كتاب الوقف


( 446 )

( 447 )
وهو تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة .
مسألة 1461 : الوقف على قسمين فإنه أما يتقوم بأمرين هما الواقف و العين الموقوفة ، و أما يتقوم بثلاثة أمور ثالثها الموقوف عليه ، و يختص الأول بوقف المساجد و يكون الثاني في غيرها من الأوقاف ، و حقيقة الوقف في القسم الأول هو التحرير و فك الملك ، و أما في القسم الثاني فحقيقته ـ على الأظهر ـ تمليك العين الموقوفة للموقوف عليه ملكاً غير طلق .
مسألة 1462 : إذا وقف مكاناً على المسلمين لينتفعوا منه ببعض ما ينتفعون به في المساجد أو بجميعها من الصلاة و الذكر و الدعاء و التدريس و غير ذلك لم يصر مسجداً و لم تجر عليه أحكام المساجد من حرمة التنجيس و نحوها ، و إنما يصير وقفاً على الصلاة و غيرها مما لاحظه الواقف من المنافع و يكون من القسم الثاني المتقدم الذي مر أنه يتقوم بأمر ثالث غير الواقف و العين الموقوفة و هو الموقوف عليه .
مسألة 1463 : ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه إلى أقسام :
الأول : ما يكون وقفاً على عين أو أعيان خاصة ، سواء أ كانت إنساناً أم غيره كوقف الدار أو البستان على الكعبة المشرفة أو على مسجد أو مشهد معين أو على زيد و ذريته و نحو ذلك .
الثاني : ما يكون وقفاً على عنوان عام قابل للانطباق على عين أو أعيان خاصة سواء لم يكن له إلا مصاديق طولية كأوقاف الشيعة على الأئمة عليهم السلام في زمان الحضور أو على المرجع الأعلى في زمن الغيبة ، أو كان له مصاديق طولية و عرضية كالوقف على الفقراء أو علماء البلد أو الطلبة أو الأيتام
( 448 )
و نحو ذلك .
الثالث : ما يكون وقفاً على عنوان غير منطبق على الأعيان و يعبر عنه بالجهة ، سواء أكانت جهة خاصة أو عامة كوقف البستان ليصرف وارده على عزاء الحسين عليه السلام في الدار الفلانية أو على إطعام ذرية فلان أو على معالجة المرضى أو تعليم القرآن أو تبليغ المذهب أو تعبيد الطرق أو على سبل الخير عامة أو نحو ذلك .
مسألة 1464 : كما أن العين الموقوفة في القسم الأول المتقدم تكون ملكاً للموقوف عليه كذلك منافعها تكون ملكاً له ، فالبستان الموقوف على المسجد أو المشهد المعين أو زيد و ذريته يكون بنفسه و نماآته ملكاً للموقوف عليه ، نعم قد يشترط الواقف مباشرة الموقوف عليه في الانتفاع بالعين الموقوفة ، كما لو وقف الدار على زيد و أولاده ليسكنوا فيها بأنفسهم ، أو وقف البستان عليهم ليأكلوا من ثماره ، و يصطلح على هذا بوقف الانتفاع ، و حينئذ فلا يكون للموقوف عليه إيجار الدار و الانتفاع بأجرتها ، و لا بيع ثمار البستان و الاستفادة من ثمنه و إن جاز لهم إجارة البستان للتنزه فيه و نحوه .
نعم إذا لم يمكنهم السكنى في الدار الموقوفة أو الأكل من ثمار البستان لهجرتهم عن المكان أو للضرر أو الحرج أو لغير ذلك فإن كان قيد المباشرة ملحوظاً على نحو تعدد المطلوب كما هو الغالب جاز لهم الاستفادة من منافعها بوجه آخر و إلا بطل الوقف و رجع إلى الواقف أو إلى ورثته .
مسألة 1465 : إذا كان الموقوف عليه عنواناً عاماً كما في القسم الثاني المتقدم فالعين الموقوفة تكون ملكاً للموقوف عليه ، و أما منافعها فتكون لها إحدى الحالات الثلاث التالية :
أ ـ إن تكون ملكاً للعنوان و لا تدخل في ملك الأفراد أصلاً كما في
( 449 )
وقف المدارس على الطلاب و وقف الخانات على المسافرين و الغرباء و وقف كتب العلم و الزيارة على أهل العلم و الزوار .
ب ـ أن تكون ملكاً للعنوان و تدخل في ملك الأفراد بتمليكها لهم من قبل المتولي و قبضهم إياها كما في وقف البستان على الفقراء .
ج ـ أن تكون ملكاً للأفراد الموجودين في كل زمان على سبيل الإشاعة من دون أن تتوقف ملكيتهم لها على أعمال الولاية من قبل المتولي كما في وقف البستان على علماء البلد على إن يكون نماؤه ملكاً للموجودين منهم من أول ظهوره .
مسألة 1466 : إذا كان الموقوف عليه من الجهات العامة أو الخاصة ـ كما في القسم الثالث المتقدم ـ تكون العين و المنافع ملكاً للجهة ، و لو اشترط الواقف صرف المنافع بأعيانها على الجهة الموقوف عليها لم يجز تبديلها و المعاوضة عليها .
مسألة 1467 : الظاهر أن غصب الوقف بجميع أقسامه ـ عدا ما يكون من قبيل التحرير ـ يستتبع الضمان عيناً و منفعة ، فلو غصب مدرسة أو رباطاً أو داراً موقوفة على الفقراء أو بناية موقوفة ليصرف واردها في علاج المرضى أو نحو ذلك فتلفت تحت يده كان ضامناً لعينها ، و لو استولى عليها مدة ثم ردها كان عليه أجرة مثلها كما هو الحال في غصب الأعيان غير الموقوفة .
مسألة 1468 : إذا كانت العين الموقوفة من الأعيان الزكوية كالغنم و البقر و الإبل لم تجب الزكاة فيها و إن اجتمعت فيها شرائط ثبوتها ، و أما إذا كان نماؤها زكوياً كما إذا وقف بستاناً مشتملاً على أشجار النخيل و العنب فإن صار النماء ملكاً شخصياً للمكلف قبل وقت تعلق الزكاة بحيث تعلقت في ملكه وجبت عليه الزكاة إذا كان بالغاً حد النصاب و إلا لم تجب ، و قد تقدم توضيح ذلك في المسألة 1086 من كتاب الزكاة .

