هل يعتبر اتحاد افحل في الأخوة بين المرتضعين فقط ؟ |
وفيه : أنّ صدق العنوانات الحاصلة بالنسب على ما يحصل من الرضاع غير متوقف على التوقيف من الشارع بالخصوص ؛ كيف ! ولو كان كذلك لم يثبت نشر الرضاع الحرمة في أكثر الموارد ، ولم يكتف الشارع في بيان تحريم نظائر النسب الحاصلة من الرضاع بقوله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ؛ لأنّ إلقاء هذا الكلام على هذا الفرض يصير من قبيل الإحالة على المجهول مع انه لا يرتاب المتتبع والمتأمل في أن كل من يسمع هذا الكلام من النبيّ أو الأئمة صلوات الله عليه وعليهم أو من عالم ، فلا يحتاج في تشخيص نظائر العنوانات النسبية من بين العلائق الحاصلة بالرضائع إلى بيان وتوقيف ؛ ويشهد بذلك ما مرّ في رواية محمد بن عبيدة الهمداني ، حيث قال للرضا عليه السلام : « إن أصحابي كانوا يقولون : اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرّم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فرجعوا إلى قولك » (1) فليت شعري ! أيّ شيء فهموا من هذا الكلام حتى رجعوا إلى القول بعدم اعتبار اتحاد صاحب اللبن في الاُخوة الرضاعية ؟ ومن هنا ترى الفقهاء الخاصة والعامة يتمسكون بهذا الحديث من غير تأمل في معناه من هذه الجهة . ثم اعلم أن اتحاد الفحل إنما يعتبر في حصول الاُخوة بين المرتضعين اللذين يكونان كلاهما ولدين رضاعيين للمرضعة . وأما إذا كان أحدهما ولدا نسبيا لها فلا يعتبر في اُخوة ولدها الرضاعي لولدها النسبي اتحاد فحلهما ، فلو أرضعت ولدا حرم عليه أولادها النسبية كلا ، وإن كانوا من غير صاحب لبن المرتضع ، لأن اعتبار اتحاد الفحل أمر مخالف لإطلاق الكتاب ، والأدلة المثبتة له مختصة بالولدين |
الرضاعيين ، كما يظهر لمن راجعها ؛ مضافا إى موثقة جميل بن دراج ـ بأحمد ابن فضّال ـ عن أبي عبدالله عليه السلام : « إذا ارتضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شيء من ولدها ، وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه » (1) وهي صريحة في المطلوب . لكن يظهر من بعض الأخبار اعتبار اتحاد الفحل هنا أيضا ، مثل صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام ، وفيها : « قلت : فأرضعت اُمي جارية بلبني ؟ فقال : هي اُختك من الرضاعة ، قلت : فتحل لأخ لي من اُمي لم ترضعها أمي بلبنه ؟ قال : فالفحل واحد ؟ قلت : نعم هو أخي لأب وأمي ، قال : اللبن للفحل ، صار أبوك أباها ، واُمك اُمها » (2) ؛ فإن استفصال الإمام عليه السلام عن اتحاد الفحل مع تصريح السائل بكون الأخ ولد المرضعة نسبا يدلّ على تغاير حكمه مع حكم صورة تعدد الفحل . بقي هنا شيء ، وهو أنه قد حكي عن العلامة في القواعد : أن اُمّ المرضعة من الرضاع ، أو اُختها منها أو بنات أخيها منه لا تحرمن على المرتضع (3) ؛ لأن الرضاع الحاصل بين المرضعة والمرتضع بلبن فحل ، والحاصل بينها وبين اُمها أو اُختها أو أخيها بلبن فحل آخر ، فلم يتّحد الفحل ، فلا نشر ، ومثله عن المحقق الثاني في شرح هذه العبارة من القواعد (4) . وزاد على فروض المتن عدم تحريم عمة المرضعة أو خالتها من الرضاع على |
القول المحكيّ عن العلامة
|
تضعيف المصنف لهذا القول |
