كتاب المضاربة
( 194 )
( 195 )
المضاربة هي عقد واقع بين شخصين على أن يدفع أحدهما إلى الآخر مالاً ليعمل به على أن يكون الربح بينهما.
مسألة 617 : يعتبر في المضاربة أمور :
الأول : الإيجاب من المالك والقبول من العامل، ويكفي في الإيجاب كل لفظ يفيده عرفاً كقوله ( ضاربتك ) أو ( قارضتك ) وفي القبول ( قبلت ) وشبهه، وتجرى المعاطاة والفضولية في المضاربة فتصح بالمعاطاة وإذا وقعت فضولاً من طرف المالك أو العامل تصح بإجازتهما.
الثاني : البلوغ والعقل والاختيار في كل من المالك والعامل.
و أما عدم الحجر من سفه أو فلس فهو إنما يعتبر في المالك دون العامل إذا لم تستلزم المضاربة تصرفه في أمواله التي حجر عليها.
الثالث : أن يكون تعيين حصة كل منهما من الربح بالكسور من نصف أو ثلث أو نحو ذلك إلا أن يكون هناك تعارف خارجي ينصرف إليه الإطلاق.
الرابع : أن يكون المال معلوماً قدراً ووصفاً، ولا يعتبر أن يكون معيناً فلو أحضر المالك مالين متساويين من حيث القدر والصفات وقال ( قارضتك ) بأحدهما صحت وإن كان الأحوط أن يكون معيناً.
الخامس : أن يكون الربح بينهما فلو شرط مقدار منه لأجنبي لم تصح المضاربة إلا إذا اشترط عليه القيام بعمل متعلق بالتجارة المتفق عليها في المضاربة.
السادس : أن يكون الاسترباح بالتجارة فلو دفع إلى شخص مالاً ليصرفه في الاسترباح بالزراعة أو بشراء الأشجار أو الأنعام أو نحو ذلك
( 196 )
ويكون الحاصل والنتاج بينهما أو دفع إلى الطباخ أو الخباز أو الصباغ مثلاً مالاً ليصرفوه في حرفتهم ويكون الربح والفائدة بينهما لم تقع مضاربة ولكن يمكن تصحيحها جعالة.
السابع : أن يكون العامل قادراً على التجارة فيما كان المقصود مباشرته للعمل فإذا كان عاجزاً عنه لم تصح.
هذا إذا أخذت المباشرة قيداً، وأما إذا كانت شرطاً لم تبطل المضاربة ولكن يثبت للمالك الخيار عند تخلف الشرط.
و أما إذا لم يكن لا هذا ولا ذاك وكان العامل عاجزاً عن التجارة حتى مع الاستعانة بالغير بطلت المضاربة.
و لا فرق في البطلان بين تحقق العجز من الأول وطروه بعد حين فتنفسخ المضاربة من حين طرو العجز.
مسألة 618 : لا فرق بين أن يقول المالك خذ هذا المال قراضاً ولكل منا نصف الربح وبين أن يقول والربح بيننا، أو يقول ولك نصف الربح أو لي نصف الربح في أن الظاهر أنه جعل لكل منهما نصف الربح، وكذلك لا فرق بين أن يقول خذه قراضاً ولك نصف ربحه أو يقول لك ربح نصفه، فإن مفاد الجميع واحد عرفاً.
مسألة 619 : تصح المضاربة بغير الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة من الأوراق النقدية ونحوها، وفي صحتها بالمنفعة والدين إشكال.
مسألة 620 : تصح المضاربة على المشاع كالمفروز، فلو كانت دنانير معلومة مشتركة بين اثنين فقال أحدهما للعامل قارضتك بحصتي من هذه الدنانير صح مع العلم بمقدار حصته.
مسألة 621 : إذا دفع إلى غيره البضاعة وقال بعها وخذ ثمنها قراضاً فنفذ ذلك صح على الأقرب.
مسألة 622 : إذا كان له دين على أحد يجوز أن يوكل أحداً في
( 197 )
استيفائه ثم إيقاع المضاربة عليه، بأن يكون موجباً من طرف المالك وقابلاً من نفسه، وكذا لو أراد أن يكون المدين هو العامل فإنه يجوز أن يوكله في قبض ما يعينه من دنانير أو دراهم وفاءً لدينه ثم إيقاع عقد المضاربة عليها موجباً وقابلاً من الطرفين.
مسألة 623 : لا يعتبر في صحة المضاربة أن يكون المال بيد العامل فلو كان بيد المالك وتصدى العامل للمعاملة صحت.
مسألة 624 : إذا كان لشخص مال في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليه صح.
مسألة 625 : إذا كان مال غيره في يده على وجه الضمان بغصب ونحوه فضاربه عليه مالكه فهل يرتفع الضمان بذلك أم لا ؟ قولان، الأقوى هو الأول، وذلك لأن عقد المضاربة في نفسه وإن لم يقتض رضا المالك ببقاء المال في يده لما عرفت من أنه لا يعتبر في صحته كون المال بيد العامل إلا أن عقد المضاربة من المالك على ذلك المال قرينة عرفية على رضاه ببقاء هذا المال في يده وتصرفه فيه.
نعم إذا لم تكن قرينة على ذلك لم يرتفع الضمان.
مسألة 626 : المضاربة الأذنية عقد جائز من الطرفين بمعنى أن للمالك أن يسحب إذنه في تصرف العامل في ماله متى شاء كما إن للعامل أن يكف عن العمل متى ما أراد سواء أ كان قبل الشروع في العمل أو بعده وسواء أ كان قبل تحقق الربح أو بعده وسواء أ كان العقد مطلقاً أو مقيداً بأجل خاص. نعم لو اشترطا عدم فسخه إلى أجل معين ـ بمعنى التزامهما بأن لا يفسخاه إلى حينه ـ صح الشرط ووجب العمل به سواء جعلا ذلك شرطاً في ضمن نفس العقد أو في ضمن عقد خارج لازم ولكن مع ذلك ينفسخ بفسخ أيهما وإن كان الفاسخ آثماً.
( 198 )
مسألة 627 : لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو لغيره إلا مع إذن المالك خصوصاً أو عموماً كأن يقول : ( اعمل به على حسب ما تراه مصلحة ) فيجوز الخلط إن رآه مصلحة، و لو خلط بدون إذنه ضمن ما تلف تحت يده من ذلك المال ولكن هذا لا يضر بصحة المضاربة بل هي باقية على حالها والربح بينهما على النسبة.
مسألة 628 : مع إطلاق العقد يجوز البيع حالاً ونسيئةً إذا كان البيع نسيئة أمراً متعارفاً في الخارج يشمله الإطلاق، وأما إذا لم يكن أمراً متعارفاً فلا يجوز بدون الإذن الخاص.
مسألة 629 : لو خالف العامل المضارب وباع نسيئة بدون إذنه فعندئذ أن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو، وإن اطلع المالك قبل الاستيفاء فإن أجاز صح البيع وإلا بطل.
مسألة 630 : إطلاق العقد لا يقتضي بيع الجنس بالنقد المتعارف بل يجوز بيعه بغيره ـ نقداً كان أو بضاعة ـ إلا مع انصراف الإطلاق عنه لتعارف أو غيره.
