لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله .
7 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري قالا : حدثنا إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سعد ابن أبي خلف ، عن الحسن بن زياد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الارض لا تخلو من أن يكون فيها ( حجة ) عالم ، إن الارض لا يصلحها إلا ذلك ولا يصلح الناس إلا ذلك .
8 ـ وبهذا الاسناد ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسن بن علي الخزاز ، عن أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن عليه السلام أتبقى الارض بغير إمام ؟ قال : فقال : لا ، قلت : فإنا نروى أنها لا تبقى إلا أن يسخط الله على العباد ؟ فقال : لا تبقى إذا لساخت .
9 ـ حدثنا أبي ؛ ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله جعفر قالا : حدثنا محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن أبي عبد الله المؤمن ، والحسن بن علي بن فضال ، عن أبي هراسة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو أن الامام رفع من الارض لماجت الارض بأهلها كما يموج البحر بأهله .
10 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر قالا : حدثنا محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعا عن محمد بن سنان ، عن حمزة الطيار قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لو لم يبق من أهل الارض ( 1 ) إلا اثنان لكان أحدهما الحجة . ـ أو كان الثاني الحجة ـ الشك من محمد بن سنان .
11 ـ وبهذا الاسناد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الصباح ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى لم يدع الارض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئا ردهم وإذا نقصوا شيئا أكمله لهم ولو لا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم .
12 ـ وبهذا الاسناد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله عزوجل لم يدع الارض بغير عالم ولو لا ذلك
____________
( 1 ) في بعض النسخ « لو لم يبق في الارض » وفي بعضها « من الدنيا » .
( 204 )

لما عرف الحق من الباطل .
13 ـ حدثنا أبي ؛ ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، و عبد الله بن جعفر قالا : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن هلال في حال استقامته ( 1 ) عن محمد بن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : يمضي الامام وليس له عقب ؟ قال : لا يكون ذلك قلت : فيكون ماذا ؟ قال : لا يكون ذلك إلا أن يغضب الله عزوجل على خلقه فيعاجهلم .
14 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا محمد بن أحمد ، عن أبي سعيد العصفري ( 2 ) ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : لو بقيت الارض يوما بلا إمام منا لساخت بأهلها ولعذبهم الله بأشد عذابه ، إن الله تبارك وتعالى جعلنا حجة في أرضه وأمانا في الارض لاهل الارض ، لم يزالوا في أمان من أن تسيخ بهم الارض ما دمنا بين أظهرهم ، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثم لا يمهلهم ولا ينظرهم ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه ، ثم يفعل الله ما شاء وأحب .
15 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن هلال ، عن سعيد بن جناح ، عن سليمان الجعفري قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام فقلت : أتخلو الارض من حجة ؟ فقال : لو خلت من حجة طرفة عين لساخت بأهلها .
16 ـ حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن إسماعيل الميثمي ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الاعلى بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : ما
____________
( 1 ) أحمد بن هلال العبرتائي من أصحاب الهادي عليه السلام كان غالبا متهما في دينه ويظهر من هذا الكلام استقامته في أول الامر ثم تحزبه إلى الضلال .
( 2 ) كذا وهو أبو سعيد العصفوري المعنون في جامع الرواة باب الكنى .

( 205 )

ترك الله الارض بغير عالم ينقص ما زادوا ويزيد ما نقصوا ، ولولا ذلك لا اختلطت على الناس امورهم .
17 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن داود ، عن فضيل الرسان قال : كتب محمد بن إبراهيم إلى أبي عبد الله عليه السلام : أخبرنا ما فضلكم أهل البيت ؟ فكتب إليه أبو عبد الله عليه السلام : إن الكواكب جعلت في السماء أمانا لاهل السماء ، فإذا ذهبت نجوم السماء جاء أهل السماء ما كانوا يوعدون ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « جعل أهل بيتي أمانا لامتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء امتي ما كانوا يوعدون » .
18 ـ حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي ( 1 ) قال : حدثنا أحمد بن عبد العزيز ابن الجعد أبو بكر قال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن موسى بن عبيده ، عن أياس بن سلمة ، عن أبيه يرفعه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : النجوم أمان لاهل السماء وأهل بيتي أمان لامتي .
19 ـ حدثنا محمد بن عمر قال : حدثني أبو بكر محمد بن السري بن سهل قال : حدثنا عباس بن الحسين ( 2 ) قال : حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول صلى الله عليه وآله : النجوم أمان لاهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لاهل الارض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض .
20 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن العباس بن معروف ، عن عبد الله بن عبد الرحمن البصري ، عن أبي المغرا حميد
____________
( 1 ) هو محمد بن عمر بن محمد بن سالم أبو بكر التميمي يعرف بابن الجعابي .
( 2 ) يحتمل أن يكون هو عباس بن الحسين البلخي أبو الفضل الذي سكن بغداد وتوفي سنة 258 . والمراد بمحمد بن السري بن سهل أما أبو المؤمل البغدادي أو أبو بكر القنطري أو أبو بكر البزاز . والعلم عند الله .

