الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم أنبيائه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، الذين رضعوا من ثدي الإيمان ، وتربّوا في حجر الاسلام .
أما بعد :
فمما تركه الشيخ الأنصاري قدس سره من تراثه الفقهي هو ما كتبه في الرضاع الذي يُعدّ من البحوث الفقهية المهمة ، وتترتب عليه آثار كثيرة .
ومهما يكن ، فالرسالة جديرة بالاهتمام بها كسائر ما كتبه قدس سره ، ويسرّ لجنة التحقيق أن تقدم هذه الرسالة محققة إلى الفقهاء وذوي الدراسات العالية ؛ ليرتووا من هذا المنهل العذب .
والرسالة مكتوبة بصورة مستقلة ومن دون أن تكون شرحا لكتاب آخر كالإرشاد أو القواعد أو غيرهما .
النسخ المعتمد عليها :
وأما النسخ التي اعتمد عليها في التحقيق فهي :
أولا ـ مصورة النسخة الأصلية :
كان الاعتماد الأكثر في تحقيق الرسالة على مصورة النسخة الأصلية ـ أي مخطوطة الشيخ قدس سره ـ الموجودة في مكتبة الإمام الرضا (ع) في مشهد ضمن مجموعة من مصنفات الشيخ الأعظم قدس سره برقم ( 11127 ) والتي قدمتها لنا المكتبة مشكورة .
ورُمزت هذه النسخة بـ « ق » .
ثانيا ـ نسخة من المكاسب :
والنسخة الثانية التي استفيد منها في التحقيق ، نسخة من المكاسب مطبوعة بالطبعة الحجرية عام ( 1305 ) ، وقد تضمنت عدّة رسائل ، منها هذه الرسالة .
ورُمز لهذه النسخة بـ « ع » .
ثالثا ـ نسخة ثانية من المكاسب :
وهي نسخة اُخرى مطبوعة عام ( 1325 ) في إصفهان ، وطبعت الرسالة ملحقة بها مع غيرها من الرسائل .
ورُمز لها بـ « ص » .
رابعا ـ نسخة ثالثة من المكاسب :
وهي المطبوعة عام ( 1375 ) في تبريز مع شرح الشهيدي ، وقد طبعت الرسالة ملحقة بها مع غيرها من الرسائل أيضا .
ورُمز لها بـ « ش » .
ولابد أن نُشير إلى أنه قدس سره قد بدأ بالكتابة في الموضوع فكتب
وختاما نبدي شكرنا وتقديرنا لكل من سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة الله الرحمتي ، وسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد الحسّون اللذين بذلا وسعهما في تحقيق الرسالة ، ونسأل الله تعالى لنا ولهما مزيد التوفيق في خدمة فقه أهل البيت عليهم السلام إنه مجيب .
|
|
|
|
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين .
أجمع علماء الإسلام ـ ظاهرا ـ على أن من جملة أسباب تحريم النكاح : الرضاع في الجملة ، والأصل في هذا الحكم ـ قبل الأجماع ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الفريقان : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » .
ورُوي عن الصادق عليه السلام أيضا بعدّة طُرُق صحيحة ، ورواه عبدالله ابن سنان ، وأبو الصباح الكناني ، وعبيد بن زرارة عن مولانا الصادق عليه السلام مع تخالف يسير في المتن .
ومعنى هذه العبارة : أنه يحرم من جهة الرضاع نظير من يحرم من جهة النسب ، لا أن نفس مَن يحرم من النسب يحرم من جهة الرضاع ، كما يتراءى من ظاهر العبارة ؛ وإنما عبّر بهذا للتنبيه على اعتبار اتحاد العنوان الحاصل بالرضاع والحاصل بالنسب في التحريم صنفا ؛ مثلا الأم محرمة من جهة النسب ، فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان حصل التحريم من جهة الرضاع ، ولو حصل بالرضاع ما يلازمه ـ مثل اُمومة أخيه لأبويه ـ لم يحرم ؛ وكذلك الأُخت والبنت وغيرهما ممن يحرم نكاحه بواسطة النسب الحاصل بين
|
الرضاع محرم للنكاح في الجملة
الأصل في الحكم : النبوي معنى الحديث : قيام الرضاع مقام النسب في التحريم |
|
توهم عدم تحريم ام الزوجة من جهة الرضاع |
شخصين ، أو بين أحدهما وزوج الآخر ، أو من في حكمه ؛ فإن اُم الزوجة محرمة على الزوج من جهة نسب بينها ويبن الزوجة يحدث باعتباره المصاهرة بعد التزويج ، وكذلك الاُم الرضاعية للزوجة .
فحاصل معنى هذا الحديث : التسوية بين النسب والرضاع في إيجاب التحريم ، وأن العلاقة الرضاعية تقوم مقام العلاقة النسبية ، وتنزل مكانها ؛ فلا يتوهم أن تحريم اُم الزوجة من جهة المصاهرة ، فينبغي أن لا تحرم من جهة الرضاع .
