كتاب إحياء الموات


( 280 )

( 281 )
المراد بالموات : الأرض المتروكة التي لا ينتفع بها انتفاعاً معتداً به ولو بسبب انقطاع الماء عنها أو استيلاء المياه أو الرمال أو الأحجار أو السبخ عليها، سواءٌ ما لم يكن ينتفع منها أصلاً وما كان الانتفاع الفعلي منها غير معتد به كالأراضي التي ينبت فيها الحشيش فتكون مرعى للدواب والأنعام، وأما الغابات التي يكثر فيها الأشجار فليست من الموات بل هي من الأراضي العامرة بالذات.
مسألة 890 : الموات على نوعين :
1 ـ الموات بالأصل، وهو ما لم تعرض عليه الحياة من قبل وفي حكمه ما لم يعلم بعروض الحياة عليه كأكثر البراري والمفاوز والبوادي وسفوح الجبال ونحو ذلك.
2 ـ الموات بالعارض، وهو ما عرض عليه الخراب والموتان بعد الحياة والعمران.
مسألة 891 : الموات بالأصل وإن كان ملكاً للإمام ( عليه السلام ) حيث أنه من الأنفال ولكن يجوز لكل أحد إحياؤه، فلو أحياه كان أحق به من غيره سواء أ كان في دار الإسلام أم في دار الكفر وسواء أ كان في أرض الخراج أم في غيرها وسواء أ كان المحيي مسلماً أم كافراً، وليس عليه دفع الخراج أو أجرة الأرض إذا كان مؤمناً.
هذا إذا لم يطرء عنوان ثانوي يقتضي المنع من إحياءه ككونه حريماً لملك الغير أو كون إحيائه على خلاف بعض المصالح العامة فنهى عنه ولي
( 282 )
المسلمين ونحو ذلك.
مسألة 892 : الموات بالعارض على أقسام :
الأول : ما باد أهله أو هاجروا عنه وعد بسبب تقادم السنين ومرور الأزمنة مالاً بلا مالك كالأراضي الدارسة المتروكة والقرى أو البلاد الخربة والقنوات الطامسة والتي كانت للأمم الماضية الذين لم يبق منهم أحد بل ولا اسم ولا رسم أو أنها تنسب إلى طائفة لم يعرف عنهم سوى الاسم.
الثاني : ما كان عامراً بالذات حين الفتح ولكن طرء عليه الموتان بعد ذلك.
الثالث : العامر المفتوح عنوة إذا طرء عليه الخراب.
الرابع : ما كان لمالك مجهول مردد بين أفراد غير محصورين.
الخامس : ما كان لمالك معلوم أما تفصيلاً أو إجمالاً لتردده بين أفراد محصورين.
أما القسم الأول والثاني فهما من الأنفال ويجري فيهما ما مر في الموات بالأصل.
و أما القسم الثالث فلا يبعد بقاؤه على ملك المسلمين فيكون أمره بيد ولي الأمر.
و أما القسمان الأخيران ففيهما صور :
الأولى : ما إذا أعرض عنه صاحبه وأباح ما بقي فيه من الأجزاء والمواد لكل أحد، ففي هذه الصورة يجوز إحياؤه لكل من يريد ذلك فيكون بالاحياء أحق به من صاحبه الأول.
الثانية : ما إذا كان صاحبه عازماً على تجديد إحيائه ولكنه غير متمكن من ذلك في الوقت الحاضر لمنع ظالم أو لعدم توفر الآلات والأسباب المتوقف عليها الأحياء أو لنحو ذلك، وفي هذه الصورة لا إشكال في أنه ليس
( 283 )
لأحد حق التصرف فيه بإحياء أو غيره من دون إذنه أو إذن وليه.
الثالثة : ما إذا لم يكن قاصداً لإحيائه بل قصد إبقاءه مواتاً للانتفاع القليل الحاصل منه بوضعه الفعلي كالاستفادة من حشيشه أو قصبه أو جعله مرعى لدوابه وأنعامه، وحكم هذه الصورة ما تقدم في سابقتها من غير فرق.
الرابعة : ما إذا كان قد أبقاه مواتاً من جهة عدم الاعتناء به وكونه غير قاصد لإحيائه ولا الاستفادة منه بوضعه الفعلي، وحينئذ فهل تزول علقته به ـ سواء أ كان سببها الإحياء مباشرة أو عن طريق تلقيه عن محيي سابق بالإرث أو الشراء أو نحوهما أو كان سببها غيره ككونه من الأراضي التي أسلم أهلها طوعاً ـ فيجوز إحياؤه للغير أم لا ؟ فيه إشكال، وإن كان الأظهر فيما كان من قبيل الأراضي الزراعية ومرافقها جواز إحيائها بكري أنهارها وإعمارها وإصلاحها للزرع أو الغرس فيكون بذلك أحق بها من الأول، وأما غيرها فإن كان من قبيل معلوم المالك فالأحوط ترك إحيائه من دون إذن صاحبه وعلى تقدير الإقدام عليه من دون إذنه فالأحوط لهما التراضي بشأنه ولو بالمصالحة بعوض، وأما إن كان من قبيل مجهول المالك فالأحوط أن يفحص عن صاحبه وبعد اليأس عنه فإما أن يشتريه من الحاكم الشرعي أو وكيله المأذون في ذلك ويسلم الثمن إليه ليصرفه على الفقراء أو يستأذنه في صرفه عليهم بنفسه وإما أن يتصدق به على الفقير ـ بإذنٍ من الحاكم الشرعي ـ ثم يستأجره منه بأجرة معينة ولو كانت قليلة.
مسألة 893 : كما يجوز إحياء البلاد القديمة الخربة والقرى الدارسة التي باد أهلها كذلك يجوز حيازة موادها وأجزائها الباقية من الأخشاب والأحجار والآجر وما شاكل ذلك ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد التملك.
مسألة 894 : الأراضي الموقوفة التي طرأ عليها الموتان والخراب على أقسام :