( 450 )
مسألة 1469 : لا يتحقق الوقف بمجرد النية ، بل لابد من إنشائه بلفظ كـ ( وقفت ) و ( حبست ) و نحوهما من الألفاظ الدالة عليه و لو بمعونة القرائن ، أو فعل سواء أ كان معاطاة مثل أن يعطي آلات الإسراج أو الفرش إلى قيم المسجد أو المشهد ، أو لم يكن كذلك مثل أن يعمر الجدار أو الاسطوانة الخربة من المسجد أو يبني بناءً على طراز ما تبنى به المساجد بقصد كونه مسجداً و نحو ذلك فإنه يكون وقفاً بذلك .
مسألة 1470 : الظاهر عدم اعتبار القبول في الوقف بجميع أنواعه و إن كان الاعتبار أحوط و لا سيما في الوقف الخاص كالوقف على الذرية فيقبله الموقوف عليهم و إن كانوا صغاراً قام به وليهم ، و يكفي قبول الموجودين و لا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده .
مسألة 1471 : الأظهر عدم اعتبار القربة في صحة الوقف و لا سيما في الوقف الخاص مثل الوقف على الذرية .
مسألة 1472 : يعتبر في صحة الوقف الخاص قبض الموقوف عليه أو قبض وكيله أو قبض وليه فإذا مات قبل القبض بطل و كان ميراثاً ، نعم يكفي قبض الطبقة الموجودة عن الطبقات اللاحقة بل يكفي قبض الموجود من الطبقة الأولى عمن يوجد منها بعد ذلك ، و لو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض و بطل بالنسبة إلى من لم يقبض .
مسألة 1473 : المشهور إنه يشترط أن يكون القبض بإذن الواقف ، فلو قبض الموقوف عليه بدون الإذن لم يكف و لكنه لا يخلو عن إشكال .
مسألة 1474 : إذا وقف على أولاده الصغار و أولاد أولاده و كانت العين في يده كفى ذلك في تحقق القبض و لم يحتج إلى قبض آخر ، و إذا كانت العين في يد غيره فلابد من أخذها منه ليتحقق قبض وليهم .
مسألة 1475 : إذا كانت العين بيد الموقوف عليه كفى ذلك في قبضها
( 451 )
و لم يحتج إلى قبض جديد ، نعم لابد أن يكون بقاؤها في يده بعنوان الوقفية بإذن الواقف بناء على اشتراط كون القبض بإذنه كما تقدم .
مسألة 1476 : يتحقق القبض في المنقول و غير المنقول باستيلاء الموقوف عليه على العين الموقوفة و صيرورتها تحت يده و سلطانه ، و الظاهر اختلاف صدق ذلك بحسب اختلاف الموارد .
مسألة 1477 : لا يعتبر في القبض الفورية فلو وقف عيناً في زمان ثم أقبضها في زمان متأخر كفى و تم الوقف من حينه .
مسألة 1478 : الظاهر عدم اعتبار القبض في صحة الوقف على العناوين و الجهات العامة و لا سيما إذا كان من نية الواقف أن تبقى في يده و يعمل بها على حسب ما وقف ، و على تقدير اعتباره فالظاهر عدم الحاجة إلى قبض الحاكم ، فإذا وقف مقبرة كفى في تحقق القبض الدفن فيها ، و إذا وقف مكاناً للصلاة تكفي الصلاة فيه ، و إذا وقف حسينية تكفي إقامة العزاء فيها ، و كذا الحكم في مثل وقف الخان على المسافرين و الدار على سكنى العلماء و الفقراء فإنه يكفي في قبضها السكنى فيها .
مسألة 1479 : إذا وقف حصيراً للمسجد كفى في قبضه ـ على تقدير اعتباره ـ وضعه في المسجد بقصد استعماله ، و كذا الحال في مثل آلات المشاهد و الحسينيات و المساجد و نحوها .
مسألة 1480 : إذا خرب جانب من جدار المسجد أو المشهد أو نحوهما فعمره عامر فالظاهر كفاية ذلك في تمامية الوقف و إن لم يقبضه قابض ، و إذا مات لم يرجع ميراثاً لوارثه .
مسألة 1481 : يجوز التوكيل في إيقاع الوقف ، و في جريان الفضولية فيه إشكال و إن كان هو الأقرب .
مسألة 1482 : الوقوف التي تتعارف عند الأعراب بأن يقفوا شاة على
( 452 )
أن يكون الذكر المتولد منها ( ذبيحة ) أي يذبح و يؤكل و الأنثى ( منيحة ) أي تبقى و ينتفع بصوفها و لبنها ، و إذا ولدت ذكرا كان ( ذبيحة ) و إذا ولدت أنثى كانت ( منيحة ) و هكذا ، فإذا كان وقفهم معلقاً على شفاء مريض أو ورود مسافر أو سلامة غنمهم من الغزو أو المرض أو نحو ذلك فهي باطلة .
و أما إذا كانت منجزة غير معلقة فالظاهر صحتها إذا أريد بها وقف الشاة على أن تذبح الذكور من نتاجها و نتاج نتاجها و تصرف على الجهة الموقوفة عليها ، و تبقى الأناث للإنتاج مع استثناء صوفها و لبنها للواقف و من يتولى شؤون الشاة و النتاج من بعده .
مسألة 1483 : لا يجوز في الوقف توقيته بمدة ، فإذا قال : داري وقف على أولادي سنة أو عشر سنين بطل وقفاً ، و هل يصح حبساً إذا قصد كونه كذلك أم لا ؟ الظاهر هو الصحة .
