وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدت عليهم البلوى ، وحمل عليهم بالخشب والحجارة ، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر ، وراسلوه فقالوا : كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك ، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الامر ، وكانت ليلة قمراء ، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام وكان في ذلك الوقت حديث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز ، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما ثم قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك ، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الارض شكرا لله عزوجل ، فلم يزدهم على أن قال : أرجو أن يعجل الله فرجكم ( 1 ) ، ثم غاب بعد ذلك ، وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام ، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الاولى وكان نيفا وخمسين سنة واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا ، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيب نفوسهم ( 2 ) وأعلمهم أن الله عزوجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة ، فقالوا بأجمعهم : الحمد لله ، فأوحى الله عزوجل إليه ( 3 ) قل لهم : قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم « الحمد لله » ، فقالوا : كل نعمة فمن الله ، فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشرين سنة ، فقالوا : لا يأتي بالخير إلا الله ، فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشرا ، فقالوا : لا يصرف السوء إلا الله ، فأوحى الله إليه قل لهم : لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم ، فبينا هم كذلك إذ طلع موسى عليه السلام راكبا حمارا . فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه ، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه : ما اسمك ؟ فقال : موسى ، قال : ابن من ؟ قال : ابن عمران ، قال : ابن من ؟
____________
( 1 ) أي قال موسى عليه السلام : ارجو أن يعجل الله تعالى فرجكم ، ولم يزد على هذا الدعاء ولم يتكلم بشيء آخر سوي ذلك ثم غاب عنهم .
( 2 ) في بعض النسخ « وطيب قلوبهم » .
( 3 ) أي الى الفقيه ولعله كان نبيا أو المراد الالهام كما كان لام موسى عليه السلام .

( 147 )

قال : ابن قاهت ( 1 ) بن لاوي بن يعقوب ، قال : بماذا جئت ؟ قال : جئت بالرسالة من عند الله عزوجل ، فقام إليه فقبل يده ، ثم جلس بينهم فطيب نفوسهم وأمرهم أمره ثم فرقهم ، فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة .
13 ـ حدثنا أبي ؛ ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ؛ وعبد الله بن جعفر الحميري ؛ ومحمد بن يحيى العطار ؛ وأحمد ابن إدريس جميعا قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن يوسف ابن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلا فقال : إن هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب وإنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران عليه السلام ، غلام طوال جعد آدم . فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمي ابنه عمران ويسمي عمران ابنه موسى . فذكر أبان بن عثمان ، عن أبي الحسين ( 2 ) عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : ما خرج موسى حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل كلهم يدعي أنه موسى ابن عمران .
فبلغ فرعون أنهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام ( 3 ) وقال له كهنته وسحرته : إن هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الذي يولد العام من بني إسرائيل . فوضع القوابل على النساء وقال : لا يولد العام ولد إلا ذبح ، ووضع على ام موسى قابلة فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا : إذا ذبح الغلمان واستحيي النساء هلكنا ، فلم نبق ، فتعالوا : لانقرب النساء ، فقال عمران أبو موسى عليه السلام : بل باشروهن فان أمر الله واقع ولو كره المشركون ، اللهم من حرمه فإني الا احرمه ، ومن تركه فإني لا أتركه ،
____________
( 1 ) بالقاف فالهاء ثم الثاء المثلثة كما في المعارف لابي قتيبة .
( 2 ) في بعض النسخ « أبي الحصين » .
( 3 ) في بعض النسخ « يرجعون به ويظنون هذا الغلام » . وأرجف القوم بالاخبار إي خاضوا فيها وافتتنوا .

( 148 )

ووقع على ام موسى ( 1 ) فحملت ، فوضع على ام موسى قابلة تحرسها فإذا قامت قامت وإذا قعدت قعدت ، فلما حملته امه وقعت عليها المحبة وكذلك حجج الله على خلقه ، فقالت لها القابلة : مالك يا بنية تصفرين وتذوبين ؟ قال : لا تلوميني فإني إذا ولدت اخذ ولدي فذبح ، قالت : لا تحزني فإنى سوف أكتم عليك ، فلم تصدقها ، فلما أن ولدت إلتفت إليها وهي مقبلة فقالت : ما شاء الله ، فقالت لها : ألم أقل : إني سوف أكتم عليك ، ثم حملته فأدخلته المخدع ( 2 ) وأصلحت أمره ، ثم خرجت إلى الحرس فقالت : انصرفوا ـ و كانوا على الباب ـ فإنما خرج دم منقطع فانصرفوا ، فأرضعته فلما خافت عليه الصوت أوحى الله إليه أن اعملي التابوت ، ثم اجعليه فيه ، ثم أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر فوضعته في التابوت ، ثم دفعته في اليم ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر ، و إن الريح ضربته فانطلقت به ، فلما رأته قد ذهب به الماء همت أن تصيح فربط الله على قلبها .
قال : وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل ، قالت لفرعون : إنها أيام الربيع فأخرجني واضرب لي قبة على شط النيل حتى أتنزه هذه الايام ، فضربت لها قبة على شط النيل إذ أقبل التابوت يريدها ، فقالت : هل ترون ما أرى على الماء ؟ قالوا : إي والله يا سيدتنا إنا لنرى شيئا ، فلما دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها وكاد الماء يغمرها حتى تصايحوا عليها فجذبته وأخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها ، فإذا هو غلام أجمل الناس وأسترهم فوقعت عليها منه محبة ، فوضعته في حجرها وقالت : هذا ابني ، فقالوا : إي والله يا سيدتنا والله مالك ولد ولا للملك فاتخذي هذا ولدا ، فقامت إلى فرعون وقالت : إني أصبت غلاما طيبا حلوا نتخذه ولدا فيكون قرة عين لي ولك فلا تقتله ، قال : ومن أين هذا الغلام ؟ قالت : والله ما أدري إلا أن الماء جاء به ، فلم تزل به حتى رضي ، فلما سمع الناس أن الملك قد تبنى ابنا لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا أو تحضنه
____________
( 1 ) في بعض النسخ « وباشر ام موسى » .
( 2 ) المخدع والمخدع ـ بالكسر والضم ـ : الخزانة والبيت الداخل .

