فنقول : أما المسائل المختلف فيها : فإحداها : حرمة جدّات المرتضع على صاحب اللبن : اختلف فيها الأصحاب على قولين ، وقريب منه اُمّ المرضعة وجدّاتها بالنسبة إلى أب المرتضع ، وقد تقدم في المسألة الثامنة عشرة نسبة القول بتحريم جدّات المرتضع على الفحل إلى ابن إدريس رحمه الله(1) ، وعزي هذا القول إلى جماعة من الأصحاب (2) . وقد عرفت في تلك المسألة أنه لا وجه للتحريم ، عدا توهّم صيرورة جدّات المرتضع جدّات لولد الفحل ، وجدّة الولد محرّمة ؛ لكونها إما اُمّا أو اُمّ زوجة ، وكلتاهما محرمتان ؛ ومثل هذا جار في اُمّ المرضعة وجداتها بالنسبة |
هل تحرم جدات المرتضع على الفحل ؟ |
هل تحلّ أخوات المرتضع للفحل مع اتحاده ؟ هل يحرم أولاد صاحب اللبن وأولاد المرضعة ولادة ، على أب المرتضع ؟ |
إلى أب المرتضع . ومرجع هذا الاستدلال إلى دعوى عموم المنزلة في الرضاع التي ذكرنا تفسيره قريبا ، وأثبتنا فساده ـ لعدم الدليل عليه ـ في المسألة الثانية من المسائل المتقدمة . وثانيتها : أخوات المرتضع نسبا ورضاعا بشرط اتحاد الفحل هل يحللن للفحل أم لا ؟ وقد حكي عن الشيخ وابن إدريس القول بالتحريم (1) ولعله لأنهن بمنزلة ولده ، كما أنّ أولاد الفحل بمنزلة ولد اب المرتضع ، لصحيحة عليّ بن مهزيار المتقدمة (2) ، وقد عرفت في المسألة العشرين من المسائل المتقدمة ضعف هذا القول ، لأنّ الحكم بكون أولاد الفحل والمرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع لايقتضي الحكم بكون أولاد ابوي المرتضع بمنزلة أولاد الفحل ، بل غاية ما حصل من ارتضاع أخيهم بلبنه هو كون أخيهم بمنزلة ولده ، فهم إخوة ولده ، وأخ الولد لا يحرم إلا إذا كان ولدا . وثالثتها : أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وأولاد المرضعة ولادة هل تحرم على أب المرتضع ؟ وقد عرفت في المسألة العاشرة والسادسة والعشرين : أنّ الأصحّ التحريم ، للأخبار المتقدمة في المسألتين ، وإن كانت القاعدة لا تقتضي التحريم ، نظرا إلى أنه لم يحصل بالرضاع إلا اُخوّة أولاد صاحب اللبن والمرضعة للمرتضع ، فهم إخوة ولد لأب المرتضع ، و « أخ الولد » لا يحرم إلا إذا صدق « الولد » عليه ، إما من النسب وإما من الرضاع ، لكن الأخبار |
المتقدمة قد دلّت على أنهم بمنزلة ولده . هذه المسائل الخلافية التي ذكرها المحقق في الرسالة ، وصرّح في غير الأخيرة بعدم التحريم . أقول : وهنا مسألة رابعة اختلف فيها ، وهي مسألة تحليل أولاد صاحب اللبن نسبا ورضاعا ، أو أولاد المرضعة نسبا على إخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا بلبن ذلك الفحل . |
حل أولاد الفحل أو أولاد المرضعة نسبا ، على إخوة المرتضع |
وأما المسائل التي ذكرها ونسب القول بالتحريم فيها إلى الوهم ، فهي ثلاث عشرة مسألة : الاولى : أن ترضع المرأة بلبن فحلها الذي هي في نكاحه حين الإرضاع أخاها أو اُختها لأبويها ، أو أحدهما . فيقال : إن ذلك موجب لتحريم المرضعة على زوجها ، من جهة أنّ المرتضع صار ولدا للفحل ولاُختها المرضعة ، فهي اُخت ولد الفحل ، واُخت الولد محرّمة من النسب ، فكذا من الرضاع (1) . وبعبارة اُخرى : الفحل يصير أبا رضاعيّا لأخ الزوجة أو اُختها ، وكما أنّ أباهما النسبي محرّم عليها ، فكذا الرضاعي . والحقّ أنّه توهّم ـ كما ذكره شيخنا المحقق ـ لما مرّ في المسألة العشرين |
إرضاع الزوجة بلبن فحلها إخوتها أو أخواتها
توهم حرمة الزوجة على فحلها |
مناقشة المحقق الكركي إرضاع الزوجة ولد أخيها أو ولد أختها توهم الحرمة في المسألتين |
