ثم إنه يعتبر في الرضعات العشر أو الخمس عشرة المحرمة اُمور : الأول : كمال الرضعة ، فالرضعة الناقصة لا تعدّ من العدد ما لم يكمل على وجه لايقدح في الاتحاد ، فإذا لفظ الصبي الثدي ، فإن كان أعرض عنه إعراض ميل ، فهي رضعة كاملة . وإن كان بغير ذلك ـ كالتنفس ، أو السعال ، أو الانتقال من ثدي ، أو الإلتفات إلى ملاعب ونحوه ـ ثم عاد في الحال ، فالمجموع رضعة . ولو لم يعد إلا بعد مدة ، فالظاهر عدم احتساب مجموعهما من العدد ، وكذا لو أخرجت الثدي من فيه كرها ، فلم تلقمها إياه إلا بعد مدة . ثم الدليل على اعتبار كمال الرضعة : أن المتبادر من الرضعة الواردة في الأخبار هي الكاملة ، والمرجع في كمالها إلى العرف ، لأنه المحكّم في أمثاله . |
شروط المرضعات المحرمة
الأول : كمال الرضعة عرفا |
الثاني : توالي الرضعات عدم قطع تخلّل غير الرضاع للتوالي |
وحكي عن بعض : تحديده بأن يروي الولد ويصدر من قبل نفسه (1) ، وليس ببعيد عن التفسير الأول . وفي مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام : « الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتضلّع ويتملى وينتهي [ من ] (2) نفسه » (3) . الثاني : توالي الرضعات ، بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة اُخرى ، والظاهر عدم الخلاف في اعتباره ـ كما في المسالك (4) ـ ويدلّ عليه موثّقة زياد ابن سوقة المتقدمة (5) حيث نصّ فيها على تقييد الرضعات بأن لا يفصل بينها رضعة من امرأة اُخرى . ويستفاد منها أنّ المعتبر في الفاصل القادح في التوالي أن يكون رضعة كاملة ، فلو فصل بينها رضعة ناقصة ، لم تخلّ بالتوالي ؛ خلافا للمحكيّ عن القواعد (6) وظاهر عبارة الشرائع (7) فأبطلا التوالي بفصل مطلق الرضاع ؛ ولعله لعدم صدق التوالي المقيد به الرضعات في رواية زياد بن سوقة عرفا إلا مع عدم فصل مسمى الرضاع ، وإن كان قوله عليه السلام فيها : « لم يفصل |
بينها رضعة امرأة اُخرى » ظاهرا في اعتبار عدم فصل الرضعة الكاملة ، إلا أنّ قيد التوالي المذكور قبله أخصّ منه ؛ إلا أن يقال أنّ قوله : « لم يفصل ... الخ » تفسير للتوالي ، فلا يعتبر فيه أمر زائد على عدم الفصل بالرضعة الكاملة . اللهم إلا أن يجعل تقييد الفصل المنفي بالرضعة واردا مورد الغالب ، حيث إن الفصل إذا اتفق لايكون غالبا بأقلّ من رضعة كاملة . وكيف كان ، فينبغي القطع بعدم قطع تخلل غير الرضاع في التوالي ، وادّعى الاتفاق عليه في الحدائق (1) فلو اغتذى بينها بمأكول أو مشروب فالتوالي بحاله . الثالث : أن يكون كمال العدد المعتبر من امرأة واحدة ، فلو ارتضع بعضها من امرأة وأكملها من امرأة اُخرى لم ينشر الحرمة ، ولم تصر واحدة من المرضعتين اُما للرضيع ، ولو كانتا لفحل واحد لم يصر الفحل أبا له أيضا . والظاهر عدم الخلاف في اعتبار ذلك بين من اعتبر تعدّد الرضعات ، وعن التذكرة : أنّ عليه علماءنا أجمع (2) ، ولعل المراد العلماء المعتبرين لتعدّد الرضعات ، وإلا فمثل ابن الجنيد القائل بالنشر برضعة واحدة (3) لا يتأتّى في حقه اعتبار هذا الشرط ؛ اللهم إلا في مجموع الرضعتين الناقصتين المعدودتين برضعة كاملة ، أو في اللبن الموجور في حلق الصبي . ويدلّ على اعتبار هذا الشرط موثّقة زياد المتقدمة (4) ، ويدل عليه |
الثالث : اتحاد المرضعة |
بعض الأخبار الدالة على كفاية اتحاد الفحل ومناقشتها |