( 149 )

فأبى أن يأخذ من امرأة منهن ثديا ، قال امرأة فرعون : اطلبوا لابني ظئرا ولا تحقروا أحدا ، فجعل لا يقبل من امرأة منهن ، فقالت ام موسى لاخته : قصيه ( 1 ) انظري أترين له أثرا ، فانطلقت حتى أتت باب الملك فقالت : قد بلغني أنكم تطلبون ظئرا وههنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفله لكم ، فقالت : ادخلوها ، فلما دخلت قالت لها امرأة فرعون : ممن أنت ؟ قالت : من بني إسرائيل قالت : اذهبي بابنية فليس لنا فيك حاجة ، فقلن لها النساء : انظري عافاك الله يقبل أولا يقبل ، فقالت امرأة فرعون : أرأيتم لو قبل ها يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ فلا يرضى قلن : فانظري يقبل أولا يقبل ، قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها ، فجاءت إلى امها وقالت : إن امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها ، ثم ألقمته ثديها فازدحم اللبن في حلقه ، فلما رأت امرأة فرعون أن ابنها قد قبل قامت إلى فرعون فقالت : إني قد أصبت لابني ظئرا وقد قبل منها ، فقال : ممن هي ؟ قالت : من بني إسرائيل قال : فرعون هذا مما لا يكون أبدا ، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني اسرائيل فلم تزل تكلمة فيه وتقول : ما تخاف من هذا الغلام ؟ إنما هو ابنك ينشؤ في حجرك حتى قلبته عن رأيته ورضي .
فنشأ موسى عليه السلام في آل فرعون وكتمت امه خبره واخته والقابلة ، حتى هلكت امه والقابلة التي قبلته ، فنشأ عليه السلام لا يعلم به بنو إسرائيل قال : وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه فيعمى عليهم خبره ، قال : فبلغ فرعون أنهم يطلبونه ويسألون عنه ، فأرسل إليهم فزاد في العذاب عليهم ، وفرق بينهم ونهاهم عن الاخبار به والسؤال عنه ، قال : فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده عليم فقالوا : قد كنا نستريح إلى الاحاديث فحتى متى وإلى متى نحن في هذا البلاء ؟ قال : والله إنكم لا تزالون فيه حتى يجيئ الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران غلام طوال جعد فبيناهم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغلة حتى وقف عليهم ، فرفع الشيخ
____________
( 1 ) يعني اتبعيه ، يقال : قص الاثر واقتصه إذا تبعه .
( 150 )

رأسه فعرفه بالصفة فقال له : ما اسمك يرحمك الله ؟ قال : موسى ، قال : ابن من ؟ قال : ابن عمران ، قال : فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبلها وثاروا إلى رجله فقبلوها فعرفهم وعرفوه واتخذ شيعة .
فمكث بعد ذلك ما شاء الله ، ثم خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلا من ال فرعون من القبط ، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه القبطي فوكزه موسى فقضي عليه ، وكان موسى عليه السلام قد اعطى بسطة في الجسم وشدة في البطش ، فذكره الناس وشاع أمره ، وقالوا : إن موسى قتل رجلا من آل فرعون فأصبح في المدينة خائفا يترقب فلما أصبحوا من الغد إذا الرجل الذي استنصره بالامس يستصرخه على آخر ، فقال له موسى : إنك لغوي مبين ، بالامس رجل واليوم رجل « فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالامس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الارض وما تريد أن تكون من المصليحن * وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين * فخرج منها خائفا يترقب » ( 1 ) فخرج من مصر بغير ظهر ( 2 ) ولادابة ولا خادم ، تخفضه أرض وترفعه اخرى حتى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر وإذا عندها امة من الناس يسقون ، وإذا جاريتان ضعيفتان ، وإذا معهما غنيمة لهما ، قال : ما خطبكما قالتا : أبونا شيخ كبير ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال فإذا سقى الناس سقينا ، فرحمهما موسى عليه السلام فأخذ دلوهما وقال لهما : قد ما غنمكما فسقى لهما ، ثم رجعتا بكرة قبل الناس ، ثم تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها ، « فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير » ـ فروي أنه قال ذلك وهو محتاج إلى شق تمرة ـ فلما رجعتا إلى أبيهما قال : ما أعجلكما في هذه الساعة ؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقي لنا ، فقال لاحديهما إذهبي فادعيه لى فجاءته تمشي
____________
( 1 ) راجع سورة القصص 14 إلى 20 .
( 2 ) أي بلا رفيق ومعين أو بغير زاد وراحلة .

( 51 )

على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا . فروي أن موسى عليه السلام قال لها : وجهني إلى الطريق وامشي خلفي فإنا بنو يعقوب لاننظر في أعجاز النساء « فلما جاءه وقص عليه القصص قال : لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت إحديهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين * قال إني اريد أن أنكحت إحدي ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك » . فروي أنه قضى أتمهما لان الانبياء عليهم السلام لا يأخذون إلا بالفضل والتمام . فلما قضي موسى الاجل وسار بأهله نحوبيت المقدس أخطأ عن الطريق ليلا فرأي نارا فقال لاهله : امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو بخبر من الطريق ، فلما انتهى إلى النار إذا شجرة تضطرم ( 1 ) من أسفلها إلى أعلاها ، فلما دنا منها تأخرت عنه فرجع وأوجس في نفسه خيفة ، ثم دنت منه الشجرة فنودي من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين ، وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبر اولم يعقب فإذا حية مثل الجذع لاسنانها ( 2 ) صرير يخرج منها مثل لهب النار ، فولى موسى مدبرا فقال له ربه عزوجل : ارجع فرجع وهو يرتعد وركبتاه تصطكان ، فقال : يا إلهي هذا الكلام الذي أسمع كلامك ؟ قال : نعم فلا تخف ، فوقع عليه الامان فوضع رجله على ذنبها ، ثم تناول لحييها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا ، وقيل له : اخلع نعليك انك بالواد المقدس طوي .
فروى أنه أمر بخلعهما لانهما كانتا من جلد حمار ميت .
( وروي في قوله عزوجل « فاخلع نعليك » أي خوفيك : خوفك من ضياع أهلك وخوفك من فرعون ) .
ثم أرسله الله عزوجل إلى فرعون وملائه بآيتين بيده والعصا . فروي عن الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه : كن لما لا ترجوا أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى
____________
( 1 ) الضرام : اشتعال النار واضطرمت النار إذا التهبت . ( الصحاح ) .
( 2 ) في بعض النسخ « لانيابها » . والجذع من الدواب الشاب الفتى فمن الابل ما دخل في السنة الخامسة ومن البقر والمعز ما في الثانية ومن الضأن ما تمت له سنة .

