وينبغي التنبيه على اُمور : الأول : حيث قد عرفت أنّ الضابط في حصول الحُرمة بالرضاع ملاحظة الرابطة النسبية التي علّق عليها التحريم ، فإن حَصَل بالرضاع نظيرها تثبت الحرمة ، وإلا فلا ، إلا ما خرج بالدليل ، كما عرفت في المسألة العاشرة والسادسة والعشرين . ولا عبرة بأن يحصل بالرضاع رابطة مغايرة للرابطة المعلق عليها التحريم ، مقارنة معها في الوجود دائما أو في بعض الأحيان . وما دلّ على خروج المسألتين السابقتين أو نحوهما عن هذه الضابطة لا يعطي ضابطة كلّيّة لتحريم كلّ عنوان ملازم في النسب لعنوانات التحريم ، بل يقتصر على مورده ؛ إذ التعدي قياس لا نقول به . فاعلم أنّه لا فرق في الرابطة النسبيّة ـ التي يكون نظيرها الحاصل بالرضاع محرّما ـ بين أن يكون التحريم المعلّق عليها لأجل وجودها بين نفس المحرّم والمحرّم عليه ، ويسمّى بالمحرّم النسبي ـ كما في المحرمات السبع |
الأول : الرابطة النسبية المحرمة على نحوين 1 ـ الرابطة بين المحرّم والمحرم عليه |
2 ـ الرابطة بين المحرم وأقربائه توهم حصر النبوي في المحرم النسبي |
النسبية ـ وبين أن يكون التحريم لأجل وجودها بين المرحرم وزوج المرحم عليه أو مَن في حكمه ، ويسمّى بالمحرّم لأجل المصاهرة ، وهي عبارة : عن علاقة تحدث بين كلّ من الزوجين وأقرباء الآخر ، كاُمّ الزوجة مثلا ؛ فإنّ التحريم علّق على اُمومة الزوجة ، وهي رابطة نسبيّة بين المحرم ـ وهي الاُمّ ـ وبين زوجة المحرّم عليه ، وكاُمّ المزني بها ، والموطوءة بالشبهة وغيرهما . وتسمية الأول بـ « ـ المحرم لأجل النسب » والثاني بـ « ـ المحرم لأجل المصاهرة » باعتبار ملاحظة العلاقة الكائنة بين نفس المحرّم والمحرّم عليه . وأنها قد تكون نفس الرابطة النسبية المعلّق عليها التحريم ـ كما في المحرمات السبع ـ وقد يكون أمرا حاصلا منها ـ كما في المحرمات بالمصاهرة ـ ولكن التحريم في الكلّ معلّق على الرابطة النسبية . وأما في المحرمات السبع : فظاهر . وأما في المحرمات بالمصاهرة : فلأنّ تحريم اُمّ الزوجة لم يعلّق في الكتاب والسنة على علاقة المصاهرة التي بينها وبين الزوج ، وإنما علّق على الرابطة النسبية التي بينها وبين زوجة الزوج ، وهي الاُمومة ، وكذا غيرها . ومن هنا ظهر فساد ما ربّما يسبق إلى الوهم من أنّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (1) إنما يدلّ على تحريم نظائر المحرمات السبع الحاصلة بالرضاع ، ولا يدل على تحريم نظائر المحرمات بالمصاهرة اذا حصلت بالرضاع ، كمرضعة الزوجة ورضيعتها ونحوهما ؛ لأنّ هؤلاء لايحرمن من النسب حتى يحرم نظائرها من الرضاع ، وإنما يحرمن من أجل المصاهرة . |
