كتاب المزارعة
( 144 )
( 145 )
المزارعة هي : ( الاتفاق بين مالك التصرف في الأرض و الزارع على زرع الأرض بحصة من حاصلها ).
مسألة 492 : يعتبر في المزارعة أمور :
(الأول) الإيجاب من المالك و القبول من الزارع بكل ما يدل على تسليم الأرض للزراعة و قبول الزارع لها من لفظ كقول المالك للزارع مثلاً ( سلمت إليك الأرض لتزرعها ) فيقول الزارع ( قبلت ) أو فعل دال على تسليم الأرض للزراعة و قبول الزارع لها من دون كلام ، و لا يعتبر في صيغتها العربية و الماضوية كما لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول و لا أن يكون الإيجاب من المالك و القبول من الزارع بل يجوز العكس.
(الثاني) أن يكون كل من المالك و الزارع بالغاً عاقلاً ومختاراً و غير محجور عليه لسفه أو فلس ، نعم لا بأس أن يكون الزارع محجوراً عليه لفلس إذا لم تستلزم المزارعة تصرفه في أمواله التي حجر عليها.
(الثالث) أن يجعل لكل منهما نصيب من الحاصل و أن يكون محدداً بالكسور كالنصف و الثلث ، فلو لم يجعل لأحدهما نصيب أصلاً ، أو عين له مقدار معين كعشرة أطنان ، أو جعل نصيبه ما يحصد في الأيام العشرة الأولى من الحصاد و البقية للآخر لم تصح المزارعة.
(الرابع) أن يجعل الكسر مشاعاً في جميع حاصل الأرض ـ على الأحوط ـ و إن كان الأظهر عدم اعتبار ذلك ، فلا بأس أن يشترط اختصاص أحدهما بنوع ـ كالذي يحصد أولاً ـ و الآخر بنوع آخر فلو قال المالك ( ازرع و لك النصف الأول من الحاصل ، أو النصف الحاصل من القطعة الكذائية )
( 146 )
صحت المزارعة.
(الخامس) تعيين المدة بالأشهر أو السنين أو الفصول بمقدار يمكن حصول الزرع فيه و عليه فلو جعل آخر المدة إدراك الحاصل بعد تعيين أولها كفى في الصحة.
(السادس) أن تكون الأرض قابلة للزرع و لو بالعلاج و الإصلاح ، و أما إذا لم تكن كذلك كما إذا كانت الأرض سبخة لا يمكن الانتفاع بها أو نحوها بطلت المزارعة.
(السابع) تعيين المزروع من حيث نوعه ، و أنه حنطة أو شعير أو رز أو غيرها ، و كذا تعيين صنفه إذا كان للنوع صنفان فأكثر تختلف فيها الأغراض ، و يكفي في التعيين الانصراف المغني عن التصريح ـ لتعارف أو غيره ـ و لو صرحا بالتعميم أو كانت قرينة عليه صح و يكون للزارع حق اختيار أي نوع أو صنف شاء.
(الثامن) تعيين الأرض فيما إذا كانت للمالك قطعات مختلفة في مستلزمات الزراعة و سائر شؤونها ، فلو لم يعين واحدة منها و الحال هذه بطلت المزارعة ، و أما مع التساوي فالأظهر الصحة و عدم الحاجة إلى التعيين في العقد ، و أما بعده فيكون التعيين بيد المالك.
(التاسع) تعيين ما عليهما من المصارف كالبذر و نحوه بأن يجعل على أحدهما أو كليهما ، و يكفي في ذلك المتعارف الخارجي لانصراف الإطلاق إليه.
مسألة 493 : يجوز للعامل أن يزرع الأرض بنفسه أو بغيره أو بالشركة مع غيره هذا فيما إذا لم يشترط المالك عليه المباشرة و إلا لزم أن يزرع بنفسه.
مسألة 494 : لو أذن شخص لآخر في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما صح ذلك مزارعة على الأظهر
( 147 )
ولكنها تختلف عن المزارعة المصطلحة في بعض الأحكام ، و كذلك الحال لو أذن لكل من يتصدى للزرع و إن لم يعين شخصاً معيناً بأن يقول : لكل من زرع أرضي هذه نصف حاصلها أو ثلثه.
مسألة 495 : لو اتفق المالك مع الزارع على أن يكون مقدار معين من الحاصل كخمسة أطنان لأحدهما ، و يقسم الباقي بينهما بنسبة معينة بطلت المزارعة و إن علما ببقاء شيء من الحاصل بعد استثناء ذلك المقدار ، نعم لو اتفقا على استثناء مقدار الخراج و كذا مقدار البذر لمن كان منه صحت على الأظهر.
مسألة 496 : إذا عين المالك نوعاً خاصاً من الزرع من حنطة أو شعير أو نحو ذلك في ضمن عقد المزارعة تعين ذلك على الزارع فلا يجوز له التعدي عنه و لكن لو تعدى إلى غيره و زرع نوعاً آخر منه فللمالك الخيار بين الفسخ و الإمضاء فإن أمضاه أخذ حقه و إن فسخ رجع على العامل بأجرة مثل المنفعة الفائتة للأرض ، و يكون الحاصل للعامل إن كان البذر له ، و إن كان البذر للمالك فله المطالبة ببدله أيضاً وعلى تقدير بذل البدل يكون الحاصل للعامل أيضاً و ليست له مطالبة المالك بأجرة العمل مطلقاً.
