الفصل الثاني
شروط المتعاقدين
مسألة 62 : يشترط في كل من المتعاقدين أمور:
الأول : البلوغ ، فلا يصح عقد الصبي في ماله ، و إن كان مميزا ، إذا لم يكن بإذن الولي بل و إن كان بإذنه إذا كان الصبي مستقلا في التصرف إلا في الأشياء اليسيرة التي جرت العادة بتصدي الصبي المميز لمعاملتها فإن الصحة فيها لا تخلو من وجه و أما إذا كانت المعاملة من الولي ، و كان الصبي وكيلا عنه في إنشاء الصيغة فالأظهر الصحة ، و كذا إذا كان تصرفه في مال غيره بإذن المالك ، و إن لم يكن بإذن الولي .
الثاني : العقل ، فلا يصح عقد المجنون ، و إن كان قاصدا إنشاء البيع .
الثالث : الاختيار ـ بمعنى الاستقلال في الإرادة ـ فلا يصح بيع المكره و شراؤه ، و هو من يأمره غيره بالبيع أو الشراء على نحو يخاف من الإضرار به لو خالفه بحيث يكون لخوف الضرر من الغير دخل في صدور البيع أو الشراء منه ، و أما لو لم يكن له دخل فيه و إن حصل له الخوف من تركه كما لو لم يكن مباليا بالضرر المحتمل أو المعلوم فلا يضر بالصحة ، و كذا إذا اضطر إلى البيع أو الشراء فإنه يصح و إن اضطره الغير إليه كما لو أمره بدفع مقدار من المال و لم يمكنه إلا ببيع داره فباعها فإنه يصح بيعها ، نعم إذا حصل الاضطرار بمواطأة الغير مع ثالث ، كما لو تواطئا على أن يحبسه أحدهما في مكان ليضطر إلى بيع خاتمه ـ مثلا ـ على الثاني إزاء ما يسد به رمقه فالأظهر فساد المعاملة و ضمانه لما اضطر إلى التصرف فيه بقيمته السوقية .

( 28 )
مسألة 63 : لو رضي المكره بالبيع بعد زوال الإكراه صح و إن كان الأحوط حينئذ تجديد العقد .
مسألة 64 : إذا أكره أحد الشخصين على بيع داره ، كما لو قال الظالم : فليبع زيد أو عمرو داره فباع أحدهما داره خوفا منه بطل البيع ، و أما إذا علم إقدام الآخر على البيع و باعها صح البيع .
مسألة 65 : لو أكره على بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل ، و لو باع الآخر بعد ذلك صح ، و لو باعهما جميعا دفعة بطل فيهما جميعا إذا كان للإكراه دخل في بيعهما مجتمعين كما في بيع أحدهما منفردا و إلا فالظاهر صحة البيع بالنسبة إلى كليهما .
مسألة 66 : لو أكرهه على بيع دابته فباعها مع ولدها بطل بيع الدابة ، و صح بيع الولد إلا إذا كان للإكراه دخل في بيعه معها ، كما لو لم يمكن حفظه مع بيع أمه .
مسألة 67 : يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصي عنه بغير التورية ، و هل يعتبر فيه عدم إمكان التفصي بالتورية و لو من جهة الغفلة عنها أو الجهل بها أو حصول الاضطراب المانع عن استعمالها أو نحو ذلك ؟ وجهان ، لا يخلو أولهما عن وجه .
مسألة 68 : المراد من الضرر الذي يخافه ، على تقدير عدم الإتيان بما أكره عليه ما يعم الضرر الواقع على نفسه و ماله و شأنه ، و على بعض من يتعلق به ممن يهمه أمره فلو لم يكن كذلك فلا إكراه ، فلو باع ـ حينئذ ـ صح البيع .

( 29 )
البيع الفضولي :

الرابع : من شروط المتعاقدين ـ أن يكون مالكا للتصرف الناقل ، كأن يكون مالكا للشيء من غير أن يكون محجورا عن التصرف فيه لسفه أو فلس أو غيرهما من أسباب الحجر ، أو يكون وكيلا عن المالك أو مأذونا من قبله أو وليا عليه ، فلو لم يكن العاقد مالكا للتصرف لم يصح البيع بل توقفت صحته على إجازة المالك للتصرف ، فإن أجاز صح و إلا بطل ، فصحة العقد الصادر من غير مالك العين تتوقف على إجازة المالك ، و صحة عقد السفيه على إجازة الولي ، و صحة عقد المفلس على إجازة الغرماء ، فإن أجازوا صح و إلا بطل ، و هذا هو المسمى بـ ( عقد الفضولي ) و المشهور أن الإجازة بعد الرد لا أثر لها و لكنه لا يخلو عن إشكال و أما الرد بعد الإجازة فلا أثر له جزما .