أيضا كل ما دل على تحقق الحرمة برضاع امرأة ولد اُخرى ، بعد تقييد الرضاع ببلوغه خمس عشرة ، فإن قوله عليه السلام في صحيحة بُريد العجلي : « كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة اُخرى من غلام أو جارية ، فذلك هو الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » (1) . بعد ما حكم ـ بقرينة أدلة اعتبار العدد ـ أن المراد منه « أرضعت خمس عشر رضعة » فيكون من أدلة اعتبار اتحاد المرضعة ، وهكذا قوله عليه السلام في صحيحة عبدالله ابن سنان وحسنته : « ما أرضعت امرأتك من لبنك ... إلخ » (2) . ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) بعد تقييد قوله : ( واُمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) (3) بالإرضاع خمس عشرة رضعة . نعم ، في إطلاق بعض الأخبار دلالة على كفاية اتحاد الفحل وعدم اعتبار اتحاد المرضعة ، مثل : قوله عليه السلام في رواية أبي بصير : « ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه » (4) . وصحيحة الحلبي وعبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام : « في رجل تزوج جارية صغيرة ، فأرضعتها امرأته واُم ولده ؟ قال : تحرم » (5) فإن إطلاقها يشمل ما إذا وقع الرضاع المحرم من ارتضاع المرأة واُم الولد كلتيهما . ومضمرة سماعة « قال : سألته عن رجل كان له امرأتان ، فولدت كل |
واحدة منها غلاما ، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس ، أينبغي لابنه أن يتزوّج بهذه الجارية ؟ قال عليه السلام : لا ؛ لأنها أرضعت بلبن الشيخ » (1) . دلّت بعموم التعليل على أنّ كلّ من أرضع بلبن الفحل ، ـ سواء حصل الرضاع المعتبر من إحدى زوجاته ، أو من أكثر ـ يحرم على أولاده ، لكن هذه كلها مطلقات يجب تقييدها بما ذكرنا ، مضافا إلى إمكان منع استفادة العموم منها ؛ نظرا إلى ورودها في مقام بيان حكم آخر ، فتدبّر . الرابع : أن يكون كمال العدد المعتبر من لبن فحل واحد ، فلو كان من لبن فحلين لم يحصل النشر ، ولم يصر واحد منهما ابا للمرتضع وإن اتحدت المرضعة ، ولا تصير أيضا اُمّا له . ويتصور ذلك في المرضعة ، بأن ترضع الطفل من لبن فحله بعض العدد ، ثم يطلّقها ذلك الفحل وتتزوّج بآخر وتحمل منه ، ثم ترضع الطفل المذكور من لبن هذا الفحل تكملة الرضعات من غير أن يتخلل بين الإرضاعين إرضاع امرأة اُخرى ، بأن يستقل الولد في المدة الفاصلة بين الإرضاعين بالمأكول والمشروب ؛ بناء على عدم إخلال فصلهما بتوالي الرضعات العددية ، وإن أخلّ برضاع اليوم والليلة ، كما سبق . والظاهر أنّ اعتبار هذا الشرط مما لا خلاف فيه ، وحكي عن التذكرة الإجماع عليه (2) ، ويدلّ عليه موثّقة ابن سوقة المتقدمة ، وقوله عليه السلام في صحيحة بُريد : « كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى ، من |
الرابع : كون الرضعات من لبن فحل واحد |
غلام أو جارية ، فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » (1) ؛ فإنه بعد ما قيّد الإرضاع فيه بما بلغ العدد المعتبر ، فيعتبر في العدد المعتبر أن يكون من فحل تلك المرأة ، والظاهر من قوله : « فحلها » فحلها الواحد ، لا جنس فحلها ، كما يدلّ عليها قوله عليه السلام بعد ذلك : « وكلّ امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد ، فإنّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وأظهر من هذه الصحيحة : صحيحة عبدالله بن سنان ، وحسنته بابن هاشم في تفسير لبن الفحل : « ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة اُخرى ، فهو حرام » (2) وتقريب الاستدلال فيهما كالسابقة . وهذه الأخبار المعتضدة بعدم الخلاف تقيد إطلاقات الكتاب والسنة . واعلم أنّ هذا الشرط وسابقيه كما يعتبر في الرضاع المقدر بالعدد ، كذلك يعتبر في المقدر بالزمان ، إلا أنّ معنى الشرط الأول ـ وهو التوالي ـ في العدد : عدم تخلل رضاع آخر ، وفي اليوم والليلة : عدم تخلل غذاء آخر ، سواء كان لبن غير المرضعة أم غذاء آخر ؛ وأن الشرط الثالث لا يتصور تخلفه في المقدر بالزمان إلا على فرض نادر ، بأن يبقى لبن الفحل الأول إلى زمان حصول اللبن من الثاني ، ولا يحصل من اللبن الأول وحده الرضاع المقدر ، بل يحصل رضاع يوم من الأول ، وليلة من الثاني . ثم إنه هذه خلاصة الكلام في شروط نشر الحرمة بالرضاع ، فكلما انتفى |
بعض هذه الشروط الستة (1) لم ينشر الحرمة بين المرتضع أو أحد من قبله وبين الفحل والمرضعة أو أحد من قبلهما . وهنا شرط آخر اعتبره الأكثر في نشر الحرمة بين كل من المرتضعين من مُرضعة واحدة وبين الآخر ، وجعلوه منخرطا في سلك شروط الرضاع باعتبار أنه شرط للنشر في الجملة ، وهو اتحاد الفحل الذي يرتضع المرتضعان من لبنه ، فلو ارتضع أحد من امرأة من لبن فحل ، وارتضع آخر من تلك المرأة من لبن فحل آخر ، لم يحرم أحد المرتضعين أو اُصوله أو فروعه على الآخر ، فالعبرة بالاُخوّة في الرضاع الاُخوّة من قبل الأب الرضاعي ـ وهو الفحل ـ ، ولا عبرة بالأم الرضاعية . حتى أنه لو ارتضع عشرة من لبن فحل واحد ، كل واحدة من إحدى اُمهات أولاده ، صار الجميع إخوة يحرم بعضهم وفروعه على البعض الآخر وعلى فروعه ، وهذا معنى قولهم : اللبن للفحل . وخالف الطبرسي ـ صاحب التفسير ـ في اعتبار هذا الشرط (2) . واكتفى باتحاد واحد من المرضعة والفحل ، وألحق الرضاع بالنسب في كفاية الاُخوّة من أحد الأبوين في نشر الحرمة ، تمسكا بعموم قوله تعالى : ( واخواتكم من الرضاعة ) وقوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وشبه ذلك ، وخصوص رواية محمد بن عبيدة الهمداني : « قال : قال أبو الحسن الرضا |
اشتراط الأكثر : نشر الحرمة بين المرتضعين باتحاد الفحل
مخالفة الطبرسي في اعتبار اتحاد الفحل |
الاظهر اعتبار اتحاد الفحل |
عليه السلام : ما يقول أصحابك في الرضاع ؟ قال : قلت : كانوا يقولون : ( اللبن للفحل ) حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرّم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك . قال : فقال : وذلك لأن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة ، فقال لي : إشرح لي ( اللبن للفحل ) ، وأنا أكره الكلام . فقال لي : كما أنت حتى اسألك عنها ، ما قلت في رجل كانت له اُمهات أولاد شتى ، فأرضعت واحدة منهنّ بلبنها غلاما غريبا ، أليس كل شيء من ولد ذلك الرجل من اُمهات الأولاد الشتّى يحرم (1) على ذلك الغلام ؟ قال : قلت : بلى ، قال : فقال أبو الحسن عليه السلام : فما بال الرضاع يحرّم من قبل الفحل ولا يحرّم من قبل الاُمهات ، وإنما الرضاع من قبل الاُمهات ، وإن كان لبن الفحل أيضا يحرّم » (2) . والأظهر ما عليه الأكثر ، بل حكى الإجماع عليه عن بعض أصحابنا (3) غير واحد ممن تأخّر ، لضعف الرواية بعد تسليم ظهورها في المدّعى والإغماض عن اختصاصها بأولاد المرضعة نسبا ، ولا خلاف في تحريمهم على المرتضع وإن تعدّد الفحل ـ كما سيجيء ـ وتقيّد إطلاقات الكتاب والسنة بالأخبار الدالة على اعتبار اتحاد الفحل . منها : صحيحة الحلبي « قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام ، أيحلّ له أن يتزوّج اختها لاُمها من الرضاعة ؟ |
فقال : إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ، فلا يحلّ . وإن كانت المرأتان من امرأة واحدة من لبن فحلين ، فلا بأس » (1) . ومنها : موثّقة عمار الساباطي ـ الراوي عنه ابن محبوب بواسطة هشام ابن سالم ـ « قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن غلام رضع من امرأة ، أيحلّ له أن يتزوّج أختها لأبيها من الرضاع ؟ فقال : لا ، فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة ، قال : فيتزوّج اُختها لاُمها من الرضاعة ؟ قال : فقال : لا بأس بذلك ، إنّ اُختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس » (2) ولا يضرّ دلالتها على اعتبار اتحاد المرضعة الذي ليس معتبرا بالإجماع . ومنها : صحيحة بريد بن معاوية المتقدمة قريبا في الشرط الرابع من شروط الرضعات العدديّة (3) . وقد يردّ استدلال الطبرسي على مطلبه بقوله تعالى : ( وأخواتكم من الرضاعة ) بمنع كون المرتضعة من امرأة بلبن فحل اُختا اُميا رضاعيّا للمرتضع من تلك المرأة بلبن فحل آخر ، لكون الاُخت الرضاعية أمرا شرعيّا ، وكون المذكورة مندرجة [ فيه ] (4) محل النزاع ، فلا بدّ من دليل يدلّ عليه . |
الإيراد على استدلال الطبرسي ومناقشته
|