كتاب الحجر


( 334 )

( 335 )
والمقصود به كون الشخص ممنوعا في الشرع عن التصرف في ماله بسبب من الأسباب ، و هي كثيرة أهمها أمور :
1 ـ الصغر:
مسألة 1067 : الصغير و هو الذي لم يبلغ حد البلوغ محجور عليه شرعاً لا تنفذ تصرفاته الاستقلالية في أمواله ببيع و صلح و هبة و إقراض و إجارة و إيداع و إعارة و غيرها و إن كان في كمال التمييز و الرشد و كان التصرف في غاية الغبطة و الصلاح ، بل لا يجدي في الصحة إذن الولي سابقاً كما لا تجدي إجازته لاحقاً على المشهور ، و يستثنى من ذلك موارد ، منها : الأشياء اليسيرة التي جرت العادة بتصدي الصبي المميز لمعاملتها كما تقدم في المسألة ( 62 ) ، و منها : وصيته لذوي أرحامه و في الميراث و الخيرات العامة كما سيأتي في المسألة ( 1354 ).
مسألة 1068 : كما أن الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله كذلك محجور بالنسبة إلى ذمته ، فلا يصح منه الاقتراض و لا البيع و الشراء في الذمة بالسلم و النسيئة و إن كان وقت الأداء مصادفاً لزمان البلوغ ، و كذلك بالنسبة إلى نفسه فلا ينفذ منه التزويج و لا الطلاق ـ على كلام في طلاق البالغ عشراً يأتي في محله ـ و لا إجارة نفسه و لا جعل نفسه عاملاً في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة و غير ذلك ، نعم يجوز حيازته المباحات بالاحتطاب و الاحتشاش و نحوهما و يملكها بالنية ، بل و كذا يملك الجعل في الجعالة بعمله و إن لم يأذن له الولي فيهما.

( 336 )
مسألة 1069 : علامة البلوغ في الأنثى إكمال تسع سنين هلالية ، و في الذكر أحد الأمور الثلاثة :
الأول : نبات الشعر الخشن على العانة ، و لا اعتبار بالزغب و الشعر الضعيف.
الثاني : خروج المني ، سواء خرج يقظة أو نوماً بجماع أو احتلام أو غيرهما.
الثالث : إكمال خمس عشرة سنة هلالية على المشهور.
مسألة 1070 : لا يبعد كون نبات الشعر الخشن في الخد و في الشارب علامة للبلوغ ، و أما نباته في الصدر و تحت الإبط ، و كذا غلظة الصوت و نحوهما فليست أمارة عليه.
مسألة 1071 : لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي ، بل لابد معه من الرشد و عدم السفه بالمعنى الآتي.
مسألة 1072 : ولاية التصرف في مال الطفل و النظر في مصالحه و شؤونه لأبيه و جده لأبيه ، و مع فقدهما للقيم من أحدهما ، و هو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره ، و مع فقد الوصي تكون الولاية و النظر للحاكم الشرعي ، و أما الأم و الجد للأم و الأخ فضلاً عن الأعمام و الأخوال فلا ولاية لهم عليه بحال ، نعم الظاهر ثبوتها لعدول المؤمنين مع فقد الحاكم و لسائر المؤمنين مع فقدهم.
مسألة 1073 : لا تشترط العدالة في ولاية الأب و الجد ، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما ، لكن متى ظهر له و لو بقرائن الأحوال تعديهما على حقوق المولى عليه في نفسه أو ماله منعهما من التصرف ، و لا يجب عليه الفحص عن عملهما و تتبع سلوكهما.
مسألة 1074 : الأب و الجد مشتركان في الولاية ، فينفذ تصرف
( 337 )
السابق منهما و يلغى تصرف اللاحق ، و لو اقترنا فالأقوى بطلانهما إلا في النكاح فيقدم عقد الجد.
مسألة 1075 : لا فرق في الجد بين القريب و البعيد ، فلو كان له أب و جد و أب الجد و جد الجد اشتركوا كلهم في الولاية.
مسألة 1076 : يعتبر في نفوذ تصرف الأب و الجد عدم المفسدة فيه ، و أما غيرهما من الأولياء من الوصي و الحاكم و عدول المؤمنين فنفوذ تصرفاتهم مشروط بالغبطة و الصلاح كما تقدم في كتاب البيع.
مسألة 1077 : يجوز للولي المضاربة بمال الطفل و إبضاعه بشرط وثاقة العامل و أمانته ، فإن دفعه إلى غيره ضمن.
مسألة 1078 : يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلمه الصنعة أو إلى من يعلمه القراءة و الخط و الحساب و العلوم النافعة لدينه و دنياه ، و يلزم عليه أن يصونه عما يفسد أخلاقه فضلاً عما يضر بعقائده.
