في منزل السفر جاز له السفر بها والتعريف بها في بلد المسافرين وقوافلهم.
مسألة 784 : يعتبر في التعريف أن يكون على نحو لو سمعه المالك لاحتمل ـ احتمالاً معتداً به ـ أن يكون المال المعثور عليه له، وهذا يختلف بحسب اختلاف الموارد، فقد يكفي أن يقول : ( من ضاع له شيء أو مال ) وقد لا يكفي ذلك بل لابد أن يقول : ( من ضاع له ذهب ) أو نحوه، وقد لا يكفي هذا أيضاً بل يلزم إضافة بعض الخصوصيات إليه كأن يقول : ( من ضاع له قرط ذهب ) مثلاً، ولكن يجب على كل حال الاحتفاظ بإبهام اللقطة، فلا يذكر جميع صفاتها حتى لا يتعين، بل الأحوط عدم ذكر ما لا يتوقف عليه التعريف.
مسألة 785 : لو ادعى اللقطة أحد وعلم صدقه وجب دفعها إليه، وإلا سئل عن أوصافها وعلاماتها، فإذا توافقت الصفات والعلائم التي ذكرها مع الخصوصيات الموجودة فيها وحصل الاطمئنان بأنها له ـ كما هو الغالب ـ أعطيت له، ولا يعتبر أن يذكر الأوصاف التي لا يلتفت إليها المالك غالباً، وأما مع عدم حصول الاطمئنان فلا يجوز دفعها إليه، ولا يكفي فيه مجرد التوصيف بل لا يكفي حصول الظن أيضاً.
مسألة 786 : إذا شهدت البينة بأن مالك اللقطة فلان وجب دفعها إليه وسقط التعريف سواء أ كان ذلك قبل التعريف أم في أثنائه أم بعده، نعم إذا كان ذلك بعد التصدق بها ولم يرض المالك بالصدقة ضمنها كما تقدم.
مسألة 787 : إذا التقط شيئاً وبعدما صار في يده ادعاه شخص حاضر وقال : ( إنه مالي ) يشكل دفعه إليه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى الإثبات، إلا إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنه تحت يده فيحكم بكونه ملكاً له ويجب دفعه إليه.
مسألة 788 : إذا وجد مقداراً من الأوراق النقدية مثلاً وأمكن معرفة صاحبها بسبب بعض الخصوصيات التي هي فيها مثل العدد الخاص والزمان
( 246 )
الخاص والمكان الخاص وجب التعريف ولا تكون حينئذٍ مما لا علامة له الذي تقدم جواز تملكه من غير تعريف.
مسألة 789 : إذا التقط الصبي أو المجنون فإن كانت اللقطة غير ذات علامة بحيث يمكن تعريفها بها جاز للولي أن يقصد تملكها لهما، وأما إن كانت ذات علامة وبلغت قيمتها درهماً فما زاد فللولي أن يتصدى لتعريفها ـ بل يجب عليه ذلك مع استيلائه عليها ـ وبعد التعريف سواء أ كان من الولي أم من غيره يجري التخيير المتقدم بين الإبقاء للمالك والتصدق.
مسألة 790 : إذا تصدق الملتقط بها فعرف صاحبها غرم له المثل أو القيمة وليس له الرجوع بالعين إن كانت موجودة ولا الرجوع على المتصدق عليه بالمثل أو القيمة إن كانت مفقودة، هذا إذا لم يرض المالك بالصدقة، وإلا فلا رجوع له على أحد وكان له أجر التصدق.
مسألة 791 : اللقطة أمانة في يد الملتقط لا يضمنها إلا بالتعدي عليها أو التفريط بها ـ ومن التفريط إرجاعها إلى موضع التقاطها أو وضعها في مجامع الناس ـ ولا فرق في ذلك بين مدة التعريف وما بعدها، نعم يضمنها إذا أخل بوظيفته في المبادرة إلى التعريف بها متوالياً ـ على ما مر ـ كما يضمنها بالتصدق بها على ما عرفت.