مسألة 69 : لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضولي ، فإن أجازه المالك صح ، و لا أثر للمنع السابق في البطلان .
مسألة 70 : إذا علم من حال المالك أنه يرضى بالبيع فباعه لم يصح و توقفت صحته على الإجازة .
مسألة 71 : إذا باع الفضولي مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنه مالك ، أو لبنائه على ذلك ، كما في الغاصب ، فأجازه المالك لنفسه صح البيع و يكون الثمن له .
مسألة 72 : لا يكفي في تحقق الإجازة الرضا الباطني ، بل لابد في تحققها من قول مثل : رضيت ، و أجزت ، و نحوهما ، أو فعل مثل : أخذ الثمن ، أو بيعه ، أو الأذن في بيعه أو إجازة العقد الواقع عليه أو نحو ذلك .
مسألة 73 : الظاهر أن الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه كشفا انقلابيا بمعنى اعتبار الملكية من حين تحقق العقد في زمن حدوث
( 30 )
الإجازة ، فنماء الثمن من حين العقد إلى حين الإجازة ملك لمالك المبيع و نماء المبيع ملك للمشتري .
مسألة 74 : لو باع اعتقاد كونه وليا أو وكيلا فتبين خلافه فإن أجازه المالك صح و إن رد بطل ، و لو باع باعتقاد كونه أجنبيا فتبين كونه وليا أو وكيلا صح ، و لم يحتج إلى الإجازة ، و لو تبين كونه مالكا ففي صحة البيع ـ من دون حاجة إلى إجازته ـ إشكال و الأظهر هو الصحة فيما لو كان البيع لنفسه .
مسألة 75 : لو باع مال غيره فضولا ، ثم ملكه قبل إجازة المالك أما باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالأرث . ففي صحته ـ بلا حاجة إلى الإجازة ـ أو توقفه على الإجازة أو بطلانه رأسا ـ وجوه أقواها الأخير .
مسألة 76 : لو باع مال غيره فضولا فباعه المالك من شخص آخر صح بيع المالك ، و بطل بيع الفضولي و لا تنفع في صحته إجازة المالك و لا المشتري .
مسألة 77 : إذا باع الفضولي مال غيره و لم تتحقق الإجازة من المالك ، فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال ، و إن كانت في يد البائع جاز للمالك الرجوع بها عليه ، و إن كان البائع قد دفعها إلى المشتري جاز له الرجوع على كل من البائع و المشتري ، و إن كانت تالفة رجع على البائع إن لم يدفعها إلى المشتري ، أو على أحدهما إن دفعها إليه بمثلها ، إن كانت مثلية ، و بقيمتها إن كان قيمية .
مسألة 78 : المنافع المستوفاة مضمونة ، و للمالك الرجوع بها على من استوفاها ، و كذا الزيادات العينية ، مثل اللبن و الصوف و الشعر و السرجين و نحوها ، مما كانت له مالية ، فإنها مضمونة على من استولى عليها كالعين ، أما المنافع غير المستوفاة ففي ضمانها إشكال ، و لا يبعد التفصيل فيها بين المنافع المفوتة و الفائتة بثبوت الضمان في الأول دون الثانية و المقصود
( 31 )
بالمنافع المفوتة ما تكون مقدرة الوجود عرفا كسكنى الدار و بالفائتة ما لا تكون كذلك كمنفعة الكتب الشخصية غير المعدة للإيجار .
مسألة 79 : المثلي : ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات ـ و القيمي : ما لا يكون كذلك ، فالآلات و الظروف و الأقمشة المعمولة في المعامل في هذا الزمان من المثلي ، و الجواهر الأصلية من الياقوت و الزمرد و الألماس و الفيروزج و نحوها من القيمي .
مسألة 80 : إذا تفاوتت قيمة القيمي من زمان القبض إلى زمان الأداء بسبب كثرة الرغبات و قلتها فالأظهر أن المدار في القيمة المضمون بها قيمة زمان التلف و إن كان الأحوط الأولى التراضي و التصالح فيما به التفاوت بين قيمة زمان القبض و التلف و الأداء .