هذا إذا علم المالك بذلك بعد بلوغ الحاصل ، و أما إذا علم به قبل بلوغه فإن كان البذر للعامل فللمالك مطالبته ببدل المنفعة الفائتة و إلزامه بقطع الزرع و لهما أن يتراضيا على إبقائه بعوض أو مجاناً ، و أما إذا كان البذر للمالك فله المطالبة ببدل المنفعة الفائتة و بدل البذر أيضاً و مع بذله يكون الزرع للعامل فيجري فيه ما تقدم.
هذا إذا كان التعيين على نحو الاشتراط و أما إذا كان على نحو التقييد بطلت المزارعة ، و حكمه ما تقدم في فرض الفسخ.
مسألة 497 : إذا ظهر بطلان المزارعة بعد الزرع فإن كان البذر
( 148 )
للمالك كان الزرع له و عليه للزارع ما صرفه من الأموال و كذا أجرة عمله و أجرة الآلات التي استعملها في الأرض ، و إن كان البذر للزارع فالزرع له و عليه للمالك أجرة الأرض و ما صرفه المالك و أجرة آلاته التي استعملت في ذلك الزرع.
مسألة 498 : إذا كان البذر للزارع فظهر بطلان المزارعة بعد الزرع و رضي المالك و الزارع ببقاء الزرع في الأرض بأجرة أو مجاناً فلا إشكال ، و إن لم يرض المالك بذلك قيل أن له إجبار الزارع على إزالة الزرع و إن لم يدرك الحاصل و ليس للزارع إجبار المالك على بقاء الزرع في الأرض و لو بأجرة ، و لكنه لا يخلو عن إشكال ، و ليس للمالك إجبار الزارع على إبقاء الزرع في الأرض و لو مجاناً لو أراد قلعه.
مسألة 499 : إذا حددا للمزارعة أمدا معيناً يدرك الزرع خلاله عادة فانقضى و لم يدرك ، فإن لم يكن للتحديد المنفق عليه بينهما إطلاق يشمل صورة عدم إدراك الزرع على خلاف العادة ألزم المالك ببقاء الزرع في الأرض إلى حين الإدراك ، و إن كان له إطلاق هذا القبيل فمع تراضي المالك و الزارع على بقاء الزرع ـ بعوض أو مجاناً ـ لا مانع منه ـ و إن لم يرض المالك به فله أن يجبر الزارع على إزالته و أن يضرر الزارع بذلك ، و ليس للزارع إجبار المالك على بقاء الزرع و لو بأجرة.
مسألة 500 : يصح أن يشترط أحدهما على الآخر شيئاً على ذمته أو من الخارج من ذهب أو فضه أو نحوهما مضافاً إلى حصته.
مسألة 501 : المزارعة عقد لازم لا ينفسخ إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار تخلف بعض الشروط المشترطة فيه و لا ينفسخ بموت أحدهما فيقوم الوارث مقامه ، نعم ينفسخ بموت الزارع إذا قيدت المزارعة بمباشرته للعمل و لا تنفسخ به إذا كانت المباشرة شرطاً فيها و إن كان للمالك حق فسخها حينئذ ، و إذا كان العمل المستحق على الزارع كلياً مشروطاً بمباشرته
( 149 )
لم ينفسخ بموته ـ و إن كان للمالك حق فسخها ـ كما لا تنفسخ إذا مات الزارع بعد الانتهاء مما عليه من العمل مباشرة و لو قبل إدراك الزرع فتكون حصته من الحاصل لورثته ، كما أن لهم سائر حقوقه و يحق لهم أيضاً إجبار المالك على بقاء الزرع في أرضه حتى انتهاء مدة الزراعة.
مسألة 502 : إذا ترك الزارع الأرض بعد عقد المزارعة فلم يزرع حتى انقضت المدة فإن كانت الأرض في تصرفه ضمن أجرة المثل للمالك، و لا فرق في ضمانه في هذه الصورة بين أن يكون المالك عالماً بالحال و إن يكون غير عالم ، و إن لم تكن الأرض تحت يده بل كانت تحت يد المالك فحينئذ إن كان المالك مطلعاً على ذلك فالظاهر عدم ضمان الزارع و إن لم يكن المالك مطلعاً فالظاهر ضمانه ، هذا إذا لم يكن ترك الزرع لعذر عام كانقطاع الماء عن الأرض أو تساقط الثلوج الكثيرة عليها و إلا كشف ذلك عن بطلان المزارعة.
مسألة 503 : يجوز لكل من المالك و الزارع أن يتقبل أحدهما حصة صاحبه بعد خرصها بمقدار معين بشرط رضا الآخر به و عليه فيكون الزرع له و للآخر المقدار المعين ، و لا فرق في ذلك بين كون المقدار المتقبل به من الزرع أو في الذمة ، نعم إذا كان منه فتلف كلاً أو بعضاً كان عليهما معاً و لا ضمان على المتقبل بخلاف ما لو كان في الذمة فإنه باق على ضمانه.