مسألة 792 : إذا تلفت العين قبل التعريف فإن كانت غير مضمونة بأن لم يخل بالمبادرة إلى التعريف ولم يكن تعد أو تفريط سقط التعريف وإذا كانت مضمونة لم يسقط، وكذا إذا كان التلف في أثناء التعريف ففي الصورة الأولى يسقط التعريف وفي الصورة الثانية يجب إكماله فإذا عرف المالك دفع إليه المثل أو القيمة.
مسألة 793 : يجوز دفع اللقطة إلى الحاكم الشرعي ولكن تبقى أمانة في يده ولا يسقط وجوب التعريف بذلك عن الملتقط، وإذا انتهت سنة
( 247 )
التعريف ولم يجد المالك فإن شاء استرجع اللقطة من الحاكم واحتفظ بها للمالك وإن شاء تصدق بها بنفسه أو أذن للحاكم في ذلك.
مسألة 794 : إذا حصل للقطة نماء متصل أو منفصل بعد الالتقاط، فإن عرف المالك
دفع إليه العين والنماء، وأما إن لم يعرفه وقد عرف اللقطة سنة فلا إشكال في كون النماء المتصل تابعاً للعين، وأما المنفصل فهل هو كذلك أي يكون الملتقط مخيراً فيه بين إبقائه للمالك ما لم يحصل اليأس من الوصول إليه مع جواز الانتفاع منه بما لا يؤدي إلى تلفه ـ إن كان قابلاً لذلك ـ وبين التصدق به ولو مع عدم حصول اليأس من الوصول إلى المالك، أم يجري عليه حكم مجهول المالك وهو ـ كما تقدم ـ لزوم الاستمرار في الفحص ما دام يحتمل الفائدة فيه مع الاحتفاظ بالعين من دون الاستفادة منها إلى حين حصول اليأس من الوصول إلى المالك فيتصدق به حينئذٍ ؟ وجهان، أحوطهما الثاني.
مسألة 795 : لو عرف المالك قبل التعريف أو بعده ولم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى وكيله المطلق ولا الاتصال بأحدهما للاستئذان منه في التصرف فيها ولو بمثل الصدقة بها أو دفعها إلى الأقارب أو غيرهم فاللازم أن يحتفظ بها للمالك أو وارثه ما لم ييأس من الوصول إليه، وأما مع حصول اليأس فيتصدق بها بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط.
مسألة 796 : إذا مات الملتقط وعنده اللقطة فإن كان بعد التعريف بها واختيار إبقائها لمالكها قام الوارث مقامه في الاحتفاظ بها له ما لم ييأس من الوصول إليه وإلا تصدق بها بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط، وإن كان قبل ذلك فالأحوط إجراء حكم مجهول المالك عليها.
مسألة 797 : لو أخذ من شخص مالاً ثم علم أنه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعي وعدواناً ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك
( 248 )
لا اللقطة، لما مر أنه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ولا ضياع في هذه الصورة.
مسألة 798 : إذا التقط اثنان لقطة واحدة فإن لم تكن ذات علامة يمكن أن يصفها بها من يدعيها جاز لهما تملكها وتكون بينهما بالتساوي، وإن كانت ذات علامة كذلك وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصة كل منهما أقل من درهم، فإن تصدى له أحدهما أو كلاهما ولو بتوزيع الحول بينهما ـ بالتساوي أو بالتفاضل ـ فقد تأدى الواجب، ولو تبرع به الغير سقط عنهما كما مر، وحينئذ يتخيران فيها بين الإبقاء أمانة والتصدق، والأحوط إن يتفقا في ذلك فلا يختار أحدهما غير ما يختاره الآخر، وأما مع ترك التعريف لا لعذر ـ لأي سبب كان ـ فيضمنان اللقطة ولا يسقط وجوب التعريف عنهما على ما تقدم.
مسألة 799 : إذا وجد مالاً في صندوقه ولم يعلم أنه له أو لغيره فهو له، إلا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئاً فإنه يعرفه إياه فإن ادعاه دفعه إليه وإن أنكره فهو له، وإن قال لا أدري فإن أمكن التصالح معه فهو وإلا فلا يبعد الرجوع إلى القرعة كما في سائر موارد تردد المال بين مالكين.
هذا إذا كان الغير واحداً، وإن كان متعدداً فإن كان محصوراً عرفه لهم فإن أنكروه كان له وإن ادعاه أحدهم فقط فهو له وإن ادعاه أزيد من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو وإلا تعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم النزاع، وإن قال الجميع لا ندري جرى فيه ما تقدم، وأما إذا لم يكن الغير محصوراً جرى عليه حكم مجهول المالك، نعم إذا كان احتمال كونه لنفسه معتداً به كخمسة في المائة فلا يبعد الرجوع إلى القرعة ويجعل عدد السهام حينئذٍ بنسبة الاحتمال كعشرين في المثال فإن خرجت القرعة باسمه كان له وإن خرجت باسم غيره عمل فيه بإحكام مجهول المالك.
( 249 )
مسألة 800 : إذا وجد مالاً في دار سكناه ولم يعلم أنه له أو لغيره فإن لم يدخلها أحد غيره أو يدخلها قليل فهو له، وإن كان يدخلها كثير كما في المضائف ونحوها جرى عليه حكم اللقطة.
مسألة 801 : لو وجد مالاً في دار معمورة يسكنها الغير، سواء كانت ملكاً له أو مستأجرة أو مستعارة بل أو مغصوبة عرفه الساكن، فإن ادعى ملكيته فهو له فليدفعه إليه بلا بينة، وكذا لو قال لا أدري، وإن سلبه عن نفسه فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلا جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 802 : إذا اشترى دابة أو سمكة أو حيواناً غيرهما فوجد في جوفها مالاً فقد تقدم حكمه في كتاب الخمس المسألة ( 1197 ).
مسألة 803 : ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي المفاوز وفي كل أرض لا رب لها فقد تقدم حكمه في مبحث الكنز من كتاب الخمس. وأما ما يوجد فيها مطروحاً غير مستتر في الأرض ونحوها فإن علم بشهادة بعض العلائم والخصوصيات أنه لأهل الأزمنة القديمة جداً بحيث عد عرفاً ـ بلحاظ تقادم السنين ـ مالاً بلا مالك فالظاهر جواز تملكه إذا كان كذلك شرعاً، وإن علم بملاحظة العلائم والشواهد أنه ليس لأهل زمن الواجد ولكن من دون أن يعد مالاً بلا مالك بل مالاً مجهول المالك فاللازم حينئذ الفحص عن مالكه فإن عرفه رده إلى وارثه إن كان وإلا كان للإمام عليه السلام لأنه وارث من لا وارث له، وإن لم يعرف المالك تصدق به مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط، وإن علم بملاحظة العلائم والقرائن أنه لأهل زمن الواجد فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلا جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 804 : إذا انكسرت سفينة في البحر فتركها أصحابها وأباحوا ما
( 250 )
فيها لمستخرجه فاستخرج شخص لنفسه شيئاً منها فهو له سواء أ كان ذلك بغوص أم بغيره.
مسألة 805 : إذا تبدل حذاء الشخص بحذاء غيره جاز له التصرف فيه بكل نحو يحرز رضا صاحبه به، ولو علم أنه قد تعمد التبديل ظلماً وعدواناً جاز له أن يقابله بالمثل فيأخذ حذاءه بدلاً عن حذاء نفسه بشرط أن لا تزيد قيمة المتروك على قيمة المأخوذ، وإلا فالزيادة من مجهول المالك وتترتب عليه أحكامه، وهكذا الحكم فيما لو علم أنه قد اشتبه أولاً ولكنه تسامح وتهاون في الرد بعد الالتفات إلى أشباهه، وأما في غير هاتين الصورتين ـ سواء علم باشتباهه حدوثاً وبقاءاً أم احتمل الاشتباه ولم يتيقنه ـ فتجري على المتروك حكم مجهول المالك.
هذا فيما إذا لم يكن الشخص هو الذي بدل ماله بمال غيره ـ عمداً أو اشتباهاً ـ وإلا فلا يجوز له التقاص منه بل يجب عليه رده إلى مالكه.