مسألة 81 : إذا لم يمض المالك المعاملة الفضولية فعلى البائع الفضولي أن يرد الثمن المسمى إلى المشتري ، فإذا رجع المالك على المشتري ببدل العين من المثل أو القيمة فليس للمشتري الرجوع على البائع في مقدار الثمن المسمى . و يرجع في الزائد عليه إذا كان مغرورا و إذا رجع المالك على البائع رجع البائع على المشتري بمقدار الثمن المسمى إذا لم يكن قد قبض الثمن ، و لا يرجع في الزائد عليه إذا كان غارا . و إذا رجع المالك على المشتري ببدل نماء العين من الصوف و اللبن و نحوهما أو بدل المنافع المستوفاة أو غير ذلك ، فإن كان المشتري مغرورا من قبل البائع ، بأن كان جاهلا بأن البائع فضولي ، و كان البائع عالما فأخبره البائع بأنه مالك ، أو ظهر له منه أنه مالك رجع المشتري على البائع بجميع الخسارات التي خسرها للمالك ، و إن لم يكن مغرورا من البائع كما إذا كان عالما بالحال ، أو كان البائع أيضا جاهلا لم يرجع عليه بشيء من الخسارات المذكورة ، و إذا رجع المالك على البائع ببدل النماءات ، فإن كان المشتري مغرورا من قبل
( 32 )
البائع لم يرجع على المشتري ، و إن لم يكن مغرورا من قبل البائع رجع البائع عليه في الخسارة التي خسرها للمالك و كذا الحال في جميع الموارد التي تعاقبت فيها الأيدي العادية على مال المالك ، فإنه إن رجع المالك على السابق رجع السابق على اللاحق إن لم يكن مغرورا منه ، و إلا لم يرجع على اللاحق ، و إن رجع المالك على اللاحق لم يرجع إلى السابق إلا مع كونه مغرورا منه ، و كذا الحكم في المال غير المملوك لشخص خاص كالزكاة المعزولة ، و مال الوقف المجعول مصرفا في جهة معينة أو غير معينة ، أو في مصلحة شخص أو أشخاص فإن الولي يرجع على ذي اليد عليه ، مع وجوده ، و كذا مع تلفه على النهج المذكور .
مسألة 82 : لو باع إنسان ملكه و ملك غيره صفقة واحدة صح البيع فيما يملك ، و توقفت صحة بيع غيره على إجازة المالك ، فإن أجازه صح ، و إلا فلا ، و حينئذ يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة ، فله فسخ البيع بالإضافة إلى ما يملكه البائع .
مسألة 83 : طريق معرفة حصة كل واحد منهما من الثمن : أن يقوم كل من المالين بقيمته السوقية ، فيرجع المشتري بحصة من الثمن نسبتها إلى الثمن نسبة قيمة مال غير البائع إلى مجموع القيمتين ، فإذا كانت قيمة ماله عشرة و قيمة مال غيره خمسة ، و الثمن ثلاثة يرجع المشتري بواحد و هو ثلث الثمن ، و يبقى للبائع اثنان . و هما ثلثا الثمن ، هذا إذا لم يكن للاجتماع دخل في زيادة القيمة و نقصها ، أما لو كان الأمر كذلك وجب تقويم كل منهما في حال الانضمام إلى الآخر ثم تنسب قيمة كل واحد منهما إلى مجموع القيمتين ، فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة . مثلا إذا باع الفرس و مهرها بخمسة ، و كانت قيمة الفرس في حال الانفراد ستة ، و في حال الانضمام أربعة ، و قيمة المهر بالعكس فمجموع القيمتين عشرة ، فإن كانت الفرس
( 33 )
لغير البائع رجع المشتري بخمسين ، و هما اثنان من الثمن ، و بقي للبائع ثلاثة أخماس ، و إن كان المهر لغير البائع رجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن ، و هو ثلاثة و بقي للبائع اثنان .
مسألة 84 : إذا كانت الدار مشتركة بين شخصين على السوية فباع أحدهما نصف الدار ، فإن قامت القرينة على أن المراد نصف نفسه ، أو نصف غيره ، أو نصف في النصفين عمل على القرينة ، و إن لم تقم القرينة على شيء من ذلك حمل على نصف نفسه لا غير .