مسألة 1079 : يجوز لولي اليتيم إن يخلطه بعائلته و يحسبه كأحدهم فيوزع المصارف عليهم على الرؤوس ، و يختص هذا بالمصارف التي يتشارك فيها أفراد العائلة الواحدة عادة و لا يفرد لصنف منهم أو لكل واحد مصرفاً مستقلاً كالمأكل و المشرب و كذا المسكن و شؤونه المتعارفة ، و أما غيرها كالكسوة و ما يشبهها فلابد من إفراده فيه و لا يحسب عليه إلا ما يصرف منه عليه مستقلاً ، و هكذا الحال في اليتامى المتعددين فيجوز لمن يتولى الإنفاق عليهم أن يخلطهم فيما هو من قبيل المأكول و المشروب و يوزع المصارف عليهم على الرؤوس دون غيره فإنه يحسب على كل واحد ما يصرف عليه مستقلاً.
مسألة 1080 : إذا كان للصغير مال على غيره جاز للولي أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة ، لكن لا يحل على المتصالح باقي المال و ليس
( 338 )
للولي إسقاطه بحال.
مسألة 1081 : ينفق الولي على الصبي بالاقتصاد لا بالإسراف و لا بالتقتير ملاحظاً في طعامه و كسائه و غيرهما ما يليق بشأنه.
مسألة 1082 : لو ادعى الولي الإنفاق على الصبي أو على ماله أو دوابه بالمقدار اللائق و أنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو مقداره و كيفيته فالقول قول الولي بيمينه ـ ما لم يكن مخالفاً للظاهر ـ إلا أن يكون مع الصبي البينة.
2 ـ الجنون :
مسألة 1083 : لا ينفذ تصرف المجنون إلا في أوقات إفاقته ، و حكمه حكم الصغير في جميع ما تقدم ، نعم في ولاية الأب و الجد و وصيهما عليه إذا تجدد جنونه بعد بلوغه و رشده أو كونها للحاكم إشكال ، فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معاً.
3 ـ السفه :
السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله و الاعتناء بحاله يصرفه في غير موقعه و يتلفه بغير محله ، و ليس معاملاته مبنية على المكايسة و التحفظ عن المغابنة ، لا يبالي بالانخداع فيها ، يعرفه أهل العرف و العقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجاً عن طورهم و مسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً و صرفاً.
مسألة 1084 : السفيه محجور عليه شرعاً لا ينفذ تصرفاته في ماله ببيع و صلح و إجارة و إيداع و عارية و غيرها ، و لا يتوقف حجره على حكم الحاكم على الأقوى ، و لا فرق بين أن يكون سفهه متصلاً بزمان صغره أو تجدد بعد البلوغ ، فلو كان سفيهاً ثم حصل له الرشد ارتفع حجره ، فإن عاد إلى حالته السابقة حجر عليه ، و لو زالت فك حجره ، و لو عاد عاد الحجر عليه و هكذا ، و لا يزول الحجر مع فقد الرشد و إن طعن في السن.

( 339 )
مسألة 1085 : ولاية السفيه للأب و الجد و وصيهما إذا بلغ سفيهاً ، و أما من طرأ عليه السفه بعد البلوغ ففي كون الولاية عليه للجد و الأب أيضاً أو للحاكم خاصة إشكال فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معاً.
مسألة 1086 : كما أن السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمته ، بأن يتعهد مالاً أو عملاً ، فلا يصح اقتراضه و ضمانه و لا بيعه و شراؤه بالذمة و لا إجارة نفسه و لا جعل نفسه عاملاً في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة و غير ذلك.
مسألة 1087 : معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله ، فلو كان بإذن الولي أو إجازته صح و نفذ، نعم في العتق و نحوه مما لا يجري فيه الفضولية يشكل صحته بالإجازة اللاحقة من الولي ، و لو أوقع معاملة في حال سفهه ثم حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الولي.
مسألة 1088 : لا يصح زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته على الأحوط ، لكن يصح طلاقه و ظهاره و خلعه ، كما تصح وصيته في غير أمواله كتجهيزه و نحوه ، و يقبل إقراره إذا لم يتعلق بالمال كما لو أقر بالنسب أو بما يوجب القصاص و نحو ذلك ، و لو أقر بالسرقة يقبل في القطع دون المال.
مسألة 1089 : لو وكل السفيه أجنبي في بيع أو هبة أو إجارة مثلاً جاز و لو كان وكيلاً في أصل المعاملة لا في مجرد إجراء الصيغة.
مسألة 1090 : إذا حلف السفيه أو نذر على فعل شيء أو تركه مما لا يتعلق بماله انعقد حلفه و نذره ، و لو حنث كفر كسائر ما أوجب الكفارة كقتل الخطأ و الإفطار في شهر رمضان ، و هل يتعين عليه الصوم لو تمكن منه أو يتخير بينه و بين كفارة مالية كغيره ؟ وجهان أحوطهما الأول ، نعم لو لم يتمكن من الصوم تعين غيره ، كما إذا فعل ما يوجب الكفارة المالية على التعيين كما في كثير من كفارات الإحرام.

( 340 )
مسألة 1091 : لو كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه بخلاف الدية و أرش الجناية.