توضيح الفساد مضافا إلى ما ذكر : أنّ المصاهرة ـ وهي العلاقة الحاصلة بين كلّ من الزوجين وأقرباء الآخر ـ ليس مما علّق عليها التحريم ، وإنما علّق على الرابطة النسبية التي هي منشأ لانتزاعها ، فتحرم اُمّ الزوجة على الزوج أيضا من جهة النسب ، لا النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ، بل النسب الحاصل بين المحرم وزوجة المحرّم عليه . وعمدة ما يوقع في هذا الوهم توهّم أنّ المراد بالنسب في الحديث خصوص النسب الحاصل بين المحرّم والمحرّم عليه ، نظير ما اصطلحوا عليه من قولهم : « سبب التحريم إما نسب وإما مصاهرة » حيث يجعلون المصاهرة قسيما للنسب . ولا يخفى أنه لاداعي إلى تقييد النسب في الحديث بهذا الفرد الخاصّ ، بل المراد به : أنّ كلّ ما يحرم على شخص من جهة نسب حاصل بينهما أو من جهة نسب حاصل بين أحدهما وزوج الآخر أو مَن في حكمه ، فيحرم نظيره من جهة الرضاع الحاصل بينهما أو بين أحدهما وزوج الآخر أو مَن في حكمه . وحاصل معناه بعبارة أضبط : كل رابطة نسبية ثبت من جهتها تحريم شخص على آخر ، فيثبت التحريم أيضا من جهة نظيرها الحاصل بالرضاع ، فإذا ورد : « أنّ اُمّهات الأزواج محرمة » فنقول : إنّ التحريم تعلّق بالنساء المتّصفات بالامومة للزوجات ، وهي رابطة نسبية علّق عليها التحريم ، فإذا حصل نظيرها بالرضاع يحصل الحرمة ، للحديث المذكور . فظهر : أنه كما يصدق على اُمّ الرجل أنها محرمة عليه من جهة النسب ـ أي من جهة الرابطة النسبية ؛ حيث إنها حرمت عليه بعنوان كونها اُما له ـ فكذلك يصدق على اُمّ زوجته أنها محرّمة عليه من جهة النسب ؛ |
رد استشكال صاحب الكفاية
الثاني تحريم الرضاع للنكاح ابتداء واستدامة |
حيث إنها حرمت عليه من جهة كونها اُمّا لزوجته ، فالموضوع في كلّ من الحكمين معنون بعنوان « الاُمومة » إلا أنها في الأول بين المحرّم والمحرّم عليه ، وفي الثاني بين المحرّم وزوج المحرّم عليه . ومن هنا تراهم يتمسّكون في تحريم مرضعة الغلام الموقَب ورضيعتها على الموقِب بالحديث المذكور ، وإلا فأيّ نسب بين المرضعة والموقِب ؟ وممّا ذكرنا ظهر ما في استشكال صاحب الكفاية الحكم بإلحاق الرضاع بالنسب في الرابطة النسبية الموجودة بين أحد الزوجين وأقرباء الآخر الموجدة لعلاقة المصاهرة بين الزوجين في ثبوت أحكام المصاهرة بالنسبة إلى أحد الزوجين وبعض ذوي الروابط الرضاعيّة للآخر ، وأنه إن كان الإجماع على ذلك فهو ، وإلا ففي دلالة الحديث المشهور على ذلك إشكال (1) . وقد عرفت أنّه لا إشكال في المسألة أصلا بحمد الله سبحانه . الثاني : أنّ الرضاع كما يؤثّر في ابتداء النكاح يؤثّر في استدامته ، فكلّ رضاع يمنع من النكاح إذا سبقه ، يبطله إذا لحقه ، بلا خلاف فيه على الظاهر . ويدلّ عليه إطلاق الحديث المشهور : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وخصوص بعض الأخبار الواردة في بعض فروع المسألة . منها : حسنة الحلبي ـ بابن هاشم ـ عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لو أنّ رجلا تزوّج جارية فأرضعتها امرأته فسد نكاحه » (2) ، ورواها في الفقيه بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3)بتفاوت يسير . ونحوها حسنته |