مسألة 1484 : إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده و أولاد أولاده صح وقفاً و يسمى : ( الوقف المنقطع الآخر ) فإذا انقرضوا رجع إلى الواقف أو ورثته حين الموت لا حين الانقراض ، فإذا مات الواقف عن ولدين و مات أحدهما قبل الانقراض و ترك ولداً ثم انقرض الموقوف عليهم كانت العين الموقوفة مشتركة بين العم و ابن أخيه .
مسألة 1485 : لا فرق فيما ذكرناه من صحة الوقف و رجوعه إلى الواقف أو إلى ورثته بين كون الموقوف عليه مما ينقرض غالباً و بين كونه مما لا ينقرض غالباً فاتفق انقراضه .
هذا إذا لم يفهم من القرائن أن خصوصية الموقوف عليه ملحوظة بنحو تعدد المطلوب ، و أما إذا فهم منها ذلك ـ كما لعله الغالب في الوقف على من لا ينقرض غالباً ـ بأن كان الواقف قد أنشأ التصدق بالعين و أنشأ أيضاً كونه على نحو خاص بحيث إذا بطلت الخصوصية بقي أصل التصدق فلا إشكال
( 453 )
في أنه إذا انقرض الموقوف عليه لم ترجع العين إلى الواقف أو ورثته بل تبقى وقفاً و تصرف منافعها في جهة أخرى الأقرب فالأقرب إلى نظر الواقف .
مسألة 1486 : من الوقف المنقطع الآخر ما إذا كان الوقف مبنياً على الدوام لكن كان وقفاً على من يصح الوقف عليه في أوله دون آخره كما إذا وقف على زيد و أولاده و بعد انقراضهم على الكنائس و البيع مثلاً فيصح وقفاً بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه و يبطل بالنسبة إلى ما لا يصح .
مسألة 1487 : الوقف المنقطع الأول باطل سواء أ كان بجعل الواقف كما إذا أوقفه من أول الشهر القادم أو بحكم الشرع بأن وقف أولاً على ما لا يصح الوقف عليه ثم على غيره ، و إن كان الأحوط في الثاني تجديد الوقف عند انقراض الأول .
مسألة 1488 : إذا وقف عيناً على غيره و شرط عودها إليه عند الحاجة ففي صحته قولان و الأظهر البطلان .
مسألة 1489 : يشترط في صحة الوقف التنجيز ، فلو علقه على أمر مستقبلي معلوم الحصول أو متوقع الحصول أو أمر حالي محتمل الحصول مع عدم كونه مما تتوقف عليه صحة العقد بطل ، فإذا قال : وقفت داري إذا جاء رأس الشهر أو إذا ولد لي ذكر أو إن كان هذا اليوم يوم الجمعة بطل ، و إذا علقه على أمر حالي معلوم الحصول أو علقه على أمر مجهول الحصول و لكنه كان تتوقف عليه صحة العقد كما إذا قال زيد : وقفت داري إن كنت زيداً أو وقفت داري إن كانت لي صح .
مسألة 1490 : إذا قال هذا وقف بعد وفاتي بطل إلا أن يفهم منه عرفاً أنه أراد الوصية بالوقف فيجب العمل بها عند تحقق شرائطها فيوقف بعده .
مسألة 1491 : يشترط في صحة الوقف إخراج الواقف نفسه عن الوقف فإذا وقف على نفسه بطل ، و إذا قال : ( داري وقف عليّ و على أخي ) مثلاً
( 454 )
على نحو التشريك بطل الوقف في نصف الدار ، و إذا كان على نحو الترتيب بأن قصد التلف على نفسه ثم على غيره كان الوقف من المنقطع الأول فيبطل مطلقاً ، و إن قصد الوقف على غيره ثم على نفسه بطل بالنسبة إلى نفسه فقط و كان من الوقف المنقطع الآخر ، و إن قال : ( هي وقف على أخي ، ثم على نفسي ، ثم على زيد ) بطل الوقف بالنسبة إلى نفسه و زيد ، و كان من الوقف المنقطع الوسط .
مسألة 1492 : إذا استثنى في ضمن إجراء الوقف بعض منافع العين الموقوفة لنفسه فالظاهر صحته لأنه يعد خارجاً عن الوقف لا من الوقف على نفسه ليبطل ، فيصح أن يوقف البستان و يستثني السعف و غصون الأشجار و أوراقها عند اليبس ، أو يستثني مقدار أداء ديونه سواء أ كان بنحو التوزيع على السنين كل سنة كذا أو بنحو تقديم أداء الديون على الصرف من مصارف الوقف .
مسألة 1493 : إذا وقف بستاناً على من يتبرع من أولاده ـ مثلاً ـ بأداء ديونه العرفية أو الشرعية صح ، و كذا إذا أوقفها على من يقوم من جيرانه مثلاً بالتبرع بأكل ضيوفه أو مؤنة أهله و أولاده حتى في مقدار النفقة الواجبة عليه لهم فإنه يصح الوقف في مثل ذلك .
مسألة 1494 : إذا وقف عيناً على وفاء ديونه الشرعية أو العرفية بعد الموت لم يصح و كذا لو وقفها على أداء العبادات عنه بعد الوفاة .
مسألة 1495 : يمكن التخلص من إشكال الوقف على النفس بطرق أخرى غير استثناء مقدار من منافع العين الموقوفة لنفسه .
منها : أن يملك العين لغيره ثم يقفها الغير على النهج الذي يريد من إدرار مؤنته و وفاء ديونه و نحو ذلك ، و يجوز له أن يشترط ذلك عليه في ضمن عقد التمليك .