مسألة 1092 : إذا اطلع الولي على بيع أو شراء مثلاً من السفيه و لم ير المصلحة في إجازته ، فإن لم يقع إلا مجرد العقد ألغاه ، و إن وقع تسليم و تسلم للعوضين فما سلمه إلى الطرف الآخر يسترده و يحفظه ، و ما تسلمه و كان موجوداً يرده إلى مالكه و إن كان تالفاً ضمنه السفيه ، فعليه مثله أو قيمته لو قبضه بغير إذن من مالكه و إن كان بإذن منه و تسليمه لم يضمنه إلا مع إتلافه إياه ، نعم يقوى الضمان في صورة التلف أيضاً لو كان المالك الذي سلمه الثمن أو المبيع جاهلا بحاله ، و كذا الحال فيما لو اقترض السفيه و أتلف المال.
مسألة 1093 : لو أودع إنسان وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى ، سواء علم المودع بحاله أو جهل بها ، نعم لو تلفت عنده لم يضمنها حتى مع تقصيره في حفظها إذا كان المودع عالماً بحاله.
مسألة 1094 : لا يسلم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده ، و إذا اشتبه حاله يختبر بأن يفوض إليه مدة معتد بها بعض الأمور مما يناسب شأنه كالبيع و الشراء و الإجارة و الاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الأمور و الرتق و الفتق في بعض الأمور مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه أو مصالح الولي و نحو ذلك فيمن يناسبه ذلك ، فإن أنس منه الرشد ـ بأن رأى منه المداقة و المكايسة و التحفظ عن المغابنة في معاملاته و صيانة المال من التضييع و صرفه في موضعه و جريه مجاري العقلاء ـ دفع إليه ماله و إلا فلا.
مسألة 1095 : الصبي إذا احتمل حصول الرشد له قبل البلوغ فالأحوط اختباره قبله ليسلم إليه ماله بمجرد بلوغه لو أنس منه الرشد ، و إلا لزم في كل زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده ، و أما غيره فإن ادعى حصول الرشد له و احتمله الولي يجب اختباره ، و إن لم يدع حصوله ففي
( 341 )
وجوب الاختبار بمجرد الاحتمال إشكال بل لا يبعد عدمه.
مسألة 1096 : يثبت الرشد في الرجال بشهادة أمثالهم ، و في النساء بشهادة الرجال ، و في ثبوته بشهادة رجل و امرأتين أو بشهادة النساء منفردات إشكال.
4 ـ الفلس :
المفلس هو الذي حجر عليه أي منع من التصرف بماله لقصوره عن ديونه.
مسألة 1097 : من كثرت عليه الديون و لو كانت أضعاف أمواله يصح له التصرف فيها بأنواعه و ينفذ أمره فيها بأصنافه و لو بإخراجها جميعاً عن ملكه مجاناً أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي ، نعم لو كان صلحه عنها أو هبتها مثلاً لأجل الفرار من أداء الديون تشكل الصحة ، خصوصاً فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب و نحوه.
مسألة 1098 : لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة :
الأول : أن تكون ديونه ثابتة شرعاً.
الثاني : أن تكون أمواله من عروض و نقود و منافع و ديون على الناس ما عدا مستثنيات الدين قاصرة عن ديونه.
الثالث : أن تكون الديون حالة ، فلا يحجر عليه لأجل الديون المؤجلة و أن لم يف ماله بها لو حلت ، و لو كان بعضها حالاً و بعضها مؤجلاً فإن قصر ماله عن الحالة يحجر عليه و إلا فلا.
الرابع : أن يرجع الغرماء كلهم أو بعضهم إلى الحاكم و يطلبوا منه الحجر عليه ، فليس للحاكم أن يتبرع بالحجر عليه أو عند طلبه نفسه ، نعم إذا كان الدين لمن يكون الحاكم وليهم كاليتيم و المجنون جاز له الحجر عليه مع مراعاة مصلحتهم.
مسألة 1099 : يعتبر في الحجر عليه بطلب بعض الغرماء أن يكون
( 342 )
دينه بمقدار يجوز الحجر به عليه و إن عم الحجر حينئذٍ له و لغيره من ذي الدين الحال الذي يستحق المطالبة به.
مسألة 1100 : إذا حجر الحاكم على المفلس تعلق حق الغرماء بأمواله عيناً كانت أم ديناً ، و لا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع و الإجارة و بغير عوض كالوقف و الهبة و الإبراء إلا بإذنهم أو إجازتهم.
مسألة 1101 : إذا اشترى شيئاً بخيار ثم حجر عليه جاز له إسقاط خياره و أما جواز فسخه فمحل إشكال.
مسألة 1102 : إنما يمنع الحجر عن التصرف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه دون الأموال المتجددة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره بمثل الاحتطاب و الاصطياد و قبول الوصية و الهبة و نحو ذلك ، نعم لا إشكال في جواز تجديد الحجر عليها إذا كانت مع الأموال السابقة قاصرة عن ديونه و إلا بطل الحجر.
مسألة 1103 : لو اقترض المفلس بعد الحجر عليه أو اشترى في الذمة لم يشارك المقرض و البائع الغرماء ، و لو أتلف مال غيره فالأظهر عدم مشاركة صاحبه للغرماء و كذا لو أقر بدين سابق أو بعين ، نعم ينفذ الإقرار في حق نفسه فلو سقط حق الغرماء عن العين و انفك الحجر لزمه تسليمها إلى المقر له أخذاً بإقراره.
