بسم الله الرحمن الرحيم

[ أجمع علماء الإسلام على أنّ من جملة أسباب تحريم النكاح : الرضاع في الجملة ، والأصل فيه ـ قبل الإجماع ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الفريقان : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (1) .
ورواه عدّة من أصحابنا في الصحيح وغيره عن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما السلام (2) .
ثم إنّ كونه سببا في التحريم يتوقف على امور :
الأول : أن يكون اللبن عن وطءٍ صحيح ، فلو درّ لا عن وطءٍ أو عن
الرضاع محرم للنكاح في الجملة

الأصل في الحكم : النبوي

شروط نشر الحرمة بالرضاع
____________
(1) الوسائل 14 : 280 ، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 1 و7 . وكنز العمال 6 : 271 ، الحديث : 15660 .
(2) الوسائل 14 : 280 ، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالرضاع .

( 20 )

الأول : كون اللبن عن وطء صحيح






لاحكم للبن الرجل أو الخنثى المشكل
وطء بالزنا ، لم ينشر ] (1) على المعروف بين الأصحاب ، وحكى عليه الإجماع ، في المدارك عن جماعة (2) منهم جده في المسالك (3) ؛ للأصل ، فإن إطلاقات التحريم بالرضاع منصرفة إلى غير ذلك .
وصحيحة عبدالله بن سنان : « قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لبن الفحل ؟ قال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة اُخرى ، فهو حرام » (4) .
ومثلها حسنته بابن هاشم : « ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة اُخرى » (5) .
ويستفاد من اشتراط كون اللبن عن الوطء أنه لا حكم للبن الرجل وفي حكمه لبن الخنثى المشكل أمره ، بناء على أنه لو علم كون لبنه من الوطء ، فلا إشكال في كونها امرأة ، إلا ما ورد في بعض الأخبار : من أنّ خنثى ولدت وأولدت في أيام أميرالمؤمنين ، فألحقه عليه السلام بالرجال بعد عدّ أضلاعه (6) .
____________
(1) لم يرد ما بين المعقوفتين في النسخ المطبوعة .
(2) كذا في النسخ ، ولم يخرج من مدارك الأحكام إلا العبادات إلى آخر كتاب الحج ، وما نسبه إليه موجود في نهاية المرام 1 : 100 ، لصاحب المدارك قدس سره ، ولعل المؤلف قدس سره كان يراها تتمة للمدارك ، والله أعلم .
(3) المسالك 1 : 371 .
(4) الوسائل 14 : 294 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 4 .
(5) نفس المصدر : ذيل الحديث 4 .
(6) الفقيه 4 : 328 ، الحديث 5704 .

( 21 )


وعدّ في التحرير هذا الخبر من الشواذّ (1) .
ولا حكم أيضا للبن المرأة الموطوءة الغير الحاصل من الوطء ، فإن البن إنما يحصل عن الوطء بعد العلوق والحمل وتخلّق الولد ؛ وقد استُفيد جميع ذلك من الصحيحة المتقدّمة .
وهل يعتبر انفصال الولد ، أو يكفي الحمل ؟ وجهان ، بل قولان ، اختار العلامة أوّلهما في التحرير (2) وثانيهما في القواعد (3) وهو الأظهر ، للإطلاقات ، وقول الصادق عليه السلام في صحيحة بريد العجلي : « كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة اُخرى ـ من غلام أو جارية ـ فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » (4) .
إلى غير ذلك مما دل من الصحاح وغيرها على إناطة التحريم يكون اللبن من الفحل ، كصحيحة الحلبي (1) وموثّقة جميل بن درّاج ـ بأحمد بن فضّال (2) ـ ورواية أبي بصير (3) ، ولا ينافيها قوله في صحيحة ابن سنان وحسنته المتقدمتين : « من لبن ولدك » ؛ إذ يصدق على ذلك اللبن أيضا : أنه لبن الولد ، كما يشهد به العرف .
ودعوى عدم صدق الولد مضافا إلى الأب على الحمل ، محلّ نظر ، مع

لاحكم للبن الموطوة إذا لم يكن حاصلا من الوطء

هل يعتبر انفصال الولد أو يكفي الحمل ؟
____________
(1) التحرير 2 : 12 .
(2) التحرير 2 : 9 .
(3) القواعد 2 : 9 .
(4) الوسائل 14 : 293 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأول .
(5) الوسائل 14 : 294 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 3 .
(6) الوسائل 14 : 306 ، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 3 .
(7) الوسائل 14 : 294 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 5 .

