(41)
    ينقسم البيع في الفقه الإسلامي بلحاظ التأجيل وعدمه في الثمن والمثمن الى أربعة أقسام :
    1 ـ أن يكون الثمنان معجَّلين ، وهو المسمّى بالبيع النقدي أو ( يداً بيد ).
    2 ـ ان يكون الثمنان مؤجَّلين ، وهو المسمّى ببيع الدين بالدين او ( بيع الكالي بالكالي ).
    3 ـ ان يكون الثمن معجَّلاً ، والمبيع مؤجَّلاً ، وهو المسمّى ببيع السلم ( السلف ).
    وهذا البيع مستثنى من عدم صحَّة بيع ما ليس عندك.
    4 ـ أن يكون المبيع معجّلاً ، والثمن مؤجّلاً وهو المسمّى ببيع النسيئة ، او بيع التقسيط وهو محلُّ كلامنا الآن.
    نقول : كلُّ هذه الأقسام صحيحة في الفقه الإسلامي إلاّ القسم الثاني وهو بيع الدَّين بالدَّين حيث ورد النهي عن هذا البيع.

بيع التقسيط :
هو مصداق من مصاديق بيع النسيئة ، حيث يعجَّل فيه المبيع ويؤجَّل فيه الثمن كلُّه او بعضه على أقساط معلومة ( متساوية المبلغ أوْلا ) ، لآجال معلومة


(42)
( منتظمة المدة ، أوْلا ).
    وليس هذا البيع هو الجديد الذي لم يُعرف حكمه كما ادُّعي ذلك من قبل البعض ، بل قد ذكره فقهاء الإمامية على أنه من مصاديق بيع النسيئة ، فقد ذكر صاحب الجواهر ( قدس سره ) ( المتوفى 1266 هـ ) قال : « إن اشترط التأجيل للثمن جميعه او بعضه ولو نجوماً متعددة صحّ إجماعا بقسميه ونصوصاً ( عموماً وخصوصاً ) في البعض وهو المسمى بالنسيئة ، من غير فرق بين طول المدة وقصرها ، خلافاً للاسكافي فمنع فيما حكي عنه أكثر من ثلاث سنين في السلف وغيره » (1).

أهميته :
    قد انتشر هذا البيع في الأزمنة الأخيرة بصورة واسعة ، لفائدته التي تعود للبائع حيث إنه يزيد من مبيعاته حتى على من ليس عنده النقد المالي ، فيبيعه الى أجل. وهو مفيد للمشتري أيضا حيث يمكنه من الحصول على السلعة مع أن دخله الشهري لا يسمح له بابتياعها بالنقد ، فبدلاً من أن يدخر فيشتري بعد ذلك ، أخذ الفرد يشتري ويستمتع بالسلعة ثم يدّخر للوفاء ، وبهذا تمكن الفرد أن يستمتع بالحاجات قبل أن يمكِّنه دخله الشهري من شرائها بالنقد.
    وبعد أن عرفنا معنى بيع التقسيط واهميته نريد أن نبحث في نقطتين :
    النقطة الاولى : ما هو الدليل على صحة بيع النسيئة ( التقسيط ) ؟.
    النقطة الثانية : إذا كان بيع التقسيط صحيحاً ، فكيف نفسر التأجيل الذي فيه مع زيادة الثمن لأجل هذا التأجيل ، كما ذكر الفقهاء ، وكيف نفرّق بين هذا الذي هو حلال وبين التأجيل الذي تكون فيه الزيادة محرمة ؟
     (1) جواهرالكلام في شرح شرائع الاسلام ، لشيخ الطائفة صاحب الجواهر ، ج 23 ، ص 99.
(43)
النقطة الاُولى : ما هو الدليل على صحة بيع النسيئة ؟
    نقول : لقد وردت الروايات عن أهل البيت ( عليهم السلام ) في جواز هذا البيع ، وقد اتفقت الإمامية على صحته. نعم الإسكافي خالف في طول المدة ، إذ منع من صحة البيع نسيئة لأكثر من ثلاث سنين (1) ، وله روايات يستند اليها ، إلاّ أنها محمولة على الإرشاد. فمن النصوص الخاصة الدالة على الصحة : 1 ـ موثق عمار بن موسى الساباطي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثم افترقا ، فقال ( عليه السلام ) : وجب البيع والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد » (2) ومفهوم هذا الحديث يدل على أنهما اذا اشترطا أن يتأخّر الثمن فهو ليس بنقد وهو معنى النسيئة ، او إذا اشترطا أن يتأخر المثمن فهو معنى بيع السلم.
    2 ـ صحيح هشام بن الحكم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « في رجل يشتري المتاع الى أجل قال ( عليه السلام ) : ليس له أن يبيعه مرابحة إلاّ الى الأجل الذي اشتراه إليه ، وإن باعه مرابحة فلم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك » (3). وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن بيع النسيئة كان مفروغاً من صحته في ذلك الوقت ، وإنما أخَذَ الإمام ( عليه السلام ) يبين حكماً آخر وهو عبارة عن أن الذي اشتراه نسيئة لا يجوز له أن يبيعه مرابحة إلاّ بذكر الأجل الذي اشترى به. وهناك روايات اُخر تدل على صحة هذا البيع أعرضنا عن ذكرها لكفاية ما تقدم مع وجود الإتفاق من الإمامية على صحة هذا البيع فلا نطيل ، بالاضافة الى وجود العمومات الدالّة على صحة هذا البيع مثل ( أفوا بالعقود ) و ( أحل الله البيع ) ، إذا لا إشكال في
     (1) المصدر السابق.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 1 من احكام العقود/ ح 2.
     (3) الكافي للكليني ، ج 5 ، ص 208.

