بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 281 ـ 290
(281)
الأنابيب. وأطفال الأنابيب يكون المتَّبع فيها أن تعطى المرأة دواءً منشِّطاً
للاباضة ، ثم تسحب من مبيضها البيضات الناضجة خلال منظار يخترق جدار البطن وإبرة
شاخطة تشخط البيضات ثم يضاف إليها المني بغية تلقيح عدد منها ، ثم تودع البيضات
الملقّحة رحم السيدة بغية أن تنغرس فتنمو إلى جنين.
ووجد أنّ أنسب عدد يودع الرحم هو ثلاث أو أربعة بيضات إن انغرست منها واحدة فخير
، وإن انغرس أكثر من واحدة فزيادة خير.
ولكن هناك من السيدات التي يُعاني مبيضها نوعاً من الفقر البُييضي فلا تنتج عنها
إلاّ بيضة ملقحة واحدة ، وهذا يهبط بفرصة الحمل هبوطاً كبيراً ، وحينئذ يكون من
الأفضل أن نفصل بيضها في بواكير انقسامها إلى جنينين لا واحد ، وهو الاستتئام ،
ونفصل كلاّ إلى اثنين ، وهكذا حتى نوفر عدداً كافياً من الأجنة ، يودع في رحم
السيدة منها أربعة ، ويحفظ ما زاد من الاجنة أي ( النسخ ) في التبريد العميق ;
ليكون رصيداً احتياطياً يستعمل في مرّة قادمة ( أو مرات ) إذا لم تسفر الزرعة
الاُولى عن حمل.
الثانية : والفائدة الثانية تكمن في مجال تشخيص مرض جنينيٍّ محتمل قبل أن يودع
الجنين الباكر المكوّن من عدد صغير من الخلايا إلى الرحم لينغرس ، فقد جرى الأمر
على فصل خلية من هذا الجنين لاجراء التشخيص عليها ، فإن كان الجنين معافى غُرس ،
وإلاّ اُهدر. ولكنّ أخذ خلية من جنين باكر ذي عدد محدود من الخلايا فيه خطر على
الجنين ، بينما لو فصلنا هذا الجنين إلى توأمين بطريقة الاستتئام هذه فاننا نستعمل
واحداً للتشخيص ، والآخر للزرع كاملا غير منقوص.
هذا ما قاله العالِمَان عن الاستتئام.
(282)
الإشكال على ما قاله العالِمَان :
يرتكز الإشكال على علاج العقم ، فإنّ الطريقة التي وصل إليها العالمان تفضي إلى
وجود أجنة فائضة ليس أمامها إلاّ طريقين :
الأول : الموت فيما إذا غرست الأجنة الاُولى ونمت إلى جنين.
الثاني : وأمّا إذا لم توكل إلى الموت فإنّها ستزرع في أرحام سيدات اُخر.
وعلى الطريق الأول نتج إنشاء حياة أسلماها إلى الموت. وعلى الطريق الثاني
فمعناه أن سيدةً ستحمل جنيناً غريباً ليس من زوجها ولا منها ، وليس هو في نطاق عقد
زواج.
وإذا علمنا أنّ بالإمكان حفظ الأجنة الفائضة في التبريد لآماد طويلة فربما
تُشترى هذه الأجنة التي رُؤي توأمها مستقبلا بالاطلاع على صورته ( النسخ الأصل )
التي تكبره بسنوات.
فوائد الاستتئام :
وقد ذكر للاستتئام فوائد هي :
1 ـ إنّ من فوائد الاستتئام وحفظ الأجنة هو ما إذا حملت الاُم بطفل واختزنت منه
نسخة تحفظ بالتبريد ، فإنَّ هذه النسخة قد تدعو الحاجة إليها إن مات الطفل وأراد
والداه أن يعوّضاه بطفل مماثل له تماماً ، فإنَّ الجنين سوف يوضع في رحم اُمّه بعد
إخراجه من التبريد وينمو ويحصل التوأم لهما.