( 284 )
1ـ ما لا يعلم كيفية وقفها أصلاً وإنها وقف خاص أو عام أو أنها وقف على الجهات أو على أقوام.
2 ـ ما علم أنها وقف على أقوام ولم يبق منهم أثر أو على طائفة لم يعرف عنهم سوى الاسم خاصة.
3 ـ ما علم إنها وقف على جهة من الجهات ولكن تلك الجهة غير معلومة أنها مسجد أو مدرسة أو مشهد أو مقبرة أو غير ذلك.
4 ـ ما علم إنها وقف على أشخاص ولكنهم غير معلومين بأشخاصهم وأعيانهم كما إذا علم أن مالكها وقفها على ذريته مع العلم بوجودهم فعلاً.
5 ـ ما علم أنها وقف على جهة معينة أو أشخاص معلومين بأعيانهم.
6 ـ ما علم إجمالاً بأن مالكها قد وقفها ولكن لا يدري أنه وقفها على جهة كمدرسته المعينة أو أنه وقفها على ذريته المعلومين بأعيانهم ولم يكن طريق شرعي لإثبات وقفها على أحد الأمرين.
أما القسم الأول والثاني فالظاهر أنه يجوز إحياؤهما لكل أحد ويكون المحيي أحق بهما، فحالهما من هذه الناحية حال سائر الأراضي الموات.
و أما القسم الثالث فالمشهور جواز إحيائه ولكنه لا يخلو عن إشكال، فالأحوط لمن يريد القيام بإحيائه وعمارته بزرع أو نحوه أن يراجع الحاكم الشرعي أو وكيله ـ مع عدم وجود المتولي الخاص له ـ ويتفق معه بشأنه، فإن آجره عليه فاللازم أن يدفع الأجرة إليه ليصرفها في وجوه البر أو يستأذنه في صرفها فيها، وكذلك الحال في القسم الرابع إلا أن الأجرة فيه تصرف على الفقراء، والأظهر أنه لا تصل النوبة في القسمين إلى بيع العين الموقوفة كلاً، أو بعضاً لتعمير البعض الآخر مع إمكان استنمائهما بوجه من الوجوه.
و أما القسم الخامس فلا إشكال في أنه لا يجوز التصرف فيه بإحياء أو نحوه ولا صرف بدل التصرف في موارده إلا بمراجعة المتولي ولو كان هو
( 285 )
الحاكم الشرعي أو الموقوف عليهم المعينين إذا كان الوقف عليهم ولم يكن له متولٍ خاص.
و أما القسم السادس فيجب على من يريد القيام بعمارته وإحيائه مراجعة متولي الجهة الخاصة والذرية معاً والاتفاق معهم بشأنه واستئجاره منهم وحينئذٍ فإن أجاز الذرية صرف الأجرة في الجهة المعينة تعين ذلك وإلا فينتهي الأمر إلى القرعة لتعيين الموقوف عليه، والأحوط تصدي الحاكم الشرعي أو وكيله لإجرائها.
مسألة 895 : من أحيا أرضاً مواتاً تبعها حريمها بعد الإحياء، وحريم كل شيء مقدار ما يتوقف عليه الانتفاع به ولا يجوز لأحد أن يحيي هذا المقدار بدون رضا صاحبه.
مسألة 896 : حريم الدار عبارة عن مسلك الدخول إليها والخروج منها في الجهة التي يفتح إليها باب الدار، ومطرح ترابها ورمادها وثلوجها ومصب مائها وما شاكل ذلك.
مسألة 897 : حريم حائط البستان ونحوه مقدار مطرح ترابه والآلات والطين والجص إذا احتاج إلى الترميم والبناء.
مسألة 898 : حريم النهر مقدار طرح ترابه وطينه إذا احتاج إلى الإصلاح والتنقية والمجاز على حافتيه للمواظبة عليه.
مسألة 899 : حريم البئر موضع وقوف النازح إذا كان الاستقاء منها باليد وموضع تردد البهيمة والدولاب والمضخة والموضع الذي يجتمع فيه الماء للزرع أو نحوه ومصبه ومطرح ما يخرج منها من الطين عند الحاجة ونحو ذلك.
مسألة 900 : حريم العين ما تحتاج إليه في الانتفاع منها على نحو ما مر في غيرها.

( 286 )
مسألة 901 : حريم القرية ما تحتاج إليه في حفظ مصالحها ومصالح أهلها من مجمع ترابها وكناستها ومطرح سمادها ورمادها ومجمع أهاليها لمصالحهم ومسيل مائها والطرق المسلوكة منها وإليها ومدفن موتاهم ومرعى ماشيتهم ومحتطبهم وما شاكل ذلك.
كل ذلك بمقدار حاجة أهل القرية بحيث لو زاحم مزاحم لوقعوا في ضيق وحرج، وهي تختلف باختلاف سعة القرية وضيقها وكثرة أهليها وقلتهم وكثرة مواشيها ودوابها وقلتها وهكذا وليس لذلك ضابط غير ذلك وليس لأحد أن يزاحم أهاليها في هذه المواضع.
مسألة 902 : حريم المزرعة ما يتوقف عليه الانتفاع منها ويكون من مرافقها كمسالك الدخول إليها والخروج منها ومحل بيادرها وحظائرها ومجتمع سمادها ومرعى مواشيها ونحو ذلك.
مسألة 903 : الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون أحقيتهم بها بالإحياء باقية على إباحتها الأصلية فلا يجوز لهم منع غيرهم من الانتفاع بها ولا يجوز لهم أخذ الأجرة ممن ينتفع بها، وإذا قسموها فيما بينهم لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة صحيحة فيجوز لكل من المتقاسمين التصرف فيما يختص بالآخر بحسب القسمة.
نعم إذا كانوا يحتاجون إليها لرعي الحيوان أو نحو ذلك كانت من حريم أملاكهم ولا يجوز لغيرهم مزاحمتهم وتعطيل حوائجهم.
مسألة 904 : للبئر حريم آخر وهو أن يكون الفصل بين بئر وبئر أخرى بمقدار لا يكون في أحداث البئر الثانية ضرر على الأولى ضرراً معتداً به كجذب مائها تماماً أو بعضاً أو منع جريانه إليها من عروقها وهذا هو الضابط الكلي في جميع أقسامها.