(44)
صدق البيع على بيع النسيئة ، فيجب الوفاء به وهو معنى صحته ، وهو حلال بمنطوق آية ( احلّ الله البيع ). ثم إن من نافلة القول التلويح إلى أن الأجل ينبغى أن يكون معلوماً بحيث لا يتطرق إليه احتمال الزيادة او النقيصة ، كما إذا قلنا إن موعد الإستحقاق يكون في الشهر التاسع من سنة 1990 م ، أو أن الثمن اقساط معينة يستحق كل قسط معين القدر في أول الشهر الميلادي او الهجري ، أما إذا لم يكن الأجل معلوماً للمتعاقديْن فيبطل العقد للجهالة التي تستتبع غرراً في الثمن.

مصاديق بيع النسيئة :
    نذكر هنا ثلاثة مصاديق لبيع النسيئة لنعرف ما هو حكمها :
    1 ـ قد يحصل بيع النسيئة في الخارج على سلعة بنفس القيمة التي تباع بها حالاًّ ، وهذا البيع صحيح بلا إشكال ، وهو مستحب للبائع لما فيه من إعانة المشتري على شراء حاجته من دون زيادة لقاء الأجل.
    2 ـ وقد يحصل البيع نسيئة ، ولكن على ثمن هو أكبر من ( قيمة السلعة نقداً ) كما إذا كانت السلعة تباع نقداً بدينار ، ونسيئة الى شهر بدينار ودرهم ، فهنا قد ذكرت الروايات صحة هذا البيع إذا وقع على الدينار والدرهم ، كأن يقول المشتري اشتريت نسيئة بدينار ودرهم ، فيقبل البائع ، او بالعكس. ومن الروايات الدالّة على صحة هذا البيع صحيحة محمد بن قيس عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : قال في ذيلها : « قال اميرالمؤمنين ( عليه السلام )... من ساوم بثمنين أحدهما عاجلاً والآخر نظرة ، فليسمِّ أحدهما قبل الصفقة » (1).
    3 ـ قد يحصل البيع نسيئة ، بأن يقول : بعتك هذه السلعة بدرهم نقداً ، وبدرهمين الى شهرين وبثلاثة الى ثلاثة أشهر ، فيأخذ المشتري السلعة من دون تعيين البيع على احد هذه المحتملات ، وكذا لم يعيِّنه البائع ، ففي هذه الصورة قالوا
     (1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 2 من احكام العقود ، ح 1.
(45)
ببطلان البيع ، وقد ذكروا أدلَّة للبطلان ، منها :
    أ ـ إن العقد باطل : لوجود الإبهام الناشىء من الترديد القاضي بعدم وقوع الملك حال العقد على أحد الاُمور بالخصوص ، وهذا ينافي اقتضاء العقد وسببيته الى أحد الاُمور ، اما النقد ، او النسيئة الى الاجل الاول ، او النسيئة الى الأجل الثاني بالثمن الثالث. ولكن لنا أن نقول : لا يوجد هنا جهالة ولا غرر ، حيث إن الثمن معلوم (1) ، نعم الزيادة وقعت في مقابلة التأخير على وجه الشرط فتفسر الزيادة ، وهذا لا يؤدي الى بطلان العقد. ومما يؤيد الحكم بالصحة حكمهم بصحة الإجارة لو قلت له : خط هذا الثوب اليوم بدينار وبنصف دينار إن خطته في غد ( مع اشتراك الإجارة والبيع في اعتبار عدم الغرر والجهالة ) ، فالصحة هنا كما ذكر غير واحد تكون مؤيداً للقول بعدم وجود غرر ولا جهالة. وكذا الامر اذا قلت له : إن خطته فارسياً فلك دينار ، وإن خطته رومياً فلك نصف دينار. وقَبِلَ المستأجر الامر على الترديد ، فقالوا بصحة الإجارة وما ذاك إلاّ لعدم الضرر ولعدم الجهالة.
    ب ـ ذكروا دليلاً ثانياً على بطلان هذا العقد وهو الروايات التي رويت عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وهي تنهى عن بيعين في بيع ، او عن شرطين في بيع. كموثقة عمار الساباطي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في حديث : « أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعث رجلاً الى أهل مكة وأمرهم أن ينهاهم عن شرطين في بيع » (2). وعن سليمان بن صالح عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع وعن بيع ما ليس عندك وعن ربح مالم يضمن » (3) وقد فسر هذان الحديثان بما نحن فيه او بما يشمله حيث : « روى أحمد بسند رجال ثقات ، عن ابن
     (1) حيث إن العُرف يرى أن الثمن غير مجهول كما اذا قلتُ لك : إن سعر هذه الآنية دولار او مئة تومان ، فالثمن محدد إلاّ أنه غير مشخَّص في اي الفردين ، وهذا ليس بجهالة تمنع من صحة البيع.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 2 من احكام العقود ، ح 3.
     (3) نيل الاوطار 5/172 ، وعون المعبود ، 333 ـ عن البيع بالتقسيط د.علي السالوس ، ص1.