مسألة 504 : إذا زارع على أرض ثم تبين للزارع أنه لا ماء لها فعلاً لكن أمكن تحصيله بحفر بئر و نحوه صحت المزارعة و لكن يثبت للعامل خيار تخلف الشرط ـ إذا كان بينهما شرط بهذا المسمى و لو ضمناً ـ و كذا لو تبين كون الأرض غير صالحة للزراعة إلا بالعلاج التام ، كما إذا كان مستولياً عليها الماء لكن يمكن إزالته عنها ، نعم لو تبين أنه لا ماء لها فعلا و لا يمكن تحصيله او كانت مشغولة بمانع لا يمكن إزالته و لا يرجى زواله كان باطلا.
مسألة 505 : إذا غرقت الأرض قبل القبض أو بعده قبل ظهور الزرع
( 150 )
أو قبل إدراكه بطلت المزارعة ، و إذا غرق بعضها تخير المالك و العامل في الباقي بين الفسخ و الإمضاء ، و هكذا الحال في طرو سائر الموانع القهرية عن زراعة الأرض.
مسألة 506 : يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصة من حصته لمن شاركه بحيث كأنهما معاً طرف للمالك ، كما أنه يجوز أن يزارع غيره بحيث يكون الزارع الثاني كأنه هو الطرف للمالك لكن لابد أن تكون حصة المالك محفوظة ، فإذا كانت المزارعة الأولى بالنصف لم يجز أن تجعل المزارعة الثانية بالثلث للمالك و الثلثين للعامل ، نعم يجوز أن يجعل حصة الزارع الثاني أقل من حصة الزارع في المزارعة الأولى ، فيأخذ الزارع الثاني حصته و المالك حصته و ما بقي يكون للزارع في المزارعة الأولى ، مثلاً إذا كانت المزارعة الأولى بالنصف و جعل حصة الزارع في المزارعة الثانية الربع كان للمالك نصف الحاصل و للزارع الثاني الربع و يبقى الربع للزارع في المزارعة الأولى ، و لا فرق في ذلك كله بين أن يكون البذر في المزارعة الأولى على المالك أو على العامل ، و لو جعل في الأولى على العامل يجوز في الثانية أن يجعل على المزارع أو على الزارع ، و لا يشترط في صحة التشريك في المزارعة و لا في إيقاع المزارعة الثانية إذن المالك نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى الغير إلا بإذنه ، كما أنه لو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه بحيث لا يشاركه غيره و لا يزارعه ـ أو كان ذلك غير متعارف خارجاً بحيث أغنى عن التصريح باشتراط عدمه ـ كان هو المتبع.
مسألة 507 : يصح عقد المزارعة بين أكثر من اثنين بأن تكون الأرض من واحد و البذر من آخر و العمل من ثالث و العوامل من رابع ، و كذا الحال إذا وقع العقد بين جماعة على النحو المذكور لا بعنوان المزارعة.
مسألة 508 : لا فرق في صحة عقد المزارعة بين أن يكون البذر من
( 151 )
المالك أو العامل أو منهما معاً ولكن كل ذلك يحتاج إلى تعيين و جعل في ضمن العقد إلا أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق.
و كذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصة بالمزارع أو مشتركة بينه و بين العامل ، كما أنه لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل فيجوز أن يكون عليهما و كذا الحال في سائر التصرفات و الآلات.
و الضابط أن كل ذلك تابع للجعل في ضمن العقد.
مسألة 509 : خراج الأرض و مال الإجارة للأرض المستأجر على المزارع و ليس على الزارع إلا إذا شرط عليه كلاً أو بعضاً ، و أما سائر المؤن كشق الأنهار و حفر الآبار و إصلاح النهر و تهيئة آلات السقي و نصب الدولاب و نحو ذلك فلابد من تعيين كونها على أي منهما إلا إذا كانت هناك عاده تغني عن التعيين.
مسألة 510 : إذا وجد مانع في الأثناء قبل ظهور الزرع أو قبل بلوغه و إدراكه كما إذا انقطع الماء عنه و لم يمكن تحصيله أو استولى عليه الماء و لم يمكن إزالته أو وجد مانع آخر لم يمكن رفعه فالظاهر بطلان المزارعة من الأول لكشفه عن عدم قابلية الأرض للزراعة ، و عليه فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر فإن كان البذر للمالك فعليه أجرة مثل عمل العامل و إن كان للعامل فعليه أجره مثل أرضه.
مسألة 511 : إذا كانت الأرض التي وقعت المزارعة عليها مغصوبة بطلت المزارعة بالإضافة إلى المزارع ، فإن كان البذر له فالزرع له و عليه للعامل أجرة مثل عمله و للمالك الأرض أجرة مثل أرضه و إن كان للعامل و أجاز المالك عقد المزارعة وقع له و إلا كان الزرع للزارع و عليه أجرة المثل لمالك الأرض.
و إذا انكشف الحال قبل بلوغ الزرع و إدراكه كان المالك مخيراً أيضاً
( 152 )
بين الإجازة و الرد فإن رد فله الأمر بالإزالة أو الرضا ببقائه و لو بأجرة و على الزارع أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.
مسألة 512 : كيفية اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل و القرار الواقع بينهما ، فتارة يشتركان في الزرع من حين طلوعه و بروزه فيكون حشيشه و قصيله و تبنه و حبه كلها مشتركة بينهما ، و أخرى يشتركان في خصوص حبة أما من حين انعقاده أو بعده إلى زمان حصاده فيكون الحشيش و القصيل و التبن كلها لصاحب البذر ، هذا مع التصريح منهما ، و أما مع عدمه فالظاهر أن مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأول ، فالزرع بمجرد خروجه يكون مشتركاً بينهما.
