وأمّا الأراك فهو ليس حدّاً لعَرَفَة ، كما هو واضح.
وجوه الجبال المحيطة بعَرَفَات داخلة في الموقف :
قد يقال : إنّ الجبال المحيطة بعرفات بما أنّها حدّ لعرفات فهي خارجةٌ عن الحدود
، فلا يجوز الوقوف بها ، مثلها مثل الحدود التي ذكرت في الرواية لعرفة فإنّها
خارجةٌ عن الحدود.
ولكن نقول : إنّ الروايات التي ذكرت حدود عَرَفَة مثل ( نَمِرَة وعُرَنة
وثَويَّة وذي المجاز والأراك ) قد صرّحت بخروجها عن عَرَفَة ; للنهي الذي ورد في
الوقوف بها أو الأمر بالاتّقاء.
أمّا الجبال المحيطة بعرَفَة فالمفهوم الارتكازي أنّ واجهاتها من عَرَفَة ،
بالإضافة إلى وجود القرائن الكثيرة الدالّة على دخول واجهات الجبال في عرفة ، منها
:
1 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : « سألت الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السلام )
عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض ؟ فقال : على الأرض » (1).
وواضح أنّ فوق الجبل يكون محبوباً إليه ، إلاّ أنّ الأرض أحبّ إليه ، وهو معنى
الجواز.
2 ـ صحيح معاوية بن عمّار ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في حديث قال : «
وحدّ عَرَفَة من بطن عُرَنَة وثَويَّة ونَمِرَة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف
» (2). ومراده خلف الجبل الذي يكون وجهه إلى عرفات ، وهو يشمل كلّ ما يكون خلفه
حتّى جهته التي تكون إلى عرفات.
(1) الوسائل : ج10 ، الباب 10 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ، ح5.
(2) المصدر السابق ، ح1.
(22)
3 ـ استحباب الوقوف في ميسرة الجبل : ومعنى ذلك ـ على أكثر تقدير ـ كراهة الوقوف
على واجهة الجبل وهو معنى الجواز ، فقد روى معاوية بن عمّار في الصحيح عن الإمام
الصادق ( عليه السلام ) قال : « قف في ميسرة الجبل ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) وقف بعرفات في ميسرة الجبل ، فلمّا وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون
إلى جانبه ، فنحّاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيّها الناس ، إنّه ليس موضع أخفاف
ناقتي الموقف ، ولكن هذا كلّه موقف ، وأشار بيده إلى الموقف » (1).
4 ـ عدم وجود أيّ رواية ولو ضعيفة في النهي عن الصعود على واجهة الجبال ، سواء
كانت في عَرَفَة أو المُزْدَلِفة أو منى ، وما ذاك إلاّ لأوضحيّة جواز الوقوف عليها
ودخولها في الحدّ.
5 ـ ما قاله الماوردي عن الشافعي : « حيث وقف الناس من عرفات في جوانبها
ونواحيها وجبالها وسهولها وبطاحها وأوديتها ... إلخ » فإنّ هذا الكلام إذا ثبت
تتمّ دليليّته بعدم الردع من قبل الإمام ( عليه السلام ).
فتبيّن من هذه الأدلّة إجزاء الوقوف على واجهة الجبل المطلّة على عرفات أو منى
أو مزدلفة على كراهيّة فيها.
ثانياً : حدود المزدلفة
ويقال لها : جُمَع ( كما في بعض مناسك الحجّ ). ويقال لها : المشعر الحرام ، أو
المشعر اختصاراً ، أخذاً بقوله تعالى : ( فإذا أفَضْتُمْ مِنْ عَرَفات فاذْكُروا
الله عِنْدَ المَشْعَرِ الحرام ) ولكن يُطلق المشعر على نفس المسجد القائم في
المزدلفة ، ويؤيّده العنديّة المذكورة في الآية ، كما يطلق على جبل قُزَح أيضاً ،
فقد ورد استحباب وطئ
(1) المصدر السابق : الباب 11 ، ح1.
(23)
الصرورة المَشْعَر برجله.
فقد حُكي عن الشهيد الأوّل في الدروس : « والظاهر أنّه المسجد الموجود الآن » ،
وورد استحباب الصعود على قُزَح ( بضمّ القاف وفتح الزاي المعجمة ) ، قال الشيخ
الطوسي ( رحمه الله ) : « هو المشعر الحرام ، وهو جبلٌ هناك يستحبّ الصعود عليه وذكر
الله عليه » (1).