(46)
مسعود قال :« نهى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن صفقتين في صفقة ». قال سماك ـ راوي الحديث ـ هو الرجل يبيع البيع فيقول : هو بنسأ بكذا ، وهو بنقد بكذا وكذا. وقال الشافعي وأحمد في تفسير هذا : بأن يقول بعتك بألف نقداً أو ألفين الى سنة ، فخذ أيهما شئت أنت وشئت انا » (1).
    ولكن هناك روايات تقول بأنَّ البيع صحيح ويكون للبائع أقل الثمنين الى أبعد الأجلين ، فمن الروايات :
    1 ـ صحيحة محمد بن قيس عن الباقر ( عليه السلام ) انه قال : « قال اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) من باع سلعة فقال : إن ثمنها كذا وكذا يداً بيد ، وثمنها كذا وكذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت واجعل صفقتها واحدة ، فليس له إلاّ أقلهما وإن كانت نظرة » (2).
    2 ـ رواية السكوني عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه عن آبائه ( عليهم السلام ) « ان علياً ( عليه السلام ) قضى في رجل باع بيعاً واشترط شرطين بالنقد كذا وبالنسيئة كذا ، فاخذ المتاع على ذلك الشرط فقال ( عليه السلام ) هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين » (3). وواضح أن هاتين الروايتين تقولان بصحة البيع على أقل الثمنين الى أبعد الأجلين ، بينما الروايات المتقدمة التي تنهى عن بيعين في بيع استدلوا بها على بطلان البيع ، فما هو الحل ؟
    نقول : لا منافاة بين الادلة الناهية عن هذا البيع ، والادلة التي تقول بصحته بأقل الثمنين الى أبعد الأجلين وذلك : فإنَّ ما نفهمه من النهي هو حرمة هذا العمل ( نقداً بكذا ونسيئة بكذا ) إذا صدر من البائع ولم يقع البيع على احدهما لانه عبارة عن كون الزيادة في مقابل الاجل ، ويحرم على المشتري ايضاً قبولها لنفس السبب ،
     (1) المصدر السابق.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 2 من احكام العقود ، ح 1.
     (3) المصدر السابق ، ح 2.