مسألة 1104 : إذا حكم الحاكم بحجر المفلس أمره ببيع أمواله بالاتفاق مع غرمائه و قسمتها بينهم بالحصص و على نسبة ديونهم ، فإن أبى باعها عليه بالاتفاق معهم و قسمها كذلك و يزول الحجر عنه بالتقسيم و الأداء ، و يستثنى من أمواله مستثنيات الدين و قد مرت في كتاب الدين ، و كذا أمواله المرهونة عند الديان لو كانت ، فإن المرتهن أحق باستيفاء حقه من العين المرهونة و لا يحاصه فيها سائر الغرماء إلا في المقدار الزائد منها على
( 343 )
دينه كما مر في كتاب الرهن.
مسألة 1105 : إذا كان من جملة مال المفلس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمته كان البائع بالخيار بين أن يفسخ البيع و يأخذ عين ماله و بين الضرب مع الغرماء بالثمن و لو لم يكن له مال سواها.
مسألة 1106 : الظاهر أن هذا الخيار ليس على الفور ، فله أن لا يبادر بالفسخ و الرجوع في العين ، نعم ليس له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث يعطل أمر التقسيم على الغرماء ، فإذا وقع منه ذلك خيره الحاكم بين الأمرين ، فإن امتنع عن اختيار أحدهما ضربه مع الغرماء بالثمن.
مسألة 1107 : يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين فلا رجوع لو كان مؤجلاً و لم يحل قبل القسمة و أما مع حلوله قبلها فله ذلك على الأقرب.
مسألة 1108 : لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر.
مسألة 1109 : المقرض كالبائع في أن له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض ، و أما المؤجر فهل له فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء المنفعة ؟ فيه إشكال فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1110 : لو باع شقصاً و فلس المشتري كان للشريك الأخذ بالشفعة و يضرب البائع مع الغرماء في الثمن.
مسألة 1111 : لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو المقترضة كان لهما الرجوع إلى الموجود بحصته من الدين و الضرب بالباقي مع الغرماء كما إن لهما الضرب بتمام الدين معهم.
مسألة 1112 : لو حصلت العين المبيعة أو المقترضة زيادة منفصلة كالولد و نحوه فهي للمشتري و المقترض و ليس للبائع و المقرض إلا الرجوع إلى الأصل ، و أما لو حصلت لها زيادة متصلة فإن كانت غير قابلة للإنفصال
( 344 )
كالسمن و الطول فهي تابعة للعين فيرجع البائع أو المقترض إلى العين كما هي إلا إذا كانت كثيرة كما سيأتي ، و إن كانت قابلة له كالصوف و الثمرة و نحوهما ففي التبعية إشكال و الأظهر عدمها.
مسألة 1113 : إذا زرع الحب أو استفرخ البيض لم يكن للبائع أو المقرض الرجوع إلى الزرع أو الفرخ ، و كذا في كل مورد حصل تغير في المبيع أو المال المقترض بحيث لا يصدق أنه عين ماله و إن كان ذلك بسبب حصول نماء متصل فيه غير قابل للانفصال كما لو باعه الفرخ في أول خروجه من البيض فصار دجاجاً فإن ذلك يمنع من الرجوع فيه ، نعم لا يمنع منه حدوث صفة أو ما بحكمها فيه و إن أوجبت زيادة قيمته السوقية.
مسألة 1114 : لو اشترى ثوباً فقصره و صبغه لم يبطل حق البائع في العين ، و أما لو اشترى غزلاً فنسجه أو دقيقاً فخبزه فالأظهر بطلان حقه فيهما.
مسألة 1115 : لو تعيبت العين عند المشتري مثلاً ، فإن كان بآفة سماوية أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن و أن يضرب بالثمن مع الغرماء ، و كذا لو كان بفعل البائع أو الأجنبي على الأقرب.
مسألة 1116 : لو اشترى أرضاً فأحدث فيها بناء أو غرساً ثم فلس كان للبائع الرجوع إلى أرضه لكن البناء و الغرس للمشتري فإن تراضيا على البقاء مجاناً أو بعوض جاز و إن لم يرض البائع بالبقاء قيل : إن له إجبار المشتري على القلع و الهدم و ليس للمشتري إجباره على البقاء و لو بأجرة ، و لكنه لا يخلو عن إشكال ، و لو أراد المشتري القلع أو الهدم فليس للبائع إجباره على البقاء و لو مجاناً بلا إشكال.
مسألة 1117 : إذا خلط المشتري ما اشتراه بمال آخر على نحو يعد معه تالفاً أو موجباً للشركة في الخليط فالأظهر سقوط حق البائع في العين فيضرب مع الغرماء في الثمن.

( 345 )
مسألة 1118 : غريم الميت كغريم المفلس ، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه ، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافياً بدين الغرماء ، و إلا فليس له ذلك بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم و إن كان الميت قد حجر عليه.
مسألة 1119 : إذا كان في التركة عين زكوية قدمت الزكاة على الديون و كذلك الخمس و إذا كانا في ذمة الميت كانا كسائر الديون.