مسألة 85 : يجوز للأب و الجد للأب و إن علا التصرف في مال الصغير بالبيع و الشراء و الإجارة و غيرها ، و كل منهما مستقل في الولاية فلا يعتبر الإذن من الآخر ، كما لا تعتبر العدالة في ولايتهما ، و لا أن تكون مصلحة في تصرفهما ، بل يكفي عدم المفسدة فيه نعم إذا دار الأمر بين الصالح و الأصلح لزم اختيار الثاني إذا عد اختيار الأول ـ في النظر العقلائي ـ تفريطا من الولي في مصلحة الصغير ، كما لو اضطر إلى بيع مال الصغير ، و أمكن بيعه بأكثر من قيمة المثل ، فلا يجوز له البيع بقيمة المثل ، و كذا لو دار الأمر بين بيعه بزيادة درهم عن قيمة المثل ، و زيادة درهمين ، لاختلاف الأماكن أو الدلالين ، أو نحو ذلك لم يجز البيع بالأقل ، و إن كانت فيه مصلحة إذا عد ذلك تساهلا عرفا في مال الصغير ، و المدار في كون التصرف مشتملا على المصلحة أو عدم المفسدة على كونه كذلك في نظر العقلاء ، لا بالنظر إلى علم الغيب فلو تصرف الولي باعتقاد المصلحة فتبين أنه ليس كذلك في نظر العقلاء بطل التصرف ، و لو تبين أنه ليس كذلك بالنظر إلى علم الغيب صح ، إذا كانت فيه مصلحة بنظر العقلاء .
مسألة 86 : يجوز للأب و الجد التصرف في نفس الصغير بإجارته لعمل ما أو جعله عاملا في المعامل ، و كذلك في سائر شؤونه مثل تزويجه نعم
( 34 )
ليس لهما طلاق زوجته ، و هل لهما فسخ نكاحه عند حصول المسوغ للفسخ ، و هبة المدة في عقد المتعة وجهان ، و الثبوت أقرب . و يشترط في نفوذ تصرفهما في نفس الصغير خلوه عن المفسدة و تقديم الأصلح عند دوران الأمر بينه و بين الصالح على نحو ما تقدم في تصرفهما في ماله .
مسألة 87 : إذا أوصى الأب أو الجد إلى شخص بالولاية بعد موته على القاصرين نفذت الوصية ، و صار الموصى إليه وليا عليهم بمنزلة الموصي تنفذ تصرفاته مع الغبطة و المصلحة في جميع ما يتعلق بهم مما كان للموصي الولاية فيه ـ على كلام في تزويجهم يأتي في محله ـ إلا أن يعين تولي جهة خاصة و تصرفا مخصوصا فيقتصر عليه ، و يشترط في الوصي الرشد و الوثاقة ، و لا تشترط فيه العدالة على الأقوى . كما يشترط في صحة الوصية فقد الآخر ، فلا تصح وصية الأب بالولاية على الطفل مع وجود الجد ، و لا وصية الجد بالولاية على حفيده مع وجود الأب ، و لو أوصى أحدهما بالولاية على الطفل ، بعد فقد الآخر لا في حال وجوده ، ففي صحتها إشكال .
مسألة 88 : ليس لغير الأب و الجد للأب و الوصي لأحدهما ولاية على الصغير ، و لو كان عماً أو أماً أو جداً للأم أو أخاً كبيراً ، فلو تصرف أحد هؤلاء في مال الصغير ، أو في نفسه ، أو سائر شؤونه لم يصح ، و توقف على إجازة الولي .
مسألة 89 : إذا فقد الأب و الجد و الوصي لأحدهما يكون للحاكم الشرعي ـ و هو المجتهد العادل ـ ولاية التصرف في أموال الصغار مشروطا بالغبطة و الصلاح ، بل الأحوط له الاقتصار على ما إذا كان في تركه الضرر و الفساد ، كما لو خيف على ماله التلف مثلا فيبيعه لئلا يتلف ، و مع فقد الحاكم أو تعذر الرجوع إليه فالولاية لعدول المؤمنين مشروطاً بما تقدم ، و لو تعذر وجود العادل لم يبعد ثبوت الولاية لسائر المؤمنين . و لو اتفق احتياج
( 35 )
المكلف إلى دخول دار الأيتام و الجلوس على فراشهم ، و الأكل من طعامهم ، و تعذر الاستئذان من وليهم لم يبعد جواز ذلك ، إذا عوضهم عن ذلك بالقيمة ، و لم يكن فيه ضرر عليهم و إن كان الأحوط استحباباً تركه ، و إذا كان التصرف مصلحة لهم جاز من دون حاجة إلى عوض . و الله سبحانه العالم .

