جاء في مسند الإمام زيد ـ باب أوقات الصلاة ـ : حدثني زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جده (رضي الله عنهم) ، عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) : قال رسول الله : « إنه سيأتي على الناس أئمة بعدي يميتون الصلاة كميتة الأبدان ، فإذا أدركتم ذلك فصلّو الصلاة لوقتها ، ولتكن صلاتكم مع القوم نافلة ، فإن ترك الصلاة عن وقتها كفر » (1) .
وفيه كذلك : سمعت الإمام الشهيد أبا الحسين زيد بن عليّ رضي الله عنه ـ وقد سئل عن قوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل . . . ) ـ فقال رضي الله عنه : دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل ثلثه حتى يذهب البياض من أسفل السماء ، (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار .
وقال زيد به عليّ رضي الله عنه : (أفضل الأوقات أولها ، وإن أخرت فلا بأس)(2) .
فالإمام زيد يريد الإشارة إلى أن أوقات الصلاة ثلاثة كما قال سبحانه في محكم كتابه وكما يعمل به شيعة عليّ .
وأن وقت فضيلة صلاة العصر ، هو بعد الانتهاء من صلاة الظهر ، وهو ما يذهب إليه الإمامان الباقر والصادق .
ويحتمل أن يكون قول الإمام زيد في الخبر الأول (فإن ترك الصلاة عن وقتها كفر) إشارة إلى فعل الأمويين ودورهم في تغيير أوقات الصلاة ولزوم دعوة المؤمنين وإصرارهم لإتيانها في أوقاتها ؛ لما ورد في فضلية الصلاة لوقتها ، ودحضاً لعمل المحدثين في الشريعة واستجابة لما أخبر به النبي (ص) : سيكون عليكم اُمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة حتى يؤخّروها ، فصلوها لوقتها(3) .

____________
(1) مسند الإمام زيد : 88 ، وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة نحوه .
(2) مسند الإمام زيد : 88 .
(3) مسند أحمد 5 : 315 .

(242)

وجاء في الأنساب للبلاذري أن أهل مصر أرسلوا وفداً لعثمان بسبب تلاعب ابن أبي سرح بمواقيت الصلاة .
وفي تاريخ المدينة لابن شبّة : فخرج من أهل مصر سبعمائة إلى المدينة فنزلوا المسجد ، وشكوا إلى أصحاب النبي (ص) في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم(1) .
وقد ثبت في التاريخ أن سليمان بن عبدالملك أعاد الصلاة إلى أوقاتها(2) . وفي نقل هذا الخبر عن الخليفة إشارة إلى أن اعتراض المسلمين على الحكام ـ في مسألة أوقات الصلوات ـ كان جماهيرياً ، وأن الخليفة قد استجاب لطلبهم حين رأى مصلحته في ذلك .
وقد أخرج البخاري في صحيحه ـ باب تضييع الصلاة عن وقتها ـ حديثين عن أنس ، أحدهما عن غيلان عن أنس قال : ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي !
قيل : الصلاة ؟ !
قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها !
والآخر عن عثمان بن أبي رواد قال : سمعت الزهري يقول : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي .
فقلت : ما يُبكيك ؟
فقال : لا أعرف شيئاً مما أدركت إلاّ هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت(3) .
هذا ، وقد رُوِيَ عن الإمام الصادق قوله :
____________
(1) تاريخ المدينة 4 : 1158 .
(2) راجع : البداية والنهاية 9 : 187 ، وغيره من كتب التاريخ .
(3) صحيح البخاري 1 : 141 .

(243)

لكل صلاة وقتان ، وأول الوقتين أفضلهما ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنه وقت من شُغل ، أونسي ، أو سها ، أو نام ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ من عذر ، أو علة(1) .
وسأل عبيد بن زرارة الصادق عن وقت الطهر والعصر ؛ فقال : إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً ، إلاّ أن هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس(2) .
وقد أيد موقف أهل البيت بعض الصحابة منهم ابن عباس(3) .
وعائشة وانها قالت : كان رسول الله يصلي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها .
وفي آخر : إن رسول الله صلى العصر والشمس في حجرتها ، لم يظر الفيء من حجرتها .
وفي ثالث : كان النبي يصلي صلاة العصر والشمس طالعة في حجرتي لم يظهر الفيء بعد(4) .
وأخرج البخاري ـ في باب وقت العصر ـ قال : سمعت أبا أمامة يقول : صلينا مع عمر بن عبدالعزيز الظهر ، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك ، فوجدناه يصلي العصر .
فقلت : يا عم ! ما هذه الصلاة التي صليت ؟
قال : العصر ؛ وهذه صلاة رسول الله التي كنا نصلي معه(5) .
____________
(1) تهذيب الأحكام 2 : 39 | 123 ، الاستبصار 1 : 276 | 1003 .
(2) تهذيب الأحكام 2 : 24 | 68 و 26 : 73 ، الاستبصار 1 : 246 | 881 ، من لا يحضره الفقيه 1 : 139 | 647 .
(3) أنظر مسند أحمد 1 : 221 ، 283 ، شرح معاني الآثار 1 : 160 | 966 ، 967 ، صحيح البخاري 1 : 143 و 147 . الموطأ 1 : 144 | 4 ، سنن أبي داود 2 : 6 | 1210 ، صحيح مسلم 1 : 489 | 49 ، 490 | 54 ، 491 و 492 | 57 ، 58 .
(4) صحيح البخاري 1 : 144 ، الموطأ 1 : 4 | 2 .
(5) صحيح البخاري 1 : 144 ، 145 .