( 206 )

ابن المثنى العجلي ، عن أبي بصير ، عن خيثمة الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : نحن جنب الله ، ونحن صفوته ، ونحن حوزته ، ونحن مستودع مواريث الانبياء ، ونحن امناء الله عزوجل ، ونحن حجج الله ، ونحن أركان الايمان ، ونحن دعائم الاسلام ، ونحن من رحمة الله على خلقه ، ونحن من بنا يفتح وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ، ونحن مصابيح الدجى ، ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ، ونحن الاخرون ، ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسك بنا لحق ، ومن تأخر عنا غرق ، ونحن قادة الغر المحجلين ، ونحن خيرة الله ، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عزوجل ، ونحن من نعمة الله عزوجل على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنة ، ونحن عرى الاسلام ، ونحن الجسور والقناطر ( 1 ) ، من مضى عليها لم يسبق ، ومن تخلف عنها محق ، ونحن السنام الاعظم ، ونحن الذين بنا ينزل الله عزوجل الرحمة ، وبنا يسقون الغيث ، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب ، فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهو منا وإلينا .
21 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الطفيل ( 2 ) ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام : اكتب ما املي عليك ، قال : يا نبي الله أتخاف علي النسيان ؟ فقال : لست أخاف عليك النسيان ، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا ينسيك ، ولكن اكتب لشركائك ، قال : قلت : ومن شركائي يا نبي الله ؟ قال : الائمة من ولدك ، بهم تسقى أمتى الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم ، وبهم يصرف الله عنهم البلاء ، وبهم تنزل الرحمة من السماء
____________
( 1 ) الجسور جمع الجسر ، والقناطر جمع القنطرة : الجسر .
( 2 ) كذا ورواية أبي الطفيل عن أبي جعفر عليه السلام في غاية البعد بل مما لا يكون . و في بعض النسخ « عن أبي عبد الله الطفيل » ولم أجده .

( 207 )

وهذا أولهم ـ وأومأ بيده إلى الحسن عليه السلام ، ثم أومأ بيده إلى الحسين عليه السلام ـ ثم قال عليه السلام : الائمة من ولده .
22 ـ حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال : حدثنا الفضل بن صقر العبدي ( 1 ) قال : حدثنا أبو معاوية ، عن سليمان بن مهران الاعمش ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال : نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغر المحجلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان لاهل الارض كما أن النجوم أمان لاهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه ، وبنا يمسك الارض أن تميد بأهلها ( 2 ) وبنا ينزل الغيث ، وتنشر الرحمة ، وتخرج بركات الارض ، ولولا ما في الارض منا لساخت بأهلها ، ثم قال : ولم تخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ( 3 ) ، ولا تخلوا إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله . قال : سليمان ، فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟ قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب .
23 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا إبراهيم ابن هاشم قال : حدثنا إسماعيل بن مرار قال : حدثني يونس بن عبد الرحمن قال : حدثني يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه فيهم حمران ابن أعين ، ومؤمن الطاق ، وهشام بن سالم ، والطيار ، وجماعة من أصحابه ، فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله عليه السلام : يا هشام قال : لبيك يا ابن رسول الله قال : ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد ؟ وكيف سألته ؟ قال هشام : جعلت فداك يا ابن رسول الله إني اجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك ، فقال أبو عبد الله عليه السلام إذا أمرتكم بشيء فافعلوه ، قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد
____________
( 1 ) لم أظفر به .
( 2 ) في بعض النسخ « أن تمور بأهلها » .
( 3 ) في بعض النسخ « خائف مغمور » .

( 208 )

البصرة وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء من صوف مؤتزر بها ، وشملة مرتد بها ، والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثم قلت : أيها العالم أنا رجل غريب تأذن لي فأسألك عن مسألة ؟ قال : فقال : نعم ، قال : قلت له : ألك عين ؟ قال : يا بني أي شيء هذا من السؤال إذا ترى شيئا كيف تسأل عنه ؟ فقلت : هكذا مسألتي قال : يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء ، قلت : أجبني فيها ، قال : فقال لي : سل ، قال : قلت : ألك عين ؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تري بها ؟ قال : الالوان والاشخاص ، قال : قلت : ألك أنف ؟ قال : نعم قال : قلت : فما تصنع به ؟ قال : أشم به الرائحة ، قال : قلت : ألك لسان ؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع به ؟ قال : أتكلم به قال : قلت : ألك أذن ؟ قال : نعم قال : قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أسمع بها الاصوات ، قال : قلت : أفلك يدان ؟ قال : نعم قال : قلت : فما تصنع بهما ؟ قال : أبطش بهما وأعرف بهما اللين من الخشن ، قال : قلت : ألك رجلان ؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع بهما ؟ قال : أنتقل بهما من مكان إلى مكان ، قال : قلت : ألك فم ؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع به ؟ قال : أعرف به المطاعم على اختلافها ، قال : قلت : أفلك قلب ؟ قال : نعم ، قال : قلت : فما تصنع به ؟ قال : اميز به كلما ورد على هذه الجوارح ( 1 ) ، قال : قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ قال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة ؟ قال : يا بني إن الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته ردته إلى القلب فليقر به اليقين ويبطل الشك ، قال : قلت : فإنما أقام الله عزوجل القلب لشك الجوارح ؟ قال : نعم ، قال : قلت : ولا بد من القلب وإلا لم يستيقن الجوارح ؟ قال : نعم ، قال : قلت : يا أبا مروان إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح وينفي ما شكت فيه ، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك يرد إليك شكك وحيرتك ؟ قال : فسكت ، ولم يقل لي شيئا ، قال : ثم التفت إلي فقال :
____________
( 1 ) في بعض النسخ « أميز به الامور الواردة على هذه الجوارح » .
( 209 )

أنت هشام ؟ فقلت : لا ، قال : فقال لي : أجالسته ؟ فقلت : لا ، قال : فمن أين أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة قال : فأنت إذا هو ، قال : ثم ضمني إليه فأقعدني في مجلسه ، وما نطق حتى قمت ، فضحك أبو عبد الله عليه السلام ، ثم قال : يا هشام من علمك هذا ؟ قال : قلت : يا ابن رسول الله جرى على لساني ، قال : يا هشام هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى عليهم السلام .
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : وتصديق قولنا إن الامام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه أنه ما عذب الله عزوجل أمة إلا وأمر نبيها بالخروج من بين أظهرهم كما قال الله عزوجل في قصة نوح عليه السلام « حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ( 1 ) » منهم وأمره الله عزوجل أن يعتزل عنهم مع أهل الايمان به ولا يبقى مختلطا بهم وقال عزوجل : « ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ( 2 ) » وكذلك قال عزوجل في قصة لوط عليه السلام « فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك أنه مصيبها ما أصابهم ( 3 ) » فأمره الله عزوجل بالخروج من بين أظهرهم قبل أن أنزل العذاب بهم لانه لم يكن عزوجل لينزل عليهم ونبيه لوط عليه السلام بين أظهرهم وهكذا أمر الله عز وجل كل نبي أراد هلاك أمته أن يعتزلها كما قال إبراهيم عليه السلام مخوفا بذلك قومه « وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا * فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ( 4 ) » أهلك الله عزوجل الذين كانوا آذوه وعنتوه وألقوه في الجحيم وجعلهم الاسفلين ونجاه ولوطا كما قال الله تعالى : « ونجيناه ولوطا إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين ( 5 ) » ووهب الله ( جلت عظمته ) لابراهيم إسحاق ويعقوب كما قال عزوجل : « ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين ( 6 ) » .
____________
( 1 ) هود : 43 .
( 2 ) هود : 40 .
( 3 ) هود : 81 .
( 4 ) مريم : 50 و 51 .
( 5 ) و ( 6 ) الانبياء : 72 .

( 210 )

وقال الله عزوجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله : « وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم » ( 1 ) .
وروي في الاخبار الصحيحة عن أئمتنا عليهم السلام أن من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله أو واحدا من الائمة صلوات الله عليهم قد دخل مدينة أو قرية في منامه فإنه أمن لاهل تلك المدينة أو القرية مما يخافون ويحذرون وبلوغ لما يأملون ويرجون .
وفي حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجة في الانتفاع بالحجة الغائب عليه السلام وذلك أن القلب غائب عن سائر الجوارح لا يرى بالعين ولا يشم بالانف ولا يذاق بالفم ولا يلمس باليد وهو مدبر لهذه الجوارح مع غيبته عنها وبقاؤها على صلاحها ولو لم يكن القلب لانفسد تدبير الجوارح ولم تستقم أمورها فاحتيج إلى القلب لبقاء الجوارح على صلاحها كما احتيج إلى الامام لبقاء العالم على صلاحه ولا قوة إلا بالله .
وكما يعلم مكان القلب من الجسد بالخبر فكذلك يعلم مكان الحجة الغائب عليه السلام بالخبر وهو ما ورد عن الائمة عليهم السلام من الاخبار في كونه بمكة وخروجه منها في وقت ظهوره ، ولسنا نعني بالقلب المضغة التي من اللحم لان بها لا يقع الانتفاع للجوارح و إنما نعني بالقلب اللطيفة التي جعلها الله عزوجل في هذه المضغة لا تدرك بالبصر وإن كشف عن تلك المضغة ، ولا تلمس ولا تذاق ولا توجد إلا بالعلم بها لحصول التمييز و استقامة التدبير من الجوارح والحجة بتلك اللطيفة على الجوارح ( قائمة ما وجدت والتكليف لها لازم ما بقيت فإذا عدمت تلك اللطيفة انفسد تدبير الجوارح وسقط التكليف عنها فكما يجوز أن تحتج الله عزوجل بهذه اللطيفة الغائبة عن الحواس على الجوارح فكذلك جائز أن يحتج عزوجل على جميع الخلق بحجة غائب عنهم به يدفع عنهم وبه يرزقهم وبه ينزل عليهم الغيث ولا قوة إلا بالله ) .
____________
( 1 ) الانفال : 33 . وتمام الاية « وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون » وفي بعض النسخ كانت هذه الزيادة في المتن .
( 211 )

22
( باب )
* ( اتصال الوصية من لدن آدم عليه السلام وأن الارض لا تخلو ) *
* ( من حجة لله عز وجل على خلقه إلى يوم القيامة ) *
1 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن ـ الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، والهيثم بن أبي مسروق النهدي وإبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن محبوب السراد ، عن مقاتل بن سليمان بن دوال ـ دوز ( 1 ) ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا سيد النبيين ووصيي
____________
( 1 ) مقاتل بن سليمان الازدي الخراساني أبو الحسن البلخي نزيل مرو ، يقال له : ابن دوال دوز عامي بتري اختلفوا في شأنه فبعضهم رفعوه فوق مقامه وبجلوه وقالوا : « ما علم مقاتل بن سليمان في علم الناس الا كالبحر الاخضر في سائر البحور » ، وبعضهم كذبوه وهجروه ورموه بالتجسيم ففي تهذيب التهذيب عن أحمد بن سيار المروزي قال : « مقاتل متهم متروك الحديث مهجور القول ، سمعت اسحاق ابراهيم يقول : أخبرني حمزة بن عميرة أن خارجة مر بمقاتل وهو يحدث الناس فقال : حدثنا أبو النضر ـ يعني الكلبي ـ قال : فمررت عليه مع الكلبي فقال الكلبي : والله ما حدثته قط بهذا ، ثم دنا منه فقال له : يا أبا الحسن أنا أبو النضر وما حدثتك بهذا قط ، فقال مقاتل : اسكت يا أبا النضر فان تزيين الحديث لنا انما هو بالرجال » .
وفيه قال أبو اليمان : قام مقاتل بن سليمان فقال : سلوني عما دون العرش حتى أخبركم به ، فقال له يوسف السمتي : من حلق رأس آدم اول ما حج ؟ قال : لا أدري .
وفيه أيضا عن العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه قال : سألت مقاتل عن أشياء فكان يحدثني بأحاديث كل واحد ينقض الاخر ، فقلت : بأيها آخذ ؟ قال : بأيها شئت ، وقال ابن معين : انه ( يعنى مقاتل ) ليس بثقة وقال عمرو بن علي : متروك الحديث كذاب . وقال ابن سعد :

( 212 )

سيد الوصيين وأوصياؤه سادة الاوصياء إن آدم عليه السلام سأل الله عز وجل أن يجعل له وصيا صالحا فأوحى الله عزوجل إليه أني أكرمت الانبياء بالنبوة ثم اخترت خلفي فجعلت خيارهم الاوصياء ، فقال آدم عليه السلام : يا رب فاجعل وصيي خير الاوصياء ، فأوحى الله عزوجل إليه : يا آدم أوص إلى شيث وهو هبة الله بن آدم ، فأوصى آدم إلى شيث وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء ( 1 ) التي أنزلها الله عزوجل على آدم من الجنة فزوجها شيثا ، وأوصى شبان إلى ابنه مجلث ، وأوصى مجلث إلى محوق ، وأوصى محوق إلى غثميشا ، وأوصى غثميشا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام ، وأوصى إدريس إلى ناخور ودفعها ناخور إلى نوح عليه السلام ، وأوصى نوح إلى سام ، وأوصى سام إلى عثامر وأوصى عثامر إلى برعيثاشا ، وأوصى برعيثاشا إلى يافث ، وأوصى يافث إلى برة ، وأوصى برة إلى جفيسة ( 2 ) وأوصى جفيسة ، إلى عمران ، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل عليه السلام ، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل ، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ، وأوصى يعقوب إلى يوسف ، وأوصى يوسف إلى بثرياء ، وأوصى بثرياء إلى شعيب ، وأوصى شعيب إلى موسى بن عمران ، وأوصى موسى إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع إلى داود ( 3 ) وأوصى داود إلى سليمان ، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا ، وأوصى
____________
أصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه . وقال النسائي : كذاب . وفي موضع آخر ، الكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة وعد منهم مقاتل بن سليمان راجع تهذيب التهذيب ج 10 ص 279 .
وعنونه العلامة ـ قدس سره ـ في قسم الضعفاء وقال : مقاتل بن سليمان من أصحاب الباقر عليه السلام بتري قاله الشيخ الطوسي ـ رحمه الله ـ والكشي . وقال البرقي . انه عامي
( 1 ) في بعض النسخ « هو ابن له من الحوراء » .
( 2 ) في بعض النسخ والفقيه « جفسية » .
( 3 ) مضطرب لان بين يوشع بن نون وداود عليهما السلام ازيد من ثلاثمائة عام فان خروج بني إسرائيل من مصر في عام 1500 قبل الميلاد ، وكان داود عليه السلام في 1000 قبل الميلاد فكيف يوصي يوشع إلى داود . والبلاء من مقاتل بن سليمان العامي البتري .

( 213 )

آصف بن برخيا إلى زكريا ، ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم عليه السلام وأوصى عيسى إلى شمعون ابن حمون الصفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا ( 1 ) وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر ، وأوصى منذر إلى سليمة ، وأوصى سليمة إلى بردة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك ، واحدا بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الارض بعدك ، ولتكفرن بك الامة ولتختلفن عليك اختلافا شديدا ، الثابت عليك كالمقيم معي والشاذ عنك في النار ، والنار مثوى للكافرين .
2 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال : عن أبيه ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال : إن الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليه السلام أن لا يقرب الشجرة ، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله تبارك وتعالى أن يأكل منها نسي فأكل منها ، وهو قول الله تبارك وتعالى : « ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ( 2 ) » فلما أكل آدم من الشجرة أهبط إلى الارض فولد له هابيل وأخته توأما ، وولد له قابيل وأخته توأما ، ثم إن آدم أمر هابيل وقابيل أن يقربا قربانا ، وكان هابيل صاحب غنم ، وكان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشا وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق ، وكان كبش هابيل من أفضل غنمه وكان زرع قابيل غير منقى ، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل ، وهو قول الله عزوجل : « واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر ـ الاية » ( 3 ) وكان القربان إذا قبل تأكله النار فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتا وهو أول من بنى للنار البيوت ، وقال : لاعبدن هذه النار حتى يتقبل قرباني ، ثم إن عدو الله إبليس قال لقابيل : إنه قد تقبل قربان هابيل
____________
( 1 ) وهذا أيضا خلاف ما وقع وانما قتل يحيى في أيام عيسى عليه السلام على التحقيق .
( 2 ) طه : 115
( 3 ) المائدة : 27 .

( 214 )

ولم يتقبل قربانك فإن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ، فقتله قابيل ، فلما رجع إلى آدم عليه السلام قال له : يا قابيل أين هابيل ؟ فقال : ما أدري وما بعثتني له راعيا فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولا فقال : لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل ، فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة ، ثم إن آدم عليه السلام سأل : ربه عزوجل أن يهب له ولدا فولد له غلام فسماه هبة الله لان الله عزوجل وهبه له فأحبه آدم حبا شديدا فلما انقضت نبوة آدم عليه السلام واستكملت أيامه أوحى الله تعالى إليه آن يا آدم إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك عند ابنك هبة الله فإني لن أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ولن أدع الارض إلا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نحاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح ، وذكر آدم عليه السلام نوحا عليه السلام وقال : إن الله تعالى باعث نبيا اسمه نوح وإنه يدعو إلى الله عزوجل فيكذ بوه فيقتلهم الله بالطوفان ، وكان بين آدم وبين نوح عليهما السلام عشرة آباء كلهم أنبياء الله ، وأوصى آدم إلى هبة الله : أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به فإنه ينجو من الغرق .
ثم إن آدم عليه السلام لما مرض المرضة التي قبض فيها أرسل إلى هبة الله فقال له : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه منى السلام وقل له : يا جبرئيل إن أبي يستهديك من ثمار الجنة ، ففعل فقال له جبرئيل : يا هبة الله إن أباك قد قبض وما نزلت إلا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجد أباه قد قبض ، فأراه جبرئيل عليه السلام كيف يغسله ، فغسله حتى إذا بلغ الصلاة عليه قال هبة الله : يا جبرئيل تقدم فصل على آدم فقال له جبرئيل عليه السلام : يا هبة الله إن الله أمرنا أن نسجد لابيك في الجنة فليس لنا أن نؤم أحدا من ولده ، فتقدم هبة الله فصلى على آدم وجبرئيل خلفه وحزب من الملائكة وكبر عليه ثلاثين تكبيرة بأمر جبرئيل فرفع من ذلك خمسا وعشرون تكبيرة والسنة فينا اليوم خمس تكبيرات ، وقد كان صلى الله عليه وآله يكبر على أهل بدر سبعا وتسعا .
ثم أن هبة الله لما دفن آدم أباه أتاه قابيل فقال له : يا هبة الله إني قد رأيت آدم أبي


( 215 )

خصك من العلم بما لم أخص به وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون : نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي لم يتقبل قربانه فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل .
فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة حتى بعث نوح وظهرت وصية هبة الله حين نظروا في وصية آدم فوجدوا نوحا عليه السلام قد بشر به أبوهم آدم ، فآمنوا به واتبعوه وصدقوه ، وقد كان آدم وصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيد لهم ، فيتعاهدون بعث نوح عليه السلام في زمانه الذي بعث فيه ، وكذلك جرى في وصية كل نبي حتى بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وآله .
وإنما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم وهو قول الله عزوجل « ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ـ الاية . ( 1 ) وكان ما بين آدم ونوح من الانبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفى ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الانبياء وهو قول الله عزوجل « ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك ( 2 ) » يعني من لم يسمهم من المستخفين كما سمي المستعلنين من الانبياء ، فمكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما لم يشاركه في نبوته أحد ولكنه قدم على قوم مكذبين للانبياء الذين كانوا بينه و بين آدم وذلك قوله تبارك وتعالى : « كذبت قوم نوح المرسلين » ( 3 ) يعني من كان بينه وبين آدم إلى آن ينتهي إلى قوله : « وإن ربك لهو العزيز الرحيم » ثم إن نوحا لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى الله عزوجل إليه يا نوح إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك عند سام فإني لن أقطعها من بيوتات الانبياء الذين بينك وبين آدم ولن أدع الارض إلا وفيها عالم يعرف به ديني ، وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين
____________
( 1 ) هود : 25 ، المؤمنون : 230 .
( 2 ) النساء : 164 .
( 3 ) الشعراء : 105 .

( 216 )

قبض النبي إلى خروج النبي الاخر ، وليس بعد سام إلا هود ، فكان ما بين نوح وهود من الانبياء مستخفين ومستعلنين ، وقال نوح : إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا يقال له : هود وإنه يدعو قومه إلى الله عزوجل فيكذبونه ، وإن الله عزوجل مهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإن الله تبارك وتعالى ينجيه من عذاب الريح وأمر نوح ابنه سام أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة ، ويكون يوم عيد لهم فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الذي يخرج فيه ، فلما بعث الله تبارك وتعالى هودا نظروا فيما عندهم من العلم والايمان وميراث العلم والاسم الاكبر وآثار علم النبوة فوجدوا هودا نبيا وقد بشرهم به أبوهم نوح فآمنوا به وصدقوه واتبعوه فنجوا من عذاب الريح ، وهو قول الله عزوجل : « وإلى عاد أخاهم هودا » ( 1 ) وقوله « كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون » ( 2 ) وقال عزوجل : « ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب » ( 3 ) وقوله : « ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ( لنجعلها في أهل بيته ) ونوحا هدينا من قبل » ( 4 ) لنجعلها في أهل بيته ، فآمن العقب من ذرية الانبياء من كان من قبل إبراهيم لابراهيم عليه السلام ، وكان بين هود وإبراهيم من الانبياء عشرة أنبياء وهو قوله عزوجل : « وما قوم لوط منكم ببعيد » ( 5 ) وقوله : « فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي ( » ( 6 ) وقول إبراهيم « إني ذاهب إلى ربي ) سيهدين » ( 7 ) وقوله عزوجل : « وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم » ( 8 ) فجرى بين كل نبي ونبي عشرة آباء وتسعة آباء وثمانية آباء كلهم أنبياء ، وجرى لكل نبي ما جري لنوح وكما جري لادم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم عليه السلام حتى انتهى إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ، ثم صارت بعد يوسف في الاسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى بن عمران و كان بين يوسف وموسى عليهما السلام عشرة من الانبياء فأرسل الله عزوجل موسى وهارون
____________
( 1 ) الاعراف : 65 .
( 2 ) الشعراء : 123 .
( 3 ) البقرة : 127 .
( 4 ) الانعام : 84 .
( 5 ) هود : 89 .
( 6 ) العنكبوت : 26 .
( 7 ) الصافات : 98 .
( 8 ) العنكبوت : 16 .

( 217 )

إلى فرعون وهامان وقارون ، ثم أرسل الله عزوجل الرسل تترى « كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلنا هم أحاديث » ( 1 ) وكانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم نبيين وثلاثة وأربعة حتى أنه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيا ويقوم سوق قتلهم في آخر النهار ، فلما أنزلت التوراة على موسى بن عمران عليه السلام تبشر بمحمد صلى الله عليه وآله .
وكان بين يوسف وموسى عليهما السلام من الانبياء عشرة ، وكان وصي موسى بن عمران يوشع بن نون وهو فتاه الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه ( 2 ) فلم تزل الانبياء عليهم السلام تبشر بمحمد صلى الله عليه وآله وذلك قوله : « يجدونه » يعني اليهود والنصاري « مكتوبا » يعني صفة محمد واسمه « عندهم في التورية والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهيهم عن المنكر » ( 3 ) وهو قول الله عز وجل يحكي عن عيسى بن مريم « ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد » ( 4 ) فبشر موسى وعيسى عليهما السلام بمحمد صلى الله عليه وآله كما بشرت الانبياء بعضهم بعضا حتى بلغت محمدا صلى الله عليه وآله ، فلما قضى محمد صلى الله عليه وآله نبوته واستكملت أيامه أوحي الله عزوجل إليه أن يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب عليه السلام فإني لن أقطع العلم والايمان والاسم الاكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الانبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم ، وذلك قوله عزوجل : « إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم » ( 5 ) فان الله تبارك وتعالى لم يجعل
____________
( 1 ) المؤمنون : 44 .
( 2 ) في سورة الكهف : 60 « إذ قال موسى لفتيه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين » .
( 3 ) الاعراف : 157 .
( 4 ) الصف : 6 .
( 5 ) آل عمران : 33 .

( 218 )

العلم جهلا ، ولم يكل أمره إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسولا من ملائكته إلى نبيه فقال له كذا وكذا ، وأمره بما يحب ، ونهاه عما ينكر ، فقص عليه ما قبله وما خلفه بعلم ، فعلم ذلك العلم أنبياءه وأصفياءه من الاباء والاخوان بالذرية التى بعضها من بعض ، فذلك قوله عزوجل : « فقد آيتنا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما » ( 1 ) فأما الكتاب فالنبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الانبياء والاصفياء من الصفوة ، وكل هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض الذين جعل الله عزوجل فيهم النبوة وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا ، فهم العلماء وولاة الامر وأهل استنباط العلم والهداة فهذا بيان الفضل في الرسل والانبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر الله وأهل استنباط علم الله وأهل آثار علم الله عزوجل من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الانبياء من الال والاخوان والذرية من بيوتات الانبياء فمن عمل بعملهم وانتهى إلى أمرهم نجا بنصرهم ، ومن وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله في غير أهل الصفوة من بيوتات الانبياء فقد خالف أمر الله عزوجل وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى ، وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فكذبوا على الله ( 2 ) وزاغوا عن وصية الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا أتباعهم فلا تكون ( 3 ) لهم يوم القيامة حجة إنما الحجة في آل إبراهيم لقول الله عزوجل : « فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما » فالحجة الانبياء وأهل بيوتات الانبياء حتى تقوم الساعة لان كتاب الله ينطق بذلك ووصية الله جرت بذلك في العقب من البيوت التي رفعها الله تبارك وتعالى على الناس فقال : « في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه » ( 4 ) وهي بيوتات الانبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى ، فهذا بيان عروة الايمان التي بها نجا من نجا قبلكم وبها ينجو من اتبع الائمة ، وقد قال الله
____________
( 1 ) النساء : 54 .
( 2 ) الزيغ : الميل عن الحق . وفى بعض النسخ « فقد كذبوا . . » .
( 3 ) « في بعض النسخ « ولم تكن » .
( 4 ) النور : 36