( 152 )

ابن عمران عليه السلام خرج ليقتبس لاهله نارا ، فرجع إليهم وهو رسول نبي فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى عليه السلام في ليلة ، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ، يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيه موسى عليه السلام ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور .
14 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا المعلى بن محمد البصري ، عن محمد بن جمهور ، وغيره ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : في القائم عليه السلام سنة من موسى بن عمران عليه السلام فقلت : وما سنته من موسى بن عمران ؟ قال : خفاء مولده ، وغيبته عن قومه ، فقلت : وكم غاب موسى عن أهله وقومه ؟ فقال : ثماني وعشرين سنة .
15 ـ وحدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق المكتب رضي الله عنه قال : حدثنا الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور قال : حدثنا محمد بن هارون الهاشمي قال : حدثنا أحمد بن عيسى قال : حدثنا أبو الحسين أحمد بن سليمان الرهاوي ( 1 ) قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية ، عن أبيه محمد ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المهدي منا أهل البيت ، يصلح الله له أمره في ليلة . وفي رواية اخري يصلحه الله في ليلة .
16 ـ حدثنا أبي ؛ ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا عبد الله ابن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسى ، عن سليمان بن داود ( 2 ) ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء ، سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم
____________
( 1 ) الظاهر ه أحمد بن سليمان بن عبد الملك بن أبي شيبة الجزري أبو الحسين الرهاوي الحافظ المعنون في تهذيب التهذيب فقيه صدوق . والرهاوي بضم الراء المهملة كما في الخلاصة .
( 2 ) يعني المنقري .

( 153 )

أجمعين ، فأما من موسى فخائف يترقب ، وأما من يوسف فالسجن ، وأما من عيسى فيقال له : إنه مات ولم يمت ، وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالسيف .
7
( باب )
* ( ذكر مضى موسى عليه السلام ووقوع الغيبة بالاوصياء ) *
* ( والحجج من بعده إلى أيام المسيح عليه اسلام ) *
17 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا الحسن بن علي السكري قال : حدثنا محمد بن زكريا البصري قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام : أخبرني بوفاة موسى بن عمران عليه السلام ، فقال : إنه لما أتاه أجله واستوفي مدته وانقطع اكله أتاه ملك الموت عليه السلام فقال له : السلام عليك يا كليم الله ، فقال موسى : وعليك السلام من أنت ؟ فقال : أنا ملك الموت ، قال : ما الذي جاء بك ؟ قال : جئت لاقبض روحك ، فقال له موسى عليه السلام : من أين تقبض روحي ؟ قال : من فمك ، قال موسى عليه السلام : كيف وقد كلمت به ربي جل جلاله ، قال : فمن يديك ، قال : كيف وقد حملت بهما التوراة ، قال : فمن رجليك ، قال : كيف وقد وطأت بهما طور سيناء ، قال : فمن عينك ، قال : كيف ولم تزال إلى ربى بالرجاء ممدودة قال : فمن اذنيك ، قال : يكف وقد سمعت بهما كلام ربى عزوجل ، قال : فأوحي الله تبارك وتعالى إلى ملك الموت : لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك ، وخرج ملك الموت ، فمكث موسى عليه السلام ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك ، ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره وبأن يوصى بعده إلي من يقوم بالامر ، وغاب موسى عليه السلام عن قومه فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبرا فقال له : إلا اعينك على حفر هذا القبر ؟ فقال له الرجل : بلى ، فأعانه حتى حفر القبر وسوي اللحد ، ثم اضطجع فيه موسى عليه السلام لينظر كيف هو فكشف الله له الغطاء فرأى مكانه في الجنة ، فقال : يا رب اقبضني إليك ، فقبض ملك الموت روحه مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب ، وكان


( 154 )

الذي يحفر القبر ملك الموت ( 1 ) في صورة آدمي ، وكان ذلك في التيه ، فصاح صائح من السماء : مات موسى كليم الله ، وأي نفس لا تموت ، فحدثني أبي عن جدي عن أبيه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن قبر موسى أين هو ؟ فقال : هو عند الطريق الاعظم عند الكثيب الاحمر .
ثم إن يوشع بن نون عليه السلام قام بالامر بعد موسى عليه السلام صابرا من الطواغيت على اللاواء ( 2 ) والضراء والجهد البلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت ، فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى عليه السلام بصفراء بنت شعيب امرأة موسى عليه السلام في مائة ألف رجل . فقاتلوا يوشع بن نون عليه السلام فقتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره ، وأسر صفراء بنت شعيب ، وقال لها : قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن ألقى نبي الله موسى عليه السلام فأشكو إليه ما لقيت منك ومن قومك .
فقالت صفراء : واويلاه ، والله لو ابيحت لي الجنة لا ستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه ، وخرجت على وصيه بعده ، فاستتر الائمة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود عليه السلام أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر وكان قوم كل واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم حتى انتهى الامر إلى آخرهم ، فغاب عنهم ثم ظهر ( لهم ) فبشرهم بداود عليه السلام وأخبرهم أن داود عليه السلام هو الذي يطهر الارض من جالوت وجنوده ، ويكون فرجهم في ظهوره فكانوا ينتطرونه ، فلما كان زمان داود عليه السلام كان له أربعة إخوة ولهم أب شيخ كبير ، وكان داود عليه السلام من بينهم حامل الذكر وكان أصغر أخوته لا يعلمون أنه داود النبي المنتظر الذي يطهر الارض من جالوت وجنوده ، وكانت الشيعة يعلمون أنه قد ولد وبلغ اشده وكانوا يرونه و يشاهدونه ولا يعلمون أنه هو .
فخرج داود عليه السلام وإخوته وأبوهم لما فصل طالوت بالجنود و تخلف عنهم داود ، وقال : مايصنع بي في هذا الوجه ، فاستهان به إخوته وأبوه وأقام في
____________
( 1 ) لفظة « الموت » ليست في الامالي ولا في بعض النسخ الكتاب .
( 2 ) اللاواء : الشدة .

( 155 )