مسألة 513 : تجب على كل من المالك و الزارع الزكاة إذا بلغت حصة كل منهما حد النصاب و تجب على أحدهما إذا بلغت حصته كذلك.
هذا إذا كان الزرع مشتركاً بينهما من الأول أو من حين ظهور الحاصل قبل صدق الاسم.
و أما إذا اشترطا الاشتراك بعد صدق الاسم أو من حين الحصاد و التصفية فالزكاة على صاحب البذر سواء أ كان هو المالك أم العامل.
مسألة 514 : الباقي في الأرض من أصول الزرع بعد الحصاد و انقضاء المدة إذا نبت في السنة الجديدة و أدرك فحاصله لمالك البذر إن لم يشترط في عقد المزارعة اشتراكهما في الأصول ، و إلا كان بينهما بالنسبة.
مسألة 515 : إذا اختلف المالك و الزارع في المدة فادعى أحدهما الزيادة و الآخر القلة فالقول قول منكر الزيادة بيمينه ما لم يكن مدعياً قلة المدة بمقدار لا يكفي عادة لبلوغ الحاصل ، و لو اختلفا في الحصة قلة و كثرة فالقول قول صاحب البذر المدعي للقلة بيمينه ما لم يدع كونها أقل مما يجعل عادة لغير صاحب البذر في مثل تلك المزارعة بملاحظة خصوصياتها.
( 153 )
وأما إذا اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيهما فالمرجع التحالف و مع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة.
مسألة 516 : إذا قصر الزارع في تربية الأرض فقل الحاصل تخير المالك بين فسخ المزارعة و إمضائها ، فإن فسخ فالحاصل لصاحب البذر فإن كان هو المالك فعليه للزارع أجرة مثل عمله و إن كان هو الزارع فعليه للمالك أقل الأمرين من أجرة مثل الأرض و قيمة حصته من الحاصل على تقدير عدم التقصير ، و إن لم يفسخ المالك فالحاصل بينهما بالنسبة المتفق عليها.
مسألة 517 : لو ادعى المالك على الزارع عدم العمل بما اشترط عليه في ضمن عقد المزارعة من بعض الأعمال أو ادعى تقصيره فيه على وجه يضر بالزراعة أو تقصيره في الحفظ أو نحو ذلك و أنكره الزارع فالقول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر.
و كذلك الحال في كل مورد ادعى أحدهما شيئاً و أنكره الآخر ما لم يثبت ما ادعاه شرعاً.
مسألة 518 : إذا أوقع المتولي للوقف عقد المزارعة على الأرض الموقوفة على البطون إلى مدة ملاحظاً في ذلك مصلحة الوقف و البطون لزم و لا يبطل بموته و أما إذا أوقعه البطن المتقدم من الموقوف عليهم ثم مات في الأثناء قبل انقضاء المدة بطل العقد من ذلك الحين إلا إذا أجاز البطن اللاحق.
مسألة 519 : يجوز لكل من المالك و العامل بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه أو غير جنسه بعد التخمين بحسب المتعارف في الخارج كما يجوز ذلك قبل ظهور الحاصل مع الضميمة.
مسألة 520 : لا يعتبر في عقد المزارعة على الأرض أن تكون قابلة
( 154 )
للزرع من حين القعد و في السنة الأولى بل يصح العقد على أرض بائرة و خربة لا تصلح للزرع إلا بعد إصلاحها و تعميرها سنة أو أكثر.
و عليه فيجوز للمتولي أن يزارع الأراضي الموقوفة وقفاً عاماً أو خاصاً التي أصبحت بائرة إلى عشر سنين أو أقل أو أكثر حسب ما يراه صالحاً.
( 155 )
كتاب المساقاة
( 156 )
( 157 )
المساقاة هي : ( اتفاق شخص مع آخر على رعاية أشجار و نحوها و إصلاح شؤونها إلى مدة معينة بحصة من حاصلها ).
مسألة 521 : يشترط في المساقاة أمور :
الأول : الإيجاب و القبول ، و يكفي فيهما كل ما يدل على المعنى المذكور من لفظ أو فعل أو نحوهما و لا تعتبر فيهما العربية و لا الماضوية.
الثاني : أن يكون المالك و الفلاح بالغين عاقلين مختارين غير محجورين لسفه أو تفليس ، نعم لا بأس بكون الفلاح محجوراً عليه لفلس إذا لم تستلزم المساقاة تصرفه في أمواله التي حجر عليها.
الثالث : أن تكون أصول الأشجار مملوكة عيناً و منفعة أو منفعة فقط أو يكون تصرفه فيها نافذاً بولاية أو وكالة أو تولية.
الرابع : أن تكون معلومة و معينة عندهما.
الخامس : تعيين مدة العمل فيها إما ببلوغ الثمرة المساقى عليها مع تعيين مبدأ الشروع و أما بالأشهر أو السنين بمقدار تبلغ فيها الثمرة غالباً فلو كانت أقل من هذا المقدار بطلت المساقاة.