من المسائل المتقدمة : من عدم تحريم من في حاشية نسب المرتضع على الفحل ، وأنّ الخلاف هنا محكيّ عن الشيخ وابن إدريس (1) وهو ضعيف . لكن يرد على شيخنا المحقق أنّ هذه المسألة هي ثانية المسائل التي ذكر فيها الخلاف بين الأصحاب ، فإنّ تحريم المرضعة في الفرض المذكور على زوجها مبنيّ على تحريم أخوات المرتضع على الفحل ، وهي عين المسألة الثانية من الثلاث المتقدمة . نعم لو كان توهّم التحريم ناشئا عن غير ما ذكر في توجيهه ـ مثل صيرورة المرضعة اُمّا لأخ الزوجة من اُمها ، وهي محرمة على الزوج ـ أمكن كونها بهذا الاعتبار مسألة خارجة عن المسائل الثلاث . الثانية : أن ترضع الزوجة المذكورة ولد أخيها . الثالثة : أن ترضع ولد اُختها . فقد يتوهم التحريم في هاتين المسألتين من جهة صيرورة المرضعة عمة أو خالة لولد الفحل من الرضاع ، وعمة الولد محرمة عينا ـ لأنها اُخت ـ وخالته محرّمة جمعا ؛ ولأنّ الفحل في المسألة الاُولى أب رضاعيّ لولد أخ المرضعة ، فكما أنّ الأب النسبيّ لولد أخيها محرم عليها ـ لأنه أخوها ـ فكذا الأب الرضاعي له . ولا يخفى أيضا فساد التوهّمين ، لأنّ عمّة الولد إنما تحرم لكونها اُختا ، فإذا تحقق بالرضاع علاقة الاُختية تحقق التحريم ؛ وقد عرفت ذلك في المسألة الثامنة عشر . وكذا الكلام في الأب النسبي لولد الأخ ، فإنه لا يحرم إلا لأجل |
عنوان الاُخوّة . وأما خالة الولد فتحريمها على الأب مما لا يتفوّه به أحد ؛ إذ لم يحصل الجمع بين الاُختين الذي هو مناط تحريم خالة الولد . نعم يصدق على المرضعة أنها اُمّ للمرتضع وخالته ، والجمع بين الاُختين محرّم هو أن يكون الشخص امرأتان يصدق على إحداهما : أنها اُمّ لولده ، وعلى الاُخرى : أنها خالة لولده ، لا أن تكون له امرأة واحدة يصدق عليها أنها اُمّ ولده وخالته . وقدحكي عن السيد الداماد الجزم بالتحريم في هذه الصورة (1) وهو بعيد . الرابعة : أن ترضع الزوجة المذكورة ولد ولدها ، ـ إبنا كان أو بنتا ـ ومثله ما لو أرضعت إحدى زوجيته ولد ولد الاُخرى . فيُقال هنا بتحريم المرضعة في الفرض الأول وضرّتها في الثاني على زوجهما ، من جهة صيرورتها جدّة ولدها ، وجدة الولد محرمة على الأب ؛ لأنّها إمّا اُمّ وإما اُمّ زوجة ، وكلتاهما محرمتان . والأقوى في هذه أيضا عدم التحريم ، كما نبّهنا عليه في المسألة الثامنة عشر : من أنّ اُصول المرتضع لا يحرمن على الفحل . ثم إنّ هذه المسألة اُولى المسائل الثلاث الخلافيّة التي ذكرها شيخنا المحقق (2) ـ أعني تحريم جدّات المرتضع على الفحل ـ وقد يستند التحريم في هذه المسألة مع كون المرتضع ولد بنت للفحل إلى صيرورة المرضعة اُمّا لولد |
إرضاع الزوجة ولد ولدها ، وإرضاع إحدى الزوجتين ولد ولد الاُخرى |
إرضاع الزوجة عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها توهم حرمة الزوجة في هذه الحالة ودفعه إرضاع الزوجة ولد عمها أو عمتها أو ولد خالها أو خالتها |
بنته ، و « اُمّ ولد البنت » من النسب محرمة ، لكونها بنتا ، فكذا تحرم من الرضاع . وفيه ما مرّ في المسألة الثانية . الخامسة : أن ترضع الزوجة المذكورة عمها أو عمتها . السادسة : أن ترضع خالها أو خالتها : فيُقال : إنّ الزوجة تصير بالإرضاع اُمّا لعمّها أو لعمتها أو خالها أو خالتها ، واُمّ عمّ الزوجة أو عمّتها أو خالها أو خالتها محرمة على الزوج ؛ لأنها جدّة الزوجة لأبيها أو لاُمّها ، أو أنّ الزوج يصير بإرضاع زوجته لهؤلاء أبا لهم من الرضاع ، وهذه الزوجة تحرم على أبيهم من النسب ، لأنه جدها ؛ فتحرم على أبيهم من الرضاع . ويظهر الجواب عن الوجهين بما مرّ مرارا ، فإنّ اُمّ عمومة الزوجة وخؤولتها إنما حرمت على الزوج من جهة الدخول في « اُمهات النساء » ولم يحصل هذا العنوان للمرضعة ؛ وكذا تحريم المرأة على أبي عمومتها أو خؤولتها لأجل كونه جدّا لها ، ولم يحصل عنوان « الجدودة » للفحل بالرضاع . واعلم أنّ هذه المسألة من فروع المسألة الاُولى ، لأنّ أخوات المرتضع إذا حرمت على الفحل من جهة كونهنّ كالأولاد له ، حرمت عليه أولادهنّ ، وهذه المرضعة تصير من أولاده الإخوة . وقد عرفت أنّ تلك المسألة من المسائل الخلافيّة ، فلا وجه لعدّ هذه المسألة مسألة اُخرى غير المسألة الاُولى ؛ كما لا وجه لعدّ كلتيهما خارجة عن المسائل الخلافيّة . السابعة : أن ترضع الزوجة المذكورة ولد عمّها أو عمّتها . الثامنة : أن ترضع ولد خالها أو خالتها : |
