ملحق

لمّا أعددت مدخل هذه الدراسة للطبع ، وقع في يدي كتاب « رجال الشيعة في الميزان » لعبد الرحمن بن عبد الله الزرعيّ ، الصادر عن دار أرقم في الكويت .
تهجّم فيه المؤلف على الشيعة وخصوصاً على عالمهم الإمام شرف الدين ، ونسب إليه المراوغة والتضليل وكتمان الحقائق في مناقشاته لحديث أبي حيّة عن عليّ بن أبي طالب في الوضوء .
ثمّ ذكر كتاب الإمام عليّ الى محمّد بن أبي بكر وأهل مصر الذي مرّت مناقشته في عهد عليّ ، وذكر كذلك ما أخرجه الشيخ الطوسيّ في كتابيه « التهذيب » و « الاستبصار » بسنده الى عليّ من أنّه قد غسل قدميه ، وأنّ رسول الله قال له : يا عليّ ، خلّل بين الأصابع لا تخلّل بالنار .
ترجيحاً لما ذهب إليه ، وتكذيباً للسيّد شرف الدين .
قال المؤلف بعد نقله الخبرين السابقين « هذه الطرق عن عليّ لا تعرف أبا حيّة ولا أبا إسحاق ولا أبا الأحوص ولا زهير بن معاوية ، فكيف يوهم هذا التقي ! الكذّاب الفرّاء بوقف هذا الحديث على رواية أبي حيّة » (1).

قلت :

المراجع الكتابي « التهذيب » و « الاستبصار » يقف على حقيقة أُخرى ، قال الطوسيّ بعد إيراده الخبر السابق :
(هذا الخبر موافق للعامّة ، وقد ورد مورد التقيّة ، لأنّ المعلوم من مذهب الأئمّة عليهم السلام مسح الرجلين في الوضوء دون غسلهما ، وذلك أشهر من أن يختلج أحداً فيه الريب ....) (2) .
____________
(1) رجال الشيعة في الميزان : 33 .
(2) تهذيب الأحكام 1 : 93 ـ 94 ، رقم الحديث 248 .

(464)

وقال في « الاستبصار » : (هذا الخبر موافق للعامّة ، وقد ورد مورد التقيّة ، لأنّ المعلوم الذي لا يتخالج فيه الشّك من مذهب أئمّتنا القول بالمسح على الرجلين ، وذلك أشهر من أن يدخل فيه شكّ أو ارتياب بيّن ذلك أنّ رواة هذا الخبر كلّهم عامّة ، ورجال الزيديّة وما يختصّون بروايته لا يعمل به على ما بُيّن في غير موضع) (1) .
قال النجاشيّ ، عن أحد رجال سند هذا الحديث ، وهو الحسين بن علوان : (مولاهم ، كوفيّ عامّيّ) (2) .
ونقل المزّيّ ـ من رجال العامّة ـ عن عمرو بن خالد الواسطيّ ـ وهو رجل آخر من رجال سند الحديث السابق ـ : (عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : انّ عمرو بن خالد الواسطيّ ، متروك الحديث ، ليس بشيء) .
وقال أبو بكر الأثرم : (عن أحمد بن حنبل : كذّاب ، يروي عن زيد بن عليّ ، عن آبائه أحاديث موضوعة ، يكذب) .
وقال عبّاس الدوريّ : (عن يحيى بن معين : كذّاب ، غير ثقة ولا مأمون) .
وقال هاشم بن مرثد الطبرانيّ : (عن يحيى بن معين : كذّاب ، ليس بشيء) .
وقال إسحاق بن راهويه ، وأبو زرعة : (كان يضع الحديث) .
وقال أبو حاتم : (متروك الحديث ، ذاهب الحديث لا يشتغل به) .
وقال أبو عبيد الآجريّ : (سألت أبا داود عن عمرو بن خالد الذي يروي عنه أبو حفص الآبار ، فقال هذا كذّاب) .
وقال في موضع آخر : (سألت أبا داود عن عمرو بن خالد ، فقال : (ليس بشيء) .
وقال وكيع : كان جارنا فظهرنا منه على كذب فانتقل .
قلت : كان واسطيّاً ؟
قال ، نعم .
____________
(1) الاستبصار 1 : 66 .
(2) رجال النجاشيّ ص 52 ـ رقم 116 .

(465)

وحكى غيره عن وكيع قال : (كان في جوارنا يضع الحديث ، فلمّا فُطِن له تحوّل الى واسط) .
وقال النسائيّ : (ليس بثقة ولا نكتب حديثه) (1) .
وهكذا نرى أنّه ليس في النصوص التي نقلها المزّيّ عن الرجاليين توثيق واحد لعمرو ابن خالد الواسطيّ .
وقد شكّ البعض ، منهم النسائيّ في نسبة المجموع الى الإمام زيد ، لأنّه روى بطريق واحد وهو طريق عمرو بن خالد الواسطيّ (2) .
وقال الشيخ الطوسيّ : (إنّه بتريّ) (3) .
استبان إذاً أنّ سند هذه الرواية ضعيف عند الشيعة وعند أهل السنّة على السواء . والذي يحزّ في النفس أن نرى الزرعي وأمثاله ينقلون النصوص مبتورة ويكتفون بما يخدم أغراضهم ثمّ يتّهمون الآخرين بكتمان الحقائق والتضليل والزيادة في الرواية ، كما تلاحظ كلامه فيما نقله عن المفيد عن عليّ بن يقطين أنّه كتب الى أبي الحسن موسى الكاظم « جعلت فداك انّ أصحابنا اختلفوا في مسح الأرجل فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطّك ما يكون عملي عليه ، فعلت إن شاء الله . فكتب إليَّ أبو الحسن : فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلّل بشعر لحيتك وتغسل يدك من أصابعك إلى المرفقين ، وتمسح رأسك كلّه وتمسح ظاهر أُذُنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك الى الكعبين ولا تخالف ذلك الى غيره » .
فقال الشيخ الزرعي ، بعد نقله الخبر السابق : (لكنّ أحد رواتهم أو المفيد نفسه لم يترك هذه الرواية بل ألحق بها ما يُفيد أنّ الإمام فعل ذلك تقيّة) (4) . وهكذا أطلق الزرعيّ كلامه هنا تقوّلاً بدون أيّ دليل !
____________
(1) تهذيب الكمال 21 : 605 ـ 606 .
(2) انظر : تاريخ المذاهب الإسلاميّة ، لأبي زهرة (فقه الإمام زيد) .
(3) رجال الشيخ الطوسيّ : 131 .
(4) رجال الشيعة في الميزان : 35 .

(466)

ونحن نورد هنا الخبر بتمامه ليقف القارئ الكريم على ملابسات التشريع الذي أكّدنا عليه سابقاً . جاء في « الإرشاد » للمفيد بعد النصّ السابق :
(وقد سُعِيَ بعليّ بن يقطين الى الرشيد ، وقيل له : إنّه رافضيّ مخالف لك ، فقال الرشيد لبعض خاصته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين ، والقرف له بخلافنا ، وميله الى الرفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على ما يقرف به ، وأحبّ أن استبري أمره من حيث لا يشعر بذلك ، فيتحرّز منّي .
فقيل له : إنّ الرافضة يا أمير المؤمنين ، تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ، ولا ترى غسل الرجلين ، فامتحنته من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه .
فقال : أجل ، انّ هذا الوجه يظهر به أمره .
ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة ، وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ولا يراه هو .
فدعا بالماء للوضوء فتمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه وخلّل شعر لحيته وغسل يديه الى المرفقين ثلاثاً ، ومسح برأسه وأُذنيه وغسل رجليه ، والرشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب ـ يا عليّ بن يقطين ـ من زعم أنّك من الرافضة . وصلحت حاله عنده .
وورد عليه بعدُ كتاب من أبي الحسن الكاظم : ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين ، فتوضّأ كما أمر الله : اغسل وجهك مرّة فريضة ، وأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك ، والسلام) (1) .
تبيّن بعد نقلنا هذا الخبر ظروف التقيّة التي كانت تواجه الشيعة وعرفنا
____________
(1) الإرشاد 2 : 229 .
(467)

بعض ملابسات التشريع ، كما وقفنا على طريقة الزرعي في نقله الأخبار ، وكيف عمد إليها فبترها أو نقلها محرّفه لأغراضه ، فكان شأنه شأن بعض المتعصّبة الذين أشاعوا عن مخالفيهم أنّهم قالوا (لا إله) ولم يُكملوا قولهم (إلاّ الله) للطعن فيهم ونسبة الشرك والكفر إليهم !
من هنا أُخاطب الزرعي : انّك لو كنت تريد حقّاً الاعتماد على مراجع الشيعة (وكتبهم الموثوقة ، حتّى يسقط من أيدي هؤلاء الأخباث السلاح) (1) ، لوجب أن تلتزم النزاهة والأنصاف ، فتنقل أخبارهم كاملة لا ناقصة ولا مبتورة ، إذ أنّك لو أردت الاعتماد على أوّله للمزمك قبول آخره ، ولا يصحّ تبعيض الصفقة ، والأخذ بالبعض ، والادعاء تقوّلاً بأنّ الباقي من وضع المفيد وأمثاله !!
فلو كان الحديث موضوعاً فالوضع لابدّ أن يشمل جميع الخبر ، ولو لم يكن موضوعاً فعليك قبول ذيله كما قبلت أوّله .
وقد ذكرّني عمل الزرعي هذا بما حكاه لي والدي عن عمل التبشير المسيحيّ ضدّ الإسلام في إفريقيا أواخر الخمسينات .
إذ قال لي : ومن أفعالهم أنّهم طبعوا كتاباً ضدّ القرآن ، أثاروا فيه أكثر من ألف ومائتي شبهة منها ما يتعلّق بوجوه الإعراب ، ومنها ما يتعلّق بالمعاني والبلاغة ، مدّعين وجود التناقض في كلام الله ، وأنّ القرآن ليس بمعجزة خالدة ، ليشكّكوا بسطاء المسلمين في دينهم !
وقد جيء بنسخة من هذا الكتاب الى العلاّمة المرحوم السيّد هبة الدين الشهرستانيّ لينقده ، فلمّا تصفّح الكتاب ، تنفّس الصعداء وقال : قاتل الله الأهواء والعصبيّة والميل الى الدنيا ، كيف سوّل لهم تحريف الحقائق فتراهم ينقلون وجهاً تاركين الوجه الآخر منه .
إنّ شبهات هذا الكتاب أسئلة وأجوبة متبادلة بين محمّد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازيّ وأخ له في الدين ، وقد تذاكروها وجمعوا النتاج في كتاب أسئلة القرآن وأجوبتها ، أو مسائل الرازيّ من غرائب التنزيل .
____________
(1) رجال الشيعة في الميزان : 11 .
(468)

فالمبشّرون أخذوا أسئلة ذلك الكتاب وصاغوها بأسلوب جديد ، وطبعوه طباعة أنيقة وبإخراج جميل ، دون الإشارة الى أنّها شبهات نبعت من واقع المسلمين ، ليضلّوا به الناس ويبعدوهم عن الوقوف على الحقيقة ، لكنّ الله متمّ نوره وله كره الكافرون .
وما أشبه الليلة بالبارحة ! والتاريخ يعيد نفسه ، وطرق التمويه والتضليل لا تختلف في أصولها كثيراً ، ونسبة الكذاب والتضليل تأتي من المحقّ والمبطل ، وقد ضاع الحق بين هذا وذاك .
أمّا رجال العلم وأتباع المنطق ، فلا تخفى عليهم الخفايا والمطامع ، ويعرفون الأساليب التي يتّخدها المغرضون امثال الزرعي ، فتراهم يخضعون المشكوك والمختلف فيه للأُصول الثابتة في الشريعة وعند العقلاء ، ويضعونها على محكّ العلم والمنطق ، فالخلافيّات عندهم تطرح أوّلاً على الكتاب والسنّة ثمّ يدرسون واقع المسلمين وملابسات التشريع ليكشفوا عن الحقيقة الضائعة .
بعد هذا بات واضحاً أنّ الزرعي يسعي للتمويه والتضليل لا الإمام شرف الدين . وقديماً قيل : « رَمَتني بدائها وانسَلّت » !
وينكشف مدعانا أكثر لو تصفّح المطالع وراجع مصادر الزرعي المشار إليها في هامش كتابه ، فمثلاً تراه ينقل الأحاديث الذامّة لزرارة دون نقل الأحاديث المادحة له !
ولو كان باحثاً موضوعيّاً حقّاً لنقل النصوص كلّها بما فيها من المدح والذم ، ودخل لمناقشتها ، وأن لا يكتفي بالاستناد على نصوص الذمّ وحدها ممّا أتى بها الرجاليّون لدارسة ظروف الخبر وبيان ملابساته .
ولو صدق في مدّعاه أنّ زرارة كذّاب لا يؤخذ بكلامه ، فليأتنا بكلام رجاليّ واحد من رجاليّي الشيعة يخدش زرارة ويطرحه من الاعتبار .
هذا وقد ضعّف السيّد الخوئيّ ـ الذي استند المؤلّف على نقل الأقوال من معجمه ـ جميع الأحاديث الذامّة ، بعد نقله لها ، إمّا سنداّ أو دلالة .
إنّ النصوص الذامّة لزرارة في كتب الرجال قد صدرت تحت ظروف خاصّة ، وأنّ الرجاليين جاءوا ليبيّنوا ملابساتها لا للتشكيك في زرارة وأمثاله وجرحه .
(469)