غنم أبيه يرعاها فاشتد الحرب وأصاب الناس جهد ، فرجع أبوه وقال لداود : احمل إلى إخوتك طعاما يتقوون به على العدو ، وكان عليه السلام رجلا قصيرا قليل الشعر طاهر القلب ، أخلاقه نقية ، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كل واحد منهم إلى مركزه ، فمر داود عليه السلام على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع : يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله . فأخذه ووضعه في مخلاته التي كانت تكون فيها حجارته التي كان يرمي بها غنمه ، فلما دخل العسكر سمعهم يعظموم أمر جالوت ، فقال لهم : ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لاقتلنه ، فتحدثوا بخبره حتى أدخل على طالوت فقال له : يا فتى ما عندك من القوة وما جربت من نفسك ؟ قال : قد كان الاسد يعدوا على الشاة من غنمي فادركه فآخذ برأسه وأفك لحييه عنها فاخذها من فيه ، وكان الله تبارك وتعالى أوحى الله إلى طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملاها ، فدعا بدرعه فلبسها داود عليه السلام فاستوت عليه فراع ( 1 ) ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل فقال : عسى الله أن يقتل به جالوت ، فلما أصبحوا والتقى الناس قال داود عليه السلام : أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فرماه به فصك به بين عينيه فدمغه ( 2 ) وتنكس عن دابته فقال الناس : قتل داود جالوت ، وملكه الناس ( 3 ) حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر ، واجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد فلينه له ( 4 ) وأمر الجبال والطير أن تسبح معه ، وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا ، وأعطاه قوه في العبادة . وأقام في بني إسرائيل نبيا .
وهكذا ( 4 ) يكون سبيل القائم عليه السلام له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، وأنطقه الله عزوجل فناداه اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله ، وله سيف
____________
( 1 ) أي أعجب من راعه يروعه أي أفزعه وأعجبه .
( 2 ) دمغه أي شجه حتى بلغت الشجة الدماغ .
( 3 ) أي عدوه ملكا لهم ، وفي بعض النسخ « وملكه الله عزوجل الناس » .
( 4 ) قالوا انما كشف ذوب الحديد قبل ميلاد المسيح بالف سنة وهو زمان داود عليه السلام . ويسمونه عصر الحديد وفي التنزيل : « وألنا له الحديد » .
( 4 ) كلام المؤلف .

( 156 )

مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده ( 1 ) وأنطقه الله عزوجل فناداه السيف اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله ، فيخرج عليه السلام ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ( 2 ) ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله عزوجل .
حدثني بذلك أبو الحسن أحمد بن ثابت الدواليني بمدينة السلام ، عن محمد بن الفضل النحوي ، عن محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي ، عن علي بن عاصم ، عن محمد بن علي ابن موسى ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر حديث طويل ـ قد أخرجته في هذا الكتاب في باب ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من النص على القائم عليه السلام وأنه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ـ .
ثم ( 3 ) إن داود عليه السلام أراد أن يستخلف سليمان عليه السلام لان الله عزوجل أوحى إليه يأمره بذلك ، فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك وقالوا : يستخلف علينا حدثا وفينا من هو أكبر منه ، فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم : قد بلغني مقالتكم فأروني عصيكم فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الامر من بعدي ، فقالوا : رضينا ، فقال : ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه ، فكتبوه ثم جاء سليمان عليه السلام بعصاه فكتب عليها اسمه ، ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسته رؤوس أسباط بني إسرائيل ، فلما أصبح صلى بهم الغداة ، ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت ، فسلموا ذلك لداود عليه السلام ، فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له : يا بني أي شيء أبرد ؟ قال : عفو الله عن الناس وعفوا الناس بعضهم عن بعض ، قال : يا بني فأي شئ أحلى ؟ قال : المحبة وهو روح الله في عباده . فافتر داود ضاحكا ( 4 ) فسار به في بني إسرائيل ، فقال : هذا خليفتي فيكم من بعدي ، ثم أخفى سليمان بعد ذلك أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر ، ثم إن
____________
( 1 ) الغمد بكسر المعجمة : غلاف السيف .
( 2 ) أي حيث وجدهم وصادفهم .
( 3 ) تتمة الخبر .
( 4 ) افتر أي ضحك ضحكا حسنا .

( 157 )

امرأته قالت له ذات يوم : بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك ، فقال لها سليمان عليه السلام : إني والله ما عملت عملا قط ولا أحسنه ، فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا ، فقال لها : ما أصبت شيئا ، قالت : لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا ، فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شئ ، ورجع فأخبرها فقالت له : يكون غدا إن شاء الله ، فلما كان من اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد ، فقال له : هل لك أن أعينك وتعطينا شيئا قال : نعم ، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما وحمد الله عزوجل ، ثم إنه شق بطن إحديهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصره في ثوبه ( 1 ) فحمد الله و أصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ففرحت امرأته بذلك ، وقالت له : إني أريد أن تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت ، فدعاهما فأكلا معه ، فلما فرغوا قال لهم : هل تعرفوني ؟ قالوا : لا والله إلا أنا لم نر إلا خيرا منك ، قال : فأخرج خاتمه فلبسه فحن عليه الطير والريح وغشيه الملك ، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد اصطخر ، واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ذكره ، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم ، ثم غيب الله تبارك وتعالى آصف غيبة طال أمدها ، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله ، ثم إنه ودعهم فقالوا له : أين الملتقى ؟ قال : على الصراط ، وغاب عنهم ما شاء الله فاشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بختنصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم ، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال واصطفى من ولد هارون عزيرا وهم يومئذ صبية صغار فمكثوا في يده وبنو إسرائيل في العذاب المهين ، والحجة دانيال عليه السلام أسير في يد بختنصر تسعين سنة ، فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه
____________
( 1 ) أي ربطه في ثوبه .
( 158 )

ويرجون الفرج في ظهوره وعلى يده أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ويجعل معه الاسد ليأكله ، فلم يقربه ، وأمر أن لا يطعم فكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبي من أنبيائه فكان دانيال يصوم النهار ويفطر بالليل على ما يدلى إليه من الطعام فاشتدت البلوى على شيعته وقومه والمنتظرين له ولظهوره وشك أكثرهم في الدين لطول الامد .
فلما تناهى البلاء بدانيال عليه السلام وبقومه رأى بختنصر في المنام كان ملائكة من السماء قد هبطت إلى الارض أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج ، فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال فأمر بأن تخرج من الجب فلما اخرج اعتذر إليه مما ارتكب منه من التعذيب ، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس ، فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلى دانيال عليه السلام موقنين بالفرج فلم يلبث إلا القليل على تلك الحال حتى مات وأفضى الامر بعده إلى عزير عليه السلام فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم ، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليهما السلام وترعرع فظهر وله سبع سنين فقام في الناس خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله ، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل وأن العاقبة للمتقين ووعدهم الفرج بقيام المسيح عليه السلام بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول ، فلما ولد المسيح عليه السلام أخفى الله عزو جل ولادته وغيب شخصه ، لان مريم عليها السلام لما حملته انبتذت به مكانا قصيا ، ثم إن زكريا وخالتها أقبلا يقصان أثرها حتى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول : « يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا » فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجتها ، فلما ظهرت اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكب الجبابرة و الطواغيت عليهم حتى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله عزوجل به واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجر الله لهم العيون العذبة وأخرج لهم من كل الثمرات ، وجعل لهم فيها الماشية

( 159 )

وبعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها ولا عظم وإنما هي جلد ودم فخرجت من البحر فأوحى الله عزوجل إلى النحل أن تركبها ، فركبتها فأتت النحل إلى تلك الجزيرة ونهض النحل وتعلق بالشجر فعرش وبنى وكثر العسل ولم يكونوا يفقدون شيئا من أخبار المسيح عليه السلام .

