وليس فيها سوى عمار الذي نقل الشيخ عمل الأصحاب بروايته (1) مع أن في السند ابن محبوب الذي اُجمع على تصحيح ما يصحّ عنه (2) مضافا إلى اعتضادها بعمل الأصحاب وموافقة الكتاب ، ولا ينافيها ما دلّ على حصر الرضاع المحرم في ما أنبت اللحم وشدّ العظم (3) ، لفقد العلم بعدم كونه منه . ثم إن ظاهر الرواية والفتوى اعتبار الإرضاع في اليوم والليلة كلما احتاج ارضيع إليه عادة ، أو طلبه . ولا يعتبر في هذا التقدير إكمال الرضعة في كل مرة ، بل لو رضعته رضعة ناقصة ثم أكملتها (4) مرة اُخرى لم يقدح . ولو اُطعم في الأثناء طعاما ، فإن كان مما يغتذي به بدلا عن اللبن ، فالظاهر أنه قادح في التقدير ؛ كما أن شرب الماء للعطش غير قادح لو وقع في الأثناء ، وكذا ما يؤكل أو يسقى دواء ، ويشكل فيما اعتاده من يسير من طعام بحيث لا يغنيه عما اعتاد شربه من اللبن . وهل يعتبر ابتداء الرضاع في ابتداء اليوم ، وانتهائه في آخر الليلة ، أو العكس ، أويكفي الملفّق لو ابتدأ في أثناء أحدهما ؟ وجهان ، أقواهما |
الثاني ، إما لصدق رضاع يوم وليلة عرفا على رضاع الملفّق ، وإما لأن الرضاع في الملفّق لا يكون أقل من رضاع يوم وليلة ، بل يكون مساويا له ، فلا يدل الرواية على انتفاء النشر به ، فيبقى داخلا تحت الإطلاقات الدالة على النشر . والتعويل على الوجه الأول . وهل المعتبر في رضاع هذا الزمان حال متعارف أوساط الأطفال ، أو حال شخص ذلك الرضيع ؟ وجهان ، اقواهما الثاني ؛ لظاهر الرواية . وتظهر الثمرة بينهما فيما إذا كان الطفل مريضا بمرض يحتاج إلى أزيد مما يحتاج إليه الصحيح ، كغلبة القيء عليه لعارض ، أو عرضه ما يحتاج معه إلى الأقل مما يحتاج إليه الصحيح ، كما إذا اُغمي عليه في أغلب اليوم والليلة . وهل يعتبر احتمال تأثير اللبن في إنبات لحمه وشدّ عظمه ، أم لا ؟ وجهان : من إطلاق الرواية ، ومن دلالة بعض الأخبار السابقة على عدم النشر بما لا ينبت اللحم ولا يشدّ العظم . وتظهر الثمرة فيما لو كان بحيث يعلم عدم تحلل (1) اللبن في معدته ، لعدم استقراره فيها ، لغلبة إسهال أو قيء . وهنا فروع اُخر طوينا عن ذكرها كشحا وأعرضنا عنها صفحا . وثالثها : بالعدد ، وقد اختلف فيه الأصحاب بسبب اختلاف الروايات ظاهرا ؛ فالمحكيّ عن ابن الجنيد الاكتفاء برضعة واحدة تملأ جوف الصبيّ ، |
كفاية التلفيق في اليوم والليلة
اعتبار حال الرضيع في الرضاع هل يعتبر احتمال تأثير اللبن ؟ الثالث : العدد |
القول بكفاية الرضعة الواحدة مناقشة هذا القول |
إما بالمص ، أو بالوجور (1) ؛ لإطلاقات الكتاب والسنة ، وخصوص قول أبي الحسن عليه السلام في مكاتبة عليّ بن مهزيار في جواب سؤاله عما يحرم من الرضاع : « قليله وكثيره حرام » (2) ، ومضمرة ابن أبي يعفور ، قال : « سألته عما يحرم من الرضاع ؟ قال : إذا رضع حتى يمتلىء بطنه ؛ فإن ذلك ينبت اللحم والدم ، وذاك الذي يحرم » (3) . ورواية السكوني (4) ، والنبوي : « يحرم الرضعة ما يحرم الحولان » (5) والعلويّ : « الرضعة الواحدة كالمائة رضعة ، لا تحل له أبدا » (6) . وفي آخر : « إنهوا نساءكم أن يرضعن يمينا وشمالا ، فإنهن ينسين » (7) ، فإن الإرضاع يمينا وشمالا مع النسيان بعد حين إنما يناسب عدم التحديد بأكثر من رضعة . وهذا القول ضعيف في الغاية ؛ لاستفاضة الأخبار ـ كاشتهار الفتوى ـ بعدم النشر بما دون العشر ، فلا مجال للتمسك بالإطلاقات ولا بالمكاتبة (8) والمضمرة (9) ؛ لقصورهما عن المقاومة ، مع موافقة ظاهرهما لفتوى بعض |
العامة (1) ، مضافا إلى إمكان حمل المكاتبة على تحريم أصل الارتضاع . ومما ذكرنا يظهر حال التمسك بالنبوي والعلويين ؛ ولذا أعرض سائر الأصحاب عن هذا القول واتفقوا على عدم النشر بما دون العشر وإن اختلفت فتاواهم ، كالروايات . فحكي عن أكثر المتقدمين كالمفيد (2) والديلمي (3) والقاضي (4) والتقي (5) وابن حمزة (6) : التحديد بالعشر ؛ وتبعهم الفاضل في المختلف (7) وولده (8) ، والشهيد في اللمعة (9) . وذهب الشيخ (10) والمحقق (11) والفاضل في غير المختلف (12) إلى التحديد |