المرتضع ، ثم نسب التحريم إلى القيل ، تمسكا بعموم الأدلة من الكتاب والسنة ، وأجاب عنه بأن مادلّ على اعتبار اتحاد الفحل خاص ، فلا حجة في العام . أقول : ولا يخفى ضعف هذا القول ، أما أولا : فلما عرفت من أنّ الدال على اعتبار اتحاد الفحل ـ المخصص لعموم الكتاب والسنة ـ كان مختصا بالرضاع الموجب لاُخوّة المرتضعين ، بمعنى أنه لايحدث علاقة الاُخوّة بين مرتضعين أجنبيين نسبا إلا إذا اتحد فحلهما ، ولم يكن فيه إطلاق ليشمل ما نحن فيه . وأما ثانيا : فلأن صحيحة الحلبي المتقدمة (1) ـ التي هي عمدة أدلة اعتبار اتحاد الفحل ـ قد صرّح فيها بتحريم اُخت المرضعة من الرضاع على المرتضع ، وهي أحد الموارد التي حكم في القواعد وشرحه بعدم التحريم تفريعا على تعدد الفحل . ومثلها موثقة عمار الساباطي المتقدمة أيضا (2) المعلل فيها تحريم اُخت المرضعة من الرضاع بأنّ الاُختين رضعتا من امرأة واحدة بلبن فحل واحد ، مع أنه لا ريب في مغايرة فحل المرتضع لفحل اُخت المرضعة ، فيفهم من التعليل : أنه إذا اتحد الفحل بين المرأتين ، وتحققت الاُخوّة بينهما ، كفى ذلك في حرمة كل منهما على فروع الآخر ولو من الرضاع . [ إذا ظهر ذلك ، فاعلم أنه ] (3) إذا حصل الرضاع المعتبر صارت |
المرضعة والفحل أبوين للمرتضع ، وفروعه لهما أحفادا ، واُصولها له أجدادا وجدّات ، وفروعهما إخوة وأولاد إخوة ، ومن في حاشية نسبهما عمومة وخؤولة . وتفصيل القول في ذلك يحصل ببيان إثنتين وثلاثين مسألة حاصلة من ملاحظة كل من المرتضع واًصوله وفروعه ومن في حاشية نسبه أو رضاعه ، مع كل من المرضعة والفحل واُصولهما وفروعهما ومن في حاشيتهما . وقبل ذكر أحكامهما لا بد من بيان ضابطة للتحريم في الرضاع ، فنقول : إن المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (1) أنّ كلّ عنوان قد حمل عليه الشارع التحريم من جهة علاقة نسبية ، فهذا العنوان يحرم من جهة نظير تلك العلاقة من الرضاع وذلك لا بمعنى أنّ كل شخص حرم من النسب فهو بعينه حرام من الرضاع ؛ إذ لا شك في عدم إرادة هذا المعنى ؛ لأنّ نفس المحرم بالنسب ليس محرما بالرضاع . فالمراد بـ « ما » الموصولة في الحديث هو عنوان كلي مشترك بين ما يحصل بالنسب وبين ما يحصل بالرضاع ، تعلق التحريم به من جهة النسب باعتبار بعض أفراده ، وهو الحاصل بالنسب ، وتعلق التحريم به من جهة الرضاع باعتبار بعض أفراده وهو الحاصل بالرضاع . مثلا يصدق على عنوان الأم ـ الذي هو شيء واحد بالوحدة النوعية الغير المنافية مع تكثّر الأشخاص ـ أنها تحرم من جهة النسب ، وتحرم من جهة الرضاع . ولا يقدح في هذا المطلب كون استعمال لفظ ذلك العنوان في الحاصل |
بيان الضابطة الكلية للتحريم
|
بالرضاع استعمالا مجازيا ؛ إذ لم يقع في الكلام لفظ أحد تلك العناوين حتى يقال : إن المراد به خصوص الحاصل بعلاقة النسب ، بل نقول : إنه اعتبر مثلا قدر مشترك بين الاُمّ الرضاعيّة والنسبيّة واُريد من الموصول . وإن أبيت إلا عن أنّ المراد بالموصول خصوص العنوانات النسبية ، فلابدّ في الكلام من تقدير ، بأن يراد « أنه يحرم من الرضاع نظير كل عنوان من العنوانات النسبية التي تحرم من جهة النسب » وهذا التقدير هو الذي ارتكبه جمع كثير من الفقهاء المتأخرين في تفسير الحديث (1) . ثم إن العنوان الذي يحرم من جهة النسب ليس إلا أحد العنوانات المتعلق بها التحريم في لسان الشارع ، كالاُم ، والبنت ، والاُخت ، وغيرهن من المحرمات المذكورة في الكتاب (2) والسنة (3) . وأما العنوان المستلزم لأحد هذه ـ كاُم الأخ للأبوين المستلزمة لكونها اُما ، وكاُم السبط المستلزمة لكونها بنتا ، وكاُخت الأخ للأبوين المستلزمة لكونها اُختا ـ فليس شيء منهن يحرم من جهة النسب ، إذ لا نسب بينهن من حيث هذا العنوان وبين المحرم عليه ، فإن اُم أخ الشخص من حيث إنها « اُم أخ » ليست (4) نسيبة له ، بل نسيبة لأخيه ؛ والنسب الحاصل بين الشخص وبين نسيبه لم يثبت كونه جهة للتحريم . والشاهد على ذلك أدلة المحرمات ، فإن منها يستفاد جهة تحريم المحرمات ، إذ لايستفاد من قوله تعالى : ( حُرّمت عليكم اُمهاتُكُم ) إلا أنّ |