2 ـ وقد يحتاج الطفل ـ الذي حُفظ توأمُه ـ في المستقبل إلى زرع عضو أو نسيج ،
وتعوق ذلك مشكلة المناعة إن عزّ العثور على الزرعة الموائمة ، فحينئذ تزرع النسخة
التوأم الاحتياطية وتنمو ليؤخذ منها العضو أو النسيج المطلوب ، ونظراً للتطابق
بينهما فمن المؤكّد أن الزرعة سيقبلها الجسم المنقولة إليه دون احتمال رفضها
مناعياً.
(283)
وحينئذ يكون السؤال هنا ـ في حالة كون الطفل لا يعيش بدون العضو المأخوذ منه ـ
عن جواز أن تُنشأ حياة ثم تهدر من أجل إنقاذ حياة اُخرى. وأمّا عن حالة ما إذا كان
الطفل يعيش مع الآخر فقد حدثت منذ ثلاثة أعوام أن طفلة في ولاية كاليفورنيا مرضت
بأحد سرطانات الدم ولم يمكن العثور على زرعة مناسبة من نخاع العظم ( وهي الوسيلة
الوحيدة للعلاج المجدي ) ، فقرر والداها أن تحمل الاُم من جديد على أمل أنّ الوليد
القادم سيكون نخاع عظمه ملائماً ... وفعلا أنجبا طفلة وجاء نخاعها ملائماً ، وبعد
أشهر تم زرع نخاع منها لاختها المريضة فشفيت. وحينئذ تكون النسخة التوأمة ملائمة
لأخذ نخاع العظم لتستفيد منه النسخة التوأمة المريضة ، ويعيش كلا الطفلين ، وهنا
أيضاً قد يثور تساؤل عن جواز إنشاء حياة لا لذاتها ، بل لإنقاذ حياة اُخرى.
ثم هل يوجد بأس في أن تحمل السيدة بتوأمها إن فصل عنها في الدور الجنيني الباكر
وبقي طيلة السنوات نسخة منها محفوظة في التبريد ؟
ثم هل يوجد مانع في إيجاد جنينين توأمين ( استتئام ) ، أو استنساخ جنينين يفصل
بين عمريهما سنوات فيرى الصغير مستقبله فيما يعرض لتوأمه من أمراض وراثية يعلم
أنّها له بالمرصاد ؟
وخلاصة الأسئلة المطروحة هنا التي تحتاج إلى جواب فقهي أو قانوني هي :
1 ـ هل يجوز عمل أجنة متعددة من لقيحة واحدة بالصورة المتقدّمة حتى إذا كانت تلك
الاجنة قد وصلت إلى ( 32 ) جنيناً متشابهاً ، أو إلى ( 128 ) جنيناً على الرأي
الآخر ؟
2 ـ وإذا حُفظت بعض الأجنة في التبريد العميق فهل يجوز قتلها في المستقبل إذا لم
يحتج اليها في صورة نجاح الزرعة التي وضعت في رحم الاُمّ وكان المولود غير محتاج
إلى دواء موجود في توأمه ؟
(284)
3 ـ وهل يجوز إعطاء الأجنة المبرّدة إلى سيدة اُخرى لوضعها في رحمها أو بيعها
لها ؟ ومن هو الأب والأم في هذه الحالة لو حصلت ؟
4 ـ وهل يجوز أن يستفاد من الأجنة المبرّدة لزرعها في رحم الاُم لأجل الاستفادة
من الأعضاء التي يتمكّن الطفل الجديد من الحياة بدونها في حالة إعطائها إلى أجنة أو
إلى أي كائن آخر يحتاج إليها ؟
5 ـ وفي صورة ما إذا كان العضو أو النسيج لا يمكن أن يعيش الطفل بدونه فإنّ
الحكم واضح في عدم جواز إنشاء حياة لتهدر من أجل إنقاذ حياة اُخرى.
6 ـ وهل يوجد مانع في إيجاد جنينين توأمين يفصل بين عمريهما سنوات ، فيرى الصغير
مستقبله فيما يعرض لتوأمه من أمراض وراثية يعلم أنّها له بالمرصاد ؟
وقد أجاب آية الله السيد كاظم الحائري ( حفظه الله ) عن هذه الأسئلة فقال :
1 ـ تقسيم اللقيحة إلى عدّة أجنة جائز بشرطين :
الأول : أن لا تكون في ذلك مخاطرة على حياة الجنين أو حياة ما سيُكسى جلداً
ليصبح منشأً لطفل جديد أو على صحتهما.