مسألة 1120 : يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله نفقته و كسوته و نفقة و كسوة من يجب عليه نفقته و كسوته على ما جرت عليه عادته ، و لو مات قدم كفنه بل و سائر مؤن تجهيزه من السدر و الكافور و ماء الغسل و نحو ذلك على حقوق الغرماء و يقتصر على الواجب على الأحوط ، و إن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوة.
مسألة 1121 : لو قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر نقضت القسمة و شاركهم.
5 ـ مرض الموت :
مسألة 1122 : المريض إذا لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح يتصرف في ماله بما شاء و كيف شاء و ينفذ جميع تصرفاته في جميع ما يملكه إلا فيما أوصى بأن يصرف شيء بعد موته فإنه لا ينفذ فيما زاد على ثلث ما يتركه ، كما أن الصحيح أيضاً كذلك و سيأتي تفصيل ذلك في محله.
و أما إذا اتصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيته بما زاد على الثلث كغيره ، كما أنه لا إشكال في جواز انتفاعه بماله بالأكل و الشرب و الإنفاق على نفسه و من يعوله و الصرف على أضيافه و في حفظ شأنه و اعتباره و غير ذلك مما يليق به و لا يعد سرفاً و تبذيراً أي مقدار كان ، و كذا لا إشكال في نفوذ تصرفاته المعاوضية المتعلقة بماله إذا لم تكن مشتملة على المحاباة
( 346 )
كالبيع بثمن المثل و الإجارة بأجرة المثل ، و إنما الإشكال في تصرفاته الأخرى المبنية على المحاباة و المجانية أو على نحو منها كالوقف و الصدقة و الإبراء و الهبة و الصلح بغير عوض أو بعوض أقل من القيمة و البيع بأقل من ثمن المثل و الإجارة بأقل من أجرة المثل و نحو ذلك مما يستوجب نقصاً في ماله ، و هي المعبر عنها بـ ( المنجزات ) فقد وقع الإشكال في أنها هل هي نافذة من الأصل ـ بمعنى نفوذها و صحتها مطلقاً و إن زادت على ثلث ماله بل و إن تعلقت بجميع ماله بحيث لم يبق شيء للورثة ـ أو هي نافذة بمقدار الثلث ، فإذا زادت يتوقف صحتها و نفوذها في الزائد على إمضاء الورثة ، و الأقوى هو الثاني.
مسألة 1123 : الواجبات المالية التي يؤديها المريض في مرض موته كالخمس و الزكاة و الكفارات تخرج من الأصل.
مسألة 1124 : الصدقة و إن كانت من المنجزات كما تقدم لكن الظاهر أنه ليس منها ما يتصدق المريض لأجل شفائه و عافيته مما يليق بشأنه و لا يعد سرفاً.
مسألة 1125 : يقتصر في المرض المتصل بالموت على ما يكون المريض معه في معرض الخطر و الهلاك ، فمثل حمى يوم خفيف اتفق الموت به على خلاف مجاري العادة لا يمنع من نفوذ المنجزات من أصل التركة ، و كذا يقتصر فيه على المرض الذي يؤدي إلى الموت ، فلو مات لا بسبب ذلك المرض بل بسبب آخر من قتل أو افتراس سبع أو لدغ حية و نحو ذلك لم يمنع من نفوذها من الأصل ، و أيضاً يقتصر في المرض الذي يطول بصاحبه فترة طويلة على أواخره القريبة من الموت فالمنجزات الصادرة منه قبل ذلك نافذة من الأصل.
مسألة 1126 : لا يبعد أن يلحق بالمرض كون الإنسان في معرض الخطر
( 347 )
و الهلاك كأن يكون في حال المراماة في الحرب أو في حال إشراف السفينة على الغرق.
مسألة 1127 : لو أقر بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبي ، فإن كان مأموناً غير متهم نفذ إقراره في جميع ما أقر به ، و إن كان زائداً على ثلث ماله بل و إن استوعبه ، و إلا فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه.
هذا إذا كان الإقرار في مرض الموت و أما إذا كان في حال الصحة أو في مرض غير مرض غير مرض الموت نفذ في الجميع و إن كان متهماً.
و المراد بكونه متهماً وجود أمارات يظن معها بكذبه ، كأن يكون بينه و بين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك إضرارهم ، أو كان له محبة شديدة مع المقر له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.
مسألة 1128 : إذا لم يعلم حال المقر و إنه كان متهماً أو مأموناً ففي الحكم بنفوذ إقراره في الزائد على الثلث و عدمه إشكال ، فالأحوط التصالح بين الورثة و المقر له.
مسألة 1129 : إنما يحسب الثلث في مسألتي المنجزات و الإقرار بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته من الأموال عيناً أو ديناً أو منفعة أو حقاً مالياً يبذل بأزائه المال كحق التحجير ، و هل تحسب الدية من التركة و تضم إليها و يحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا ؟ وجهان أوجههما الأول.
مسألة 1130 : ما تقدم من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصية و في المنجزات إنما هو فيما إذا لم يجز الورثة و إلا نفذتا بلا إشكال ، و لو أجاز بعضهم نفذ بمقدار حصته ، و لو أجازوا بعضاً من الزائد عن الثلث نفذ بقدره.