فيُقال في صورة إرضاع ولد العم أو الخال : إنّ الفحل يصير أبا لهذا الولد ، فيحرم على المرضعة ، لأنه إما أبو ولد عمّها ، أو أبو ولد خالها ، وكلاهما محرمان عليها ، لأنّ الأول عمّها والثاني خالها . وأما إرضاع الزوجة ولد خالتها أو عمّتها ، فلم أعثر فيه على ما يوجب توهّم التحريم فيه ، إلا إذا قلنا بحرمة الجمع بين المرأة وابنة أخيها أو اُختها مطلقا حتى مع إذنها ، وحينئذ فيجري فيه التوهم الذي جرى في المسألة الثالثة من إرضاع الزوجة ولد اُختها ، فراجع . وقد صرّح بعض مَن جزم بالنشر في صورة إرضاع ولد العم والخال بعدم النشر في إرضاع ولد العمة والخالة (1) ، ويظهر الكلام في فساد توهم الحرمة هنا مما مرّ مرارا . التاسعة : أن ترضع الزوجة المذكورة أخا الزوج أو اُخته : فيُقال : إنّ المرضعة صارت اُمّ أخيه لأبويه أو اُخته كذلك ، وهي محرّمة ، لكونها اُمّاً . وفيه أنّ حرمة اُمّ الأخ للأبوين في النسب لعلاقة الاُمومة بينهما ، ونظيرها لم يحصل بالرضاع ، وإنما حصل به « اُمومة الأخ » ولم يتعلّق التحريم بالنسب به . العاشرة : أن ترضع ولد ولد الزوج : فيقال : إنها صارت اُمّا لولد ولده ، واُم ولد الولد محرّمة ؛ لكونها إما بنتا ، وإما زوجة إبن . |
إرضاع الزوجة أخ الزوج أو اُخته
إرضاع الزوجة ولد ولد الزوج |
إرضاع الزوجة ولد أخ الزوج أو ولد اُخته
إرضاع الزوجة عم الزوج أو عمته أو خاله أو خالته |
وفيه : أنّ شيئا من عنواني « البنت » و « زوجة الإبن » لم يحصل بالرضاع ، مع أنّ حصول زوجيّة الإبن لا يجدي ، لأن الزوجية لا تثبت بالرضاع إجماعا . الحادية عشرة : أن ترضع ولد أخيه أو ولد اُخته : ولا يخفى أنّه ليس في إرضاع ولد الأخ ما يوجب التوهم ، لأنّ المرضعة لم تزد على أن صارت اُمّا لولد أخي زوجها (1) و « اُمّ ولد الأخ » ليس حراما على الشخص . نعم ، يُقال في فرض إرضاع ولد الاُخت : إنها تصير « اُمّ ولد الاُخت » وهي محرّمة ؛ لكونها اُختا . وفيه : أنّ « اُمّ ولد الاُخت » ليست محرمة إلا لعنوان الاُخوّة (2) الغير الحاصلة بالرضاع . الثانية عشرة : أن ترضع عمّ الزوج أو عمّته . الثالثة عشر : أن ترضع خال الزوج أو خالته : فيُقال : إنّ المرضعة حيث إنها صارت اُمّا لعمومة الزوج أو خؤولته ، حرمت عليه لكونها جدّة له . وفيه : ما مرّ غير مرّة ، وحاصله : أنّه لم يثبت من أدلّة إلحاق الرضاع بالنسب إلا أنّ الرضاع فرع النسب ، فكلّ علاقة حصلت |
بالرضاع إنما توجب الحرمة إذا كان نظيرها الحاصل بالنسب موجبا (1) للحرمة ، إذ لا يعقل أن تثبت الحرمة لأجل علاقة رضاعيّة لو فرض حصولها من النسب لم توجب التحريم ، لأن هذا منافٍ لفرعيّة الرضاع وأصالة النسب . فنقول في هذه الصورة ـ الثالثة عشر ـ : لم يحصل بالرضاع إلا علاقة الاُمومة بين المرضعة وعمومة الزوج أو خؤولته ، ونظيرها الحاصل بالنسب ليس موجبا للتحريم ، لأنّ الاُمّ النسبية للعمومة والخؤولة لا تحرم على الشخص من حيث اُمومتها لعمومته أو خؤولته ، بل من حيث علاقة جدودتها له ، فلا يحكم بالحرمة في الرضاع إلا إذا حصلت هذه العلاقة ، لا علاقة مستلزمة لها لا دخل لها في التحريم ولو حصلت من جهة النسب (2) كما مرّ مرارا ، فراجع . |