والثاني : أن لا يستعمل ذلك بشكل يؤدي إلى اختلال النظام ، كما لو وزّعت اللقيحة
إلى عدّة أجنة واستعملت في وقت واحد ضمن عدّة أرحام فأوجب ذلك عدم تشخيص الظالم من
المظلوم والمحرم من غير المحرم ، وما إلى ذلك من المشاكل التي اُشير إليها في مسألة
الاستنساخ (1) ، فمع انتفاء هذين المحذورين لا دليل على الحرمة.
2 ـ ما يحفظ في التبريد يجب أن يحفظ بلا جدار كي يجوز قتله بعد ذلك ، إذ بعد صنع
الجدار له يكون حاله ـ احتياطاً ـ حال الجنين الأصلي الذي يحرم قتله ، أمّا قبل صنع
الجدار له فحاله حال المني الذي يجوز اهداره بمثل العزل في وقت المقاربة ، أو
(1) ستأتي هذه المشاكل في بحث الاستنساخ الآتي.
(285)
قل : حال إسقاط منشأ النطفة قبل انعقاد النطفة.
3 ـ لا دليل على حرمة ذلك بعد سقوط اسم المني عن النطفة ، لأنّ إدخال ذلك في رحم
المرأة لا يعني إدخال المني في رحم امرأة محرَّمة كي يشمله دليل حرمة ذلك ، وأبوه
هو الذي ولده ـ أي صاحب المني ـ واُمّه هي التي ولدته أي صاحبة البيضة. وأمّا التي
تضع رحمها بخدمة هذا الجنين فهي الاُم الحاضن وليست اُمّاً حقيقية. نعم ، لا يبعد
الإفتاء بمحْرميتها له بالأولوية القطعية من الاُم المرضعة.
4 و 5 ـ إن كانت هذه الاستفادة لا تؤدي إلى موت الجنين الثاني أو الاضرار به
جازت ، وإلاّ فلا.
6 ـ لا دليل على حرمة ذلك. انتهى ما أجاب به السيد الحائري حفظه الله.
أقول : ومن المناسب هنا أن نبيّن مدرك هذه الإجابة من الأدلّة الشرعية فنقول
:
أمّا الجواب الأول فهو لِما ثبت من أن اللقيحة المكوّنة من منيّ الرجل وبويضة
المرأة هي عبارة عن الجنين الذي هو مبدأ نشوء إنسان ، ومن الواضح فقهيّاً عدم جواز
قتل الإنسان ، ولكن ورد ـ أيضاً ـ عدم جواز قتل مبدأ نشوء الإنسان ، ففي معتبرة
إسحاق بن عمار قال : « قلت لأبي الحسن ( الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ) : المرأة تخاف
الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال : لا ، فقلت : إنّما هو نطفة ، فقال
( عليه السلام ) : إنّ أول ما يخلق نطفة » (1).
بالإضافة إلى إمكان استفادة الحرمة ـ أيضاً ـ من الروايات الكثيرة الواردة في
وجوب الدية على من أسقط النطفة الملقّحة فمن تلك الروايات : صحيحة محمد بن مسلم ،
قال : « سألت أبا جعفر ( الإمام الباقر ( عليه السلام ) ) عن الرجل يضرب المرأة فتطرح
النطفة ؟ فقال ( عليه السلام ) : عليه عشرون ديناراً ، قلت : يضربها فتطرح العلقة ؟
فقال : عليه
(1) وسائل الشيعة : ج19 ، ب7 من أبواب القصاص في النفس ، ح1.
(286)
أربعون ديناراً. ... » (1).
ولهذا الذي تقدّم من الروايات فقد اشترط في تقسيم اللقيحة إلى عدّة أجنة أن لا
يكون في التقسيم مخاطرة على حياة الجنين أو حياة ما سيكسى جلداً ليصبح منشأً لطفل
جديد.
وكذا إذا كان هناك ضرر على حياة الجنين في التقسيم فهو أمر غير جائز ، لِمَا ثبت
عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) من طريق الفريقين أنّه قال : « لا ضرر ولا ضرار في
الإسلام » فإنَّ التقسيم إذا كان فيه ضرراً على حياة هذا الجنين فهو أمر غير جائز.