( 287 )
مسألة 905 : للعين والقناة أيضاً حريم آخر وهو ـ على المشهور ـ أن يكون الفصل بين عين وعين أخرى وقناة وقناة ثانية في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع وفي الأرض الرخوة ألف ذراع.
و لكن الظاهر أن هذا التحديد غالبي حيث أن الغالب اندفاع الضرر بهذا المقدار من البعد وليس تعبدياً.
وعليه فلو فرض أن العين الثانية تنقص من ماء الأولى مع هذا البعد وتضر بها ضرراً معتداً به فالظاهر عدم جواز إحداثها ولابد من زيادة البعد بما يندفع به الضرر أو يرضى به مالك الأولى، كما أنه لو فرض عدم ورود الضرر المعتد به عليها من إحداث قناة أخرى في أقل من هذا البعد فالظاهر جوازه بلا حاجة إلى الإذن من صاحب القناة الأولى.
و لا فرق في ذلك بين إحداث قناة في الموات وبين إحداثها في ملكه فكما يعتبر في الأول أن لا يكون مضراً بالأولى فكذلك في الثاني.
كما أن الأمر كذلك في الآبار والأنهار التي تكون مجاري للماء فيجوز إحداث نهر يجري فيه الماء من منبعه قرب نهر آخر كذلك.
و كذلك إحداث بئر قرب أخرى وليس لمالك الأولى منعه إلا إذا استلزم ضرراً معتداً به فعندئذٍ يجوز منعه.
مسألة 906 : يجوز إحياء الموات التي في أطراف القنوات والآبار والعيون في غير المقدار الذي يتوقف عليه الانتفاع منها فإن اعتبار البعد المذكور في القنوات والآبار والعيون إنما هو بالإضافة إلى إحداث قناة أو بئر أو عين أخرى فقط.
مسألة 907 : إذا لم تكن الموات من حريم العامر ومرافقه على النحو المتقدم جاز إحياؤها لكل أحد وإن كانت بقرب العامر ولا تختص بمن يملك العامر ولا أولوية له.
مسألة 908 : الظاهر أن الحريم مطلقاً ليس ملكاً لمالك ما له الحريم
( 288 )
سواء أ كان حريم قناة أو بئر أو قرية أو بستان أو دار أو نهر أو غير ذلك وإنما لا يجوز لغيره مزاحمته فيه باعتبار أنه من متعلقات حقه.
مسألة 909 : لا حريم للأملاك المتجاورة مثلاً لو بنى المالكان المتجاوران حائطاً في البين لم يكن له حريم من الجانبين وكذا لو بنى أحدهما في نهاية ملكه حائطاً أو غيره لم يكن له حريم في ملك الآخر.
مسألة 910 : إذا لزم من تصرف المالك في ملكه ضرر معتد به على جاره فإن كان مثل هذا الضرر أمراً متعارفاً فيما بين الجيران كإطالة البناء الموجبة لتنقيص الاستفادة من الشمس أو الهواء فالظاهر أنه لا بأس به، وإلا لم يجز ولو تصرف وجب عليه رفعه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون تصرفه في ملكه مستلزماً للتصرف الحقيقي في ملك الجار أو مستلزماً للتصرف الحكمي فيه.
و الأول كما إذا تصرف في ملكه بما يوجب خللاً في حيطان جاره أو حبس ماءً في ملكه بحيث تسري الرطوبة إلى بناء جاره أو أحدث بالوعة أو كنيفاً بقرب بئر الجار فأوجب فساد مائها أو حفر بئراً بقرب جاره فأوجب نقصان مائها سواء أ كان النقص مستنداً إلى جذب البئر الثانية ماء الأولى أو إلى كونها أعمق منها.
و الثاني كما إذا جعل ملكه معمل دباغة أو حدادة في منطقة سكنية مما يوجب عدم قابلية الدور المجاورة للسكنى فيها.
مسألة 911 : الظاهر أنه لا فرق في عدم جواز تصرف المالك في ملكه بما يوجب الإضرار بالجار على أحد النحوين المتقدمين بين أن يكون ترك تصرفه فيه مستلزماً للضرر على نفسه أم لا، فلا يجوز للمالك حفر بالوعة في داره على نحو تضر ببئر جاره وإن كان في ترك حفرها ضرر عليه، ولو فعل ضمن الضرر الوارد عليه إذا كان مستنداً إليه عرفاً.

( 289 )
نعم لو كان حفر البئر متأخراً عن حفر البالوعة فلا شيء عليه ولا يجب عليه طمها وإن تضررت بئر الجار.
مسألة 912 : قد حث في الروايات الكثيرة على رعاية الجار وحسن المعاشرة مع الجيران وكف الأذى عنهم وحرمة إيذائهم، وقد ورد في بعض الروايات : إن حسن الجوار يزيد في الرزق، وفي بعضها الآخر : أن حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الأعمار، وفي الثالث : من كف أذاه عن جاره أقال الله عثرته يوم القيامة، وفي الرابع : ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره، وغيرها مما قد أكد في الوصية بالجار وتشديد الأمر فيه.
مسألة 913 : لا يجوز لأحد أن يبني بناءً على حائط جاره أو يضع جذوع سقفه عليه إلا بإذنه ورضاه وإذا طلب ذلك من الجار لم يجب عليه إجابته وإن استحب له استحباباً مؤكداً من جهة ما ورد من التأكيد والحث الأكيد في قضاء حوائج الأخوان ولا سيما الجيران، ولو بنى أو وضع الجذوع بإذنه ورضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم كالشرط في ضمن عقد لازم أو بالإجارة أو بالصلح عليه لم يجز له الرجوع، وأما إذا كان مجرد الإذن والرخصة جاز له الرجوع قبل البناء والوضع، وأما بعد ذلك فهل يجوز له الرجوع مع دفع الأرش أو بدونه أم لا يجوز مطلقاً وحينئذٍ فهل يستحق عليه الأجرة أم لا ؟ وجوه وأقوال، فلا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي بينهما ولو بالإبقاء مع الأجرة أو الهدم مع الأرش.
مسألة 914 : لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء ولا تسقيف ولا إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلا بإذن شريكه أو إحراز رضاه بشاهد الحال كما هو الحال في التصرفات اليسيرة كالاستناد إليه أو وضع يده أو طرح ثوبه عليه أو غير ذلك، ولو صرح بالمنع عنها أو أظهر الكراهة لم تجز.