(244)

وغيرها الكثير وجاء في مقاتل الطالبين ، عن الحسن بن الحسين ؛ قال : دخلت أنا والقاسم بن عبدالله بن الحسين بن علي بن الحسين ، نغسل أبا الفوارس عبدالله بن إبراهيم بن الحسين ، وقد صلينا الظهر .
فقال لي القاسم : هل نصلي العصر ؟ . . فإنا نخشى أن نبطئ في غسل الرجل [ يعني به أبا الفوارس ] .
فصليت معه . . فلما فرغنا من غُسله ، خرجت أقيس الشمس ، فإذا ذلك أول وقت العصر ، فأعدت العصر . . فأتاني آتٍ في النوم ؛ فقال : أعدت الصلاة وقد صليت خلف القاسم ؟ !
قلت : صليت في غير الوقت !
قال : قلبُ القاسم أهدى من قلبك(1) .
فاتضح مما سبق أن موقف الطالبيين ـ سواء الحسني منهم أو الحسيني ـ وكذا بعض الصحابة كعبدالله بن عباس (حبر الاٌمة) وأنس بن مالك (خادم الرسول) وعائشة (زوج النبي) وغيرهم ، كان هو الجمع ، أو نراهم يقررون الجمع .

2 ـ المسح على الخفين :


1 ـ أخرج أبو الفج الأصفهاني أخبار بعض المندسين في صفوف يحيى بن عبدالله بن الحسن ؛ فقال : صحبه جماعة من أهل الكوفة ، فيهم ابن الحسن بن صالح بن حي . . كان يذهب مذهب الزيدية البترية في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته ، وإلى القول بكفره في باقي عمره ، يشرب النبيذ ، ويمسح على الخفين . . وكان يخالف يحيى في أمره ، ويفسد أصحابه .
____________
(1) مقاتل الطالبيين : 617 .

(245)

قال يحيى بن عبدالله : فأذن المؤذن يوماً ، وتشاغلت بطهوري ، واُقيمت الصلاة ، فلم ينتظرني وصلى بأصحابي فخرجت ، فلما رأيته يصلي ، قمت اُصلي ناحية ، ولم أصل معه ، لعلمي انه يمسح على الخفين . . فلما صلى ؛ قال لأصحابه : علام نقتل انفسنا مع رجل لا يرى الصلاة معنا ، ونحن عنده في حال من لا يرضى مذهبه ؟ (1) .
2 ـ وروى زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جده الحسين بن عليّ (رضي الله عنهما) ؛ قال : إنا ولد فاطمة (رضي الله عنها) لا نمسح على الخفين ولا العمامة ولاكُمه ولا خمار ولا جهاز(2) .
وروى قول جده علي بن أبي طالب : « سبق الكتاب الخفين » (3) . . وقد مر عليك كلامه في عهد عمر .
3 ـ وروى ابن مصقلة ، عن الإمام الباقر ؛ أنه قال : فقلت : ما تقول في المسح على الخفين ؟
فقال : « كان عمر يراه ثلاثاً للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ؛ وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر » . . فلما خرجت من عنده ، وقفت على عتبة الباب ؛ فقال لي : « أقبل » . . فأقبلت عليه . . فقال : « إن القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون ؛ وكان أبي لا يقول برأيه » .
وقد أيد موقف أهل البيت كل من ابن عباس ، وعائشة إذا المنقول عنهما انهما قالا : لئن تقطع قدماي أحب إلي من أن أمسح على الخفين . و : لأن أمسح على جلد حمار ، أحبُ إليَّ من أن أمسح على الخفين . وغيرهما . . . (4) .
أما فيما يخص ابن عمر ، فقد قال عطاء : كان ابن عمر يخالف الناس في المسح
____________
(1) مقاتل الطالبيين : 468 .
(2) مسند الإمام زيد : 74 .
(3) مسند الإمام زيد : 75 .
(4) انظر : التفسير الكبير 11 : 163 .

(246)

على الخفين ، لكنه لم يمت حتى وافقهم(1) .
وبهذا تبين لنا أن فقه بني الحسن الإمام زيد والإمام الباقر ، وحتى عبدالله ابن عباس . . كان واحداً في المسح على الخفين ، وأنه لم يكن بينهم أدنى اختلاف ، لكن متفقهة الحاكمين ينسبون إلى عليّ وبنيه القول بالمسح على الخفين . . وحتى في جزئيات مسائله .