وأمّا إذا كان تقسيم اللقيحة ـ التي هي مبدأ نشوء الإنسان ـ ليس فيه مخاطرة على
الجنين أو حياة ما سيكسا جلداً ليصبح منشأً لطفل جديد ، وليس هناك شيء يخاف منه على
صحتهما فهو أمر جائز لكن بشرط أن لا نعمل عملية الاستتئام بصورة تؤدّي إلى اختلال
النظام ، كما إذا قسِّمت اللقيحة إلى قسمين وكسيت كل واحدة منهما بالجدار الخلوي ثم
قسما إلى أربعة وكسي الجدار الخلوي ، وهكذا إلى اثنتين وثلاثين خلية اُمّاً ، ففي
هذه الصورة إذا كانت النُسخ متشابهة تماماً فهو أمر يؤدي إلى اختلال النظام ; لعدم
تشخيص الظالم من المظلوم والمحَرْم من غيره ، وما إلى ذلك من المشاكل التي اُشير
اليها ـ فيما يأتي في مسألة الاستنساخ ـ فإنّ الشارع المقدّس جرت حكمته على اختلاف
الألسنة والألوان حفظاً للنظام ، كما صرح بذلك في قوله تعالى : ( ومن آياته
اختلاف ألسنتكم وألوانكم ) فيلزم من هذه الحكمة أن يحرم كل ما يؤدي إلى اختلال
النظام ، ومنه ما إذا طبق الاستتئام بصورة واسعة لزمت منه الاُمور المتقدّمة
الفاسدة.
الخلاصة : أنّ تقسيم اللقيحة إلى عدّة خلايا تكون كل خلية اُمّاً لنشوء جنين
مشروط بعدم المخاطرة على الجنين أو الأجنة ، ( حتى على صحة الأجنة ) ، فإن كان
(1) المصدر نفسه : ب19 من أبواب ديات الاعضاء ، ح4.
(287)
هناك أي حذر فهو أمر غير جائز ، وبشرط أن لا يؤدي الاستتئام إلى اختلال النظام.
وأمّا الجواب عن السؤال الثاني فإنّنا إذا احرزنا عدم اختلال النظام وعدم الضرر
والمخاطرة لما يحصل من تقسيم اللقيحة فإنّه لا مانع من التقسيم كما تقدّم ، ولكن
بالنسبة إلى حفظ بعض الأجنة في التبريد العميق فإذا لم يحتج إليها فسوف تقتل هذه
الأجنة فيشملها دليل حرمة قتل مبدأ نشوء الإنسان ، ولهذا لا يجوز قتل هذه الأجنة
بعد أن تصبح جنيناً ويكسى الجدار الخلوي بالمادة الصناعية (1). أمّا إذا تمكّن
العلماء من تبريد اللقيحة المقسومة قبل أن يصنع لها الجدار الصناعي ويُقتصر
(1) أقول : لقد أفتى الإمام الخوئي ( رحمه الله ) بعدم حرمة قتل الأجنة خارج الرحم
، وتبعه على ذلك آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي ، لأنّهما رأيا حرمة قتل
الجنين مختصة فيما إذا كان الجنين في الرحم. فقالا في جواب سؤال عن قتل الأجنة
التي تلقّح خارج الرحم وتكون زائدة : « في الصورة المذكورة لا بأس بإتلاف تلك
الأجنة ، فإن قتل الجنين المحرّم إنّما هو فيما إذا كان في الرحم ، أمّا في الخارج
فلا دليل على حرمة إتلافه » راجع صراط النجاة : ج1 ، مسألة ( 965 ) ، ص351.
ولعلّ دليلهما ما روي في تحديد النطفة ، كما في رواية سعيد بن المسيّب ، قال :
سألت الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) عن رجل ضرب امرأة حاملا برجله فطرحت ما في
بطنها ميتاً ؟ فقال ( عليه السلام ) : « إن كان نطفة فإنّ عليه عشرين ديناراً. قلت
فما حدّ النطفة ؟ فقال : هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوماً ».
راجع وسائل الشيعة : ج19 ، ب19 من أبواب ديات الاعضاء ، ح8.