( 290 )
مسألة 915 : لو انهدم الجدار المشترك في أساسه وجميع بنائه وأراد أحد الشريكين تعميره لم يكن له إجبار الآخر على المشاركة فيه ولا تعميره من ماله مجاناً بدون إذن شريكه، وحينئذٍ فإن كان قابلاً للقسمة كأن كان سميكاً جداً تكفي قاعدته لبناء جدارين مستقلين عليها جاز له المطالبة بالقسمة ويجبر الممتنع عليها، فيتصرف كل منهما في حصته المفروزة بما شاء إلا بما يتضرر به الآخر، وإن لم يكن قابلاً للقسمة بوجه ولم يوافقه الشريك في شيء جاز له رفع أمره إلى الحاكم ليخيره بين عدة أمور من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره وبنائه من ماله مجاناً.
و كذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة واحتاج إلى التعمير أو التنقية ونحوهما فإنه لا يجبر الشريك على المشاركة فيه كما أنه ليس لأحد الشريكين الاستقلال فيه من ماله تبرعاً من دون إذن الآخر، بل إذا تعذر الاتفاق معه بأي نحو يرفع أمره إلى الحاكم ليخيره بين عدة أمور نظير ما تقدم.
و لو أنفق في تعميرها أو تنقيتها من ماله فنبع الماء أو زاد من أجل ذلك فليس له أن يمنع شريكه غير المنفق من نصيبه من الماء لأنه فوائد ملكهما المشترك.
مسألة 916 : لو كانت جذوع دار أحد موضوعة على حائط جاره ولم يعلم على أي وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حق واستحقاق حتى يثبت خلافه، فليس للجار أن يطالبه برفعها عنه بل ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف، وكذا الحال لو وجد بناء أو مجرى ماء أو ميزاب منصوب لأحد في ملك غيره ولم يعلم سببه فإنه يحكم في أمثال ذلك بكونه عن حق واستحقاق إلا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان العارية التي يجوز فيها الرجوع.

( 291 )
مسألة 917 : لو تنازعا في جدار ولم يكن لأي منهما بينة فإن كان تحت يد أحدهما فهو له بيمينه وكذا لو اتصل ببناء أحدهما دون الآخر أو كان له عليه طرح فإنه يحكم له به مع اليمين، وأما لو كان تحت يد كليهما أو خارجاً عن يدهما فإن حلفا أو نكلا حكم به لهما وإن حلف أحدهما ونكل الآخر حكم به للحالف.
مسألة 918 : لو اختلف مالك العلو ومالك السفل في ملكية السقف الفاصل بين الطابقين فإن لم يكن لأي منهما بينة على دعواه كان ذلك من باب التداعي فيتحالفان إلا إذا كانت هناك عادة قطعية تقضي باختصاص أحدهما به فيقدم قوله بيمينه.
و إن اختلفا في ملكية جدران السفل كان القول قول مالك السفل بيمينه إذا لم يكن السقف قائماً عليها ـ كما في بعض الأبنية الحديثة حيث يتم بناء الجدران بعد الفراغ عن بناء الهيكل الأساسي للبناية ـ وأما مع قيام السقف عليها فحكمها حكم السقف.
وإن اختلفا في المصعد فالقول قول صاحب العلو بيمينه، وأما المخزن تحت الدرجة فالقول فيه قول صاحب السفل بيمينه، وأما طريق العلو في الصحن فحكمه حكم السقف، نعم لا إشكال في أن لصاحب العلو حق الاستطراق فيه وأما الباقي فالقول فيه قول صاحب السفل بيمينه.
مسألة 919 : إذا اختلف صاحب السفل مع الجار في الغرفة الفوقانية المفتوح بابها إلى الجار من غير يد له عليها ولا بينة لأي منهما على دعواه كان القول قول صاحب السفل بيمينه.
مسألة 920 : إذا خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير استحقاق فله أن يطالب مالك الشجر بعطف الأغصان أو قطعها من حد ملكه، وإن امتنع صاحبها يجوز للجار ـ بإذن الحاكم الشرعي ـ عطفها أو
( 292 )
قطعها، ومع إمكان الأول لا يجوز الثاني.
مسألة921 : من حاز أرضاً عامرة بالأصالة كالغابات ونحوها كان أحق بها من غيره لو لم يمنع عنه مانع شرعي، وإذا كان مؤمناً لم يجب عليه دفع عوض أزاء استفادته منها.
مسألة 922 : يعتبر في حصول الأولوية بالإحياء أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير وإلا لزم الاستئذان منه، فلو أحياه أحد من دون إذنه لم يحدث له حق فيه ويتحقق التحجير بكل ما يدل على إرادة الإحياء كوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلك في أطرافه وجوانبه.
مسألة 923 : لابد من أن يكون التحجير مضافاً إلى دلالته على أصل إرادة الإحياء دالاً على مقدار ما يريد إحيائه، فلو كان ذلك بوضع الأحجار مثلاً فلابد من أن يكون في جميع الجوانب حتى يدل على أن جميع ما أحاطت به العلامة يريد إحيائه، نعم في مثل إحياء القناة الدارسة الخربة يكفي حفر بئر من آبارها فإنه يعد تحجيراً بالإضافة إلى بقية آبار القناة بل هو تحجير أيضاً بالإضافة إلى الأراضي الموات التي تسقى بمائها بعد جريانه فلا يجوز لغيره إحياؤها.
مسألة 924 : لو حفر بئراً في الموات لإحداث قناة فيها فالظاهر أنه تحجير بالإضافة إلى أصل القناة وبالإضافة إلى الأراضي الموات التي يصل إليها ماؤها بعد تمامها وليس لغيره إحياء تلك الأراضي.
مسألة 925 : التحجير ـ كما عرفت ـ يفيد حق الأولوية في الإحياء، وهو قابل للنقل والانتقال فيجوز الصلح عنه ويورث ويقع ثمناً في البيع وأما جعله مثمناً فلا يخلو عن إشكال، نعم يصح بيع ما تعلق به بما هو كذلك.
مسألة 926 : يعتبر في كون التحجير مانعاً تمكن للمحجّر من القيام بعمارته وإحيائه فعلاً ولو بالتسبيب فإن لم يتمكن من إحياء ما حجره لمانع
( 293 )
من الموانع كالفقر أو العجز عن تهيئة الأسباب المتوقف عليها الإحياء جاز لغيره إحياؤه.
مسألة 927 : لو حجر زائداً على ما يقدر على إحيائه لا أثر لتحجيره بالإضافة إلى المقدار الزائد.
مسألة 928 : لو حجر الموات من كان عاجزاً عن إحيائها ليس له نقلها إلى غيره بصلح أو هبة أو بيع أو نحو ذلك.
مسألة 929 : لا يعتبر في التحجير أن يكون بالمباشرة بل يجوز أن يكون بالتوكيل والاستئجار، وعليه فالحق الحاصل بسبب عملهما يكون للموكل والمستأجر لا للوكيل والأجير.
مسألة 930 : إذا وقع التحجير من شخص نيابة عن غيره ثم أجاز النيابة فهل يثبت الحق للمنوب عنه أو لا ؟ وجهان، لا يبعد عدم الثبوت.
مسألة 931 : إذا انمحت آثار التحجير قبل أن يقوم المحجر بالتعمير فإن كان من جهة إهمال المحجر بطل حقه وجاز لغيره إحياؤه وإذا لم يكن من جهة إهماله وتسامحه وكان زوالها بدون اختياره كما إذا أزالها عاصف ونحوه ففي بطلان حقه إشكال بل منع إلا إذا علم بالحال وتسامح في تجديد تحجيره.
مسألة 932 : اللازم على المحجر أن يشتغل بالعمارة والإحياء عقيب التحجير فلو أهمل وترك الإحياء وطالت المدة ففي جواز إحيائه لغيره بدون إذنه إشكال، فالأحوط أن يرفع أمره إلى الحاكم الشرعي أو وكيله فيلزم المحجر بأحد أمرين إما الإحياء أو رفع اليد عنه، نعم إذا أبدى عذراً مقبولاً يمهل بمقدار زوال عذره فإذا اشتغل بعده بالتعمير ونحو فهو وإلا بطل حقه وجاز لغيره إحياؤه، وإذا لم يكن الحاكم أو وكيله موجوداً أو لم يمكنه الإلزام فالظاهر سقوط حق المحجر إذا أهمل بمقدار يعد عرفاً تعطيلاً له والأحوط
( 294 )
الأولى مراعاة حقه إلى ثلاث سنين.
مسألة 933 : لا يعتبر في حصول حق الأولوية بالإحياء قصد حصوله، بل يكفي قصد الإحياء والانتفاع به بنفسه أو بمن هو بمنزلته، فلو حفر بئراً في مفازة بقصد أن يقضي منها حاجته كان أحق بها من غيره، نعم لو ارتحل وأعرض عنها فالظاهر سقوط حقه فتكون مباحة للجميع.
مسألة 934 : لابد في صدق إحياء الموات من العمل فيها إلى حد يصدق عليها أحد العناوين العامرة كالدار والبستان والمزرعة والحظيرة والبئر والقناة والنهر وما شاكل ذلك، ولذلك يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة فما اعتبر في إحياء البستان والمزرعة ونحوهما غير ما هو معتبر في إحياء الدار وما شاكلها، وعليه فحصول الأولوية تابع لصدق أحد هذه العناوين ونحوها ويدور مداره وجوداً وعدماً وعند الشك في حصولها يحكم بعدمها.
مسألة 935 : الإعراض عن الملك لا يوجب زوال ملكيته، نعم إذا أباح تملكه للآخرين فسبق إليه من تملكه ملكه وإلا فهو يبقى على ملك مالكه فإذا مات فهو لوارثه ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه أو إعراضه عنه.