3 ـ حي على خير العمل :

روى أبو الفرج الأصفهاني أن إسحاق بن عيسى بن عليّ ولي المدينة ، في أيام موسى الهادي ، فاستخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب ، يعرف بعبدالعزيز بن عبدالله ، فحمل على الطالبيّين ، وأساء إليهم ، وأفرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض عليه كل يوم وكانوا يعرضون في المقصورة ، وأخذ كل واحد بكفالة قريبه ونسيبه فضمن الحسين بن عليّ ، ويحيى بن عبدالله بن الحسن : الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن . . . ثم عرضهم يوم الجمعة . . فدعا باسم الحسن بن محمد ، فلم يحضر ؛ فقال ليحيى والحسين بن عليّ : لتأتياني به أو لأحبسنكما ، فإن له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ، ولقد خرج وتغيب ؛ أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد .
فقال له الحسين : لا نقدر عليه ، هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى أل عمر بن الخطاب ، فاجمعهم كما جمعتنا ، ثم أعرضهم رجلاً رجلاً ، فإن لم تجد فيهم من غاب أكثر من غيبة الحسن عنك ، فقد أنصفتنا .
فحلف العمري بطلاق زوجته وحرمة مماليكه ، ليضربنَّ الحسين ألف سوط ، وليركبنَّ إلى سويقة فيخربها ، و . . .
فوثب يحيى مغضباً ، وأعطاه العهد بأن يأتيه إليه . . فبعث إلى الحسن بن
____________
(1) التفسير الكبير 11 : 164 .

(247)

محمد أن يأتي ؛ فجاء يحيى ، وسليمان ، وإدريس ـ بنو عبدالله بن الحسن ـ وعبد الله بن الحسن الأفطس ، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا ، وعمر بن الحسن بن عليّ بن الحسن بن الحسين بن الحسن ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ ، وعبدالله بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب . . وأرسلوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم ، فاجتمعوا . . ستة وعشرين رجلاً من ولد عليّ ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالي .
فلما أذن المؤذن للصبح . . دخلوا المسجد ، ثم نادوا : (أحد ، أحد) ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي (ص) ، عند موضع الجنائز ؛ فقال للمؤذن : أذن بـ « حي على خير العمل » . . فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها . وسمعه العمري ، فأحس بالشر ، ودهش وولى هارباً ، فصلى الحسين بالناس الصبح ؛ ودعا الشهود العدول الذين كان العمري أشهدهم عليه أن يأتي بالحسن إليه ، ودعا بالحسن ؛ وقال للشهود : (هذا الحسن قد جئت به ، فهاتوا العمري وإلاّ والله خرجت من يميني ، ومما عَلَيَّ) .
ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلاّ الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن ، فإنه استعفاه فلم يكرهه ، وموسى بن جعفر بن محمد ؛ فقال له : أنت في سعة(1) .
وجاء في مسند الإمام زيد :
حدثني زيد بن علي (رضي الله عنه) ، عن أبيه علي بن الحسين (رضي الله عنه) ؛ إنه كان يقول في أذانه : « حيّ على خير العمل ؛ حي على خير العمل » (2) .
وروى عن الحسين بن عليّ ـ صاحب فخ ـ أنه قد أذن بها(3) .
قال القوشجي ، في شرحه للتجريد ـ في مبحث الإمامة ـ : إن عمر قال وهو
____________
(1) مقاتل الطالبيين : 443 ـ 447 مختصراً .
(2) مسند الإمام زيد : 83 .
(3) انظر : الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1 : 276 .

(248)

على المنبر : إيها الناس ! ثلاث كن على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهن ، وأحرّمهنَّ ، واُعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل .
ثم اعتذر القوشجي عن الخليفة بقوله : إن ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه ، فأن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع لكن اعتداءه عن الخلفية لا معنى له ! لانه لو كان معذوراً فلم يُوجب على نفسه العقوبة إذن ؟ أولم يقل : (واُعاقب عليهن) ؟ !
وإذا كان الإتيان بها غير جائز ، فلم كان ابن عمر وأمامة بن سهل وغيرهما يقولون في أذانهم (حي على خير العمل) ، كما حكاه ابن حزم في المحلى(1) ؟ !
وبهذا . . عرفنا كذلك أن الطالبيين جميعاً كانوا يتحينون الفرص المناسبة للدعوة إلى السنة الشريفة ، وإرجاع الناس إليها . . وإن ابن النباح كان يقول في أذانه : حي على خير العمل ؛ حي على خير العمل . . فإذا رآه عليّ ؛ قال : « مرحباً بالقائلين عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً » (2) .
ويدل هذا النص ، وغيره ، على أن أتباع السنة النبوية كانوا قلة في عهده ، إذ إن معظمهم قد أخذوا بكلام الخليفة عمر بن الخطاب وسيرته ، واعتادوا على ذلك ، سوى أهل البيت وبعض الصحابة !

4 ـ الصلاة على الميت :

يختلف بنو عليّ مع الآخرين في عدد التكبيرات على الميت ، فهم يؤكدون على أنها خمس تكبيرات ، أما عمر فقد جمعهم على الأربع ، لما كانوا يختلفون فيه !

____________
(1) انظر كذلك السيرة الحلبية 2 : 98 باب بدا الاذان ومشروعيته ، ومناظرات في الشريعة الاسلامية للدكتور عبدالمجيد تركي : 284 ، ومجلة تراثنا عدد (32) ص 324 . والمسترشد : 517 .
(2) من لا يحضره الفقيه 1 : 187 | 890 ، وعنه في وسائل الشيعة 5 : 418 | 6973 .

(249)

فقد جاء في مقاتل الطالبيين :
حدثني يحيى بن عليّ ، وغير واحد ؛ قالوا : حدثنا عمر بن شبة ؛ قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن أبي الكرام الجعفري ؛ قال :
1 ـ صلى إبراهيم بن عبدالله بن الحسن على جنازة بالبصرة ، فكبر عليها أربعاً . .
فقال له عيسى بن زيد : لم نقصت واحدة ، وقد عرفت تكبير أهلك ؟
قال : إن هذا أجمع للناس ، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون ، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله .
ففارقه عيسى واعتزله ؛ وبلغ أبا جعفر [ أي المنصور ] فأرسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم ، فلم يفعل ، ولم يتم الأمر حتى قتل إبراهيم ، فاستخفى عيسى بن زيد ؛ فقيل لأبي جعفر : ألا تطلبه ؟
فقال : لا والله ؛ لا أطلب منهم رجلاً بعد محمد وإبراهيم ، أنا أجعل لهم بعد هذا ذكراً ؟ !
قال أبو الفرج الأصفهاني : وأظن هذا وهماً من الجعفري الذي حكاه ، لأن عيسى لم يفارق إبراهيم في وقت من الأوقات ، ولا اعتزله ، قد شهد معه باخمرى حتى قتل إبراهيم ، فتوارى عيسى إلى أن مات (1) . . . ثم أتى بخبر عدم مفارقة عيسى لإبراهيم في ص 413 .
في النص المذكور عدة اُمور بنبغي التدبر فيها :
أ ـ لم نقصت واحدة ، وقد عرفت تكبيرة أهلك :
ب ـ إن هذا أجمع للناس ، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون ؟
ج ـ ليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله ؛ ففارقه عيسى واعتزله .
____________
(1) انظر : مقاتل الطالبيين : 335 و 408 إلى 413 .

(250)

د ـ بلغ أبا جعفر ، فأرسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم ؛ فلم يفعل ، ولما قتل إبراهيم ، اختفى .
ويؤيد موقف عيسى الفقهي ما جاء في مسند الإمام زيد :
2 ـ حدثني زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جده عليّ (رضي الله عنهم) في الصلاة على الميت ؛ قال : تبدأ في التكبيرة الاُولى : بالحمد والثناء على الله تبارك وتعالى ؛ وفي الثانية : الصلاة على النبي ؛ وفي الثالثة : الدعاء لنفسك والمؤمنين والمؤمنات ؛ وفي الرابعة : الدعاء للميت ، والاستغفار له ؛ وفي الخامسة : تكبر وتسلم(1) .
3 ـ وما أخرجه أحمد في مسنده ، عن عبد الأعلى ؛ قال : صليت خلف زيد ابن أرقم على جنازة ، فكبر خمساً . .
فقام إليه أبو عيسى ـ عبدالرحمن بن أبي ليلى ـ فأخذ بيده فقال : نسيت ؟ !
قال : لا ؛ ولكني صليت خلف أبي القاسم خليلي (ص) ، فكبر خمساً ، فلا أتركها أبداً(2) .
4 ـ روى البغوي من طريق أيوب بن النعمان ، عن زيد بن أرقم ، مثله(3) .
5 ـ وأخرج الطحاوي بسنده ، عن يحيى بن عبدالله التميمي ؛ قال : صليت مع عيسى ـ مولى حذيفة بن اليمان ـ على جنازة ، فكبر عليها خمساً . . ثم التفت إلينا ؛ فقال : ما وهمت ، ولا نسيت ، ولكني كبرت كما كبر مولاي ، وولي نعمتي ـ يعني حذيفة بن اليمان ـ صلى على جنازة ، فكبر عليها خمساً ، ثم التفت إلينا ؛ فقال : ما وهمت ، ولا نيست ، ولكني كبرت كما كبر رسول الله(4) .
وبعد هذا فقد وقفت على بعض الأخبار عن ولد عليّ وأنهم كانوا لا
____________
(1) مسند الإمام زيد : 149 .
(2) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 : 370 ، شرح معاني الآثار 1 : 494 | 2827 ، التلخيص : 112 رقم 257 .
(3) الإصابة 2 : 22 .
(4) شرح معاني الآثار 1 : 494 | 2828 .