(47)
وبعبارة اخرى كأن البائع يقول : إذا سددت المبلغ الآن فهو بدرهم ، وإن سددته بعد شهر فهو بدرهمين ، فيكون درهم واحد في مقابل الإنساء ( الأجل ) ، وإن سددت المبلغ بعد شهرين فلابد من اعطاء درهمين في مقابل الأجل ، وهذا هو حقيقة الربا الجاهلي الذي هو عبارة عن « أتقضي ام تربي » او « أنظرني أزدك » وهو عمل حرام من قبل البائع ويحرم على المشتري قبوله ، أما إنّ العقد ـ بعد أن حرمت هذه العملية ـ فهل هو باطل ام لا ؟ فلا تقول الروايات الناهية بذلك ، وحينئذ تأتي الروايات القائلة للبائع أقل الثمنين الى أبعد الأجلين فتقول : إن البيع صحيح على أن يأخذ البائع أقل الثمنين الى أبعد الأجلين ، وهذا هو مورد التعبد بالروايات فتكون ملزمة للطرفين. ومعنى ان هذا هو مورد التعبد بالروايات ، هو ان القاعدة تقول : إن حِلّ المال الآخرين متوقف على الرضا وطيب النفس ، اما الاكل والتصرف في المال لا عن تراض هو اكل للمال بالباطل فلا يجوز ، ولكن في هذه الصورة حَكَمَ الشارع بأنَّ البائع القائل ( نقداً بكذا ونسيئة بكذا ) نلزمه بان يكون له اقل الثمنين لأبعد الاجلين ، وهذا لم يرض به ، ولم تقع المعاملة عليه ، فإذا الزمناه به كان هذا على وفق تخصيص هذه القاعدة ( لا يحل مال المسلم إلاّ بطيب نفسه ورضاه ) بغير هذه الصورة. او نقول : إن الروايات تقول : اذا وقع العقد على نحو الترديد ، وقبل المشتري العقد على هذا الوجه ، وانتهت المدة ، « فبما أن شرط الزيادة في مقابل الأجل باطلة ، لم يبق إلاّ استحقاق البائع الأقل ، وبما أنه لم يقبضه قبل الآن فالآن له حق أخذ الاقل عند انتهاء أبعد الأجلين » وهذا القول لا يلزم البائع بالاقل عند عدم انتهاء ابعد الأجلين ، بينما القول الاول يلزمه كما هو ظاهر الروايات
الخلاصة :
    1 ـ إن ادلة النهي عن اشتراط هذا الشرط ( نقداً بكذا ونسيئة بكذا ) تدل على أن هذا الشرط في هذا البيع حرام ، ويحرم قبوله من قبل المشتري ايضاً ، إلاّ أن هذه الروايات لا تقول إن البيع فاسد.


(48)
2 ـ لو صدر هذا الشرط في المعاملة ( الذي هو حرام ) وقد قُبِلَ من قِبَلِ المشتري على وجه الترديد ، فهنا تأتي الروايتان القائلتان إن البيع صحيح على هذه الكيفية ( أقل الثمنين لأبعد الاجلين ) ، اذن لا منافاة بين الروايات.
    3 ـ اما اذا صدر هذا الشرط من البائع ، وقد قبل المشتري احدهما على وجه التعيين ، فهذا خارج عن محل النزاع وعن مضمون الروايتين ، ونحتمل هنا صحة العقد لشمول الاطلاقات (1) لهذا الفرد.

النقطة الثانية : كيف نفسر التأجيل في بيع النسيئة مع الزيادة ؟
    قد يقال : إن الزيادة التي حصلت في بيع النسيئة كما عرفنا ذلك في المصداق الثاني لبيع النسيئة هي من أجلِ الأَجل فهي محرمة ، لعدم الفرق بينها وبين الزيادة في الأجل في عقد القرض. وهذه الشبهة اخذت تجري مجرى الماء في كتابات بعض علماء العامة ، فقد ذكر بعض تحريمها ، وذكر البعض تحليلها وكل ذلك له ادلة ، مع اننا لا نرى اصل الشبهة واردة ، وتوضيح ذلك : إن الأجل الذي حصل في بيع النسيئة لم يكن في مقابله مال حتى تأتي الشبهة وتقول ( إن المال إذا صار في مقابلة الأجل فهو حرام او شبيه بالزيادة في مقابلة الأجل في عقد القرض ولابد من تحريمه سداً لذريعة الربا وما شاكل ذلك من كلام ) ، بل إن الاجل في بيع النسيئة كان داعياً لزيادة ثمن السلعة وما أكثر الدواعي لإرتفاع الثمن ، فمثلاً قد يكون قلة السلعة في السوق بنسبة لا تساوي الطلب الذي عليها يكون داعياً لزيادة ثمنها في الحالات المتعارفة ، كما ان عدم سقوط الامطار في الفصول المتوقع سقوط المطر فيها يكون داعياً لزيادة سعر الحاجيات المتوقف زيادتها او انتاجها على سقوط الامطار. وإذا ثبت أن زيادة الثمن في بيع النسيئة كان الداعي له هو الأجل ، فهذا يختلف اختلافاً
     (1) ( احل الله البيع ) و ( أوفوا بالعقود ).
(49)
أساسياً عن قولنا إن الزيادة هي في مقابل الأجل ، بل يكون قولنا ( في بيع النسيئة ان الزيادة في مقابل الأجل ) تسامحاً من قبل العلماء ، بل الصحيح في بيع النسيئة هو أنَّ الثمن كله قد وقع في مقابل السلعة ، وكان الأجل داعياً لزيادة الثمن.
    اذن لا أساس للشبهة هنا ، حيث إن الشبهة مبنية على قولنا إن الزيادة في بيع النسيئة هي في مقابل الأجل ، وقد اتضح أن الأمر ليس كذلك فلا شبهة أصلاً ، ولا مبرر للقول بأنَّ بيع النسيئة يشبه الزيادة في القرض من اجْلِ الأَجل الذي هو محرم ، إذ كما عرفنا أن بينهما بون شاسع. ثم لو تنزلنا وقلنا إن الشبهة واردة ، وهي : « إنَّ حصول الزيادة في بيع النسيئة هو في مقابل الأجل » إلاّ أننا نقول كما قال البعض : إنه لم يثبت بنحو القاعدة الكلية أن جعل الثمن في مقابل الاجل حرام. نعم ثبت في بعض الموارد فنلتزم بها ، كالثمن في مقابل الاجل في القرض ، وكالزيادة في مقابل الأجل في بيع المتجانسين وبيع الصرف.

