أجمع علماء الإسلام ـ ظاهرا ـ على أن من جملة أسباب تحريم النكاح : الرضاع في الجملة ، والأصل في هذا الحكم ـ قبل الأجماع ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الفريقان : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » . ورُوي عن الصادق عليه السلام أيضا بعدّة طُرُق صحيحة ، ورواه عبدالله ابن سنان ، وأبو الصباح الكناني ، وعبيد بن زرارة عن مولانا الصادق عليه السلام مع تخالف يسير في المتن . ومعنى هذه العبارة : أنه يحرم من جهة الرضاع نظير من يحرم من جهة النسب ، لا أن نفس مَن يحرم من النسب يحرم من جهة الرضاع ، كما يتراءى من ظاهر العبارة ؛ وإنما عبّر بهذا للتنبيه على اعتبار اتحاد العنوان الحاصل بالرضاع والحاصل بالنسب في التحريم صنفا ؛ مثلا الأم محرمة من جهة النسب ، فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان حصل التحريم من جهة الرضاع ، ولو حصل بالرضاع ما يلازمه ـ مثل اُمومة أخيه لأبويه ـ لم يحرم ؛ وكذلك الأُخت والبنت وغيرهما ممن يحرم نكاحه بواسطة النسب الحاصل بين |
الرضاع محرم للنكاح في الجملة
الأصل في الحكم : النبوي معنى الحديث : قيام الرضاع مقام النسب في التحريم |
توهم عدم تحريم ام الزوجة من جهة الرضاع |
شخصين ، أو بين أحدهما وزوج الآخر ، أو من في حكمه ؛ فإن اُم الزوجة محرمة على الزوج من جهة نسب بينها ويبن الزوجة يحدث باعتباره المصاهرة بعد التزويج ، وكذلك الاُم الرضاعية للزوجة . فحاصل معنى هذا الحديث : التسوية بين النسب والرضاع في إيجاب التحريم ، وأن العلاقة الرضاعية تقوم مقام العلاقة النسبية ، وتنزل مكانها ؛ فلا يتوهم أن تحريم اُم الزوجة من جهة المصاهرة ، فينبغي أن لا تحرم من جهة الرضاع . توضيح الدفع : أن معنى هذه القضية السلبيّة ـ وهي « أن المحرم من جهة المصاهرة لايحرم من جهة الرضاع » على قياس تلك القضية الموجبة ـ هو : أن الرضاع لايقوم مقام المصاهرة ولاينزّل منزلتها ؛ فإذا أرضعت ولدك امرأة فلاتحرم عليك اُمها من حيث إنها جدة ولدك لاُمه الرضاعية ، من جهة أن جدة الولد لاُمه إنما تحرم على الأب لأجل نسب بينها وبين زوجته ، ولا شك أن الزوجية هنا منتفية ، ومجرد إرضاع ولد الرجل لايصيّر المرضعة في حكم الزوجة ، لما عرفت من أنّ الرضاع لايقوم مقام المصاهرة . وأما اُمّ الزوجة المرضعة لها ـ في المثال الذي قدّمناه ـ فإنما قامت مقام اُمها الوالدة لها ؛ فقد قام الرضاع مقام النسب ، لامقام المصاهرة ، لأن زوجية الزوجة ثابتة بنفسها لم يبدّل بالرضاع ، وإنما المبدل بها النسب الحاصل بين الأم والزوجة . وملخّص الكلام : أنه لما كانت المصاهرة عبارة عن علاقة تحدث بين كل من الزوجين وأقارب الآخر ، توقف وجودها على أمرين : ثبوت الزوجية بين الرجل والمرأة ، وثبوت القرابة والنسب بين شخص وبين أحدهما ؛ فكما يمكن استناد التحريم إلى المصاهرة الحاصلة بين المحرم والمحرم |
عليه من مجموع ذينك الأمرين ، فكذلك يمكن استناده إلى الأمر الأول من الأمرين ، بأن يُقال : إنه تحرم اُمّ الزوجة على الزوج من جهة زوجية بنتها له ، وكذلك يمكن استناده إلى الأمر الثاني ، فيقال : إنه تحرم اُم الزوجة على الزوج لأجل نسب بينها وبين زوجته ، ولايوجب ذلك عدّها في المحرمات النسبية ، من جهة قصرها على ما استند فيه التحريم إلى النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ؛ قبالا للمصاهرة الحاصلة بينهما . إذا عرفت ذلك ، فدخول الرضاع في المصاهرة ، إما بقيامه مقام الأمر الأول من الأمرين المذكورين ، مع بقاء الأمر الثاني بحاله ، كالاُمّ النسبية للاُمّ الرضاعيّة للولد ، النازلة منزلة الزوجة ، وإما بقيامه مقام الأمر الثاني منهما ، كالاُم الرضاعية للزوجة الحقيقية . ففي الأول : لامجال لتوهم نشر التحريم بالرضاع ، إلا إذا دلّ دليل خاص عليه ، لأن حاصل أدلة النشر بالرضاع إلحاقه بالنسب ، وجعل كلّ عنوان حاصل بالرضاع في حكم ذلك العنوان الحاصل بالنسب ؛ ومعلوم أنه لم ينتف هنا إلا الزوجية ، ولم يدلّ دليل النشر على تنزيل مرضعة الولد مقام الزوجة . وفي الثاني : لاينبغي التأمل في التحريم ؛ لأنه إذا اُلحق العنوان الرضاعي بالعنوان النسبي في التحريم ، واُقيم الرضاع مقام النسب في إناطة التحريم به ، فلا شك [ في أنه ] (1) تكون الاُم الرضاعية للزوجة بمنزلة الاُم النسبية لها . ولعلّ منشأ توهم عدم استفادة تحريم مثل هذا من الحديث المذكور |
توقف المصاهرة على أمرين |
شروط نشر الحرمة بالرضاع الأول : كون اللبن عن وطء صحيح |
توهم كون المراد بلفظ « النسب » فيه ، النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ، على حدّ قولهم : « سبب التحريم إما نسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة » ، وهذا خبط فاسد ، فإنه تقييد للمطلق من غير دليل ، بل المراد منه هو مطلق النسب الموجب للتحريم سواء كان بين نفس المحرم والمحرم عليه ، أم بين أحدهما وزوج الآخر ، أو غيره ، مثل المزنيّ بها والغلام الموطوء والملموسة . ومن هنا يصحّ التمسك بهذا الحديث في تحريم مرضعة الغلام الموقب واُخته وبنته الرضاعيّتين على الموقب ، وإلا فأيّ نسب بينها وبين الموقِب ؟! وأما دعوى أن التحريم في غير المحرمات النسبية السبع ليس من جهة النسب ، بل هو مستند إلى المصاهرة ، فقد عرفت الحال فيها ، وأنه يجوز استناد التحريم فيه إلى نفس المصاهرة وإلى كل واحد من الأمرين اللذين يتوقف وجودها عليهما . ثم أعلم أن انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط : الأول : أن يكون اللبن عن وطء صحيح ، فلو درّ لا عن وطء أو عن وطءٍ بالزنا ، لم ينشر (1) ... |