(251)

يكبرون على الميت إلاّ خمساً ! وقد جاء في مقاتل الطالبيين : ان الحسن بن عليّ صلى على الإمام عليّ وكبر خمس تكبيرات(1) .
إن الدسّ ، ووضع الأحاديث المعارضة المختلقة هي من صنيعة الأمويين ، لكي يتمكنوا من تضعيف روايات السنة أمام السواد الأعظم من هذه الاُمة الممتحنة !
إن مواقف أهل البيت المسطرة على صفحات التاريخ لتدلل ، بكل وضوح ، على أن اُصولهم واحدة واتجاههم واحد ، وأنهم ما حادوا يوماً عن منهج عليّ بن أبي طالب الذي هو التجسيد الحقيقي لما أراده رسول الله (ص) وبينه فعلاً وقولاً وتقريراً .
وأن ظاهرة التشكيك في فقه العلويين ، ونقل المتناقضات عنهم ، ما هي إلاّ خطة حكومية قد وضعت لبنة أساسها الحكومة الأموية ، وسارت على منوالها الحكومة العباسية ، كما سنبين فيما بعد .
استبان من هذا كله أن فقه الإمام زيد لا يبتعد عن فقه عبدالله بن الحسن ومحمد الباقر وجعفر الصادق ، بل كلهم سليل بيت النبوة ، وأبناء عليّ والزهراء ، وأن الارتباط والائتلاف الديني ملحوظ بينهم ، وقد وقفت على بعض النصوص الدالة على ذلك .
فلو كان مذهب زيد غير مذهب الباقر والصادق ، لما ترحموا عليه ، ولما كان يذكر بتلك الجلالة في كتب الرجال عند الشيعة ، ولما قالوا عنه بأنه يعرف ناسخ القرآن من منسوخه ، وأنه سيد أهله ، و . . .
وكذا الحال بالنسبة إلى بني الحسن ، فقد دعا الصادق لهم وهملت عيناه بالدمع لما راى يخرج بهم في محامل(2) .

____________
(1) مقاتل الطالبيين : 41 ، وكذا في درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية : 22 ، 93 .
(2) مقاتل الطالبيين : 219 ـ 220 .

(252)

والملاحظ في سند الصحيفة السجادية يدرك هذه الحقيقة باوضح معالمها اذ الصحيفة الموجودة عن عبدالله بن الحسن هي كالموجوده عند الصادق لقول الراوي « فنظرت واذا هما أمر واحد ولم أجد حرفاً منهما يخالف ما في الصحيفة الاخرى » .

مبرّرات الخلاف

1 ـ سيطرة الروح الثورية على بني الحسن والزيدية .
2 ـ محاولة الحكام إشاعة الفرقة بين صفوف الطالبيين .
3 ـ نجاح الفقهاء الآخرين في احتواء الزيدية .

أما العامل الأول :

فهو سيطرة الروح الثورية على بني الحسن وجماعة زيد ، واستغلال الحكام والمندسين هذه الروح لتشكيكهم في أقوال الصادق وحمل وتفسير كلمات الإمام محمد الباقر وجعفر بن محمد الصادق لبني الحسن على أنها كانت بدافع الحسد والتنافس أو الخوف من القتال ، وما شابه ذلك !
لكن المدقق في أقوال الباقر والصادق لا يستشم فيها شيئاً من هذا ؛ فأقوالهما لا تشير إلى تخطئتهم لقيام محمد النفس الزكية أو ثورة زيد بن علي أو . . . بقدر ما هي ايضاح وكشف أن جهودهم لنا الظروف التي كانت سائدة ، لا هي ظروف ثورة ولا الزمان زمان ثورة ، وهذا ما عرفوه ببصائرهم ، وما ورثوه عن آبائهم في تحليلهم ومعرفتهم للوقائع والأحداث .
جاء في مقاتل الطالبيين ، عن ابن داحة :

(253)

إن جعفر بن محمد قال لعبدالله بن الحسن : « إن هذا الأمر ، والله ليس إليك ، ولا إلى ابنيك ، وإنما هو لهذا ـ يعني السفاح ـ ثم هذا ـ يعني المنصور ـ ثم لولده من بعده ، لا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان ، ويشاوروا النساء » . .
فقال عبدالله : والله يا جعفر ؛ ما أطلعك الله على غيبه ، وما قلت هذا إلاّ حسداً لابني !
فقال : « لا والله ! ما حسدت ابنك ، وإن هذا ـ يعني أبا جعفر المنصور ـ يقتله على احجار الزيت ، ثم يقتل أخاه بعده بالطفوف ، وقوائم فرسه في الماء » .
ثم قام مغضباً يجر رداءه . . فتبعه أبو جعفر المنصور ؛ فقال : أتدري ما قلت يا أبا عبدالله ؟ !
قال : « إي والله أدريه ، وإنه لكائن » (1) .
ثم قال الراوي : فلما ولي أبو جعفر الخلافة ، سمى جعفراً الصادق ، وكان إذا ذكره قال : قال لي الصادق جعفر بن محمد كذا وكذا ، فبقيت عليه(2) .
وقد جاء في الاقبال للسيد ابن طاووس ما كتبه الامام الصادق لعبدالله بن الحسن يعزيه عما صار اليه ، وفيه : إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه اما بعد . . . (3) .
وبهذا يفهم أن الاختلاف بين عبدالله بن الحسن ، وجعفر بن محمد ، لم يكن مذهبياً ، بل إنه ناشئ عن سوء فهم بني الحسن والزيدية مواقف الصادق ، إذ أن في كلمة الصادق : « إلى الخلف الصالح » إشارة إلى كونه لم يحد عن الجادة ؛ وكذا الأمر بالنسبة إلى الإمام زيد بن عليّ بن الحسين ، فقد جاء في تاريخ الشام ، عن
____________
(1) قال ابن خلدون في تاريخه في الفصل الثالث والخمسين 1 : 589 عن الإمام الصادق (ع) : « وقد صح عنه أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم ، فتصح كما يقول ، وقد حذر يحيى ـ ابن عمة زيد ـ من مصرعه وعصاه ، فخرج وقتل بالجوزجان كما هو المعروف ، وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك علما وديناً وآثاراً من النبوة ، وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة » انتهى بلفظه .
(2) مقاتل الطالبيين : 255 ـ 256 .
(3) إقبال الأعمال : 579 .