السادس : أن يجعل لكل منهما نصيب من الحاصل و إن يكون محدداً بأحد الكسور كالنصف و الثلث ، و لا يعتبر في الكسر أن يكون مشاعاً في جميع الحاصل على الأظهر كما تقدم نظيره في المزارعة ، و إن اتفقا على أن تكون من الثمرة عشرة أطنان مثلاً للمالك و الباقي للفلاح بطلت المساقاة.
السابع : تعيين ما على المالك من الأمور و ما على العامل من الأعمال ،
( 158 )
و يكفي الانصراف ـ إذا كان ـ قرينة على التعيين.
الثامن : أن تكون المساقاة قبل ظهور الثمرة أو بعده قبل البلوغ إذا كان قد بقي عمل يتوقف عليه اكتمال نمو الثمرة أو كثرتها أو جودتها أو وقايتها من الآفات و نحو ذلك ، و أما إذا لم يبق عمل من هذا القبيل و إن احتيج إلى عمل من نحو آخر كاقتطاف الثمرة و حراستها أو ما يتوقف عليه تربية الأشجار ففي الصحة إشكال.
مسألة 522 : تصح المساقاة في الأصول غير الثابتة كالبطيخ و الخيار على الأظهر.
مسألة 523 : تصح المساقاة في الأشجار غير المثمرة إذا كانت لها حاصل آخر من ورق أو ورد و نحوهما مما له مالية يعتد بها عرفاً كشجر الحناء الذي يستفاد من ورقه.
مسألة 524 : يصح عقد المساقاة في الأشجار المستغنية عن السقي بالمطر أو بمص رطوبة الأرض إذا احتاجت إلى أعمال أخرى مما تقدم بيانها في الشرط الثامن.
مسألة 525 : يجوز اشتراط شيء من الذهب أو الفضة أو غيرهما للعامل أو المالك زائداً على الحصة من الثمرة ، و هل يسقط المشروط مع عدم ظهور الثمرة كلاً أو بعضاً أو تلفها بعد الظهور كذلك أو أنه يقسط بالنسبة إذا ظهر أو سلم البعض دون البعض ، أو أنه لا ينقص منه شيء على كل حال فيستحقه المشروط له بتمامه ؟ وجوه أظهرها الأخير ، إلا مع اقتضاء الشرط خلافه و لو لانصراف إطلاقه إلى غيره.
مسألة 526 : يجوز تعدد المالك و اتحاد العامل فيساقي الشريكان عاملاً واحداً ، و يجوز العكس فيساقي المالك الواحد عاملين بالنصف له مثلاً و النصف الآخر لهما ، و يجوز تعددهما معاً.
( 159 )
مسألة 527 : خراج الأرض على المالك إلا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما معاً.
مسألة 528 : يملك العامل مع إطلاق العقد الحصة في المساقاة من حين ظهور الثمرة ، و إذا كانت المساقاة بعد الظهور ملك الحصة من حين تحقق العقد.
مسألة 529 : يبطل عقد المساقاة بجعل تمام الحاصل للمالك و مع ذلك يكون تمام الحاصل و الثمرة له و ليس للعامل مطالبته بالأجرة حيث أنه أقدم على العمل في هذه الصورة مجاناً، و أما إذا كان بطلان المساقاة من جهة أخرى وجب على المالك أن يدفع للعامل أجرة مثل ما عمله حسب المتعارف.
مسألة 530 : عقد المساقاة لازم لا يبطل و لا ينفسخ إلا بالتقايل و التراضي أو الفسخ ممن له الخيار و لو من جهة تخلف بعض الشروط التي جعلاها في ضمن العقد أو بعروض مانع موجب للبطلان.
مسألة 531 : إذا مات المالك قام وارثه مقامه و لا تنفسخ المساقاة و إذا مات العامل قام وارثه مقامه إن لم تؤخذ المباشرة في العمل قيداً و لا شرطاً، فإن لم يقم الوارث بالعمل و لا استأجر من يقوم به فللحاكم الشرعي أن يستأجر من مال الميت من يقوم بالعمل و يقسم الحاصل بين المالك و الوارث.
وأما إذا أخذت المباشرة في العمل قيداً انفسخت المعاملة ، كما أنها إذا أخذت شرطاً كان المالك بالخيار بين فسخ المعاملة و الرضا بقيام الوارث بالعمل مباشرة أو تسبيباً.
مسألة 532 : الأعمال التي تحتاج إليها البساتين و النخيل و الأشجار في إصلاحها و تعميرها و استزادة ثمارها و حفظها على قسمين :
( 160 )
الأول : ما يتكرر في كل سنة ، مثل إصلاح الأرض و تنقية الأنهار و إصلاح طريق الماء و إزالة الحشيش المضر و تهذيب جرائد النخل و الكرم و التلقيح و اللقاط و التشميس و إصلاح موضعه و حفظ الثمرة إلى وقت القسمة و غير ذلك.
الثاني : ما لا يتكرر غالباً كحفر الآبار و شق الأنهار و بناء الحائط و الدولاب و الدالية و نحو ذلك.
ومقتضى إطلاق عقد المساقاة أن القسم الثاني على المالك ، و أما القسم الأول فمقتضى إطلاقه كونه على العامل و المالك معاً لا على خصوص واحد منهما ، نعم إذا كان هناك تعيين أو انصراف في كون شيء على العامل أو المالك ـ و لو لأجل جريان العادة عليه ـ فهو المتبع.