( 455 )
و منها : أن يؤجرها مدة و يجعل لنفسه خيار الفسخ و بعد الوقف يفسخ الإجارة فترجع المنفعة إليه لا إلى الموقوف عليهم .
مسألة 1496 : يجوز انتفاع الواقف بالعين الموقوفة في مثل وقف المساجد و الوقف على الجهات العامة ، و كذا الوقف على العناوين الكلية إذا كان الواقف داخلاً في العنوان أو صار داخلاً فيه فيما بعد و كان الوقف عليه من قبيل القسم الأول من الأقسام الثلاثة المذكورة في المسألة ( 1465 ) حيث لا تدخل المنافع في ملك الموقوف عليهم أصلاً ، و أما إذا كان من قبيل القسم الثالث حيث تكون المنافع ملكاً للموقوف عليهم على سبيل الإشاعة فلا إشكال في عدم جواز أخذه حصة منها ، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين العقد من عدا نفسه و يقصد خروجه عنه ، و أما في القسم الثاني حيث تدخل المنافع في ملك الموقوف عليهم بتمليك المتولي و إقباضهم إياها ففي جواز دخول الواقف في العنوان و أخذه حصة من المنافع إشكال ، لاسيما إذا كان مقتضى الوقف توزيع المنافع على الموقوف عليهم على نحو الاستيعاب .
مسألة 1497 : إذا تم الوقف كان لازماً لا يجوز للواقف الرجوع فيه ، و إن وقع في مرض الموت لم يجز للورثة رده إلا فيما زاد على الثلث كما تقدم في كتاب الحجر .