(254)

عمرو بن القاسم : إن جعفر بن محمد ذكر عمه زيداً فترحم عليه وقال : « كان والله سيداً ، والله ما ترك فينا لدنيانا ولآخرتنا مثله » .
وجاء في « الخطط المقريزية » ، عن جعفر بن محمد ، أنه قال لجماعة تبرؤوا من بيعة زيد بن عليّ : « برئ الله ممن تبرأ من عمي زيد » .
وذكرابن حجر في ترجمة حكيم بن عياش ، في الإصابة :
جاء رجل إلى جعفر بن محمد الصادق ، فقال له : سمعت حكيم بن عياش ينشد هجاءكم بالكوفة .
فقال : « هل علقت منه بشيء ؟ » .
فقال : سمعته يقول :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة * ولم نر مهدياً على الجذع يُصلبُ
وقـِستـُم بـعـثمـان عـليّاً سـفاهـة * وعـثمـان خـيـر مـن عـليّ وأطـيـبُ

فرفع يديه وهما ترعشان ، وقال : « اللهم إن كان عبدك كاذباً فسلط عليه كلبك » . . فبعثه بنو اُمية إلى الكوفة ، فبينا هو يدور في سككها ، إذ افترسه الأسد ، واتصل خبره بجعفر ، فخر ساجداً ثم قال : « الحمد لله الذي أنجزنا وعده » (1) .
وقد روي عنه انه قال : (لعن الله قاتله وخاذله ، وإلى الله أشكو ما نزل بأهل بيت نبيه بعد موته ، ونستعين بالله على عدونا وهو المستعان) .
وجاء في عيون الأخبار : لما خرج زيد بن موسى بن جعفر على المأمون ، وظفر المأمون به ، عفاه لمكان الرضا منه ؛ فقال للرضا : يا أبا الحسن ؛ لئن خرج أخوك ، وفعل ما فعل ، فلقد خرج قبله زيد بن عليّ ، فقتل ، ولولا مكانك مني لقتلته .

____________
(1) الإصابة 1 : 395 .

(255)

فقال الرضا : « يا أمير المؤمنين ؛ لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن عليّ ، فإنه من علماء آل محمد ، غضب لله فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ؛ ولقد حدثني أبي انه سمع أباه جعفراً يقول : رحم الله عمي زيداً ، إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ، وقد استشارني في خروجه ؛ فقلت له : يا عم إن رضيت أن تكون المقتول بالكناسة فشأنك » (1) .
ففي قول الصادق إشارة إلى إخبار الرسول وإخبار عليّ بن أبي طالب والحسين بن علي ، وغيرهم : « بأن رجلاً من ولده يصلب بالكناسة » (2) .

وحدة المواقف الدينية

اتضح مما مضى أن مذهب الإمام زيد لا يخالف مذهب الباقر والصادق ، وكذا الحال بالنسبة إلى بني الحسن ، وإن اختلفوا في بعض المواقف السياسية ، إذ كيف يمكن تصور مخالفة زيد لأخيه الأكبر محمد الباقر ، وكلاهما ابنا عليّ بن الحسين بن عليّ ، والجميع يشهد بفضلهما وجلالة قدرهما ومكانهما من الفقه والشريعة ؟ ! .
فقد وري عن الإمام زيد أنه قال : « من أراد الجهاد فإليّ ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي » .
كما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق : « القائم إمام السيف ، والقاعد إمام علم » (3) .
وهذا ما يبين أن أهل البيت كانوا يواجهون الحكام على الصعيدين العلمي والسياسي . ومن المعلوم أن الاختلاف في المنهجية والاُسلوب ، لا يعني
____________
(1) عيون الأخبار 1 : 194 | 1 ، وقريب منه في تهذيب تاريخ دمشق 6 : 20 .
(2) عيون الأخبار 1 : 195 ، 196 | 2 ، 4 ، مقاتل الطالبيين : 130 .
(3) انظر : جهاد الشيعة للدكتورة سميرة الليثي : 190 ، ومقدمة الصحيفة السجادية كذلك .