مسألة 533 : إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال فللمالك إجباره على العمل المزبور كما أن له حق الفسخ من جهة تخلف الشرط و إن فات وقت العمل ، و هل له أن لا يفسخ و يطالبه بأجرة العمل المشروط عليه ؟ فيه إشكال.
مسألة 534 : لا يعتبر في المساقاة أن يكون العامل مباشراً للعمل بنفسه إن لم يشترط عليه المباشرة فيجوز له أن يستأجر شخصاً في بعض أعمالها أو في تمامها و عليه الأجرة ، كما أنه يجوز أن يشترط كون أجرة بعض الأعمال على المالك.
مسألة 535 : إذا كان البستان مشتملاً على أنواع من الأشجار كالنخل و الكرم و الرمان و نحوها من أنواع الفواكه فلا يعتبر العلم بمقدار كل واحد من هذه الأنواع تفصيلاً في صحة المساقاة عليها بل يكفي العلم بها إجمالاً بمشاهدة أو نحوها.
مسألة 536 : لا فرق في صحة المساقاة بين أن تكون على المجموع
( 161 )
بالنصف أو الثلث أو نحوهما و بين أن تكون على كل نوع منها بحصة مخالفة لحصة نوع آخر كأن يجعل في النخل النصف مثلاً و في الكرم الثلث و في الرمان الربع و هكذا.
مسألة 537 : تصح المساقاة مردداً مثلاً بالنصف إن كان السقي بالآلة و بالثلث إن كان السقي بالسيح و لا يضر هذا المقدار من الجهالة بصحتها.
مسألة 538 : إذا ظهر بطريق شرعي أن الأصول في عقد المساقاة مغصوبة فعندئذ إن أجاز المالك المعاملة صحت المساقاة بينه و بين العامل و إلا بطلت و كان تمام الثمرة للمالك و للعامل أجرة المثل يرجع بها إلى الغاصب إذا كان جاهلاً بالحال إلا إذا كان مدعياً عدم الغصبية و إن الأصول للمساقي و قد أخذ المدعي الثمرة منه ظلماً.
مسألة 539 : إذا كان ظهور غصب الأصول بعد تقسيم الثمرة و تلفها فعندئذ للمالك أن يرجع إلى الغاصب فقط بتمام عوضها و له أن يرجع إلى كل منهما بمقدار حصته ، و ليس له أن يرجع إلى العامل بتمام العوض إلا مع ثبوت يده على تمام الثمرة.
مسألة 540 : تجب الزكاة على كل من المالك و العامل إذا بلغت حصة كل منهما حد النصاب فيما إذا كانت الشركة قبل زمان الوجوب و إلا فالزكاة على المالك فقط.
مسألة 541 : إذا اختلف المالك و العامل في اشتراط شيء على أحدهما و عدمه فالقول قول منكره بيمينه ، و لو اختلفا في صحة العقد و فساده قدم قول مدعي الصحة بيمينه.
مسألة 542 : لو اختلف العامل و المالك في مقدار حصة العامل فالقول قول المالك المنكر للزيادة بيمينه و كذا الحال فيما إذا اختلفا في المدة ، و أما إذا اختلفا في مقدار الحاصل زيادة و نقيصة بأن يطالب المالك
( 162 )
العامل بالزيادة فالقول قول العامل بيمينه ، و كذا لو ادعى المالك على العامل الخيانة أو السرقة أو الإتلاف أو كون التلف بتفريط منه.
مسألة 543 : تقديم قول المالك أو العامل بيمينه في الموارد المتقدمة منوط بعدم مخالفته للظاهر ، مثلاً لو اختلفا في مقدار حصة العامل فادعى المالك قلتها بمقدار لا يجعل عادة لعامل المساقاة كواحد في الألف و ادعى العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف قدم قول العامل بيمينه و هكذا الحال في سائر الموارد.
مسألة 544 : المغارسة جائزة على الأظهر و هي : أن يدفع أرضاً إلى الغير ليغرس فيه أشجاراً على أن يكون الحاصل لهما ، سواء اشترط كون حصة من الأرض أيضاً للعامل أم لا ، و سواء كانت الأصول من المالك أم من العامل ، و الأحوط الأولى ترك هذه المعاملة ، و يمكن التوصل إلى نتيجتها بمعاملة لا إشكال في صحتها كإيقاع الصلح بين الطرفين على النحو المذكور ، أو الاشتراك في الأصول بشرائها بالشركة ثم إجازة الغارس نفسه لغرس حصة صاحب الأرض و سقيها و خدمتها في مدة معينة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدة أو بنصف عينها مثلاً.
( 163 )
كتاب الجعالة
( 164 )
( 165 )
الجعالة هي : ( الالتزام بعوض معلوم ـ و لو في الجملة ـ على عمل كذلك ) ، و هي من الإيقاعات و لابد فيها من الإيجاب أما عاماً مثل : من رد دابتي أو بنى جداري فله كذا ، أو خاصاً مثل : إن خطت ثوبي فلك كذا ، و لا يحتاج إلى القبول لأنها ليست معاملة بين طرفين حتى يحتاج إلى قبول بخلاف العقود كالمضاربة و المزارعة و المساقاة و نحوها.