وعلى هذا الذي تقدّم يكون إطلاق المشعر على المزدلفة كلّها إطلاقاً مجازيّاً من
باب تسمية الشيء باسم الجزء.
وأمّا جُمَع التي ضُبِطَت في بعض مناسك الحجّ بضمّ الجيم وفتح الميم ، فقد
ضُبِطَت عند الجغرافيّين والبلدانيين وأهل اللغة والمعاجم ، بفتح الجيم وسكون الميم
، فقد قال الشريف الرضي :
اُحِبُّكَ ما أقامَ منى وجَمْع
وما أرسى بمكّة أخشباها
وقد سمّيت بذلك لاجتماع الحجّاج فيها بعد الإفاضة من عرفات.
وأمّا تسميتها بالمزدلفة : وبدون أل على صيغة اسم الفاعل على زِنَة ( مُفْتَعِل
) فقد جاءت هذه التسمية من الازدلاف بمعنى التقدّم والإفاضة كما جاء في حديث معاوية
بن عمّار ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « وإنّما سُمّيت مزدلفة
لأنّهم ازدلفوا إليها من عرفات » (2). ومقتضى مفاد هذا الحديث أن يكون لفظها
بصيغة اسم المفعول ( مزدلَفة ) بفتح اللام لأنّها اسم مكان.
وأمّا حدود المزلفة : فقد ذكرت الروايات حدود المزدلفة « بما بين المأزمين إلى
الحياض إلى وادي محسِّر » (3).
وفي صحيح زرارة عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « حدُّها ما بين المأزمين
إلى
(1) شرح اللمعة الدمشقيّة : ج2 ، ص276.
(2) الوسائل : ج10 ، الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح5.
(3) المصدر السابق ، ح1.
(24)
الجبل إلى حياض محسِّر » (1).
وقال الصادق ( عليه السلام ) في خبر أبي بصير : « حدّ المزدلفة من وادي محسِّر إلى
المأزمين » (2).
وفي خبر إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) : قال : « سألته عن حدّ
جَمْع ؟ قال : ما بين المأزمين إلى وادي محسِّر » (3).
وفي صحيحة الحلبي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في حديث قال : « ولا تجاوز
الحياض ليلة المزدلفة » (4).
شرح الحدود :
1 ـ المأزمان ـ بكسر الزاء وبالهمز ، ويجوز التخفيف بالقلب ألفاً ـ ، وهما جبلان
بينهما مضيق يدلف إلى عرفات ، وهو حدّ المزدلفة من الشرق ، فقد ذكر الجوهري : « أنّ
المأزم كلّ طريق ضيّق بين جبلَين ، ومنه سمّي الموضع الذي بين جمع وعرفة مأزمَين ».
وفي القاموس : « المأزم ، ويقال له : المأزمان مضيق بين جمع وعرفة ، وآخر بين
مكّة ومنى ». وظاهرهما : أنّ المأزم اسمٌ لموضع مخصوص وإن كان بلفظ التثنية.2
ـ حياض مُحَسِّر ( وادي محسِّر ) : محسِّر ـ بضمّ الميم وفتح الحاء المهملة وكسر
السين المهملة وتشديدها ـ على زِنَة اسم الفاعل.
قال البلادي : « محسِّر : واد صغير يمرّ بين منى ومزدلفة وليس منها ، يأخذ من
سفوح ثبير إلى الأثبرة الشرقيّة ، ويدفع إلى عرفة مارّاً بالحسينيّة ، ليس به
(1) المصدر السابق ، ح2.
(2) المصدر السابق ، ح4.
(3) المصدر السابق ، ح5.
(4) المصدر السابق ، ح3.
(25)
زراعة ولا عمران ، والمعروف منه ما يمرّ فيه الحاجّ على طريق بين منى ومزدلفة ،
وله علامات هناك منصوبة » (1).
وقال ابن خميس في مجازه : « ومحسِّر : واد يُقبل من الشمال إلى الجنوب من فج
يفصل بين منى وجبالها وبين مزدلفة وجبالها ، وهو منخفض يسيل عليه ما والاه منهما ،
وما يسيل من منى أكثر ، وعرض وادي محسِّر خمسمئة وأربعون ذراعاً » (2) ، أي ما يساوي
( 270 ) متراً تقريباً.
وذكر في وجه تسميته بمحسِّر من التحسير ، أي الإيقاع في الحسرة ، أو الإعياء ،
سُمّي به لأنّه قيل : إنّ أبرهة أوقع أصحابه في الحسرة أو الإعياء لمّا جهدوا أن
يتوجّه إلى الكعبة فلم يفعل » (3).
ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من الحياض هي وادي محسِّر ، لا أنّه مكانٌ آخرٌ من
المزدلفة ، وأنّ الحياض جمع حوض وهو الوادي الذي قد يكون فيه مجموعة حياض ، وقد تقدّم من الروايات التعبير ( بحياض محسِّر ) فيكون التعبير بوادي محسِّر بعد كلمة «
الحياض » في بعض الروايات لبيان معنى الحياض.
ووادي محسِّر هو حدود مزدلفة من ناحية الغرب ، فضفّة وادي محسِّر الشرقيّة هي
الحدّ الفاصل بين مزدلفة ومنى.
أقول : هذا التحديد الذي ذُكر هو تحديد للمزدلفة من ناحية طولها.
أمّا تحديد مزدلفة العرضي فيوجد جبلان كبيران مطلاّن على المزدلفة : أحدهما من
الجهة الشماليّة يقال له جبل المزدلفة ، والآخر من الجهة الجنوبيّة ، وقد ذكرتهما
صحيحة زرارة المتقدّمة عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) بقولها : « إلى الجبل » ،
والمراد به جنس الجبل هناك فيشمل الشمال والجنوب.
(1) معجم معالم الحجاز ، البلادي : ج8 ، ص42.
(2) المجاز لابن خميس : ص301.
(3) جواهر الكلام : ج19 ، ص21.
(26)
إذن تبيّن أنّ ما بين حدَّي مزدلفة طولا وما بين حدَّيها عرضاً من الشعاب
والهضاب والقلاع والروابي ووجوه الجبال كلّها تابعةٌ لمشعر مزدلفة وداخلةٌ في
حدودها ، فعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « ووقف النبيّ ( صلى الله عليه
وآله ) بجمع ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته ، فأهوى بيده وهو واقفٌ فقال : إنّي
وقفت ، وكلّ هذا موقف » (1).
وعلى هذا التحديد لمزدلفة فلا يجوز الوقوف في المأزمَين وقبلها إلى عرفات ، ولا
في وادي محسِّر وبعده إلى منى ، فإنّ هذه الحدود ليست من مزدلفة ، فلا يجزي الوقوف
فيها ، وقد ورد في صحيح هشام بن الحكم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال في حديث :
« ولا تجاوز وادي محسِّر حتّى تطلع الشمس » (2).
وصحيح الحلبي ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال في حديث : « ولا تجاوز
الحياض في ليلة المزدلفة » (3).
وقد جوّزت الروايات الارتفاع إلى المأزمَين الذي هو حدّ لمزدلفة خارجٌ عن
المحدود عند الضرورة ; لازدحام الناس وضيق مزدلفة عليهم ، فقد روى سماعة في الموثّق
قال ، قلت للإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف
يصنعون ؟ قال : يرتفعون إلى المأزمَين » (4).
ثالثاً : حدود مِنى
منى : ـ بكسر الميم والتنوين ـ ، سُمّيت بذلك لما يُمنى فيها من الدماء.
(1) الوسائل : ج10 ، الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح7.
(2) المصدر السابق ، الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح2.
(3) المصدر السابق ، الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح3.
(4) المصدر السابق ، الباب 9 من أبواب الوقوف بالمشعر ، ح1.
(27)
وقيل : إنّها سُمّيت لما يُمنى فيها من الدعاء.
وقيل : لِما رُويَ عن ابن عبّاس : « أنّ جبرئيل ( عليه السلام ) لمّا أراد أن
يُفارق آدم ( عليه السلام ) قال له : تَمَنَّ ، قال : أتَمنَّى الجنَّة ،
فُسُمِّيت بذلك لاُمنيته » (1).
وقيل : « سميت منى لأنّ جبرئيل أتى إبراهيم ( عليه السلام ) فقال له : تمنَّ على
ربِّك ما شئت ». فسُمِّيَت مِنى ، واصطلح عليها الناس ، وفي الحديث : « أنّ
إبراهيم تمنّى هناك أن يجعل الله مكان ابنه كبشاً يأمره بذبحه فديةً له » (2).
فأعطاه الله مُناه.
وقد اتّفقت الروايات على أنّ حدّ مِنى من جهة الطول من العقبة إلى
وادي محسِّر ( على صيغة اسم الفاعل ) ، فقد ذكر في صحيح معاوية ، عن أبي بصير ، عن
الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « حدّ منى من العقبة إلى وادي محسِّر » (3).
