القول المبين
عن
وجوب مسح الرّجلين
تأليف
الشيخ الجليل أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي
المتوفى سنة 449
تحقيق
علي موسى الكعبي
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
(5)
كلمة المؤسسة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فقد بقيت مسألة الخلاف الفقهي المبتني على طبيعة فهم وأدراك حقيقة المراد بالنص القراني والسيرة النبوية الشريفة، في واحد من اركان الوضوء الرئيسية، وهو مسح أو غسل الرجلين
، من المسائل الخلافية البارزة بين العامة والخاصة، حيث شغلت مساحة كبيرة من البحوث والمساجلات الكلامية المختلفة فيما بينهما ،
والمبتنية على مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل.
ولعل من يتأمّل ـ وإن كان بعجالة عابرة ـ في مجمل النصوص التي يتذرع بها كل طرف في إثبات مدعاه ـ العامة بالقول بالغسل، والخاصة
بالقول بالمسح ـ يجد ـ وبلا محاباة ـ متانة ورصانة ماذهب إليه الشيعة الامامية من القول بأن ما جاء به الشرع المقدس هو المسح دون
الغسل، وبوضوح جلي لا يستلزم ـ كما عمد إلى ذلك العامة ـ أي حمل وقسر للنصوص على غير وجهها الظاهر والمراد من المسلمين التعبد
به، والالتزام بفحواه، ولما كان في ذلك ـ الحمل أوالقسر ـ الكثير من المجافاة
(6)
للبديهية والمنطق، لما عرف من وضوح الشريعة، وسهولة مناهجها، وهو ما لاخلاف فيه ولاجدال.
واذا كان للعامّة مدّعياتهم واستدلالاتهم المختلفة في التمسك بما ذهبوا إليه من القول بالغسل دون المسح، فإن علماء الشيعة الإمامية
ومفكريها قد تعرضوا لإبطال تلك الآراء والاستدلالات من خلال البحث والنقاش والمحاجة في متون الكثير من الكتب والرسائل التي لم
تترك شاردة ولا واردة إلاّ واخضعتها للدليل والبرهان المرتكزين على الاصول الثابتة والسليمة التي يتّفق عليها الطرفان، ويسلّمان بصوابها
، وبشكل لا يسع المرء معه إلاّ الاذعان والتسليم بصواب وصحة ما قالته الامامية من وجوب المسح، ودون شك أو تردد.
ولعل الرسالة الماثلة بين يدي القارئ الكريم هي نموذج من تلك المساجلات القيّمة والتي ابدع في تسطيرها يراع علم من اعلام الطائفة
، وهو الشيخ ابو الفتح محمد بن علي الكراجكي رحمه الله، المتوفى عام 449هـ.
وسبق لهذه الرسالة ان نُشرت محققة على صفحات مجلة «تراثنا» في عددها التاسع عشر، الصادرفي شهر ربيع الآخر عام 1410هـ،
بتحقيق المحقق الفاضل الاخ علي موسى الكعبي، وقد ارتأت مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث نشرها مستقلة ضمن سلسلة
مستلاّت تراثنا، خدمة لتراث أهل البيت عليهم السلام وترويجاً له.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد
وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
(7)
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ السموات والارضين، باعث الانبياء والمرسلين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خير الخلق محمد الامين ،
وعلى آله الهداة الميامين، وصحبهم المتقين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عزيزي القارئ :
الرسالة التي بين يديك تعد واحدة من كنوز التراث النفيسة والقيمة، ونظرة واحدة ـ ولو سريعة ـ كافية للدلالة على سعة اطلاع مصنفها
الفقيه الجليل أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رضوان الله تعالى عليه، وبلوغه الغاية القصوى في التدقيق والتحقيق، مع دقة
متناهية في انتقاء اللفظ العذب، وحسن أداء، ورشاقة اسلوب، تنم عن براعة في الادب واللغة والكلام، ولاشك ان كثرة مؤلفاته في العلوم
والاداب والفنون المختلفة خير شاهد ودليل على ما قلناه.
ورسالة «القول المبين عن وجوب مسح الرجلين» مقتطعة من كتاب « كنز الفوائد» الذي عمله المصنف رحمه الله لابن عمه، وقد ادرج فيه
جملة من مؤلفاته،
(8)
عدّها بعض المترجمين له كتباً مستقله
(1)،
وهذا الكتاب هو من احسن مصنفاته الباقية إلى هذا الزمان
(2)، ويحتوي على نفائس من العلوم والفنون، وتفاسير لايات كثيرة،
ومختصرات متنوعة
(3).
ترجمة المؤلف:
هو القاضي أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، وصفه بعض من ترجم له من العامة
بأنّه رأس الشيعة وصاحب التصانيف الجليلة، أو بأنّه كان باحثاً من كبار أصحاب الشريف
المرتضى رضوان الله تعالى عليه، وتارة مشفوعاً بالقول « إنه كان فقيهاً محدثاً متكلماً نحوياً طبيباً عالماً
بالنجوم»
(4).
قال السيد بحر العلوم قدس سره :« الشيخ الفقيه القاضي أبو الفتح»
(5).
وفي فهرست منتجب الدين رحمه الله :« الشيخ العالم الثقة أبو الفتح محمد بن علي الكرا جكي فقيه الاصحاب»
(6).
وفي الكنى والالقاب:« الشيخ الفقيه الجليل الذي يعبرعنه الشهيد كثيراً في كتبه بالعلامة مع تعبيره عن العلامة الحلي بالفاضل»
(7).
وفي أمل الامل:« الشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي عالم فاضل، متكلم فقيه، محدث ثقة،جليل القدر»
(8).
____________
(1) كالبغدادي في هدية العارفين 70:2 .
(2) روضات الجنات 209:6 / 579.
(3) لمزيد من الاطلاع ، انظر: مستدرك الوسائل 497:3، أعيان الشيعة 400:9، الذريعة 161:18 / 1195 .
(4) انظر: سير أعلام النبلاء 121:18 / 61، مرآة الجنان 70:3، لسان الميزان 300:5 / 1016، شذرات الذهب 283:3، العبر 492:2،
الاعلام ـ للزركلي ـ 276:6.
(5) رجال السيد بحر العلوم 302:3.
(6) فهرست منتجب الدين : 154 / 355.
(7) الكنى والالقاب 88:3.
(8) أمل ألآمل 287:2 / 857.
(9)
ولعلّ هذا وغيره، ممّا لا يبلغه الحصر خير شهادة ودليل على فضله وجلالة قدره وعلمه، فقد أسند إلبه جل أرباب الاجازات، وجعله
خاتمة المحدثين رحمه الله على رأس جملة من المشايخ الذين تنتهي السلسلة في الاجازات إليهم
(9).
وهو من تلامذة الشيخ المفيد والشريف المرتضى علم الهدى رضوان الله عليهما، روى عنهما وعن آخرين من
أعلام الشيعة والسنة في مكة والرملة وبغداد وحلب والقاهرة.
نسبته:
قال السيد محسن الامين العاملي رحمه الله: والكراجكي ـ بفتح الكاف وإهمال الراء وكسر الجيم ـ نسبة إلى (الكراجك ) عمل الخيم، ولهذا
وصفه بعض مترجميه بالخيمي، وضبطه بعضهم بضم الجيم نسبة إلى (الكراجك ) قرية على باب واسط... ولكن هذا ليس بصحيح
(10).
وقال ابن حجر: محمد بن علي الكراجكي ـ بفتح الكاف وتخفيف الراء وكسر الجيم ثم كاف ـ نسبة إلى عمل الجسم، وهي (الكراجك )
(11).
والظاهر أن قوله: عمل الجسم، تصحيف: عمل الخيم .
ولا نستبعد نسبته إلى (كراجُك) بضم الجيم من عدة وجوه :
1ـ اشتهر الكراجكي بكثرة تجواله، وسياحته في طلب العلم، وكان من بين الذين روى
عنهم العالم الفقيه المعروف أبو عبد الله الحسين بن عبيدالله
بن علي الواسطي، ممّا يدل على أنه سكن واسط او أحد قراها .
2ـ قرية (كراجك) هي من بين القرى الواقعة في باب واسط، ذكرها
____________
(9) مستدرك الوسائل 497:3.
(10) أعيان الشيعة 400:9.
(11) لسان الميزان 300:5 / 1016.
(10)
ياقوت
(12) والسمعاني
(13)
ونسب إليها أحمد بن عيسى الكراجكي، وإخاه علي بن عيسى الكراجكي.
3ـ نسبه إلى (كراجك) بضم الجيم بعض من ترجم له من أجلة العلماء
(14).
4ـ لا يؤيد كونه منسوب إلى (الكراجك ) بكسر الجيم، إلا دليل واحد، هو أن البعض عنونه بالخيمي
(15)، ولعل هذه
النسبة لحقته من بعض الديار التي وطنها خلال تجواله.
دليلنا على ذلك قول صاحب الروضات:« ويظهر من طرق رواياته المذكورة
في كنز الفوائد وغيره أنه كان سائحأ في البلاد، وغالبأ في طلب الفقه والحديث والآدب
وغيرها، إلا أن معظم نزوله وتوطنه كان بالديار المصرية ...ـ إلى أن قال:ـ وكان الخيم
أو ذو الخيم أو ذات الخيم الواقع إليها النسبة من المواضع الواقعة في تلك الديار»...
(16)
والله أعلم، وهو المسدد للصواب.
وفاته:
تكاد المصادر التي ترجمت له تجمع على أن وفاته كانت بصور، في ثاني ربيع الآخر ـ سنة (449) هـ.ق ـ
(17)رضوان الله تعالى عليه.
* * *
____________
(12) معجم البلدان 443:4.
(13) الانساب 10: 372 إلاّ انّه ضبطها بفتح الجيم.
(14) انظر: الكنى والالقاب 88:3، طبقات أعلام الشيعة ـ القرن الخامس ـ : 177.
(15) العبر294:2، مرآة الجنان 70:3، معجم المؤلفين27:11و49:8.
(16) روضات الجنات 209:6 / 579.
(17) سير اعلام النبلاء 121:18 / 61، شذرات الذهب 283:3، العبر 294:2، لسان الميزان 300:5 / 1016، هدية العارفين 70:2،
الاعلام ـ للزركلي ـ 276:6، اعيان الشيعة 9: 400.
(11)
مشايخه:
كان يروي عن جملة من المشايخ الاجلة، كما يظهر من مؤلفاته، نذكرمنهم:
1ـ استاذه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه.
2ـ السيد المرتضى علم الهدى قدس الله روحه.
3ـ أبا يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي.
4ـ أبا عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطي.
5ـ أبا الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي.
6ـ أبا المرجا محمد بن علي بن طالب البلدي.
7ـ أبا عبد الله محمد بن عبيد الله بن الحسين بن طاهر الحسيني.
8ـ أبا الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني.
9ـ أبا الحسن أسد بن إبراهيم بن كلب السلمي الحراني.
10ـ أبا منصور أحمد بن حمزة العريضي.
11 ـ أبا العباس إسماعيل بن غسان.
كما روى عن جملة من علماء العامة
(18).
مصنفاته:
صنف في علوم وفنون مختلفة، كالفقه والامامة والانساب والادب والنجوم والفلك
والحكمة وغيرها، ويدل على كثرة ما صنف وألف واختصر قول المحدث النوري
قدس سره في خاتمة المستدرك :« ولم أر من المترجمين من استوفى مؤلفاته »
(19).
____________
(18) انظر: مستدرك الوسائل 497:3، روضات الجنات 209:6 / 579، رجال السيد بحر العلوم 302:3،
طبقات أعلام الشيعة ـ القرن الخامس ـ :177.
(19) مستدرك الوسائل 497:3.
(12)
وقال السيد محسن الامين العاملي رحمه الله :« له مؤلّفات كثيرة بلغت السبعين حسب
عد بعض معاصريه »
(20) .
ومن جملة مؤلفاته:
1ـ الابانة عن المماثلة ـ في الاستدلال بين طريق النبوة والامامة.
2ـ الاستطراف في ذكر ما ورد من الفقه في الانصاف.
3ـ الاستبصار في النص على الائمة الاطهار عليهم السلام.
4ـ التلقين لاولاد المؤمنين.
5ـ تهذيب المسترشدين.
6ـ روضة العابدين ونزهة الزاهدين، في الصلاة: الفرائض، والسنن، والتطوع،
عمله لولده موسى.
7ـ النوادر.
8ـ كنز الفوائد.
9ـ البستان في الفقه، وهو معنى لم يطرق، وسبيل لم يسلك، قسم فيه أبوابأ من
الفقه، وفرع كل فن منه، حتى حصل من كل باب شجرة كاملة، ويكون نيفأ
وثلاثين شجرة.
10ـ التعجب من أغلاط العامة ـ في الامامة.
11ـ معارضة الاضداد باتفاق الاعداد ـ في الامامة.
12ـ معدن الجواهر ورياضة الخواطر.
13ـ معونة الفارض في استخراج سهام الفرائض.
14ـ المنهاج إلى معرفة مناسك الحاج.
15ـ مختصر كتاب الدعائم للنعمان.
16ـ الاختيار من الاخبار ـ مختصر كتاب الاخبار للنعمان.
____________
(20) أعيان الشيعة 400:9.
(13)
17ـ ردع الجاهل وتنبيه الغافل.
18ـ الكافي الاستدلال بصحة القول برؤية الهلال.
19ـ غاية الانصاف في مسائل الخلاف ـ في علم الكلام.
20ـ حجة العالم في هيئة العالم ـ يتضمن الدلالة على ان شكل السماوات والارضين كمثل الكرة.
21ـ ذكر الاسباب الصادة عن معرفة الصواب.
22ـ الرسالة الدامغة للنصارى ـ تتضمن نقضأ لكلام أبي الهيثم النصراني.
23ـ الغاية في الاصول ـ وفي جزء منه : القول في حدوث العالم وإثبات محدثه.
24ـ جواب رسالة الاخوين ـ يتضمن ردأ على الاشعرية.
25ـ عدة البصير في حج يوم الغدير ـ في الامامة.
26ـ مختصر كتاب التنزيه ـ للسيد المرتضى رحمه الله.
27ـ مزيل اللبس ومكمّل الانس ـ في علم النجوم.
28ـ نظم الدرر في مبنى الكواكب والدرر.
29ـ الحساب الهندي ـ يتضمن أبواب الحساب الهندي وعمل الجذور
والمكعبات المفتوحة والصم.
30ـ رياض الحكم ـ في الادب.
31ـ موعظة العقل للنفس.
32ـ نصيحة الاخوان.
33ـ التحفة في الخواتيم.
34ـ الجليس ـ وهو كالروضة، فيه سير ملوك وشعر.
35ـ انتفاع المؤمنين بما في أيدي السلاطين.
36ـ الانيس ـ في فنون مختلفة.
37ـ التأديب.
38ـ الاصول في مذهب آل الرسول صلوات الله عليهم.
(14)
39ـ مختصر البيان عن دلالة شهر رمضان.
40ـ المدهش.
41ـ رسالة التنبيه على أغلاط أبي الحسن البصري.
42ـ رسالة التعريف بحقوق الوالدين ـ وهي وصيته إلى ولده موسى.
هذه هي جملة من مؤلفاته، وقد أعرضنا عن ذكر كثير منها، تجدها في مظانها
(18).
النسخ المعتمدة :
1ـ النسخة الخطية المحفوظة في المكتبة الرضوية بمشهد المقدسة، برقم (226)، مسطرتها (19) سطرأ، سنة النسخ (677هـ.ق ) وهي
المعبر عنها بنسخة الاصل.
2ـ الكتاب المطبوع على الحجر ـ من منشورات مكتبة المصطفوي ـ قم المشرفة، ولم نعتمد على هذا الكتاب إلا في
موارد نادرة.
ومما يجدر ذكره أن كتاب كنز الفوائد قد تم تحقيقه من قبل الشيخ الفاضل عبد الله نعمه، وطبع في دار الاضواء،
بيروت، طبعة حديثة بذل فيها المحقق جهدأ يستحق لا جله الثناء والتقدير.
وقد كانت هذه الرسالة من ضمن الرسائل التي يحتويها الكتاب، وقد اعتمد المحقق في التحقيق على
النسخة المطبوعة سنة 1322 فقط، وهي نسخة سقيمة جدأ وكثير من الكلمات فيها غير واضح
كما وصفها محقق الكتاب... وبالنظر لتوفر النسخة الخطية التي يرجع تاريخ نسخها إلى (677هـ) فقد
ارتأينا إعادة تحقيق هذه الرسالة اعتمادأ على هذه النسخة كما تم مقابلتها مع النسخة المطبوعة على الحجر.
وخرجنا الاحايث والنقول التي ذكرها المؤلف من مظانها الاصلية، ودعمنا أقواله بمصادر الخاصة
والعامة، كما ذكرنا تراجم الرواة والعلماء الذين وردت أسماؤهم
____________
(21) انظر: أمل الآمل 287:2 / 857، معالم العلماء: 118 / 788، روضات الجنات 209:6 / 579،
أعيان الشيعة 400:9، هدية العارفين 70:2، ألاعلام ـ للزركلي ـ 276:6.
(15)
في متن الرسالة ونبهنا على مصادرها تتميمأ للفائدة.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
علي موسى الكعبي
***
(16)
صورة الورقة الاولى من النسخة المخطوطة.
(17)
صورة الورقة الأخيرة من النسخة المخطوطة الناقصة الآخر.