( 22 )



حكم لبن الموطوءة بالشبهة
أنها غير قادحة فيما نحن فيه ، لأن وجود الولد بالفعل لايعتبر في إضافة اللبن إليه .
نعم ، في روايتي يونس بن يعقوب ويعقوب بن شعيب : أنّ درّ اللبن من غير ولادة لايوجب النشر (1) . لكنهما ـ مع عدم صحتهما ـ قابلتان للحمل على درّ اللبن من غير ولادة رأسا حتى في المستقبل ، بأن يكون الدرّ لا عن حمل ـ كما قد يتّفق ـ فلا ينهضان لتقييد إطلاقات الكتاب والسنة ، إلا أن يمنع عمومها ، لدعوى انصرافها ـ بحكم الغلبة ـ إلى الإرضاع بعد الوضع ، فيرجع في غيره إلى أصالة الإباحة ، فتأمّل .
ثم إن الوطء الصحيح ـ المعتبر كون اللبن عنه ـ يشمل الوطء بالنكاح الدائم ، والمنقطع وملك اليمين والتحليل . وأما الوطء بالشبهة : فالمشهور إلحاقه في النشر بالنكاح وأخويه ، كما في غالب الأحكام ؛ وتردّد فيه المحقق في الشرائع (2) ، وعن الحلي الجزم بعدم النشر أولا ، ثم بالنشر ثانيا ، ثم النظر والتردد ثالثا (3) .
والمسألة محل إشكال ، من إطلاق الكتاب والسنة ، فإن الفحل في صحيحة بريد المتقدمة (4) وغيرها أعم من الزوج ـ ويؤيده : كون وطء الشبهة بمنزلة النكاح في لحوق النسب ـ ومن الأصل وانصراف الإطلاقات إلى غير هذا الفرد ، وقوله في صحيحة ابن سنان وحسنته السابقتين :
____________
(1) الوسائل 14 : 302 ، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 1 و 2 .
(2) الشرائع 2 : 289 .
(3) السرائر 2 : 552 .
(4) تقدمت في الصحفحة السابقة .

( 23 )

« ما أرضعت امرأتك » (1) .
ولو بُنِيَ على دعوى ورود التقييد بالمرأة مورد الغالب جرى مثله في غيره من القيود ، فينسدّ باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط .
وتردّد في المدارك (2) وهو في محله ، إلا أنّ القول بالنشر لايخلو عن قوة ، لأنّ دلالة المطلقات على الإطلاق أقوى من دلالة المقيّد على الإختصاص ، مع أن تخصيص اللبن بالمرأة ـ كما فرض استفادته من صحيحة ابن سنان وحسنته ونحوهما ـ مخالف للإجماع ، للاتفاق على النشر بالارتضاع من المملوكة والمحللة ، فلابد من حمل التقييد فيها على التمثيل بالفرد الغالب ، وإن احتيج في إخراج اللبن الحاصل من الزنا عن إطلاقهما ـ لو سلم شمول الولد فيهما لولد الزنا ـ إلى دعوى الإجماع على خروجه . ويكشف عما ذكرنا عدم تصريح أحد من فقهائنا بعدم النشر في المسألة ، ولحوق وطء الشبهة بالنكاح في غالب الأحكام .
الثاني من الشروط : كون شرب اللبن على وجه الامتصاص من الثدي ، فلا ينشر الحرمة بوجور اللبن في حلق الرضيع ـ على المعروف بين معظم الأصحاب ـ لأن الإرتضاع المنوط به النشر في الأدلة لايتحقق عرفا إلا بالامتصاص ، فلا يقال لمن شرب اللبن المحلوب من البهائم : إنه ارتضع منها ، بخلاف ما لو امتصّ من ثديها ، ولو فرض تسليم شمول الارتضاع لغير الامتصاص ، فلا مجال لإنكار انصرافه إليه فيبقى الحكم في ما عداه باقيا تحت أصالة الإباحة .
الشرط الثاني : الامتصاص من الثدي