وجمرة العقبة هي حدّ منى من جهة مكّة ، ووادي محسِّر حدّها من جهة مزدلفة ، وهذا
الحدّ قد ذكره المؤرّخون والجغرافيّون أيضاً.
فقد قال الأزرقي في أخبار مكّة بسنده عن ابن جريح : « قال : قُلت لعطاء ابن أبي
رباح أين مِنى ؟ قال : من العقبة إلى محسِّر ، قال عطاء : فلا أحبّ أن ينزل أحد
إلاّ فيما بين العقبة ومحسِّر ... » (4).
أقول : هذا الذي تقدّم هو حدّ لمِنى من ناحية الطول ، أمّا حدّها من ناحية العرض
فهو ما بين الجبَلَين الكبيريَن بامتدادهما من العقبة حتّى وادي محسِّر ، وقد ذكر
الفاسي في شفاء الغرام : « أنّ ما أقبل على مِنى من الجبال المحيطة بها من كِلا
جانبَيها فهو منها ، وما أدبر من الجبال فليس منها » (5).
(1) جواهر الكلام : ج19 ، ص100.
(2) راجع مجمع البحرين ، مادّة مِنى.
(3) الوسائل : ج10 ، الباب 6 من أبواب إحرام الحجّ ، ح3.
(4) مجلّة العرب ، السنة الثامنة : ج1 ، ص78 ـ 80 ، عن هداية السالكين : ص164.
(5) المصدر السابق ، عن هداية السالكين : ص163.
(28)
وقد قال النووي في المجموع : « واعلم أنّ منى شِعبٌ ممدودٌ بين جبلَينَ : أحدهما
ثبير ، والآخر الصابح قال الأصحاب : ما أقبل على مِنى من الجبال فهو منها ، وما
أدبر فليس منها » (1).
أقول : كأنَّ مِنى لا تحتاج إلى أن تحدّد من ناحية العرض ; لوجود هذَين الجبلَين
الكبيرين المفروض أنّهما حدٌّ للمنطقة ، فكأنّ السؤال في الروايات عن حدٍّ خاصٍّ من
ناحية مكّة ومزدلفة فذكرته الروايات.
العقبة هل هي من مِنى ؟
الجواب : بقرينة اتّفاقهم على أنّ ( محسِّراً ) ليس من مِنى ، وإنّما هو حدّ لها
فكذلك العقبة ، لاقترانها هي الأُخرى بأداة التحديد وهي ( من ) ، ولكن حكى عن بعض
الفقهاء : أنّ العقبة من مِنى وليست حدّاً لها.
وسُمّيت بالعقبة لأنّها مدخل مِنى من الغرب ، وسُمّيت الجمرة هنا بجمرة العقبة.
مشكلة الذبح :
وعلى ما تقدّم من حدود مِنى تواجهنا مشكلة حاليّة بناءً على ما اتّفقت عليه
الإماميّة من وجوب الذبح في مِنى ، لأنّ المذبح الذي أوجدته الحكومة السعودية يكون
خارج مِنى حسب العلامات التي نصبت هناك ، وتمنع الحكومة الذبح في غير هذه الأماكن
التي أعدّتها للذبح حتّى في الأيّام الأُخرى بعد يوم النحر وأيّام التشريق ، فهل من
مخرج لهذه المشكلة العويصة ؟
وتشتدّ هذه المشكلة على الناس فيما إذا علمنا أنّ الذبح خارج مِنى لا يجزي ، إذ
ليس المورد من موارد التقيّة ، فإنّ مورد التقيّة فيما إذا كان المكلّف غير
معروف المذهب ، فلا يعمل بما هو الحقّ عنده خوفاً من الظالم ، والواقع القائم
الآن بخلافه
(1) المصدر السابق ، عن هداية السالكين : ص164.
(29)
تماماً ، لأنّ المكلّف معروف المذهب ، ومعلوم أنّه لا يعتقد صحّة الذبح خارج
مِنى ، وأنّه يريد الذبح في مِنى ، إلاّ أنّ المنع الحكومي الناشئ من أنّ من يخالف
ويشقّ عصا طاعة وليّ الأمر لا يجوز إقراره على مخالفته من أيِّ مذهب كان.
وعلى هذا يكون المورد إذا كان هناك إجبار على الذبح في المسلخ على المكلفّ من
باب ارتكاب أخفّ المحظورَين وأقلّ الضررَين ( يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا
يُريُد بِكُمُ العُسْرَ ) ، ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَج )
، فهو من باب قوله ( عليه السلام ) : « لَئِن أفطر يوماً ثمّ أقضيه أحبّ إليَّ
من أن تضرب عنقي » ، وأمّا إذا لم يكن إجبارٌ على الذبح وذَبَحَ خارج مِنى فهو لا
يجزي أيضاً.