( 36 )

الفصل الثالث
شروط العوضين

يشترط في المبيع أن يكون عينا ، سواء أ كان موجودا في الخارج أم في الذمة ، و سواء أكانت الذمة ذمة البائع أم غيره ، كما إذا كان له مال في ذمة غيره فباعه لشخص ثالث ، فلا يجوز بيع المنفعة ، كمنفعة الدار ، و لا بيع العمل كخياطة الثوب و لا بيع الحق كحق التحجير ـ على إشكال فيه أحوطه ذلك ـ ، و أما الثمن فيجوز أن يكون عينا أو منفعة أو عملا أو حقا كما سيأتي .
مسألة 90 : المشهور على اعتبار أن يكون المبيع و الثمن مالا يتنافس فيه العقلاء ، فكل ما لا يكون مالا كبعض الحشرات لا يجوز بيعه ، و لا جعله ثمنا ، و لكن هذا لا يخلو عن إشكال و إن كان هو الأحوط .
مسألة 91 : إذا كان الحق قابلا للنقل و الانتقال كحق التحجير جاز جعله ثمنا على الأظهر ، كما يجوز جعل متعلقه بما هو كذلك ثمنا ، و يجوز جعل شيء بإزاء رفع اليد عن الحق ، حتى فيما إذا لم يكن قابلا للنقل و الانتقال ، و كان قابلا للإسقاط ، كما يجوز جعل الإسقاط ثمنا ، بأن يملك البائع عليه فعل الإسقاط فيجب عليه الإسقاط بعد البيع .
مسألة 92 : يشترط في كل من العوضين أن يكون معلوما مقداره المتعارف تقديره به عند البيع من كيل أو وزن أو عد أو مساحة ، فلا تكفي المشاهدة في مثله ، و لا تقديره بغير المتعارف فيه عند البيع كبيع المكيل بالوزن أو بالعكس و كبيع المعدود بالوزن أو بالكيل أو بالعكس ، نعم لا بأس بجعل الكيل وسيلة لاستعلام الوزن أو العدد و نحو ذلك ، كأن يجعل كيل
( 37 )
يحوي كيلو غراما من السكر مثلا فيباع السكر به ، و إذا كان الشيء مما يباع في حال بالمشاهدة ، و في حال أخرى بالوزن أو الكيل ، كالثمر يباع على الشجر بالمشاهدة و في المخازن بالوزن ، و الحطب محمولا على الدابة بالمشاهدة و في المخزن بالوزن ، و اللبن المخيض يباع في السقاء بالمشاهدة و في المخازن بالكيل فصحة بيعه مقدراً أو مشاهداً تابعة للمتعارف .
مسألة 93 : يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر ، كيلاً أو وزناً ، أو عداً ، و لا فرق بين عدالة البائع و فسقه ، و الأحوط وجوباً اعتبار حصول اطمئنان المشتري بإخباره ، و لو تبين الخلاف بالنقيصة كان المشتري بالخيار في الفسخ و الإمضاء ، فإن فسخ يرد تمام الثمن و إن أمضاه ينقص من الثمن بحسابه ، و إن تبين الزيادة كانت الزيادة للبائع و كان المشتري بالخيار بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن .
مسألة 94 : لابد في مثل القماش و الأرض و نحوهما ـ مما يكون تقديره بالمساحة دخيلاً في زيادة القيمة ـ معرفة مقداره ، و لا يكتفى في بيعه بالمشاهدة إلا إذا تعارف بيعه بها كما في بيع بعض الدور و الفرش و نحوهما .
مسألة 95 : إذا اختلفت البلدان في تقدير شيء ، بأن كان موزوناً في بلد ، و معدوداً في آخر ، و مكيلاً في ثالث ، فالظاهر أن المدار في التقدير بلد المعاملة .