(256)

الاختلاف في العقيدة واُصول التشريع ؛ وكان أهل البيت من المعتقدين بضرورة الحفاظ على كلا الاُسلوبين في مجال تبيين الأحكام والسياسة ، من أجل استمرار المواجهة على مر الأيام .
وصحيح أن القيام والقعود خطان متوازيان ، لكنهما يصبان في هدف واحد مشترك ، وهو دوام نهج السنة النبوية الشريفة ، ولهذا السبب نرى في تاريخ الشيعة تيارين حاكمين عبر جميع فترات تاريخهم ، التيار الثوري الرافض ، والتيار المنتظر المحافظ ، ومن التيارين السالب والموجب ـ كما يقول علماء الفيزياء ـ يحدث النور ، وهكذا الأمر بالنسبة للحركة ، فهي لا تنتج إلاّ بتقديم رجل وتأخير اُخرى وكلاهما ضروري للتقدم والسير . فصدور بعض النصوص عن الصادق في زيد أو غيره ، لا يعني التشكيك في قيامه ، بل يرجح أن يكون صدور تلك الأخبار عنه عبارة عن موقف تكتيكي اقتضته الظروف السياسية الخاصة آنذاك . ولأجل ذلك قال الرسول عن الحسن والحسين أنهما إمامان قاما أو قعدا !
وعليه ، فوحدة الفكر والمذهب والمنحى السياسي بين بني الحسن والزيدية والجعفرية لا انفصام لها ، إذ لو لم تكن كذلك ، لما رأينا يحيى بن عبدالله بن الحسن يخاطب جعفر بن محمد الصادق بـ « حبيبي » .
فقد جاء في مقاتل الطالبيين :
كان يحيى يسميه (أي الصادق) حبيبي ، وكان إذا حدث عنه قال : (حدثني حبيبي جعفر بن محمد)(1) .
وكان الصادق قد أوصى إليه ، كما أوصى إلى ابنه موسى واُم ولد كانت عنده بأمور(2) .

____________
(1) مقاتل الطالبيين : 464 .
(2) مقاتل الطالبيين : 464 .

(257)

ألا ترى أن هذه الكلمات تدل على وحدة الهدف وتقارب الفكر والاستدلال ؟
وإذا لم يكونا متحدين ، فكيف يولي أبو السرايا : إبراهيم بن موسى بن جعفر اليمن ، وزيد بن موسى بن جعفر الأهواز(1) ؟
وكيف يقف عليّ بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين أمام الجعفري صاحب البصرة أيام المنصور(2) ؟
وإذا لم يكونا على وفاق في الأمر ، فبم نفسر هذا الخبر :
حدثنا إبراهيم بن إسحاق القطان ؛ قال : سمعت الحسين بن عليّ (صاحب فخ) ، ويحيى بن عبدالله ؛ يقولان : « ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا ، وشاورنا موسى بن جعفر ، فأمرنا بالخروج » (3) .
ولما جاء الجند برؤوس شهداء فخ إلى موسى والعباس ، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين ، لم يتكلم أحد منهم بشيء إلاّ موسى بن جعفر ؛ فقال له : هذا رأس الحسين ؟
فقال : « نعم ؛ إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً ، صالحاً ، صواماً ، قواماً ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله » فلم يجيبوه(4) .
فإذا كانوا على اختلاف في الفقه ، فهل يمكن صدور مثل هذا النص من قبل موسى بن جعفر ؟ وهل يمكن أن يقول يحيى بن عبدالله بن الحسن للصادق : « حبيبي » ؟

____________
(1) مقاتل الطالبيين : 533 .
(2) مقاتل الطالبيين : 534 .
(3) مقاتل الطالبيين : 457 .
(4) مقاتل الطالبيين : 453 .

(258)

وكذا الحال بالنسبة للحسين بن عليّ ويحيى في قولهما : « ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا ، وشاورنا موسى بن جعفر ، فأمرنا بالخروج » ؟
وعلى ضوء ذلك ، فما الفاصل بين وضوء بني الحسن والزيدية إذن ؟ فهل كانا يمثلان خطين متضادين ، أم هما على وفاق فيه ؟
وهل أن وضوء عليّ بن الحسين وزيد بن عليّ وعبدالله بن الحسن كان موافقاً لوضوء عثمان بن عفان وعبدالله بن عمرو بن العاص والربيع بنت معوذ ، أم انهم يعتقدون بما حكاه عليّ بن أبي طالب وأوس بن أبي أوس وعبدالله بن عباس ؟
إن المتتبع لموضوع الوضوء في كتب الحديث والرجال ليقف على حقيقة قد تكون جلية ، خلاصتها : أن بني هاشم لم يكونوا يمسحون على الخفين ، ولا يغسلون الرجلين ، بل يدعون إلى مسح الأرجل ، وكانت لهم مواقف اعتراضية على من نسب الغسل إلى رسول الله (ص) :
أ ـ اعتراض ابن عباس على الربيع بنت معوذ .
ب ـ كلام عليّ بن أبي طالب في الرحبة : « هذا وضوء من لم يُحدِث » .
ج ـ وقوله : « لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدم أولى بالمسح من ظاهره ، إلاّ اني رأيت رسول الله توضأ هكذا » .
د ـ ما سيأتي في العهد العباسي من هذه الدراسة من أقوال الصادقين من آل رسول الله ، وأنهم عدو الغسل الثالث للأعضاء وغسل الرجلين بدعة وليس من فعل رسول الله ، واعترضوا على من يذهب إلى ذلك الرأي .
فظاهرة الغسل ـ كما عرفت ـ حكومية ، ولم تكسب شرعيتها من القرآن(1) ، لاعتراض ابن عباس على الربيع ، وقوله : « أبى الناس إلاّ الغسل ،
____________
(1) سيتضح لك ذلك أكثر في الجانب القرآني من هذه الدراسة .