( 295 )

كتاب المشتركات


( 296 )

( 297 )
المراد بالمشتركات : الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط وكذا المياه والمعادن على ما سيأتي.
مسألة 936 : الطريق على قسمين : نافذ وغير نافذ، أما الأول فهو الطريق المسمى بالشارع العام والناس فيه شرع سواء، ولا يجوز التصرف لأحد في أرضه ببناء حائط أو حفر بئر أو شق نهر أو نصب دكة أو غرس أشجار ونحو ذلك وإن لم يكن مضراً بالمستطرقين، نعم لا بأس بما يعد من مكملاته ومحسناته ومنها أن يشق فيه المجاري لتجتمع فيها مياه الأمطار ونحوها، ومنها أن يجعل فيه حاويات الأزبال والنفايات ومنها غرس الأشجار ونصب المظلات وأعمدة الإنارة في الأماكن المناسبة منه كما هو المتعارف بالنسبة إلى جملة من الشوارع والطرق في العصر الحاضر، فإن هذا كله مما لا بأس به إذا لم يكن مضراً بالمستطرقين.
مسألة 937 : يجوز الاستفادة من فضاء الطرق النافذة والشوارع العامة بإحداث جناح أو نحوه إذا لم يكن مضراً بالمستطرقين بوجه، وليس لأحد منعه حتى صاحب الدار المقابلة وإن استوعب الجناح عرض الطريق بحيث كان مانعاً عن إحداث جناح في مقابله ما لم يضع منه شيئاً على جداره، نعم إذا استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال وإن قيل بجواز مثله في تعلية البناء في ملكه فلا يترك الاحتياط.
مسألة 938 : لو أحدث جناحاً على الشارع العام ثم انهدم أو هدم فإن كان من قصده تجديده ثانياً فالظاهر أنه لا يجوز للطرف الآخر إشغال ذلك الفضاء وإن لم يكن من قصده تجديده جاز له ذلك.