مسألة 96 : قد يؤخذ الوزن شرطاً في المكيل أو المعدود ، أو الكيل شرطاً في الموزون ، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس ، بشرط أن يكون كيلها صاعاً ، فيتبين أن كيلها أكثر من ذلك لرقة الدبس ، أو يبيعه عشرة أذرع من قماش ، بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال ، فيتبين أن وزنها تسعمائة ، لعدم إحكام النسج ، أو يبيعه عشرة أذرع من الكتان ، بشرط أن يكون وزنه مائة مثقال ، فيتبين أن وزنه مائتا مثقال لغلظة خيوطه و نحو ذلك مما كان
( 38 )
التقدير فيه ملحوظاً صفة كمال للمبيع لا مقوماً له ، و الحكم أنه مع التخلف بالزيادة أو النقيصة يكون الخيار للمشتري ، لتخلف الوصف ، فإن أمضى العقد كان عليه تمام الثمن ، و الزيادة إن كانت فهي له .
مسألة 97 : يشترط معرفة جنس العوضين و صفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها ، كالألوان و الطعوم و الجودة و الرداءة و الرقة و الغلظة و الثقل و الخفة و نحو ذلك ، مما يوجب اختلاف القيمة ، أما ما لا يوجب اختلاف القيمة منها فلا تجب معرفته ، و إن كان مرغوباً عند قوم ، و غير مرغوب عند آخرين ، و المعرفة أما بالمشاهدة ، أو بتوصيف البائع ، أو بالرؤية السابقة .
مسألة 98 : يشترط أن يكون كل واحد من العوضين ملكاً ، مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس ، أو ما هو بمنزلته ، كبيع الكلي في الذمة فلا يجوز بيع ما ليس كذلك ، مثل بيع السمك في الماء و الطير في الهواء ، و شجر البيداء قبل أن يصطاد أو يحاز ، و لا فرق في ما يكون ملكا بين أن يكون ملكا لشخص أو لجهة فيصح بيع ولي الزكاة بعض أعيان الزكاة و شراؤه العلف لها .
مسألة 99 : يشترط أن يكون كل من العوضين طلقاً ، بأن لا يتعلق به لأحد حق يقتضي بقاء متعلقه في ملكية مالكه ، و الضابط فوت الحق بانتقاله إلى غيره ، و من هذا القبيل حق الرهانة على الأظهر ، فلا يجوز بيع العين المرهونة إلا إذا أذن المرتهن أو أجاز أو فك الرهن فإنه يصح بيعها حينئذ .
مسألة 100 : لا يجوز بيع الوقف إلا في موارد :
منها : أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به في جهة الوقف مع بقاء عينه ، كالحيوان المذبوح ، و الجذع البالي ، و الحصير المخرق .
ومنها : أن يخرب على نحو يسقط عن الانتفاع المعتد به ، مع كونه ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفا .
ومنها : ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر ، من قلة المنفعة أو
( 39 )
كثرة الخراج ، أو كون بيعه أنفع ، أو وقوع خلاف بين الموقوف عليهم أو احتياجهم إلى عوضه ، أو نحو ذلك .
و منها : ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتد بها عرفا ، و اللازم حينئذ تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء .
مسألة 101 : إذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم بحيث لا يؤمن من تلف النفوس و الأموال ففي صحة بيع الوقف حينئذ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه .
مسألة 102 : ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في المساجد ، فإنها لا يجوز بيعها على كل حال . نعم يجري في مثل الخانات الموقوفة للمسافرين ، و كتب العلم و المدارس و الرباطات الموقوفة على الجهات الخاصة .
مسألة 103 : إذا جاز بيع الوقف فإن كان له متول خاص قد عهد إليه الواقف بجميع شؤونه فله بيعه من دون حاجة إلى إجازة غيره ، و إلا فاللازم ـ مطلقا على الأحوط ـ مراجعة الحاكم الشرعي و الاستئذان منه في البيع .
و إذا بيع الوقف لطرو الخراب عليه أو ترقب طروه فالأحوط لزوماً أن يشتري بثمنه ملك و يوقف على نهج وقف الأول ـ بل الأحوط أن يكون الوقف الجديد معنوناً بعنوان الوقف الأول مع الإمكان و إلا فيما هو أقرب إليه فالأقرب ـ نعم لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض و صرف ثمنه في مصلحة المقدار العامر إن أمكن و إلا ففي وقف آخر إذا كان موقوفاً على نهج وقف الخراب ، و إذا خرب الوقف و لم يمكن الانتفاع به في الجهة الموقوف عليها و أمكن بيع بعضه و تعمير الباقي بثمنه فالأحوط الاقتصار على بيع بعضه فيعمر الباقي بثمنه .