جهة التحريم اُمومة الاُم للشخص ، وأما اُمومتها لأخيه أو بنوّتها لجدّيه أو اُخوّتها لخاليه ، فلم يستفد من دليل كونها جهة للتحريم . فثبت بهذا أن النسب الذي يصلح [ كونه ] (1) جهة للتحريم ليس إلا ما يكون مبدأ لإحدى الصفات المعنونة بها المحرمات في الكتاب والسنة . وعلى هذا فإذا أرضعت امرأة أخاك فلا تحرم عليك ؛ لأنها أم أخيك ، ولم يثبت حرمة اُم الأخ من جهة النسب ، إذ لا نسب بينك وبينها من حيث إنها « اُم أخيك » بل النسب بينها وبين نسيبك ، والنسب بين شخص وبين نسيبه لم يثبت كونه جهة للتحريم . ومن هنا يظهر فساد ما ذهب إليه شرذمة من المتأخرين (2) : من عموم التنزيل في الرضاع ، وعدم الفرق بين أن يحصل بالرضاع أحد العناوين المذكورة في أدلة التحريم ، وبين أن يحصل به ما يستلزم أحدها ؛ فكما أن المرتضعة بلبنك محرمة عليك من حيث إنه حصل بالرضاع بنوّتها لك ، فكذلك مرضعة ولد بنتك حيث إنه حصل بالرضاع اُمومتها لولد بنتك ، واُم ولد البنت محرمة نسبا لكونها بنتا ، فكذلك اُم ولد بنتك رضاعا ؛ إلى غير ذلك . وقد عرفت وجه فساد ذلك ، وحاصله : أن الحديث النبوي إنما حرّم بالرضاع ما حرّم من جهة النسب ، واُم ولد البنت لم تحرم من جهة النسب ، |
القول بعموم التنزيل في الرضاع لما يستلزم أحد العناوين المحرمة مناقشة هذا القول |
اشكال وجواب
|
إذ لا نسب بينها بهذا العنوان وبين الشخص ، بل النسب بينها وبين نسيب الشخص ، ولم يثبت كونه جهة للتحريم ، فإذا لم تحرم اُم ولد البنت من جهة النسب ، فكيف تحرم من جهة الرضاع ؟ مع أن دعوى عموم الموصول لكل عنوان من العناوين المذكورة في لسان الشارع ولما يستلزمه من العناوين الغير المحصورة ، موجب للتكرار في مشمولات (1) العام . فإن قلت : إذا صدق على اُم ولد البنت أنها بنت وصدق أن كل بنت محرمة من جهة النسب فلا مساغ لإنكار أنّ اُمّ ولد البنت محرمة من جهة النسب ، فيضاف إلى ذلك قوله عليه السلام : « كل ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع » (2) ، ينتج أنّ اُم ولد البنت تحرم من جهة الرضاع . قلت : لا يخفى أن المراد بالاُم في قولنا : « اُم ولد البنت » إما أن تكون هي خصوص الاُم النسبية ، أو خصوص الرضاعيّة ، أو الأعمّ ، وكذلك المراد بالبنت ، فالاحتمالات تسعة ؛ ولا نسلّم الصغرى إلا في احتمالين منها ، إحداهما : أن يراد من الاُم والبنت ، النسبيّتان (3) والثاني : أن يراد من الاُم النسبية ، ومن البنت الأعمّ . فإن اُريد الأول منهما ، فالصغرى والكبرى [ مسلمتان ] (4) إلا أنّ الحاصل منها ليس إلا قولنا : « إنّ الاُم النسبية لولد البنت االنسبية محرّمة من جهة النسب » لكن الأصغر في هذه الصغرى غير مندرح تحت الأوسط في |