( 456 )

فصل في شرائط الواقف

مسألة 1498 : يعتبر في الواقف : البلوغ و العقل و الاختيار و القصد و عدم الحجر عن التصرف في الموقوف لسفه أو فلس ، فلا يصح وقف الصبي و إن بلغ عشراً أو أذن فيه الولي ، و لا وقف المجنون و لا المكره و لا الغافل و الساهي و لا المحجور عليه ، نعم إذا أوصى الصبي بأن يوقف ملكه بعد وفاته على وجوه الخير أو المبرة لأرحامه و أقربائه و كان قد بلغ عشراً و عقل نفذت وصيته كما تقدم .
مسألة 1499 : لا يشترط في الواقف الإسلام ، فيصح وقف الكافر إذا كان واجداً لسائر الشرائط على الأقوى .

( 457 )

فصل فيما يتعلق بالمتولي و الناظر

مسألة 1500 : يجوز للواقف في وقف غير المسجد أن يجعل تولية الوقف و نظارته لنفسه ما دام الحياة أو إلى مدة مستقلاً أو مشتركاً مع غيره ، و كذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر التولية لنفسه أو لشخص آخر ، بأن يكون المتولي كل من يعينه نفسه أو ذلك الشخص ، بل يجوز أن يجعل التولية لشخص و يجعل أمر تعيين المتولي بعده بيده ، و هكذا كل متول يعين المتولي بعده .
مسألة 1501 : إنما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إنشاء الوقف و أما بعد تمامه فهو أجنبي عن الوقف ، فليس له جعل التولية لأحد و لا عزل من جعله متولياً عن التولية إلا إذا اشترط إلا إذا اشترط لنفسه ذلك ، بأن جعل التولية لشخص و شرط أنه متى أراد أن يعزله عزله ، و لو فقد المتولي شرط الواقف كما إذا جعل الولاية للعدل ففسق أو جعلها للأرشد فصار غيره أرشد أو نحو ذلك انعزل بذلك بلا حاجة إلى عزل .
مسألة 1502 : يعتبر في متولي الوقف أن تكون له الكفاية لإدارة شؤونه و لو بالاستعانة بالغير ، كما يعتبر أن يكون موثوقاً به في العمل على وفق ما يقتضيه الوقف ، فلا يجوز جعل التولية ـ خصوصاً في الجهات و المصالح العامة ـ للخائن أو لمن ليس له الكفاية لذلك و إن كان بالغاً عاقلاً غير سفيه ، و لو كان غير البالغ واجداً للشرطين المذكورين جاز جعله متولياً على الأقرب .
مسألة 1503 : لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ، سواء أ كان حاضرا في مجلس إيقاع الوقف أم لم يكن حاضراً فيه ثم بلغ إليه الخبر و لو بعد وفاة الواقف ، و لو جعل التولية لأشخاص على الترتيب و قبل بعضهم
( 458 )
لم يجب القبول على المتولين بعده ، فمع عدم القبول كان الوقف بلا متول منصوب ، و لو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه بعد ذلك كالوكيل أم لا ؟ لا يبعد الجواز و إن كان الأحوط أن لا يعزل نفسه ، و لو عزل يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم .
مسألة 1504 : إذا ظهرت خيانة من المتولي للوقف كعدم صرفه منافع الوقف في الموارد المقررة من الواقف فللحاكم أن يضم إليه من يمنعه عنها و إن لم يمكن ذلك عزله و نصب شخصاً آخر متولياً له .
مسألة 1505 : لو شرط التولية لاثنين ، فإن فهم من كلامه استقلال كل منهما استقل و لا يلزم عليه مراجعة الآخر ، و إذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر ، و إن فهم من كلامه الاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، و كذا لو أطلق و لم تكن قرينة على إرادة الاستقلال ، و في الصورتين الأخيرتين لو مات أحدهما أو خرج عن الأهلية يضم الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر .
مسألة 1506 : لو عين الواقف وظيفة المتولي و شغله فهو المتبع ، و لو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من تعمير الوقف و إجارته و تحصيل أجرته و قسمتها على أربابه و أداء خراجه و نحو ذلك ، كل ذلك على وجه الاحتياط و مراعاة الصلاح ، و ليس لأحد مزاحمته في ذلك حتى الموقوف عليهم ، و يجوز أن ينصب الواقف متولياً في بعض الأمور و آخر في الآخر ، كما إذا جعل أمر التعمير و تحصيل المنافع إلى أحد و أمر حفظها و قسمتها على أربابها إلى آخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده و يحفظه و للآخر التصرف ، و لو فوض إلى واحد التعمير و تحصيل الفائدة و أهمل باقي الجهات من الحفظ و القسمة و غيرهما كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوض إليه بلا متول منصوب فيجري عليه حكمه و سيأتي .
مسألة 1507 : يجوز أن يجعل الواقف للمتولي مقدارا معينا من ثمرة
( 459 )
العين الموقوفة أو منفعتها أو من غيرهما سواء أ كان أقل من أجرة المثل أم أكثر أم مساوياً ، فإن لم يجعل له شيئاً كانت له أجرة المثل إن كانت لعمله أجرة إلا أن يظهر من القرائن أن الواقف قصد المجانية .
مسألة 1508 : ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره حتى مع عجزه عن التصدي إلا إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولياً ، نعم يجوز له توكيل الغير فيما كان تصديه من وظيفته إذا لم يشترط عليه المباشرة في تنفيذه .
مسألة 1509 : يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولي ، فإن أحرز أن المقصود مجرد اطلاعه على أعماله و إشرافه عليها لأجل الاستيثاق فهو مستقل في تصرفاته و لا يعتبر إذن الناظر في صحتها و نفوذها و إنما اللازم عليه اطلاعه ، و إن أحرز أن المقصود إعمال نظره و تصويبه عمل المتولي لم يجز له التصرف إلا بإذنه و تصويبه ، و لو لم يحرز مراده فاللازم مراعاة الأمرين .
مسألة 1510 : ما تقدم في المتولي من عدم إمكان عزله بعد النصب إلا مع الشرط ، و جواز جعل شيء له أزاء عمله ، و عدم وجوب قبول التولية على المعين لها و نحو ذلك من الأحكام يجري نظيرها على الناظر أيضاً .
مسألة 1511 : إذا لم يجعل الواقف متولياً للوقف و لم يجعل حق نصبه لنفسه أو لغيره فالمال الموقوف إن كان موقوفا على أفراد معينة على نحو التمليك كأولاد الواقف مثلاً جاز لهم التصرف في العين الموقوفة بما يتوقف عليه انتفاعهم منها فعلاً من دون أخذ إجازة أحد فيما إذا كانوا بالغين عاقلين رشيدين و إن لم يكونوا كذلك كان زمام ذلك بيد وليهم ، و أما التصرف فيها بما يرجع إلى مصلحة الوقف و مراعاة مصلحة البطون من تعميرها و إجارتها على الطبقات اللاحقة فالأمر فيه بيد الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله .
و إن كان المال موقوفاً على جهة عامة أو خاصة أو عنوان كذلك
( 460 )
كالأموال الموقوفة على الفقراء أو الخيرات فالمتولي له في حال عدم نصب الواقف أحداً للتولية و عدم جعل النصب لنفسه أو لغيره هو الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله .
مسألة 1512 : الأوقاف التي تكون توليتها للحاكم و منصوبة إذا فقدا أو لم يمكن الوصول إليهما تكون توليتها لعدول المؤمنين .
مسألة 1513 : لا فرق في رجوع الأمر إلى الحاكم بين ما إذا لم يعين الواقف متولياً و بين ما إذا عين و لم يكن أهلاً لها أو خرج عن الأهلية ، فإذا جعل التولية للعادل من أولاده و لم يكن بينهم عادل أو كان ففسق كان كأن لم ينصب ولياً .
مسألة 1514 : لو جعل التولية لعدلين من أولاده مثلاً و لم يكن فيهم إلا عدل واحد ضم الحاكم إليه عدلاً آخرا ، و أما لو لم يوجد فيهم عدل أصلاً نصب الحاكم عدلين ، و الظاهر كفاية نصب عدل واحد أيضاً إذا كان كافياً للقيام بشؤون الوقف .