8
( باب )
* ( بشارة عيسى بن مريم عليه السلام بالنبي محمد المصطفى صلى الله عليه وآله ) *
18 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي البصري بالبصرة قال : حدثنا محمد بن عطية الشامي قال : حدثنا عبد الله بن عمر وبن سعيد البصري قال : حدثنا هشام بن ـ جعفر ، عن حماد بن عبد الله بن سليمان ( 1 ) وكان قارئا للكتب قال : قرأت في الانجيل : يا عيسى جد في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع ، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل ، أنا خلقتك آية للعالمين فإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، خذ الكتاب بقوة ، فسر لاهل سوريا بالسريانية ، بلغ من بين يديك إني أنا الله الدائم الذي لا أزول ، صدقوا النبي الامي صاحب الجمل والمدرعة والتاج ـ وهي العمامة ـ والنعلين والهراوة ـ وهي القضيب ـ ، الانجل العينين ، الصلت الجبين ، الواضح الخدين ، الاقنى الانف ( 2 ) مفلج الثنايا ، كأن عنقه إبريق فضة ، كأن الذهب يجري في تراقيه ، له شعرات من صدره إلى سرته ، ليس على بطنه ولا على صدره شعر ، أسمر اللون ، دقيق المسربة ( 3 )
____________
( 1 ) كذا والصواب « حدثنا هشام بن سنبر أبو عبد الله ، عن حماد بن أبى سليمان » .
( 2 ) المدرعة ـ كمكنسة ـ : ثوب كالدراعة ولا تكون الا من صوف . والهراوة : العصا . وفى القاموس النجل ـ بالتحريك ـ : سعة العين فهو أنجل . والصلت الجبين أي واسعة وأقنى الانف : محدبه أي ارتفع وسط قصبة أنفه وضاق منخراه .
( 3 ) مفلج الثنايا أي منفرجها . وقوله « كأن الذهب يجرى في تراقيه » التراقي جمع الترقوه وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق ولعله كناية عن حمرة ترقوته . والمسربة بضم الراء : ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف .

( 160 )

شثن الكف والقدم ( 1 ) إذا التفت التفت جميعا ، وإذا مشى فكأنما يتقلع من الصخر ، وينحدر من صبب ( 2 ) وإذا جاء مع القوم بذهم ( 3 ) ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، وريح المسك تنفح منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده ، طيب الريح ، نكاح للنساء ، ذو النسل القليل إنما نسله من مباركة ( 4 ) لها بيت في الجنة ، لا ضحب فيه ولا نصب ( 5 ) ، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا امك ، لها فرخان مستشهدان ، كلامه القرآن ، ودينه الاسلام ، وأنا السلام . فطوبى لمن أدرك زمانه ، وشهد أيامه ، وسمع كلامه .
قال عيسى : يا رب وما طوبى ؟ قال : شجرة في الجنة أنا غرستها بيدي تظل الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ( 6 ) برده برد كافور ، وطعمه طعم الزنجبيل من شرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا .
فقال عيسى عليه السلام : اللهم اسقني منها ، قال : حرام يا عيسى على البشر أن تشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي ، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتى تشرب منها أمة ذلك النبي ، يا عيسى أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب ولتعينهم على اللعين الدجال أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم ، إنهم أمة مرحومة .
وكانت للمسيح عليه السلام ( 7 ) غيبات يسيح فيها في الارض ، فلا يعرف قومه وشيعته خبره ، ثم ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمون عليه السلام فلما مضى شمعون غابت الحجج بعده
____________
( 1 ) شثن الكفين أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر . وقيل : هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر يمدح في الرجال لانه أشد لقبضهم ويذم في النساء . ( النهاية ) .
( 2 ) أي يرفع رجليه من الارض رفعا بينا بقوة دون احتشام ، لا كمن يمشى اختيالا ويقارب خطاه لان ذلك من مشى النساء والصبب ما انحدر من الارض أو الطريق .
( 3 ) في النهاية في الحديث « بذ العالمين » أي سبقهم وغلبهم .
( 4 ) يعنى الزهراء سلام الله عليها .
( 5 ) الصخب ـ بالتحريك ـ : الضجة والصياح والجلبة . والنصب : التعب والداء .
( 6 ) اسم عين في الجنة ويقال : هو أرفع شراب أهلها . تسنمهم من فوقهم .
( 7 ) من كلام المصنف .

( 161 )

واشتدت الطلب ، وعظمت البلوى ، ودرس الدين ، وضيعت الحقوق ، وأميتت الفروض والسنن ، وذهب الناس يمينا وشمالا لا يعرفون أيا من أي ، فكانت الغيبة مائتين و خمسين سنة .
19 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله جميعا ، عن أيوب بن نوح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن سعد بن أبي خلف ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : بقي الناس بعد عيسى بن مريم عليه السلام خمسين ومائتي سنة بلا حجة ظاهرة .
20 ـ حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن يعقوب ابن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان بين عيسى وبين محمد عليهما السلام خمسمائة عام منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر ، قلت : فما كانوا ؟ قال : كانوا متمسكين بدين عيسى عليه السلام ، قلت : فما كانوا ؟ قال : كانوا مؤمنين ، ثم قال عليه السلام : ولا يكون الارض إلا وفيها عالم .
وكان ممن ضرب في الارض لطلب الحجة سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ، ومن فقيه إلى فقيه ، ويبحث عن الاسرار ويستدل بالاخبار منتظرا لقيام القائم سيد الاولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله أربعمائة سنة حتى بشر بولادته ، فلما أيقن بالفرج خرج يريد تهامة فسبي .