وعلى هذا فيجب القضاء على المكلف لهذا النسك إذا تمكّن بعد ذلك في بقيّة أيّام
ذي الحجة ، أو أن يخلف ثمنه عند عدل ليشتري له هدْياً ويذبحه في شهر ذي الحجّة.
فهل توجد طريقة للتخلّص من هذه المشكلة وتقول بالاكتفاء بالذبح في المذبح الحالي
الذي هو خارج مِنى ؟
الجواب : توجد عندنا روايات معتبرة تقول : إذا ازدحمت مِنى بالناس ارتفعت إلى
وادي محسِّر ، فيكون وادي محسِّر حكمه حكم مِنى ، وحينئذ يكون الذبح في المذبح
الحالي مجزياً.
ففي معتبرة سماعة قال : « قلت للصادق ( عليه السلام ) : إذا كثر الناس بمِنى وضاقت
عليهم كيف يصنعون ؟ فقال : يرتفعون إلى وادي محسِّر ... » (1).
فهل يمكن الاكتفاء بهذه الرواية للذبح خارج الحدّ والوقوف كذلك ؟
إذا كان الجواب بالإيجاب فتنحلّ مشكلة مهمّة.
خلاصة لكلّ البحث :
الخلاصة هي : أنّ نَمِرَة ـ التي هي بطن عُرَنَة ـ هل من عرفات أولا ؟ وكذا مسجد
(1) الوسائل : ج10 ، الباب 11 من أبواب إحرام الحجّ ، ح4.
(30)
إبراهيم القديم الذي يكون في نَمِرَة ؟
فإن قلنا : إنّها خارجةٌ من عرفات ـ كما هو ظاهر الروايات التي شرحت لنا حجّ
النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذا بقيّة الروايات التي أخرجت نَمِرَة عن حدود
عرفات ـ تواجهنا مشكلة أنّ الوقوف في عُرَنَة ليس من الزوال إلى الغروب.
وإن قلنا : إنّ نَمِرَة من عرفات ـ كما هو رأي يقال ـ تخلّصنا من هذه المشكلة ،
ولكن تبقى مشكلة ثانية ، وهي مخالفة ظاهر الروايات ، بل صريح بعضها ، وأقوال أهل
الخبرة الذين حدّدوا عرفات بإخراج نَمِرَة من عرفات ; لأنّها بطن وادي عُرَنَة ،
وهذا الوادي كلُّه حدّ عرفات من جهة الغرب ، وقد صرّحت الروايات بالارتفاع عنه.
أقول : ألا نحتمل وجود منطقة في داخل عرفات كانت تسمّى نَمِرَة قد صلّى النبي
( صلى الله عليه وآله ) فيها ووضع رحله ؟ وأمّا قرية نَمِرَة التي هي بطن عُرَنَة فهي
خارجةٌ عن حدّ عرفات ، فإن ثبت ذلك انحلّت مشكلة عدم وجوب الوقوف من أوّل الزوال
إلى الغروب في عُرَنَة. ويكون حكاية حجّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) مطابقة لوجوب
الوقوف في عرفة من أوّل الزوال إلى الغروب ، وأمّا الموقف الذي يُذكر في الروايات
فالمراد به الوقوف في سفح الجبل الذي يستحبّ فيه الدعاء والوقوف.
وإن لم يثبت ذلك فلابدّ من القول بعدم وجوب الوقوف من الزوال إلى الغروب ، بل
الواجب هو الوقوف بعد الظهر بساعة إلى الغروب.
وأمّا بالنسبة للمزدلفة فلا يوجد خلاف في حدودها ، وقد وقع تعيين هذه الحدود
طبقاً لما قرّره الشارع المقدّس بين المأزمين ووادي محسِّر ، وأمّا التحديد العرضي
فهو الجبلان المطلاّن عليها من الجبهة الشماليّة والجنوبيّة.
وأمّا مِنى فأيضاً لا يوجد خلاف في حدّها الذي هو من وادي محسِّر إلى العقبة
طولا وما بين الجبلين المطلّين عليها عرضاً ، وقد تعرّضنا لمشكلة الذبح التي هي
مشكلة معاصرة ; لوجود المذابح خارج مِنى ، والحكومة السعودية تمنع من الذبح في مِنى
، وأوجدنا حلاًّ قد يكون مقبولا من الناحية الفنّيّة.