( 298 )
مسألة 939 : لو أحدث شخص جناحاً على الطريق العام فلا إشكال في أنه يجوز للطرف المقابل إحداث جناح آخر في طرفه سواء أ كان أعلى من الجناح الأول أو أدنى منه أو موازياً له بشرط أن لا يكون مانعاً بوجه من استفادة الأول من جناحه كما هو الحال في الشوارع الوسيعة جداً.
و أما إذا كان مانعاً منها ولو بلحاظ إشغال الفضاء الذي يحتاج إليه صاحب الجناح الأول بحسب العادة ففي جواز إحداثه من دون إذنه إشكال بل منع.
مسألة 940 : كما يجوز إحداث الأجنحة على الشوارع العامة يجوز فتح الأبواب المستجدة فيها سواء أ كانت له باب أخرى أم لا وكذا فتح الشبابيك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها وكذا بناء ساباط عليها إذا لم يكن معتمداً على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضراً بالمارة ولو من جهة الظلام، وإذا فرض أنه كما يضرهم من جهة ينفعهم من جهة كالوقاية من الحر والبرد فلابد من مراجعة ولي الأمر ليوازن بين الجهتين ويراعي ما هو الأصلح، وكذا يجوز نقب سرداب تحت الجادة مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام.
مسألة 941 : الطريق غير النافذ الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو أرض مباحة لكونه محاطاً بالدور من جوانبه الثلاثة وهو المسمى بـ ( السكة المرفوعة ) و( الدريبة ) عائد لمستطرقيه وهم أرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه، دون كل من كان حائط داره إليه، وهو مشترك بينهم في حق الاستطراق بمقدار ما يشتركون في استطراقه، فيكون أوله مشتركاً بين جميعهم ويقل عدد الشركاء كلما قرب إلى آخره وربما ينحصر ذو الحق في واحد، وهو فيما إذا اختص آخر الدريبة بفتح باب واحد إليه.
هذا إذا لم يعلم كون الدريبة عائدة لبعضهم بالخصوص أو عائدة
( 299 )
للجميع على وجه التساوي أو التفاضل وإلا ترتبت أحكامه.
مسألة 942 : لا يجوز لمن له باب في الدريبة فتح باب آخر فيها أدخل من الباب الأول سواء مع سد الباب الأول أم بدونه، إلا مع الاستئذان في ذلك ممن له حق الاستطراق في المكان الثاني من أرباب الدور.
مسألة 943 : لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة إحداث جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو نقب سرداب أو غير ذلك من التصرفات فيها إلا بإذن أربابها، كما لا يجوز له فتح باب إليها للاستطراق إلا بإذنهم نعم له فتح ثقبة وشباك إليها، وأما فتح باب لا للاستطراق بل لمجرد التهوية أو الاستضاءة فلا يخلو عن إشكال.
مسألة 944 : يجوز لكل من أصحاب الدريبة استطراقها والجلوس فيها من غير مزاحمة المستطرقين وكذا التردد منها إلى داره بنفسه وعائلته وضيوفه وكل ما يتعلق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء وإن كان فيهم القصر، ومن دون رعاية المساواة معهم.
مسألة 945 : يجوز لكل أحد الانتفاع من الشوارع والطرق العامة كالجلوس أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك ما لم يكن مزاحماً للمستطرقين، وليس لأحد منعه عن ذلك وإزعاجه.
مسألة 946 : إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثم قام عنه، فإن كان جلوسه جلوس استراحة ونحوها جاز لغيره أن يشغل موضع جلوسه، وإن كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنه لا ينوي العود كان الحال كذلك وليس للأول منعه، وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه وكان ناوياً للعود فعندئذٍ إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط لم يجز لغيره إزاحته وإشغال ذلك الموضع وإلا ففي جوازه إشكال، والاحتياط لا يترك فيما إذا كان في يوم واحد وأما إذا كان في يوم آخر فالظاهر إنه لا إشكال في جوازه.

( 300 )
مسألة 947 : كما لا يجوز مزاحمة الجالس في موضع جلوسه كذلك لا يجوز مزاحمته فيما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه.
مسألة 948 : يجوز للجالس للمعاملة أو نحوها أو يظلل على موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة بثوب أو بارية أو نحوهما، وليس له بناء دكة ونحوها فيه.
مسألة 949 : يتحقق الشارع العام بأمور :
الأول : كثرة الاستطراق والتردد ومرور القوافل في الأرض الموات.
الثاني : جعل الإنسان ملكه شارعاً وتسبيله تسبيلاً دائمياً لسلوك عامة الناس، فإنه يصير طريقاً وليس للمسبل الرجوع بعد ذلك.
الثالث : قيام شخص أو جهة بتخطيط طريق في الأرض الموات وتعبيده وجعله طريقاً لسلوك عامة الناس.
الرابع : إحياء جماعة أرضاً مواتاً وتركهم طريقاً نافذاً بين الدور والمساكن.
مسألة 950 : لو كان الشارع العام واقعاً بين الأملاك فلا حد له، كما إذا كانت قطعة أرض موات بين الأملاك عرضها ثلاثة أذرع أو أقل أو أكثر واستطرقها الناس حتى أصبحت جادة فلا يجب على الملاك توسيعها وإن تضيقت على المارة.
و كذا الحال فيما لو سبل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره مقداراً لعبور الناس.
مسألة 951 : إذا كان الشارع العام محدوداً بالموات من أحد طرفيه أو كليهما وكان عرضه أقل من خمسة أذرع لم يجز إحياء الأراضي المتصلة به
( 301 )
بحيث يبقى ضيقاً على حاله بل لابد من مراعاة أن لا يقل الفاصل المشتمل عليه عن خمسة أذرع والأفضل أن لا يقل عن سبعة أذرع، فلو أقدم أحد على إحياء حريمه متجاوزاً على الحد المذكور لزم هدم المقدار الزائد.
هذا إذا لم يلزم ولي المسلمين حسب ما يراه من المصلحة أن يكون الفاصل أزيد من خمسة أذرع وإلا وجب اتباع أمره ولا يجوز التجاوز على الحد الذي يعينه.
مسألة 952 : إذا انقطعت المارة عن الطريق ولم يرج عودهم إليه جاز لكل أحد إحياؤه سواء أ كان ذلك لعدم وجودهم أو لمنع قاهر إياهم أو لهجرهم إياه واستطراقهم غيره أو لغيرها من الأسباب.
هذا إذا لم يكن مسبلاً وإلا ففي جواز إحيائه من دون مراجعة ولي الأمر إشكال.
مسألة 953 : إذا زاد عرض الطريق عن خمسة أذرع، فإن كان مسبلاً لم يجز لأحدٍ اقتطاع ما زاد عليها وإخراجه عن كونه طريقاً، وأما إذا كان غير مسبل فإن كان الزائد مورداً لاستفادة المستطرقين ولو في بعض الأحيان والحالات لم يجز ذلك أيضاً وإلا ففي جوازه إشكال والأحوط العدم.
مسألة 954 : يجوز لكل مسلم أن يتعبد ويصلي في المسجد وينتفع منه سائر الانتفاعات إلا بما لا يناسبه، وجميع المسلمين في ذلك شرع سواء، ولو سبق واحد إلى مكان منه للصلاة أو لغيرها من الأغراض الراجحة كالدعاء وقراءة القرآن والتدريس لم يجز لغيره إزاحته عن ذلك المكان أو إزاحة رحله عنه ومنعه من الانتفاع به سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه، نعم يحتمل عند التزاحم تقدم الطواف على غيره في المطاف والصلاة على غيرها في سائر المساجد فلا يترك الاحتياط للسابق بتخلية المكان للمسبوق في مثل ذلك.