مسألة 631 : العامل أمين لا ضمان عليه لو تلف المال أو تعيب تحت يده إلا مع التعدي أو التفريط كما أنه لا ضمان عليه من جهة الخسارة في التجارة بل هي واردة على صاحب المال، ولو اشترط المالك على العامل أن يكون شريكاً معه في الخسارة كما يكون شريكاً معه في الربح بطل الشرط، ولو اشترط أن يكون تمام الخسارة عليه فالأظهر صحة الشرط ولكن يكون تمام الربح للعامل أيضاً من دون مشاركة المالك فيه، ولو اشترط عليه أن يتحمل الخسارة ـ بعضاً أو كلاً ـ أي يتداركها من ماله صح الشرط ولزم الوفاء به.
مسألة 632 : يجب على العامل بعد عقد المضاربة العمل بما يعتاد بالنسبة إليه، وعليه أن يتولى ما يتولاه التاجر لنفسه من الأمور المتعارفة في
( 199 )
التجارة اللائقة بحاله، فيجوز له استئجار من يكون متعارفاً استئجاره كالدلال والحمال والوزان والكيال والمحل وما شاكل ذلك.
ومن هنا يظهر أنه لو استأجر فيما كان المتعارف مباشرته فيه بنفسه فالأجرة من ماله لا من أصل المال كما أنه لو تولى ما يتعارف الاستئجار فيه جاز له أن يأخذ الأجرة إن لم يتصد له مجاناً.
مسألة 633 : كما يجوز للعامل الشراء بعين مال المضاربة بأن يعين دراهم شخصية ويشترى بها شيئاً كذلك يجوز له الشراء بالكلي في الذمة على أن يدفعه من مال المضاربة، كأن يشري بضاعة بألف درهم كلي على ذمة المالك على أن يؤديه من رأس المال، ولو تلف رأس المال حينئذ قبل أدائه بطل الشراء إلا أن يجيزه المالك فيؤديه من مال آخر، وهكذا الحال لو اشترى شيئاً نسيئة على ذمة المالك بإذنه فتلف رأس المال قبل أدائه، ولو كان الشراء بالثمن الكلي في المعين فتلف مال المضاربة قبل أدائه بطل الشراء ولا يصحح بالإجازة.
مسألة 634 : لا يجوز للعامل أن يسافر بمال المضاربة براً وبحراً وجواً والإتجار به في بلاد آخر غير بلد المال إلا مع إذن المالك أو كونه متعارفاً ـ ولو بالنسبة إلى ذلك البلد أو الجنس ـ بحيث لا ينصرف الإطلاق عنه، ولو سافر ضمن التلف والخسارة، لكن لو حصل الربح يكون بينهما كما مر ـ وكذا لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها.
مسألة 635 : ليس للعامل أن ينفق في الحضر على نفسه من مال المضاربة شيئاً وإن قل وكذا الحال في السفر إذا لم يكن بإذن المالك، وأما لو كان بإذنه فله الاتفاق من رأس المال إلا إذا اشترط المالك أن تكون نفقته على نفسه، والمراد بالنفقة ما يحتاج إليه من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وأجرة الركوب وغير ذلك مما يصدق عليه النفقة اللائقة بحاله على
( 200 )
وجه الاقتصاد، فلو أسرف حسب عليه ولو قتر على نفسه أو حل ضيفاً عند شخص فلم يحتج إليها لم يحسب له، ولا تكون من النفقة هنا جوائزه وعطاياه وضيافاته وغير ذلك فهي على نفسه إلا إذا كانت لمصلحة التجارة.
مسألة 636 : المراد بالسفر المجوز للإنفاق من المال هو العرفي لا الشرعي، فيشمل ما دون المسافة، كما أنه يشمل إقامته عشرة أيام أو أزيد في بعض البلاد فيما إذا كان لأجل عوارض السفر كما إذا كان للراحة من التعب أو لانتظار الرفقة أو لخوف الطريق وغير ذلك، أو لأمور متعلقة بالتجارة كما إذا كان لدفع الضريبة وأخذ الوصل بها، وأما إذا بقي للتفرج أو لتحصيل مال لنفسه ونحو ذلك فالظاهر كون نفقته على نفسه خصوصاً لو كانت الإقامة لأجل مثل هذه الأغراض بعد تمام العمل.
مسألة 637 : إذا كان الشخص عاملاً لاثنين مثلاً أو عاملاً لنفسه ولغيره فسافر لأجل إنجاز العملين فإن كان سفره بتمامه مقدمة لكليهما توزعت نفقته عليهما بالسوية، وإن كان بعضه مقدمة لأحدهما بالخصوص توزعت عليهما بالنسبة، فلو توقف إنجاز أحد العملين على المقام في بلدة يوماً واحداً وتوقف إنجاز الثاني على المقام فيها خمسة أيام كانت نفقته في الأيام الأربعة الباقية على الثاني.
مسألة 638 : لا يشترط في استحقاق العامل النفقة تحقق الربح بل ينفق من أصل المال، نعم إذا حصل الربح بعد هذا تحسب منه ويعطى المالك تمام رأس ماله فإن بقي شيء من الربح يكون بينهما.
مسألة 639 : إذا مرض العامل في السفر فإن لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة نعم ليس له أخذ ما يحتاج إليه للبرء من المرض، وأما إذا منعه عن شغله فليس له أخذ النفقة على الأحوط.
مسألة 640 : إذا فسخ العامل عقد المضاربة في أثناء السفر أو انفسخ
( 201 )
فنفقة الرجوع عليه لا على المال المضارب به.
مسألة 641 : إذا أتجر العامل برأس المال وكانت المضاربة فاسدة فإن لم يكن الإذن في التصرف مقيداً بصحة المضاربة صحت المعاملة ويكون تمام الربح للمالك، وإن كان الإذن مقيداً بصحة العقد كانت المعاملة فضولية فإن أجاز المالك صحت وإلا بطلت.
وأما العامل فيستحق أقل الأمرين من أجرة مثل عمله وما جعل له من الربح، وعلى هذا إذا لم تكن التجارة رابحة أو كان فساد المضاربة من جهة اشتراط تمام الربح للمالك لم يستحق العامل عليه شيئاً.
مسألة 642 : يجوز للعامل مع إطلاق عقد المضاربة الإتجار بالمال على حسب ما يراه من المصلحة من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري ومكان البيع وغير ذلك، نعم لو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس المعين أو إلا الجنس المعين أو لا يبيع من الشخص المعين أو يبيع بسعر معين أو في بلد معين أو سوق معين لم يجز له التعدي والمخالفة، ولو خالف فالأظهر صحة المعاملة فإن كانت رابحة شارك المالك في الربح على ما قرراه وإن كانت خاسرة أو تلف المال ضمن العامل الخسارة أو التلف.
مسألة 643 : يجوز أن يكون المالك واحداً والعامل متعدداً سواء أ كان المال أيضاً واحداً أو كان متعدداً، وسواء أ كان العمال متساوين في مقدار الجعل في العمل أم كانوا متفاضلين.
وكذا يجوز أن يكون المالك متعدداً والعامل واحداً بأن كان المال مشتركاً بين اثنين أو أزيد فقارضا شخصاً واحداً.