عدم كفاية الوجور
____________
(1) سبقتا في الصفحة : 20 .
(2) نهاية المرام لصاحب المدارك قدس سره 1 : 101 ، انظر الصفحة : 20 ، الهامش 3 .

( 24 )

الشرط الثالث : حياة المرتضع منها

أدلة هذا الشرط
خلافا للمحكيّ عن ابن الجنيد ، فاكتفى بالوجور (1) إما لدعوى صدق الإرضاع ، وإما لحصول ما هو المقصود منه ـ من إنبات اللحم وشدّ العظم ـ وإما للمرسل المروي في الفقيه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « وجود الصبي اللبن بمنزلة الرضاع » (2) .
وفي الكل نظر ، لخلوّ الدعوى المذكورة عن البيّنة ، كدعوى كون المناط في النشر مجرد إنبات اللحم وشدّ العظم ، وضعف المرسلة ومعارضتها برواية زرارة عن الصادق عليه السلام : « لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد حولين كاملين » (3) بناء على جعل الحولين ظرفا لأصل الرضاع ، لا لقدره حتى يخالف الإجماع .
فالأقوى ـ إذا ـ القول المشهور ، إلا أن الأولى مراعاة الاحتياط .
الثالث : حياة المرتضع منها ، فلا اعتداد بما يرتضعه من المرأة بعد موتها على المشهور ، بل لم أعثر فيه على حكاية خلاف صريح في المسألة ؛ قيل : لقوله تعالى : ( وامهاتُكم اللاتي أرضعنكُم ) (4) الظاهرة في مباشرة المرأة للإرضاع المنتفية في حق الميّتة ، فيدخل في عموم ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) (5) ولأصالة الإباحة إلى أن يثبت المزيل (6) . وقيل : لأنها خرجت
____________
(1) راجع المختلف : 519 .
(2) الفقيه 3 : 479 ، الحديث 4683 .
(3) الفقيه 3 : 477 ، الحديث 4674 .
(4) النساء : 23 .
(5) النساء : 24 .
(6) ذكره الشهيد الثاني قدس سره في المسالك 1 : 374 .

( 25 )

بالموت عن التحاق الأحكام ، فهي كالبهيمة المرضعة (1) ، وبأنّ المتبادر من إطلاق الرضاع في الأدلة ما إذا حصل بالإرتضاع من الحيّ ، فيبقى غيره داخلا في عموم أدلة الإباحة (2) .
وفي الجميع نظر : أما ظهور الآية في مباشرة الإرضاع : فلا يجدي ، للقطع بخروج الميّتة عن حكم الآية ، ولا يلزم منه دخولها في قوله : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ؛ لعدم قابلية الميت للحكم عليه بالتحريم ولا التحليل ، فإن الكلام في الارتضاع من الميتة إنما هو في حدوث الحرمة بين الرضيع وغير الميتة ممن يتعلق به اللبن ، فيكفي لمدعي النشر عموم قوله تعالى : ( وأخواتكم من الرضاعة ) (3) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (4) ولا ظهور لهما في مباشرة المرأة للارضاع ؛ مع أن مباشرة المرأة للإرضاع ، وقصدها إليه غير شرط إجماعا ، كما ادعاه في المسالك (5) بل لو سعى إليها الولد وهي نائمة ، أو التقم ثديها وهي غافلة ، تحقق الحكم .
وما قيل : من أنّ الآية دالة بظاهرها على اعتبار الحياة والمباشرة



مناقشة الأدلة
____________
(1) قاله المحقق قدس سره في الشرائع 2 : 283 ، ثم تردد فيه .
(2) يستفاد الاستدلال بذلك من كلام غير واحد مثل العلامة في التذكرة 2 : 615 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 12 : 202 ، وثاني الشهيدين في الروضة 5 : 156 ، والسيد الطباطبائي في الرياض 2 : 86 .
(3) النساء : 23 .
(4) تقدم تخريجه في الصفحة : 19 .
(5) المسالك 1 : 374 .