توضيح الدفع : أن معنى هذه القضية السلبيّة ـ وهي « أن المحرم من جهة المصاهرة لايحرم من جهة الرضاع » على قياس تلك القضية الموجبة ـ هو : أن الرضاع لايقوم مقام المصاهرة ولاينزّل منزلتها ؛ فإذا أرضعت ولدك امرأة فلاتحرم عليك اُمها من حيث إنها جدة ولدك لاُمه الرضاعية ، من جهة أن جدة الولد لاُمه إنما تحرم على الأب لأجل نسب بينها وبين زوجته ، ولا شك أن الزوجية هنا منتفية ، ومجرد إرضاع ولد الرجل لايصيّر المرضعة في حكم الزوجة ، لما عرفت من أنّ الرضاع لايقوم مقام المصاهرة .
وأما اُمّ الزوجة المرضعة لها ـ في المثال الذي قدّمناه ـ فإنما قامت مقام اُمها الوالدة لها ؛ فقد قام الرضاع مقام النسب ، لامقام المصاهرة ، لأن زوجية الزوجة ثابتة بنفسها لم يبدّل بالرضاع ، وإنما المبدل بها النسب الحاصل بين الأم والزوجة .
وملخّص الكلام : أنه لما كانت المصاهرة عبارة عن علاقة تحدث بين كل من الزوجين وأقارب الآخر ، توقف وجودها على أمرين : ثبوت الزوجية بين الرجل والمرأة ، وثبوت القرابة والنسب بين شخص وبين أحدهما ؛ فكما يمكن استناد التحريم إلى المصاهرة الحاصلة بين المحرم والمحرم
|
عليه من مجموع ذينك الأمرين ، فكذلك يمكن استناده إلى الأمر الأول من الأمرين ، بأن يُقال : إنه تحرم اُمّ الزوجة على الزوج من جهة زوجية بنتها له ، وكذلك يمكن استناده إلى الأمر الثاني ، فيقال : إنه تحرم اُم الزوجة على الزوج لأجل نسب بينها وبين زوجته ، ولايوجب ذلك عدّها في المحرمات النسبية ، من جهة قصرها على ما استند فيه التحريم إلى النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ؛ قبالا للمصاهرة الحاصلة بينهما .
إذا عرفت ذلك ، فدخول الرضاع في المصاهرة ، إما بقيامه مقام الأمر الأول من الأمرين المذكورين ، مع بقاء الأمر الثاني بحاله ، كالاُمّ النسبية للاُمّ الرضاعيّة للولد ، النازلة منزلة الزوجة ، وإما بقيامه مقام الأمر الثاني منهما ، كالاُم الرضاعية للزوجة الحقيقية .
ففي الأول : لامجال لتوهم نشر التحريم بالرضاع ، إلا إذا دلّ دليل خاص عليه ، لأن حاصل أدلة النشر بالرضاع إلحاقه بالنسب ، وجعل كلّ عنوان حاصل بالرضاع في حكم ذلك العنوان الحاصل بالنسب ؛ ومعلوم أنه لم ينتف هنا إلا الزوجية ، ولم يدلّ دليل النشر على تنزيل مرضعة الولد مقام الزوجة .
وفي الثاني : لاينبغي التأمل في التحريم ؛ لأنه إذا اُلحق العنوان الرضاعي بالعنوان النسبي في التحريم ، واُقيم الرضاع مقام النسب في إناطة التحريم به ، فلا شك [ في أنه ] (1) تكون الاُم الرضاعية للزوجة بمنزلة الاُم النسبية لها .
ولعلّ منشأ توهم عدم استفادة تحريم مثل هذا من الحديث المذكور
|
توقف المصاهرة على أمرين |
|
شروط نشر الحرمة بالرضاع الأول : كون اللبن عن وطء صحيح |
توهم كون المراد بلفظ « النسب » فيه ، النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ، على حدّ قولهم : « سبب التحريم إما نسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة » ، وهذا خبط فاسد ، فإنه تقييد للمطلق من غير دليل ، بل المراد منه هو مطلق النسب الموجب للتحريم سواء كان بين نفس المحرم والمحرم عليه ، أم بين أحدهما وزوج الآخر ، أو غيره ، مثل المزنيّ بها والغلام الموطوء والملموسة .
ومن هنا يصحّ التمسك بهذا الحديث في تحريم مرضعة الغلام الموقب واُخته وبنته الرضاعيّتين على الموقب ، وإلا فأيّ نسب بينها وبين الموقِب ؟!
وأما دعوى أن التحريم في غير المحرمات النسبية السبع ليس من جهة النسب ، بل هو مستند إلى المصاهرة ، فقد عرفت الحال فيها ، وأنه يجوز استناد التحريم فيه إلى نفس المصاهرة وإلى كل واحد من الأمرين اللذين يتوقف وجودها عليهما .
ثم أعلم أن انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط :
الأول : أن يكون اللبن عن وطء صحيح ، فلو درّ لا عن وطء أو عن وطءٍ بالزنا ، لم ينشر (1) ...
|