9
( باب )
* ( خبر سلمان الفارسي ـ رحمه الله عليه ـ في ذلك ) *
21 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، وأحمد ابن إدريس جميعا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن علي بن مهزيار ، عن أبيه ، عمن ذكره ، عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال : قلت : يا ابن رسول الله ألا تخبرنا كيف كان سبب إسلام سلمان الفارسي ؟ قال : حدثني أبي صلوات الله عليه أن أمير المؤمنين علي

( 162 )

ابن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبا ذر وجماعة من قريش كانوا مجتمعين عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال أمير المؤمنين عليه السلام لسلمان : يا أبا عبد الله إلا تخبرنا بمبدء أمرك ؟ فقال سلمان : والله يا أمير المؤمنين لو أن غيرك سألني ما أخبرته ، أنا كنت رجلا من أهل شيراز من أبناء الدهاقين وكنت عزيزا على والدي فبينا أنا سائر مع أبي في عيد لهم إذا أنا بصومعة وإذا فيها رجل ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله ، وأن محمدا حبيب الله ، فرسخ وصف محمد ( 1 ) في لحمي ودمي فلم يهنئني طعام ولا شراب ، فقالت لي أمي : يا بني مالك اليوم لم تسجد لمطلع الشمس ؟ قال : فكابرتها حتى سكتت ، فلما انصرفت إلى منزلي إذا أنا بكتاب معلق في السقف فقلت لامي : ما هذا الكتاب ؟ فقالت : يا روزبه إن هذا الكتاب لما رجعنا من عيدنا رأيناه معلقا ، فلا تقرب ذلك المكان فانك إن قربته قتلك أبوك ، قال : فجاهدتها حتى جن الليل فنام أبي وأمي فقمت وأخذت الكتاب وإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من الله إلى آدم أنه خالق من صلبه نبيا يقال له : محمد ، يأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن عبادة الاوثان ، يا روزبه ائت وصي عيسى وآمن واترك المجوسية ، قال : فصعقت صعقة وزادني شدة قال : فعلم بذلك أبي وأمي فأخذوني وجعلوني في بئر عميقة ، وقالوا لي : إن رجعت وإلا قتلناك ، فقلت لهم : افعلوا بي ما شئتم ، حب محمد لا يذهب من صدري ، قال سلمان : ما كنت أعرف العربية قبل قراءتي الكتاب ، ولقد فهمني الله عزوجل العربية من ذلك اليوم قال : فبقيت في البئر فجعلوا ينزلون في البئر إلى أقراصا صغارا .
قال : فلما طال أمري رفعت يدي إلى السماء فقلت : يا رب إنك حببت محمدا و وصيه إلى فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه ، فأتاني آت عليه ثياب بيض فقال : قم يا روزبه ، فأخذ بيدي وأتى بي إلى الصومعة فأنشأت أقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله ، وأن محمدا حبيب الله ، فأشرف علي الديراني فقال : أنت روزبه ؟ فقلت : نعم ، فقال : اصعد فأصعدني إليه وخدمته حولين كاملين ، فلما حضرته
____________
( 1 ) في بعض النسخ « فرصف حب محمد » .
( 163 )

الوفاة قال : إني ميت فقلت له : فعلى من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بأنطاكية ، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحا ، فلما مات غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وسرت به إلى أنطاكية وأتيت الصومعة وأنشأت أقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله ، فأشرف علي الديراني فقال : أنت روزبه ، فقلت : نعم ، فقال : اصعد فصعدت إليه فخدمته حولين كاملين ، فلما حضرته الوفاة قال لي : إني ميت ، فقلت : على من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه إلا راهبا بالاسكندرية فإذا أتيته فأقرئه مني السلام وادفع إليه هذا اللوح ، فلما توفي غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وأتيت الصومعة وأنشأت أقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى روح الله وأن محمدا حبيب الله ، فأشرف علي الديراني فقال : أنت روزبه ؟ فقلت : نعم ، فقال : اصعد فصعدت إليه وخدمته حولين كاملين ، فلما حضرته الوفاة قال لي : إني ميت فقلت : على من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحدا يقول بمقالتي هذه في الدنيا وإن محمد بن عبد الله بن عبد الملك قد حانت ولادته فإذا أتيته فأقرئه مني السلام ، وادفع إليه هذا اللوح ، قال : فلما توفي غسلته وكفنته ودفنته وأخذت اللوح وخرجت ، فصحبت قوما فقلت لهم : يا قوم اكفوني الطعام والشراب أكفكم الخدمة ؟ قالوا : نعم ، قال : فلما أرادوا أن يأكلوا شدوا على شاة فقتلوها بالضرب ، ثم جعلوا بعضها كبابا وبعضها شواء فامتنعت من الاكل ، فقالوا : كل فقلت : إني غلام ديراني وإن الديرانيين لا يأكلون اللحم ، فضربوني وكادوا يقتلونني فقال بعضهم : امسكوا عنه حتى يأتيكم شرابكم فانه لا يشرب ، فلما أتوا بالشراب قالوا : اشرب ؟ فقلت : إنى غلام ديراني وإن الديرانيين لا يشربون الخمر ، فشدوا علي وأرادوا قتلي ، فقلت لهم : يا قوم لا تضربوني ولا تقتلوني فإني اقر لكم بالعبودية فأقررت لواحد منهم فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي قال : فسألني عن قصتي فأخبرته وقلت : له ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمدا ووصيه ، فقال اليهودي : وإني لابغضك وابغض محمدا ، ثم أخرجني إلى خارج داره وإذا رمل كثير على بابه ، فقال : والله ياروزبه لئن أصحبت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لاقتلنك ،


( 164 )

قال : فجعلت أحمل طول ليلتي فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء وقلت : يا رب إنك حببت محمدا ووصيه إلي فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه ، فبعث الله عزوجل ريحا فقلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال اليهودي ، فلما أصبح نظر إلى الرمل قد نقل كله ، فقال : يا روزبه أنت ساحر وأنا لا أعلم فلاجرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها ، قال : فأخرجني وباعني من امرأة سلمية فأحبتني حبا شديدا وكان لها حائط ، فقالت : هذا الحائط لك كل منه وما شئت وهب وتصدق .
قال : فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله فبينا أنا ذات يوم في الحائط إذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة ، فقلت في نفسي : والله ما هؤلاء كلهم أنبياء ولكن فيهم نبيا قال : فأقبلوا حتى دخلوا الحائط والغمامة تسير معهم ، فلما دخلوا إذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وأبو ذر والمقداد وعقيل بن أبي طالب ( 1 ) وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة ، فدخلوا الحائط فجعلوا يتناولون من حشف النخل ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول لهم : كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئا ، فدخلت على مولاتي فقلت لها : يا مولاتي هبي لي طبقا من رطب ، فقالت : لك ستة أطباق ، قال : فجئت فحملت طبقا من رطب ، فقلت في نفسي : إن كان فيهم نبي فإنه لا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية ،
____________
( 1 ) فيه وهم كما لا يخفى لان اسلام عقيل على ما ذكروه قبل الحديبية وهو لم يشهد المواقف التي قبلها وقد أخرج مع المشركين كرها إلى بدر واسر وفداه عمه العباس بن عبد المطلب وكان حمزة ـ رضي الله عنه ـ استشهد يوم أحد ، واسلام سلمان كان بقباء حين قدوم النبي صلى الله عليه وآله المدينة مهاجرا ، وعده ابن عبد البر فيمن شهد بدرا ، فان لم نقبل ذلك فلا أقل من حضوره في غزوة الاحزاب فان المسلمين حفروا الخندق بمشورته ، فكيف يجمع بين حمزة وعقيل مع النبي صلى الله عليه وآله في حائط من حيطان المدينة قبل اسلام سلمان رضى الله عنه . ولا يقال : لعل عقيل تصحيف جعفر ، لان جعفر حينذاك في الحبشة وقدم المدينة بعد فتح خيبر ، ثم اعلم أن الامر في الخبر سهل لانه مرسل وهو كما ترى يشبه القصص والاساطير ، والله العالم .
( 165 )