مسألة 1131 : لا إشكال في صحة إجازة الوارث بعد موت المورث ، و هل تصح منه في حال حياته بحيث تلزم عليه و لا يجوز له الرد بعد ذلك أم
( 348 )
لا ؟ قولان أقواهما الأول خصوصاً في الوصية ، و إذا رد في حال الحياة يمكن أن يلحقه الإجازة بعد ذلك على الأقوى و إن رده بعد الموت لم تنفع الإجازة بعده.

( 349 )

كتاب الضمان

( 350 )

( 351 )
الضمان هو : ( التعهد بمال لآخر ) ويقع على نحوين :
تارة على نحو نقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن للمضمون له ، و أخرى على نحو التزام الضامن للمضمون له بأداء مال إليه فليست نتيجته سوى وجوب الأداء عليه تكليفاً ، فالفرق بين النحوين : أن الضامن على النحو الأول ـ و هو المقصود بالضمان عند الإطلاق ـ تشتغل ذمته للمضمون له بنفس المال المضمون ، فلو مات قبل وفائه أخرج من تركته مقدماً على الإرث ، و أما الضامن على النحو الثاني فلا تشتغل ذمته للمضمون له بنفس المال بل بأدائه إليه فلو مات قبل ذلك لم يخرج من تركته شيء إلا بوصية منه.
مسألة 1132 : يعتبر في الضمان : الإيجاب من الضامن و القبول من المضمون له بلفظ أو فعل دال ـ و لو بضميمة القرائن ـ على تعهد الأول بالمال و رضا الثاني بذلك.
مسألة 1133 : يعتبر في الضامن و المضمون له : البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم السفه ، و عدم التفليس أيضاً في خصوص المضمون له ، و أما في المديون فلا يعتبر شيء من ذلك فلو ضمن شخص ما على المجنون أو الصغير من الدين صح.
مسألة 1134 : الأحوط اعتبار التنجيز في عقد الضمان فلو علقه على أمر كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا أو إن لم يف أصلاً لم يصح على الأحوط ، نعم لا يعتبر التنجيز في الضمان على النحو الثاني فيصح أن يلتزم بأداء الدين مثلاً
( 352 )
على تقدير خاص كعدم قيام المدين بوفائه فيلزمه العمل بالتزامه و للدائن مطالبته بالأداء على ذلك التقدير.
مسألة 1135 : يعتبر في الضمان كون الدين الذي يضمنه ثابتاً في ذمة المضمون عنه سواء كان مستقراً كالقرض و الثمن أو المثمن في البيع الذي لا خيار فيه أو متزلزلاً كأحد العوضين في البيع الخياري أو كالنصف الثاني من المهر قبل الدخول و نحو ذلك ، فلو قال أقرض فلاناً أو بعه نسيئة و أنا ضامن لم يصح ، نعم لو قصد الضمان على النحو الثاني المتقدم صح ، فلو تخلف المقترض عن أداء القرض أو تخلف المشتري عن أداء الثمن المؤجل وجب على الضامن أداؤه.
مسألة 1136 : يعتبر في الضمان تعين الدين و المضمون له و المضمون عنه فلا يصح ضمان أحد الدينين و لو لشخص معين على شخص معين ، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد معين ، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو على واحد معين.
مسألة 1137 : إذا كان الدين معيناً في الواقع و لو يعلم جنسه أو مقداره أو كان المضمون له أو المضمون عنه متعيناً في الواقع و لم يعلم شخصه صح على الأقوى ، خصوصاً في الأخيرين ، فلو قال ضمنت ما لفلان على فلان و لم يعلم أنه درهم أو دينار أو انه دينار أو ديناران صح على الأصح ، و كذا لو قال ضمنت الدين الذي على فلان لمن يطلبه من هؤلاء العشرة ، و يعلم بأن واحداً منهم يطلبه و لم يعلم شخصه ثم قبل بعد ذلك الواحد المعين الذي يطلبه ، أو قال ضمنت ما كان لفلان على المديون من هؤلاء و لم يعلم شخصه صح الضمان على الأقوى.
مسألة 1138 : إذا تحقق الضمان الجامع للشرائط انتقل الحق ـ كما تقدم ـ من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن و برئت ذمته ، فإذا أبرء
( 353 )
المضمون له ـ و هو صاحب الدين ـ ذمة الضامن برئت الذمتان الضامن و المضمون عنه ، و إذا أبرء ذمة المضمون عنه كان لغواً لأنه لم تشتغل ذمته بشيء حتى يبرئه.
مسألة 1139 : عقد الضمان لازم فلا يجوز للضامن فسخه و لا المضمون له.
مسألة 1140 : يشكل ثبوت الخيار لأي من الضامن و المضمون له بالاشتراط أو بغيره.
مسألة 1141 : إذا كان الضامن حين الضمان قادراً على أداء المضمون فليس للدائن فسخ الضمان و مطالبة المديون الأول و إن عجز الضامن عن الأداء بعد ذلك ، و كذلك إذا كان الدائن عالماً بعجز الضامن و رضي بضمانه ، و أما إذا كان جاهلاً بذلك ففي ثبوت حق الفسخ له إشكال.