الأخرى عنه عليه السلام (1) . ويترتّب على ذلك أنه إذا تزوّج برضيعة فأرضعتها بعض نساء آبائه وإن علوا أو أولاده وإن نزلوا ، أو إخوته بلبنهم ، أو أخواته ، حرمت عليه ، وكذا لو أرضعتها زوجته الكبيرة بلبنه ـ كما في الأخبار السابقة ـ وتحرم الكبيرة أيضا مؤبّداً . ولو أرضعتها بلبن غيره ، فإن دخل بالكبيرة حرمتا أيضا ، وإن لم يدخل بها حرمت الكبيرة مؤبّدا ، وحرمت الصغيرة جمعا ، بمعنى جواز تجديد العقد عليها بعد بطلان النكاح الأوّل ، والوجه في بطلان نكاحهما عدم جواز الحكم بصحّة نكاحهما ، ولا بصحّة نكاح أحدهما ؛ لأنه ترجيح من غير مرجّح . واستشكل في الحكم صاحب الكفاية من حيث احتمال القرعة (2) . وهو ضعيف . ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين بلبنه ، ثم أرضعتها الاُخرى ، حرمن جُمَع . وحكي عن الإسكافي (3) والشيخ (4) : أنه تحرم المرتضعة واُولى المرضعتين ؛ ولعلّ وجهه : أنّ اُمّ الزوجة المحرمة هي من زوّج ابنته (5) ، بأن |
بعض صور تحريم النكاح استدامة حكم الزوجة الصغيرة لو أرضعتها الكبيرة حكم إرضاع الكبيرتين للصغيرة على التعاقب |
حكم مهر الصغيرة المرتضعة من الكبيرة |
تتصف بنته (1) بالزوجية ، بمعنى تصادق عنواني البنتيّة والزوجيّة في زمان من الأزمنة ، حتى يصدق على اُمها في ذلك الزمان « اُمّ الزوجة » . وهنا ليس كذلك : لأنّ المرضعة الثانية إنما صارت اُمّا بعد ما انفسخ عقد الصغيرة ، فحصلت صفة البنتيّة للصغيرة بعد زمان الزوجية . ويؤيّده ما رواه في الكافي بسند ضعيف بصالح بن أبي حمّاد ، عن عليّ بن مهزيار ، رواه عن أبي جعفر عليه السلام « قيل له : إنّ رجلا تزوّج بجارية صغيرة ، فأرضعتها امرأته ، ثمّ أرضعتها امرأة له اُخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أخطأ ابن شبرمة ، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا ، فأما الأخيرة فلم تحرم عليه ؛ لأنها أرضعت ابنتها » (2) ولا يبعد العمل بها ؛ لموافقتها للأصل . ثم إنه كلما حكم بفساد نكاح الصغيرة بالرضاع ، فإن كان الرضاع بسبب مختصّ بها ـ بأن سعت إلى الكبيرة وهي نائمة ، وارتضعت الرضاع المحرّم ـ فقد صرّح في الشرائع والتحرير والمسالك بسقوط مهرها (3) . ويحتمل عدم السقوط ؛ لأنّ المهر ثبت بالعقد ، ولا دليل على سقوطه بفعل الصغيرة الذي حَصَل منها من غير قصد وتمييز . وإن كان بسبب مختصّ بالكبيرة ، بأن تولّت إرضاعها ، وكان لها مهر مسمى ، غرمه الزوج ، وقيل : يغرم نصفه ، كالطلاق ، وهو محكيّ عن الشيخ (4) |
وجماعة (1) ، ولا دليل عليه ؛ بناء على ملك الزوجة لكمال المهر بالعقد . وفي رجوع الزوج الغارم إلى المرضعة إشكال ، ولا يبعد عدم الرجوع فيما إذا كان الإرضاع واجبا عليها ، لفقد من يرضعها بما يسدّ رمقها ؛ لأنه حينئذ مأمور به ، فلا يتعقّبه ضرر (2) . والأقوى عدم الرجوع ؛ لعدم الدليل ، ونظائره كثيرة ، كما لو قُتلت الزوجة ، أو ارتدّت بعد الدخول ، أو أرضعت من ينفسخ نكاحهما بإرضاعه ، فإنّ المهر ثابت في جميع