الاتفاق على عدم النشر بما دون العشر القول بالتحديد بالعشر |
المختار : التحديد بالخمس عشرة أدلة التحديد بالعشر والمناقشة فيها |
بالخمس عشرة رضعة ، وتبعهم أكثر المتأخرين ، وقد نسب هذا الوقل إلى الأكثر (1) والمشهور (2) بقول مطلق . وكيف كان ، فهو الأظهر ، للأصل ، وعدم دليل على النشر بالعشر عدا الإطلاقات من الكتاب والسنة ، وخصوص رواية الفضيل ـ الموصوفة بالصحة في كلام بعض (3) ـ عن الباقر عليه السلام قال : « لايحرم من الرضاع إلا المجبور (4) . قلت : وما المجبور ؟ قال : اُم تربّي ، أو ظئر تستأجر ، أو أمة تشترى ، ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام » (5) . ومفهوم موثّقة عمر بن يزيد قال : « سألت الصادق عليه السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين ، فقال : لا يحرم ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات ، فقال : إذا كانت متفرقة فلا » (6) . ونحوها مفهوم رواية هارون بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لا يحرم من الرضاع إلا ما شدّ العظم وأنبت اللحم ، فأما الرضعة |
والرضعتان (1)والثلاث ـ حتى بلغ عشرا ـ إذا كنّ متفرقات ، فلا بأس » (2) . وفي الجميع نظر . أما في الإطلاقات : فلأنها ـ على فرض تسليم إفادتها العموم ، وعدم ورودها لبيان أصل نشر الحرمة بالرضاع في الجملة ـ مقيدة بصحيحة علي بن رئاب عن الصادق عليه السلام : « قال : قلت : ما يحرم من الرضاع ؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات ؟ قال : لا ، لأنها لا تنبت اللحم ولاتشدّ العظم » (3) . وموثّقة عبيد بن زرارة ـ بعلي بن فضال ـ عن أبي عبدالله عليه السلام : « قال : سمعته يقول : عشر رضعات لا يحرّمن شيئا » (4) . وهذه الرواية لاتقصر عن الصحيح ؛ إذ ليس فيها إلا عليّ بن فضّال والظاهر أن الشيخ أخذ الرواية من كتابه ، حيث ابتدأ به في السند ، وكتب بني فضال مما أمر العسكري عليه السلام بالأخذ بها في رواية قريبة من الصحة (5) ، مع ما ذكر في ترجمة عليّ بن فضال من مراتب وثاقته واحتياطه في الرواية (6) . وموثقة اُخرى أيضا رواها الشيخ ، عن علي بن فضال ، عن أخويه ، عن أبيهما ، عن عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله عليه السلام : « قال : سمعته |
تقييد الاطلاقات بصحيحة ابن رئاب |
يقول : عشر رضعات لا تحرم » (1) وهذه قريبة من سابقتها في اعتبار السند ، . وإن كان جميع رجالها فطحيين . وتخصيص هذه الأخبار المعتبرة برواية الفضيل التي هي أخص منها ـ بعد إخراج صورة تفرّق الرضعات العشر عن عمومها ـ وبمفهوم الموثّقتين اللتين بعدها وإن أمكن ، إلا أن ذلك فرع سلامتها عن معارضة موثقة زياد ابن سوقة المتقدمة (2) الصريحة في نفي النشر بالعشر ولو متوالية ، أو ترجيحها عليها ، وهو مسلّم لو ثبت صحة رواية الفضيل بتوثيق « محمد بن سنان » الذي حكي عن غير المفيد من مشايخ الرجال تضعيفه (3) ، وسلامتها من موهنات اُخر ، مثل مخالفة حصرها للإجماع ، وخلوّ الفقيه (4) من زيادة رواها الشيخ في ذيلها ، أعني قوله : « ثم ترضع عشر رضعات » (5) مع سبق الصدوق على الشيخ زمانا ، بل وضبطا ، لأخبار كتابه ، فكيف يتصور في حقه أو في الكتب التي أخذ الحديث منها إهمال شطر من كلام العصوم عليه السلام مربوط بما قبله غاية الارتباط ويحتاج إليه نهاية الاحتياج ، فلا يبعد أن يكون الزيادة المذكورة من تحريفات « محمد بن سنان » لأنه إنما وقع في سند التهذيب وليس في سند الفقيه ؛ وحيث لم يثبت اعتبار الرواية سندا ، |