مسألة 545 : مما تفترق به الجعالة عن الإجارة على العمل وجوب العمل على الأجير بعد العقد دون العامل في الجعالة ، كما تشتغل ذمة المستأجر للأجير قبل العمل بالأجرة ، و لا تشتغل ذمة الجاعل للعامل ما لم يأت بالعمل.
مسألة 546 : يعتبر في الجاعل البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس ، فلا تصح جعالة الصبي و لا المجنون و لا المكره و لا السفيه و لا المفلس فيما حجر عليه من أمواله.
وأما العامل فلا يعتبر فيه إلا إمكان إتيانه بالعمل خارجاً و لو كان إتيانه به متوقفاً على مقدمة محرمة ، كما لو أوقع الجعالة على كنس المسجد فأتى به الجنب أو الحائض فإنهما يستحقان الجعل على الأظهر ، نعم لو خص الجعل بكنس الجنب أو الحائض لم يصح فلو كنساه لم يستحقا الجعل و في استحقاقهما لأجرة المثل إشكال. و لا يعتبر في العامل نفوذ التصرف فيجوز أن يكون صبياً مميزاً و لو بغير إذن الولي بل يجوز أن يكون صبياً غير مميز أو يكون مجنوناً على الأظهر ، فجميع هؤلاء يستحقون الجعل المقرر بعملهم.
( 166 )
مسألة 547 : إنما تصح الجعالة على كل عمل محلل مقصود عند العقلاء فلا تصح الجعالة على المحرم ـ كشرب الخمر ـ و لا على ما يكون خالياً من الفائدة كالدخول ليلاً في محل مظلم إذا لم يكن فيه غرض عقلائي.
مسألة 548 : كما لا تصح الإجارة على ما علم من الشرع لزوم الإتيان به مجاناً ، واجباً كان أو مستحباً عينياً كان أو كفائياً ، عبادياً كان أو توصلياً كما تقدم في المسألة ( 31 ) كذلك لا تصح الجعالة عليه.
مسألة 549 : يجوز أن يكون العمل مجهولاً في الجعالة بما لا يغتفر في الإجارة فإذا قال ( من رد دابتي فله كذا ) صح و إن لم يعين المسافة و لا شخص الدابة مع شدة اختلاف الدواب في الظفر بها من حيث السهولة و الصعوبة ، و كذا يجوز أن يوقع الجعالة على أحد الأمرين مخيراً مع اتحاد الجعل كما إذا قال ( من رد سيارتي أو دابتي فله كذا ) أو بالاختلاف كما إذا قال ( من رد إحداهما فإن كانت السيارة فله عشرة و إن كانت الدابة فله خمسة ) نعم لا يجوز جعل موردها مجهولاً صرفاً ومبهماً بحتا لا يتمكن العامل من تحصيله كما إذا قال ( من وجد و أوصلني ما ضاع مني فله كذا ) بل و كذا لو قال ( من رد حيواناً ضاع مني فله كذا ) و لم يعين أنه من جنس الطيور أو الدواب أو غيرها.
هذا كله في العمل ، و أما العوض فلا يعتبر أيضاً تعيين خصوصياته ، بل يكفي أن يكون معلوماً لدى العامل بحد لا يكون الإقدام على العمل معه سفهياً فلو قال ( بع هذا المال بكذا و الزائد لك ) صح ، و كذا لو قال ( من رد فرسي فله نصفها أو له كذا مقدار من الحنطة ) ، و لو كان العوض مجهولاً محضاً مثل ( من رد فرسي فله شيء ) بطلت الجعالة و للعامل أجرة المثل.
مسألة 550 : إذا جعل الجعل على عمل و قد عمله شخص قبل إيقاع
( 167 )
الجعالة أو بعده بقصد التبرع و عدم أخذ العوض يقع عمله ضائعاً وبلا جعل و أجرة.
مسألة 551 : إذا أخبره مخبر بأن فلاناً قال ( من رد دابتي فله كذا ) فردها اعتماداً على إخباره مع أنه لم يقله لم يستحق شيئاً لا على صاحب الدابة و لا على المخبر الكاذب ، نعم لو كان قوله حجة شرعية كالبينة أو أوجب الاطمئنان لديه لا يبعد ضمانه أجرة مثل عمله.
مسألة 552 : لا يعتبر أن يكون الجعل ممن له العمل ، فيجوز أن يجعل جعلاً من ماله لمن خاط ثوب زيد أو باشر علاجه ، فإذا قام به أحد استحق الجعل على الجاعل دون زيد ، هذا مع رضا زيد بالتصرف في ماله أو نفسه ـ حتى لا يكون العمل محرماً ـ و إلا لم تصح الجعالة.
مسألة 553 : لو عين الجعالة لشخص و أتى بالعمل غيره لم يستحق الجعل ذلك الشخص لعدم العمل و لا ذلك الغير لأنه ما أمر بإتيان العمل و لا جعل لعمله جعل فهو كالمتبرع ، نعم لو جعل الجعل على العمل لا بقيد المباشرة بحيث لو حصل ذلك الشخص العمل بالإجارة أو الاستنابة أو الجعالة شملته الجعالة و كان عمل ذلك الغير تبرعاً عن المجعول له بطلب منه استحق المجعول له بسبب عمل ذلك العامل الجعل المقرر.
مسألة 554 : لو قال ( من دلني على مالي فله كذا ) فدله من كان ماله في يده لم يستحق شيئاً لأنه واجب عليه شرعاً، و أما لو قال ( من رد مالي فله كذا ) فإن كان مما لا يجب رده على من في يده بل تجب عليه التخلية بينه و بين المال فقام برده استحق الجعل المقرر و إلا لم يستحقه.
مسألة 555 : إنما يستحق العامل الجعل بالتسليم فيما إذا كان المجعول عليه التسليم ، و أما إذا كان المجعول عليه غيره كما إذا قال ( من خاط هذا الثوب فله درهم ) استحق الخياط الدرهم بمجرد الخياطة ، و إذا قال
( 168 )
( من أوصل دابتي إلى البلد كان له درهم ) استحق العامل الدرهم بمجرد الإيصال إلى البلد و إن لم يسلمها إلى أحد ، و لو كان الجعل على مجرد الدلالة عليها و إعلام محلها استحق بذلك الجعل و إن لم يكن منه إيصال أصلاً.
مسألة 556 : لو جعل جعلاً لشخص على عمل كبناء حائط أو خياطة ثوب فشاركه غيره في ذلك العمل يسقط من جعله المعين ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير فإن كانت المشاركة بالنصف كان له نصف الجعل و إلا فبالنسبة ، و أما الآخر فلا يستحق شيئاً لكونه متبرعاً ، نعم لو لم يشترط على العامل المباشرة بل أريد منه العمل مطلقاً و لو بمباشرة غيره و كان اشتراك الغير معه بطلب منه بعنوان التبرع عنه و مساعدته استحق المجعول له تمام الجعل.
مسألة 557 : إذا جعل جعلين بأن قال : من خاط هذا الثوب فله درهم ثم قال : من خاط هذا الثوب فله دينار ، كان العمل على الثاني فإذا خاطه الخياط لزم الجاعل الدينار لا الدرهم.
و لو انعكس الفرض لزم الجاعل الدرهم لا الدينار ، و إذا لم تكن قرينة على العدول من الأول إلى الثاني لزمه الجعلان معاً.
مسألة 558 : إذا جعل جعلاً لفعل فصدر جميعه من جماعة ـ من كل واحد منهم بعضه ـ كان للجميع جعل واحد لكل واحد منهم بعضه بمقدار عمله ، و لو صدر الفعل بتمامه من كل واحد منهم كان لكل واحد منهم جعل تام.
مسألة 559 : إذا جعل جعلاً لمن رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من الجعل بنسبة عمله مع قصد الجاعل التوزيع.
مسألة 560 : يجوز للجاعل الرجوع عن الجعالة قبل الشروع في العمل ، و أما بعد الشروع فيه فيشكل ذلك إلا مع التوافق مع العامل.
( 169 )
مسألة 561 : الجعالة لا تقتضي وجوب إتمام العمل على العامل إذا شرع فيه ، نعم قد تقتضيه لجهة أخرى كما إذا أوجب تركه الإضرار بالجاعل أو من يكون له العمل ، كأن يقول : ( كل من عالج عيني فله كذا ) فشرع الطبيب بإجراء عملية في عينه بحيث لو لم يتمها لتعيبت عينه فيجب عليه الإتمام.
مسألة 562 : لا يستحق العامل شيئاً من العوض إذا لم يتم العمل الذي جعل بأزائه ، فإذا جعل العوض على رد الدابة الشاردة إليه مثلاً فجاء بها إلى البلد و لم يوصلها إليه لم يستحق شيئاً، و كذا لو جعل العوض على مثل خياطة الثوب فخاط بعضه و لم يكمله ، نعم لو جعله موزعاً على أجزاء العمل من دون ترابط بينها في الجعل استحق العامل منه بنسبة ما أتى به من العمل.
مسألة 563 : إذا تنازع العامل و المالك في الجعل و عدمه أو في تعيين المجعول عليه أو القدر المجعول عليه أو في سعي العامل كان القول قول المالك بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر.
مسألة 564 : إذا تنازع العامل و الجاعل في تعيين الجعل فالأظهر أنه مع التنازع في قدره يكون القول قول مدعي الأقل بيمينه بشرط عدم كونه مخالفاً للظاهر ، و مع التنازع في جنسه يكون القول قول الجاعل بيمينه ـ بالشرط المذكور ـ في نفي دعوى العامل ، و تجب عليه التخلية بين ما يدعيه للعامل و بينه.
مسألة 565 : عقد التأمين للنفس أو المال ـ سيكورته ـ من العقود المستحدثة الصحيحة و قد ذكرنا أحكامه في رسالة ( مستحدثات المسائل ) و بالإضافة إلى ذلك يمكن تخريجه على بعض العقود الأخرى فتترتب عليه أحكام ذلك البعض ، كأن يكون بعنوان الهبة المشروطة فيدفع المؤمن له مقداراً من المال هبة و يشترط على المتهب أنه على تقدير حدوث حادثة نص عليها في
( 170 )
الاتفاقية أن يقوم بتدارك الخسارة الناجمة له ، أو يكون بعنوان المعاوضة إذا كان المتعهد بالتأمين يقوم للمؤمن له بعمل محترم له مالية و قيمة عند العقلاء من وصف نظام للأكل أو الشرب أو غيرهما أو تعيين حارس على المال أو غير ذلك من الأعمال المحترمة فيكون نوعاً من المعاوضة و أخذ المال من الطرفين حلال.