الصور على الزوج ، ولا يرجع بعد غرامته إلى أحد . نعم مقتضى قاعدة نفي الضرر : رجوع الزوج بما يغرمه وإن لم نقل بضمان البضع ، فإنّ مقتضى ضمانه الرجوع إلى مهر المثل أو نحوه ، لا ما يغرمه . وعدم الرجوع في الأمثلة المذكورة [ لأنه تصرّف في البضع ، وهو والمهر عوض له ] (3) ولهذا يغرم الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بطلاق الزوج الأول للمرأة المهر للثاني . ويؤيّدها ما رواه في الفقيه بسند ضعيف عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة عن أبي عبدالله عليه السلام « قال : سألته عن رجل قال لآخر : اخطب لي فلانة ، فما فعلت شيئا مما قاولت من صداق أو ضمنت من شيء أو شرطت ، فذلك لي رضىً وهو لازم لي ، ولم يُشهد على ذلك ، فذهب فخطب له وبذل عنه الصداق ، وغير ذلك مما طالبوه وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر |
هل يرجع الزوج الغارم على المرضعة |
ذلك كله ؟ قال : يغرم لها نصف الصداق عنه ؛ وذلك أنه هو الذي ضيع حقّها ، [ إذ لم يشهد عليه بذلك الذي قال ] (1) » (2) . دلّ بعموم التعليل على أنّ التضييع سبب للغرامة ، وقد حصل في ما نحن فيه من المرضعة (3) . الثالث : إعلم أنّه قد حكى شيخنا المحقق الثاني في رسالته الرضاعيّة عن بعض الطلبة القول بنشر الحرمة بالرضاع في صور كثيرة ، ونسب ذلك إلى اشتباههم ، وذكر أنّه لا مستند لهم في ذلك ، وزعموا أنّ ذلك من فتاوى شيخنا الشهيد رحمه الله ، وليس لهم إسناد يتصل بشيخنا في هذه الفتوى . ثم قال : نعم ، اختلف أصحابنا في ثلاث مسائل قد يتوهم منها القاصر عن درجة الاستنباط أن يكون دليلا لشيء من هذه المسائل ، أو شاهدا عليها ـ إلى أن قال ـ : إنّ المسائل المتصورة في هذا الباب كثيرة لا تنحصر ، والذي سنح لنا الآن ذكره ـ خارجا من المسائل الثلاث المشار إليها ـ صور ، ثم ذكر الصور ، ثم عقّبها بذكر المسائل الثلاث التي ذكر أنّه اختلف فيها بين الأصحاب (4) . أقول : الظاهر أنّ هذا المتوهّم قد استند في دعوى النشر إلى عموم المنزلة في الرضاع المشهور في الألسنة ، وحاصل تفسيره : أنّه إذا حصل بالرضاع عنوان مصادق للعنوان الذي تعلّق به التحريم في النسب حكم بتحريمه وإن لم يحصل بالرضاع نفس ذلك العنوان المنوط به التحريم . |
مثلا : إذا أرضعت امرأتك ولد ابنتك ، فقد صارت المرضعة اُما لولد بنتك : و « اُم ولد البنت » حيث إنه عنوان مصادق في النسب لعنوان « البنت » محرمة ، فإذا حصل هذا العنوان بإرضاع امرأتك ولد ابنتك تحقق التحريم ، وبطلان نكاح الجد والمرضعة ، وإن لم يتحقق عنوان « البنتيّة » في الرضاع وهكذا . وها أنا أذكر المسائل الثلاث التي ذكر المحقق أنها مما تعرض لها الأصحاب واختلفوا فيها ، ثم أذكر غيرها من الصور التي ذكر أنّ القول بالتحريم فيها توهم ، وأنه ليس به قائل معروف بين الأصحاب ، وأنّ نسبته إلى الشهيد رحمه الله غير ثابتة (1) . |
الثالث : توهم جماعة التحريم في بعض الصور |