فوضعته بين يديه ، فقلت : هذه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كلوا وأمسك رسول الله وأمير المؤمنين وعقيل بن أبى طالب وحمزة بن عبد المطلب ، وقال لزيد : مد يدك وكل فقلت في نفسي هذه علامة ، فدخلت إلى مولاتي فقلت لها : هبي لي طبقا آخر ، فقالت : لك ستة أطباق قال : فجئت فحملت طبقا من رطب فوضعة بين يديه فقلت : هذه هدية ، فمد يده وقال : بسم الله كلوا ومد القوم جميعا أيديهم فأكلوا ، فقلت في نفسي هذه أيضا علامة ، قال : فبينا أنا أدور خلفه إذ حانت من النبي صلى الله عليه وآله التفاته ، فقال : يا روزبه تطلب خاتم النبوة ، فقلت : نعم ، فكشف عن كتفيه فإذا أنا بخاتم النبوة معجوم بين كتفيه عليه شعرات قال : فسقطت على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله اقبلها ، فقال لي : ياروزبه ادخل إلى هذه المرأة وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله تبيعينا هذا الغلام ؟ فدخلت فقلت لها : يا مولاتي إن محمد بن عبد الله يقول لك : تبيعينا هذا الغلام ؟ فقالت قل له : لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة مائتي نخلة منها صفراء ومائتي نخلة منها حمراء ، قال : فجئت إلى النبي صلى الله عليه وآله : فأخبرته ، فقال : وما أهون ما سألت ، ثم قال : قم يا علي فاجمع هذا النوي كله فجمعه وأخذه فغرسه ، ثم قال : إسقه فسقاه أمير المؤمنين فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضا فقال : لي ادخل إليها وقل لها يقول لك محمد بن عبد الله : خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا قال : فدخلت عليها وقلت ذلك لها ، فخرجت ونظرت إلى النخل فقالت : والله لا أبيعكه إلا بأربعمائة نخلة كلها صفراء ، قال : فهبط جبرئيل عليه السلام فمسح جناحيه على النخل فصار كله أصفر ، قال : ثم قال لي : قل لها : إن محمدا يقول لك : خذي شيئك وادفعي إلينا شيئنا قال : فقلت لها ذلك فقالت : والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك ، فقلت لها : والله ليوم واحد مع محمد أحب إلي منك ومن كل شيء أنت فيه ، فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسماني سلمان .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : كان اسم سلمان روزبه بن خشبوذان و ما سجد قط لمطلع الشمس وإنما كان يسجد لله عزوجل وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيئتهم ، وكان سلمان

( 166 )

وصي وصي عيسى عليه السلام في أداء ما حمل إلى من انتهت إليه الوصية من المعصومين ، وهو آبي عليه السلام ( 1 ) وقد ذكر قوم أن « أبي » ( 2 ) هو أبو طالب . وإنما اشتبه الامر به ، لان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن آخر أوصياء عيسى عليه السلام فقال : « آبي » فصحفه الناس وقالوا : « أبي » ويقال له : « بردة » أيضا .

10
( باب )
* ( في خبر قس بن ساعدة الايادي ) *

ومثل قس بن ساعدة الايادي في علمه وحكمته . كان يعرف النبي صلى الله عليه وآله وينتظر ظهوره ويقول : إن لله دينا خير من الدين الذي أنتم عليه . وكان النبي صلى الله عليه وآله يترحم عليه ويقول : يحشر يوم القيامة امة وحده ( 2 ) .
22 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من القوم ؟ قالوا : وفد بكر بن وائل ، قال : فهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الايادي ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : فما فعل ؟ قالوا : مات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحمد لله رب الموت ورب الحياة ، كل نفس ذائقة الموت ، كأني أنظر إلى قس بن ساعدة الايادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر وهو يخطب الناس ويقول : اجتمعوا أيها الناس ، فإذا اجتمعتم فأنصتوا
____________
( 1 ) آبى بمد الهمزة وامالة الياء من ألقاب علماء النصارى . وسيأتى في باب نوادر الكتاب اواخر الجزء الثاني أن آخر اوصياء عيسى عليه السلام رجل يقال له : بالط . وكأن اسم ذلك الرجل « آبي بالط » .
( 2 ) كذا ولعل النكتة في عدم النصب حفظ صورة الكلمة لئلا يشتبه بأبي .
( 3 ) المراد أنه على دين الحق والتوحيد وليس في زمانه من يدين بدين الحق غيره .

( 167 )

فإذا أنصتم فاسمعوا ، فإذا سمعتم فعوا ، فإذا وعيتم فاحفظوا ، فإذا حفظتم فاصدقوا ، ألا إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، ومن فات فليس بآت ، إن في السماء خبرا وفي الارض عبرا ، سقف مرفوع ، ومهاد موضوع ، ونجوم تمور ( 1 ) وليل يدور ، وبحار ماء ( لا ) تغور ، يحلف قس ما هذا بلعب وإن من وراء هذا لعجبا ، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ، أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم تركوا فناموا ؟ يحلف قس يمينا غير كاذبة إن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رحم الله قسا يحشر يوم القيامة امة وحده ، قال : هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا ؟ فقال بعضهم : سمعته يقول :
في الاولين الــذاهبيـن * من القرون لنـا بصـائر
لمــا رأيـت مـواردا * للـوت ليس لهـا مصادر
ورأيت قــومي نحوها * تمضى الاكابر والاصاغر
لا يرجع الماضي إلــي * ولا من الباقين غابر ( 2 )
أيقنت أني لا محالــة * حيث صار القوم صـائر
وبلغ من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن النبي صلى الله عليه وآله كان يسأل من يقدم عليه من أياد من حكمه ويصغي إليه سمعه .
23 ـ حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن إسماعيل قال : أخبرنا محمد بن زكريا قال : حدثنا عبد الله بن الضحاك ، عن هشام ، عن أبيه ( 3 ) أن وفدا من أياد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله فسألهم عن حكم قس ابن ساعدة فقالوا : قال قس :
____________
( 1 ) مار الشيء يمور مورا أي تحرك وجاء وذهب .
( 2 ) كذا وفى بعض نسخ الحديث هكذا : لا يرجع الماضي ولا * يبقى من الباقين غابر .
( 3 ) المراد بهشام هشام بن محمد بن السائب الكلبي . كما يظهر من كتاب مقتضب الاثر ص 37 .

( 168 )

يا ناعي الموت والاموات في جدث * عليهم من بقايـــا بزهم خـرق
دعهم فــإن لهم يوما يصـاح بهم * كمــا ينبه مـن نوماتــه ( 1 )
الصعق منهم عراة ومنهم في ثيابهم * منها الجديد ومنها الاورق الخلق ( 2 )
حتى يعودوا بحـال غير حــالتهم * خلق جديـد وخلق بعدهم خلقــوا
مطر ونبات ، وآباء وامهات ، وذاهب وآت ، وآيات في أثر آيات ، وأموات بعد أموات ، ضوء وظلام ، وليال وأيام ، وفقير وغني ، وسعيد وشقي ، ومحسن ومسئ ، نبأ لارباب الغفلة ( 3 ) ، ليصلحن كل عامل عمله ، كلا بل هو الله واحد ، ليس بمولود ولا والد ، أعاد وأبدا ، وإليه المآب غدا .
وأما بعد يا معشر أياد أين ثمود وعاد ؟ وأين الاباء والاجداد ؟ أين الحسن الذي لم يشكر والقبيح الذي لم ينقم ، كلا ورب الكعبة ليعودن ما بدا ، ولئن ذهب يوم ليعودن يوم .
وهو قس بن ساعدة بن حذاقة بن زهر بن أياد بن نزار ، أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية ، وأول من توكأ على عصا ( 4 ) ويقال : إنه عاش ستمائة سنة وكان يعرف النبي صلى الله عليه وآله باسمه ونسبه ويبشر الناس بخروجه ، وكان يستعمل التقية و يأمر بها في خلال ما يعظ به الناس .
24 ـ حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين ابن إسماعيل قال : أخبرنا محمد بن زكريا بن دينار قال : حدثني مهدي بن سابق ، عن عبد الله بن عباس ، عن أبيه قال : جمع قس بن ساعدة ولده فقال : إن المعاتكفيه البقلة
____________
( 1 ) في بعض نسخ الحديث « من رقداته » .
( 2 ) في بعض النسخ « ومنها الرث والخلق » والرث : البالي كالخلق .
( 3 ) في بعض النسخ « أين الارباب الغفلة » وفي بعضها « الفعلة » .
( 4 ) أي أول من توكأ على عصا من أهل الجاهلية ، أو لضعف كثرة السن أو نحوها ذلك لئلا ينتقض بما حكاه الله سبحانه عن موسى عليه السلام « قال هي عصاي أتوكأ عليها ـ الاية » .

( 169 )

وترويه المذقة ( 1 ) ومن عيرك شيئا ففيه مثله ، ومن ظلمك وجد من يظلمه ، متى عدلت على نفسك عدل عليك من فوقك ، فإذا نهيت عن شيء فأبدء بنفسك ، ولا تجمع ما لا تأكل ولا تأكل ما لا تحتاج إليه ، وإذا ادخرت فلا يكونن كنزك إلا فعلك ، وكن عف العيلة مشترك الغنى تسد قومك ، ولا تشاورن مشغولا وإن كان حازما ، ولا جائعا وإن كان فهما ، ولا مذعورا وإن كان ناصحا ، ولا تضعن في عنقك طوقا لا يمكنك نزعه إلا بشق نفسك ، وإذا خاصمت فاعدل ، وإذا قلت فاقتصد ، ولا تستودعن أحدا دينك وإن قربت قرابته ، فإنك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلا وكان المستودع بالخيار في الوفاء بالعهد ، وكنت له عبدا ما بقيت ، فإن جنى عليك كنت أولى بذلك ، وإن وفي كان الممدوح دونك ، عليك بالصدقة فإنها تكفر الخطيئة . فكان قس لا يستودع دينه أحدا وكان يتكلم بما يخفى معناه على العوام ولا يستدركه إلا الخواص .

11
( باب )
* ( في خبر تبع ) *
وكان تبع الملك أيضا ممن عرف النبي صلى الله عليه وآله وانتظر خروجه لانه قد وقع إليه خبره ، فعرفه أنه سيخرج من مكة نبي يكون مهاجرته إلى يثرب .
25 ـ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن عمر بن أبان ، عن أبان رفعه أن تبع قال في مسيره :
حتى أتاني من قريظة عالم * حبر لعمرك في اليهود مسود

____________
( 1 ) المذقة ـ بفتح الميم والقاف وسكون الدال ـ : الشربة من اللبن الممذوق . والمذق . المزج والخلط ، يقال : مذقت اللبن فهو مذيق إذا خلطته بالماء .
( 170 )

قال ازدجر عن قريـة محجوبــة * لنبــي مكة من قريش مهتـد
فعفوت عنهم عفو غير مثرب ( 1 ) * وتركتهم لعقاب ( 2 ) يوم سرمد
وتـركتهــا لله أرجـو عفــوه * يوم الحسـاب من الجحيم الموقد
ولقد تركت لــه بها من قومنــا * نفرا أولي حسب وممــن يحمد
نفرا يكون النصــر في أعقابهـم * أرجــو بذاك ثواب رب محمد
ما كنـت أحسب أن بيتـا ظاهرا * لله في بطحـاء مكـة يعبــد
قالــوا بمكة بيت مال داثر ( 3 ) * وكنوزه من لؤلـؤ وزبــرجد
فـأردت أمـرا حال ربي دونــه * والله يدفع عن خـراب المسجد
فتــركت ما أملتــه فيه لهــم * وتركتهم مثلا لاهل المشهد ( 4 )
قال أبو عبد الله عليه السلام : قد أخبر أنه ( 5 ) سيخرج من هذه ـ يعني مكة ـ نبي يكون مهاجرته إلى يثرب ، فأخد قوما من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج وفي ذلك يقول :
شهـــدت علـى أحمد أنه * رسـول من الله بارئ النسم
فلو مد عمري إلى عمــره * لكنت وزيرا له وابــن عم
وكنت عذابا على المشركين * أسقيهم كأس حتف وغم ( 6 )
26 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبى عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن تبعا قال للاوس والخزرج : كونوا ههنا حتى يخرج هذا النبي ، أما أنا فلو أدركته
____________
( 1 ) ثربه وثرب عليه : لامه ، قبح عليه فعله وعيره بذنبه .
( 2 ) أي لخوف العقاب .
( 3 ) الدثر ـ بالفتح ـ : المال الكثير .
( 4 ) أي من كان ذا قلب حاضر .
( 5 ) في بعض النسخ « كان الخبر أنه » .
( 6 ) الحتف : الموت .