( 461 )

فصل
في شرائط العين الموقوفة

مسألة 1515 : يعتبر في الموقوف أن يكون عيناً خارجية فلا يصح وقف الدين و لا وقف المنفعة غير العينية ، فإذا قال : ( وقفت ما هو لي في ذمة زيد من فرش أو إناء أو نحوهما ) أو قال : ( وقفت منفعة داري ) لم يصح ، و أما وقف الكلي في المعين كوقف مائة متر مربع مثلاً من القطعة المعينة من أرض فالظاهر صحته .
مسألة 1516 : يعتبر أن تكون العين مملوكة أو بحكمها ، فلا يصح وقف الحر و المباحات الأصلية قبل حيازتها ، و يجوز وقف إبل الصدقة و غنمها و بقرها من سهم سبيل الله إذا اقتضته المصلحة العامة ، و كان الواقف هو الحاكم الشرعي أو المأذون من قبله .
مسألة 1517 : يعتبر في العين الموقوفة أن لا تكون متعلقة لحق الغير بحيث يمنع من التصرف الناقل أو ما بحكمه فيها ، فلا يصح وقف العين المرهونة قبل فكها على الأقوى .
مسألة 1518 : يعتبر في العين الموقوفة أن تكون مما يمكن الانتفاع بها مدة معتداً بها مع بقائها ، فلا يصح وقف الأطعمة و الخضر و الفواكه و نحوها مما فيما لا نفع فيه إلا بإتلاف عينه و لا وقف الورد و الريحان و نحوهما للشم مما لا يبقى إلا لفترة قصيرة ، كما يعتبر أن يكون الانتفاع بها محللاً ، فلا يصح وقف الآت اللهو المحرم و الآت القمار و الصلبان و نحوها مما يحرم الانتفاع به ، و يعتبر أن تكون المنفعة المقصودة بالوقف محللة فلا يصح وقف الدابة لحمل الخمر أو الدكان لحرزها أو بيعها .