( 302 )
مسألة 955 : من سبق إلى مكان للصلاة فيه منفرداً فليس لمريد الصلاة فيه جماعة منعه وإزعاجه، وإن كان الأولى للمنفرد حينئذٍ أن يخلي المكان للجامع إذا وجد مكاناً آخر فارغاً لصلاته، ولا يكون مناعا للخير.
مسألة 956 : إذا قام الجالس من المسجد وفارق المكان، فإن أعرض عنه جاز لغيره إن يأخذ مكانه، ولو عاد إليه وقد أخذه غيره فليس له منعه وإزعاجه، وأما إذا كان ناوياً للعود فإن بقي رحله فيه لم يجز إزاحته وأخذ مكانه وإن لم يبق ففي جواز أخذ مكانه إشكال والأحوط تركه، ولا سيما فيما إذا كان خروجه لضرورة كتجديد الطهارة أو نحوه، ولكن لو أقدم على أخذه لم يجز للأول إزاحته عنه عند العود.
مسألة 957 : العبرة في عدم جواز المزاحمة والإزعاج بصدق السبق إلى المكان عرفاً، والظاهر صدقه بفرش سجادة الصلاة ونحوها مما يشغل مقدار مكان الصلاة أو معظمه بل لا يبعد صدقه بمثل وضع الخمرة أو السبحة أو المشط أو السواك ونحوها.
مسألة 958 : إذا كان بين حجزه مكاناً في المسجد وبين مجيئه للاستفادة منه طول زمانٍ بحيث استلزم تعطيل المكان جاز لغيره إشغاله قبل مجيئه ورفع ما وضعه فيه والاستفادة من مكانه إذا كان قد شغل المحل بحيث لا يمكن الاستفادة منه إلا برفعه، والظاهر أنه لا يضمنه الرافع حينئذٍ بل يكون أمانة في يده إلى أن يوصله إلى صاحبه، وكذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء حاجة له فيه.
مسألة 959 : المشاهد المشرفة كالمساجد فيما ذكر من الأحكام، ويحتمل فيما هو من قبيل المزار منها تقدم الزيارة وصلاتها على غيرهما من الأغراض الراجحة عند التزاحم فلا ينبغي ترك مقتضى الاحتياط في مثله.
مسألة 960 : جواز السكن في المدارس لطالب العلم وعدمه تابعان
( 303 )
لكيفية وقف الواقف، فإذا خصها الواقف بطائفة خاصة كأهالي البلد أو الأجانب، أو بصنف خاص كطالبي العلوم الشرعية أو خصوص الفقه أو الكلام مثلاً، فلا يجوز لغير هذه الطائفة أو الصنف السكنى فيها كما لا يجوز لهؤلاء الاستقلال في حيازة غرفة منها من دون الاستئذان من المتولي إلا إذا كان ذلك مقتضى وقفيتها، وحينئذٍ إذا سبق أحد إلى غرفة منها وسكنها فهو أحق بها بمعنى أنه لا يجوز لغيره أن يزاحمه ما لم يعرض عنها وإن طالت المدة، إلا إذا اشترط الواقف مدة خاصة كخمس سنين مثلاً، فعندئذ يلزمه الخروج بعد انقضاء تلك المدة بلا مهلة.
مسألة 961 : إذا اشترط الواقف اتصاف ساكنها بصفة خاصة، كأن لا يكون معيلاً أو يكون مشغولاً بالتدريس أو بالتحصيل أو بالمطالعة أو التصنيف فإذا زالت عنه هذه العناوين لزمه الخروج منها، والضابط أن جواز السكنى ـ حدوثاً وبقاءً ـ تابع لوقف الواقف بتمام شرائطه، فلا يجوز السكنى لفاقدها حدوثاً أو بقاءً.
مسألة 962 : لا يبطل حق السكنى لساكنها بالخروج لحوائجه اليومية من المأكول والمشروب والملبس وما شاكل ذلك وإن لم يترك فيها رحلاً، كما لا يبطل بالخروج منها للسفر يوماً أو يومين أو أكثر، وكذلك الأسفار المتعارفة التي تشغل مدة من الزمن كشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، كالسفر إلى الحج أو الزيارة أو لملاقاة الأقرباء أو نحو ذلك مع نية العود وبقاء رحله ومتاعه، فلا بأس بها ما لم تناف شرط الواقف، نعم لابد من صدق عنوان ساكن المدرسة عليه، فإن كانت المدة طويلة بحيث توجب عدم صدق العنوان عليه بطل حقه.
مسألة 963 : إذا اعتبر الواقف البيتوتة في المدرسة في ليالي التحصيل خاصة أو في جميع الليالي فبات ساكنها في مكان آخر بطل حقه.