مسألة 1142 : إذا ضمن من دون إذن المضمون عنه و طلبه لم يكن له الرجوع عليه بالدين و إلا فله الرجوع عليه و لو قبل وفائه على الأظهر ، نعم إذا أبرء المضمون له ذمة الضامن عن تمام الدين لم يستحق على المضمون عنه شيئاً و إذا أبرء ذمته عن بعضه لم يستحق عليه ذلك البعض ، و لو صالح المضمون له الضامن بالمقدار الأقل لم يستحق الضامن على المضمون عنه إلا ذلك المقدار دون الزائد ، و كذا الحال لو ضمن الدين بأقل منه برضا المضمون له ، و الضابط أن الضامن لا يستحق على المضمون عنه بالمقدار الذي يسقط من الدين بغير أدائه ، و منه يظهر أنه ليس له شيء في صورة تبرع أجنبي لأداء الدين.
مسألة 1143 : لو دفع المضمون عنه الدين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمته و ليس له الرجوع عليه.
مسألة 1144 : إذا احتسب المضمون له ما على ذمة الضامن خمساً
( 354 )
أو زكاة بإجازة من الحاكم الشرعي ، أو صدقة ، فالظاهر أن للضامن أن يطالب المضمون عنه بذلك و كذا الحال إذا أخذه منه ثم رده إليه بعنوان الهبة أو نحوها ، و هكذا إذا مات المضمون له و ورث الضامن ما في ذمته.
مسألة 1145 : يجوز ضمان الدين الحال حالاً و مؤجلاً، و كذا ضمان الدين المؤجل مؤجلاً و حالاً ، و كذا يجوز ضمان الدين المؤجل مؤجلاً بأزيد من أجله و بأنقص منه.
مسألة 1146 : إذا كان الدين حالاً و ضمنه الضامن مؤجلاً كان الأجل للضمان لا الدين ، فلو أسقط الضامن الأجل سقط فيكون للمضمون له مطالبته حالاً كما كان له مطالبة المضمون عنه كذلك ، و هكذا الحال ما لو مات الضامن قبل انقضاء الأجل.
مسألة 1147 : إذا كان الدين مؤجلاً و ضمنه شخص بإذن المضمون عنه كذلك ثم أسقط الأجل فليس له مطالبة المضمون عنه به قبل حلول الأجل ، و كذا الحال إذا مات الضامن في الأثناء فإن المضمون له يأخذ المال المضمون من تركته حالا و لكن ليس لورثته مطالبة المضمون عنه قبل حلول الأجل.
مسألة 1148 : إذا كان الدين مؤجلاً و ضمنه شخص حالاً بإذن المضمون عنه جاز له الرجوع إليه كذلك لأنه المتفاهم العرفي من إذنه بذلك.
مسألة 1149 : إذا كان الدين مؤجلاً و ضمنه بإذن المضمون عنه بأقل من أجله كما إذا كان أجله ثلاثة أشهر مثلاً و ضمنه بمدة شهر فله مطالبة المضمون عنه بالدين عند حلول الأجل الثاني و هو أجل الضمان.
و إذا ضمنه بأكثر من أجله ثم أسقط الزائد فله مطالبة المضمون عنه بذلك و كذلك الحال ما إذا مات الضامن بعد انقضاء أجل الدين و قبل انقضاء
( 355 )
المدة الزائدة.
مسألة 1150 : إذا أدى الضامن الدين من غير جنسه لم يكن له إجبار المضمون عنه بالأداء من خصوص الجنس الذي دفعه إلى الدائن.
مسألة 1151 : يجوز الضمان بشرط الرهانة من المضمون له على الضامن فيرهن بعد الضمان ، و لو لم يفعل ففي ثبوت الخيار للمضمون له إشكال.
مسألة 1152 : إذا كان على الدين الثابت في ذمة المضمون عنه رهن فهو ينفك بالضمان إلا إذا اشترط عدمه فلا ينفك حينئذٍ.
مسألة 1153 : يجوز الترامي في الضمان بأن يضمن مثلاً عمرو عن زيد ، ثم يضمن بكر عن عمرو ثم يضمن خالد عن بكر و هكذا ، فتبرأ ذمة الجميع و يستقر الدين على الضامن الأخير ، فإن كان جميع الضمانات بغير إذن من المضمون عنه لم يرجع واحد منهم على سابقه ، و إن كان جميعها بالإذن يرجع الضامن الأخير على سابقه و هو على سابقه إلى أن ينتهي إلى المديون الأصلي ، و إن كان بعضها بالإذن و بعضها بدونه فإن كان الأخير بدون الإذن كان كالأول لم يرجع واحد منهم على سابقه و إن كان بالإذن رجع هو على سابقه و هو على سابقه لو ضمن بإذنه و إلا لم يرجع و انقطع الرجوع عليه.