أقول : إنّ السائل وإن سأل عن حدّ النطفة ـ التي هي مبدأ نشوء الإنسان الذي
بسقوطها يتحمل المعتدي ( الجاني ) الدية ـ إلاّ أنّ الجواب لم يكن تعريفاً منطقياً
بحيث يكون كلّ ما عداه خارجاً عن حدّ النطفة التي هي مبدأ نشوء الإنسان وإنّما كان
الجواب عبارة عن التعريف بالمثال ، ولا يعني الجواب أنّ غير هذا التحديد ليس بنطفة
، والدليل على ذلك : أنّ العرف إذا اُلقيت إليه رواية سعيد بن المسيّب لا يفهم
خصوصية للرحم ، كما لا يعرف خصوصية للضرب بالرجل ، بل يفهم أنّ الحرمة والدية هي
لمبدأ نشوء الإنسان.
(288)
على إكساء الجدار الخلوي للّقيحة المقسّمة التي يراد وضعها في الرحم ، أمّا الذي
يراد تبريدها فإن لم تكسَ بالجدار الخلوي فلا تكون مبدأ نشوء الإنسان ، بل حالها
حال المني لوحده الذي يحتوي على ( 23 ) شريطاً ، وحال البويضة لوحدها التي تحتوي
على ( 23 ) شريطاً أيضاً. وهذا لا دليل على حرمة إهداره ، سواء كان منيّاً أو بيضة
، بل دلّ الدليل على جواز إهدار المني ، كما في عملية العزل عن المرأة ( إمّا
برضاها أو مطلقاً ) ، كما يجوز إهدار بويضة المرأة فيما إذا استعملت دواءً للإسراع
بإلقائها إلى خارج على شكل حيض.
وأمّا الجواب الثالث فهو قد ثبت عندنا حرمة ادخال النطفة في رحم يحرم على صاحب
النطفة ، وهذا شيء غير حرمة الزنا ، فقد روي في المعتبرة عن الإمام الصادق ( عليه
السلام ) أنّه قال : « إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجلا أقرّ نطفته في رحم
يحرم عليه » (1).
وفي رواية اُخرى رواها الصدوق عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « لن يعمل
ابن آدم عملا أعظم عند الله عزّوجلّ من رجل قتل نبيّاً أو إماماً أو هدم الكعبة
التي جعلها الله قبلة لعباده أو أفرغ ماءه في امرأة حراماً » (2).
(1) وسائل الشيعة : ج14 ، ب4 من أبواب النكاح ، ح1.
(2) المصدر السابق : ح2.
يرى بعض الفقهاء أنّ المراد من الروايتين ( في حرمة ادخال النطفة في رحم يحرم على
صاحب النطفة ) هو كناية عن حرمة نفس عملية الزنا التي هي ملازمة عادة لالقاء المني
في الرحم.
ونحن وإن كنّا نخالف هذا الفهم لأنّنا نرى أنّ الرواية قد صرّحت بحرمة القاء
النطفة في رحم يحرم عليه ، وهو معنى آخر غير حرمة الزنا الذي هو عبارة عن التقاء
الختانين المحرّم ، ولكن حتى على هذا المبنى الذي لا نقبله لا يحرم وضع اللقيحة في
رحم امرأة أجنبية لأنّه ليس من الزنا ، كما هو واضح.
(289)
ومعلوم إرادة المني من النطفة التي ذكرت في الحديث الأول لاضافتها إلى الرجل
بينما كان السؤال الثالث عن النطفة التي هي لقيحة مكوّنة من ماء الرجل وبويضة
المرأة التي هي مبدأ نشوء إنسان ، ولهذا كان الجواب بجواز وضع هذه اللقيحة ( بحدِّ
نفسها ) في رحم امرأة أجنبية لعدم شمول دليل الحرمة المتقدّم له. ولعلّ من المستحب
أن تحضن هذه المرأة الأجنبية مبدأ نشوء الإنسان وعدم تركه للموت ، فإنّ الاُم
الحاضن إذا لم يكن عملها للحمل بهذا الجنين ( اللقيحة ) مستحباً فلا أقلّ من جوازه.
وأمّا ما قيل من التهويل لهذه العملية « إنّ سيدة ستحمل جنيناً غريباً لا هو من
زوجها ولا هو منها ولا هو في نطاق عقد زواج » (1) فهو لا ينفع في الحرمة ، إذ ما هو
البأس أن تحضن سيدة ولداً ليس من زوجها ولا منها ولا هو في نطاق عقد الزواج ؟ فهل
هو زناً أو دلّ الدليل على حرمته من السنة الشريفة أو قواعد الشريعة ؟ بل قد يقال :
إنّ هذه السيدة ـ التي انقذت هذا الجنين ( اللقيحة التي هي مبدأ نشوء إنسان ) من
الموت وحملتها وحضنتها حتى الولادة ـ قد أنقذت الجنين من الموت فتستحق الشكر.
وأمّا بالنسبة إلى الأب والاُم فهو واضح ، إذ الولد معناه ما تولّد منه الشيء
ونشأ منه ، وقد تولّد هذا الولد من مني الرجل فهو أبوه ، ومن بويضة المرأة فهي
اُمّه ، أمّا التي وضعت اللقيحة في رحمها فهي اُمّ حاضن وليست اُمّاً حقيقية ،
فإنّ القرآن الكريم قال : ( إن اُمّهاتهم إلاّ اللاتي ولدنهم ) والولادة
الحقيقية ليست هي الوضع وافراغ ما في البطن إلى الخارج كما هو معنى ذلك عند غير
العرب ، بل الولد حقيقةً هو ما تولد من الشيء ونشأ منه ، وقد تولد هذا الولد ونشأ
من مني الرجل وبويضة المرأة فهما الأبوان الحقيقيان له ، كما تتولد الشجرة من
البذرة.
(1) استنساخ البشر ، د. حسان حتحوت ص8.
(290)
أمّا المغذية فهي ليست اُمّاً حقيقية ، ومع هذا فقد أفتى السيد الحائري بمحرمية
الاُم الحاضن ، لأنّه يرى الأولوية القطعية من الاُم المرضعة التي يحرم عليها الولد
الذي اشتد عظمه ونما لحمه من حليب الاُم بواسطة الرضاع ، حيث إنّ هذا الولد قد كبر
بواسطة الاُم الحاضن وإنّ كان قد تولد من غيرها.
ولكن أرى في هذه الأولوية القطعية تأمّلا ، حيث إنّ موضوع حرمة الرضاع هو شيء
يختلف عن مجرد ترعرع الجنين من الاُم.
أمّا بالنسبة إلى الجواب الرابع والخامس فإنّ الاستفادة من هذا الجنين التوأم
إنّما تكون جائزة بشرط أن لا تكون مؤدّية إلى موته أو الاضرار به ، فإنّ من
الواضحات عدم جواز إماتته لأجل إنقاذ حياة اُخرى ، وعدم جواز الإضرار به من قبل
الغير لأجل أن يستفيد منه شخص آخر.
أمّا إذا كانت الاستفادة منه للآخرين ليس فيها أي ضرر عليه فهو أمر جائز يقوم به
وليّه أو نفسه إن كان قد وصل إلى مرحلة البلوغ والرشد ، وهذا الحكم واضح من الشريعة
الإسلامية الغراء التي حرّمت قتل مبدأ نشوء الإنسان وحرّمت الضرر على الكائن الحي
بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ».
أمّا الجواب السادس فلا دليل على حرمة أن يرى الصغير مستقبله فيما يعرض لتوأمه
من أمراض وراثية يعلم أنّها له بالمرصاد ، فكم من الاُسر المبتلية بأمراض السكّر أو
السمنة أو ضغط الدم أو غيرها من الأمراض الوراثية ولا أحد يقول بحرمة إيجاد طفل
لهذه الاُسر ، لأنّ الطفل سوف يُبتلى بتلك الأمراض الوراثية.
نعم ، قد يحكم بعدم جواز إعلام الصغير أو حتى الكبير فيما يعرض له من الأمراض ،
لأنّه أذىً له وقد نهت الشريعة عن أذى المسلم ، إلاّ أن هذا غير حرمة إيجاد طفل
يُعلم أنّه سيبتلى بأمراض وراثية.
هذا خلاصة ما أردنا بيانه في بحث الاستتئام.