( 304 )
مسألة 964 : لا يجوز للساكن في غرفة منع غيره عن مشاركته إلا إذا كانت الحجرة حسب الوقف أو بمقتضى قابليتها معدة لسكنى طالب واحد.
مسألة 965 : الربط وهي المساكن المعدة لسكنى الفقراء أو الغرباء كالمدارس في جميع ما ذكر.
مسألة 966 : مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات وما شاكلهما، وهكذا الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج وكذا العيون المتفجرة من الجبال أو في أراضي الموات ونحوها من الأنفال ـ أي أنها مملوكة للإمام عليه السلام ـ ولكن من حاز منها شيئاً بآنية أو حوض أو غيرهما وقصد تملكه ملكه من غير فرق في ذلك بين المسلم والكافر.
مسألة 967 : كل ماء من مطر أو غيره لو اجتمع بنفسه في مكان بلا يد خارجية عليه فهو من المباحات الأصلية فمن حازه بإناء أو غيره وقصد تملكه ملكه من دون فرق بين المسلم والكافر في ذلك.
مسألة 968 : مياه الآبار والعيون والقنوات التي جرت بالحفر لا بنفسها ملك للحافر، فلا يجوز لأحد التصرف فيها بدون إذن مالكها.
مسألة 969 : إذا شق نهراً من بعض الأنهار الكبار سواء أ كان بشقه في أرض مملوكة له أو بشقه في الموات بقصد إحيائه نهراً ملك ما يدخل فيه من الماء إذا قصد تملكه.
مسألة 970 : إذا كان النهر لأشخاص متعددين، ملك كل منهم بمقدار حصته من النهر، فإن كانت حصة كل منهم من النهر بالسوية اشتركوا في الماء بالسوية اشتركوا في الماء بالسوية وإن كانت بالتفاوت ملكوا الماء بتلك النسبة، ولا تتبع نسبة استحقاق الماء نسبة استحقاق الأراضي التي تسقى منه.
مسألة 971 : الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكل واحد من الشركاء التصرف فيه بدون إذن
( 305 )
الباقين.
وعليه فإن أباح كل منهم لسائر شركائه أن يقضي حاجته منه في كل وقت وزمان وبأي مقدار شاء جاز له ذلك.
مسألة 972 : إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر فإن تراضوا بالتناوب والمهاياة بالأيام أو الساعات فهو، وإلا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء بأن توضع في فم النهر حديدة مثلاً ذات ثقوب متعددة متساوية ويجعل لكل منهم من الثقوب بمقدار حصته، ويوصل كل منهم ما يجري في الثقبة المختصة به إلى ساقيته، فإن كانت حصة أحدهم سدساً والآخر ثلثاً والثالث نصفاً، فلصاحب السدس ثقب واحد ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب النصف ثلاثة ثقوب فالمجموع ستة.
مسألة 973 : القسمة بحسب الأجزاء لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها، والظاهر أنها قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء أجبر الممتنع منهم عليها.
و أما القسمة بالمهاياة والتناوب فهي ليست بلازمة، فيجوز لكل منهم الرجوع عنها حتى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته وإن ضمن المستوفي حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل.
مسألة 974 : إذا اجتمعت أملاك على ماء عين أو واد أو نهر أو نحو ذلك من المشتركات كان للجميع حق السقي منه، وليس لأحد منهم إحداث سد فوقها ليقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار احتياج الباقين.
و عندئذٍ فإن كفى الماء للجميع من دون مزاحمة فهو، وإلا قدم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن كان وعلم السابق، وإلا قدم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة العين أو أصل النهر، وكذا الحال في الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط، فإن كفى الماء للجميع وإلا قدم الأسبق فالأسبق
( 306 )
ـ أي : من كان شق نهره أسبق من شق نهر الآخر ـ إن كان هناك سابق ولاحق وعلم، وإلا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه ثم ما يليه وهكذا.
مسألة 975 : تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع بنسبة ملكهم إذا كانوا مقدمين على ذلك باختيارهم وأما إذا لم يقدم على ذلك إلا البعض لم يجبر الممتنع، كما أنه لا يجوز التصرف فيه لغيره إلا بإذنه، وإذا أذن لهم بالتصرف فليس لهم مطالبته بحصته من المؤنة إلا إذا كان إقدامهم بطلبه وتعهده ببذل حصته.
مسألة 976 : إذا كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره، وكان إقدام غير القاصر متوقفاً على مشاركة القاصر إما لعدم اقتداره بدونه أو لغير ذلك، وجب على ولي القاصر ـ مراعاةً لمصلحته ـ إشراكه في التنقية والتعمير ونحوهما وبذل المؤنة من مال القاصر بمقدار حصته.
مسألة 977 : ليس لصاحب النهر تحويل مجراه إلا بإذن صاحب الرحى المنصوبة عليه بإذنه، وكذا غير الرحى أيضاً من الأشجار المغروسة على حافتيه وغيرها.
مسألة 978 : ليس لأحد أن يحمي المرعى ويمنع غيره عن رعي مواشيه إلا أن يكون المرعى ملكاً له فيجوز له أن يحميه حينئذٍ، نعم لولي المسلمين أن يحمي المراعي العامة ويمنع من الرعي فيها حسب ما تقتضيه المصلحة.
مسألة 979 : المعادن من الأنفال وهي على نوعين :
الأول : المعادن الظاهرة، وهي الموجودة على سطح الأرض كبعض معادن الملح والقير والكبريت والنفط ونحوها.
الثاني : المعادن الباطنة، وهي الموجودة في باطن الأرض مما يتوقف استخراجها على الحفر وذلك كغالب معادن الذهب والفضة.

( 307 )
أما الأولى فمن حاز منها شيئاً ملكه قليلاً كان أو كثيراً، ويبقى الباقي على حاله.
و أما الثانية فهي تملك بالاستخراج على تفصيل تقدم في المسألة 1194 من كتاب الخمس، وأما إذا حفر ولم يبلغ نيلها فهو يفيد فائدة التحجير.
مسألة 980 : من يجوز له استخراج معدن إذا تصرف في الأرض بإيجاد بعض مقدماته ثم أهمله وعطله أجبره الحاكم أو وكيله على إتمام العمل أو رفع يده عنه، ولو أبدى عذراً أمهله إلى أن يزول عذره ثم يلزمه أحد الأمرين.
مسألة 981 : المعادن الباطنة لا تملك بإحياء الأرض سواء أ كانت قريبة من السطح أم كانت بعيدة عنه في الأعماق كمعظم معادن النفط المحتاجة إلى حفر زائد للوصول إليها أو ما شاكلها، فهي على التقديرين لا تتبع الأرض ولا تملك بإحيائها.
مسألة 982 : لو حفر أرض المعدن وقال لغيره استخرجه منه ولك نصف الخارج فإن كان بعنوان الإجارة بطل، وفي صحته بعنوان الجعالة إشكال.