فزرارة أجلّ من أن يرد فيه شكّ ، وأنّ الشيعة وبطرقهم الحديثيّة والرجاليّة هم أدرى بقيمة زرارة ومكانته عند الصادق من الزرعي وأضرابه الذين يريدون التمويه والتضليل وقلب الحقائق .
لنرجع الى حديث وضوء عليّ بن أبي طالب ..
اتّضح للمطالع ـ وفق الصفحات السابقة ـ أنّ الإمام عليّاً كان يتوضّأ الوضوء الثنائيّ المسحيّ ، وقد أكدنا على هذا الأمر مراراً ، وقد جاء عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر أنّه غسل وجهه وظاهر جبينه مرّة واحدة ، ثمّ غمس يده اليسرى فغرف بها فملأها ثمّ وضع الماء على مرفقه الأيمن ، فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف اصابعه ، ثمّ غرف بيمينه فملأها ، ووضع على مرفقه الأيسر فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ومسح مقدم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقيّة بلّة يمناه .. ثمّ قال : إنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين عن وضوء رسول الله فحكى له مثل ذلك (1) .
وقد جاء ما حكاه الإمام الباقر عن أمير المؤمنين في كتب الصحاح والسنن تلويحاً وتصريحاً ، وهو ممّا يؤيّد المرويّات المنقولة عن أئمّة أهل البيت في كتب الإمامية .
إنّ هذا كلّه لَيدلّنا على أنّ الإمام شرف الدين لا يريد المراوغة والتضليل بل إنّه كان معنِيّاً بتوضيح الحقائق وكشف المجهولات وعمله هذا لم يُرضِ دعاة الجمود والآمرين بكمّ الأفواه والأسماع !
إنّ الإنسان ـ كما نعلم ـ لا يخرج في بحوثه العلميّة عن إحدى ثلاث :
1 ـ أن يصل الى نتيجة مغلوطة ، أي أنّ المقدّمات التي بناها في بحثه كانت مقدّمات خاطئة ، وقد يعذر شخص كهذا .
2 ـ أن يسعى للتضليل وتمويه الحقائق ، أي أنّه يقف على أدلّة الآخرين ويدركها ، لكنّه يتجاهلها أو ينقلها مبتورة ، أو محرّفة ، انسياقاً وراء العصبيّة والطائفيّة واتّباعاً لما وجد عليه الآباء !
3 ـ أن يصل الى الحقيقة عن قناعة واستيقان ، فتراه لا يتهيّب من مواجهة
____________
(1) انظر : الكافي 3 : 25|4 ؛ من لا يحضره الفقيه 1 : 24|74 .
(470)

الأسئلة والإشكالات حتّى على نفسه ، فيدرس الشبهات المطروحة بروح علميّة وأناة وموضوعيّة .
والواقع أنّ الزرعيّ ـ حسب استنتاجنا ـ كان من القسم الثاني ، إذ تراه يلجأ الى الفحش والسباب أسلوباً في تعامله ، وينقل وجهاً من القضيّة مغفلاً الآخر ، كالذين يومنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض . وهو يعبّر ـ بهذا ـ عن ضعفه وعن هزيمته الداخليّة .
وإنّي أستبعد أن يكون شخص كالزرعيّ قد ادّعى أنّه راجع عدة كتب في فقه الشيعة ورجالها وأشار الى صفحاتها أن لا تكون قد مرّت به ـ أثناء مطالعته ـ الأدلّة المادحة لزرارة وهي أكثر من أن تحصى ، منها قول الكشيّ ـ الذي انحصرت روايات ذمّ زرارة عنه ـ : (أجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله ، وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ...) (1) .
وقول الصادق لجميل بن درّاج : « بشّر المخبتين بالجنّة : بريد بن معاوية العجليّ ، وأبا بصير ليث بن البختريّ المراديّ ، ومحمّد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست » (2) .
أو قوله عنهم : « هؤلاء القوّامون بالقسط ، القوّالون بالصدق » .
أو قوله : « رحم الله زرارة بن أعين ، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي » (3) .
وفي آخر : « هؤلاء حفّاظ الدين وأُمناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة » .
____________
(1) انظر : معجم رجال الحديث 7 : 219 .
(2) انظر : معجم رجال الحديث 7 : 222 .
(3) انظر : معجم رجال الحديث 7 : 224 .

(471)

أو قوله في آخر : « وأنا والله عنك راضٍ ، فما تبالي ما قال الناس بعد هذا » (1) وغيرها .
ترى ما يعني إغفاله ذكر الوجه الآخر من الموضوع مع أنّه قد وقف عليه ؟!
وهل من المعقول أن لا يقف على الخبر الآتي وأمثاله ، وهو يتصفّح كتب الرجال ليقتنص ضعاف الرواة !!
وإذا وقف عليه ، فلماذا لا ينقل الوجه الآخر ؟! مع أنّه يرى الإمام الصادق يعلّل سبب تكذيبه ولعنه له !
فعن عبد الله بن زرارة قال : قال لي أبو عبد الله ـ أي الإمام الصادق ـ : « إقرأ منّي على والدك السلام وقل له : انّي إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك ، فإنّ النّاس والعدو يسارعون الى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبّه ونقرّبه ويرمونه ؛ لمحبّتنا وقربه ودنوّه منّا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كلّ من عبناه نحن . فإنّما أعيبك لأنّك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا ، وبميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون بذلك منّا دافع شرّهم عنك .. يقول الله عزّ وجلّ ( أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصباً ) هذا التنزيل من عند الله « صالحة » ، لا والله ما عابها إلاّ لكي تسلم من الملك ، ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ، ليس العيب فيها مساغ والحمد لله ، فافهم المثل يرحمك الله .
فإنّك والله أحبّ الناس وأحبّ أصحاب أبي حيّاً وميتاً ، فإنّك أفضل سفن ذلك البحر ... » (2) .
بعد هذا ماذا يمكننا أن نقول عن أمثال الزرعيّ ممّن يقفون على وجوه التقيّة في كتب الشيعة ثمّ ينسبون الى المفيد أنّه أضاف الى الرواية وادّعى على إمامه
____________
(1) انظر : معجم رجال الحديث 7 : 228 .
(2) انظر : معجم رجال الحديث 7 : 226 .

(472)

أنّه عمل بها تقيّة !!
ألم يوضّح هذا النصّ سرّ ذمّ الإمام الصادق لزرارة ؟!
وإذا عقل الزرعي وفهم هذا المعنى ، فلماذا يلجأ الى تشويه الحقائق وتلفيق الأباطيل ؟!
وإن لم يعقل ، فعلى الإسلام السلام .
نعم ، كان الأُسلوب التضليليّ وكتمان الحقائق من أهم المكائد التي واجهت الرسالة الإسلامية منذ ظهورها ، وليست هي وليدة اليوم وكان رسول الله (ص) يستاء من عمل اليهود والنصارى وإيمانهم ببعض وكفرهم بالآخر . بيد أنّ الحقّ لابدّ أن يظهر من وراء السحاب الداكن لا محالة
وفي الختام أودّ التنويه بأنّنا سندرس الأحاديث الغسليّة المنسوبة الى عليّ ابن أبي طالب ، سواء رواها أبي حيّة أو أبي الأحوص أو ابي إسحاق أو غيرهم في الفصل الأوّل من كتابنا هذا ، بإذن الله تعالى .

* * *