الشراء نسيئة ( مع قدرته على الشراء نقداً ) هل هو مكروه ؟
    نتكلم اولاً في كراهة القرض من الغير ( مع عدم احتياجه الى القرض ) ، واما مع ضرورة الفرد الى القرض فلا كراهة في الامر ، فقد وردت الروايات الكثيرة الدالة على كراهة القرض مع عدم الحاجة اليه فمنها ما روي عن أبي الحسن الليثي عن جعفر بن محمد ( الإمام الصادق ( عليه السلام ) ) عن آبائه ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « الدَين راية الله عزوجل في الارضين ، فاذا أراد أن يذل عبداً وضعه في عنقه » (1). ولكن اذا كان الدَين لضرورة فلا كراهة في الامر ، ففي صحيحة معاوية بن وهب قال قلت للإمام الصادق ( عليه السلام ) : « ... أن رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران دَيناً ، فلم يصلِّ عليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : صلُّوا على صاحبكم ، حتى ضمنهما عنه
     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 1 من ابواب الدين ، ح 10.
(50)
بعض قرابته فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) ذلك الحق ، ثم قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انما فعل ذلك ليتعضوا ( ليتعاطوا ) وليرد بعضهم على بعض ولئلا يستخفوا بالدَين ، وقد مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليه دَين ، وقُتِل اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) وعليه دَين ، ومات الحسن ( عليه السلام ) وعليه دَين ، وقتل الحسين ( عليه السلام ) وعليه دَين » (1).
    هذا كله في القرض ، اما الشراء نسيئة مع قدرته على الشراء نقداً فليس بمكروه ، حيث لا يوجد نص خاص ولا يدخل تحت عنوان ان يكون للبائع منَّة على المشتري فيما اذا باع نسيئة بأكثر من الثمن الحال ( كما هو الغالب ) ، وحتى اذا دخل بيع النسيئة تحت هذا العنوان ( المنّة من البائع على المشتري ) بأنْ باع البائع سلعته نسيئة بقدر الثمن الحال ، ولكن هذا لوحده لا يوجب أن يكون العمل من جانب المشتري مكروهاً ، حيث إن المكروه هو ما يبغضه الله سبحانه بغضاً خفيفاً لم يصل الى حد الحرمة ، ومجرد حصول منّة ـ في البيع للبائع على المشتري ـ لا يوجب هذه الحزازة في الفعل من جانب المشتري ، نعم يكون الفعل مستحباً من قبل البائع وهذا تقدَّم.

الفروق بين بيع النسيئة وغيره من البيوعات :
    ولأجل ان يتضح بيع النسيئة بصورة أوضح ، سوف نذكر الفرق بينه وبين غيره من البيوعات التي يمكن أن يشتبه بيع النسيئة بها ، وبذلك يشتبه علينا حكم بيع النسيئة لاشتباه الحكم في غيرها فنقول :

1 ـ هل يوجد فرق بين بيع النسيئة وبيع المرابحة للآمر بالشراء ؟
    نقول : قد يبيع الإنسان سلعته الى المشتري بثمن مؤجل ( بأكثر من قيمتها نقداً ) وهذا هو بيع النسيئة. وقد يبيع البائع نقداً ، ولكن يلجأ المشتري الى البنك
     (1) المصدر السابق : ج2 من ابواب الدين ، ح 1.