( 26 )

الدليل المعتمد عند المصنف
والقصد ـ ولا يلزم من عدم اعتبار الأخيرين لصارف عدم اعتبار الأول (1) ـ فاسد ، لأن دلالة لفظ « الإرضاع » على الجميع دلالة واحدة ، فلا يمكن التفكيك في مدلولها ؛ ولهذا لم نتمسك بالأخبار الدالة على الإرضاع مع سلامتها عن بعض ما يرد على الآية .
وأما التمسك بالأصل : فهو صحيح لولا الإطلاقات .
وأما خروج الميتة عن قابلية الحكم عليها : فهو أمر مسلم ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في نشر الحُرمة بين الرضيع واصوله وفروعه ، وبين غير هذه المرأة ، من الفحل وأولاده وأولاد المرأة (2) وغيرهم .
وأما دعوى تبادر غير الارتضاع من الميتة في الإطلاقات : فهي على إطلاقها ممنوعة ؛ فإنا لا نجد في السبق إلى الذهن تفاوتا بين من ارتضع منه جميع الرضعات حال الحياة ، وبين من ارتضع منه حال الحياة خمس عشرة رضعة إلا جزءا واحدا فأكملها بعد الموت .
نعم ، الإنصاف : انصراف الإطلاقات إلى غير صورة ارتضاع جميع الرضعات حال الموت .
فالأحسن في الاستدلال على اعتبار الحياة هو : أنّ بعض فروض الارتضاع من الميّتة خارج عن إطلاق مثل قوله تعالى : ( وأخواتكم من الرضاعة ) ؛ لانصراف المطلق إلى غيره كما عرفت ، فيدخل تحت قوله : ( واحل لكم ما ورآء ذلكم ) فيثبت عدم النشر في هذا الفرد بالآية ، ويجب إلحاق غيره من الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بعدم القول
____________
(1) قاله في الحدائق 23 : 363 .
(2) في « ش » وأولاد المرضعة .

( 27 )

بالفصل .
وقلب هذا الدليل ـ بأن يثبت التحريم في الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بها ويلحق الفرض الخارج عنه بعدم القول بالفصل ـ وإن كان ممكنا ، إلا أن غاية الأمر وقوع التعارض حينئذ ـ بواسطة عدم القول بالفصل ـ بين آيتي التحريم والتحليل ، فيجب الرجوع إلى أدلة الإباحة ، من العمومات والاُصول المعتضدة بفتوى معظم الفحول .
الرابع : أن يقع مجموع الرضاع المعتبر من الرضيع في حولي رضاعه ، فلا اعتداد بما يرتضع بعد الحولين على المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل عن التذكرة دعوى : إجماعهم عليه (1) وفي المسالك : نفي الخلاف عنه (2) .
ويدلّ عليه : حسنة الحلبي ـ بابن هاشم ـ عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لا رضاع بعد فطام » (3) . ونحوها رواية حمّاد بن عثمان عنه عليه السلام بزيادة قوله : « قلت : جعلت فداك ، وما الفطام ؟ قال : الحولين اللذين (4) قال الله عز وجل » (5) . ونحوها رواية الفضل بن عبدالملك : « الرضاع قبل الحولين ، قبل أن يفطم » (6) . ورواية منصور بن حازم (7) .

الشرائط الرابع : وقوع الرضاع في الحولين
____________
(1) التذكرة 2 : 619 .
(2) المسالك : 1 : 374 .
(3) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 2 .
(4) في الوسائل : الذي .
(5) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 5 .
(6) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 4 .
(7) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأول .