التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه .
65 ـ حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن غياث بن أبراهيم ، عن ثابت ابن دينار ، عن سعد بن طريف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يا علي أنا مدينة الحكمة ( 1 ) وأنت بابها ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب ، فكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك لانك مني وأنا منك ، لحمك من لحمي ، ودمك من دمي ، وروحك من روحي ، وسريرتك من سريرتي ، وعلانيتك من علانيتي ، وأنت إمام أمتي ، وخليفتي عليها بعدي ، سعد من أطاعك ، وشقي من عصاك ، وربح من تولاك ، وخسر من عاداك ، وفاز من لزمك ، و هلك من فارقك ، مثلك ومثل الائمة من ولدك ( بعدي ) مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومثلكم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة .
[ معنى العترة والال والاهل والذرية والسلالة ]
قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمه الله ـ : إن سأل سائل عن قول النبي صلى الله عليه وآله « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » فقال : ما تنكرون أن يكون أبو بكر من العترة وكل بني أمية من العترة أو لا يكون العترة إلا لولد الحسن الحسين فلا يكون علي بن أبي طالب من العترة فقيل له : أنكرت ذلك لما جاءت به اللغة ودل عليه قوله صلى الله عليه وآله فأما دلالة قوله عليه السلام فإنه قال : عترتي أهل بيتي « والاهل مأخوذ من أهالة البيت وهم الذين يعمرونه فقيل لكل من عمر البيت أهل ، كما قيل عمر البيت أهله ، ولذلك قيل لقريش : آل الله لانهم عمار بيته ، والال : الاهل ، قال الله عزوجل في قصة لوط : » فأسر بأهلك بقطع
____________
( 1 ) في بعض النسخ « مدينة العلم » وفي بعضها مما بزيادة الواو .
( 242 )

من الليل » ( 1 ) وقال : « إلا آل لوط نجيناهم بسحر » ( 2 ) فسمى الال أهلا ، والال في اللغة الاهل . وإنما أصله أن العرب إذا ما أرادت أن تصغر الاهل قالت : أهيل ، ثم استثقلت الهاء فقالت : آل ، وأسقطت الهاء فصار معنى الال كل من رجع إلى الرجل من أهله بنسبه .
ثم استعير ذلك في الامة فقيل : لمن رجع إلى النبي صلى الله عليه وآله بدينه آل ، قال الله عزوجل : « أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » وإنما صح أن الال في قصة فرعون متبعوه لان الله عزوجل إنما عذبه على الكفر ولم يعذبه على النسب فلم يجز أن يكون قوله « أدخلوا آل فرعون » أهل بيت فرعون ، فمتى قال قائل : آل الرجل فانما يرجع بهذا القول إلى أهله إلا أن يدل عليه بدلالة الاستعارة كما جعل الله عزوجل بقوله « أدخلوا آل فرعون » وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : « ما عنى إلا ابنيه » .
وأما الاهل فهم الذرية من ولد الرجل وولد أبيه وجده ودنيه على ما تعورف ولا يقال لولد الجد الا بعد : أهل ، ألا ترى أن العرب لا تقول للعجم : أهلنا ، وإن كان إبراهيم عليه السلام جدهما ولا تقول من العرب مضر لاياد : أهلنا ، ولا لربيعة ، ولا تقول قريش لسائر ولد مضر : أهلنا ، ولو جاز أن يكون سائر قريش أهل الرسول عليه السلام بالنسب لكان ولد مضر وسائر العرب أهله ، فالاهل أهل بيت الرجل ودنيه ، فأهل رسول الله صلى الله عليه وآله بنو هاشم دون سائر البطون ، فإذا ثبت أن قوله صلى الله عليه وآله : « إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » فسأل سائل ما العترة فقد فسرها هو عليه السلام بقوله « أهل بيتي » وهكذا في اللغة أن العترة شجرة تنبت على باب جحر الضب قال الهذلي :
فما كنت أخشي أن أقيم خلافهم . * لستة أبيات كما ينبت العتر ( 3 )

____________
( 1 ) هود : 81 .
( 2 ) القمر : 34 .
( 3 ) العتر ـ بكسر العين وسكون التاء ـ نبت ينبت مثل المرزنجوش متفرقا ، فإذا طال وقطع أصله خرج منه شبه اللبن . وقيل : هو المرزنجوش ، وقيل : هو العرفج .

( 243 )

قال أبو عبيد ( 1 ) في كتاب الامثال ـ حكاه عن أبي عبيدة ـ ( 2 ) : العتر والعطر : أصل للانسان ومنه قولهم : « عادت لعترها لميس » ( 3 ) أي عادت إلى خلق كانت فارقته .
فالعترة في أصل اللغة أهل الرجل وكذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله « عترتي أهل بيتي » فتبين أن العترة الاهل الولد وغيرهم ، ولو لم تكن العترة الاهل وكانوا الولد دون سائر أهله لكان قوله عليه السلام : « إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض » لم يدخل علي ابن أبي طالب عليه السلام في هذه الشريطة لانه لم يدخل في العترة فلا يكون علي عليه السلام ممن لا يفارقه الكتاب ولا ممن إن تمسكنا به لن نضل ولا يكون من دخل في هذا القول فيكون كلام النبي صلى الله عليه وآله خاصا دون عام ، فان صلح أن يكون خاصا في الولد صلح أن يكون في بعض الولد لانه ليس في الكلام ما يدل على خصوصية في جنس دون جنس .
ومما يدل أن عليا عليه السلام داخل في العترة قوله عليه السلام : « إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » وقد أجمعت الامة إلا من شذ ممن لا يعد في ذلك بخلاف أن عليا عليه السلام لم يفارق حكم كتاب الله وأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يخلف في وقت مضيه أحدا أعلم بكتاب الله منه ، وقد كان الحسن والحسين عليهما السلام ممن خلفهما فهل في الامة من يقول : إنهما كانا أعلم بكتاب اللسه منه وهل كانا إلا آخذين عنه ومقتدين به ، ولا يخلو قوله صلى الله عليه وآله : « إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا » لكل عصر أراد ، أو لعصر دون
____________
( 1 ) هو القاسم بن سلام ـ كظلام ـ المتوفى 223 وكان من المشاهير في اللغة والحديث والادب .
( 2 ) هو معمر ـ كجعفر ـ ابن المثنى ـ كمعمي ـ البصري النحوي اللغوى . المتوفى 209 . وفي مروج الذهب « وفي سنة 211 مات أبو عبيدة العمرى معمر بن المثنى كان يرى رأى الخوارج وبلغ نحوا من مائة سنه ولم يحضر جنازته أحد من الناس بالمصلى حتى اكترى لها من يحملها ولم يكن يسلم عليه شريف ولا وضيع الا تكلم فيه » .
( 3 ) العتر : الاصل . ولميس اسم امرأة ، مثل يضرب لمن يرجع إلى عادة سؤء تركها ، واللام في لعترها بمعنى إلى كما في التنزيل « ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه » .

( 244 )

عصر ، فإن كان لكل عصر فالعصر الذي كان علي عليه السلام قائما فيه من كان مخلفا فينا ؟ هل كان الحسن والحسين هما المرادين بهذا القول أو علي عليه السلام ؟ فإن قال قائل : إنه الحسن والحسين عليهما السلام أوجب أنهما كانا في وقت مضي النبي صلى الله عليه وآله أعلم من أبيهما عليهم السلام وخرج من لسان الامة ( 1 ) ، وإن قال : إن النبي صلى الله عليه وآله أراد بهذا وقتا دون وقت أجاز على نفسه أن يكون أراد بعض العترة دون البعض لانه ليس الوقت الذي يدعيه خصمنا أحق بما ندعيه فيه من قول غيره ولا بد من أن يكون النبي صلى الله عليه وآله عم بقوله التخليف لكل الاعصار والدهور أو خص ، فإن كان عم فالعصر الذي قام فيه علي بن أبي طالب عليه السلام قد أوجب أن يكون من عترته ، اللهم إلا أن يقال : إنه ظلم إذ كان بحضرته من ولده من هو أعلم منه ، وهذا لا يقول به مسلم ولا يجيزه على رسول الله صلى الله عليه وآله مؤمن ، وكان مرادنا بإيراد قول النبي صلى الله عليه وآله : « إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض »س في هذا الباب إثبات اتصال أمر حجج الله عليهم السلام إلى يوم القيامة وأن القرآن لا يخلو من حجة مقترن إليه من الائمة الذين هم العترة عليهم السلام يعلم حكمه إلى يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وآله : « لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » وهكذا قوله صلى الله عليه وآله : « إن مثلهم كمثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة » تصديق لقولنا « إن الارض لا تخلو من حجة الله على خلقه ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله عزوجل وبيناته ، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله من العترة المقرونة إلى كتاب الله عزوجل في الخبر الذي :
حدثنا به أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا الحسن بن علي السكري ، عن محمد بن زكريا الجوهري ، عن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين
____________
( 1 ) أي خرج القائل من لسان الامة واجماعهم .
( 245 )

ـ وضم بين سبابتيه ـ فقام إليه جابر بن عبد الله الانصاري وقال : يا رسول الله من عترتك ؟ قال : علي والحسن والحسين والائمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة .
وحكى محمد بن بحر الشيباني ، عن محمد بن عبد الجبار صاحب أبي العباس ثعلب في كتابه الذي سماه كتاب الياقوتة ، قال : حدثني أبو العباس ثعلب ( 1 ) قال : حدثني ابن الاعرابي قال : العترة : قطاع المسك الكبار في النافجة وتصغيرها عتيرة . و العترة الريقة العذبة وتصغيرها عتيرة . والعترة شجر تنبت على باب وجار الضب ـ وأحسبه أراد وجار الضبع لان الذي يكون هو للضب مكن ( 2 ) وللضبع وجار ـ ثم قال : و إذا خرجت الضب من وجارها تمرغت على تلك الشجرة فهي لذلك لا تنمو ولا تكبر ، والعرب تضرب مثلا للذليل والذلة فتقول : أذل من عترة الضب قال : وتصغيرها عتيرة والعترة ولد الرجل وذريته من صلبه ولذلك سميت ذرية محمد صلى الله عليه وآله من علي وفاطمة عليهما السلام عترة محمد صلى الله عليه وآله . قال ثعلب : فقلت لابن الاعرابي : فما معنى قول أبي بكر في السقيفة « نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله » قال : أراد بلدته وبيضته . وعترة محمد صلى الله عليه وآله لا محالة ولد فاطمة عليها السلام والدليل على ذلك رد أبي بكر وإنفاد علي عليه السلام بسورة براءة ، و قوله صلى الله عليه وآله « أمرت أن لا يبلغها عني إلا أنا أو رجل مني » فأخذها منه ودفعها إلى من كان منه دونه . فلو كان أبو بكر من العترة نسبا ـ دون تفسير ابن الاعرابي أنه أراد البلدة ـ لكان محالا أخذ سورة براءة منه ودفعها إلى علي عليه السلام .
وقد قيل : إن العترة الصخرة العظيمة يتخذ الضب عندها جحرا يأوي إليه وهذا لقلة هدايته ، وقد قيل : إن العترة أصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من اصولها و عروقها ، والعترة في ( غير ) هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وآله « لا فرعة ولا عتيرة » ( 3 ) وقال
____________
( 1 ) بالثاء المثلثة واليعن المهملة ـ أحمد بن يحيى المتوفى 291 .
( 2 ) بفتح الميم وسكون الكاف ، وفي بعض النسخ « مسكن » ولعله تصحيف .
( 3 ) الفرع ـ بالتحريك اول ولد تنتجه الناقة . كانوا يذبحونه لالهتهم يتبركون بذلك والعتيرة أيضا هي الذبيحة التى كانت تذبح للاصنام في رجب فيصب دمها على رأسها .

( 246 )

الاصمعي : كان الرجل في الجاهلية ينذر نذرا على شائه إذا بلغت غنمه مائة أن يذبح رجبيته وعتائره ، فكان الرجل ربما بخل بشائه فيصيد الظباء ويذبحها عن غنمه عند آلهتهم ليوفي بها نذره ، وأنشد الحارث بن حلزة اليشكري بيتا :
عنتا باطلا وظلما كما تعتر عن حجرة الربيض الظباء ( 1 )
يعني يأخذونها بذنب غيرها كما تذبح أولئك الظباء عن غنمهم ، وقال الاصمعي : والعترة الريح ، والعترة أيضا شجرة كثيرة اللبن صغيرة تكون نحو تهامة ( 2 ) ويقال : العتر الذكر ، عتر يعتر عترا إذا نعظ ، وقال الرياشي : سألت الاصمعي ( 3 ) ، عن العترة فقال : هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقا .
قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب : والعترة علي بن أبي طالب وذريته من فاطمة وسلالة النبي صلى الله عليه وآله ( وهم ) الذين نص الله تبارك وتعالى عليهم بالامامة على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وهم اثنا عشر : أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي صلوات الله عليهم على جميع ما ذهبت إليه العرب في معنى العترة : وذلك أن الائمة عليهم السلام من بين جميع بني هاشم ومن بين جميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة ، وعلومهم العذبة عند أهل الحكمة والعقل . وهم الشجرة التي رسول الله صلى الله عليه وآله أصلها ، وأمير المؤمنين عليه السلام فرعها ، والائمة من ولده أغصانها ، وشيعتهم ورقها ، وعلومهم ثمرها . وهم عليهم السلام اصول الاسلام على معنى البلدة والبيضة .
____________
( 1 ) مصراع الثاني معناه أن الرجل كان يقول في الجاهلية : ان بلغت ابلى مائة عترت عنها عتيرة ، فإذا بلغت مائة ضمن بالغنم فصاد ظبيا فذبحه . والحجرة ـ كغرفة ـ حظيرة الغنم والابل . و ـ كغفلة ـ ناحية الدار ، ولعل الثاني هنا أصح والربيض ـ كأمير ـ : الغنم برعاتها المجتمعة في مربضها .
( 2 ) في المعاني « تكون نحو القامة » .
( 3 ) الرياشي ـ بكسر الراء ، والشين المعجمة ـ هو أبو الفضل ، العباس بن الفرج اللغوي المقتول بالبصرة أيام العلوي البصري صاحب الزنج سنة سبع وخمسين ومائتين ، سمع الاصمعي البصري المتوفى 215 اسمه عبد الملك بن قريب يكنى أبا سعيد .

( 247 )

وهم عليهم السلام الهداة على معنى الصخرة العظيمة التي يتخذ الضب عندها جحرا فيأوي إليه لقلة هدايته ، وهو أصل الشجرة المقطوعة لانهم وتروا وظلموا وجفوا وقطعوا ولم يواصلوا فنبتوا من أصولهم وعروقهم ، لا يضرهم قطع من قطعهم ، ولا إدبار من أدبر عنهم ، إذ كانوا من قبل الله منصوصا عليهم على لسان نبي الله صلى الله عليه وآله .
ومن معنى العترة هم المظلومون المأخوذون بما لم يجترموه ولم يذنبوه و منافعهم كثيرة . وهم عليهم السلام ينابيع العلم على معنى الشجرة الكثيرة اللبن . وهم عليهم السلام ذكرانا غير إناث على معنى قول من قال : إن العترة هو الذكر . وهم عليهم السلام جند الله عز وجل وحزبه على معنى قول الاصمعي : « إن العترة الريح » قال النبي صلى الله عليه وآله « الريح جند الله الاكبر » في حديث مشهور عنه ، والريح عذاب على قوم ورحمة لاخرين ، وهم عليهم السلام كذلك كالقرآن المقرون إليهم بقول النبي صلى الله عليه واله : « إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » قال الله عزوجل « وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا » ( 1 ) وقال عزوجل : « وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا * فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون » ( 2 ) وهم عليهم السلام أصحاب المشاهد المتفرقة والبيوت النازحة ( 3 ) على معنى الذي ذهب إليه من قال : إن العترة هو نبت مثل المرزنجوش ينبت متفرقا ، وبركاتهم عليهم السلام منبثة في المشرق والمغرب .
وأما الذرية فقد قال أبو عبيدة : تأويل الذريات عندنا إذا كانت بالالف ( 4 )
____________
( 1 ) الاسراء : 82 .
( 2 ) التوبة : 125 .
( 3 ) نزحت الدار نزوحا : بعدت . وبلد نازح وقوم منازيح . وقد نزح بفلان إذا بعد عن دياره غيبة بعيدة .
( 4 ) أي بالالف والتاء « الذريات » .

( 248 )

الاعقاب والنسل ، وأما الذي في القرآن « والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ( 1 ) » قرأها علي عليه السلام وحده ( 2 ) بهذا المعنى ، والاية التي في يس « وآية لهم أنا حملنا ذريتهم » وقوله عز وجل : « كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين » ( 3 ) فيه لغتان ذرية وذرية ، مثل علية وعلية وكانت قراءته بالضم وقرأها أبو عمرو ، وهي قراءة أهل المدينة إلا ما ورد عن زيد بن ثابت أنه قرأ « ذرية من حملنا مع نوح » ( 4 ) بالكسر ، وقال مجاهد في قوله : « إلا ذرية من قومه » إنهم أولاد الذين ارسل إليهم موسى ومات آباؤهم ، فقال الفراء : إنما سموا ذرية لان آباءهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل ، قال : وذلك كما قيل لاولاد أهل فارس الذين سقطوا إلى اليمن : الابناء ، لان أمهاتهم من غير جنس آبائهم ، قال أبو عبيدة : يريد الفراء أنهم يسمون ذرية ، وهم رجال مذكورون لهذا المعنى ، وذرية الرجل كأنهم النشء الذين خرجوا منه ، وهو من « ذروت » أو « ذريت » وليس بمهموز ، وقال أبو عبيدة : وأصله مهموز ولكن العرب تركت الهمزة فيه وهو في مذهبه من ذرأ الله الخلق كما قال الله جل ثناؤه : « ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس » ( 5 ) وذرأهم أي أنشأهم وخلقهم ، وقوله عزوجل « يذرؤكم ( 6 ) » أي يخلقكم . فكان ذرية الرجل هم خلق الله عزوجل منه ومن نسله ومن إنشاء الله عزوجل من صلبه .
ومعنى السلالة الصفوة من كل شيء ، يقال : سلالة وسليل ، وفي الحديث
____________
( 1 ) الفرقان : 74 .
( 2 ) أي بصيغة المفرد قبال الجمع .
( 3 ) الانعام : 133 .
( 4 ) الاسراء : 3 .
( 5 ) الاعراف : 179 .
( 6 ) الشورى : 10 .

( 249 )

قال النبي صلى الله عليه وآله : « اللهم اسق عبد الرحمن من سليل الجنة » ( 1 ) ويقال : السليل هو صافي شرابها ، وإنما قيل له « سليل » لانه سل حتى خلص ، وهو فعيل بمعنى المفعول ، قالوا في تفسير قول الله عزوجل : « ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين » ( 2 ) يعني أنه من صفوة طين الارض ، والسلالة النتاج ، سل من أمه أي نتج ، وقالت هند بنت أسماء ( 3 ) وكانت تحت الحجاج بن يوسف الثقفي :
وهل هند إلا مهرة عربية * سليلة أفراس تجللها بغل ( 4 )
فإن نتجت مهرا كريما فبا الحري * وإن يك أقرافا فما فعل الفحل ( 5 )
وروي فما جنى الفحل . والسليل المنتوج ، والسليلة المنتوجة كأنه يريد النتاج الخالص الصافي .
وقيل للحسن والحسين والائمة ( من ) بعدهما صلوات الله عليهم أجمعين : سلالة
____________
( 1 ) في النهاية : قيل هو الشراب البارد ، وقيل : الخالص الصافي من القذى والكدر .
( 2 ) المؤمنون : 12 .
( 3 ) في التاج وبعض نسخ الصحاح والعقد الفريد « هند بنت نعمان بن بشير » . ويمكن أن يكون « أسماء » أمها .
( 4 ) قوله « تجللها » في بعض الكتب « تحللها » بالحاء المهملة ، وفي بعضها « تخللها » بالخاء المعجمة . وفي اللسان والتاج « وما هند » وقوله « بغل » كذا في التاج والصحاح . وفي العقد الفريد « بعل » . في اللسان قال ابن بري : وذكر بعضهم أنها تصحيف وأن صوابه « نغل » ـ بفتح النون وسكون الغين المعجمة ـ وهو الخسيس من الناس والدواب لان البغل لا ينسل . انتهي . والمهر ـ بضم الميم وسكون الهاء ـ : ولد الفرس . والانثى : مهرة .
( 5 ) كذا وفي العقد الفريد : « فان أنجبت مهرا عريقا فبالحرى * وان يك اقراف فما أنجب الفحل » . وفى لسان العرب : « وان يك اقراف فمن قبل الفحل » .

( 250 )

رسول الله صلى الله عليه وآله لانهم الصفوة من ولده عليهم السلام . وهذا معنى العترة والذرية والسلالة في لغة العرب ، ونسأل الله التوفيق للصواب في جميع الامور برحمته .

23
( باب )
* ( نص الله تبارك وتعال على القائم عليه السلام وأنه ) *
* ( الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ) *
1 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الادمي الرازي قال : حدثنا محمد بن آدم الشيباني ( 2 ) عن أبيه أدم بن أبي إياس قال : حدثنا المبارك بن فضالة ، عن وهب بن منبه رفعه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما عرج بي إلى ربي جل جلاله أتاني النداء : يا محمد ! قلت : لبيك رب العظمة لبيك ، فأوحى الله تعالي إلي يا محمد فيم اختصم الملا الاعلي ؟ قلت : إلهي لا علم لي ، فقال : يا محمد هلا اتخذت من الادمين وزيرا وأخا ووصيا من بعدك ؟ فقلت : إلهي ومن أتخذ ؟ تخير لي أنت يا إلهي ، فأوحى الله إلي : يا محمد قد اخترت لك من الادميين علي بن أبي طالب ، فقلت : إلهي ابن عمي ؟ فأوحى الله إلي يا محمد إن عليا وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك ، يسقي من ورد عليه من مؤمني أمتك ، ثم أوحى الله عزوجل إلي : يا محمد إني قد أقسمت على نفسي قسما حقا لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولاهل بيتك وذريتك الطيبين الطاهرين ، حقا أقول : يا محمد لادخلن جميع أمتك الجنة إلا من أبي من خلقي ، فقلت : إلهي ( هل ) واحد يأبى من دخول الجنة ؟ فأوحى الله عزوجل إلي : بلى ، فقلت : وكيف يأبي ؟ فأوحى
____________
( 2 ) كذا وآدم بن أبى أياس ثقة وهو العسقلاني لا الشيباني كما في التقريب . ومحمد ابن آدم ابنه عامي مهمل . ومبارك بن فضالة أيضا عامي مختلف فيه .
( 251 )

الله إلي : يا محمد اخترتك من خلقي ، واخترت لك وصيا من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك ، وألقيت محبته في قلبك وجعلته أبا لولدك فحقه بعدك على امتك كحقك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقه فقد جحد حقك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة ، فخررت لله عزوجل ساجدا شكرا لما أنعم علي ، فإذا مناديا ينادى ارفع يا محمد رأسك ، وسلني أعطك ، فقلت : إلهي اجمع أمتي من بعدي على ولاية علي بن أبي طالب ليردوا جميعا علي حوضى يوم القيامة ؟ فأوحى الله تعالى إلي يا محمد إني قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم ، وقضائي ماض فيهم ، لاهلك به من أشاء وأهدي به من أشاء . وقد آتيته علمك من بعدك وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وأمتك ، عزيمة مني ( لادخل الجنة من أحبه و ) لا ادخل الجنة من أبغضه و عاداه وأنكر ولايته بعدك ، فمن أبغضه أبغضك ، ومن أبغضك أبغضني ، ومن عاداه فقد عاداك ، ومن عاداك فقد عاداني ، ومن أحبه فقد أحبك ، ومن أحبك فقد أحبني ، وقد جعلت له هذه الفضيلة ، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديا كلهم من ذريتك من البكر البتول ، وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسى بن مريم ، يملا الارض عدلا كما ملئت منهم ظلما وجورا ، انجي به من الهلكة ، وأهدي به من الضلالة ، وابرئ به من العمى ، وأشفي به المريض ، فقلت : إلهي وسيدي متى يكون ذلك ؟ فأوحى الله عزوجل : يكون ذلك إذا رفع العلم ، وظهر الجهل ، وكثر القراء ، وقل العمل ، وكثر القتل ، وقل الفقهاء الهادون ، وكثر فقهاء الضلالة والخونة ، وكثر الشعراء ، واتخذ أمتك قبورهم مساجد ، وحليت المصاحف ، وزخرفت المساجد وكثر الجور والفساد ، وظهر المنكر وأمر أمتك به ونهوا عن المعروف ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وصارت الامراء كفرة ، وأولياؤهم فجرة وأعوانهم ظلمة ، وذوي الرأي منهم فسقة ، وعند ذلك ثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وخراب البصرة على يد رجل من ذريتك يتبعه الزنوج ، وخروج رجل من ولد الحسين بن علي وظهور الدجال


( 252 )

يخرج بالمشرق من سجستان ، وظهور السفياني ، فقلت : إلهي ومتى يكون بعدي من الفتن ؟ فأوحى الله إلي وأخبرني ببلاء بني امية وفتنة ولد عمي ، وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فأوصيت بذلك ابن عمي حين هبطت إلى الارض وأديت الرسالة ، ولله الحمد على ذلك كما حمده النبيون وكما حمده كل شئ قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة .
2 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن همام قال : حدثنا أحمد بن مابنداذ ( 1 ) قال حدثنا أحمد بن هلال ، عن محمد بن أبي عمير ( 2 ) عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما اسري بي إلى السماء أوحى إلي ربي جل جلاله فقال : يا محمد إني أطلعت على الارض إطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا و شققت لك من اسمي إسما ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم أطلعت الثانية فاخترت منها عليا وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا العلي الاعلى وهو علي ، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما ، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقربين ، يا محمد لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ، ثم أتاني جاحدا لولايتهم فما أسكنته جنتي ولا أظللته تحت عرشي ، يا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت : نعم يا رب فقال عزوجل : ارفع رأسك فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي وعلي بن محمد ؟ والحسن بن علي ، و « م ح م د » بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري
____________
( 1 ) في المحكى عن ايضاح الرجال ـ في هامش بعض المخطوطة « ما بنذاذ بالميم قبل الالف والباء المضمومة المنقطة تحتها نقطة بعد الالف ثم النون . ثم الذال المعجمة المفتوحة بعد الالف وقبلها » . ولم أقف على حاله .
( 2 ) احمد بن هلال العبرتائي متهم في دينه غال . ورواية ابن أبي عمير عن المفضل بدون الواسطة بعيد

( 253 )

قلت : يا رب ومن هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الائمة وهذا القائم الذي يحلل حلالي ويحرم حرامي وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لاوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ، فيخرج اللات والعزى طريين فيحرقهما ، فلفتنة الناس يومئذ بهما أشد من فتنة العجل والسامري .
3 ـ حدثنا غير واحد من أصحابنا قالوا : حدثنا محمد بن همام ، عن جعفر بن محمد بن مالك الفرازي قال : حدثني الحسن بن محمد بن سماعة ، عن أحمد بن الحارث قال : حدثني المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبد الله الانصاري يقول : لما أنزل الله عزوجل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم » قلت « يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمن أولو الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال عليه السلام : هم خلفائي يا جابر ، وأئمة المسلمين ( من ) بعدي أولهم علي بن أبي طالب ، ثم الحسن والحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، و ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى ابن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه ، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الارض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان ، قال جابر : فقلت له : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال عليه السلام : إى والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علمه ، فاكتمه إلا عن أهله .
قال جابر بن يزيد : فدخل جابر بن عبد الله الانصاري على علي بن الحسين عليهما السلام فبينما هو يحدثه إذ خرج محمد بن علي الباقر عليهما السلام من عند نسائه وعلى رأسه ذؤابة وهو غلام فلما بصر به جابر ارتعدت فرائصه ، وقامت كل شعرة على بدنه ونظر


( 254 )

إليه مليا ، ثم قال له : يا غلام أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال جابر : شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله ورب الكعبة ، ثم قام فدنا منه ، فقال له : ما اسمك يا غلام ؟ فقال : محمد قال : ابن من ؟ قال : ابن علي بن الحسين ، قال : يا بني فدتك نفسي فأنت إذا الباقر ؟ فقال : نعم ، ثم قال : فأبلغني ما حملك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال جابر : يا مولاي إن رسول الله صلى الله عليه وآله بشرني بالبقاء إلى أن ألقاك وقال لي : إذا لقيته فأقرئه مني السلام ، فرسول الله يا مولاي يقرء عليك السلام ، فقال أبو جعفر عليه السلام : يا جابر على رسول الله السلام ما قامت السماوات والارض ، وعليك يا جابر كما بلغت السلام ، فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلم منه فسأله محمد بن علي عليهما السلام عن شئ فقال له جابر : والله ما دخلت في نهي رسول الله صلى الله عليه وآله فقد أخبرني أنكم أئمة الهداة من أهل بيته من بعده أحلم الناس صغارا ، وأعلم الناس كبارا ، وقال : " لا تعلموهم فهم أعلم منكم " فقال أبو جعفر عليه السلام : صدق جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، إني لاعلم منك بما سألتك عنه ولقد أوتيت الحكم صبيا كل ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت .
4 ـ حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال : حدثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي قال : حدثنا محمد بن علي بن أحمد بن الهمداني قال : حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري قال : حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن عبد الله ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي ، عن علي ابن موسى الرضا عليه السلام ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد ابن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن ـ أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني ، قال : علي عليه السلام : فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل ؟ فقال عليه السلام : يا عليه مني ، قال : علي عليه السلام : فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل ؟ فقال عليه السلام : يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين ، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللائمة من بعدك فإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ، يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حوا ، ولا