كبرى قوله عليه السلام : « كل ما يرحم من النسب يحرم من الرضاع » لما عرفت من أنّ المراد بالموصول في الحديث هو العنوان الكلي المشترك بين العنوان الحاصل من علاقة النسب ، والحاصل من علاقة الرضاع ، لأنه الذي يعقل أن يحكم عليه بالتحريم من كلتا الجهتين ، أعني الرضاع والنسب ؛ وليس المراد به خصوص العنوان النسبي ، إذ لا يعقل الحكم على نفس هذا العنوان بأنه يحرم من جهة الرضاع إلا أن يراد أنه يحرم نظيره ، كما ذكرناه سابقا . وحينئذ فنقول : كون مرضعة ولد البنت نظيرة للاُم النسبية لولد البنت ممنوع ، لأنّ الاُم النسبية لولد البنت كانت متّصفة بالبنتيّة ، وباعتبارها ثبت لها التحريم ، ومرضعة ولد البنت ليست كذلك . نعم ، نظيرة الاُم النسبية لولد البنت النسبية ، الأم النسبية لولد البنت الرضاعية . والحاصل : أنّ المحرم في النسب اُمّ ولد البنت المقيّدة بكونها بنتا ، فنظيرها المحرم في الرضاع أيضا اُمّ ولد البنت المقيّدة بذلك القيد ؛ غاية الأمر أنّ القيد المذكور في النسب من اللوازم للمقيد ، وفي الرضاع مما قد يكون وقد لا يكون ، فإذا كان فتثبت النظارة ، وإلا فلا نظارة فلا حرمة . وإن اُريد الثاني منها ، فالمقدمتان مسلمتان ، ويستنتج منهما أنّ الاُمّ النسبية لولد البنت مطلقا محرّمة من جهة النسب ، ولو باعتبار بعض أفرادها ، وهي الاُم النسبية لولد البنت النسبية فيصحّ أن يضمّ إليه قوله عليه السلام : « كل ما يحرم من النسب يحرم من جهة الرضاع » (1) ، فيصير حاصل هذا : أنّ الاُمّ النسبية لولد البنت مطلقا عنوان كلّي مشترك بين اُمّ ولد البنت النسبيّة واُمّ |
الجواب عن اصل الإيراد ليس المراد خصوص النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه |
ولد البنت الرضاعية ، وهذا العنوان الكلّي يصدق عليه أنه يحرم من جهة الرضاع كما يحرم من جهة النسب ، وحينئذ فلا يستفاد من الحديث حكم مرضعة ولد البنت بوجه من الوجوه . وبهذا تقدر على دفع ما يورد في نظائر هذا العنوان ؛ وإن كان تقرير الدفع مخالفا له في الجملة . فإذا قيل مثلا : « اُم الأخ للأبوين اُمّ ، وكل اُمّ محرّمة ، فاُمّ الأخ للأبوين محرّمة » ، ثم يضمّ إلى ذلك قولنا : « كلّ ما يحرم من جهة النسب يحرم من جهة الرضاع » أجبنا عنه : بأنّ « اُم الأخ » لا يخلو من أن يراد به الاحتمالات التسعة المذكورة ، وعلى فرض إرادة ما عدا احتمالين منهما (1) تكون الصغرى ممنوعة ، فإنّ التي يصدق عليها « الاُمّ » ليس إلا الاُمّ النسبية للأخ النسبي ، أو مرضعة الأخوين الرضاعيين . فإن اُريد بـ « اُم الأخ » في الصغرى خصوص الأول ، دفع بما دفع به الاحتمال الأول في اُمّ ولد البنت . وإن اُريد به الأعمّ من الأول ـ أعني العنوان الكلي الملازم لصدق الاُم ـ فلا تدلّ النتيجة الحاصلة بعد ضمّ الحديث إليها على تحريم مرضعة الأخ . ويمكن الجواب عن أصل الإيراد بمنع كون الموصول للعموم ، بل المتبادر منه الإشارة إلى العنوانات المعهودة المتداولة على لسان الشارع ، وتعلّق التحريم بها في كلامه . ثم أعلم أنّ المراد في الحديث ليس خصوص النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ، حتى يخصّ الحديث بتحريم نظائر العنوانات السبع |
النسبية من الرضاع ، بل المراد به هو الأعم منه ومن الحاصل بين المحرم وزوج المحرم عليه أو ما اُلحق بزوجه ـ كالمزنيّ بها (1) والموطوءة بالشبهة ، أو الغلام الموطوء ، ونحو ذلك ـ لأنّ التحريم في العنوانات السبع كما انها متوجهة بجهة النسب ، كذلك في هذه العنوانات ، مثلا قوله تعالى : ( واُمّهات نسائكم ) (2) دالّ على تعلق التحريم باُمّ الزوجة من حيث اُمومتها للزوجة ، فإذا حصل نظير هذه الجهة من الرضاع حرّمت . والحاصل : أنه لا فرق بين تحريم الاُمّ وتحريم اُمّ الزوجة في تعلق التحريم في كلّ منهما بعنوان النسبيّ ، فيحرم نظيره من الرضاع ، وسيأتي زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالى . |