[ أجمع علماء الإسلام على أنّ من جملة أسباب تحريم النكاح : الرضاع في الجملة ، والأصل فيه ـ قبل الإجماع ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الفريقان : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (1) . ورواه عدّة من أصحابنا في الصحيح وغيره عن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما السلام (2) . ثم إنّ كونه سببا في التحريم يتوقف على امور : الأول : أن يكون اللبن عن وطءٍ صحيح ، فلو درّ لا عن وطءٍ أو عن |
الرضاع محرم للنكاح في الجملة الأصل في الحكم : النبوي شروط نشر الحرمة بالرضاع |
الأول : كون اللبن عن وطء صحيح لاحكم للبن الرجل أو الخنثى المشكل |
وطء بالزنا ، لم ينشر ] (1) على المعروف بين الأصحاب ، وحكى عليه الإجماع ، في المدارك عن جماعة (2) منهم جده في المسالك (3) ؛ للأصل ، فإن إطلاقات التحريم بالرضاع منصرفة إلى غير ذلك . وصحيحة عبدالله بن سنان : « قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لبن الفحل ؟ قال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة اُخرى ، فهو حرام » (4) . ومثلها حسنته بابن هاشم : « ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة اُخرى » (5) . ويستفاد من اشتراط كون اللبن عن الوطء أنه لا حكم للبن الرجل وفي حكمه لبن الخنثى المشكل أمره ، بناء على أنه لو علم كون لبنه من الوطء ، فلا إشكال في كونها امرأة ، إلا ما ورد في بعض الأخبار : من أنّ خنثى ولدت وأولدت في أيام أميرالمؤمنين ، فألحقه عليه السلام بالرجال بعد عدّ أضلاعه (6) . |
وعدّ في التحرير هذا الخبر من الشواذّ (1) . ولا حكم أيضا للبن المرأة الموطوءة الغير الحاصل من الوطء ، فإن البن إنما يحصل عن الوطء بعد العلوق والحمل وتخلّق الولد ؛ وقد استُفيد جميع ذلك من الصحيحة المتقدّمة . وهل يعتبر انفصال الولد ، أو يكفي الحمل ؟ وجهان ، بل قولان ، اختار العلامة أوّلهما في التحرير (2) وثانيهما في القواعد (3) وهو الأظهر ، للإطلاقات ، وقول الصادق عليه السلام في صحيحة بريد العجلي : « كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة اُخرى ـ من غلام أو جارية ـ فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » (4) . إلى غير ذلك مما دل من الصحاح وغيرها على إناطة التحريم يكون اللبن من الفحل ، كصحيحة الحلبي (1) وموثّقة جميل بن درّاج ـ بأحمد بن فضّال (2) ـ ورواية أبي بصير (3) ، ولا ينافيها قوله في صحيحة ابن سنان وحسنته المتقدمتين : « من لبن ولدك » ؛ إذ يصدق على ذلك اللبن أيضا : أنه لبن الولد ، كما يشهد به العرف . ودعوى عدم صدق الولد مضافا إلى الأب على الحمل ، محلّ نظر ، مع |
لاحكم للبن الموطوة إذا لم يكن حاصلا من الوطء هل يعتبر انفصال الولد أو يكفي الحمل ؟ |
حكم لبن الموطوءة بالشبهة |
أنها غير قادحة فيما نحن فيه ، لأن وجود الولد بالفعل لايعتبر في إضافة اللبن إليه . نعم ، في روايتي يونس بن يعقوب ويعقوب بن شعيب : أنّ درّ اللبن من غير ولادة لايوجب النشر (1) . لكنهما ـ مع عدم صحتهما ـ قابلتان للحمل على درّ اللبن من غير ولادة رأسا حتى في المستقبل ، بأن يكون الدرّ لا عن حمل ـ كما قد يتّفق ـ فلا ينهضان لتقييد إطلاقات الكتاب والسنة ، إلا أن يمنع عمومها ، لدعوى انصرافها ـ بحكم الغلبة ـ إلى الإرضاع بعد الوضع ، فيرجع في غيره إلى أصالة الإباحة ، فتأمّل . ثم إن الوطء الصحيح ـ المعتبر كون اللبن عنه ـ يشمل الوطء بالنكاح الدائم ، والمنقطع وملك اليمين والتحليل . وأما الوطء بالشبهة : فالمشهور إلحاقه في النشر بالنكاح وأخويه ، كما في غالب الأحكام ؛ وتردّد فيه المحقق في الشرائع (2) ، وعن الحلي الجزم بعدم النشر أولا ، ثم بالنشر ثانيا ، ثم النظر والتردد ثالثا (3) . والمسألة محل إشكال ، من إطلاق الكتاب والسنة ، فإن الفحل في صحيحة بريد المتقدمة (4) وغيرها أعم من الزوج ـ ويؤيده : كون وطء الشبهة بمنزلة النكاح في لحوق النسب ـ ومن الأصل وانصراف الإطلاقات إلى غير هذا الفرد ، وقوله في صحيحة ابن سنان وحسنته السابقتين : |
« ما أرضعت امرأتك » (1) . ولو بُنِيَ على دعوى ورود التقييد بالمرأة مورد الغالب جرى مثله في غيره من القيود ، فينسدّ باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط . وتردّد في المدارك (2) وهو في محله ، إلا أنّ القول بالنشر لايخلو عن قوة ، لأنّ دلالة المطلقات على الإطلاق أقوى من دلالة المقيّد على الإختصاص ، مع أن تخصيص اللبن بالمرأة ـ كما فرض استفادته من صحيحة ابن سنان وحسنته ونحوهما ـ مخالف للإجماع ، للاتفاق على النشر بالارتضاع من المملوكة والمحللة ، فلابد من حمل التقييد فيها على التمثيل بالفرد الغالب ، وإن احتيج في إخراج اللبن الحاصل من الزنا عن إطلاقهما ـ لو سلم شمول الولد فيهما لولد الزنا ـ إلى دعوى الإجماع على خروجه . ويكشف عما ذكرنا عدم تصريح أحد من فقهائنا بعدم النشر في المسألة ، ولحوق وطء الشبهة بالنكاح في غالب الأحكام . الثاني من الشروط : كون شرب اللبن على وجه الامتصاص من الثدي ، فلا ينشر الحرمة بوجور اللبن في حلق الرضيع ـ على المعروف بين معظم الأصحاب ـ لأن الإرتضاع المنوط به النشر في الأدلة لايتحقق عرفا إلا بالامتصاص ، فلا يقال لمن شرب اللبن المحلوب من البهائم : إنه ارتضع منها ، بخلاف ما لو امتصّ من ثديها ، ولو فرض تسليم شمول الارتضاع لغير الامتصاص ، فلا مجال لإنكار انصرافه إليه فيبقى الحكم في ما عداه باقيا تحت أصالة الإباحة . |
الشرط الثاني : الامتصاص من الثدي عدم كفاية الوجور |
الشرط الثالث : حياة المرتضع منها أدلة هذا الشرط |
خلافا للمحكيّ عن ابن الجنيد ، فاكتفى بالوجور (1) إما لدعوى صدق الإرضاع ، وإما لحصول ما هو المقصود منه ـ من إنبات اللحم وشدّ العظم ـ وإما للمرسل المروي في الفقيه عن أبي عبدالله عليه السلام
قال : « وجود الصبي اللبن بمنزلة الرضاع » (2) . وفي الكل نظر ، لخلوّ الدعوى المذكورة عن البيّنة ، كدعوى كون المناط في النشر مجرد إنبات اللحم وشدّ العظم ، وضعف المرسلة ومعارضتها برواية زرارة عن الصادق عليه السلام : « لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد حولين كاملين » (3) بناء على جعل الحولين ظرفا لأصل الرضاع ، لا لقدره حتى يخالف الإجماع . فالأقوى ـ إذا ـ القول المشهور ، إلا أن الأولى مراعاة الاحتياط . الثالث : حياة المرتضع منها ، فلا اعتداد بما يرتضعه من المرأة بعد موتها على المشهور ، بل لم أعثر فيه على حكاية خلاف صريح في المسألة ؛ قيل : لقوله تعالى : ( وامهاتُكم اللاتي أرضعنكُم ) (4) الظاهرة في مباشرة المرأة للإرضاع المنتفية في حق الميّتة ، فيدخل في عموم ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) (5) ولأصالة الإباحة إلى أن يثبت المزيل (6) . وقيل : لأنها خرجت |
بالموت عن التحاق الأحكام ، فهي كالبهيمة المرضعة (1) ، وبأنّ المتبادر من إطلاق الرضاع في الأدلة ما إذا حصل بالإرتضاع من الحيّ ، فيبقى غيره داخلا في عموم أدلة الإباحة (2) . وفي الجميع نظر : أما ظهور الآية في مباشرة الإرضاع : فلا يجدي ، للقطع بخروج الميّتة عن حكم الآية ، ولا يلزم منه دخولها في قوله : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ؛ لعدم قابلية الميت للحكم عليه بالتحريم ولا التحليل ، فإن الكلام في الارتضاع من الميتة إنما هو في حدوث الحرمة بين الرضيع وغير الميتة ممن يتعلق به اللبن ، فيكفي لمدعي النشر عموم قوله تعالى : ( وأخواتكم من الرضاعة ) (3) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (4) ولا ظهور لهما في مباشرة المرأة للارضاع ؛ مع أن مباشرة المرأة للإرضاع ، وقصدها إليه غير شرط إجماعا ، كما ادعاه في المسالك (5) بل لو سعى إليها الولد وهي نائمة ، أو التقم ثديها وهي غافلة ، تحقق الحكم . وما قيل : من أنّ الآية دالة بظاهرها على اعتبار الحياة والمباشرة |
مناقشة الأدلة |
الدليل المعتمد عند المصنف
|
والقصد ـ ولا يلزم من عدم اعتبار الأخيرين لصارف عدم اعتبار الأول (1) ـ فاسد ، لأن دلالة لفظ « الإرضاع » على الجميع دلالة واحدة ، فلا يمكن التفكيك في مدلولها ؛ ولهذا لم نتمسك بالأخبار الدالة على الإرضاع مع سلامتها عن بعض ما يرد على الآية . وأما التمسك بالأصل : فهو صحيح لولا الإطلاقات . وأما خروج الميتة عن قابلية الحكم عليها : فهو أمر مسلم ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في نشر الحُرمة بين الرضيع واصوله وفروعه ، وبين غير هذه المرأة ، من الفحل وأولاده وأولاد المرأة (2) وغيرهم . وأما دعوى تبادر غير الارتضاع من الميتة في الإطلاقات : فهي على إطلاقها ممنوعة ؛ فإنا لا نجد في السبق إلى الذهن تفاوتا بين من ارتضع منه جميع الرضعات حال الحياة ، وبين من ارتضع منه حال الحياة خمس عشرة رضعة إلا جزءا واحدا فأكملها بعد الموت . نعم ، الإنصاف : انصراف الإطلاقات إلى غير صورة ارتضاع جميع الرضعات حال الموت . فالأحسن في الاستدلال على اعتبار الحياة هو : أنّ بعض فروض الارتضاع من الميّتة خارج عن إطلاق مثل قوله تعالى : ( وأخواتكم من الرضاعة ) ؛ لانصراف المطلق إلى غيره كما عرفت ، فيدخل تحت قوله : ( واحل لكم ما ورآء ذلكم ) فيثبت عدم النشر في هذا الفرد بالآية ، ويجب إلحاق غيره من الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بعدم القول |
بالفصل . وقلب هذا الدليل ـ بأن يثبت التحريم في الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بها ويلحق الفرض الخارج عنه بعدم القول بالفصل ـ وإن كان ممكنا ، إلا أن غاية الأمر وقوع التعارض حينئذ ـ بواسطة عدم القول بالفصل ـ بين آيتي التحريم والتحليل ، فيجب الرجوع إلى أدلة الإباحة ، من العمومات والاُصول المعتضدة بفتوى معظم الفحول . الرابع : أن يقع مجموع الرضاع المعتبر من الرضيع في حولي رضاعه ، فلا اعتداد بما يرتضع بعد الحولين على المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل عن التذكرة دعوى : إجماعهم عليه (1) وفي المسالك : نفي الخلاف عنه (2) . ويدلّ عليه : حسنة الحلبي ـ بابن هاشم ـ عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لا رضاع بعد فطام » (3) . ونحوها رواية حمّاد بن عثمان عنه عليه السلام بزيادة قوله : « قلت : جعلت فداك ، وما الفطام ؟ قال : الحولين اللذين (4) قال الله عز وجل » (5) . ونحوها رواية الفضل بن عبدالملك : « الرضاع قبل الحولين ، قبل أن يفطم » (6) . ورواية منصور بن حازم (7) . |
الشرائط الرابع : وقوع الرضاع في الحولين |