ولا سلامتها من الموهن ، والمفروض أن أخويها أيضا لا يبلغان حد الصحة ، بل صرح بضعف ثانيهما (1) ، فترجيحها ـ وإن كانت ثلاثا ـ على موثقة زياد ـ وإن كانت واحدة ـ غير معلوم ، إذ ليس في سند الموثقة إلا عمار ، واعتبار رواياته عند الأصحاب محكيّ عن الشيخ في عدته (2) مع أن الراوي عنه بواسطة هشام بن سالم : الحسن بن محبوب الذي اُجمع على تصحيح ما يصح عنه (3) مع أن متنها أصرح دلالة ، لأن دلالتها على نفي النشر بالعشر المتوالي بالمنطوق ، ودلالة الموثقتين على ثبوته بها بالمفهوم ؛ مع احتمال مفهومهما الحمل على ما إذا وقعت العشر المتوالية في يوم وليلة ، فإن مفهومهما بهذا الاعتبار أعم من منطوق موثّقة زياد ، وإن كان تخصيصهما به بعيدا ، كما يظهر ذلك كله بالتأمل . وأما ترجيح تلك الثلاث على موثّقة ابن سوقة بموافقة الكتاب ، فحسن إن لم نجوّز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد وإن كان صحيحا ، وإلا فموافقة الكتاب لتلك الروايات الثلاث بعد تخصيصه بصحيحة ابن رئاب وأخويها غير حاصلة إلا بعد ترجيح تلك الروايات المخصّصة للصحيحة وأخويها على موثقة ابن سوقة ، وهو أول الكلام ، ويلزم الدور أيضا ، كما لا يخفى . فإذا لم يثبت ترجيح تلك الأخبار على الموثقة بوجه ، فلا أقلّ من تكافؤهما الموجب لسلامة الأخبار النافية للنشر بالعشر عن المخصص ، |
الاستدلال برواية عبيد بن زرارة على نشر الحرمة بالعشر
عدم دلالة المصححة على نشر الحرمة بالعشر |
فيجب الأخذ بعمومها المطابق لقاعدة الإباحة المستفادة من العمومات والاُصول ، وفاقا لجملة ممن تقدم ومعظم من تأخّر من الفحول . وقد يستدلّ على إثبات النشر بالعشر بصحيحة عبيد بن زرارة بناء على سلامة « علي بن الحكم » الذي يروي عنه ابن عيسى : « قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إنا أهل بيت كبير ، فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه الرجال والنساء ، فربما استحيت (1) المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه الرضاع ، وربما استخف (2) الرجل ان ينظر الى ذلك ؛ فما الذي يحرم من الرضاع ؟ فقال : ما أنبت اللحم والدم . فقلت : وما الذي ينبت اللحم والدم ؟ قال : كان يقال : عشر رضعات . قلت : فهل تحرم عشر رضعات ؟ فقال : دع ذا ، وقال : ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع » (3) . وأنت خبير بأنها لا دلالة فيها على تحريم العشر بوجه ؛ إذ لم يزد المعصوم عليه السلام إلا أن نسب القول بذلك إلى شخص مجهول ، ولم يعلم رضاه بذلك ، وإلا لم يكرّر الراوي السؤال عنه ، بل الظاهر عدم رضاه بهذا القول ، كما يشهد به ـ مضافا إلى نسبته إلى القيل ـ إعراضه عنه بقوله : « دع هذا » لو قلنا : إن المراد « دع هذا السؤال » ، ولو كان المراد به « دع هذا القول » كان من أوضح الأدلة على خلاف المطلوب . ثم اعلم أنه إذا ثبت عدم النشر بالعشر ـ لما ذكرنا ـ تعيّن القول |
بالنشر بالخمس عشرة ، لعدم القائل باعتبار أزيد منها من حيث العدد ، وإطلاق رواية عمر بن يزيد : « قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : خمس عشرة رضعة لا تحرم » (1) ـ بعد سلامة سندها ـ محمول على صورة عدم التوالي ، للإجماع ـ ظاهرا ـ على النشر بهذا العدد مع التوالي . نعم ، في بعض الأخبار دلالة علىالتقدير بسنة أو سنتين ، مثل ما رواه العلاء بن رزين عن أبي عبدالله عليه السلام : « قال : سألته عن الرضاع ، فقال : لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة » (2) وما رواه زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » (3) . لكنهما شاذّان مخالفان للإجماع ، كما ادعاه في المسالك (4) ، وردّ الشيخ في التهذيب الرواية الاُولى بالشذوذ (5) ، وحمل الثانية على كون الحولين ظرفا للرضاع لا قيدا لمقداره (6) . وهو ـ على بعده ـ حسن في مقام الجمع وعدم الطرح . |
الدليل على نشر الحرمة بخمس عشرة رضعة
ما يدلّ على التحديد بسنة أو سنتين والجواب عنه |