مسألة 644 : إذا كان المال مشتركاً بين شخصين وقارضاً واحداً واشترطا له النصف وتفاضلا في النصف الآخر بأن جعل لأحدهما أكثر من الآخر مع تساويهما في رأس المال أو تساويا فيه بأن كانت حصة كل منهما
( 202 )
مساوية لحصة الآخر مع تفاضلهما في رأس المال فلا يبعد صحة المضاربة وإن لم تكن الزيادة في مقابل عمل.
ولو كان المقصود من ذلك النقص على حصة العامل ـ بمعنى أن أحدهما قد جعل للعامل في العمل بماله أقل مما جعله الآخر، مثلاً جعل أحدهما له ثلث ربح حصته وجعل الآخر له ثلثي ربح حصته ـ صحت المضاربة بلا إشكال.
مسألة 645 : إذا كان رأس المال مشتركاً بين شخصين فضاربا واحداً ثم فسخ أحد الشريكين دون الآخر فالظاهر بقاء عقد المضاربة بالإضافة إلى حصة الآخر.
مسألة 646 : لو ضارب بمال الغير من دون ولاية ولا وكالة وقعت المضاربة فضولية، فإن أجازها المالك وقعت له ويترتب عليها حكمها من أن الخسران عليه والربح بينه وبين العامل على ما اشرطاه، وان ردها فان كان قبل أن يعامل بماله طالبه ويجب على العامل رده إليه، وإن تلف أو تعيب كان له الرجوع على كل من المضارب والعامل مع تسلمه المال ولكن يستقر الضمان على من تلف أو تعيب المال عنده، نعم إذا كان هو العامل وكان جاهلاً بالحال مع علم المضارب به فقرار الضمان على المضارب دون العامل، وإن كان بعد أن عومل به كانت المعاملة فضولية، فإن أمضاها وقعت له وكان تمام الربح له وتمام الخسران عليه، وإن ردها رجع بماله إلى كل من شاء من المضارب والعامل كما في صورة التلف، ويجوز له أن يجيزها على تقدير حصول الربح ويردها على تقدير وقوع الخسران، بأن يلاحظ مصلحته فإذا رآها تجارة رابحة أجازها وإذا رآها خاسرة ردها.
هذا حال المالك مع كل من المضارب والعامل، وأما معاملة العامل مع المضارب فإذا لم يعمل عملاً لم يستحق شيئاً، وكذا إذا عمل وكان عالماً
( 203 )
بكون المال لغير المضارب، وأما إذا عمل ولم يعلم بكونه لغيره استحق على المضارب أقل الأمرين من أجرة مثل عمله والحصة المقررة له من الربح إن كان هناك ربح، وإلا لم يستحق شيئاً.
مسألة 647 : تبطل المضاربة الإذنية بموت كل من المالك والعامل أما على الأول فلفرض انتقال المال إلى وارثه بعد موته فإبقاء المال بيد العامل يحتاج إلى مضاربة جديدة، وأما على الثاني فلفرض اختصاص الإذن به.
مسألة 648 : لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلاً في الإتجار أو يستأجر شخصاً لذلك ـ بأن يوكل إلى الغير أصل التجارة ـ إلا أن يأذن له المالك، فلو فعل ذلك بدون إذنه وتلف ضمن.
نعم لا بأس بالاستئجار أو التوكيل في بعض المقدمات والمعاملات حسب ما هو المتعارف في الخارج بحيث لا ينصرف عنه الإطلاق.
مسألة 649 : لا يجوز للعامل أن يضارب غيره أو يشاركه فيها إلا بإذن المالك، ومع الإذن إذا ضارب غيره كان مرجعه إلى فسخ المضاربة الأولى وإيقاع مضاربة جديدة بين المالك وعامل آخر أو بينه وبين العامل مع غيره بالاشتراك، وأما لو كان المقصود إيقاع مضاربة بين العامل وغيره ـ بأن يكون العامل الثاني عاملاً للعامل الأول ـ فصحته لا تخلو عن إشكال.
مسألة 650 : يجوز لكل من المالك والعامل أن يشترط على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً كخياطة ثوب أو نحوها أو إيقاع بيع أو صلح أو وكالة أو قرض أو نحو ذلك ويجب الوفاء بهذا الشرط ما دام العقد باقياً لم يفسخ سواء أ تحقق الربح بينهما أم لم يتحقق، وسواء أ كان عدم تحقق الربح من جهة مانع خارجي أم من جهة ترك العامل العمل بالتجارة.
مسألة 651 : الظاهر أنه يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره ولا يتوقف على الإنضاض ـ بمعنى جعل الجنس نقداً ـ ولا على القسمة،
( 204 )
كما أن الظاهر صيرورته شريكا مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة، وسيأتي حكم مطالبته بالقسمة ونفوذ تصرفاته في حصته بالبيع أو الهبة أو نحوهما في المسألة ( 656 ) و( 658 ).
مسألة 652 : الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية فملكية العامل له بالظهور متزلزلة كلها أو بعضها بعروض الخسران فيما بعد إلى أن تستقر، والاستقرار يحصل بانتهاء أمد المضاربة أو حصول الفسخ ولو من غير إنضاض ولا قسمة، وهل تكون قسمة تمام الربح والمال بينهما فسخاً فيحصل بها الاستقرار ؟ الظاهر ذلك.
مسألة 653 : كما يجبر الخسران في التجارة بالربح كذلك يجبر به التلف، فلو كان المال الدائر في التجارة تلف بعضه بسبب غرق أو حرق أو سرقة أو غيرها وربح بعضه يجبر تلف البعض بربح البعض حتى يكمل مقدار رأس المال لرب المال، فإذا زاد عنه شيء يكون بينهما.
مسألة 654 : إذا اشترط العامل على المالك في عقد المضاربة عدم كون الربح جابراً للخسران المتقدم على الربح أو المتأخر عنه فالظاهر الصحة.
مسألة 655 : إذا ضاربه على خمسمائة دينار مثلاً فدفعها إليه وعامل بها وفي أثناء التجارة دفع إليه خمسمائة أخرى للمضاربة فالظاهر أنهما مضاربتان فلا تجبر خسارة إحداهما بربح الأخرى، نعم لو ضاربه على ألف دينار مثلاً فدفع إليه خمسمائة أولاً فعامل بها ثم دفع إليه خمسمائة أخرى فهي مضاربة واحدة تجبر خسارة كل من التجارتين بربح الأخرى.
مسألة 656 : إذا ظهر الربح وتحقق في الخارج فطلب أحدهما قسمته فإن رضى الآخر فلا مانع منها وإن لم يرض لم يجبر عليها إلا إذا طلب الأول الفسخ.
( 205 )
مسألة 657 : إذا اقتسما الربح ثم عرض الخسران على رأس المال فإن حصل بعد، ربح جبر به إذا كان بمقداره أو أكثر وأما إذا كان أقل منه أو لم يحصل ربح وجب على العامل رد أقل الأمرين مما أخذه من الربح وما تجبر به الخسارة الفعلية من الربح المأخوذ.