مسألة 1154 : لا إشكال في جواز ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك بأن يكون على كل منهما بعض الدين فتشتغل ذمة كل منهما بمقدار منه على حسب ما عيناه و لو بالتفاوت ، و لو أطلقا يقسط عليهما بالنصف و إن كانوا ثلاثة فبالثلث و هكذا ، و لكل منهما أداء ما عليه و تبرأ ذمته و لا يتوقف على أداء الآخر ما عليه ، و للمضمون له مطالبة كل منهما بحصته و مطالبة أحدهما أو إبراؤه دون الآخر ، و لو كان ضمان أحدهما بالإذن دون الآخر رجع هو إلى المضمون عنه بما ضمنه دون الآخر ، و الظاهر أنه لا فرق في جميع ما ذكر
( 356 )
بين أن يكون ضمانهما بعقدين ـ بأن ضمن أحدهما عن نصف الدين ثم ضمن الآخر عن نصفه الآخر ـ أو بعقد واحد كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له ، هذا كله في ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك ، و أما ضمانهما عنه بالاستقلال ـ بأن يكون كل منهما ضامناً لتمام الدين ـ فهو محل إشكال بل منع.
مسألة 1155 : إذا كان المديون فقيراً لم يصح أن يضمن شخص عنه بالوفاء من الخمس أو الزكاة أو المظالم ، و لا فرق في ذلك بين أن تكون ذمة الضامن مشغولة بها فعلاً أم لا.
مسألة 1156 : إذا كان الدين الثابت على ذمة المدين خمساً أو زكاةً صح أن يضمن عنه شخص للحاكم الشرعي أو وكيله.
مسألة 1157 : إذا ضمن شخص في مرض موته صح الضمان ، فإن كان بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من أصل التركة ، و إن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الثلث.
مسألة 1158 : يصح أن يضمن شخص للمرأة نفقاتها الماضية ، و أما ضمانه لنفقاتها الآتية فلا يصح إلا على النحو الثاني المتقدم كما لا يصح ضمان نفقة الأقارب إلا على ذلك النحو.
مسألة 1159 : كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم يجوز الضمان عن المنافع و الأعمال المستقرة في الذمم ، فكما أنه يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الأجرة كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل ، نعم لو كان ما عليه يعتبر فيه مباشرته ـ كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة ـ لم يصح ضمانه.
مسألة 1160 : يصح ضمان الأعيان الخارجية على النحو الثاني المتقدم أي الالتزام بردها مع بقاء العين المضمونة ورد بدلها من المثل أو
( 357 )
القيمة عند تلفها ، و من هذا القبيل ضمان شخص عهدة الثمن للمشتري إذا ظهر المبيع مستحقاً للغير أو ظهر بطلان البيع من جهة أخرى.
مسألة 1161 : في صحة ضمان ما يحدثه المشتري في الأرض المشتراة من بناء أو غرس أو نحو ذلك إذا ظهر كونها مستحقة للغير إشكال ، و لكن الأقوى صحته على النحو الثاني المتقدم.
مسألة 1162 : لو ادعى شخص على شخص ديناً فقال ثالث للمدعي عليّ ما عليه فرضي به المدعي صح الضمان ، بمعنى انتقال الدين إلى ذمته على تقدير ثبوته ، فيسقط الدعوى عن المضمون عنه و يصير الضامن طرف الدعوى ، فإذا أقام المدعي البينة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، و كذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدين ، و أما إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شيء على الضامن لكونه إقراراً على الغير.
مسألة 1163 : إذا اختلف الدائن و المدين في أصل الضمان ، كما إذا ادعى المديون الضمان و أنكره الدائن فالقول قول الدائن ، و هكذا إذا ادعى المديون الضمان في تمام الدين و أنكره المضمون له في بعضه.
مسألة 1164 : إذا ادعى الدائن على أحد الضمان فأنكره فالقول قول المنكر ، و إذا اعترف بالضمان و اختلفا في مقداره أو في اشتراط التعجيل إذا كان الدين مؤجلاً ، فالقول قول الضامن ، و إذا اختلفا في اشتراط التأجيل مع كون الدين حالاً ، أو في وفائه للدين ، أو في إبراء المضمون له قدم قول المضمون له.
مسألة 1165 : إذا اختلف الضامن و المضمون عنه في الإذن و عدمه ، أو في مقدار الدين المضمون ، أو في اشتراط شيء على المضمون عنه ، قدم قول المضمون عنه ما لم يكن مخالفاً للظاهر و كذا الحال في الموارد المتقدمة.
مسألة 1166 : من ادعى عليه الضمان فأنكره ، و لكن استوفى
( 358 )
المضمون له الحق منه بإقامة بينة ، فليس له مطالبة المضمون عنه ، لاعترافه بأن المضمون له أخذ المال منه ظلماً.
مسألة 1167 : لو كان على أحد دين فطلب من غيره أداءه فأداه بلا ضمان عنه للدائن جاز له الرجوع على المدين.
مسألة 1168 : إذا قال شخص لآخر إلق متاعك في البحر و عليّ ضمانه فألقاه ضمنه ، سواء أ كان لخوف غرق السفينة أو لمصلحة أخرى من خفتها أو نحوها ، و هكذا لو أمره بإعطاء دينار مثلاً لفقير أو أمره بعمل لآخر أو لنفسه فإنه يضمن إذا لم يقصد المأمور المجانية.