( 462 )
مسألة 1519 : لا يعتبر في صحة الوقف أن تكون العين مما يمكن قبضها حال الوقف ، فإذا وقف الجمل الشارد أو الطير المملوك في الهواء و تحقق القبض بعده صح الوقف .
مسألة 1520 : لا إشكال في صحة وقف الثياب و الأواني و الفرش و الدور و البساتين و الأراضي و الكتب و السلاح و الحيوانات إذا كان ينتفع بها في الركوب أو الحمل أو كان لها نماء من اللبن أو الوبر أو الشعر أو الصوف أو غير ذلك و كذا غيرها مما له منفعة محللة ، و يجوز وقف الدراهم و الدنانير إذا كان ينتفع بها في التزيين و نحوه ، و أما وقفها لحفظ الاعتبار ففيه إشكال .
مسألة 1521 : المراد من المنفعة أعم من المنفعة العينية مثل الثمر و اللبن و نحوهما و المنفعة الفعلية مثل الركوب و الحرث و السكنى و غيرها .
مسألة 1522 : لا يشترط في العين الموقوفة أن تكون محللاً للانتفاع حال الوقف بل يكفي كونها معرضاً للانتفاع و لو بعد مدة فيصح وقف الشجرة قبل أن تثمر و وقف الدابة الصغيرة قبل أن تقوى على الركوب أو الحمل عليها .

( 463 )

فصل
في شرائط الموقوف عليه

مسألة 1523 : يشترط في الموقوف عليه أمور :
الأول : التعيين ، فإذا وقف على المردد بين شيئين أو أشياء مثل أحد المسجدين أو أحد المشهدين أو أحد الولدين مثلاً لم يصح ، نعم إذا وقف على الجامع بين أمرين أو أمور صح.
الثاني : وجوده ـ في الوقف الخاص ـ حال الوقف فلا يصح الوقف على المعدوم حاله سواء أ كان موجوداً قبل ذلك ، كما إذا وقف على زيد الذي مات أو يوجد بعد الوقف مثل أن يقف على ولده الذي سيولد ، و أما إذا كان حملاً لم ينفصل حين الوقف ففي بطلان الوقف تأمل ، نعم إذا وقف على الحمل أو المعدوم تبعاً للموجود بالفعل بأن يجعل طبقة ثانية أو مساوياً للموجود في الطبقة بحيث لو وجد لشاركه صح كما إذا وقف على أولاده ثم على أولادهم ثم على أولاد أولادهم و هكذا .
مسألة 1524 : إذا وقف على أولاده الموجودين ثم على من سيوجد على أن يكون بعد وجوده مقدماً على الموجودين فالظاهر الصحة .
مسألة 1525 : إذا وقف على الزائرين أو الحجاج أو عالم البلد أو نحو ذلك من العناوين العامة التي توجد لها أفراد في وقت و لا توجد في وقت آخر صح و إن لم يكن له فرد حين الوقف ، فإذا وقف بستاناً مثلاً على فقراء البلد و لم يكن في زمان الوقف فقير في البلد لكن سيوجد صح الوقف كما أنه لو كان موجوداً ثم لم يوجد ثم وجد لم يبطل الوقف في فترة عدم وجوده بل هو باق على وقفيته فيحفظ ثمرة في زمان عدم وجود الفقير إلى أن يوجد و إن لم
( 464 )
يمكن حفظه بعينه بيع و حفظ ثمنه إلى ذلك الزمان .
الثالث : أن لا يكون من الجهات المحرمة و ما فيه إعانة على المعصية كفعل الزنا و شرب الخمر و نسخ كتب الضلال و نشرها و تدريسها و شراء آلات اللهو المحرم و نحو ذلك .
مسألة 1526 : يجوز وقف المسلم على الكافر في الجهات المحللة .
مسألة 1527 : إذا وقف على ما لا يصح الوقف عليه و ما يصح على نحو التشريك بطل بالنسبة إلى حصة الأول و صح بالنسبة إلى حصة الثاني ، و إن كان على نحو الترتيب فإن كان الأول مقدماً فالأقوى بطلانه رأسا و إن كان مؤخراً كان من المنقطع الآخر فيصح فيما يصح الوقف عليه و يبطل فيما بعده كما تقدم .
مسألة 1528 : إذا وقف على ما يصح الوقف عليه ثم على ما لا يصح الوقف عليه ثم على ما يصح الوقف عليه كان من المنقطع الوسط فيصح في الأول و يبطل فيما يعده مطلقاً حتى في الأخير .