مسألة 658 : إذا تصرف العامل في حصته من الربح تصرفاً ناقلاً كبيع أو هبة ثم طرأت الخسارة على رأس المال فإن لم يكن تصرفه بموافقة المالك لم يصح وإلا صح، ولكن إذا كانت موافقته مشروطة بقيام العامل بدفع أقل الأمرين مما تصرف فيه من الربح وما يخص المتصرف فيه من الخسارة على تقدير طروها ولم يفعل العامل ذلك بطل تصرفه إلا أن يجيزه المالك.
مسألة 659 : لا فرق في جبر الخسارة والتلف بالربح بين الربح السابق واللاحق ما دام عقد المضاربة باقياً، بل الأظهر الجبر وإن كان التلف قبل الشروع في التجارة كما إذا سرق في أثناء سفر التجارة قبل الشروع فيها أو في البلد قبل الشروع في السفر.
هذا في تلف البعض، وأما لو تلف الجميع قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنه موجب لبطلان المضاربة إلا فيما إذا كان تلفه على وجه مضمون على الغير فإن المضاربة لا تبطل حينئذٍ مع قيام ذلك الغير بتعويض المالك عما تلف.
مسألة 660 : إذا حصل فسخ أو انفساخ في المضاربة فإن كان قبل الشروع في العمل ومقدماته فلا إشكال ولا شيء للعامل كما لا شيء عليه وكذا إن كان بعد تمام العمل والإنضاض إذ مع حصول الربح يقتسمانه ومع عدمه يأخذ المالك رأس ماله ولا شيء للعامل ولا عليه.
مسألة 661 : إذا حصل الفسخ أو الانفساخ في الأثناء بعد التشاغل بالعمل فإن كان قبل حصول الربح ليس للعامل شيء ولا أجرة لما مضى من
( 206 )
عمله سواء كان الفسخ منه أو من المالك أو حصل الانفساخ القهري، ولو كان في المال عروض لا يجوز للعامل التصرف فيه بدون إذن المالك كما أنه ليس للمالك إلزامه بالبيع والإنضاض، وإن كان بعد حصول الربح فإن كان بعد الإنضاض فقد تم العمل فيقتسمان الربح ويأخذ كل منهما حقه، وإن كان قبل الإنضاض فعلى ما مر من تملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره شارك المالك في العين فإن رضيا بالقسمة على هذا الحال أو انتظر إلى أن تباع العروض ويحصل الإنضاض كان لهما ذلك ولا إشكال، وأما إن طالب أحدهما بالقسمة ولم يرض الآخر أجبر عليها إلا إذا كانت قسمة رد أو كانت مستلزمة للضرر كما هو شأن الأموال المشتركة على ما تقدم في كتاب الشركة.
مسألة 662 : لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك وصرف مقدار من رأس المال في نفقته ففي ضمانه لما صرفه وعدمه وجهان، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 663 : إذا كانت في مال المضاربة ديون فهل يجب على العامل أخذها بعد الفسخ أو الانفساخ أو لا وجهان، والأحوط أن لم يكن أقوى إجابة المالك لو طلب منه ذلك.
مسألة 664 : لا يجب على العامل بعد الفسخ إلا التخلية بين المالك وبين ماله وأما الإيصال إليه فلا يجب، نعم إذا أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك وجب الرد إلى بلده على الأظهر.
مسألة 665 : إذا اختلف المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل بأن ادعى المالك الزيادة وأنكرها العامل قدم قول العامل مع يمينه إذا لم تكن للمالك بينة عليها، ولا فرق في ذلك بين كون رأس المال موجوداً أو تالفاً مع ضمان العامل، هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في
( 207 )
مقدار نصيب العامل من الربح كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أن الذي بيده هو مال المضاربة، إذ حينئذٍ النزاع في قلة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود إذ على تقدير قلة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر فيكون نصيب العامل أزيد وعلى تقدير كثرته بالعكس، فالقول حينئذٍ قول المالك مع يمينه إذا لم تكن بينة للعامل عليها.
مسألة 666 : إذا اختلفا في المقدار الذي جعل نصيباً للعامل في المضاربة بأن يدعي المالك الأقل والعامل يدعي الأكثر فالقول قول المالك بيمينه إذا لم يكن للعامل بينة عليها.
مسألة 667 : إذا ادعى المالك على العامل الخيانة والتقصير ولم يكن له بينة فالقول قول العامل بيمينه.
مسألة 668 : لو ادعى المالك على العامل مخالفته لما شرط عليه ولم يكن له بينة قدم قول العامل بيمينه سواء أ كان النزاع في أصل الاشتراط أو في مخالفته لما شرط عليه، كما إذا ادعى المالك أنه قد اشترط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني وقد اشتراه فخسر وأنكر العامل أصل هذا الاشتراط أو أنكر مخالفته لما اشترط عليه، نعم لو كان النزاع في صدور الإذن من المالك فيما لا يجوز للعامل إلا بإذنه كما لو سافر بالمال فتلف أو خسر فادعى كونه بإذن المالك وأنكره قدم قول المالك بيمينه.
مسألة 669 : لو ادعى العامل التلف وأنكره المالك قدم قول العامل وكذا الحال إذا ادعى الخسارة أو عدم حصول المطالبات مع فرض كونه مأذوناً في المعاملات النسيئة، ولا فرق في سماع قول العامل في هذه الفروض بين أن تكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده، بل الأظهر سماع قوله حتى
( 208 )
فيما إذا ادعى بعد الفسخ التلف بعده إلا إذا كان بقاء المال في يده بعد الفسخ على وجه مضمون عليه.
مسألة 670 : لو اختلفا في الربح ولم يكن بينة قدم قول العامل سواء اختلفا في أصل حصوله أو في مقداره، بل وكذا الحال فيما إذا قال العامل ربحت كذا لكن خسرت بعد ذلك بمقداره فذهب الربح.
مسألة 671 : إذا ادعى العامل رد المال إلى المالك وأنكره قدم قول المالك بيمينه.
مسألة 672 : إذا اشترى العامل سلعة فظهر فيها ربح فقال اشتريتها لنفسي وقال المالك اشتريتها للقراض، أو ظهر خسران فادعى العامل أنه اشتراها للقراض وقال صاحب المال بل اشتريتها لنفسك قدم قول العامل بيمينه.
مسألة 673 : إذا حصل تلف أو خسارة فادعى المالك القرض ليحق له المطالبة بالعوض وادعى العامل المضاربة ليدفع التلف والخسارة عن نفسه قدم قول العامل بيمينه ويكون التلف والخسارة على المالك.
مسألة 674 : إذا حصل ربح بما يزيد حصة العامل منه على أجرة مثل عمله فادعى المالك المضاربة الفاسدة لئلا يكون عليه غير أجرة المثل ويكون الربح له بتمامه، وادعى العامل الفرض ليكون له الربح فالقول قول المالك بيمينه وبعده يحكم بكون الربح للمالك وثبوت أجرة المثل للعامل.
مسألة 675 : إذا ادعى المالك أنه أعطاه المال بعنوان البضاعة ـ وهي دفع المال إلى الغير للتجارة مع كون تمام الربح للمالك ـ فلا يستحق العامل شيئا عليه، وادعى العامل المضاربة لتكون له حصة من الربح قدم قول المالك بيمينه فيحلف على نفي المضاربة فلا يكون للعامل شيء ويكون تمام الربح ـ لو كان ـ للمالك، ولو لم يكن ربح أصلاً فلا ثمرة في هذا النزاع.
( 209 )
مسألة 676 : تقديم قول المالك أو العامل بيمينه في الموارد المتقدمة إنما هو فيما إذا لم يكن مخالفاً للظاهر وإلا قدم قول خصمه بيمينه إذا لم يكن كذلك، مثلا واختلفا في رأس المال فادعى العامل كونه بمقدار ضئيل لا يناسب جعله رأس مال في التجارة المقررة في المضاربة وادعى المالك الزيادة عليه بالمقدار المناسب قدم قول المالك بيمينه، وكذا لو اختلفا في مقدار نصيب العامل من الربح فادعى المالك قلته بمقدار لا يجعل عادة لعامل المضاربة كواحد في الألف وادعى العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف قدم قول العامل بيمينه، وهكذا في سائر الموارد.
مسألة 677 : إذا أخذ العامل رأس المال ليس له ترك الإتجار به وتعطيله عنده بمقدار لم تجر العادة على تعطيله وعد متوانياً متسامحاً كالتأخير بضعة أشهر مثلاً، فإن عطله كذلك ضمنه لو تلف لكن لم يستحق المالك عليه غير أصل المال، وليس له مطالبته بالربح الذي كان يحصل على تقدير الإتجار به.
مسألة 678 : يجوز إيقاع الجعالة على الإتجار بمال وجعل الجعل حصة من الربح، بأن يقول صاحب المال مثلاً إذا اتجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه أو ثلثه، فتكون جعالة تفيد فائدة المضاربة، لكن لا يشترط فيها ما يشترط في المضاربة فلا يعتبر كون رأس المال من النقدين أو ما بحكمهما بل يجوز أن يكون ديناً أو منفعة.
مسألة 679 : يجوز للأب والجد المضاربة بمال الصغير مع عدم المفسدة، وكذا القيم الشرعي كالوصي والحاكم الشرعي مع الأمن من الهلاك وملاحظة الغبطة والمصلحة، بل يجوز للوصي على ثلث الميت أن يدفعه إلى الغير بالمضاربة وصرف حصة الميت من الربح في المصارف المعينة للثلث إذا أوص به الميت، بل وإن لم توص به لكن فوض أمر الثلث
( 210 )
بنظر الوصي فرأى الصلاح في ذلك.
مسألة 680 : إذا مات العامل وكان عنده مال المضاربة فإن علم بوجوده فيما تركه بعينه فلا إشكال، وإن علم بوجوده فيه من غير تعيين ـ بأن كان ما تركه مشتملاً على مال نفسه ومال المضاربة أو كان عنده أيضاً ودائع أو بضائع لأناس آخرين واشتبه أعيانها بعضها مع بعض يعمل بما هو العلاج في نظائره من اشتباه أموال ملاك متعددين بعضها مع بعض، وهل هو بإيقاع المصالحة أو بإعمال القرعة أو بإيقاع الأولى فإن لم يتيسر فبإعمال الثانية ؟ وجوه أظهرها الأخير.
نعم لو علم المال جنساً وقدراً وقد امتزج بمال العامل على نحو تحصل به الشركة يكون المجموع مشتركاً بين رب المال وورثة الميت فيقاسمانه بالنسبة.
مسألة 681 : إذا مات العامل وعلم بعدم بقاء مال المضاربة في تركته واحتمل أنه قد رده إلى مالكه أو تلف بتقصير منه أو بغيره فالظاهر أنه لا يحكم على الميت بالضمان ويكون الجميع لورثته بلا تعلق حق للمالك بها، وكذا لو احتمل بقاؤه فيها على الأظهر.
( 211 )
كتاب الوديعة
( 212 )
( 213 )
الوديعة هي : ( جعل صيانة عين وحفظها على عهدة الغير ) ويقال للجاعل ( المودع ) ولذلك الغير ( الودعي ) و( المستودع ).
مسألة 682 : تحصل الوديعة بإيجاب من المودع بلفظ أو فعل مفهم لمعناها ـ ولو بحسب القرائن ـ وبقبول من الودعي دال على التزامه بالحفظ والصيانة.
مسألة 683 : إذا طلب شخص من آخر أن يكون ماله وديعة لديه فلم يوافق على ذلك ولم يتسلمه منه ومع ذلك تركه المالك عنده ومضى فتلف المال لم يكن ضامناً، وإن كان الأولى أن يحفظه بقدر الإمكان.
مسألة 684 : من لا يتمكن من حفظ الوديعة لا يجوز له قبولها على الأقوى، ولو تسلمها كان ضامناً، نعم مع علم المودع بحاله يجوز له القبول ولا ضمان عليه.
مسألة 685 : الوديعة جائزة من الطرفين وإن كانت مؤجلة فيجوز لكل منهما فسخها متى شاء، نعم مع اشتراط عدم فسخها إلى أجل معين ـ بمعنى التزام المشروط عليه بأن لا يفسخها إلى حينه ـ يصح الشرط ويجب عليه العمل به سواء جعل ذلك شرطا في ضمن نفس عقد الوديعة أو في ضمن عقد خارج لازم ولكن مع ذلك ينفسخ بفسخه وإن كان آثماً.
مسألة 686 : لو فسخ الودعي الوديعة وجب عليه أن يوصل المال فوراً إلى صاحبه أو وكيله أو وليه أو يخبره بذلك، وإذا لم يفعل من دون عذر شرعي وتلف فهو ضامن.
مسألة 687 : يعتبر في المودع والودعي : البلوغ والعقل والاختيار
( 214 )
والقصد فلا يجوز استقلال الصبي بإيداع ماله عند آخر وإن كان مميزا وإذن وليه في ذلك، كما لا يصح استيداعه مطلقاً، نعم يجوز أن يودع الطفل المميز مال غيره بإذنه كما مر نظيره في البيع، ويعتبر في المودع أيضاً أن لا يكون سفيهاً ولا محجوراً عليه لفلس إلا إذا لم تكن الوديعة من أمواله التي حجر عليها، كما يعتبر في الودعي أن لا يكون محجوراً عليه في ماله لسفه أو فلس إذا كانت صيانة الوديعة وحفظها تتوقف على التصرفات الناقلة أو المستهلكة فيه.
مسألة 688 : لا يجوز تسلم ما يودعه الصبي من أمواله ومن أموال غيره بدون إذن مالكه، فإن تسلمه الودعي ضمنه ووجب رد مال الطفل إلى وليه، ورد مال الغير إلى مالكه، نعم لو خيف على ما في يد الطفل من التلف والهلاك جاز أخذه منه حسبة ووجب رده إلى الولي أو المالك ولا يضمنه الآخذ حينئذ من دون تعد أو تفريط.
مسألة 689 : إذا أودع عند الصبي أو المجنون مالا لم يضمناه بالتلف، بل ولا بالإتلاف إذا لم يكونا مميزين، وإلا ضمناه بالإتلاف ولا يضمنانه بمجرد القبض، وفي ضمانهما بالتفريط والإهمال إشكال والأظهر عدم الضمان.
مسألة 690 : يجب على الودعي حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها به ووضعها في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للثوب والدراهم والحلي ونحوها والاصطبل المضبوط بالغلق للدابة، وبالجملة حفظها في محل لا يعد معه عند العرف مضيعاً ومفرطاً وخائناً، حتى فيما إذا علم المودع بعدم وجود حرز مناسب لها عند الودعي فيجب عليه بعدما قبل الاستيداع تحصيله مقدمة للحفظ الواجب عليه، وكذا يجب عليه القيام بجميع ما له دخل في صونها من التعيب والتلف كالثوب ينشره في الصيف
( 215 )
إذا كان من الصوف أو الإبريسم والدابة يعلفها ويسقيها ويقيها من الحر والبرد فلو أهمل وقصر في ذلك ضمنها.
مسألة 691 : إذا عين المودع لحفظ ماله محلاً وقال للودعي : ( احفظه هنا ولا تنقله إلى محل آخر وإن احتملت تلفه فيه ) لم يكن له حينئذ أن ينقله إلى محل آخر ولو فعل وتلف ضمن، نعم إذا علم بأن بقاءه في ذلك المحل يؤدي إلى تلفه وهلاكه جاز له نقله منه إلى مكان يؤمن عليه من ذلك.
مسألة 692 : إذا عين المودع للوديعة محلاً معيناً وكان ظاهر كلامه ـ ولو بحسب القرائن ـ أنه لا خصوصية لذلك المحل عنده وإنما كان تعيينه نظراً إلى أنه أحد موارد حفظه فللودعي أن يضعه في محل آخر أحفظ من المحل الأول أو مثله، ولو تلف المال ـ حينئذ ـ لم يضمن.
مسألة 693 : لو تلفت الوديعة في يد الودعي من دون تعدٍّ منه ولا تفريط لم يضمنها وكذا لو أخذها منه ظالم قهراً سواء انتزعها من يده أو أمره بدفعها إليه بنفسه فدفعها كرهاً، نعم لو سبب إلى استيلائه عليها ضمنها بل يضمنها بمجرد الأخبار بوجودها عنده أو إظهارها للغير في محل يكون بذلك في معرض اطلاع الظالم واستيلائه عليها ما لم يرتفع خطره عنها.
مسألة 694 : لو تمكن من دفع الظالم بالوسائل المشروعة الموجبة لسلامة الوديعة وجب حتى أنه لو توقف دفعه عنها على إنكارها كاذباً بل الحلف على ذلك جاز بل وجب فإن لم يفعل ضمن، وفي وجوب التورية عليه مع التفاته إليها وتيسرها له إشكال وإن كان هو الأحوط لزوماً.
مسألة 695 : إذا كانت مدافعته الظالم مؤدية إلى الضرر على بدنه من جرح وغيره او هتك في عرضه أو خسارة في ماله لا يجب تحمله، بل لا يجوز في بعض مراتبها، نعم لو كان ما يترتب عليها يسيراً جداً بحيث يتحمله غالب الناس ـ كما إذا تكلم معه بكلام خشن لا يكون هاتكاً له بالنظر إلى
( 216 )
شرفه ورفعة قدره وإن تأذى منه بالطبع ـ فالظاهر وجوب تحمله.
مسألة 696 : لو توقف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره، فإن كان يندفع بدفع بعضها وجب، فلو أهمل فأخذ الظالم كلها ضمن المقدار الزائد على ما يندفع به منها لإتمامها، فلو كان يندفع بدفع نصفها فأهمل فأخذ تمامها ضمن النصف، ولو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكل ضمن الثلثين وهكذا، وكذا الحال فيما إذا كان عنده من شخص وديعتان وكان الظالم يندفع بدفع إحداهما فأهمل حتى أخذ كلتيهما، فإن كان يندفع بإحداهما المعين ضمن الأخرى، وإن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة، ولو توقف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من الودعي لم يجب عليه دفعة تبرعاً ومجاناً، وأما مع الرجوع به على المالك فإن أمكن الاستئذان منه أو ممن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم الوصول إليه لزم، فإن دفع بلا استئذان لم يستحق الرجوع به عليه وإن كان من قصده ذلك، وإن لم يمكن الاستئذان فإن كان يعد عرفاً مقصراً في حفظ الوديعة لو لم يدفع المال لأجله وجب عليه دفعه ويجوز له الرجوع به على المالك إذا كان من قصده الرجوع عليه.
مسألة 697 : لو كانت الوديعة دابة يجب عليه سقيها وعلفها بالمقدار المتعارف ولو لم يأمره المالك بذلك بل ولو نهاه عنه إذا كان تركه مؤدياً إلى تلفها، ولا يجب إن يكون ذلك بمباشرته، وإن يكون ذلك في موضعها، فيجوز أن يسقيها بخادمه مثلاً، وكذا يجوز إخراجها من منزله للسقي وإن أمكن سقيها في موضعها بعد جريان العادة بذلك، نعم لو كان الطريق مخوفاً لم يجز إخراجها، كما أنه لا يجوز أن يولي غيره لذلك إذا كان غير مأمون إلا مع مصاحبته أو مصاحبة أمين معه، وبالجملة لابد من مراعات حفظها على المعتاد بحيث لا يعد معها عرفاً مفرطاً ومتعدياً.
هذا بالنسبة إلى أصل سقيها وعلفها، وأما بالنسبة إلى نفقتها فإن
( 217 )
وضع المالك عنده عينها أو قيمتها أو إذن له ـ ولو ضمناً ـ في الإنفاق عليها من ماله على ذمته فلا إشكال، وإلا فالواجب أولا الاستئذان من المالك أو وكيله، فإن تعذر رفع الأمر إلى الحاكم ليأمره بما يراه صلاحاً ولو ببيع بعضها للنفقة، فإن تعذر الحاكم أنفق هو من ماله ويجوز له الرجوع به على المالك مع نيته.
مسألة 698 : لو جن المالك المودع جنونا إطباقياً أو أغمي عليه كذلك بطلت الوديعة ووجب على الودعي أن يوصل المال إلى وليه فوراً أو إخبار الولي به، ولو تركه من غير عذر شرعي وتلف ضمن، وأما لو كان جنونه أو إغماؤه أدوارياً ففي بطلان الوديعة به إشكال.
مسألة 699 : إذا مات المالك المودع بطلت الوديعة، فإن انتقل المال إلى وارثه من دون أن يكون متعلقاً لحق الغير وجب على الودعي إيصاله إلى الوارث أو وليه أو إعلامه بذلك ـ بخلاف ما إذا لم ينتقل إليه أصلاً كما لو أوصى بصرفه في الخيرات وكانت وصيته نافذة أو انتقل متعلقاً لحق الغير كأن يكون عيناً مرهونة اتفق الراهن والمرتهن على إيداعها عند ثالث ـ فإن أهمل لا لعذر شرعي ضمن، ومن العذر عدم علمه بكون من يدعي الإرث وارثاً أو انحصار الوارث فيه، فإن في مثل ذلك يجوز له التأخير في رد المال لأجل التروي والفحص عن حقيقة الحال ولا يكون عليه ضمان مع عدم التعدي والتفريط.
مسألة 700 : لو مات المودع وتعدد مستحق المال وجب على الودعي أن يدفعه إلى جميعهم أو إلى وكيلهم في قبضه، فلو دفع تمام الوديعة إلى أحدهم من دون إجازة الباقين ضمن سهامهم.
مسألة 701 : لو مات الودعي أو جن جنوناً مطبقاً أو أغمي عليه كذلك بطلت ووجب على من بيده المال إعلام المودع به أو إيصاله إليه فوراً، وأما
( 218 )
لو كان جنونه أو إغماؤه أدوارياً ففي بطلان الوديعة به إشكال.
مسألة 702 : يجب رد الوديعة عند المطالبة في أول وقت الإمكان وإن كان المودع كافراً محترم المال، بل وإن كان حربياً مباح المال فإنه يحرم خيانته ولا يصح تملك وديعته ولا بيعها على الأحوط، والذي هو الواجب عليه رفع يده عنها والتخلية بين المالك وبينها لا نقلها إلى المالك، فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال هاهي وديعتك خذها فقد أدى ما هو تكليفه وخرج عن عهدته، كما أن الواجب عليه مع الإمكان الفورية العرفية، فلا يجب عليه الركض ونحوه والخروج من الحمام فوراً وقطع الطعام والصلاة وإن كانت نافلة ونحو ذلك، وهل يجوز له التأخير ليشهد عليه ؟ قولان أقواهما ذلك إذا كان في معرض المطالبة بها بعد ذلك سواء أ كان الإيداع مع الإشهاد أم لا، هذا إذا لم يرخص المودع في التأخير وعدم الإسراع والتعجيل، وإلا فلا إشكال في عدم وجوب المبادرة.
مسألة 703 : لو أودع اللص ما سرقه عند أحد لا يجوز له رده عليه مع الإمكان، بل يكون أمانة شرعية في يده، فيجب عليه إيصاله إلى صاحبه أو إعلامه به إن عرفه وإلا عرف به، فإن يأس من الوصول إليه تصدق به عنه، والأحوط أن يكون ذلك بإجازة الحاكم الشرعي، ولو صادف فوجد المالك ولم يرض بالتصدق ضمنه له على الأحوط.
مسألة 704 : كما يجب رد الوديعة عند مطالبة المالك يجب ردها إذا خاف عليها من تلف أو سرق أو عيب ونحو ذلك، فإن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاص أو العام أو إعلامه بذلك تعين، وإلا فليوصلها إلى الحاكم الشرعي أو يعلمه بالحال لو كان قادرا على حفظها، ولو فقد الحاكم أو لم يكن متمكناً من حفظها بسبب من الأسباب أودعها ـ مع الاستئذان من الحاكم على تقدير وجوده ـ عند ثقة أمين متمكن من حفظها.
( 219 )
مسألة 705 : إذا أحس الودعي بأمارات الموت في نفسه ولم يكن وكيلاً في تسليمها إلى غيره فإن أمكنه إيصالها إلى صاحبها أو وكيله أو وليه أو إعلامه بذلك تعين عليه ذلك على الأحوط، وإن لم يمكنه لزمه الاستيثاق من وصولها إلى صاحبها بعد وفاته ولو بالإيصاء بها والاستشهاد على ذلك وإعلام الوصي والشاهد باسم صاحب الوديعة وخصوصياته ومحله.
مسألة 706 : يجوز للودعي أن يسافر ويبقي الوديعة في حرزها عند أهله وعياله إذا لم يتوقف حفظها على حضوره، وإلا فإن لم يكن السفر ضرورياً لزمه أما الإقامة وترك السفر، وأما إيصالها إلى مالكها أو وكيله أو وليه أو إعلامه بالحال، وإن لم يمكنه الإيصال ولا الإعلام تعين عليه الإقامة وترك السفر، ولا يجوز له أن يسافر بها ولو مع أمن الطريق ولا إيداعها عند الأمين.
و أما لو كان السفر ضرورياً فإن تعذر إيصالها إلى المالك أو وكيله أو وليه أو إعلامه بالحال فالظاهر أنه يتخير بين أن يسافر بها مع أمن الطريق أو إيداعها عند أمين، ولو سافر بها حافظ عليها بقدر الإمكان ولا ضمان عليه لو تلفت، نعم في الأسفار الخطرة اللازم أن يعامل فيه معاملة من ظهر له أمارات الموت وقد تقدم آنفا.
هذا كله فيما إذا لم يكن مأذوناً في السفر بها أو تسليمها إلى غيره عند طرو السفر له وإلا فلا إشكال في أن له ذلك.
مسألة 707 : المستودع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيبت بيده إلا عند التفريط أو التعدي كما هو الحال في كل أمين، أما التفريط فهو الإهمال في محافظتها وترك ما يوجب حفظها على مجرى العادات بحيث يعد معه عند العرف مضيعاً ومسامحاً، كما إذا طرحها في محل ليس بحرز وذهب عنها غير مراقب لها، أو ترك سقي الدابة وعلفها على
( 220 )
النحو المتعارف أو ترك إيداعها أو السفر بها مع توقف حفظها على ذلك، أو ترك نشر ثوب الصوف أو الإبريسم في الصيف وما يقوم مقامه في حفظه، أو ترك التحفظ من الندى فيما تفسده النداوة كالكتب وبعض الأقمشة وغير ذلك.
و أما التعدي فهو أن يتصرف فيها بما لم يأذن له المالك، مثل أن يلبس الثوب أو يفرش الفراش أو يركب الدابة إذا لم يتوقف حفظها على التصرف، كما إذا توقف حفظ الثوب والفراش من الدود على اللبس والافتراش، أو يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة وتكون يده عليها على وجه الخيانة، كما إذا جحدها لا لمصلحة الوديعة ولا لعذر من نسيان ونحوه، وقد يجتمع التفريط مع التعدي، كما إذا طرح الثوب أو القماش أو الكتب ونحوها في موضع يعفنها أو يفسدها، ولعل من ذلك ما إذا أودعه دراهم مثلاً في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حل خيطه وشده من دون ضرورة ومصلحة، ومن التعدي خلط الوديعة بماله، سواء أ كان بالجنس أم بغيره، وسواء أ كان بالمساوي أم بالأجود أم بالأردأ، ومنه أيضا مالو خلطه بالجنس أم بغيره، وسواء أ كان بالمساوي أم بالأجود أم بالأردأ، ومنه أيضاً ما لو خلطه بالجنس من مال المودع من دون مبرر ومن غير أن يكون مأذوناً في ذلك كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين ولا مشدودين فجعلهما كيساً واحداً.
مسألة 708 : معنى كونها مضمونة بالتفريط والتعدي كون بدلها عليه لو تلفت ولو لم يكن تلفها مستندا إلى تفريطه وتعديه، وبعبارة أخرى تتبدل يده الأمانية غير الضمانية إلى الخيانية الضمانية.
مسألة 709 : لو نوى التصرف في الوديعة ولم يتصرف فيها لم يضمن بمجرد النية، نعم لو نوى الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها والتغلب على مالكها كسائر الغاصبين ضمنها لصيرورة يده يد عدوان بعدما كانت يد استئمان، ولو رجع عن قصده فلا يبعد زوال الضمان، وأما لو جحد الوديعة
( 221 )
أو طلبت منه فامتنع من الرد مع التمكن عقلاً وشرعاً ضمنها بمجرد ذلك ولم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه.
مسألة 710 : لو كانت الوديعة في كيس مختوم أو ما بحكمه ففتحه وأخذ بعضها ضمن الجميع ، بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق، وأما لو لم تكن كذلك فأخذ بعضها فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي، وأما لو كان من قصده عدم الاقتصار بل أخذ التمام شيئاً فشيئاً فلا يبعد أن يكون ضامناً للجميع.
مسألة 711 : لو أودعه كيسين فتصرف في أحدهما ضمنه دون الآخر.
مسألة 712 : إذا كان التصرف لا يوجب صدق الخيانة كما إذا كتب على الكيس بيتاً من الشعر أو نقش عليه نقشاً أو نحو ذلك فإنه لا يوجب ضمان الوديعة وإن كان التصرف حراماً لكونه غير مأذون فيه.
مسألة 713 : لو سلم الوديعة إلى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها ضمن إلا أن يكونوا كآلاته لكون ذلك بمحضره وباطلاعه ومشاهدته.
مسألة 714 : إذا فرط في الوديعة ثم رجع عن تفريطه بإن جعلها في الحرز المضبوط وقام بما يوجب حفظها، أو تعدى ثم رجع كما إذا لبس الثوب ثم نزعه فهل يبقى الضمان أو لا ؟ وجهان أوجههما العدم.
مسألة 715 : لو ادعى الودعي تلف الوديعة فإن كان مأموناً عند المودع لم يطالبه بشيء وإلا جاز له رفع أمره إلى الحاكم الشرعي، ويكون القول قوله ـ أي الودعي ـ بيمينه بشرط أن لا يكون مخالفاً لظاهر الحال، كما لو كانت بين أمواله فادعى تلفها بحريق أصابها وحدها دون غيرها.
مسألة 716 : لو اتفقا على تلف الوديعة ولكن اختلفا في التفريط أو التعدي أو في قيمة العين ـ ولو لأجل الاختلاف في خصوصياتها ـ كان القول قول الودعي بيمينه بالشرط المتقدم.
( 222 )
مسألة 717 : لو اختلفا في الرد فالأظهر أن القول قول المالك مع يمينه بالشرط المتقدم، وكذلك الحال لو اختلفا في أنها دين أو وديعة مع التلف.
مسألة 718 : لو دفعها إلى غير المالك وادعى الإذن من المالك فأنكر المالك ولا بينة فالقول قول المالك بيمينه بالشرط المتقدم، وكذا لو صدقه على الإذن ولكن أنكر التسليم إلى من إذن له.
مسألة 719 : إذا أنكر الوديعة ثم أقر بها ـ عند إقامة المالك البينة عليها أو بدون ذلك ـ ولكنه ادعى تلفها لم تقبل دعواه بيمينه، فإن ادعى أنها تلفت قبل إنكاره من غير تعدٍ ولا تفريط وكذبه المالك كلف الودعي بإقامة البينة على دعواه فإن أقامها فهو، وإلا توجه الحلف على المالك فإذا حلف كلف الودعي بتسليم العين ما لم يتبين تلفها، وأما لو ادعى تلفها بعد الإنكار فللمالك أن يأخذ منه بدلها وله يطالبه بالعين وحينئذٍ فإن أقام البينة على تلفها حكم بضمانه بدلها وإلا توجه الحلف على المالك فإن حلف كلف الودعي بتسليم العين ما لم يتبين تلفها كما تقدم في الصورة الأولى.
مسألة 720 : إذا أقر بالوديعة ثم مات فإن عينها في عين شخصية معينة موجودة حال موته أخرجت من التركة، وكذا إذا عينها في ضمن مصاديق من جنس واحد موجودة حال الموت، كما إذا قال إحدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان ولم يعينها فعلى الورثة إذا احتملوا صدق المورث ولم يميزوا الوديعة عن غيرها إن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا إجمالاً بإن إحدى هذه الشياه لفلان، وإذا عين الوديعة ولم يعين المالك كانت من مجهول المالك فيترتب عليها حكمه وسيأتي في كتاب اللقطة.
و هل يعتبر قول المودع ويجب تصديقه لو عينها في معين واحتمل صدقه ؟ وجهان أظهرهما العدم.
( 223 )
و إذا لم يعينها بأحد الوجهين المذكورين بحيث لم يظهر من كلامه وجودها في ضمن تركته ولم يعلم الورثة بذلك فلا اعتبار بقوله حتى إذا ذكر الجنس ولم يوجد من ذلك الجنس في تركته إلا واحد، إلا إذا علم أن مراده ذلك الواحد.
مسألة 721 : الأمانة على قسمين مالكية وشرعية :
أما الأول : فهو ما كان باستيمان من المالك وإذنه، سواء كان عنوان عمله ممحضاً في الحفظ والصيانة كالوديعة أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة، فإن العين بيد المرتهن والمستعير والمستأجر والعامل أمانة مالكية، حيث أن المالك قد استأمنهم عليها وتركها بيدهم من دون مراقبة فجعل حفظها على عهدتهم.
و أما الثاني : فهو ما لم يكن الاستيلاء فيه على العين ووضع اليد عليها باستيمان من المالك ولا إذن منه وقد صارت تحت يده لا على وجه العدوان، بل أما قهراً كما إذا أطارتها الريح أو جاء بها السيل مثلاً فصارت في يده، وأما بتسليم المالك لها بدون اطلاع منهما، كما إذا اشترى صندوقاً فوجد فيه المشتري شيئاً من مال البائع بدون اطلاعه، أو تسلم البائع أو المشتري زائداً على حقهما من جهة الغلط في الحساب، وأما برخصة من الشرع كاللقطة والضالة وما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة للإيصال إلى صاحبه، وكذا ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ، وما يؤخذ مما كان في معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة، كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل ونحو ذلك، فإن العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية يجب عليه حفظها، فإن كان يعرف صاحبها لزمه إيصالها إليه في أول أزمنة الإمكان ولو مع عدم المطالبة.
( 224 )
و يحتمل عدم وجوب الإيصال وكفاية إعلامه بكونها عنده وتحت يده والتخلية بينها وبينه بحيث كلما أراد أن يأخذها أخذها، بل هذا هو الأقوى. وأما لو كان صاحبها مجهولاً كما في اللقطة والضالة وغيرهما من مجهول المالك فيجب فيها التعريف والفحص عن المالك على تفصيل يأتي في كتاب اللقطة.
و لو كانت العين أمانة مالكية سواء بعنوان الوديعة أو بعنوان آخر فارتفع ذلك العنوان مع بقاء العين في يده من دون طرو عنوان العدوان عليها، فإن كان البقاء من لوازم ذلك العنوان أو كان برضا المالك فالأمانة مالكية وإن كان مستنداً إلى عجزه من الرد إلى مالكه أو من بحكمه فالأمانة شرعية.