( 40 )
مسألة 104 : لا يجوز بيع رقبة الأرض الخراجية . و هي : الأرض المفتوحة عنوة العامرة ـ لا بالأصالة ـ حين الفتح ، فإنها ملك للمسلمين من وجد و من يوجد 0 و لا فرق بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما ، و أن لا تكون . بل الظاهر عدم جواز التصرف فيها إلا بإذن الحاكم الشرعي ، و لو ماتت فلا يبعد بقاؤها على ملك المسلمين و عدم تملكها بالإحياء ، و أما الأرض العامرة بالأصالة حين الفتح فهي ملك للإمام عليه السلام ، و إذا حازها أحد كان أولى بها من غيره ما لم يمنع عنه مانع شرعي و إذا كان مؤمنا لم يجب عليه دفع عوض إزاء ذلك ، و كذا الأرض الميتة في زمان الفتح فإنها ملك للإمام عليه السلام ، و إذا أحياها أحد كان أحق بها من غيره ـ لولا طرو عنوان ثانوي يقتضي خلافه ـ مسلماً كان المحيي أو كافراً ، و ليس عليه دفع الخراج و أجرة الأرض إذا كان مؤمناً ، و إذا تركها لمنع ظالم و نحوه حتى ماتت فهو على أحقيته بها ، و لكنه إذا ترك زرعها و أهملها و لم ينتفع بها بوجه ، جاز لغيره زرعها ، فيكون أحق بها منه و إن كان الأحوط استحباباً عدم زرعها بلا إذن من الأول إذا عرفه أو تمكن من معرفته ، إلا إذا علم أنه قد أعرض عنها ، و إذا أحياها السلطان المدعي للخلافة على أن تكون للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجية .
مسألة 105 : في تعيين أرض الخراج إشكال ، و قد ذكر العلماء و المؤرخون مواضع كثيرة منها . و إذا شك في أرض أنها كانت ميتة أو عامرة ـ حين الفتح ـ تحمل على أنها كانت ميتة ، فيجوز إحياؤها و حيازتها إن كانت حية ، كما يجوز بيعها من حيث كونها متعلقة لحقه و كذا نحوه من التصرفات .
مسألة 106 : يشترط في كل من العوضين أن يكون مقدوراً على تسليمه فلا يصح بيع الجمل الشارد ، أو الخاتم الواقع في البحر مثلاً و لا فرق بين العلم بالحال و الجهل بها ، نعم لو كان من انتقل إليه قادراً على تسلمه
( 41 )
و إن لم يكن من انتقل عنه قادراً على تسليمه فالظاهر صحة المعاملة كما لو باع العين المغصوبة و كان المشتري قادرا على أخذها من الغاصب فإنه يصح البيع ، كما يصح بيعها على الغاصب أيضاً و إن كان البائع لا يقدر على أخذها منه ثم دفعها إليه ، و إذا كان المبيع مما لا يستحق المشتري أخذه ، كما لو باع من ينعتق على المشتري صح ، و إن لم يقدر على تسليمه .
مسألة 107 : لو قطع بالقدرة على التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل ، و لو قطع بالعجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحة .
مسألة 108 : لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه ، لكن علم بحصولها بعده ، فإن كانت المدة يسيرة صح ، و إذا كانت طويلة لا يتسامح بها ، فإن كانت مضبوطة كسنة أو أكثر فالظاهر الصحة مع علم المشتري بها و كذا مع جهله بها ، لكن يثبت الخيار للمشتري ، و هكذا الحال ـ على الأقرب ـ فيما لو كانت المدة غير مضبوطة كما لو باعه دابة غائبة يعلم بحضورها لكن لا يعلم زمانه .
مسألة 109 : إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته ، و إن كان و كيلاً في إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك ، و إن كان وكيلاً في المعاملة كعامل المضاربة ، فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فيكفي قدرة أحدهما على التسليم في صحة المعاملة ، فإذا لم يقدرا بطل البيع .
مسألة 110 : يجوز بيع غير المقدور تسليمه مع الضميمة ، إذا كانت ذات قيمة معتد بها .