(259)

ولا أجد في كتاب الله إلاّ المسح » ؛ وقول أنس بن مالك والشعبي وعكرمة : « نزل القرآن بالمسح » . . وما إلى ذلك من النصوص التي سلف ذكرها .
أما الآن ، فمع نص آخر نستشف منه :

موقف عليّ بن الحسين في الوضوء :

أخرج البيهقي في السنن الكبرى ، عن سفيان بن عيينة ؛ قال : حدثنا عبدالله ابن محمد بن عقيل : أن عليّ بن الحسين أرسله إلى الربيع بنت معوذ ليسألها عن وضوء رسول الله (ص) ، فذكر الحديث في صفة وضوء النبي (ص) ، وفيه قالت : « . . . ثم غسل رجليه . . . » . . قالت : « وقد أتاني ابن عم لك ـ تعني ابن عباس ـ فأخبرته ، فقال : ما أجد في كتاب الله إلاّ غسلتين ومسحتين » (1) .
في النص المذكور إشارات عديدة يهمنا منه بعض اُمور :
1 ـ صدور هذا النص في العهد الأموي ، إذ إن عبدالله بن محمد بن عقيل قد توفي سنة 145 ، وعليّ بن الحسين سنة92 ، وبه يكون عبدالله بن محمد قد ولد في العهد الأموي .
2 ـ كون عبدالله بن محمد بن عقيل أصغر سناً ، وموقعاً اجتماعياً من عليّ ابن الحسين ، لفارق الوفاة إذ عد أصحاب الطبقات ابن عقيل من الطبقة الرابعة من التابعين وابن الحسين من الثانية .
3 ـ لا يعني إرسال عليّ بن الحسين ابن عمه عبدالله بن محمد بن عقيل إلى الربيع لأجل الوقوف على حكم الوضوء ، إذ لا يعقل أن لا يعرف عليّ بن الحسين أو عبدالله ـ وهما ابنا رسول الله ، وعاشا في بيت النبوة ـ حكم أمر عباديّ ، يمارسه المسلم عدة مرات في اليوم ؛ ثم كيف يُعقل أن يكون عليّ بن
____________
(1) السنن الكبرى 1 : 72 .

(260)

الحسين وهو بهذا العمر لا يعرف الوضوء ، وأبوه الحسين بن عليّ ، وعماه الحسن وابن الحنفية ، أضف إلى ذلك كونه أحد أئمة المسلمين وفقهاء أهل البيت ؟ !
فهل يمكن قبول كون الأمر تعليمياً ، وراوي الخبر السابق سفيان بن عيينة يقول عنه : (ما كان أكثر مجالستي مع عليّ بن الحسين ، وما رأيت أحداً أفقه منه)(1) ؟ !
وحدث عبدالله محمد القرشي ؛ قال : كان عليّ بن الحسين إذا توضأ اصفر لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يغشاك ؟
فيقول : « أتدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه ؟ » (2) .
فمن هذه حاله ، هل يصدق أن لا يعرف حكم الوضوء ، فيرسل عبدالله بن محمد بن عقيل إلى الربيع ليسألها عن وضوء رسول الله ، ليأخذ منها ؟ !
ومن هو عبدالله بن محمد بن عقيل ؟ ألم يكن ابن زينب الصغرى ـ بنت عليّ ابن أبي طالب ـ وخاله ابن الحنفية و . . . وهل يصدق أن لا يعرف ـ مثل هذا ـ حكم الوضوء ؟
فما الغاية من الإرسال والسؤال إذن ، إن صحت الرواية ؟
من الجلي أن إرسال عليّ بن الحسين ابن عمه عبدالله بن محمد بن عقيل إلى الربيع وسؤالها عن الوضوء لم يكن استفهامياً تعليمياً كما صوره البعض ، بل هو استفهام إنكاري منهم على ما تدّعيه ، ومعناه : كيف بنا ـ ونحن أهل البيت ـ لا نعرف ما تروينه عن رسول الله (ص) !
ويتأكد هذا المدعى بقولها له : « وقد أتاني ابن عم لك » ، وعدم بيانها لصفة وضوء رسول الله ، إذ إن موقف ابن عباس كان اعتراضياً ، وكذا الحال بالنسبة
____________
(1) تهذيب الكمال 20 : 386 .
(2) مختصر تاريخ دمشق 17 : 236 ، سير أعلام النبلاء 4 : 392 ، طبقات ابن سعد 5 : 216 ، حلية الأولياء 3 : 133 ، تهذيب الكمال 20 : 390 .