( 255 )

الجنة ولا النار ، ولا السماء ولا الارض ، وكيف لا يكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا عزوجل وتسبيحه وتقديسه وتهليله لان أول ما خلق الله عزوجل أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده ، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا امورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة لستبيحنا ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا : لا إله إلا الله ، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا الله لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال وأنه عظيم المحل ، فلما شاهدوا ما جعل الله لنا من العزة والقوة ، قلنا : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لتعلم الملائكة أن حول ولا قوة إلا بالله ، فقالت الملائكة : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا : الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه ، فقالت الملائكة : الحمد لله ، فبنا اهتدوا إلى معرفة ( توحيد ) الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده ، ثم إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما وكان سجودهم لله عزوجل عبودية ولادم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لادم كلهم أجمعون .
وإنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ، ثم قال : تقدم يا محمد ، فقلت : يا جبرئيل أتقدم عليك ؟ فقال : نعم لان الله تبارك وتعالى اسمه فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين وفضلك خاصة ، فتقدمت وصليت بهم ولا فخر ، فلما انتهينا إلى حجب النور قال لي جبرئيل عليه السلام : تقدم يا محمد وتخلف عني ، فقلت : يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني ؟ فقال : يا محمد إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله عزوجل لي في هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله ، فزخ بي زخة في النور حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله عزوجل من ملكوته ، فنوديت يا محمد ، فقلت : لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت ، فنوديت يا محمد أنت عبدي و


( 256 )

أنا ربك فاياي فاعبد ، وعلي فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي في بريتي ، لمن تبعك خلقت جنتي ، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولاوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتك أوجبت ثوابي ، فقلت : يا رب ومن أوصيائي ؟ فنوديت يا محمد ( إن ) أوصياءك المكتوبون على ساق العرش ، فنظرت ـ وأنا بين يدي ربي ـ إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا ، في كل نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كل وصي من أوصيائي ، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي امتي ، فقلت : يا رب أهؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك . وعزتي وجلالي لاظهرن بهم ديني ، ولاعلين بهم كلمتي ، ولاطهرن الارض بآخرهم من أعدائي ، ولا ملكنه مشارق الارض ومغاربها ، ولاسخرن له الرياح ، ولاذللن له الرقاب الصعاب ولا رقينه في الاسباب ، ولانصرنه بجندي ، ولامدنه بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ، ثم لاديمن ملكه ولاداولن الايام بين أوليائي إلى يوم القيامة . والحمد لله رب العالمين ، والصلاة على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما .

24
( باب )
* ( ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله في النص على القائم عليه السلام ) *
* ( وأنه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ) *
1 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الصيرفي الكوفي ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن جابر ابن يزيد الجعفي ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لعن المجادلون ( 1 ) في دين الله على لسان سبعين نبيا ، ومن جادل في آيات الله فقد
____________
( 1 ) في بعض النسخ « لعن الله المجادلين » .
( 257 )

كفر ، قال الله عزوجل : « ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد . ومن فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب ، ومن أفتى الناس بغير علم فلعنته ملائكة السماوات والارض ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار .
قال عبد الرحمن بن سمرة : فقلت : يا رسول الله أرشدني إلى النجاة ، فقال : يا ابن سمرة إذا اختلف الاهواو وتفرقت الاراء فعليك بعلي بن أبي طالب فإنه إمام امتي وخليفتي عليهم من بعدي ، وهو الفاروق الذي يميز به بين الحق والباطل ، من سأله أجابه ومن استرشده أرشده ، ومن طلب الحق عنده وجده ، ومن التمس الهدى لديه صادفه ، ومن لجأ إليه أمنه ، ومن استمسك به نجاه ، ومن اقتدى به هداه ، يا ابن سمرة سلم منكم من سلم له ووالاه ، وهلك من رد عليه وعاداه ، يا ابن سمرة إن عليا مني ، روحه من روحي ، وطينته من طينتي ، وهو أخي وأنا أخوه ، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين ، وإن منه إمامي أمتى وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمتي ، يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .
2 ـحدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن ـ عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى أطلع إلى الارض ( 2 ) إطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا ، ثم أطلع الثانية فاختار منها عليا فجعله إماما ، ثم أمرني أن أتخذه أخا ووليا ووصيا وخليفة ووزيرا ، فعلي مني وأنا من علي وهو زوج ابنتي وأبو سبطي الحسن والحسين ، ألا وإن الله تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججا على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ، ويحفظون وصيتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ، ومهدي أمتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله
____________
( 2 ) كذا في جميع النسخ وهكذا فيما سيأتي ص 263 والقياس « على الارض » .
( 258 )

يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة ، فيعلن أمر الله ، ويظهر دين الله عزوجل ، يؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله ، فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .
3 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا موسي بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن الحسن ابن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال : من علم أن لا إله إلا أنا وحدي ، وأن محمدا عبدي ورسولي ، وأن علي بن أبي طالب خليفتي ، وأن الائمة من ولده حججي أدخله الجنة برحمتي ، ونجيته من النار بعفوي ، وأبحث له جواري ، وأوجبت له كرامتي ، وأتممت عليه نعمتي ، وجعلته من خاصتي وخالصتي ، إن ناداني لبيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن سكت ابتدأته ، وإن أساء رحمته ، وإن فر مني دعوته ، وإن رجع إلى قبلته وإن قرع بابي فتحته . ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أن الائمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي ، وصغر عظمتي ، و كفر بآياتي وكتبي ، إن قصدني حجبته ، وإن سألني حرمته ، وإن ناداني لم أسمع نداءه ، وإن دعاني لم أستجب دعاءه ، وإن رجاني خيبته ، وذلك جزاؤه مني و ما أنا بظلام للعبيد .
فقام جابر بن عبد الله الانصاري فقال : يا رسول الله ومن الائمة من ولد علي ابن أبي طالب ؟ قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ، ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر ، فإذا أدركته فأقرئه مني السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم الكاظم موسى بن جعفر ، ثم الرضا علي بن موسى ، ثم التقي محمد بن علي ، ثم النقي على بن محمد ، ثم الزكي الحسن بن علي ، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي ،


( 259 )

من أطاعهم فقد أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ، بهم يمسك الله عزوجل السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه ، وبهم يحفظ الله الارض أن تميد بأهلها ( 1 ) .
4 ـ حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الائمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم ، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي ، وحجج الله على أمتي بعدي ، المقر بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر ( 2 ) .
5 ـ حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن محمد بن داود ، عن محمد بن الجارود العبدي ، عن الاصبغ بن نباته ، قال : خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن عليه السلام وهو يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول : خير الخلق بعدي و سيدهم أخي هذا ، وهو إمام كل مسلم ، ومولى كل مؤمن ( 3 ) بعد وفاتي . ألا وإنى أقول : خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا ، وهو إمام كل مؤمن ، ومولى كل مؤمن ( 4 ) بعد وفاتي ، ألا وإنه سيظلم بعدي كما ظلمت بعد رسول الله صلى الله عليه واله ، وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء ، إما إنه ( 5 ) وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة ، ومن بعد الحسين تسعة من
____________
( 1 ) ماد يميد أي اضطرب وتحرك .
( 2 ) في بعض النسخ « لهم جاحد » .
( 3 ) في بعض النسخ « أمير كل مؤمن » .
( 4 ) في بعض النسخ « وهو امام كل مسلم وأمير كل مؤمن » .
( 5 ) في بعض النسخ « في أرض كرب وبلاء ألا وانه » .

( 260 )

من صلبه خلفاء الله في أرضه وحججه على عباده ، وأمناؤه على وحيه ، وأئمة المسلمين وقادة المؤمنين ، وسادة المتقين ، تاسعهم القائم الذي ى يملا الله عزوجل به الارض نورا بعد ظلمتها ، وعدلا بعد جورها ، وعلما بعد جهلها ، والذي بعث أخي محمدا بالنبوة واختصني بالامامة لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الامين جبرئيل ، ولقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله ـ وأنا عنده ـ عن الائمة بعده فقال للسائل : والسماء ذات البروج إن عددهم بعدد البروج ، ورب الليالي والايام والشهور إن عددهم كعدد الشهور . فقال السائل : فمن هم يا رسول الله ؟ فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده على رأسي فقال : أولهم هذا وآخرهم المهدي ، من والاهم فقد والاني ، ومن عاداهم فقد عاداني ، ومن أحبهم فقد أحبني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني ، ومن أنكرهم فقد أنكرني ، ومن عرفهم فقد عرفني ، بهم يحفظ الله عزوجل دينه ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم يرزق عباده ، وبهم نزل القطر من السماء ، وبهم يخرج بركات الارض هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنين .
6 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أحب أن يتمسك بديني ، ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب ، وليعاد عدوه وليوال وليه ، فإنه وصيي ، وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد وفاتي ، وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي ، قوله قولي ، وأمره أمري ، ونهيه نهيي ، وتابعه تابعي ، وناصره ناصري ، وخاذله خاذلي ، ثم قال عليه السلام : من فارق عليا بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة ، ومن خالف عليا حرم الله عليه الجنة ، وجعل مأواه النار ( وبئس المصير ) ومن خذل عليا خذله الله يوم يعرض عليه ، ومن نصر عليا نصره الله يوم يلقاه ، ولقنه حجته عند المسألة ، ثم قال عليه السلام : الحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيهما ، وسيدا شباب أهل الجنة ، وأمهما سيدة نساء العالمين ، وأبوهما سيد الوصيين . ومن ولد الحسين تسعة أئمة ، تاسعهم القائم من ولدي ، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي ، .