( 219 )

تبارك وتعالى في كتابه « ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمن وأيوب و يوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ( ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ) أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين » ( 1 ) فإنه وكل بالفضل من أهل بيته من الاباء والاخوان و الذرية وهو قول الله عزوجل في كتابه : « فإن يكفر بها ( أمتك ) فقد ولكنا » أهل بيتك بالايمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبدا ولا أضيع الايمان الذي أرسلتك به وجعلت أهل بيتك بعدك علما على أمتك ( 2 ) وولاة من بعدك وأهل استنباط علمي الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رياء ، فهذا تبيان ما بينه الله عزوجل من أمر هذه الامة بعد نبيها صلى الله عليه وآله ، إن الله تعالى طهر أهل بيت نبيه وجعل لهم أجر المودة و أجرى لهم الولاية وجعلهم أوصياءه وأحباءه وأئمته بعده في أمته ( 3 ) ، فاعتبروا أيها الناس فيما قلت وتفكروا حيث وضع الله عزوجل ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحجته ، فإياه فتعلموا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، وتكون لكم به حجة يوم القيامة والفوز ، فإنهم صلة ما بينكم وبين ربكم ولا تصل الولاية إلى الله عزوجل إلا بهم فمن فعل ذلك كان حقا على الله عزوجل أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأت الله بغير ما أمره كان حقا على الله أن يذله ويعذبه ( 4 ) .
وان الانبياء بعثوا خاصة وعامة ، فأما نوح فإنه أرسل إلى من في الارض
____________
( 1 ) الانعام 84 إلى 90 .
( 2 ) في بعض النسخ « بعدك علماء امتك » وفي بعضها « بعدك علماء عنك وولاة ـ الخ » .
( 3 ) في بعض النسخ « وحججه ثابتة بعده في امته » .
( 4 ) هنا تمام الخبر كما في روضة الكافي تحت رقم 92 ، والظاهر أن الباقي من كلام المؤلف أخذه من الاخبار .

( 220 )

بنبوة عامة ورسالة عامة ، وأما هود فإنه أرسل إلى عاد بنبوة خاصة ، وأما صالح فإنه أرسل إلى ثمود وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة ( 1 ) وأما شعيب فإنه أرسل إلى مدين وهي لا تكمل أربعين بيتا ، وأما إبراهيم نبوته بكوثى ربا وهي قرية من قرى السواد فيها بدا أول أمره ، ثم هاجر منها وليست بهجرة قتال ، وذلك قوله عزوجل : « إني مهاجر إلى ربي سيهدين » ( 2 ) فكانت هجرة إبراهيم بغير قتال ، وأما إسحاق فكانت نبوته بعد إبراهيم ، وأما يعقوب فكانت نبوته بأرض كنعان ثم هبط إلى أرض مصر فتوفي بها ، ثم حمل بعد ذلك جسده حتى دفن بأرض كنعان ، والرؤيا التي رأي يوسف الاحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين فكانت نبوته في أرض مصر بدؤها ، ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل الاسباط اثني عشر بعد يوسف ، ثم موسى وهارون إلى فرعون وملائه إلى مصر وحدها ، ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى فنبوته بدؤها في البرية التي تاه فيها بنو إسرائيل ، ثم كانت أنبياء كثيرون منهم من قصه الله عزوجل على محمد صلى الله عليه وآله ومنهم من لم يقصه على محمد ، ثم إن الله عزوجل أرسل عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل خاصة فكانت نبوته ببيت المقدس وكان من بعده الحواريون اثنا عشر ، فلم يزل الايمان يستسر في بقية أهله منذ رفع الله عزوجل عيسى عليه السلام وأرسل الله عزوجل محمدا صلى الله عليه وآله إلى الجن والانس عامة وكان خاتم الانبياء ، وكان من بعده الاثنا عشر الاوصياء ، منهم من أدركنا ومنهم من سبقنا ، ومنهم من بقي ، فهذا أمر النبوة و الرسالة ، فكل نبي أرسل إلى بني إسرائيل خاص أو عام له وصي جرت به السنة وكان الاوصياء الذين بعد النبي صلى الله عليه وآله على سنة أوصياء عيسى عليه السلام ، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سنة المسيح عليه السلام ، فهذا تبيان السنة وأمثال الاوصياء بعد الانبياء عليهم السلام .
3 ـ حدثنا أبي ؛ ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ،
____________
( 1 ) أي بيوتا صغيرة .
( 2 ) سهو من المؤلف أو الراوي وفي المصحف « اني ذاهب » أو بدون « سيهدين » .